الطبيعة الخاصة لالتزام البنك في عملية الاعتماد المستندي

إن تحديد الطبيعة القانونية لالتزام البنك تجاه المستفيد يثير الكثير من الصعوبات في عملية الاعتماد المستندي وبما أنه وليد البيئة التجارية خاضع للأعراف المصرفية تولت بتنظيمه مجموعة من القواعد المتعلقة بالاعتمادات المصرفية، فإن الفقه الحديث يذهب إلى اعتبار التزام البنك عقد ذو طبيعة خاصة أنشأه العرف المصرفي، ويستندون على ذلك بأن علاقة المشتري بالبنك عقد من نوع خاص غريب عن العقود المدنية وينفرد بأحكام خاصة، كإنشاء حق البائع مستقل عن مصدره، ذلك نظرا لطبيعة العلاقة بين الآمر والبنك (الفقرة الأولى)، وطبيعة العلاقة بين المستفيد والبنك (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: طبيعة العلاقة بين الآمر والبنك.

إذا عجزت جميع النظريات عن تفسير استقلال التزام البنك بشكل ينسجم مع موضوع الاتفاق المبرم بين البنك والمشتري الآمر، فإن القانون البنكي كفيل بخلق مؤسسات قانونية تبين علاقات الأبناك بعملائها من خلال عقد فتح الاعتماد، الذي تتمثل غايته في بعث الثقة اللازمة لإبرام عقود التجارة وخاصة الدولية منها، حيث بعد المسافة بين المصدر والمستورد، يجعل البنك يقوم بدور الوسيط في الوفاء بين الطرفين، الوفاء بالثمن للبائع (المستفيد) مقابل تسليمه المستندات التي تمثل البضاعة بعد التحقق من سلامتها وموافقتها لتعليمات المشتري (الآمر)، فالتزام البنك يرد مصدره في كونه تصرف مجرد، وفي نفس الوقت تعهد مزدوج من طرف البنك تجاه الآمر من أجل القيام ببعض الخدمات كفتح اعتماد مالي مخصصا للوفاء بثمن البضاعة محل عقد الأساس مقابل استلام مستندات مطابقة من المستفيد والقيام بفحصها، وكذلك إصدار خطاب الاعتماد وتبليغه للمستفيد، وأيضا تجاه المستفيد بتنفيذ الاعتماد عن طريق دفع مبلغه مستندا في كل هذا على القواعد والأعراف الموحدة.

الفقرة الثانية: طبيعة العلاقة بين البنك والمستفيد.

يهدف عقد فتح الاعتماد القطعي إلى تقديم ضمانة للمستفيد من خلال إنشاء التزام مستقل يتخذه البنك على عاتقه قبل هذا الأخير، ومشروط بتقديم المستندات مطابقة شروط الاعتماد.
كما أن البنك لا يلتزم قبل المستفيد بأداء دين المشتري في عقد البيع، لأن التزامه ليس تجديدا للالتزام الأصلي للمشتري، ولا يعتبر البنك كفيلا متضامنا يلتزم بأداء دين المدين الأصلي، أو وكيلا عن الآمر، يلتزم بتنفيذ وكالته، بل إن كلا من المستفيد والبنك يلتزم كل واحد منهما في مواجهة الطرف الآخر، استنادا إلى علاقة سابقة لا علاقة للطرف الآخر بها، فأساس التزام البنك هو عقد فتح الاعتماد المستندي الذي وقعه مع المشتري الآمر، والتزام المستفيد عقد البيع الذي أبرمه مع المشتري ولا علاقة لهما بسبب التزام الآخر.
هكذا تعرضت محكمة النقض المصرية لطبيعة العلاقة القانونية التي يلتزم بموجبها البنك المصدر بدفع الثمن للمستفيد، حيث نصت :” إصدار الاعتماد المستندي ليس عملية أصلية يفرض عليها رسم دمغة ولكنه متفرع عن عملية أخرى هي عملية فتح اعتماد عادي بسلفة يمنحها البنك إلى عميله مضمونة بمستندات أو بضائع…” .
من خلال كل ما أوردناه سابقا، يتضح بجلاء أن طبيعة التزام البنك ذو طبيعة خاصة لها ضوابطها القانونية ابتدعها العرف المصرفي ونظمتها مجموعة من القواعد والأعراف الموحدة باعتبارها من النظم المصرفية.