أهمية و حكمة ومشروعية الكفاءة في الزواج

تعتبر الحكمة من مشروعية الزواج هي أعفاف المرء نفسه وزوجه من الوقوع في الحرام وحفظ النوع الإنساني وإقامة الأسرة التي تعم بالسكينة والمودة والرحمة، وتعرف الكفاءة في الزواج بأن يكون الزوج مساوياً للزوجة أو أعلى شأناً منها في الدين والتقى وسلامة المعتقد، وأن يكون ذا كسب حلال، عفيفاً، والذي يقتضيه هدي القرآن الكريم وحكم النبي صلى الله عليه وسلم هو اعتبار التمسك بعرى الدين أصلاً وكمالاً فلا تزوج مسلمة بكافر لقوله تعالى {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً} ولا تزوج عفيفة بفاجر لقوله تعالى {أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون} وبذلك يكون المعتبر في النكاح الكفاءة في الدين لا في النسب لعموم قوله تعالى {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} ولما ثبت من أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج فاطمة بنت قيس وهي قرشية – أسامة ابن زيد مولاه رضي الله عنهم، ولقوله صلى الله عليه وسلم (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).

وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الكفاءة حق لله تعالى فيما يتصل بالدين والتقوى وسلامة المعتقد والحرية وثبوت النسب، وحق للزوجة وأهلها متى رضيت هي أو وليها تزويج من دونهم حسباً ونسباً، وذهب فريق من الفقهاء إلى أن الكفاءة حق للآدمي ومعتبرة في أمور ستة هي: الكفاءة في النسب لأنها معتبرة بمصاهرات العرب لأنهم يتفاخرون بالأنساب أكثر من غيرهم، وكذلك الحرية فالعتيق والمملوك ليس كفوءاً للحرة، ومن أمور الكفاءة الاستقامة والتقوى فالفاسق الفاجر ليس كفوءاً للعفيفة الصالحة المعروفة هي وأهلها بالتدين والخلق الحميد، ويقصد باليسار والحرفة أن يكون الزوج ذا مهنة شريفة تمكنه من الإنفاق على زوجته، وكذلك السلامة من العيوب الخلقية والخلقية المستحكمة التي تلحق الضرر بالعشرة الزوجية.

وحيث ان المعقول هو انتظام المصالح بين الزوجين لا يكون عادة الا إذا كان هنالك تكافؤ بينهما ومازال الناس يتفاوتون في مكانتهم الاجتماعية ومراكزهم الأدبية وهو مقتضى الفطرة الإنسانية والشريعة لا تصادم الفطرة والأعراف والعادات التي لا تخالف أصول الدين ومبادئه فالكفاءة شرط لزوم الزواج لا شرط صحة فيه فإذا تزوجت المرأة بغير كفء كان العقد صحيحاً وللأولياء حق الاعتراض عليه وطلب فسخه دفعاً للضرر العار عن انفسهم إلا أن يسقطوا حقهم في الاعتراض فيلزم، كذلك تعد الكفاءة حق للمرأة إذا زوجها الولي بغير كفء كان لها الفسخ لما روى عن عائشة رضي الله عنها أن فتاة دخلت عليها فقالت إن أبي زوجني من أبن أخيه ليرفع بي خسيسته وأنا كارهة، قالت اجلسي حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأرسل إلى أبيها فدعاه فجعل الأمر إليها، فقالت يا رسول الله قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن أعلم النساء إن ليس للأباء من الأمر شيء) والحاصل إن المرأة إن تركت الكفاءة فحق الولي باق والعكس.

ونخلص إلى أن أهم خصال الكفاءة هي الدين والنسب لأن العرب يعدون الكفاءة في النسب ويأنفون من نكاح الموالي ويرون ذلك عاراً ونقصاً فوجب أن يعتبر النسب في الكفاءة كالدين، ولما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال (لأمنعن تزوج ذوات الاحساب إلا من الأكفاء) وإن كان الشرع قد ساوى بين الناس في الحقوق والواجبات، إلا أن الناس مقامات وشيء من الشرف ينبغي في الشرع أن يحافظ عليها، لأن أولياء المرأة يعيرون بالزواج من غير الأكفاء ويتضررون منه بأن يبتعد كل من في طبقتهم من طلب نسائهم، والكفاءة لا تعد شرطاً في صحة الزواج ولكنها تعتبر شرط للزوم النكاح، فلمن لم يرض من المرأة أو الأولياء فسخ عقد الزواج دفعاً لما يلحقهم من العار، أما بقية الخصال كالجمال والثقافة والسن فالأولى مراعاة التقارب بينهما لأنه أدعى لتحقيق مصالح الزوجين من دوام العشرة والمودة والألفة بينهما التي لا تأتي إلا باشتراط الكفاءة.