تمويل المساكن و ضمان المديونية

أثارت المؤسسة العامة للتقاعد الحديث مرة أخرى عن التمويل العقاري في السوق العقارية في المملكة بمناسبة إصدارها برنامج مساكن الذي يستهدف تمويل الموظفين والمتقاعدين لشراء مساكن لهم من خلال بيعهم الوحدة العقارية المعينة من قبل المشتري بالتقسيط الطويل الذي قد يصل إلى 25 سنة, ومن ثم رهنها لضمان سداد باقي المديونية, ولن أتحدث عن الفائدة التي تأخذها المؤسسة وهل هي مناسبة أو مبالغ فيها, فقد كتب عدد من المختصين عن ذلك بين مادح وقادح, إلا أني أشير هنا إلى جانب مهم في صيغ عقود التمويل العقاري له ارتباط وثيق بنسبة الفائدة المحددة, وهو: درجة المخاطرة في ضمان المديونية, حيث إن هناك علاقة طردية بين المخاطرة والنسبة التي يأخذها الممول, وبالنظر في الصيغة المعلنة لعقد المؤسسة يتضح أنها من الصيغ التي تشتمل على مخاطرة متوسطة فيما يخص ضمان سداد المديونية ” الأقساط”.

إذ إن العقود العقارية تتفاوت في أحكامها المتعلقة بصيغة ضمان المديونية بين صيغ تشتمل على مخاطرة عالية ومتوسطة ومتدنية, فالصيغة العالية هي: أن يتم تسجيل العقار باسم المشتري من غير رهنه لصالح الممول, والاكتفاء بأخذ سندات أو شيكات أو كفيل غارم وما شابه, وهذا يعرض المديونية لمخاطرة كبيرة إذ قد يمتنع العميل أو يماطل في السداد وقد يبيع العقار, فلا يملك الممول أي سلطة على العقار إنما يستوفي حقه من خلال المطالبة بالضمانات الأخرى ولا شك أنها ستأخذ وقتا وجهدا كبيرين وبالتالي فهي ستؤدي إلى زيادة تكلفة الفائدة المقررة لمثل هذا النوع من التمويل, وهي من الصيغ القديمة ولا تعمل البنوك أو مؤسسات وشركات التمويل بمثل هذه الصيغة لما فيها من المخاطرة العالية, أما الصيغة المتوسطة فهي، أن يتم تسجيل العقار باسم العميل ومن ثم يعاد رهنه للممول ففي هذه الصيغة ضمان غل يد العميل عن بيع العقار وبالتالي الضغط عليه للسداد, وإمكانية الاستيفاء من قيمة العقار في حال تم بيعه عند حصول موجبه, وفي الحقيقة فإن الممولين لا يلجأون إلى البيع(في الغالب) وإن ضمنوه في عقودهم لما يكتنف ذلك من إجراءات قضائية طويلة ترجع على الجدوى الاقتصادية بالهدر ولا سيما مع عدم وجود نظام للرهن العقاري, إلا أن المراهنة برأيي تبقى في منع تصرف العميل في العقار وبقائه مهددا في أي لحظة بإخلاء العقار لاستيفاء المديونية, وفي بعض الدول التي نظمت التمويل العقاري فإن الممول يوظف عقد الرهن في عقود أخرى قد تكون مشروعة أو غير مشروعة حسب الصيغة, واعتبار هذه الصيغة من الصيغ المتوسطة لدرجة المخاطرة فيها فهي من جهة تضمن عدم تصرف العميل في العقار – وهو ما يضعف الصيغة الأولى ويقلل من كفاءتها-, ومن جهة أخرى فهي غير فاعلة بالدرجة الكافية لاستيفاء المديونية في الوقت المناسب, وهو ما يفسر أن تكون النسبة متوسطة في الكثير من العقود.

أما الصيغة متدنية المخاطر فهي تلزم العميل بإبقاء العقار باسم الممول, فظاهر وثيقة التملك تفيد أن العقار في ملك الممول مما يجيز له التصرف متى شاء من غير رجوع إلى العميل, وحقيقة العقد أن العقار مرهون لضمان باقي المديونية, وواضح من هذه الصيغة أن المخاطرة على الممول متدنية من جهة قدرته على استيفاء مديونيته متى شاء من غير حاجة إلى القضاء ولا إلى العميل, وهي صيغة انتشرت أخيرا نظر لعدم وجود نظام للتمويل والرهن العقاري.
وفيما سبقت الإشارة إليه مباحث فقهية سأعود إلى الحديث عنها إن شاء الله في الأسبوع المقبل.