وجوب النفقة:

نفقة الزوجة مناطها احتباسها لحق زوجها عليها ــ ولو كانت موسرة أو مختلفة معه في الدين ــ ليملك زوجها عليها تلك المنافع التي ينفرد بالاستمتاع بها بحكم قصرها عليه بإذن من الله تعالى، ومن خلال تسليمها نفسها لزوجها تسليماً فعلياً أو حكمياً. والنفقة بذلك حق ثابت لها على زوجها في نكاح صحيح.

ومن ثم كان احتباسها أو استعدادها لتمكين زوجها منها، سبباً لوجوبها، وكان قدرها مرتبطاً بكفايتها، وبشرط ألا تقل عما يكون لازماً لاستيفاء احتياجاتها الضرورية، امتثالا لقوله تعالى:{لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} (سورة الطلاق – الآية 7)ولقوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} (سورة الطلاق – الآية 6) بما مؤداه أن عصيانها زوجها فيما يباشره عليها من الحقوق التي يوجبها النكاح، يدل على نشوزها، ويعتبر مسقطاً لنفقتها بالنظر إلى ترفعها وإبائها أن تطاوع زوجها، وتجاهلها أن حقوق الزوجين وواجباتهما تتقابل فيما بينها، فلا يتقيد زوجها بالإنفاق عليها مع ارتفاعها عن أوامره.

فإذا ظلمها زوجها بعد توبتها، كان معتدياً وباغياً عليها بالمخالفة لأمر الله “فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا” في قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً} (سورة النساء – الآية 34).

(من حكم المحكمة الدستورية في الطعن رقم 18 لسنة 14 قضائية “دستورية عليا” – جلسة 3/5/1997 مجموعة المكتب الفني – السنة 8 – صـ 611).

إذ كانت النفقة تشمل الطعام والكسوة والسكنى (ومصاريف العلاج وأجر الخادم وغير ذلك مما يقتضيه الشرع)، بقدر حاجة الزوجة وبحسب يسار الزوجة، بما لازمة أن إعالة الزوجة إنما تجب على الزوج دون وليها وبمجرد العقد سواء دخل بها أو لم يدخل طالما إنها في طاعته ولم يثبت نشوزها، إذ تصبح النفقة ديناً في ذمة الزوج من تاريخ امتناعه عن الإنفاق عليها.

(نقض مدني في الطعن رقم 7545 لسنة 63 قضائية – جلسة 24/3/2002 المستحدث في قضاء النقض – صـ 309).

النصوص القانونية في النفقة:

تنص المادة 16 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون رقم 100 لسنة1985 ببعض أحكام الأحوال الشخصية على أن:

“تقدر نفقة الزوجة بحسب حال الزوج وقت استحقاقها يسراً أو عسراً على ألا تقل النفقة في حالة العسر عن القدر الذي يفي بحاجاتها الضرورية.

وعلى القاضي في حالة قيام سبب استحقاق النفقة وتوافر شروطه أن يفرض للزوجة وصغارها منه في مدى أسبوعين على الأكثر من تاريخ رفع الدعوى نفقة مؤقتة (بحاجاتها الضرورية)بحكم غير مسبب واجب النفاذ فوراً إلى حين الحكم بالنفقة بحكم واجب النفاذ.

وللزوج أن يجري المقاصة بين ما أداه من النفقة المؤقتة وبين النفقة المحكوم بها عليه نهائياً، بحيث لا يقل ما تقبضه الزوجة وصغارها عن القدر الذي يفي بحاجاتهم الضرورية”.

كما تنص الفقرة الأولى من المادة 17 من ذات القانون على أن:

“لا تسمع الدعوى لنفقة عدة لمدة تزيد على سنة من تاريخ الطلاق”.

كما تنص المادة 18 مكرر1 من ذات القانون على أن:

“الزوجة المدخول بها في زواج صحيح، إذا طلقها زوجها دون رضاها ولا بسبب من قِبلها، تستحق فوق نفقة عدتها، متعة تقدر بنفقة سنتين على الأقل، وبمراعاة حال المطلق يسراً وعسراً وظروف الطلاق ومدة الزوجية، ويجوز أن يرخص للمطلق في سداد هذه المتعة على أقساط”.

ويستند الحكم الوارد في هذا النص الأخير إلى أن الأصل في تشريع المتعة هو جبر خاطر المطلقة، لأن مواساتها من المرؤة التي تتطلبها الشريعة الإسلامية، طبقاً لقوله تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ}(سورة البقرة – الآية 236) وقد أقر مذهب الشافعية الجديد المتعة للمطلقة إذا لم تكن الفرقة منها أو بسببها، وهو قول أحمد بن حنبل وبن تيمية وأهل الظاهر وأحد أقوال الإمام مالك. كما أن رأي المذاهب الأخرى المختلفة في المتعة أنها مستحبة للمطلقة بعد الدخول بها وإن كان لا يُقضى بها. والأخذ بتقرير المتعة يتفق فضلاً عن سنده الشرعي والفقهي مع الأصل الإسلامي في التكافل الاجتماعي. (من تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ومكتب لجنة الشئون الدينية والاجتماعية والأوقاف عن اقتراح بمشروع القانون).

تقدير النفقة:

تنص المادة 23 من قانون الأحوال الشخصية الجديد رقم 1 لسنة 2000 بشأن إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية على أنه: “إذا كان دخل المحكوم عليه بنفقة أو ما في حكمها محل منازعة جدية، ولم يكن في أوراق الدعوى ما يكفي لتحديده، وجب على المحكمة أن تطلب من النيابة العامة إجراء التحقيق الذي يمكنها من بلوغ هذا التحديد.

وتباشر النيابة العامة بنفسها إجراء التحقيق في هذا الشأن.

ومع عدم الإخلال بأحكام قرار رئيس الجمهورية رقم 205 لسنة 1990 بشأن سرية الحسابات بالبنوك، تلتزم أي جهة حكومية أو غير حكومية بإفادة النيابة العامة بما تحت يدها من معلومات، تكون منتجة في تحديد دخل المطلوب منه النفقة.

ولا يجوز استخدام ما تسفر عنه هذه التحقيقات من معلومات في غير المادة التي أجريت بشأنها.

ويجب على النيابة العامة أن تنهى التحقيق وترسله مشفوعاً بمذكرة موجزة بالنتائج التي خلصت إليها في موعد لا يجاوز ثلاثين يوماً من تاريخ وصول طلب المحكمة إليها”.

ويشترط لتكليف النيابة العامة بإجراء التحقيق والتحري عن يسار الزوج ثلاثة شروط هي:

1-أن يكون دخل المطلوب الحكم عليه محل منازعة، فإن لم تكن هناك منازعة فلا محل للتحقيق المذكور.

2-أن تكون تلك المنازعة على قدر من الجدية يبرر إجراء التحقيق، وتقدير تلك الجدية يعد من إطلاقات محكمة الموضوع ولا تخضع في شأنه لرقابة محكمة النقض.

3-أن تخلو أوراق الدعوى من دليل يكفي لتحديد دخل الملتزم بالنفقة.

وقد أوجب النص على المحكمة إذا ما توافرت الشروط المتقدمة إحالة أوراق الدعوى إلى النيابة العامة المختصة لتحقيق يسار الملتزم بالنفقة، فإن هي لم تفعل أضحى الحكم الصادر منها باطلاً.

كما أوجب النص على النيابة العامة مباشرة تحقيق يسار الملتزم بالنفقة عن طريق أحد أعضاء النيابة العامة، وقد حظر الكتاب الدوري الصادر عن النائب العام برقم 8 لسنة 2000 ندب أحد مأموري الضبطية القضائية لإجراء هذا التحقيق. ولكن يجوز لعضو النيابة العامة – في سبيل إنجازه للتحقيق – الاستعلام من أي جهة يراها واتخاذ كافة الإجراءات الموصلة إلى تحقيق هدفه ومنها سماع الشهود وطلب التحريات من الجهات الإدارية والبنوك وغيرها.

وقد أوجب النص على النيابة العامة أن تنتهي من إجراء التحقيق عن يسار الملتزم بالنفقة في موعد غايته 30 يوماً من تاريخ وصول طلب المحكمة، وليس من تاريخ صدور قرارها بتكليف النيابة العامة بالتحري. وهذا الموعد من المواعيد التنظيمية ولا يترتب على مخالفته ثمة بطلان.

وإذا كان الملتزم بالنفقة موظفاً، فيجوز إثبات الحالة المالية له بـ “بيان مفردات المرتب”، وإذا كان من أرباب المهن الأخرى، فيجوز إثبات حالته المالية بكافة طرق الإثبات الأخرى، ومنها التحريات الإدارية والبينة الشرعية خاصة إذا ادعت الزوجة أن للزوج مصادر أخرى بخلاف راتبه الثابت.

وتدخل كافة موارد الزوج في تقدير يساره، ومن ثم في تحديد مقدار النفقة المستحقة عليه، ومن ذلك: أرصدته النقدية بالبنوك، ومقدار الريع المستحق له كعائد ودائع أو سندات بنكية (شهادات استثمار أو إدخار وما شابه)، وقيمة الأراضي الزراعية وغيرها من العقارات المملوكة …الخ.

وتقدير موارد الزوج والنفقة يخضع للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع، فقد يكون امتلاك الزوج لسيارة مثلاً، عند إحدى المحاكم دليلاً على يساره، وقد يكون عند محاكم أخرى من قبيل الأعباء المالية التي تستنزل من موارده عند تقدير النفقة المستحقة عليه.

كما يجوز للملتزم بالنفقة إثبات وفائه بها بكافة طرق الإثبات، ومنها شهادة الشهود، دون التقيد بقاعدة عدم جواز إثبات ما يجاوز 5000 جنيه إلا بالكتابة، طبقاً للقول الراجح في المذهب الحنفي بجواز الإثبات بالبينة أياً ما كانت قيمة التصرف. وقد استقر الفقه والقضاء الشرعي على أن: “ثبوت قبض – الزوجة أو المطلقة أو المستحقة – لنفقة شهر، قرينة قاطعة على قبض المتجمد عن الشهر السابق عليه.

وحجية الأحكام الصادرة بالنفقات، حجية مؤقتة، بحيث يجوز – بعد صدورها – إقامة دعوى النفقة من جديد بطلب زيادتها (من جانب الزوجة أو المطلقة أو المستحقة) أو بطلب إنقاصها (من جانب الزوج)، لأن النفقة بطبيعتها تقبل التغيير والتبديل ويرد عليها الزيادة والنقصان بسبب تغير الظروف، فقد يطرأ على أحوال الزوج المالية زيادة أو نقصان، كما قد تتغير الأسعار والقوة الشرائية للنقود، كما قد تزيد الحاجات والمطالب. والحكم الذي يصدر بزيادة النفقة يسري من تاريخ زيادة يسار الزوج، والحكم الذي يصدر بإنقاص النفقة يسري من تاريخ إعساره.

وفي شأن تنفيذ الأحكام النهائية الصادرة بالنفقة، تنص المادة 76 من قانون الأحوال الشخصية الجديد رقم 1 لسنة 2000 بشأن إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية على أنه:

“استثناء مما تقرره القوانين في شأن قواعد الحجز على المرتبات أو الأجور أو المعاشات وما في حكمها، يكون الحد الأقصى لما يجوز الحجز عليه منها وفاءً لدين نفقة أو أجر أو ما في حكمها للزوجة أو المطلقة أو الأولاد أو الوالدين، في حدود النسب الآتية:

أ‌.25% للزوجة أو المطلقة، وتكون 40% في حالة وجود أكثر من واحدة.

ب‌.25% للوالدين أو أيهما.

ت‌.35% للولدين أو أقل.

ث‌.40% للزوجة أو المطلقة ولولد أو اثنين والوالدين أو أيهما.

ج‌.50% للزوجة أو المطلقة وأكثر من ولدين والوالدين أو أيهما.

وفي جميع الأحوال، لا يجوز أن تزيد النسبة التي يجوز الحجز عليها على 50% تقسم بين المستحقين بنسبة ما حُكِمَ به لكل منهم”.

والنفقة المؤقتة تكون عند الضرورة ولحين تقرير النفقة النهائية بحكم نهائي واجب النفاذ، ونفقة العدة تكون عن شهور العدة فقط، ونفقة المتعة إنما تقرر للزوجة المدخول بها في زواج صحيح، إذا طلقها زوجها دون رضاها ولا بسبب من قِبلها، وتقدر بنفقة سنتين على الأقل، وبمراعاة حال المطلق يسراً وعسراً وظروف الطلاق (علماً بأن الزوجة هي التي طلبت الطلاق)ومدة الزوجية (وهي مدة قصيرة لا تتعدى الثلاث سنوات)، ويجوز أن يرخص للمطلق في سداد هذه المتعة على أقساط. فحتى إذا تقرر للمطلقة نفقة متعة بقدر نفقة سنتين، فبعد سداد الزوج لتلك النفقات (سواء دفعة واحدة أو على أقساط) تبرأ ذمته من ديون النفقة، ولا يكون ملزماً أمام مطلقته بأي نفقات أخرى (لا سيما وأنها ليست حاضنة).

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .