الآثار المادية البيولوجية في التحقيق الجنائي

المؤلف : بن لاغة عقيلة
الكتاب أو المصدر : حجية ادلة الاثبات الجنائية الحديثة
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

1 – فحص الدم:
قد تشكل آثار الدماء الناتجة عن جسم الإنسان والتي يمكن العثور عليها في مسرح الجريمة أهمية خاصة وكبيرة، باعتبارها تنتج عن أي جرح أو خدش أو نزيف دموي، الأمر الذي يجعل منها أثر ودليلا ماديا يستفاد منه في الإثبات الجنائي، والسبب في ذلك يرجع إلى اختلاف أنواع فصائل الدم بين الناس، والتي تقسم إلى أربعة فصائل هي : A-B-AB-O (1) وبما أن لهذه الدماء فائدة كبيرة في مجال البحث الجنائي، يجب على الخبير وعند العثور على البقع الدموية، فحصها جيدا لمعرفة ما إذا كانت دماء من عدمه، وهل هي دم إنسان أو حيوان، ومدى نسبة الدم لشخص معين، ويتم فحص البقع الدموية السائلة تحت الميكروسكوب، ويتم دراسة كريات الدم الحمراء، فإذا كانت بقع الدم كروية كان الدم الذي عثر عليه لإنسان، وإذا كانت كرات الدم بيضوية فإن الدماء ستكون لحيوان. (2)
– ماهية بقع الدم : يتكون الدم من المصل وكرات الدم الحمراء والبيضاء، وهي ما تعرف بالخلايا الدموية، فبالنسبة لكرات الدم الحمراء فهي تكتسب اللون الأحمر لاحتوائها على هيموغلوبين الدم وهي توجد بمعدل خمسة ملايين وحدة في المليمتر المكعب، في حين يقدر عدد الكرات البيضاء أقل عدد من الحمراء، إذ يقابل كل ألف كرة دم حمراء واحدة أو اثنان بيضاء، وتبلغ كمية الدم في جسم الإنسان عشر وزن جسم الإنسان، ويتدفق الدم عندما تتعرض أنسجة الجسم للهتك، ويمكن تحديد ما إذا كان الدم المتواجد في مكان الحادث هو للإنسان أم أنه مادة مشابهة له بواسطة الاختبار الكيميائي، و إذا أثبتت النتائج انه دم يقوم الخبير باستخدام المضادات المصلية للإنسان مع الشخص المشتبه به، وينتج عن التفاعل رواسب يعرف منها نوع الدم(3) لذلك يجب على الأخصائيين تسجيل الأماكن التي وجدت عليها آثار الدماء، وشكل البقع وحجمها والسطح الذي تناثرت عليه، لأنه عندما تطبق المعلومات المتحصل عليها من مكان الحادث بشكل جيد ودقيق على الخصائص الفيزيقية للدم، فإنه يمكن تحديد مصدر البقع، والمسافة بين مصادر الدم والسطح الذي اصطدم به وقت الحادث، عدد الضربات ووضع المجني عليه وقت الاعتداء.(4)

لذلك فإنه عندما يكون الدم على شكل سائل يتم رفعه بواسطة قطارة نظيفة أو ملعقة ويتم وضعه في أنبوب زجاجي نظيف ويضاف إليه محلول الملح، أما إذا كان الدم موجودا على سطح جسم مسامي فإنه يترك إلى أن يجف ثم يتم نقله إلى المختبر. وإذا كان السطح أو الجسم كبير ولا يمكن نقل هذا الدم فإنه يكشط بواسطة سكين ويوضع في زجاجة، أما بالنسبة للبقع الصغيرة التي لا يمكن كشطها فيمكن إزالتها باستعمال ورق نشاف مبلل بالماء، أما إذا وجدت آثار الدماء في التراب، فإنه يجب أخذ عينة كافية من التراب لنضمن الحصول على عينة الدم وتوضع هذه الكمية في وعاء زجاجي أو بلاستيكي ويتم إرساله إلى المختبر قبل أن يتلف لأن وجود البكتيريا في التربة تؤدي إلى إتلافه(6)
2- غسيل المعدة:
يعتبر استخراج متحصلات المعدة وتحليلها، أو ما يعرف بغسيل المعدة من الوسائل العلمية التي تستخدم للكشف عن جسم الجريمة، خاصة في جرائم المخدرات، لأنه عادة ما يلجأ الجناة إلى ابتلاع قطعة مخدر ومثل هذا الإجراء وان كان يقع على الشخص، إلا أنه يتعدى الأجزاء الظاهرة من جسمه إلى البحث ما في معدته وأحشائه، فاستخدام مثل هذه الوسيلة يتم بعد القبض على الشخص ووضعه في المستشفى وندب الطبيب لاستخراج هذه المتحصلات بالوسائل الطبية وتحليلها( 5)، وذلك من خلال إدخال أنبوب في أنف أو فم الشخص من أجل ضخ محتويات المعدة للخارج، دون أن ننسى ما قد يلحقه هذا التدخل من إزعاج وتقيئ وفي بعض الأحيان آلاما كبيرة بالشخص.(7)
________________
1- مسعود زبدة القرائن القضائية بدون طبعة، طبع المؤسسة الوطنية للفنون المطبعة وحدة الرغاية، الجزائر، 2000 ، ص 68 .
2- Steven a. Koehler avec Pete Moore et David Owen، op.cit، p.85
3- معجب معدى الحويقل، دور الأثر المادي في الإثبات الجنائي، الطبعة الأولى، مطابع أكاديمية نايف العربية، الرياض، 1999 ، ص 20 .
4- ناصر عبد العزيز النويصر، الآثار المادية والبيولوجية بمسرح الجريمة وأوجه دلالتها، كلية علوم الأدلة . الجنائية، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، 2008 ، ص 17 .
5- الخضرمي ولد سيدينا ولد برو، مسرح الجريمة ورفع الأدلة، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض ، 2008 ، ص 108
6- توفيق محمد الشاوي، حرمة الحياة الخاصة ونظرية التفتيش، الطبعة الأولى منشأة الناشر المعارف بالإسكندرية 2006 ، ص 52 .
7- بطيحي نسيمة، أثر الإثبات الجنائي بالوسائل التقنية الحديثة على حقوق الإنسان، مذكرة ماجستير في القانون الجنائي والعلوم الجنائية، كلية الحقوق بن عكنون، جامعة الجزائر، 2010 ،ص22

التكيف القانوني للآثار البيولوجية في التحقيق الجنائي

لقد اختلف الفقه القانوني حول ما إذا كان هذا النوع من الآثار، أي تحليل الدم، البول، غسيل المعدة، يعد عملا من أعمال التفتيش أو عملا من أعمال الخبرة الطبية، وفي هذا الصدد يذهب غالبية الفقه الفرنسي، ويؤيده جانب من الفقه المصري إلى القول بأن هذا النوع من التحاليل يعتبر عملا من أعمال التفتيش فهذا الإجراء، يتعلق بكشف مواضيع معينة من جسم الإنسان والمساس بها، باعتبار أن النتائج المترتبة على هذا التحليل هي الأقرب إلى التفتيش من غيره.

فكل إجراء يهدف إلى التوصل إلى دليل مادي في جريمة والبحث عن أدلتها ويتضمن الاعتداء على سر الإنسان يعد من أعمال التفتيش(1) وقد أكدت هذا الطرح محكمة النقض المصرية إذ قضت في أحد أحكامها أن وجود المتهم في حالة تلبس يبيح لمأمور الضبط القضائي القبض عليه، وتفتيشه بطريق غسيل المعدة، والحصول على بوله.

ويتضح من هذا أن المحكمة تعتبر غسيل المعدة هو نوع من التفتيش(2) في حين ذهب جانب آخر من الفقه للقول بان تحاليل الدم وغسيل المعدة تعد عملا من أعمال الخبرة الطبية، فهي تعتمد على الرأي الفني للخبير، لاتصالها بمسائل ذات طابع فني أكثر من اتصالها بأعمال التفتيش.(3)

ولقد تبنت المحكمة العليا في الجزائر هذا الرأي حيث قضت بأن الخبرة ضرورية لإثبات جريمة قيادة مركبة في حالة سكر، وبهذا تكون قد اعتبرت أن التحاليل الدموية من قبيل أعمال الخبرة لا التفتيش(4).
_______________
1- هاشم محمد علي الفلاحي، حجية البصمة الوراثية في قضايا النسب، الدفعة السادسة عشر، وزارة العدل، المعهد العالي للقضاء، اليمن، 2010 ، ص 30
2- توفيق محمد الشاوي، حرمة الحياة الخاصة ونظرية التفتيش، الطبعة الأولى منشأة الناشر المعارف بالإسكندرية 2006 ، ص 253 .
3- هاشم محمد علي الفلاحي، مرجع نفسه، ص 30 .
4- قرار 19713 ، بتاريخ، 19 ، فيفري 1981 ، جيلالي بغدادي، الاجتهاد القضائي في المواد الجزائية، الجزء الأول، الطبعة الأولى، الديوان الوطني للأشغال التربوية 2002 ، ص 22