نظريتا الإكراه و تنازع الحقوق

أولا: نظرية الإكراه:
مضمون هذه النظرية هو أن الدفاع الشرعي كسبب من أسباب عدم المسؤولية الشخصية مبني على فكرة الإكراه المعنوي والاضطرابات و الانفعالات التي تستولي على نفس المعتدي عليه والميل الغريزي للإنسان الذي يدفعه إلى المحافظة على نفسه(1) .
بمعنى أن المعتدي عليه حينما يشعر بالخطر تنعدم لديه حرية الاختيار فتتحرك فيه غريزة المحافظة على النفس ويندفع لدرء الخطر الذي يداهمه دون التفكير في طريقة أخرى التي تخرجه من هذه الوضعية التي يكون فيها مهما كانت طبيعتها والمعتدي عليه في هذه الحالة يجد نفسه مكرها نحو الجريمة ودفاعا عن نفسه بحكم غريزة البقاء(2).
وما يمكن توجيهه لهذه النظرية هو انه ليس صحيحا أن فعل الاعتداء يصل تأثيره إلى د إعدام الإرادة تماما بل انه هذا الفعل قد لا يؤدي لا يؤثر على الإرادة مطلقان اذا كان يسيرا، كما يلاحظ أن الإكراه المعنوي يترتب عليه عدم المسؤولية غير انه تبقى صفة الفعل غير مشروعة بينما في حالة الدفاع الشرعي تزول الصفة الإجرامية عند فعل الدفاع الشرعي تماما(3).

ثانيا: نظرية تنازع الحقوق:
مضمون هذه النظرية هو انه في حالة الدفاع الشرعي يقع اصطدام بين حقين ومن مصلحة المجتمع الإبقاء على الحق الأفضل، هذا من جهة ومن جهة أخرى فان الدفاع الشرعي حق خول للفرد استثناء من التجريم وذلك باتفاقه مع أهداف النظام القانوني، وغايات المجتمع وتحقيقه لها فالنظام القانوني يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة ويوازن بين المصالح المتعارضة ويغلب إحداها على الأخرى(1) .

أن نظرية تنازع الحقوق يعاب عليها فقط انه في حالة ما إذا كان الفعلين المتصارعين كلاهما غير مشروع فكيف يؤدي الصراع بينهما إلى انعدام حق المعتدي وانقلاب فعل المدافع غير المشروع إلى فعل مشروع(2).
غير أن هذا الرأي هو الراجح لدى الفقه تأسيسا على انه في حالة الدفاع الشرعي يقع التعارض بين حقين متكافئين من الناحية المجردة وهما حق المعتدي وحق المعتدى عليه، فالأصل أن كل من المعتدي والمعتدى عليه حقهما متساويان غير أن المعتدي باعتدائه قد يجعل حقه غير محترم كما أن بخروجه عن القانون عرض نفسه لخطر الاعتداء المعاكس وعليه أن يتحمل عواقب أفعاله وتتم حماية المجتمع للحقوق لنظر إلى القيمة الاجتماعية للحق وعليه ففي حالة الدفاع الشرعي يكون احد الحقين جديرا بالحماية والأخر لابد من التضحية به ومن ثم فلا مناص من التضحية بحق المعتدى لان عدوانه يهبط بالقيمة الاجتماعية للحق من ناحية ولأنه يصيب حق أخر هو حق المجتمع من ناحية أخرى وعليه فان الدفاع الشرعي يباح لأنه وان أصاب بالاعتداء حقا فانه يصب حقين ادهما للمعتدي والأخر للمجتمع وهذا الأخير صيانته واجبة وفيه تكمن علة الإباحة إلى حد كبير(3).
والجدير بالذكر بناء على ما سبق ذكره أن المشرع الجزائري اعتمد في تحديد أساس الدفاع الشرعي على الأساس المعتمد عليه في نظرية تنازع الحقوق مسايرا بذلك راي غالبية الفقه حيث يرى أن المصلحة العامة تتحقق بتفضيل مصلحة المدافع ( المعتدي عليه) على مصلحة الطرف الأخر( المعتدي) بناء على قاعدة الضرورات تبيح المحضورات.

(1) عبد المالك جندي، الموسوعة الجنائية، الجزء الاول، دار العلم، بيروت، الطبعة الثانية، 1976، ص 519.
(2) المرجع نفسه، نفس الصفحة.
(3) رؤوف عبيد، مبادئ القسم العام في التشريع العقابي، ط 3 دار الفكر العربي، 1966، 433.
(1) بارش سليمان، شرح قانون العقوبات الجزائري، الجزء الاول، شرعية التجريم، سلسلة القانون الجنائي، مطبعة قرني، باتنة، 1992، ص 108.
(2) سامي النصراوي، المرجع السابق، ص 207.
(3) بارش سليمان، المرجع السابق، ص 108-109.