مؤسسة قاضي التنفيذ في التشريع المغربي

إذا كان المشرع المغربي و كذا الوزارة الوصية على قطاع العدل قد فطنت ووعت أهمية التنفيذ من خلال محاولة بعثها الروح في نظام قاضي التنفيذ قصد تتبع إجراءات التنفيذ، الفقرة الأخيرة من الفصل الثاني من القانون عدد 95-53 المحدث للمحاكم التجارية وعددا من الرسائل الدورية الصادرة عن وزارة العدل فإنها لم تفلح في إحداث محاولة بعثها الروح في نظام قاضي التنفيذ كجهاز مستقل مشرف على التنفيذ و يفصل في منازعاته و صعوباته ، بل إن المشرع المغربي أبقى على إناطة هذه الاختصاصات التي هي ممنوحة لقاضي التنفيذ في إطار سلطته الولائية أو بصفته قاضيا للتنفيذ.

وحتى يتأتى فهم وتمثل مؤسسة قاضي التنفيذ ومدى جدواها سواء في الفصل في المنازعات المتعلقة بالتنفيذ أو في خلق جهة ذات اختصاصات نوعية و موضوعية في أفق توحيد المساطر على هذا المستوى، بغية تسريع عملية التنفيذ و تجاوز الصعوبات التي قد تتخللها و ذلك في إطار توازن المصالح بين الدائن و المدين، فإني سوف أتناول هذه المؤسسة في بعض التشريعات المقارنة و التي أكدت جدواها في تفادي تعدد جهات الاختصاص بالنسبة لمنازعات التنفيذ.

المطلب الأول: مؤسسة قاضي التنفيذ في بعض التشريعات المقارنة

أخذت بعض التشريعات المقارنة بنظام قاضي التنفيذ الذي يسهر على الإجراءات التنفيذية منذ بدايتها إلى نهايتها، حيث إنه يعتبر الجهة المختصة التي تقدم لها طلبات التنفيذ مرفقة بالسندات التنفيذية، ويباشر مختلف الإجراءات بما يتلاءم مع اختصاصاته الممنوحة إليه في هذا المجال حيث يرجع له حق النظر في الطلبات المعروضة عليه بشأن التنفيذ .. حتى أنه بات يشكل محكمة مستقلة بذاتها.
وللوقوف على مدى هذه الاختصاصات و السلطة المخولة لقاضي التنفيذ و التي تطبع جميع مراحل التنفيذ، سوف نجسد له من خلال نموذجين تشريعيين: النموذج الفرنسي )فقرة أولى ( و النموذج المصري)فقرة ثانية (باعتبارهما تجربتين رائدتين في هذا المجال.

الفقرة الأولى: قاضي التنفيذ في التشريع الفرنسي.
تم إحداث قاضي التنفيذ(juge d’exécution) في التشريع الفرنسي لأول مرة و بنص صريح بمقتضى القانون رقم 72.626 بتاريخ 5 يوليوز 1972 و الذي جاء في إطار التوجه التشريعي، لإرجاع نظام القضاء الفردي إلى المحكمة الابتدائية الكبرى كالقاضي المكلف بتحضير القضايا juge de la mise en état وقاضي نزع الملكية le juge de l’expropriation ، غير أنه بسبب عدم صدور مرسوم تطبيقي للقانون المذكور، فإن مؤسسة قاضي التنفيذ لم يتم تفعيلها إلى أن تم إحياؤها من جديد بمقتضى القانون رقم 91.650، بتاريخ 9 يوليوز 1991 بموجب تدخل تشريعي بتعديل شامل للمساطر المدنية للتنفيذ1 .

واستنادا إلى الفصل 311/12 من قانون التنظيم القضائي الفرنسي فإن الاختصاص الفرعي لقاضي التنفيذ في إذنه باتخاذ الإجراءات التحفظية ويبت في المنازعات المتعلقة بتنفيذها و كذا التعويض عن تنفيذ أو عدم تنفيذ إجراءات التنفيذ الجبري و الإجراءات التحفظية إذا ألحقت ضررا بأحد أطراف التنفيذ2 .

فقاضي التنفيذ يتمتع باختصاصات لها صلة بتنفيذ الأحكام و كافة السندات التنفيذية كل المنازعات التي يمكن أن تثار بمناسبة الشروع في إجراءات التنفيذ3 .
إذا كان قاضي التنفيذ قد منح هذه الاختصاصات الواسعة بحيث أنه يجب على كل قاض آخر أن يصرح بعدم اختصاصه في القضايا المعروضة عليه بشأن المجالات التي تدخل في اختصاص قاضي التنفيذ، فإن الفصل في المنازعات التي تتعلق بالحق الموضوعي أو بالحق في التنفيذ تخرج عن اختصاصه4 .
وتبقى أوامر قاضي التنفيذ قابلة للاستئناف طبقا للقواعد العامة، حيث يعرض النزاع أمام قاضي للاستئناف5 .
و الاستئناف الذي يرفع أمام محكمة الاستئناف ليس له أثر واقف غير أنه يمكن للرئيس الأول لمحكمة الاستئناف أن يأمر بإيقاف التنفيذ6 .
وبخصوص الاختصاص المكاني المنعقد لقاضي التنفيذ، فقد حدده المشرع الفرنسي من خلال عنصرين اثنين:
اختصاص قاضي التنفيذ محدد بمحل إقامة المدين كمدعي عليه، و إذا كان شخصا معنويا فلقاضي المكان الذي يباشر فيه نشاطه أو مكان مقره الاجتماعي.

وقد يتحدد اختصاص قاضي التنفيذ لمحل مباشرة إجراءات التنفيذ ولعل مرد ذلك كون المنازعة غالبا ما تكون مرتبطة بالإجراءات التي تباشر في الدائرة القضائية للمحكمة التابعة لها وما يتبع ذلك من اتخاذ إجراءات فورية عكس ما إدا أسند هذا الاختصاص لقاضي التنفيذ التابع للمحكمة المصدرة للسند، و الذي يتعذر عليه الإلمام بالإجراءات المتخذة بعيدا عن محكمته خصوصا إذا تعلق الأمر بسماع العون أو الأطراف.
و بالنسبة لجانب من الفقه الفرنسي ، فإن جميع القواعد المتعلقة بالاختصاص المكاني لقاضي التنفيذ المقررة في المرسوم الصادر بتاريخ 31 يوليوز 1992، متعلقة جميعها بالنظام العام و لا يكمن الاتفاق مسبقا على مخالفتها7 .
وتجدر الإشارة أن المشرع الفرنسي أسس نظامه التنفيذي على أساس الفلسفة الفردية أخذا بعين الاعتبار مصلحة المدين، حيث ألغى الحبس كليا كوسيلة للإكراه على التنفيذ، وأخذ فقط بالغرامة التهدية و ذلك بمقتضى قانون 5 يوليوز 1982.

إذا كانت تكلم مجموعة من المبادئ العامة التي تطبع قضاء التنفيذ في القانون المدني الفرنسي الذي حاول أن يجعل من مؤسسة مستقلة و بالرغم من المآخذ التي يمكن أخذها عليه من طرف بعض الفقه الفرنسي و التي ليس هنا مجال التعرض إليها، فإنه يمكن الجزم أن تجربة قاضي التنفيذ في فرنسا وضعت لبنات أساسية لمؤسسة قضائية تنحو نحو الاستقلالية و هي تنظر في الخصومة القضائية في مرحلة من أصعب مراحلها و ما تتطلبه من تدبير لاستيفاء أصحاب الحقوق حقوقهم.
ولعل التجربة المصرية هي الأخرى لا تخلو من أهمية سيما و أنها كرست أدوارا جديدة لقضاء التنفيذ جديرة بالاطلاع عليها وهو ما سنتطرق إليه في الفقرة الموالية.

الفقرة الثانية : قاضي التنفيذ في التشريع المصري
لقد استحدث نظام قاضي التنفيذ في التشريع المصري في ظل قانون المرافعات لسنة. 81968
ويبقى الهدف منم سن هذا النظام يكمن في رغبة المشرع المصري في إخضاع التنفيذ لإشراف القضاء في كل مراحله و تتبع إجراءاته، حيث يتم انتداب قاضي التنفيذ عن طريق الجمعية العمومية للمحكمة، وقد ينتدب قاضي أو أكثر للتنفيذ حيث يختص وحده دون غيره في النظر و الفصل في جميع منازعات التنفيذ الموضوعية و الوقتية، كما يختص بإصدار القرارات و الأوامر المتعلقة بالتنفيذ9.

إن هذه الاختصاصات التي أسندها المشرع المصري لقاضي التنفيذ جعلت بعض الفقه يرى أنه يشكل محكمة قائمة بذاتها لها اختصاصاتها التي يحددها القانون المنعقد لها وحدها دون غيرها من المحاكم، وهو يتيح خلق إشراف فعال و مستمر لقاضي التنفيذ على إجراءات التنفيذ في كل مراحلها، وعلى القائمين بها في كل تصرف يتخذ منهم، وجمع شتات مسائل التنفيذ في يد قاضي واحد قريب من محل التنفيذ يسهل على الخصوم الالتجاء إليه، و لهذا السبب خوله المشرع سلطات واسعة.
وتجدر الإشارة إلى أن الأخذ بنظام قاضي التنفيذ لم يكن من شأنه الاستغناء عن المحضرين المتمثلين في مأموري التنفيذ الذين يعملون تحث إشرافه المباشر.

انسجاما مع سابق و من اجل استجلاء الدور النوعي و المكاني لقاضي التنفيذ، رأى ضرورة تحديد الاختصاص النوعي و المكاني و الأحكام القانونية التي تنظمها من أجل تحديد و رسم الخيوط العريضة لهذه المؤسسة و التي سوف تسعفنا حينما سنتحدث عن قاضي التنفيذ في التشريع المغربي.
و في إطار الاختصاص النوعي لقاضي التنفيذ فقد منحه المشرع المصري اختصاصات و واسعة تهم جميع منازعات التنفيذ الموضوعية و الوقتية أيا كانت قيمتها10.

فقاضي التنفيذ حسب المشرع المصري يصدر الأوامر و القرارات الوقتية المتعلقة بالتنفيذ كما هو الشأن بالنسبة لأوامر الحجز و نقل المحجوزات من مكان لآخر، وبيع مما يخشى عليه من التلف مثلا وينظر في إشكالات التنفيذ التي تخص وقف التنفيذ أو الاستمرار فيه، ويختص أيضا بالبت في المنازعات الموضوعية المتعلقة بالتنفيذ سواء رفعت من احد الأطراف أو من طرف الغير، أو سواء تعلقت بحجز عقار أو بحجز منقول ما للمدين لدى الغير، حيث يختص بالفصل في دعاوي استرداد المنقولات المحجوزة، ودعاوي الاستحقاق الفرعية في التنفيذ العقاري و نحوها.

وقد اعتبر المشرع المصري الاختصاص النوعي لقاضي التنفيذ من النظام العام و هذا ما دأب عليه القضاء المصري11.

وباختصار يمكن حصر الاختصاصات النوعية لقاضي التنفيذ في ما يلي:
إشرافه على عمليات التنفيذ لمساعدة عدد كاف من المحضرين)ف 274 من قانون المرافعات(
اختصاصه دون غيره بالفصل في جميع المنازعات الوقتية و الموضوعية كيفما كانت قيمتها )ف 275 من قانون المرافعات/ف1(.
يفصل في منازعات التنفيذ بصفته قاضيا للأوامر المستعجلة)ف 275/ف2(.

ويتبين أنها اختصاصات واسعة حتى ذهب بعض الفقهاء إلى اعتباره محكمة قائمة بذاتها كما سبق أن تقدم معنا.

أما بخصوص الاختصاص المكاني لقاضي التنفيذ في التشريع المصري فيمكن استجلاؤه من مقتضيات المادة 286 من قانون المرافعات الجديد، حيث نصت على أن الاختصاص المحلي معقود لقاضي التنفيذ للمحكمة التي تقع الأموال محل التنفيذ بدائرة نفوذها، مع شيء من التفصيل على الشكل التالي:

إدا تعلق التنفيذ بمنقول فإن الاختصاص المحلي يكون تابعا لمحل المال المحجوز عندما يكون مالا في ذمة الغير الذي هو موطن المحجوز لديه.

في حالة التنفيذ على العقار و تعدد العقارات محل التنفيذ التي تدخل في دائرة الاختصاص المكاني لمحاكم مختلفة ينعقد الاختصاص لإحداها.

وتستأنف أحكام قاضي التنفيذ في المنازعات الموضوعية إلى المحكمة الابتدائية إذا زادت قيمة النزاع على خمسمائة جنيها و لم تتجاوز خمسة آلاف جنيه و إذا زادت على ذلك تستأنف أحكامه في المنازعات الوقتية إلى المحكمة الابتدائية.

وإذا كانت هذه هي صورة قاضي التنفيذ في التشريعين الفرنسي و المصري، و إذا كان الثاني أكثر جرأة أو اتساعا في نظيره الأول وفي ظل هذه الاختصاصات المسندة لهذه المؤسسة التي وصفها الفقه بأنها واسعة، فهل يتمتع قاضي التنفير في التشريع المغربي بنفس الاختصاصات؟ وما هي حدود سلطاته على مستوى تتبع إجراءات التنفيذ لدى أقسام التنفيذ بمختلف المحاكم؟

هذا ما سيتم إبراز في المبحث الموالي من خلال الممارسة العملية لقاضي التنفيذ و مدى تدخل اختصاصاته – غير الواضحة – مع رؤساء المحاكم و رؤساء مصالح كتابات الضبط لدى المحاكم الابتدائية.

———————————————-
1- وقد منح القانون رقم 650-91 الصادر بتاريخ 9/7/1991 لقاضي التنفيذ اختصاصات واسعة )الموارد 5 إلى 9(، مع إعادة النظر في مقتضيات مدونة التنظيم القضائي بالتنصيص على اختصاصات قاضي التنفيذ وطرق الطعن فيها… الموارد ( 331 و 312 و 315 ).
2 – 1-1 المرجع السابق ص : 358
للمزيد من التوسع حول هذه الاختصاصات الممنوحة لقاضي التنفيذ في فرنسا يمكن مراجعة.
-Gerard couchez , voies d’exécution sirez édition. Toulouses 5 eme édition 1999

3 -claude bernner : voies d’exécution , dalloz. Paris 1998
4- ذ/حسن جندر ” نظام قضاء التنفيذ المدني بين التشريع و الواقع العلمي” رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون المدني، جامعة القاضي عياض كلية العلوم القانونية و القانونية و الاقتصاد و الاجتماعية بمراكش
5- لمادة 9 من المرسوم 96.1130 الصادر بتاريخ 18 دجنبر 1996
6 – ذ/ رشيد مشقاقة م س ص : 258.
7- ذ/ حسن جندر . م س ص 138.
8- قاضي التنفيذ طبقا للفصول 274 إلى 279 من قانون المرافعات المدنية و التجارية، حيث عرفت المادة 274 قاضي التنفيذ بأنه قاض من قضاة المحكمة الابتدائية ينتدب في كل محكمة جزئية ليختص بالنظر في منازعات التنفيذ و الإشراف على التنفيذ، وقد أفرده المشرع فصلا خاصا (الفصل الأول من الكتاب الثاني الخاص للإحاطة بمؤسسة قاضي التنفيذ في التشريع المصري أمكن مراجعة 5 ذ/محمود محمد هاشم م س ص 258 و ما يليها ذ/عزمي عبد الفتاح م س ص 50 و ذ/رشيد مشقاقة م س ص 258.
9- عرف مشروع قانون الإجراءات المدنية الموحد في المادة 316 في فقرتها الأولى، قاضي التنفيذ بالنظر إلى اختصاصاته أنه”ينتدب في مقر المحكمة الابتدائية قاضي من قضائها ليحكم و حده دون غيره في سائر المنازعات المتعلقة بتنفيذ الأحكام في السندات التنفيذية موضوعية كانت أو وقتية، كما يختص وحده دون غيره بإصدار الأوامر على العرائض:
– ويختص بإصدار القرارات و الأوامر المتعلقة بالتنفير، ويفصل في منازعات التنفيذ الوقتية بوصفه قاضيا للأوامر المستعجلة جامعا بين ثلاث صفات”10-الفصل 275 من قانون المرافعات المصري.
11 -“إدا كان الثابت إن المطعون عليه لأقام دعواه أمام المحكمة الابتدائية يطلب الحكم بإلزام المحجوز لديه بالدين المحجوز من أجله و بالتعويض إعمالا لنص المادتين 343 من قانون المرافعات، فإن الدعوى بهذه المثابة تعتبر منازعة موضوعية متعلقة بالتنفيذ و يختص بها قاضي التنفيذ دون غيره عملا بنص المادة 275، وتخرج عن اختصاص المحكمة الابتدائية النوعي مما كان يتعين معه أن تقضي المحكمة بعدم اختصاصها بالنظر في دعوى لم يرفع أحد الأطراف الخصومة أمامها بعدم الاختصاص، و أن تحيل الدعوى إلى قاضي التنفيذ إتباعا لنص الفقرة الأولى من المادة 110 من قانون المرافعات فيما تنص عليه من أنه ” على المحكمة إذا قضت بعدم الاختصاص أن تأمر بإحالة الدعوى بحالتها إلى المحكمة المختصة و لو كان عدم الاختصاص المتعلق بالولاية و إن هي قضت في موضوع النزاع متجاوزة اختصاصاتها و أيدها الحكم المطعون فيه فإن يكون قد أخطأ في تطبيق القانون” طعن رقم 170 سنة 42 جلسة 23/03/1986 أورده ذ. حسن جندر “نظام قضاء التنفيذ المدني بين التشريع و الواقع العلمي”نقلا عن ذ/مدحت محمد الحسين م.س ص 127.

بعد استعراض النموذجين الفرنسي و المصري بخصوص قاضي التنفيذ، سوف نعرض لهذه المؤسسة في التشريع المغربي، و ذلك من خلال فقرتين أساسيتين: أولاها إشكالات الممارسة العملية لقضايا التنفيذ، ثانيها ضرورة تفعيل مؤسسة قاضي التنفيذ في التشريع المغربي.

الفقرة الأولى : إشكالات قضاء التنفيذ في التشريع المغربي.

تماشيا مع الدور الذي بات يلعبه القضاء في استتباب الأمن و السلم الاجتماعيين و أيضا النهوض بالنمو الاقتصاد 12 ثم إحداث محاكم تجارية التي نص قانونها على إحداث مؤسسة قاضي التنفيذ قصد متابعة إجراءات التنفيذ13.

وإذا كان الفصل الثاني من قانون إحداث المحاكم التجارية قد نص على إحداث هذه المؤسسة باعتباره الفصل الوحيد الوارد في هذا المجال فإن قانون 95-53 من خلال مادته 23 يحيل على مقتضيات قانون المسطرة المدنية ما لم يوجد نص مخالف، مما يفسر أن اختصاصات قاضي متابعة إجراءات التنفيذ غير واضحة المعالم و غير مؤسسة على قواعد قانونية جديرة بالاهتمام، مما يجعلها مؤسسة غير ذات مضمون حقيقي.

أما بخصوص مؤسسة قاضي التنفيذ على مستوى المحاكم العادية، فإنه تم التكريس لها من خلال مجموعة من الرسائل الدورية الصادرة عن وزارة العدل التي تهدف إلى تعبئة المحاكم سنويا لتدبير و القضاء على مخلف ملفات التنفيذ، بلغ عددها ست رسائل كان أخرها الرسالة عدد 8912 بتاريخ 15/04/2008 14 ويتم التنصيص في كل رسالة دورية على تعيين قاضيا للتنفيذ، توكل إليه مهمة تتبع إجراءات التنفيذ دون تحديد اختصاصه بشكل واضح، مما أدى إلى خلق تذبذب واضح انعكس سلبا على وظيفة هذا الجهاز و بالتالي عدم التوصل إلى إشراف فعال له على إجراءات التنفيذ.

ولعل السبب في عدم نجاح هذه التجربة كون المشرع لم يفرد فصولا خاصة بمؤسسة قاضي التنفيذ تحدد اختصاصاته بشكل واضح وجلي على غرار قاضي تطبيق العقوبات وقاضي التوثيق سيما و أنه يتم تعيينهما بمرسوم من وزير العدل لمدة ثلاث سنوات.

وأيضا الدور المكرس لرئيس المحكمة الابتدائية باعتباره قاضيا للتنفيذ في دائرة محكمته لمنحه البث في الصعوبات الوقتية للتنفيذ طبقا للفصلين 149 و 486 من ق م م إضافة إلى إشرافه على عمليات التنفيذ وإصداره مختلف الأوامر و القرارات الولائية المتعلقة بها 15.

إضافة إلى الأدوار المنوطة برئيس مصلحة كتابة الضبط الذي يعتبر المشرف الفعلي على التنفيذ من الناحية العلمية.

كل ذلك، وفي غياب تحديد واضح لاختصاصات مؤسسة قاضي التنفيذ، جعل من هذه الأخيرة تجربة تفتقد إلى الرؤية و التصور الواضحين، و بالتالي عدم نجاحها في مهمتها ولعل الواقع العملي خير دليل على ذلك، بل إن عدد من المحاكم تعين قضاة لتتبع إجراءات التنفيذ في جمعياتها العمومية16،

ويشار إلى ذلك بمحضر الجمعية في حين يظل رئيس المحكمة هو المحدد و المشرط بل الممارس على مستوى تتبع الإجراءات التنفيذية، فضلا عن اختصاصه في كل القضايا و النزاعات التي تهم التنفيذ دون غيره.

إن الاقتضاب الذي تعامل به المشرع مع هذه المؤسسة من خلال إغفاله تحديد اختصاصات القاضي المكلف بتتبع إجراءات التنفيذ من جهة، وعدم التأصيل لها و شرعنتها من خلال نصوص قانونية واضحة المعالم، لا من خلال دوريات سنوية تتم فيها إشارات عابرة لهذه المؤسسة، كل ذلك أدى إلى إحداث نوع التقاطع في اختصاصات رئيس المحكمة، وكذا تدخل اختصاصاته مع رئيس مصلحة كتابة الضبط باعتباره جهاز إداري17.

و في غياب أي نص ينظم اختصاصات هذه المؤسسة باستثناء النص اليتيم المشار إليه آنفا بخصوص إحداث المحاكم التجارية، وبعد توالي الرسائل الدورية لوزارة العدل مند تاريخ 07 دجنبر 1998 حولها، جعل بعض الفقهاء و المتتبعين يرون أن تلك بدايات و إرهاصات أولى لمؤسسة قاضي التنفيذ كما هو ألشأن لعدد من التشريعات المقارنة، إلا أن هذه المؤسسة لا زالت في حاجة إلى رؤية و واضحة و فاحصة، حتى تتبوأ مكانتها المرجوة و تساهم لا محالة في تدليل العديد من إجراءات التنفيذ، وبذلك يتم تخفيف العبء على رؤساء المحاكم و تحقيق التخصص الذي أصبح حتمية لا بد من منها.

الفقرة الثانية : ضرورة تفعيل مؤسسة قاضي التنفيذ في التشريع الغربي

إن إنشاء مؤسسة قاضي التنفيذ تتبوأ مكانة مركزية في عدد من الأنظمة القضائية المقارنة كما سبق أن تقدم معنا، لأن نجاعة السلطة القضائية تكمن أولا في تهيئة السند التنفيذي أولا، ثم تمكين الدائن من اقتضاء حقه عن طريق التنفيذ،وهاتين الوظيفتين تتكامل فيما بينها، مما يستدعي توفير إشراف متواصل على إجراءات التنفيذ وعلى الأجهزة المشرفة عليه، وذلك لا يتأتى إلا بخلق جهاز قضائي نوعي ومستقل.

وإذا كانت وزارة العدل قد وعت هذه الأهمية وتنبهت إلى خلق هذا النوع من القضاء بموجبه الرسالة الدورة عدد 16 بتاريخ 07 دجنبر 1998، وجهت إلى السادة رؤساء المحاكم الابتدائية بإحداث قاضي مكلف بتتبع إجراءات التنفيذ على غرار ما ورد بالقانون المحدث للمحاكم التجارية كما سبق أن تقدم ،فإنها بقيت مبادرة غير جريئة لعدم تنصيصها و تحديدها لاختصاصاته و حدود ممارسته، سيما و أن الممارسة العملية تفرض بحدة وجود هذا النوع من القضاة.

وبغض النظر عما أثارته الولادة القيصرية لهذه المؤسسة ممن إشكالات ثم بسط بعضها بالفقرة السابقة، وفي إطار طرح بدائل عملية و علمية استنادا على تجارب أكدت و رسخت تقاليد لمؤسسة قاضي التنفيذ و جعلت منه جهة أساسية في نظامها القضائي، نورد الملاحظات التالية بخصوص التأسيس لهذه المؤسسة للخروج بها من حيز الوجود إلى حيز الفعل و الممارسة و ذلك باستناد اختصاصات و مهام لها تمارسها باستقلالية تامة كما هو الشأن بالنسبة لباقي التخصصات القضائية الأخرى.

فبالنظر للمشاكل التي ما فتئت تتزايد بخصوص عمليات التنفيذ سواء كانت ناتجة عن النزاعات و الصعوبات الجدية المثارة أثناء التنفيذ أو التي تهدف إلى المماطلة و التسويف قصد تأخير و إبطاء عملية التنفيذ مع ما يترتب عن ذلك من أثار قانونيةّ، فلابد أن يمنح المشرع لقاضي التنفيذ سلطات و واسعة بخصوص مراقبته و إشرافه على إجراءات التنفيذ، مع توضيح الحدود القانونية في تعامله مع باقي مأموري التنفيذ و المفوضين القضائيين، وهذا يستدعي تحديد هذه السلطات و رسم ملامحها.

فبخصوص الإشراف على عمليات التنفيذ، فإنه يتعين التفريق بين السلطات الإدارية المخولة لرئيس مصلحة كتابة الضبط و السلطات القضائية لممنوحة لقاضي التنفيذ في حدود إشرافه على سلامة و صحة قانون الإجراءات التنفيذية و توجيه القائمين عليها و بأمر بما يراه لازما لتدبيرها و الحرص على وصول الحقوق لذويها، وذلك لا يتأتى إلا بوجود قضاء متخصص و نوعي يتابع هدا النوع من الإجراءات بشكل يومي مما يعني حضوره بشكل مستمر في كل خطوة من خطوات التنفيذ و ممارسة رقابته على ما ينجز من محاضر وتقارير من طرف مأموري إجراءات التنفيذ، مما يستدعي تفرغه لهذه المهمة، و إذا عهد إليه بمهام قضائية أخرى حسب خصاص المحاكم و طبيعة تركيبتها فيجب أن تكون على حساب مهمته الجوهرية.

وعلاقة بما سلف و لأهمية تنفيذ الأحكام و القرارات القضائية التي يجب أن تتسمم بالفعالية و السرعة، فيجب أن يجعل من قاضي التنفيذ محكمة قائمة بذاتها لها اختصاصها النوعي المتمثل في الفصل في منازعات التنفيذ الوقتية و الموضوعية و إصدار الأوامر و القرارات الولائية المتعلقة بها،و هذا يعني التأسيس لجهة مستقلة ذات اختصاصات واضحة.

وحتى يتأتى تكريس هذا الوضع، فيجب منح النضر و الحسم في جميع المنازعات التي تثار أثناء التنفيذ لقاضي التنفيذ و توضيح النطاق الممارساتي له أي اختصاصه الوظيفي و العناصر التي تساهم و تحدد هذا الاختصاص فيما إذا كان نوعيا أو محليا.

ولعل كل ذلك سيساهم لا محالة في توحيد الاختصاص في مسائل التنفيذ تفاديا لعدد من الإشكاليات التي تثار أثناء هذه المرحلة من الخصوصية القضائية، وذلك لا يتأتى إلا بخلق جهة واضحة المعالم تنظر في منازعات التنفيذ.

وكل ذلك لا يمكن تحقيقه بدون تدخل المشرع عن طريق نصوص قانونية تؤسس لهذه المؤسسة و توضح معالمها و تحدد اختصاصاتها حتى يمكن مباشرتها بشكل جلي وواضح و تمكينها من الآليات القانونية و البشرية دونما الاقتصار على نص يتيم منشئ لها لم يعقبه أي نص أخر ينظم اختصاصات هذا القاضي أو يحدد دوره، و نفس الشيء يسري على الرسائل الدورية الصادرة من وزارة العدل في هذا الشأن.

و الواقع العلمي يؤكد بجلاء أن رؤساء المحاكم يتولون فعليا ممارسة مهام قضاة التنفيذ، وحتى أن تعيين هؤلاء عن طريق الجمعيات العمومية السنوية وتثبيت ذلك في محاضر هذه الجمعيات، فلا يعدو أن يكون ذلك سوى إجراء شكلي في غياب نصوص تنظيمية تحدد الاختصاصات المتداخلة بين المؤسستين.

ولعل تكبيد رؤساء المحاكم أعباء إجراءات و منازعات التنفيذ له دور سلبي أكثر منه إيجابي في تتبع إجراءات التنفيذ التي ما فتئت تتكاثر، ولعل الحملات السنوية التي تتعبا لها المحاكم سنويا على هذا المستوى لخير دليل على ذلك، فضلا على أن هناك مجموعة من ملفات التنفيذ لا زالت مطمورة في الرفوف مما يفقد مصداقية الأحكام وفقدان ثقة المتقاضين في استرجاع حقوقهم، ذلك أن رؤساء المحاكم لهم اختصاصات أخرى قضائية و إدارية يمارسونها بحكم عملهم تجعلهم غير مواكبين لإجراءات التنفيذ بشكل يومي ومستمر، مما يجعل تفعيل مؤسسة قاضي التنفيذ تحت إشرافهم ضرورة عملية ملحة، فضلا عن ذلك أن الجهات القضائية المختصة للبت في منازعات التنفيذ متعددة، حيث يختص رئيس المحكمة الابتدائية في صعوبات التنفيذ طبقا للفصل 149 من ق.م.م بصفته قاضيا للأمور المستعجلة و كذا الفصلين 436 468 من نفس القانون في إطار عمله ألولائي، وتراجع صلاحية البت فيها للسيد الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف مع ما يثير هذا التداخل من إشكالات يثيرها تنازع الاختصاص للبت في صعوبات التنفيذ بين كلا الجهتين18.

في حين يختص قضاء الموضوع في الصعوبات الموضوعية استنادا إلى الفصلين 26 و 482 من ق م م المتعلقين بتفسير الحكم ودعوى الاستحقاق الفرعي.مما يتبين معه أن نظام التنفيذ، الشيء الذي يستدعي جمع شتات هذا الاختصاص في إطار مؤسسة قاضي التنفيذ و أن يتدخل المشرع للتنصيص على ذلك كما هو الشأن بالنسبة للمشرع الفرنسي و المصري.

فتنفيذ الأحكام و القرارات هو الدليل و العربون الوحيد لدعم مصداقية القضاء ودولة الحق و القانون، وهذا ما استشعره جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله في خطابه التوجيهي يوم 31 مارس 1982 بخصوص موضوع التنفيذ و أهميته حيث قال” مسؤولية التنفيذ هي على ما اعتقد أكبر المسؤوليات، ذلك أن التنفيذ يصل به الإنسان إلى استنتاجين: الاستنتاج الأول أن القضية لم تأخذ بعين الاعتبار في الموضوع وحتى لو حكم فيها، واعتقد المحكوم له و المحكوم عليه أن هذا على صواب و هذا على خطأ، فعدم التنفيذ أو التماطل في التنفيذ يجر المرء إلى تفكير آخر هو انحلال الدولة( …) ويعني هذا أنه لا يبقى أحد مطمئنا على سلامة القضاء و لا على نزاهته، ولا على السرعة في التنفيذ”.

12- جاء في كلمة لصاحب الجلالة المرحوم الحسن الثاني بمناسبة استقباله أعضاء المجلس الأعلى للقضاء بتاريخ 24/04/1995:” فالقضاء اليوم لم يصبح فقط أساسا لطمأنينة الرعية و المجتمع بل أصبح ضرورة للنماء”

13- تم إحداث المحاكم التجارية بمقتضى الظهير الشريف رقم 65-97-1 بتاريخ 12 فبراير 1997 الصادر بتنفيذ القانون رقم 95-53 المنشور بالجريد الرسمية عدد 4482 بتاريخ 15 ماي 1997.

وقد نصت المادة الثانية في فقرتها الأخيرة من القانون المذكور على أنه :”يعين رئيس المحكمة التجارية باقتراح من الجمعية العمومية للمحكمة قاضيا مكلف لمتابعة إجراءات التنفيذ

14- على غرار المحاكم التجارية و من أجل ترسيخ نظام قاضي التنفيذ على مستوى المحاكم الابتدائية فقد تم التدشين لذلك بمقتضى الرسالة الدورية عدد 16 بتاريخ دجنبر 1998 التي حثت هذه المحاكم من خلال جمعياتها العمومية السنوية إلى خلق مؤسسة قاضي مكلف بتتبع إجراءات التنفيذ.

15- الفصول 440-448-450-478 من قانون المسطرة المدنية.

16- انظر ذ. محمد المجدوبي الإدريسي ” المحاكم التجارية بالمغرب دارسة تحليلية تقديم مقارنة” مطبعة بابل للطباعة و النشر و التوزيع،/الطبعة الأولى 1998 ص 212 و ما يليها.

17- غالبا ما يعجز القاضي المكلف بمتابعة إجراءات التنفيذ و هو يباشر مهامه إلى إصدار بعض الأوامر القضائية و التي تبقى من صميم اختصاص رئيس المحكمة كالحجز التحفظي أثناء عملية التنفيذ(ف 440 ق م م) وتحديد الغرامة التهديدية (ف 448 ق م م)، بل إنه غير قادر على اتخاذ بعض التدابير المصاحبة للتنفيذ، تعيين تاريخ السمسرة و البيع بالمزاد العلني و فتح الأبواب و العرف، ولعل ذلك عدم وجود نصوص قانونية تضع حدا للتقاطع في الاختصاصات بين رئيس المحكمة و القاضي المكلف بتتبع إجراءات التنفيذ.

للمزيد من الإيضاح يمكن الاطلاع على ذ/محمد الكشبور ” الكراء المدني و الكراء التجاري” م س ص 202 و ما يليها.

18- تميز الفقه عادة بين القرارات الولائية و القضائية بالنظر لطبيعة القرار الذي يصدره القاضي ونوع الإجراءات المتبعة في إصداره، فالأولى تصدر في غياب الخصوم دون استدعاءهم وسماع أقوالهم بخلاف القرارت القضائية التي تستوجب استدعاء الخصوم و سماع دفوعاتهم،فالقرارات الولائية لا تفصل في المنازعات على عكس نظيرتها القضائية بل تهدف إعطاء فعالية قانونية لإدارة الأطراف في الأحوال التي لا يعترف فيها المشرع بهذه الفعالية الذاتية كما هو الشأن بالنسبة لإجراء حجز تحفضي أو تعين خبير لتحديد قيمة المجوز…

للمزيد من الاطلاع، انظر ذ.رشيد مشقاقة”قاضي التنفيذ” م س ص 286-287.

ذ.محمد زنون
رئيس مصلحة كتابة النيابة
العامة بابتدائية بإمنتانوت

اعادة نشر بواسطة محاماة نت