الدلالة القانونية للعربون

إن القوانين تختلف فيما بينها في الأخذ بدلالة دون أخرى من دلالات دفع العربون، فمن القوانين ما يعتبر دفع مبلغ العربون بمثابة تأكيد للعقد وبدء لتنفيذه، ومنها ما يعتبره أنه قد دفع بقصد تمكين المتعاقد الذي دفعه من العدول عن العقد وهذا ما سنتناوله في هذا المطلب ضمن الفرعين التاليين:

الفرع الأول

التشريعات التي تأخذ بدلالة البت (تأكيد العقد)

إن التشريعات الجرمانية، ومعها القانون العراقي، والتونسي والقانون المغربي، تأخذ بدلالة التأكيد والبت(confirmation ) ، وفي هذه الحالة يعتبر العربون تنفيذا جزئيا لالتزامات المتعاقد، ولا يجوز لأي من المتعاقدين العدول عن العقد فإذا امتنع أحد المتعاقدين عن تنفيذ التزامه فإن القواعد العامة تجيز للمتعاقد الآخر التمسك بعدم التنفيذ، أو المطالبة بالتنفيذ العيني، أو الفسخ فضلا عن الحق في التعويض الذي يستقل عن العربون المتفق عليه فقد يزيد، أو ينقص عنه.

وهذا ما تضمنه تقنين الالتزامات والعقود المغربي إذ اعتبر العربون جزءا من قيمة العقد تم أداؤه، وإذا فسخ بالتراضي ولكن تنفيذه أصبح غير ممكن ،أو فسخ بسبب خطأ أحد الطرفين فإن لمن قبض العربون أن يحتفظ به، وعلى الطرف الآخر أن يلجأ إلى المحكمة لتقدير الضرر الحاصل لقابض العربون ،وتلزمه برد ما زاد على قيمة هذا الضرر.

الفرع الثاني

التشريعات التي تأخذ بدلالة العدول

إن التشريعات اللاتينية ومنها القانون الفرنسي، ومعها القانون الجزائري، و المصري، و السوري، و الليبي، و الأردني، تأخذ بدلالة العدول(Dédit).

إذ تنص المادة 72 مكرر من القانون المدني الجزائري:« يمنح دفع العربون وقت إبرام العقد لكل من المتعاقدين الحق في العدول عنه خلال المدة المتفق عليها… »

ويفهم من ذلك أن العدول في هذه الحالة استعمال لحق ناشئ عن العقد، والعربون مقابل لاستعماله وليس إخلال بالالتزام ليكون العربون شرطا جزائيا يجب لاستحقاقه وقوع ضرر.

كما أن العربون دليل للعدول لوقت معين فلا يجوز العدول بعد انقضاء هذا الوقت، أما إذا لم يعين وقت لجواز العدول فيجوز العدول إلى وقت التنفيذ لأنه ليس من المنطقي أن يترك استعمال حق العدول دون تقييده بوقت معين.

والعدول هنا معناه تعبير المتعاقد عن رغبته في عدم تنفيذ الالتزام دون الغوص في مبررات هذا العدول لأنه حق إرادي يمكن صاحبه من التحلل من العقد بإرادة واحدة، حيث يتم الاتفاق مقدما بين الطرفين على منح هذا الحق لأحد هما، أو لكليهما فيقوم بالخيار بين استعماله ،أو عدم استعماله خلال المدة المحددة. فالحق المنبثق عن العربون حق إرادي يعتمد على إرادة صاحبه بحيث تكون له مكنة القضاء على العلاقة التعاقدية بمقتضى تصرف إنفرادي، دون أن يكون للطرف الآخر المعارضة في ذلك و لا تكون لإرادته في رفض ذلك أي أثر قانوني.

وجدير بالملاحظة أن القانون اللبناني لم يتعرض للعربون بنص خاص ولكنه تعرض لخيار العدول بصفة عامة فقضى في المادة 84/2 من قانون الموجبات والعقود بأنه «… يحق للفريقين أو لأحدهما أن يحفظ لنفسه حق التصريح في مهلة معينة بأنه يريد البقاء على العقد أو فسخه » ويعد من هذا القبيل دفع العربون، و ذلك لأنه يعد مقابلا للحق في العدول.وخيار العدول قد يشترط لمصلحة الطرفين، وقد يكون لمصلحة أحدهما فقط وفي الحالة الأخيرة يكون العقد غير لازم بالنسبة لمن شرط خيار العدول لمصلحته ولازما بالنسبة للطرف الأخر.

هذا ووفقا للفقرة الثالثة من المادة 84 المشار إليها أعلاه لا يصح اشتراط العربون،أو حق العدول في : الاعتراف بالدين، والهبة، وبيع السلم ، وهذا الأخيركما تعرفه المادة 487 من قانون الموجبات والعقود هو:« عقد بمقتضاه يسلف أحد الفريقين الآخر مبلغا من النقود، فيلتزم هذا الفريق مقابل ذلك أن يسلم إليه كمية معينة من المواد الغذائية أو غيرها من الأشياء المنقولة في موعد يتفق عليه الطرفان. » ولما كان الثمن يدفع كله إلى البائع وقت إنشاء العقد (م 488 موجبات) فقد رأى المشرع أنه لا مجال لخيار العدول في هذه الصورة من صور البيع.

وقد نصت المادة 1590 مدني فرنسي على أنه « إذا اقترن الوعد بالبيع بدفع عربون كان لكل من العاقدين حق العدول عن العقد فإذا عدل من دفع العربون خسره، وإذا عدل من قبضه وجب عليه رد ضعفه »

«Si la promesse de vendre a été faite avec des arrhes, chacun des contractants est maître de s´en départir. Celui qui les a données,en les perdant . Et ce lui qui les reçues,en restituant le double »

معنى هذا أن القانون الفرنسي رجح إحدى دلالتي العربون على الأخرى، فأخذ بدلالة العدول، وقد رأى الفقه، و القضاء أن هذا الحكم ولو أنه ورد في شأن الوعد بالبيع إلا أنه ينطبق على عقد البيع ذاته وأجاز البعض تعميمه على سائر العقود التي يصاحب عقدها دفع عربون.