أحكام الشهود
تحتل الشهادة مكانا بارزا و مهما في العملية القضائية و لقد كان الباب مفتوحا سابقا لتجريح الشهود غير أن مشاكل كثيرة نتجت عن ذلك و أحجم الشهود عن التقدم بشهاداتهم خشية التجريح و التعرض للاتهامات الباطلة و القدح في الاعتبار , مما حدا بأصحاب القرار الى الغاء و منع التعرض للشهود بالقدح و التجريح و سد هذا الباب

و يبدوا أن المحاكم الشرعية البحرينية تستمع للشهود معتمدة على نقطتين الأولى أنها تتبنى الرأي الفقهي الذي يقول ان كل مسلم عدل ما لم يثبت الخلاف و أصالة العدالة في المسلم و الفكرة الثانية هي انه بغض النظر عن مسالة عدالة الشهود فان حسن سير العدالة و استجلاء الحقيقة يفرضان على المحكمة ان تستمع الى كل بينة بغض النظر عن قوتها و وجاهتها خصوصا انها غير ملزمة بالأخذ بها . يضاف لذلك فكرة اخرى وهي من الذكاء القضائي حيث ان الخصم عندما يرى ان هناك من يشهد ضده ففي بعض الأحيان يتزعزع و يعترف بحقيقة الواقعة او يغير من موقفه أو من أقواله .

و لقد ذكر الفقهاء بعض المعايير للترجيح بين الشهادات منا الأكثر عددا و منها الأكثر عدالة و لعل منها الأكثر ضبطا و حفظا للواقعة المشهود عليها و كذلك تقديم الشهادة التفصيلية على الشهادة الإجمالية و تقديم الشهادة التي تشهد بما قد يخفى على الأخرى كمن يشهد بان فلان أعطى فلانا مبلغ ألف دينار و الأخرى تشهد بأنه أعطاه ألف دينار باعتبارها سلفة او باعتبارها وفاءً لدين كما أن منها التفريق بين الشهادة الحسية و الشهادة الحدسية
حلف الشهود
و على ما تقدم بيانه فقد فتح الباب لكل راغب في الادلاء بشهادته ان يتقدم بها غير ان المعروف ان كثيرا من الناس لا يتورعون عن الكذب طالما يرون بحسب رأيهم و تفكيرهم ان من يشهدون لصالحهم صاحب حق اجمالا بصورة عامة بغض النظر عن التفاصيل و تلعب صلة القرابة و المجاملة الاجتماعية و العاطفة و الصداقة دورا معززا لهذا الاعتقاد

لذا – و مع انه بحسب الأصل شرعا من ان الشاهد لا يكلف بالحلف– الا ان القانون قد أوجب على الشاهد أن يحلف بالله العظيم أن يقول الحق و ذلك قبل الإدلاء بالشهادة لانه لو ادلى بالشهادة ثم رفض الحلف فان للشهادة مفعولها في وجدان القاضي حتى و ان شطبها من اوراق الدعوى

و فكرة إلزام الشاهد بالحلف نابعة من واقع عام و نوعي بمعى ان عموم الناس على اختلاف دياناتهم و حتى مع تعودهم على الكذب فانهم يحجمون و يرفضون رفضا باتا الحلف بالله العظيم كذبا خصوصا مع تغليظ الحلف و ذلك عندما يجعلون الشاهد يحلف بربه و يضع يده على كتابه المقدس عند الحلف

النظام العام في الحلف
يجوز ان يتم تحليف الشاهد على كتابه المقدس طالما كان كتابه معترفا به لدى المسلمين مثل الانجيل و التوراة و لكن –يبدوا لنا – عدم جواز تحليف الشاهد بالنار و النور بوصفها آلهة و كذلك بالاصنام و نحوها حيث انها تتعارض مع النظام العام و تجرح العقيدة و تهز من اعتبار المحكمة الشرعية و لذلك فنحن نرى ان يتم الاستماع للشهادة بدون حلف و على سبيل الاستيناس فقط ,وهناك من يخالفنا الرأي فيرى انه لا مانع من حلف الشاهد امام القضاء بالاله الذي يعبده لان الغرض من الحلف هو الردع عن الكذب و هذا يتحقق بغض النظر عن ان الاله المعبود هو معبود بحق ام لا .غير اننا نرى انه لما كان الحلف بشيء هو تعظيم للمحلوف به فلذلك لا يصح تعظيم غير الله -سبحانه جل و علا -امام القضاء .

الشهادة الحسية / الشهادة الحدسية
الشهادة الحسية هي التي يشهدها الشاهد بنفسه كأن يرى الزوج قد ضرب زوجته او سمع الزوجة تشتم زوجها
اما الشهادة الحدسية في التي يشاهد الشاهد فيها آثار الواقعة وليس الواقعة نفسها كأن يرى الملابس الوسخة على الاولاد كدليل على عدم اعتناء الام الحاضنة بنظافتهم او يرى الاولاد ياكل الطعام الرديء و القليل كدليل على عدم انفاق الاب عليهم و هذا يعبر عنه في القانون (بالواقعة البديلة )

الشهادة على الشهادة و شهادة النساء
الشهادة على الشهادة هي ان يشهد شخص بانه سمع من شخص آخر كذا و كذا و هذا تفيد كثيرا في الدعاوى المالية كما تفيد في تحديد مصير و طريقية التصرف في الوقفيات عندما يموت الواقف او الولي على الوقف

اما شهادة النساء فهي تفيد اكثر ما يكون في قضايا النسب عندما يحضرن عملية الولادة و كذلك في مسالة رؤيتهن لجسم الزوجة و عليه آثار الضرب مثلا او عندما يشهدن بانهن راين النزيف الذي سببه هو الضرب او الايذاء او المعاشرة القاسية الخارجة عن المألوف و الان يستعاض عن ذلك و امثاله بالاحالة للطب الشرعي .
الشهادة العدمية
كثيرا ما يتقدم شهود يشهدون على نفي الواقعة كان يشهدون بان الزوج لا ينفق على زوجته و في الحقيقة فان هذه الشهادة لا تجوز شرعا لانه لا يمكن للانسان ان ينفي حصول شيء من شخص آخر الا عندما يكون ملازما ملاصقا له طوال الوقت و انما يجوز لهم ان يشهدون على نفي العلم بالانفاق و لكن الشهادة على نفي العلم لا تفيد شيئا في الدعوى و لذلك جرى التسامح حول هذا النوع من الشهادة و تكييفه على انه شهادة على اثار الواقعة المراد اثباتها او نفيها فتعتبر شهادة على رؤية اثر الانفقا او شهادة على رؤية أثر عدم الانفاق
تقدير الشهادة
في الحقيقة فان المعايير التي ذكرت لترجيح الشهادات و حل مسالة التعارض بينها هي نظرية بحتة حيث ان الواقع يقول ان القاضي يقوم باجراء موازنة صعبة بين جميع عناصر الشهادات و البينات الاخرى في الدعوى ليوصل الى نتيجة تستقر في عقيدته و وجدانه فقد ياخذ جزا من شهادة و يتممه بجزاء من شهادة اخرى او دليل آخر و لا يرد عليه قيد في ذلك الا في حالة اليمين الحاسمة حيث انه مقيد بنتيجتها

الشيخ عبد الهادي خمدن
إعادة نشر بواسطة محاماة نت