تفاصيل قانونية قيمة حول منظمة الأمم المتحدة

منظمة الأمم المتحدة U.N.O هي المنظمة العالمية التي خلفت عصبة الأمم، وهي هيئة حكومية دولية متعددة الأهداف، تأسست رسمياً بتاريخ 24 تشرين الأول 1945.

إنشاؤها

تدين الأمم المتحدة بوجودها لميثاق يقع في 111 مادة موزعة على تسعة عشر فصلاً أُلحق به النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية (وهي أحد أجهزة الأمم المتحدة الرئيسية الستة)، وبات جزءاً لا يتجزأ منه ويقع في خمسة فصول مقسمة إلى سبعين مادة. ويعد ميثاق الأمم المتحدة دستور العلاقات الدولية منذ دخوله حيز النفاذ وبالتالي فإنه يعلو أي معاهدة جماعية أو ثنائية أخرى بغض النظر عن تاريخها.

مرَّ الإعداد للأمم المتحدة بمراحل سبع هي:

1ـ تصريح الأطلسي: صدر عام 1941 عن الرئيس الأمريكي روزفلت ورئيس وزراء بريطانية تشرشل. وقد تضمن الخطوط العريضة لحفظ السلام وتحقيق التعاون الدولي في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، كما أكد المبادئ المشتركة التي ترمي إليها سياسة بلديهما في سبيل تحقيق مستقبل أفضل للعالم.

2ـ تصريح الأمم المتحدة: صدر في أول كانون الثاني 1942م عن ممثلي ست وعشرين دولة حليفة وفيه تأكدت مبادئ تصريح الأطلسي. وتعهدت الدول التي أصدرته بذل كل ما في وسعها لهزيمة العدو المشترك والامتناع عن عقد صلح منفرد معه. وقد برز مصطلح الأمم المتحدة United Nations لأول مرة في هذا التصريح.

3ـ تصريح موسكو: صدر في تشرين الثاني من عام 1943 عن كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي وبريطانية والصين وقد التزم مصدروه صراحة، فيما التزموه إنشاء هيئة عالمية تقوم على أساس المساواة في السيادة بين جميع الدول المحبة للسلام وتنضم إليها بقية الدول لا فرق بين كبيرها وصغيرها لضمان المحافظة على السلم والأمن الدوليين.

4ـ تصريح طهران: صدر بعد شهرين من تصريح موسكو وجاء فيه تصميم الدول الكبرى الثلاث (بريطانية والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي) على توكيد دورها الخاص ومسؤوليتها الكبرى في حفظ السلام والأمن الدوليين.

5ـ مقتحات دومبارتون أوكس: وقد توصلت الاجتماعات التي تمت بين 21 آب و28 أيلول 1944 إلى وضع مجموعة من المقترحات التفصيلية التي اتخذت فيما بعد أساساً للمناقشات في مؤتمر سان فرنسيسكو، وقد شارك في هذه الاجتماعات مندوبون عن كل من الولايات المتحدة وبريطانية والاتحاد السوفييتي والصين.

6ـ مؤتمر يالطة: حضره رؤساء كل من الولايات المتحدة وبريطانية والاتحاد السوفييتي. واتفق فيه على بعض المسائل العالقة في اجتماعات دومبارتون أوكس وأهمها طريقة التصويت في مجلس الأمن وحق الدول الدائمة العضوية فيه في استخدام الفيتو(النقض) والنظام الجديد للمستعمرات (نظام الوصاية ونظام الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي). كما اتفق الحلفاء الثلاثة على السماح لجمهوريتين فقط من جمهوريات الاتحاد السوفييتي (أوكرانية وبيلوروسية) بالانضمام إلى الأمم المتحدة مستقلتين عن الاتحاد السوفييتي حلاً وسطاً لمشكلة تمثيل جمهوريات الاتحاد السوفييتي الخمس عشرة.

7ـ مؤتمر سان فرنسيسكو: ودعيت إليه الدول التي أعلنت الحرب على ألمانية قبل أول من آذار 1942 ووقعت على تصريح الأمم المتحدة عام 1942 (باستثناء بولونية التي انطبق عليها الشرطان لكن نوع الحكم فيها تغير إلى الماركسية مما حمل الغرب على رفض مشاركتها في المؤتمر مع احتفاظها بصفة العضو المؤسس). انعقد مؤتمر سان فرنسيسكو بين 25 نيسان و26حزيران 1945 وانتهى إلى توقيع ميثاق الأمم المتحدة في ذاك التاريخ وتكاملت التصديقات اللازمة عليه في 24 تشرين الأول 1945 فأصبح نافذاً منذئذ. وفي العاشر من كانون الثاني 1946 عقدت الجمعية العامة للمنظمة أولى جلساتها في مدينة لندن وقررت اختيار مدينة نيويورك مقراً دائماً لها وشيدت أبنيتها على رقعة من الأرض في جزيرة مانهاتن قدمها المليونير الأمريكي روكفلر. وقد عقدت الأمم المتحدة مع دولة المقَرّ اتفاقية خاصة تبين حصانة المقر وامتيازاته. حرر الميثاق بالحجية ذاتها بخمس لغات: هي الصينية والإنكليزية والفرنسية والإسبانية والروسية للأمم المتحدة وقد أضيفت العربية لغة رسمية سادسة بدءاً من عام 1974.

أهداف الأمم المتحدة ومبادئها

جاءت مقدمة الميثاق معبّرة عن المثل العليا والأهداف المشتركة التي تتطلع إليها شعوب العالم كافة والتي تعاونت حكوماتها على إنشاء منظمة الأمم المتحدة لتحقيقها وتبدأ المقدمة بعبارة غير مسبوقة في تاريخ المعاهدات الدولية: «نحن شعوب الأمم المتحدة» ويتفق الفقهاء على أن القصد من هذا الاستهلال توكيد دور الشعوب في كونها أساس العلاقات الدولية المعاصرة ممثلة بحكوماتها المختلفة التي يفترض أن تكون مستندة إلى إرادتها الحرة. أما أهداف الأمم المتحدة فهي على ما حددتها المادة الأولى من الميثاق:

1 ـ المحافظة على السلم والأمن الدوليين باتخاذ تدابير فعالة لتلافي الأخطار التي تهدد السلم والقضاء على كل عدوان أو غيره من الأعمال التي تخل بالسلم وبتسوية النزاعات أو الحالات ذات الطابع الدولي، التي يمكن أن تؤدي إلى فصم عرى السلم أو فضها بوسائل سلمية وفقاً لمبادئ العدل والقانون الدولي[ر].(وقد خصص الفصلان السادس والسابع للتفصيل في هذا المبدأ).

2 ـ إنماء العلاقات الودية بين الدول على أساس مبدأ المساواة في الحقوق وحق الشعوب في تقرير مصيرها واتخاذ سائر التدابير الملائمة لتوطيد السلم في العالم (وقد خصص الفصلان الحادي عشر والثاني عشر للتفصيل في هذا المبدأ).

3 ـ تحقيق التعاون الدولي في حل المشكلات الدولية ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والإنساني والحفاظ على حرمة حقوق الإنسان[ر] وحرياته الأساسية من غير تمييز في العرق أو اللغة أو الدين أو تفريق بين الرجل والمرأة (وخصص الفصلان التاسع والعاشر للتفريع على هذا الأصل).

وتحقيقاً لهذه الأهداف تعمل الأمم المتحدة وأعضاؤها وفق المبادئ التالية:

ـ المساواة في السيادة بين جميع الدول الأعضاء.
ـ نهوض الدول بالتزاماتها بموجب الميثاق بحسن نية.
ـ حل المنازعات الدولية بالوسائل السلمية وبطريقة لا تعرض السلم والأمن الدوليين للخطر.
ـ تجنب التهديد بالقوة أو استخدامها في العلاقات الدولية بما لا يتفق ومبادئ الأمم المتحدة.
ـ تقديم المساعدة للأمم المتحدة فيما تتخذه من إجراءات طبقاً لأحكام الميثاق ولا يجوز لدولة أن تساعد دولاً تتخذ الأمم المتحدة بحقها تدابير وقائية أو رادعة.
ـ وعلى الأمم المتحدة أن تضمن تصرف الدول غير الأعضاء وفق هذه المبادئ بالقدر الضروري لصيانة السلم والأمن الدوليين.
ـ ليس للأمم المتحدة أن تتدخل في أمور هي من صميم الشؤون الداخلية لأي دولة إلا إذا كانت تعمل بقصد قمع العدوان أو الحيلولة دون وقوعه أو التهديد باستخدام القوة.
أما تعديل الميثاق فجائز(المادة 108) بقبول ثلثي الدول الأعضاء ومصادقتها بما فيها الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وذلك وفقاً للقواعد الدستورية المتبعة في كل منها. وقد شهد الميثاق حتى نهاية 1995 ثلاثة تعديلات انصبت عموماً على زيادة أعضاء بعض الفروع الرئيسة.

العضوية في الأمم المتحدة

تتألف الأمم المتحدة من نوعين من الأعضاء: أعضاء أصلاء وهم الدول الإحدى والخمسون التي اشتركت في التوقيع على ميثاق المنظمة وتصديقه وفقاً للشروط التي حددتها المادة 110 من الميثاق أي تصديق الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وأغلبية الدول الموقعة وإيداع وثائق تصديقها لدى حكومة الولايات المتحدة الأمريكية (جهة إيداع depository). وأعضاء منضمين وهم وفق ما جاء في المادة الرابعة من الميثاق، كل دولة محبة للسلام تقبل الالتزامات التي تضمنها الميثاق وترى المنظمة أنها قادرة على تنفيذ هذه الالتزامات وراغبة في الميثاق وأن يوصي بقبولها مجلس الأمن وأن تقرر قبولها الجمعية العامة. وقد شهدت الأمم المتحدة حتى منتصف الخمسينات ما عرف بأزمة العضوية فلم يزد عدد أعضائها الأصلاء الواحد والخمسون إلا تسعاً بسبب الحرب الباردة بين المعسكرين ولجوء أحدهما إلى الحيلولة دون دخول دولة موالية للمعسكر الثاني إما باستخدام حق النقض في مجلس الأمن وإما بعدم توفير أغلبية الثلثين اللازمة في الجمعية العامة. لكن رياح الانفراج هبت على العلاقات الدولية وتبعتها رياح الوفاق فارتفع عدد الأعضاء في الأمم المتحدة ليصبح 185 دولة في نهاية عام 1995.

ليس في الميثاق نص على الانسحاب الطوعي من العضوية خلافاً لما كان مقرراً في صك عصبة الأمم، ولكن ورد بحث ذلك في الأعمال التحضيرية لمؤتمر سان فرنسيسكو ومنها يتبين أنه يحق للدولة العضو إذا ما أرادت الانسحاب من المنظمة أن تفعل ذلك. وقد حصل الانسحاب مرة واحدة عام 1965حين أخطرت إندونيسية الأمين العام برغبتها في ذلك فأخذ الأمين العام «أوثانت» علماً برغبة إندونيسية. لكن الأخيرة قررت العودة إلى مقعدها في المنظمة الدولية فأخبرت الأمين العام بهذه الرغبة وكان أن أخذ علماً بالرغبة الجديدة فعادت إندونيسية إلى عضويتها من دون أي إجراءات انضمام جديدة.

وبموجب قواعد القانون الدولي العام المتعلق بخلافة الدول احتلت الجمهورية العربية المتحدة مقعدي سورية ومصر حين تم إعلانها في 22/2/1958. فلما انفصلت سورية عن الدولة الأم أخطرت الأمانة العامة برغبتها في استعادة مقعدها دولة مؤسسة ولم تعترض الجمهورية العربية المتحدة آنذاك على الطلب السوري وعادت سورية تحتل مقعدها من دون اللجوء إلى طلب الانضمام كما لوكانت كياناً جديداً. لكن الجو السياسي كان خلاف ذلك حين انفصل شرقي الباكستان فيما عرف ببنغلادش إذ احتاج الأمر طلب انضمام جديد ولم يتم قبول بنغلادش إلا بعد تقديم الطلب مرة أخرى، بسبب استخدام الصين حق الفيتو في مجلس الأمن للحيلولة دون التوصية بقبولها أول مرة.

وينص ميثاق الأمم المتحدة في المادة الخامسة على جواز وقف العضوية، وذلك بتوصية من مجلس الأمن وقرار من الجمعية العامة إذا تبين لهما ضرورة اتخاذ تدابير وقائية أو زجرية بحق إحدى الدول الأعضاء. وعندئذ تتوقف الدولة العضو عن ممارسة حقوق العضوية وامتيازاتها حتى يوصي مجلس الأمن بإنهاء الإيقاف. أما إذا أمعنت دولة عضو في خرق مبادئ الميثاق فإنه يجوز للجمعية العامة أن تطردها من المنظمة بناءً على توصية من مجلس الأمن (المادة6). لم تطبق المادتان 5 و6 اللتان جاءتا بهذين الحكمين حتى اليوم مع أنه طولب بتنفيذهما أكثر من مرة.

أجهزة الأمم المتحدة

تتألف الأمم المتحدة من ستة أجهزة رئيسة هي: الجمعية العامة ومجلس الأمن والمجلس الاقتصادي والاجتماعي ومجلس الوصاية ومحكمة العدل الدولية والأمانة العامة. كما يمكن لهذه الأجهزة الرئيسة إنشاء أجهزة فرعية أخرى تعمل تحت إشرافها إذا دعت الحاجة إلى ذلك.
1ـ الجمعية العامة: وهي الجهاز الرئيس في الأمم المتحدة. وتضم جميع أعضاء الأمم المتحدة على قدم المساواة ولكل دولة خمسة ممثلين على الأكثر. ولكن لكل دولة صوتاً واحداً. وتجتمع الجمعية العامة في دورة عادية مرة في أيلول من كل عام كما يمكن أن تعقد اجتماعات خاصة بطلب من مجلس الأمن أو أغلبية أعضاء الأمم المتحدة أو بناء على طلب عضو تؤيده أغلبية الأعضاء. ويمكن دعوتها كذلك للانعقاد في دورة خاصة طارئة في غضون أربع وعشرين ساعة بناء على طلب تسعة من أعضاء مجلس الأمن أو أغلبية أعضاء الأمم المتحدة أو من أي عضو تؤيده أغلبية الأعضاء. تختص الجمعية العامة بالنظر في أسس التعاون الدولي لصيانة السلام والأمن، ومن ذلك نزع السلاح وتنظيم التسلح، كما تناقش أي مشكلة قد يؤثر قيامها في السلم والأمن الدوليين وتوصي بما تراه في شأنها إلا إذا كانت المشكلة منظورة في الوقت ذاته من مجلس الأمن. كذلك تناقش أي مسألة تدخل في نطاق الميثاق أو تؤثر في سلطة أي فرع من فروع الأمم المتحدة أو في وظائفه وتنتخب أعضاء الأجهزة الأخرى ممن يجب انتخابهم، بالطريقة التي حددها الميثاق. وتقر موازنة المنظمة وموازنات الوكالات المتخصصة. وعندما يعجز مجلس الأمن عن اتخاذ قرار في أي موقف فيه تهديد واضح للسلم أو خرق له أو عمل من أعمال العدوان بسبب استخدام حق النقض فيه فإنه يجوز للأمم المتحدة، بموجب قرار «الاتحاد من أجل السلام» الصادر عنها عام 1950، أن تبحث الموقف في غضون أربع وعشرين ساعة في دورة خاصة طارئة تعقدها لهذا الغرض وتتخذ ما تراه مناسباً لاستعادة السلم والأمن الدوليين. وقد لجأت الجمعية العامة إلى هذا الحق المبتكر لها بدءاً من الحرب الكورية مروراً بالعدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وقيام «إسرائيل» عام 1980 بتطبيق قوانينها على الأراضي السورية المحتلة، وهكذا أصبح هذا القرار مقبولاً في العرف الدولي داخل المنظمة تعديلاً واقعياً للميثاق.
يتم الاقتراع في الجمعية العامة بأغلبية الثلثين في المسائل المهمة التي حددها الميثاق في المادة 18 أو في المسائل التي ترى الجمعية أنها مهمة. أما فيما عدا ذلك من مسائل فيكتفى بأغلبية الأعضاء الحاضرين المشتركين في التصويت. أي لا عبرة لصوت الغائب أو الممتنع عن التصويت وفيما عدا ما نص عليه الميثاق صراحة، فلقرارات الجمعية العامة قوة التوصيات recommendations غير الملزمة قانوناً على الرغم من القوة الأدبية الكبيرة التي تحملها بوصفها قرارات صادرة عن الهيئة الرئيسة في المنظمة.

استخدمت الجمعية العامة حقها بموجب الميثاق وأنشأت عدداً من الهيئات الفرعية، منها اللجنة الخاصة بالمعلومات الواردة عن الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي وقد حل محلها عام 1963 لجنة تطبيق القرار 1514 لعام 1960 التي عرفت على المستوى الشعبي إعلامياً بلجنة تصفية الاستعمار. ومنها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم (الأونروا) وغيرها. ومنذ عام 1974 سمحت الجمعية العامة لمنظمة التحرير الفلسطينية بأن تكون عضواً مراقباً فيها وفي كل المؤتمرات التي تدعو إليها أو تعقد تحت رعايتها، وتبعتها في ذلك حركات تحرر وطنية أخرى. وكانت صفة العضو المراقب مقصورة على الدول كسويسرا.

2ـ مجلس الأمن: يتألف المجلس من خمسة أعضاء دائمين سماهم الميثاق بالاسم وهم: الصين وفرنسة والاتحاد السوفييتي (قد حل محله بتوافق أعضاء الأمم المتحدة روسية الاتحادية بدءاً من عام 1991) وبريطانية والولايات المتحدة الأمريكية، ومن عشرة أعضاء غير دائمين ينتخبون من قبل الجمعية العامة لمدة عامين غير قابلة للتجديد، ويراعى في انتخاب الأعضاء غير الدائمين التوزيع الجغرافي في العالم. وقد كان عدد الأعضاء غير الدائمين عند تأسيس الأمم المتحدة ستة ثم ارتفع إلى ما هو عليه بموجب التعديل الذي نفذ في 31 آب 1965.

ليس لمجلس الأمن دورات نظامية لكنه يجتمع كلما دعت الحاجة ليستطيع ممارسة وظائفه ممارسة دائمة. لذا كان لا بد من وجود ممثل دائم لكل من أعضائه في مقر المجلس الذي هو مقر الأمم المتحدة في نيويورك. غير أن للمجلس، إذا ارتأى ذلك، أن ينعقد خارج المنظمة وقد تم هذا غير مرة. وينص النظام الداخلي على أن رئيس المجلس يدعوه للاجتماع في أي وقت يراه وأن المدة بين انعقاد الجلسات يجب ألاّ تزيد على أسبوعين.

يختص مجلس الأمن بالمحافظة على السلام والأمن الدوليين وفقاً لأغراض الأمم المتحدة ومبادئها ومنها التحقيق في أي نزاع أو موقف يؤدي إلى احتكاك دولي، والتوصية باستخدام الوسائل التي تتبع لفض أمثال هذه النزاعات أو بالشروط التي توضع لحلها، كما يرسم خطط إنشاء نظام يكفل تنظيم التسلح ويقرر وفق أحكام الفصل السابع من الميثاق وجود حالة تهدد السلم أو وجود حالة عدوان ويقرر ما ينبغي اتخاذه من إجراءات بصددها. وهذه الإجراءات قد تكون قسرية لا تصل إلى حد استخدام القوة كقطع الاتصالات السلكية واللاسلكية مع الدولة المعتدية وقطع العلاقات التجارية والدبلوماسية، معها وفرض الحصار عليها. وقد تكون قسرية تتضمن استخدام القوات المسلحة التي تضعها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تحت تصرفه بموجب اتفاقات خاصة، تعقد لهذا الغرض، وقد حصل هذا مرة واحدة منذ إنشاء الأمم المتحدة في كورية عام 1950. غير أن اختلاف الأعضاء الدائمين حال دون إنشاء الشرطة الدولية التي يمكن لمجلس الأمن أن يسخرها لقمع العدوان أو التهديد به مما أحلّ نظرية دبلوماسية الردع أو الدبلوماسية الوقائية preventive diplomatic كما أسماها الأمين العام الأسبق داغ همرشولد محل نظرية الأمن الجماعي التي يقوم عليها الفصل السابع من الميثاق أصلاً. لذا لجأ المجلس والجمعية العامة حين قامت مقامه بموجب قرار «الاتحاد من أجل السلام» إلى إرسال قوات فصل رمزية تقوم بين الجانبين المتنازعين فتحول معنوياً دون اشتباكهما على افتراض أن الزمن قد يقدم حلولاً مواتية لإنهاء المشكلات المستعصية وكانت قوات الطوارئ الدولية التي أنشأتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1956 بعيد العدوان الثلاثي على مصر أول نموذج للقوات الدولية التي تفصل بين المتنازعين وقتها مصر وإسرائيل. وتبع قوات الطوارئ UNEF في سيناء عدد من النماذج منها قوات الأمم المتحدة للإشراف على فك الاشتباك في الجولان UNDOF إثر صدور القرار338 التالي لحرب تشرين التحريرية التي خاضتها الجمهورية العربية السورية بالاشتراك مع جمهورية مصر العربية ضد «إسرائيل» في 6/10/1973. كذلك يوصي مجلس الأمن بتعيين الأمين العام للأمم المتحدة وبقبول أعضاء جدد في المنظمة وتوقيف عضوية هذه الدول أو طردها ورد العضوية في حالة الإيقاف كما يشرف على نظام الوصاية في المناطق الاستراتيجية. ويتعاون مع الجمعية العامة في انتخاب أعضاء محكمة العدل الدولية وينفذ قرارات هذه المحكمة إذا رأى ذلك مناسباً.
يتم الاقتراع في مجلس الأمن على كل المسائل ـ عدا المسائل الإجرائية ـ بموافقة تسعة من أعضائه على الأقل على أن يكون منهم الأعضاء الخمسة الدائمون. والعبرة هنا لأصوات الأعضاء الحاضرين والمشتركين في التصويت فعلياً أما الممتنع عن التصويت فعلياً فيعد غائباً ولا يعتد بصوته.

وإذا صوّت أي من الأعضاء الدائمين بالرفض عُدَّ مستخدماً لحق الفيتو veto أو النقض وسقط مشروع القرار المطروح للتصويت حتى لو نال أصوات أعضاء المجلس الأربعة عشر الآخرين. ويعدّ حق النقض أهم عقبة في سبيل فاعلية المجلس. وكان الاتحاد السوفييتي أكثر مستخدم له حتى تفككه وتلاه في ذلك بريطانية وفرنسة، أما الولايات المتحدة فلم تباشر باستخدام حق النقض إلا في الستينات و منذئذ سخرته كثيراً لنقض مشروعات قرارات مهمة ولاسيما في النزاع العربي الإسرائيلي أو جنوب إفريقية قبل انحسار العنصرية وسياسة التمييز العنصري (استخدمت أمريكة النقض بنسبة 57% في المدة الواقعة بين 1976 و1985 تليها المملكة المتحدة بنسبة 18% ثم فرنسة بنسبة 15% ثم الاتحاد السوفييتي بنسبة10% ثم الصين) ومع انهيار القطبية الثنائية وانحسار دور روسية السياسي وهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على مجلس الأمن غدا المجلس أكثر نشاطاً، وقراراته ليست كلها منسجمة مع ميثاق الأمم المتحدة بسبب هيمنة الولايات المتحدة عليه وانصياع الدول الدائمة الأخرى لرغباتها لسبب أو لآخر. وقرارات مجلس الأمن ملزمة لجميع الدول الأعضاء لأن المجلس بموجب المادة 24 من الميثاق يمثل أعضاء الأمم المتحدة كافة، وقد تعهد هؤلاء تنفيذ قرارات المجلس بموجب المادة 25 من الميثاق.

ويتبع مجلس الأمن عدد من اللجان منها لجنة رؤساء أركان الحرب التي أنشأها الميثاق ذاته (مادة 47) مهمتها مساعدة المجلس وإرشاده في النهوض بمسؤولياته العسكرية بموجب الفصل السابع وكذلك تنظيم السلاح ونزعه. وفي عام 1952 أنشأت الجمعية العامة لجنة نزع السلاح وألحقتها بمجلس الأمن وهناك أيضاً من اللجان الأساسية لجنة قبول الأعضاء الجدد ولجنة الإجراءات الجماعية. وينشئ مجلس الأمن كلما رأى حاجة إلى ذلك لجاناً مؤقتة يكلفها مهمات معينة كلجنة الإشراف على تطبيق العقوبات المفروضة على العراق إثر غزو الكويت ولجنة الإشراف على تطبيق العقوبات المفروضة على ليبية (القرار 748 لعام 1992).

المجلس الاقتصادي والاجتماعي

يتألف المجلس الاقتصادي والاجتماعي من أربعة وخمسين عضواً من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة يمثلون حكوماتهم ويتلقون منها التوجيهات اللازمة. ويتم انتخاب أعضاء المجلس من قبل الجمعية العامة بأكثرية ثلثي الأعضاء الحاضرين والمصوتين، بغض النظر عن الموقع الجغرافي. لكن يراعى أن تكون العضوية مناصفة بين الدول المتقدمة والدول النامية. مدة العضوية في المجلس ثلاث سنوات مع التجديد النصفي ويجوز إعادة انتخاب الأعضاء الذين انتهت ولايتهم وبذا تتوافر النمطية والاستمرار في هذا المجلس ذي الطابع الفني. وتجدر الإشارة إلى أن المجلس كان يضم مع ولادة الأمم المتحدة 18 عضواً فقط، رفع عددهم بموجب تعديل الميثاق النافذ في آب 1965 إلى 27 ثم زيد العدد إلى ما هو عليه اليوم بتعديل ثانٍ نفذ بدءاً من عام 1973.

ليس للمجلس الاقتصادي والاجتماعي دورات معينة بل يجتمع كلما دعت الحاجة إليه على ألاّ تقل اجتماعاته السنوية عن دورتين إحداهما في مقر الأمم المتحدة (الدورة الشتوية) والثانية في جنيف (دورة الصيف) أما اختصاصاته فتدور حول سائر الأمور غير السياسية مما نهضت الأمم المتحدة لتحقيقه، فهو مسؤول عن نشاطات المنظمة الاقتصادية والاجتماعية بتفويض من الجمعية العامة ويعمل على تدعيم احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وحيازتها وصيانتها، وهو حلقة الوصل بين الأمم المتحدة، المنظمة الأم، والوكالات الدولية المتخصصة التي ترتبط بالأمم المتحدة باتفاقات تعاون وتنسيق كمنظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) والبنك الدولي للإنشاء والإعمار، كما يتشاور مع الهيئات غير الحكومية non governmental المعنية بالمسائل التي تهم المجلس كاتحاد الصليب الأحمر والهلال الأحمر الدولي ويعاون مجلس الوصاية في دراسة موضوع سكان البلاد الموضوعة تحت الوصاية.

إن إنشاء هذا المجلس في ميثاق الأمم المتحدة من دون أن يكون له مثيل في عصبة الأمم المتحدة إقرار من المجتمع الدولي بأن لا سلام حقيقياً ممكناً في عالم تباعد الحواجز الاقتصادية والاجتماعية بين أعضائه. يتم التصويت في المجلس الاقتصادي والاجتماعي بأكثرية أعضائه الحاضرين المشتركين في التصويت. ويعمل المجلس باللجان المنبثقة عنه وهي على أنواع: فهناك اللجان المتخصصة، وأهمها لجنة الإحصاء ولجنة السكان واللجنة الاجتماعية ولجنة حقوق الإنسان ولجنة مركز المرأة ولجنة مكافحة المخدرات. وهناك اللجان الإقليمية وهي اللجنة الاقتصادية لأوربة واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لآسيا والمحيط الهادي واللجنة الاقتصادية لأمريكة اللاتينية والكاريبي واللجنة الاقتصادية لإفريقية واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا. أما اللجان الدائمة فأهمها لجنة البرامج والتنسيق ولجنة المؤتمرات ولجنة التفاوض مع الوكالات المتخصصة ولجنة التنمية الصناعية واللجنة الاستشارية للعلم والتقنية ولجنة الشركات المتعددة الجنسيات ولجنة المستوطنات البشرية وهناك اللجان الفنية الدائمة لمعالجة بعض المسائل الدقيقة مثل الجريمة والحد منها أو تخطيط التنمية أو التعاون الدولي في مجال الضرائب ونقل المواد الخطرة. ويشرف المجلس الاقتصادي والاجتماعي، بالتعاون مع الوكالات المتخصصة، على برنامج المعونة الفنية للأمم المتحدة UNDP وهو يقدم المساعدات للحكومات المحتاجة إليها في ميدان التنمية الاقتصادية وفي ميدان الخدمات الاجتماعية وحقوق الإنسان، وقد مر هذا البرنامج بمراحل شتى حتى وصل إلى مرحلة متقدمة إلى حد كبير.

مجلس الوصاية

هيئة رئيسة من هيئات الأمم المتحدة أنشأها الميثاق لتشرف على تطبيق نظام الوصاية[ر] الذي أحلّه الميثاق محل نظام الانتداب[ر]. يضم مجلس الوصاية أعضاء الأمم المتحدة التالين:
آ- الأعضاء المكلفين بإدارة الأقاليم المشمولة بالوصاية.
ب – الأعضاء الذين لا يقومون بإدارة أقاليم مشمولة بالوصاية ولكنهم أعضاء دائمون في مجلس الأمن.
ج- الأعضاء المنتخبين من الجمعية العامة لمدة ثلاث سنوات بنسبة تجعل من مجموع أعضاء مجلس الوصاية قسمين متساويين في العدد: قسماً يدير أقاليم مشمولة بالوصاية وقسماً لا يقوم بهذه المهمة.
يعقد مجلس الوصاية دورتين عاديتين سنوياً وله حق عقد دورات بطلب من أكثرية أعضائه أو بطلب من الجمعية العامة التي يعمل تحت إشرافها فيما يتعلق بالأقاليم غير الاستراتيجية، أو من مجلس الأمن الذي يعمل تحت إشرافه فيما يتصل بالأقاليم الاستراتيجية أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي.

ويقوم مجلس الوصاية بالمهام التالية: فحص التقارير التي يتلقاها من السلطات المشرفة على إدارة الأقاليم الموصى بها ومناقشتها، ووضع استفتاء عن تقدم الأهالي في البلاد الموضوعة تحت الوصاية، في النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية، والنظر في الشكاوى التي يقدمها أهالي البلاد بالتشاور مع السلطات المشرفة على الإدارة فيها وتنظيم زيارات تفتيشية دورية يتفق على مواعيدها مع السلطات المشرفة على الإدارة.

ويصدر مجلس الوصاية قراراته بالأغلبية المطلقة ولكل عضو فيه صوت واحد. أدى مجلس الوصاية دوراً حاسماً في المساعدة على تحقيق نظام الوصاية. وتحررت بمتابعته شعوب عدة وضعت بلادها تحت إشرافه. فعندما قامت الأمم المتحدة بلغ عدد الأقاليم الخاضعة للوصاية عشرة أقاليم، كانت خاضعة لنظام الانتداب، إضافة إلى الصومال الإيطالي والمستعمرات اليابانية في المحيط الهادئ وليبية وإرتيرية. وقد حصلت هذه الأقاليم على استقلالها تباعاً بدءاً من ليبية حتى جزر المحيط الهادئ التي كانت تحت الوصاية الأمريكية. وفي 9 تشرين الثاني من عام 1993 عقدت حكومة بالاو Palau آخر هذه الجزر استفتاءً عاماً حول ميثاق التعامل الحر مع الولايات المتحدة الأمريكية وقد أشرفت الأمم المتحدة على هذا الاستفتاء. وفي الجلسة الستين لمجلس الوصاية تقرر أنها حققت استقلالها. وهكذا لم يعد هناك أي إقليم مشمول بالوصاية منذ عام 1994 وبالتالي غدا المجلس بلا مهمة مما حمل الأمين العام على توصية الدول الأعضاء بتعديل الميثاق لإلغاء مجلس الوصاية من البنيان التنظيمي للأمم المتحدة دستورياً. أما فعلياً فقد انتهى المجلس بعدما أدى دوره كاملاً.

محكمة العدل الدولية

هي الساعد القضائي الرئيس للأمم المتحدة ونظامها الأساسي جزء لا يتجزأ من الميثاق. وهكذا فكل دولة صادقت على الميثاق أو انضمت إليه تعدّ طرفاً طبيعياً في النظام الأساسي للمحكمة، وتستطيع، بالتالي، أن ترفع إليها أي دعوى ترغب في عرضها عليها إذا توافرت أسباب ذلك. على أن للدول غير الأطراف في ميثاق الأمم المتحدة أن تصبح أطرافاً في النظام الأساسي للمحكمة بشروط تحددها الجمعية العامة بناء على توصية من مجلس الأمن، وسويسرة اليوم وحدها في هذه الفئة أما ليشتنشتاين وسان مارينو فقد أصبحتا عضوين في الأمم المتحدة، وبالتالي، طرفين طبيعيين في نظام المحكمة الأساسي كما يحق للدول التي ليست عضواً في الأمم المتحدة ولا هي طرف في نظام المحكمة الأساسي أن تلجأ إلى المحكمة بشروط يحددها مجلس الأمن.

وقبيل انضمام معظم دول العالم إلى الأمم المتحدة أفاد عدد من الدول، كألبانية مثلاً، من هذا الشرط واستخدمت المحكمة في نزاعها مع بريطانية حول دعوى ممر كورفو. أما اليوم فليس هناك دولة يمكن أن تصنف في هذه الفئة.

تتألف هيئة المحكمة من خمسة عشر قاضياً يعرفون باسم أعضاء المحكمة ويتم انتخابهم باقتراع مستقل في كل من الجمعية العامة ومجلس الأمن. وينتخب القضاة على أساس مؤهلاتهم، بغض النظر عن جنسياتهم على ألاّ يكون هناك قاضيان من دولة واحدة ويراعى في الانتخاب تمثيل الحضارات والنظم القانونية في العالم ومن بينها الشريعة الإسلامية. وكان القاضي المصري عبد الحميد بهجت بدوي أول القضاة الممثلين لها (1946- 1964)، أما في عام 1995 فكان في المحكمة ثلاثة قضاة يفترض أنهم يمثلون الشريعة الإسلامية أحدهم يرأس المحكمة من 1994 إلى 1997 وهو محمد بدجاوي وينتخب القاضي لمدة تسع سنوات قابلة للتجديد غير المحدود وليس للقاضي، طوال ولايته، أن يشغل أي وظيفة أخرى وهو يتمتع بالحصانات والامتيازات الدبلوماسية الكاملة لتمكنه من ممارسة عمله بنزاهة وحرية.

وإضافة إلى القضاة الأصليين يجوز لإحدى الدول الأطراف في دعوى مرفوعة أمام المحكمة أن تعيّن قاضياً متمماً ad hoc عند النظر في هذه الدعوى إذا لم يكن لها في المحكمة قاض من جنسيتها كما يحق للفريقين المتنازعين أن يعينا قاضيين متممين بالشروط ذاتها. ولا يشترط في القاضي المتمم أن يكون من جنسية الدولة المتقاضية التي اختارته. وفكرة القاضي المتمم أثر من آثار التحكيم الدولي، لذا فهي منتقدة من الفقه الدولي عموماً لأن فيها انتقاصاً من إحدى مزايا القضاء الدولي في التحكيم وهي استقلالية القضاء وحياده. وللمحكمة رئيس ونائب للرئيس ومسجل (رئيس قلم) يعاونهم عدد من الموظفين، وتنتخب المحكمة رئيسها ونائب رئيسها مرة كل ثلاث سنوات، أي مع التجديد الثلثي لأعضاء المحكمة. تكون ميزانية المحكمة جزءاً من ميزانية الأمم المتحدة. مقر المحكمة في لاهاي في هولندة، إلا أنه يجوز لها أن تجتمع، وتمارس واجباتها في أي مكان آخر، إذا ارتأت ضرورة لذلك. وهي في حالة اجتماع دائم باستثناء أيام العطلة القضائية. وتمارس المحكمة أعمالها كمحكمة كاملة الهيئة إلا أنه يجوز لها أيضاً أن تنعقد في هيئة غرف (دوائر) يختص كل منها بنوع من الدعاوى كما تختص واحدة بالأمور المستعجلة. وقد لجأت المحكمة إلى إنشاء دائرة الأمور المستعجلة منذ الثمانينات.

لمحكمة العدل الدولية اختصاص مزدوج:

آ ـ اختصاص قضائي، يشمل بت جميع النزاعات التي ترفعها إليها الدول فقط، على أن المحكمة لا تملك مثل هذا الاختصاص إلا إذا قبلت به الأطراف المعنية صراحة. وهذا يكون إما باتفاق سابق على حصول النزاع، كالنص في معاهدة ما على أن يحال أمر تفسيرها أو النظر فيما ينجم عنها من نزاعات مستقبلية على المحكمة، أو باتفاق لاحق للنزاع، كالاتفاق الذي تمّ بين ليبية وتونس على إحالة خلافهما حول الجرف القاري على محكمة العدل الدولية، أو بصدور تصريح منفرد عن الدولة المعنية، تقبل بموجبه اختصاص محكمة العدل الدولية في المسائل القانونية التي تخالف فيها الدول الأخرى وهذا ما يعرف بالبند الاختياري optional clause. وهذه التصريحات قد تكون مطلقة، وقد تكون مقيدة في الموضوع أو الأطراف أو الزمان أو كلها مجتمعة، وعلى الرغم من انقضاء نصف قرن على قيام الأمم المتحدة لم يتجاوز عدد التصريحات الاختيارية هذه الخمسين تصريحاً معظمها مثقل بالقيود والشروط.

ب ـ اختصاص استشاري (إفتائي) يتجلى في إصدار فتوى في ما تسألها فيه الجمعية العامة أو مجلس الأمن من مسائل قانونية. ويحق لأي فرع من فروع الأمم المتحدة أو أي وكالة من الوكالات الدولية المتخصصة تجيز له الجمعية العامة أن يطلب هذه الفتوى في أي مسألة قانونية تعرض له عند نهوضه بمهامه. وقد منحت الجمعية العامة المجلس الاقتصادي والاجتماعي ومجلس الوصاية واللجنة المؤقتة للجمعية العامة ومعظم الوكالات المتخصصة هذا الحق وليس للدول الحق في سؤال المحكمة عن رأي استشاري.

والفرق بين الحكم الصادر في الدعوى والفتوى أن الأول، خلافاً للثاني، ملزم وعلى الدولة المحكوم عليها الامتثال للحكم وإلا جاز للدولة المحكوم لها أن تطلب من مجلس الأمن تنفيذ الحكم جبراً. ولهذا المجلس، عملاً بالمادة 94 من ميثاق الأمم المتحدة، أن يفعل ذلك إذا وجده مناسباً. ولوجود حق النقض بيد الدول الدائمة العضوية، واحتمال استعماله من قبل إحداها، حماية لذاتها أو لدولة صديقة لها، لم يلجأ إلى مجلس الأمن في تنفيذ أي حكم صادر عن المحكمة. ففي دعوى ممر كورفو بين ألبانية وبريطانية حكمت المحكمة لصالح الثانية. لكن بريطانية اكتفت بالحكم، إدانة أدبية لألبانية، ولم تراجع مجلس الأمن لإلزام الأخيرة دفع التعويضات المالية المحكوم بها، لأن الاتحاد السوفييتي، آنذاك، كان سيستعمل حق النقض لحماية حليفته، مما يفقد الحكم جزءاً من هيبته.

أما اختصاص المحكمة المادي فيشمل تفسير المعاهدات الدولية أو أي نقطة من القانون الدولي، والبت في وجود أي حادث يعد، في حال ثبوته، خرقاً لالتزام قانوني دولي، وتحديد نوع التعويض المترتب على الدولة المحكوم عليها ومقداره. وتبني المحكمة أحكامها وفتاواها على المعاهدات الدولية والعرف والمبادئ العامة للقانون المعترف بها وهي مصادر أساسية للأحكام، وعلى اجتهاد المحاكم الدولية والوطنية كمصادر استدلالية. ولها، إذا توافق الخصوم أن تحكم بموجب قواعد العدالة والإنصاف. لكنها، إلى اليوم، لم تلجأ إلى هذا المصدر الاحتياطي لاختلاف مفهوم العدالة والإنصاف في الزمان والمكان. أما الأصول المتبعة في المحكمة، سواء في الدعاوى أم في الفتاوى فتماثل، إلى حد كبير، أصول المحاكمات المتبعة أمام محاكم الدول من مرافعات خطية وشفهية وتحقيق واستقدام خبراء.

يعدّ نصاب المحكمة صحيحاً بحضور أحد عشر قاضياً، ويعد الحكم صحيحاً إذا صدر بأغلبية تسعة أعضاء على الأقل، وتصدر الأحكام، مثلما تتم المرافعات، بالإنكليزية أو الفرنسية أو كلتيهما.

الأمانة العامة
وهي الساعد الإداري للأمم المتحدة. وتتألف من أمين عام تعيّنه الجمعية العامة بناءً على توصية مجلس الأمن، ومن عدد من الأمناء المساعدين والموظفين الدوليين والمحليين يكفي لتلبية حاجات المنظمة. والميثاق ساكت عن مدة ولاية الأمين العام. لكن التعامل المستمر أرسى عرفاً بأن هذه المدة هي خمس سنوات تقبل التجديد غير المحدود. تعاقب على منصب الأمين العام حتى عام 2000م ستة أشخاص هم تريغفلي (النروج) وداغ همرشولد (السويد) وأوثانت (بورمة المعروفة اليوم باسم مينمار) وكورت فالدهايم (النمسة) وخافيير بيريز دي كويلار (البيرو) وبطرس بطرس غالي (مصرالعربية) وكوفي عنان (غانا). وقد شهد المنصب استقالة واحدة (تريغفلي) ووفاة واحد في أثناء الخدمة (همرشولد)، كما شهد تجديداً لولاية ثلاثة أمناء عامين هم أوثانت وفالدهايم ودي كويلار، مرتين لكل منهم.

أما وظائف الأمين العام فهي إدارية بالدرجة الأولى، لأنه الرئيس الإداري للمنظمة، ويقوم مع جهازه على خدمة الهيئات الرئيسة والفرعية للأمم المتحدة، لتسهيل قيامها بأعمالها، ويرفع تقريراً سنوياً وما يلزم من تقارير إضافية عن أعمال الأمم المتحدة وله أن يضمّن مقدمة التقرير السنوي آراءه في مدى نشاط المنظمة واقتراحاته بشأن تفعيلها ومستقبلها. وقد نص الميثاق «م 99» على أن للأمين العام أن يلفت نظر مجلس الأمن إلى أي مسألة يراها تهدد السلام والأمن الدوليين. وقد أفاد الأمين العام الأسبق، داغ همرشولد، وحلفاؤه من هذه الميزة لممارسة دور سياسي متفاوت في التوسط بين الدول لتخفيف حدة التوتر العالمي ولحل بعض المسائل الدولية المستعصية، كما طور التعامل في الجمعية العامة ومجلس الأمن خاصة عرفاً يسند بموجبه إلى الأمين العام دور سياسي يتزايد في الأهمية لتحقيق أغراض الأمم المتحدة. وهذا ما جعل الأمين العام، بحسب الحال، محل تقدير أو انتقاد من الدول المعنية تبعاً للموقف الذي يتخذه.

ينقسم جهاز الأمانة العامة إلى عدة أقسام وإدارات وقطاعات تغيرت تسمياتها كثيراً مع تطور أنشطة الأمم المتحدة، وقد أدت كثرة الفروع الثانوية التي تم إنشاؤها في نصف القرن الماضي إلى وجود أكثر من أمانة عامة شبه مستقلة داخل الأمانة العامة للأمم المتحدة. وكان هذا الوضع محلاً لانتقادات عدة ومطالب بالإصلاح. كما حمل عدداً من الدول على التردد في دفع التزاماتها المالية كاملة بحجة الترهل وحتى الفساد الإداري في جهاز الأمانة العامة.

الوكالات المتخصصة أو المنظمات المتخصصة

تقوم إلى جانب الأمم المتحدة مجموعة من المنظمات الدولية ذات الطابع العالمي التخصصي تسمى الوكالات المتخصصة specialized agencies بعضها سبق إنشاء الأمم المتحدة كمنظمة العمل الدولية، وبعضها الآخر سبق العصبة ذاتها، كاتحاد البريد العالمي والاتحاد الدولي للمواصلات السلكية واللاسلكية، في حين تزامن إنشاء منظمات متخصصة أخرى مع إنشاء الأمم المتحدة كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، وقام قسم آخر من هذه المنظمات بعد قيام الأمم المتحدة كاليونسكو ومنظمة الأغذية والزراعة.

هذه المنظمات المتخصصة منظمات مستقلة تماماً عن منظمة الأمم المتحدة فلكل منها ميثاق خاص وعضوية مستقلة وهيئات متفاوتة وموازنات مستقلة. كل ما في الأمر أن هذه المنظمات، وتشتهر باسم الوكالات، تدور في فلك الأمم المتحدة وتؤلف جزءاً من منظومتها وتنتهج أسلوباً عرف بالوظيفية functionalism. تحدث الوكالة المتخصصة بناء على دعوة توجهها، عند الاقتضاء، منظمة الأمم المتحدة إلى الدول صاحبة العلاقة كي تجري فيما بينها المفاوضات اللازمة (م 59 من الميثاق).

كما أن للمجلس الاقتصادي والاجتماعي أن يعقد مع الوكالة اتفاقاً تحدد بموجبه الشروط التي ترتبط هذه الوكالة بمقتضاها بالمنظمة، ويعرض هذا الاتفاق على الجمعية العامة للموافقة (المادة 63) وبعد إحداث الوكالة يعود تنسيق نشاطها، بالاتفاق معها، إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي نفسه. ويوجه المجلس إليها التوصيات اللازمة لذلك فهو مخول اتخاذ جميع التدابير اللازمة كي يتسلم بانتظام تقارير من هذه الوكالات. وله أن يبعث إلى الجمعية العامة بملاحظاته على هذه التقارير (المادتان 63 و64) وتصدق هذه موازنة الوكالات المتخصصة (المادة 17). أدى وجود هذه المنظمات المتخصصة إلى تطبيق مبدأ اللامركزية في الحقل الدولي، فهي تقليد للمؤسسات العامة التي أوجدها القانون الداخلي تطبيقاً لنظرية اللامركزية الإدارية. وقد اتخذت كلها مقار لها خارج مقر المنظمة، وفيما يلي أسماء هذه الوكالات المتخصصة حتى نهاية 1995.
ـ منظمة العمل الدولية ورمزها بالأجنبية ILO
ـ منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة FAO
ـ منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة UNESCO
ـ منظمة الطيران المدني الدولية ICAO
ـ المصرف الدولي للإنشاء والتعمير IBRD أو BIRD
ـ صندوق النقد الدولي IMF
ـ مؤسسة التمويل الدولية IFC
ـ هيئة التنمية الدولية IDA
ـ منظمة الصحة العالمية WHO
ـ اتحاد البريد العالمي UPU
ـ الاتحاد الدولي للمواصلات السلكية واللاسلكية ITU
ـ منظمة الأرصاد الجوية WMO
ـ منظمة الملاحة البحرية الدولية IMO
ـ المنظمة العالمية للملكية الفكرية WIPO
ـ منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية UNIDO
ـ الوكالة الدولية للطاقة الذرية IAEA (ولها وضع دستوري خاص)
ـ وكالة ضمان الاستثمار الجماعي MIGA
ـ منظمة التجارة الدولية (التي حلت محل الغات) WTO
أما صندوق الطوارئ الخاص برعاية الطفولة UNICEF ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR فهما مؤسستان تعملان ضمن ملاك الجمعية العامة للأمم المتحدة، مع تمتعهما بالاستقلال المالي والإداري، لكنهما ليستا منظمتين متخصصتين مستقلتين من الناحية الدستورية.

مستقبل الأمم المتحدة

تبدو الأمم المتحدة بعد خمسين عاماً من إنشائها مثل «قاطرة تجر وراءها قطاراً تزداد عرباته بعد كل محطة». وفي ظل التحولات الجارية في النظام الدولي منذ نهاية الحرب الباردة ازداد الطلب على خدمات الأمم المتحدة كثيراً وأصبحت المهام المطلوب أن تقوم بها هي من التنوع إلى درجة أن إضافة عربات جديدة إلى القطار أصبحت عبئاً يفوق طاقة القطار، ولذلك تبدو الأمم المتحدة في حالة إجهاد تام، وتواجه أزمة متعددة الأبعاد قد تهددها بالانهيار.

أنشئت الأمم المتحدة بعد حرب عالمية يعجز التعبير عن وصف أهوالها كما ورد في مقدمة ميثاقها فجاءت تتطلع إلى طموحات كثيرة وكبيرة في السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع أو حقوق الإنسان. وصيغ ميثاقها على أساس فرضيات لا بد من استمرارها لنجاح المنظمة، فهدفها الرئيس هو تحقيق السلام والأمن الدوليين بافتراض أن قوة حلفاء الحرب ستكون الداعم الفاعل لمجلس أمن الأمم المتحدة الذي أنيط به هذا الواجب. ولكن، ما إن وضعت الحرب أوزارها حتى هبت رياح الحرب الباردة، فما عاد حلفاء الأمس حلفاء ولا حتى أصدقاء بل انقسموا إلى معسكرات متناحرة وهكذا استخدم النقض لقتل أي مبادرة يمكن أن يقدم عليها مجلس الأمن لصيانة السلام. ولم تشهد الاتفاقات التي تصورها الميثاق، بإنشاء الشرطة الدولية، النور مما قزّم دور مجلس الأمن، حتى حين يعمد إلى التدابير الوقائية بدل التدابير العلاجية. إذ باستثناء دور الأمم المتحدة في الحرب الكورية، كان دورها في معظم النزاعات اللاحقة دور المخدر لا دور الجراح. ومع هذا فإن قوات حفظ السلام تنتشر من السلفادور في نصف العالم الغربي إلى بورمة من آخر الشرق وهي تصيب حيناً وتخطئ أحياناً، بحسب المهمة الموكلة إليها، والإمكانات المتاحة لها. وانطلق الميثاق من أن الدول الدائمة العضوية في الأمم المتحدة ستكون راعية للسلام وصية عليه فإذا بها تكون إما معتدية أو حليفة معتدٍ، لذا وقفت الأمم المتحدة موقف متفرج في كثير من الأزمات، كحرب التحرير الجزائرية والحرب الفيتنامية. كما أنها لم تكن يوماً منظمة فوق الدول بأسنان حادة تقضم يد المعتدي لذا وقف دورها عند الشجب والإدانة في الأهم من الأمور كقضية فلسطين وجنوبي إفريقية وسياسة التمييز العنصري وغيرها. ومع ولادة ما يسمى النظام العالمي الجديد وبزوغ الهيمنة الأمريكية على المنظمة غدت الأمم المتحدة في كثير من المسائل، سياسية كانت أم غير سياسية، أداة بيد واشنطن وملعباً تمارس فيه الولايات المتحدة سياساتها العالمية، مما جر الأمم المتحدة إلى المواقع الخاطئة كما في الصومال والبوسنة. لا ينكر ما قدمته الأمم المتحدة من مساعدات فنية واقتصادية واجتماعية للدول النامية، لكن دورها هنا كان محدوداً بمحدودية إمكاناتها. هنا أيضاً، لم ترتق الدول الأعضاء القادرة إلى مسؤولياتها التي تعهدت بها حين أنشأت منظمة الأمم المتحدة ففضلت المساعدات الثنائية المشروطة على المساعدات الآتية من الأمم المتحدة، ولم تتردد في قطع اشتراكاتها أو التباطؤ في أدائها إذا لم تذعن أجهزة الأمم المتحدة لرغبات هذه الدول وعلى رأسها الدولة الأعظم منذ 1990. ولا ينكر دور المنظمة الدولية في السعي الحثيث لحماية حقوق الإنسان بما أصدرته من قرارات وما رعته من مواثيق، لكن سيادة الدول وتفاوت نظرتها للتعاون الدولي وما يدخل أو لا يدخل في شؤونها الداخلية، كثيراً ما جعلت ما صدر عن المنظمة مجرد إعلانات لا تترجم إلى واقع، إذا قيست عهود حقوق الإنسان في ظل الأمم المتحدة، مثلاً، باتفاقيات حقوق الإنسان الأوربي.

ثم إن المتغيرات الدولية فرضت نفسها على المنظمة، مثل نزع السلاح النووي وحماية البيئة والنظام الاقتصادي الجديد وضرورة تغيير الواقع العالمي إذ يسيطر 20% من سكان العالم في الشمال على 80% من ثروات الأرض ومعظمها في الجنوب الفقير، هذه المتغيرات كما تقدم ألقت بثقلها على منظمة يتحمل أعضاؤها أعباء تمويلها، ولابد من إعادة النظر في توزيع هذه الأعباء إذ إن من يملك المال يملك القرار.

ومع هذا فإن مجرد بقاء الأمم المتحدة واستمرار نشاطها، على تواضعه، يعد إنجازاً، لأن عصبة الأمم المتحدة، منذ قامت، بدأت تترنح أمام الصعوبات ولم تصمد أكثر من بضع عشرة سنة. أمّا الأمم المتحدة فقد تجاوزت نصف قرن، ويصر أعضاؤها على ضرورة بقائها وتدعيمها. وفي هذا أمل ينبغي ألا يفوت. لا يتوقعن أحد أن تنتهي الأمم المتحدة، كما تصور بعض الكتاب الذين عاصروا نشأتها، إلى حكومة عالمية، ولكن المطلوب أن ترتقي إلى المستوى الذي تصوره لها مؤسسوها حتى لا يكون النظام العالمي الجديد مجرد فوضى دولية تؤدي إلى حروب لن يكون فيها رابح أو خاسر بل مجرد خاسرين.
محمد عزيز شكري