خصائص الالتزام بضمان التعرض الشخصي

1- هو التزام أبدي: ذهب محكمة النقض المصرية في حكم لها إلى أن التزام البائع بعدم التعرض للمشتري التزام أبدي كما يتنقل هذا الالتزام أيضا إلى الورثة، فيمتنع عليهم أبدا التعرض للمشتري فيما كسبه من حقوق بموجب العقد إلا إذا توفرت لديهم ـ من تاريخ عقد البيع ـ شروط وضع اليد على الأرض المبيعة المدة الطويلة المكسبة للملكية.
ويذهب القضاء الفرنسي وعلى رأسه محكمة النقض الفرنسية، ويسانده عدد كبير من الفقهاء أمثال أوبري، ورو وليدان، كولان، كابيتان، إلى القول بأن البائع الذي يحتفظ بحيازة المبيع لا يمكنه التعرض للمشتري بالاستناد إلى التقادم المكسب، لأن الالتزام بالضمان التزام مؤبد، فيكون الاستناد إلى التقادم المكسب من قبيل التعرض.
لكن الدكتور المصري خميس خضر يرى بأن هذه الحجة منتقدة لأنه إذا كان التزام البائع بضمان التعرض التزاما أبديا، كان للمشتري في حالة التعرض الرجوع على البائع بدعوى الضمان.إلا أن هذه الدعوى تسقط كغيرها من الدعاوي بانقضاء 15 سنة من وقت وقوع التعرض فعلا.

2-عدم قابلية الالتزام بضمان التعرض للانقسام: التزام البائع بضمان تعرضه الشخصي، سواء كان ماديا أو قانونيا هو التزام بالامتناع عن التعرض بنفسه للمشتري في حيازة المبيع و الانتفاع به، فهو التزام غير قابل للتجزئة ولو كان المبيع ذاته قابلا للانقسام، فمثلا لو كان شخصان يملكان منزلا على الشيوع وباع الشخصان المنزل معا، يلتزم كل منهما نحو المشتري بضمان التعرض الصادر منه في كل المنزل، وليس في النصيب الذي باعه فقط.
وكذلك لو أن شخصين ورثا منزلا فباعاه معا ثم ظهر أن أحدهما هو الوارث وحده، فلا يجوز لهذا الأخير أن يسترد شيئا من المشتري لأنه ضامن لتعرضه الشخصي في كل المنزل، ولكن له أن يرجع إلى الشخص الآخر الذي ظهر أنه غير وارث، وهذا هو الحل الذي أخذ به القضاء والفقه الفرنسيان، والذي أخذ به أيضا الفقه الجزائري و كذا المصري.

3-مدى انتقال الالتزام بضمان التعرض إلى الخلف العام و الخلف الخاص: المدين في هذا الالتزام هو البائع وهو الذي يقع منه التعرض الموجب للضمان، ولا ينتقل هذا الالتزام إلى الخلف العام لأن الالتزام في القانون المصري والجزائري لا يتنقل من المورث إلى الوارث بل يبقى في التركة.
مثلا: إذا بـاع شخص عينا مملوكة لوارثه، ثم مات فإن الوارث يستطيع أن يسترد العين المبيعة من المشتري و لا يجوز لهذا الأخير أن يحتج عليــه بأن الالتزام بالضمان قد انتقل من مورثه إليه، لأن هذا الالتزام لا ينتقل من المورث إلـى الوارث ولكن الالتزام بالضمان يبقى في التركة و للمشتري أن يرجع على التركـة بالتعويض وهذا ما اتفق عليه فقهيا.
وفي هذا المعنى يقول أيضا الأستاذ الدكتور عبد المنعم البدراوي أن الالتزام بضمان التعرض لا ينتقل إلى الورثة بل يبقى في التركة، وكذلك لا ينتقل الالتزام بضمان التعرض الشخصي إلى الخلف الخاص.
فمثلا : لو باع شخص عقارا و أوصى به لشخص آخر، وبعد موته بادر الموصى له إلى تسجيل الوصية قبل أن يسجل المشتري البيع، فإن المشتري لا يستطيع أن يحتج على الموصى له بأنه ملتزم بالضمان ليسترد منه العقار لأن الالتزام بالضمان لا ينتقل من الموصى إلى الموصى له، بل يبقى في التركة ويتقدم في رجوعه بهذا الحق على الموصى له.

ـ ما يترتب على قيام ضمان التعرض الصادر من البائع :

التزام البائع بعدم التعرض للمشتري التزام أبدي، دائم إذ يجب على البائع أن يمتنع عن التعرض للمشتري في أي وقت ولو كان قد انقضى على البيع أكثـر مـن 15 سنة وهي مدة التقادم، أما إذا أخل البائع بالتزامه بأن تعرض فعلا للمشتري، تولد عن هذا الالتزام الأصلي بعدم التعرض التزام جزائي بالتعويض، وهـذا الالتزام هو الذي يسقط، فإذا لم يطالب به المشتري خلال 15 سنة من وقوع التعرض فعلا، سقط بالتقادم و لا يستطيع المشتري بعد ذلك أن يطالب البائـع بالتعويض(الالتزام الجزائي) وطريقة تنفيذ هذا الالتزام الجزائي تختلف باختلاف الأحوال التي يقوم فيهـا ضمـان التعرض، فإذا كان تعرض البائع للمشتري قائما على أعمال مادية محضة، كمنافسـة المشتري في المتجر المبيع وجب على البائع تعويض المشتري عما أصابه من ضـرر بسبب هذه المنافسة، أو أن يبيع المالك بئرا لآخر فيقوم المالك بحفر بئر أخرى بالقرب منها، فهذا يؤدي إلى نقص ماء البئر المبيعـة، فهنـا يجب على البائع أيضا تعويض المشتري عما أصابه من ضرر بسبب حفر البئر الأخرى، ففـي هاتين الحالتين وجب على البائع أن يقفل المتجر الذي أنشأه أو البئر التي حفرها . ويجوز أن يحكم عليه بتهديد مالي عن كل يوم أو أسبوع أو شهر يتأخر فيه عن إقفال المتجر أو إلغاء البئر.

أما إذا كان تعرض البائع للمشتري قائما على تصرف قانوني صادر منه، كمن باع مثلا العقار مرة أخرى لمشتر ثان وسبق هذا الأخير إلى تسجيل البيع قبل الأول، فهنا يرجع هذا الأخير أي المشتري الأول على البائع في هذه الحالة إما بموجب استحقاق الغير للمبيع، وإما بموجب ضمان البائع التعرض الصادر منه، لأن الغير استمد حقه من البائع نفسه.

وإذا كان تعرض البائع قائما على إدعاء لنفسه حقا على المبيع، كمن باع عينا غير مملوكة له ثم تملكها بعد ذلك فالجزاء هنا يتخذ صورة خاصة وهي أن ترد دعوى البائع باسترداد المبيع من المشتري فلا يستطيع أن يسترد العين لأن من وجب عليه الضمان لا يستطيع الاسترداد.
إذن ننتهي إلى القول في هذا الصدد إن جزاء إخلاء البائع بالتزامه بضمان التعرض الشخصي للمشتري يخضع للقواعد العامة، بحيث يكون للمشتري طلب التنفيذ العيني فإذا لم يكن التنفيذ العيني ممكنا أو لم يطلبه المشتري حكم بالتنفيذ بالمقابل أي بالتعويض، كما يجوز للمشتري أن يطلب فسخ البيع لإخلال البائع بالتزامه بالضمان مع التعويض إن كان له محل.

– الاتفاق على تعديل أحكام ضمان التعرض الشخصي:

المادة 378 ق.م.ج و التي تقابلها المادة 446 ق مصري نصها كالآتـي :
“يبقى البائع مسؤولا عن كل نزع يد ينشأ عن فعله، ولو وقع الاتفاق على عدم الضمان ويقع باطلا كل اتفاق يقضي بغير ذلك”.
المادة 446 ق.م مصري : (إذا اتفق على عـدم الضمان بقي البائع مـع ذلك مسؤولا عن استحقاق ينشأ عن فعله ويقع باطلا كل اتفاق يقضى بغير ذلك).
يعرض النصان السابقان حالة واحدة من أحوال ثلاث في الاتفاق على تعديل أحكام ضمان التعرض، وهي حالة الاتفاق على إسقاط الضمان.

وتوجد إلى جانب هذه الحالة حالتان أخريان وهما حالة الاتفاق على زيادة الضمان، وحالة الاتفاق على إنقاص الضمان، وبمفهوم المخالفة يفهم من النصين السابقين بأن الاتفاق على زيادة الضمان جائز وكذلك الاتفاق على إنقاص الضمان جائز. فمثلا بالنسبة للاتفاق على زيادة الضمان أن يتفق المشتري مع البائع بأن لا يقوم هذا الأخير بأعمال معينة تتعارض مع الانتفاع الخاص الذي أراده المشتري، فإذا كان المبيع متجرا مثلا لسلعة معينة ويريد المشتري أن يضيف إلى هذه السلعة سلعة أخرى لم يكن البائع يتاجر فيها، جاز أن يتفق مع البائع على عدم إنشاء متجر إلى جانبه تباع فيه السلعة الأصلية أو السلعة الأخرى، ويكون المشتري هنا قد اتفق مع البائع على زيادة الضمان، أما بالنسبة لحالة الاتفاق على إنقاص الضمان كأن يشترط بائع المتجر على المشتري عدم منعه من إنشاء متجر يبيع فيه بعض السلع التي يتعامل فيها المتجر المبيع، ففي هذا الاتفاق إنقاص من ضمان البائع للتعـرض، ولكن الاتفاق على إسقاط الضمان إسقاطا تاما غير جائز ويكون الاتفاق إذا وقع باطلا.