الـــتـــدريـــب والـــتــــأهـــيـــل
لا جدال أن التدريب والتأهيل المهني يمثل محور رئيس لإستمرار النجاح في المنشآت بشكل خاص، ويحقق الثبات والرسوخ في الإقتصاد بشكل عام، فبالتدريب تنقل الخبرات من جيل لآخر، ويؤهل حديثي التخرج للواقع العملي ويعلم أصول الصنعة أو المهنة لطالبها، فالتدريب والتأهيل مرحلة تختلف كلياً عن مرحلة الدراسة العلمية، وإن كان خلال الدراسة يتعلم الطالب مبادئ العمل والعلم، إلا أن الواقع ميدان مختلف كلياً عن حقول الدراسة وأروقتها، لذلك نجد كثير من العلوم تستلزم في خطتها الدراسية التدريب الميداني أو التطبيقي، كالهندسة والمحاماة والطب والمحاسبة وغيرها من العلوم، وتختلف مدة التدريب الدراسية من تخصص لآخر، كما تستلزم بعض التخصصات لأهميتها تدريب وتأهيل بعد الحصول على المؤهل العلمي في غالبها لا تقل عن ثلاثة أعوام حتى يمكن لحامل المؤهل ممارسة التخصص.

كما أن هناك مهن حرفية لا تستلزم الحصول على مؤهل لممارستها إلا أن الخبرة واجبة حتى تمارس بشكل صحيح كالنجارة، صياغة الذهب وغيرها من المهن الحرفية .. ولأهمية التدريب والتأهيل أُفرد له بنظام العمل، الباب الرابع المُسمى بالتدريب والتأهيل، ويتكون الباب من فصلين الأول معنون بــ: التدريب والتأهيل للعاملين لدى صاحب العمل، والفصل الثاني: عقد التأهيل والتدريب مع غير العاملين لدى صاحب العمل، وما يهمنا ما جاء بالفصل الثاني المُخصص لمن لا يعملون لدى صاحب العمل أو المنشأة، كطلاب الكليات، المعاهد، ويشمل طلاب الجامعات وخريجيها، ويتكون الفصل الثاني من عدد (05) مواد نظامية، ونُص بالمادة الــ(45) على تعريف عقد التأهيل والتدريب بأنه: “ عقد التأهيل والتدريب عقد يلتزم بمقتضاه صاحب العمل بـتأهيل أو تدريب شخص لإعداده في مهنة معينة.” كما نصت المادة (46) على: ” يجب أن يكون عقد التأهيل أو التدريب مكتوباً، …”، فيتضح مما سبق بأن عقد التأهيل والتدريب عقدٌ ذا طبيعة خاصة، يختلف عن عقد العمل ولئن كان هناك تبعية وأجر وعمل ومدة، إلا أنه متى ما حُرر ونص فيه صراحة بأنه عقد تأهيل وتدريب يخرجه بذلك من تكييفه كعقد عمل ومن ثم لا تطبق كل أحكام نظام العمل إلا بالقدر المقرر وفقاً للمادة (49) من نظام العمل والتي تُنص على: “ تسرى على عقد التأهيل والتدريب الأحكام الواردة في هذا النظام، الخاصة بالإجازات السنوية والعطلات الرسمية، والحد الأقصى لساعات العمل، وفترات الراحة اليومية والراحة الأسبوعية، وقواعد السلامة والصحة المهنية، وإصابات العمل وشروطها، وما يقرره الوزير.”

ومن ثم فليس للمتدرب مكافأة نهاية خدمة كأصل أو المميزات والبدلات التي يمنحها صاحب العمل لعامليه، ما لم يُنص في عقد التدريب على غير ذلك.

كما أن ما يتحصل عليه المتدرب خلال فترة التدريب لا يسمى ولا يُعد أجراً إنما مكافأة ولا يمكن أن تكون مكافأته عمولة أو بالإنتاج، إذ نُص في المادة (46) على: “ … ومقدار المكافأة التي تعطى لمتدرب في كل مرحلة، على ألا يكون تحديدها بحال من الأحوال على أساس القطعة أو الإنتاج.” وبهذا النص تتأكد الطبيعة الخاصة والتفرقة بين عقد التدريب وعقد العمل بتحديد ما يتحصل عليه المتدرب بأنه مكافأة لا أجر، بخلاف ما يتحصله العامل (الموظف) مقابل عمله المسمى أجر.

ومن أهم أحكام هذا الفصل ما جاء في الفقرة (02) من المادة (48) والتي تنص على: ” 2-لصاحب العمل -بعد إكمال مدة التدريب أو التأهيل -أن يُلزم المتدرب أو الخاضع للتأهيل بأن يعمل لديه مدة مماثلة لمدة التدريب أو التأهيل، فإن رفض أو امتنع المتدرب أو الخاضع للتأهيل عن العمل المدة المماثلة أو بعضها؛ وجب عليه أن يدفع لصاحب العمل تكاليف التدريب أو التأهيل التي تحملها صاحب العمل أو بنسبة المدة الباقية منها.”

فالفقرة فوضحت وأعطت الحق لصاحب العمل حرية القرار بتعيين المتدرب كعامل لديه، وإن إمتنع المتدرب عن العمل أو عَمِلَ لفترة ثم ترك العمل جاز لصاحب العمل المطالبة بالتعويض عن ما صرفه على المتدرب المُعين بحسب نسبة المدة الواجبة أن يعملها لدى صاحب العمل، فإن رفض المتدرب العمل لزمه تعويض صاحب العمل جميع ما تكبده الأخير من مصروفات، وإن عمل فترة ثم أنهى العقد فيعوضه عن المصروفات بالإضافة للتعويض عن إنهاء العقد قبل نهاية مدته. وأرى أن هذا الشرط لزاماً أن يكون محرراً في عقد التأهيل أو التدريب حتى يمكن لصاحب العمل التمسك به، فلا يعني وروده بالنظام بأنه نافذ تجاه المتدرب، حتى يكون المتدرب -الطرف الأضعف -على بينة وبصيرة قبل الدخول في التدريب أو التأهيل عند صاحب العمل، بإعلان من صاحب العمل بإحتمالية إستعماله هذا الحق الجوازي المقرر نظاماً.

وفي حال تحقق أي خلاف بين صاحب العمل والمتدرب فبناءً على المادة (18) من اللائحة التنفيذية لنظام العمل، تختص هيئات تسوية الخلافات العمالية -لحين إنشاء المحاكم العمالية -بالفصل في الخلافات الناشئة عن عقود التدريب والتأهيل. وختاماً، إن عقد التأهيل والتدريب من العقود التي برأينا تكاد تكون معدومة ومهجورة، على الرغم من مناسبتها وملائمتها لحديثي التخرج من التخصصات، وترتب ضمانة لرفع الكفاءة المهنية في القطاعات وللمتدرب، وتحقق الإستقرار الإقتصادي وبالتالي المجتمع؛ بتشجيع التدريب بضمانة العمل بعد إنتهاء التدريب، فضلاً عن أن التدريب وفقاً للنصوص الواردة بالنظام يمكن أن يكون لمدة طويلة تتجاوز العام، وقد تصل لثلاثة أعوام كما هو متقرر مثلاً في نظام المحاماة، وحرياً بمنشآت القطاع الخاص إستعمال وإستغلال هذا الباب، لتأهيل وتدريب حديثي التخرج ثم إختيار من أثبت كفاءته لتعيينه لديها، للحد من قرارات إنهاء الخدمات للعاملين، وعلى صندوق الموارد البشرية إيجاد سبل دعم مبتكرة لمثل هذه العقود، وأن تكون عنايتها بهذه العقود التأهيلية أو التدريبية أوسع من عقود التوظيف لتشجيع القطاع الخاص على التدريب ونقل الخبرات ولإحلال حديثي التخرج محل غير السعوديين. إن وفقت وأصبت فمن الله وفضله والحَمدُلِله، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله العليّ العظيم لوالديّ ولي ولزوجتي وذريتي وإخواني والمسلميّن ونتوب إليه ..

عبدالعزيز بن عبدالله الخريجي
محامي مستشار
إعادة نشر بواسطة محاماة نت