الخلع طلاقٌ أم تفريق؟؟
(تعليق على قرار تمييزي الاستاذ القاضي سالم روضان الموسوي)

(تعليق على قرار تمييزي)
إن عنوان هذه الورقة يتعلق بالتفريق الاختياري أو ألاتفاقي وهو (الخلع) لان في بعض التطبيقات القضائية نجد إن مصطلح الطلاق ساد على مفهوم التفريق حتى إن البعض اعتبر الخلع هو الطلاق وهذا رتب اثأر مهمة تتعلق بحقوق الزوجة والزوج ولبيان هذه الآثار وأهمية التحقق من دقة المصطلح هل هو تفريق ام طلاق سأتناول الأمر بالتعليق على قرار لمحكمة التمييز الاتحادية الموقرة ليكون العرض تطبيقي لا تنظيري وسأعرض له على وفق الآتي:
أولاً : ما هو الخلع
إن تعريف الخلع كان محل بحث وتحقيق من جميع الفقهاء المشتغلين في شؤون الأسرة سواء على مستوى الشريعة او القانون وذكروا له تعريف بأوصاف مختلفة لكن في نطاق قضاء الأحوال الشخصية في العراق فان تعريف المصطلح يكون على وفق تعريف القانون فإذا لم يتوفر تعريف في المنظومة القانونية العراقية يكون اللجوء إلى تعريف فقه الشريعة والقانون لان الأصل في مصدر القاعدة القانونية في الأحوال الشخصية يكون لقانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 المعدل فإذا لم يوجد نص تشريعي يتم اللجوء إلى مبادئ الشريعة الإسلامية، فان لم يتوفر أيضاً يتم الذهاب إلى الاسترشاد بالأحكام التي اقرها القضاء والفقه، وهذا الترتيب وجوبي ولا يجوز القفز من مرحلة إلى مرحلة أخرى، إلا إذا لم تتوفر على الحكم القانوني الواجب التطبيق وعلى وفق حكم المادة (الأولى) من قانون الأحوال الشخصية النافذ التي جاء فيها الآتي (تسرى النصوص التشريعية في هذا القانون على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها أو في فحواها . 2 – إذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه فيحكم بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية الأكثر ملائمة لنصوص هذا القانون . 3 – تسترشد المحاكم في كل ذلك بالأحكام التي أقرها القضاء والفقه الإسلامي في العراق وفي البلاد الإسلامية الأخرى التي تتقارب قوانينها من القوانين العراقية ) لذلك فان التعريف المعول عليه لمصطلح (الخلع) هو ما ورد في قانون الأحوال الشخصية النافذ في الفصل الثالث من الباب الرابع من القانون حيث توج هذا الفصل بعنوان التفريق الاختياري (الخلع) وعرفه في نص المادة (46/1) أحوال شخصية بالاتي (الخلع إزالة قيد الزواج بلفظ الخلع او ما في معناه وينعقد بايجاب وقبول أمام القاضي مع مراعاة أحكام المادة التاسعة والثلاثين من هذا القانون) بينما افرد أحكام (الطلاق) في الفصل الأول من الباب الرابع من القانون وعرفه بان (الطلاق رفع قيد الزواج بايقاع من الزوج او من الزوجة ان وكلت به او فوضت او من القاضي. ولا يقع الطلاق الا بالصيغة المخصوصة له شرعا) والملاحظ إن كل عنوان له وصف وحكم يختلف عن الأخر فالخلع هو تفريق اختياري وهو اتفاق الطرفين على إزالة قيد الزواج باختيارهما ورضاهما بينما الطلاق يقع من احد طرفي الرابطة الزوجية دون توقفه على قبول أو رضا الطرف الآخر على عكس الخُلع الذي يتم باتفاق ورضا الطرفين وعلى وفق ما تقدم ذكره، اذاً يوجد اختلاف بين الطلاق والتفريق الاختياري (الخلع) وكل مصطلح له آثار تختلف عن الآخر والمشرع عند وضع المصطلحين في فصلين مختلفين كان يقصد ذلك لإثبات الاختلاف من حيث التوصيف والأثر المترتب عليه لذلك اهتم فن الصياغة التشريعية بتحديد المصطلحات الواردة في التشريع بشكل واضح حتى لا تثير اللبس والغموض عند التطبيق ويرى المختصون في تفسير النصوص بان صيغة النص يقصد بها التعبير بالألفاظ عن الصور الذهنية وهي المعاني، فاللفظ هو القالب الذي يتجسد فيه المعنى المراد إيصاله وعلى وفق ما ذكره الدكتور محمد شريف احمد في كتابه الموسوم (نظرية تفسير النصوص المدنية ) مطبعة وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ـ طبعة عام 1979 ـ ص 56. والمشرع العراقي كان قاصداً لهذه المصطلحات وواعياً لمعناها وأثارها القانونية، لان من أهم الوسائل الرئيسية المباشرة لاستخراج الحكم من النص هو الاستعانة بمنطوق النص وهيئته التركيبية ، وهو ما يسمى بدلالة المنطوق، كذلك الاستعانة بمفهوم النص سلبا وإيجابا .أي بمعنى المفهوم الموافق والمفهوم المخالف ويستدل من هذا القول إن المشرع العراقي كان يقصد وضع النص بصيغته الحالية وانه قد اختار الكلمات بعناية مقصودة وليست عارضة ، وهذا يدل على اختلاف المعنى والأثر بين مصطلح الطلاق ومصطلح الخلع .
ثانياً : القرار التمييزي
في أدناه نص القرار التمييزي الصادر عن محكمة التمييز الاتحادية بالعدد 5455/هيئة الأحوال الشخصية والمواد المدنية/2016 في 28/8/2016
تشكلت هيئة الأحوال الشخصية والمواد الشخصية في محكمة التمييز الاتحادية بتاريخ 25/ذو القعدة/1437 هـ الموافق 28/8/2016 برئاسة القاضي الأقدم السيد (س ، ع، ع) وعضوية القاضيين السيدين (ص ، ش) و (ح، ع) المأذونين بالقضاء باسم الشعب وأصدرت القرار الآتي :-
المميز / المدعية /
المميز عليه / المدعى عليه /
ادعت المدعية بواسطة وكيلها لدى محكمة الأحوال الشخصية في الكرخ إن المدعى عليه مطلقها ولها بذمته مهرها المؤجل والبالغ (2,000,000) مليونين دينار عراقي وانه لم يسدد لها مهرها المؤجل لذا طلبت دعوته للمرافعة والحكم بمهرها المؤجل مقوماً بالذهب مع تحميله الرسوم والمصاريف . وأصدرت محكمة الموضوع بالعدد (……..) في 16/6/2016 حكماً حضورياً قضى برد دعوى المدعية وتحميلها الرسوم والمصاريف وأتعاب المحاماة . قدم وكيل المدعية لائحة تمييزية بتاريخ 23/6/2016م .
القرار
لدى التدقيق والمداولة وجد إن الطعن التمييزي مقدم ضمن المدة القانونية قرر قبوله شكلاً ولدى عطف النظر على الحكم المميز وجد انه غير صحيح ومخالف لأحكام الشرع والقانون إذ أن المدعية كانت قد تنازلت عن مهرها المعجل وكذلك النفقات والأثاث الزوجية والتي وردت في قرار الحكم بتصديق الطلاق الخلعي الصادر من محكمة الأحوال الشخصية في الكرادة العدد (…….) المؤرخ في 22/9/2015 ولم يكن من بين الحقوق التي تنازلت عنها المدعية (الزوجة) مهرها المؤجل لذا فهي تستحقه حسب ما ورد في عقد الزواج ومقوماً بالذهب إشارة إلى القرار المرقم 127 لسنة 1999 وحيث أن القرار المذكور أشار إلى (الطلاق) مطلقاً والمطلق يجري على إطلاقه فانه لم يشر إلى أي نوع من أنواع الطلاق، عليه فان المدعية تستحق مهرها المؤجل مقوماً بالذهب بتاريخ عقد الزواج وحيث أن المحكمة ذهبت خلاف وجهة النظر المتقدمة الأمر الذي اخل بصحة حكمها المميز لذا قرر نقضه وإعادة الدعوى إلى محكمتها لإتباع ما تقدم على أن يبقى رسم التمييز تابعاً للنتيجة وصدر القرار بالاتفاق في 25/ذو القعدة/1437 هـ الموافق 28/8/2016 م .

ثالثاً : التعليق
1. نلاحظ إن وقائع الدعوى تتلخص في مطالبة الزوجة لمهرها المؤجل مقوما بالذهب بعد ان حصل بينها وبين زوجها طلاقاً خلعياً وان محكمة الموضوع ردت الدعوى لان جعل المطالبة بالمهر المؤجل مقوماً بالذهب وقت انعقاد عقد الزواج عند وقوع الطلاق فقط وليس بأي حال آخر وعلى وفق حكم قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 127 لسنة 1999 الذي جاء فيه الآتي (تستوفي المرأة مهرها المؤجل ، في حالة الطلاق ، مقوما بالذهب بتاريخ عقد الزواج) ويلاحظ إن نص القرار المنشور في الوقائع العراقية العدد : 3785 في 2/8/1999قد جعل عبارة (في حالة الطلاق) بين فارزتين وهذه تسمى في اللغة العربية الجملة الاعتراضية ويرى أهل الاختصاص في اللغة العربية وفي تفسير القرآن الكريم إن من أنواع الجُمل في اللغة العربية (الجملة الاعتراضية)، وهي التي تتوسط بين أجزاء الجملة؛ لتقرير معنى يتعلق بها، أو بأحد أجزائها ، وفائدة هذه الجملة، أنها يُؤتى بها تأكيداً وتسديداً للكلام الذي اعترضت بين أجزائه، تارة تكون مؤكِّدة، وتارة تكون مشدِّدة؛ لأنها إما ألا تدل على معنى زائد على ما دل عليه الكلام، بل دلت عليه فقط، فهي مؤكِّدة، وإما أن تدل عليه وعلى معنى زائد فهي مشدِّدة وعلى وفق ما ذكره اية الله الشيخ مكارم ناصر شيرازي في كتابه الموسوم (الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل) ج 6 ص 527

2. إن نص القرار 127 لسنة 1999 جاء في حالة الطلاق فقط ولا ينصرف إلى سواه وما جاء في القرار التمييزي محل التعليق هو تحميل للنص بما لم يرد فيه من حكمن لان أصل حل الرابطة الزوجية هو التفريق الاختياري (الخلع) الذي وقع باتفاق طرفي العلاقة الزوجية وليس بإرادة منفردة من الزوج دون رضا الزوجة وهو ما يسمى الطلاق .

3. جاء في القرار التميزي إن الطلاق الواقع بين الطرفين هو طلاق خلعي والقرار 127 لسنة 1999 جاء فيه لفظ الطلاق مطلق ولم يحدد بوصف معين وبذلك المطلق يجري على إطلاقه وارى إن وصف التفريق الاختياري (الخلع ) بالطلاق الخلعي او البائن لا يتعلق بأصل الطلاق وإنما ورد لقياس الآثار التي تنجم عنه لان في بعضها يتشابه مع آثار الطلاق وهذا التوصيف يخرج عن تحديد ماهية المصطلح الذي قصده المشرع العراقي في القرار 127 لسنة 1999 وهذا الأسلوب بترتيب الأثر لفعل معين قياساً على فعل آخر معمول به في الصياغة التشريعية وفي المنظومة القانونية العراقية أمثلة كثيرة منها ما جاء في نص المادة (38/ثانياً/ج) من قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 المعدل (يكون رئيس محكمة التمييز بدرجة وزير ويتقاضى راتب الوزير ومخصصاته) فهل يكون رئيس محكمة التمييز وزير ام ان مركزه القانوني يبقى مختلف عن الوزير لكن الآثار المالية لراتبه ومخصصاته تقاس براتب الوزير وهذا هو ما قصده المشرع العراقي عندما قرر الشروط الواجب توفرها بالزوج عن حصول التفريق ألاتفاقي (الخلع) وكذلك في وصفه بالبائن وعلى وفق حكم المادة (46/2) أحوال شخصية التي جاء فيها الآتي ( يشترط لصحة الخلع أن يكون الزوج أهلا لإيقاع الطلاق وأن تكون الزوجة محلا له ويقع بالخلع طلاق بائن) ونرى بوضوح إن النص اشترط لصحة الخلع وليس الطلاق في هذه المادة أن يكون الزوج والزوجة ان يكونا اهلا لايقاع الطلاق لان المشرع يدرك الفرق بين المصطلحين وإنما ذكر الوصف لعدم تكرار الشروط أو الآثار لان التفريق الاتفاقي وكذلك التفريق القضائي وكل تفريق بعوض او فسخ لعقد الزواج يكون بائن بمعنى لا يجوز للطرفين الرجوع إلى بعضهم إلا بعقد ومهر جديدين إذا كانت البينونة صغرى وعلى وفق حكم المادة (38) أحوال شخصية

4. إن أصل التفريق بين الطرفين كان برضا الطرفين ولم يحصل لو لم يتفقوا على كل الشروط لان الخلع مرحلتين الأولى عقد الخلع وهو مرحلة سابقة على تلفظ الزوج بصيغة الخلع التي تحل بموجبها الرابطة الزوجية وفيها إيجاب وقبول وتراضي فإذا لم يتم هذا العقد لا يمكن للزوج أن يتلفظ بالصيغة الشرعية لذلك فان عدم الاتفاق الصريح على أن تطالب الزوجة بمهرها المؤجل مقوماً بالذهب تكون قد تركت ذلك الأمر لان الزوج إذا رفض ذلك فان التفريق الاختياري (الخلع) لا يقع ولربما الزوج لا يطلق الزوجة

5. إن التفريق القضائي الوارد في الفصل الثاني من الباب الرابع من قانون الأحوال الشخصية في المواد (40، 41، 43) وصفه المشرع بمثابة الطلاق البائن أيضاً وعلى وفق حكم المادة (45) احوال شخصية التي جاء فيها الآتي (يعتبر التفريق في الحالات الواردة في المواد الأربعين والحادية والأربعين والثانية والأربعين والثالثة والأربعين طلاقا بائنا بينونة صغرى) وهو ذات الوصف المتعلق بالتفريق الاختياري فهل ينصرف حكم القرار 127 لسنة 1999 إلى ذلك التفريق ويكون للزوجة التي صدر حكم قضائي بالتفريق بينها وبين زوجها بموجب المواد (40، 41، 43) ان تتطلب مهرها المؤجل مقوم بالذهب ؟

الخاتمة
أرى إن الاجتهاد القضائي الوارد في القرار التمييزي محل التعليق لم يكن على وفق غاية المشرع عند وضعه نص القرار 127 لسنة 1999 لكن يبقى اجتهاداً ملزما لمحكمة الموضوع في الدعوى محل الطعن التمييزي ولا يسرى على سواها لان قرارات محكمة التمييز واجبة الإتباع بالنسبة لقضاء الأحوال الشخصية على وفق حكم المادة (215/1) من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت