تعليق على قرار المجلس الدستوري اللبناني

القاضي سالم روضان الموسوي

هذه المادة اطلعت عليها عند مطالعتي لكتاب المجلس الدستوري اللبناني ووجدت فيها قرار للمجلس فيه فكرة دستورية جديدة تتعلق باعتبار الصياغة القانونية ذات اعتبار دستوري فاذا كانت غير قابلة للفهم وغير واضحة تكون سببا لابطال القانون فضلاً عن الشفافية حيث ينص الدستور اللبناني على ان يكون التصويت على القوانيني بالمناداة بالاسم واحد بعد الاخر ويبدي كل عضو موافقته علنيا ولا يكتفي برفع الايادي واردف مع القرار فقرة استليتها من تعليق مطول على القرار اعلاه ولكن اخترت هذه الفقرة لانها ركزت على مفهوم النص غير المفهوم والفرق بينه وبين النص غير القابل للفهم اتمنى ان تكون نافعة
القاضي سالم الموسوي
اولاً : قرار المجلس الدستوري اللبناني
قرار رقم 5/2017
تاريخ 22/9/2017
رقم المراجعة: 3 / 2017 تاريخ 30/8/2017
المستدعون: النواب السادة: سامي الجميل ونديم الجميل وسامر سعاده وايلي ماروني
وفادي الهبر وميشال دوري شمعون وفؤاد السعد وسليم كرم وخالد الضاهر وبطرس حرب.
القانون المطعون في دستوريته:
القانون رقم 45 الصادر بتاريخ 21/8/2017 والمنشور في الجريدة الرسمية، العدد 37 تاريخ 21/8/2017
إن المجلس الدستوري، الملتئم في مقره بتاريخ 22/9/2017 ، برئاسة رئيسه عصام سليمان وحضور نائب الرئيس طارق زياده، والأعضاء: أحمد تقي الدين وأنطوان مسرة وأنطوان خير وزغلول عطية وتوفيق سوبره وسهيل عبد الصمد وصلاح مخيبر ومحمد بسام مرتضى.

وعملاً بالمادة 19 من الدستور، وبعد الاطلاع على ملف المراجعة وسائر المستندات المرفقة بها، وعلى محضر جلسة مجلس النواب الذي أقرّ فيها القانون المطعون في دستوريته، وعلى تقرير العضو المقرر المؤرخ تباريخ 14/9/2017

وبما ان السادة النواب المذكورة أسماؤهم أعلاه تقدموا بمراجعة سجلت في قلم المجلس الدستوري بتاريخ 30/8/2017 ، ترمي الى تعليق مفعول القانون المطعون في دستوريته وابطاله،

وبما ان السادة النواب الذين تقدموا بالمراجعة أدلوا بالأسباب الآتية:
1. مخالفة القانون المطعون فيه أحكام المادة 36 من الدستور وأحكام المواد 78 إلى 85من النظام الداخلي لمجلس النواب، لأنه لم يحصل التصويت بالمناداة على القانون بمجمله، ولدىالبدء بذلك حصلت عملية هرج ومرج أدت الى بلبلة كبيرة داخل القاعة، وكأن هناك خطة ممنهجة للضغط على رئيس مجلس النواب لمنعه من متابعة التصويت بالمناداة واحتساب الأصوات بصورة دستورية، وقد أدى هذا الضغط الى توقف رئيس المجلس عن المناداة وانتقاله الى المصادقة على القانون برفع الأيدي خلافا لما يقتضيه الدستور، وذلك مثبت بالتسجيل الصوتي المرفق ربطاً.

2. مخالفة القانون المطعون فيه أحكام المادة 83 من الدستور ذلك أن المادة المذكورة تنص على مبادئ دستورية ترعى إعداد الموازنة وهي السنوية والوحدة والشمول والشيوع . وان مبدأ الشيوع في الموازنة يحكم تحصيل الايرادات، وهو يستند الى قاعدة مالية أساسية تفرض عدم تخصيص ايرادات اي لا يجوز تخصيص ايرادات معينة لتغطية نفقات محددة، فتجمع كل الايرادات التي تحصّلها الخزينة العامة لحساب الدولة في مجموعة واحدة وتسدد منها كل النفقات العامة دون تخصيص أو تمييز وهو مكمل لمبدأ شمول الموازنة، ذلك أن وحدة الموازنة هي الأساس، والقانون المطعون فيه بما رمى إليه من تعديل واستحداث بعض المواد القانونية الضريبية لغايات تمويل نفقة دائمة ومحددة، فيكون بذلك قد خالف المبادئ الدستورية التي تحكم المالية العامة والموازنة وبشكل خاص مبدأي الشمول والشيوع.

3. في مخالفة القانون المطعون فيه أحكام الفقرة )ج( من مقدمة الدستور والمادة 7 من الدستور وقد أدلى المستدعون بأن المادة 17 من القانون المطعون فيه بتكليفها الخاضعين لنظام الربح المقطوع ولاسيما منهم المهن الحرة )محامون، مهندسون، أطباء...( دون سواهم من المكلفين الخاضعين لضريبتي الباب الثاني والثالث، والذي يتمثل بإلزامية احتساب الايرادات مرة أولى لدى المنبع )عن طريق الاقتطاع من قبل المصارف والمؤسسات المالية نيابة عنهم( الى ايراداتهم السنوية المهنية، لكي يطبق عليها بعد حسم قيمة ضريبة الباب الثالث، معدل الربح المقطوع لاستخراج الربح الصافي الخاضع لضريبة الباب الأول يعني بايجاز أن الربح الخاضع للضريبة المهنية سوف يتصاعد عبؤه بفعل زيادة ايرادات جديدة نوعية سبق تكليفها بالضريبة المحددة لها. ويضيف المستدعون لأن هذا الاجراء لا يطبق الا على الباب الأول، مستثنيا بالتالي جميع المكلفين بضريبة الباب الثاني والباب الثالث، فهو بذلك يمس بالحقوق والضمانات الأساسية المعترف بها لكل مكلف لمخالفته مبدأي المساواة أمام الأعباء العامة واستقرار الأوضاع القانونية، فضلاً عن تسببه بازدواجية تكليف ضريبي وهو بذلك يخالف مبدأ المساواة أمام الضريبة المنصوص عليه في الفقرة )ج( من مقدمة الدستور والمادة 7 من الدستور.

أضف الى ذلك، أن المادة 17 عينها نصت في البند ثانيا على اعتبار هذه الضريبة فيما خص المصارف عبئا ينزّل من الايرادات وليس سلفة من ضريبة الأرباح، فيشكل هذا التعديل على طريقة الاحتساب ازدواجا ضريبيا واضحا بمعنى أن يكلف ذات الدخل مرتين خلافا لمبدأ المساواة المنصوص عليه في الدستور، وينص على تمييز فيما خص ضريبة الدخل بين المصارف وسائر المؤسسات خلافا للمبادئ الدستورية ويدخل كذلك تمييزاً لناحية معدل الضريبة على الأرباح بين المصارف العاملة في لبنان حسب بنية توظيفات كل مصرف . وهي بذلك تخالف مبدأ مساواة جميع المواطنين أمام الأعباء الضريبية وفقا لأحكام الفقرة )ج( من مقدمة الدستور والمادة 7 من الدستور.

بناءً على ما تقدّم
في الشكل: بما أن المراجعة المقدمة من عشرة نواب وردت ضمن المهلة المحددة في الفقرة الأخيرة من المادة 19 من القانون رقم 250 / 1993 مستوفية جميع الشروط الشكلية، فهي مقبولة شكلاً.

في الأساس : بما أن صلاحيات المجلس الدستوري حددت في المادة 19 من الدستور التي جاء فيها ((ينشأ مجلس دستوري لمراقبة دستورية القوانين ..))

وبما ان المادة 18 الفقرة الأولى من القانون رقم 250 المتعلق بإنشاء المجلس الدستوري نصت على ما يلي ((يتولى المجلس الدستوري الرقابة على دستورية القوانين وسائر النصوص التي لها قوة القانون))

وبما أنه يتوجب معالجة الأسباب المدلى بها في المراجعة على التوالي:
أولاًـ في مخالفة القانون المطعون فيه أحكام المادة 36 من الدستور
بما أن المجلس الدستوري لا ينظر الا في دستورية القوانين، لذلك لا مجال للنظر في القانون المطعون فيه في ضوء أحكام النظام الداخلي لمجلس النواب، وينحصر البحث في مخالفة أحكام الدستور.

وبما أن الدستور نص في مقدمته على أن الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية،

وبما أن الدستور نص على أن لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية،

وبما أن الشعب في الأنظمة الديمقراطية البرلمانية ينتخب نوابه دوريا ليتولوا ممارسة السلطة نيابة عنه، وتحت إشرافه ومراقبته ليتمكن من محاسبتهم في الانتخابات وتحديد خياراته،

وبما أن المراقبة والمحاسبة تقتضيان الشفافية في أعمال السلطة الاشتراعية عند إقرار القوانين،

وبما أن الدستور نص على الأكثرية الواجب توافرها للنصاب القانوني في جلسات مجلس النواب ولاتخاذ القرار في كل من الأمور المطروحة على مجلس النواب، ومنها القوانين العادية والقوانين الدستورية، ما يعني أن للعدد دوراً حاسما في اتخاذ القرار ووضع القوانين، وهو أمر طبيعي في الأنظمة الديمقراطية،

وبما أن ما نصت عليه المادة 36 من الدستور يقع في هذا السياق، وهو مرتبط جذرياً بطبيعة النظام الديمقراطي البرلماني الذي نص عليه الدستور،

وبما أن نص المادة 36 وضع في الدستور منذ العام 1926 ، ولم يجرِ المس به حتى يومنا

هذا نظراً لأهميته وارتباطه الوثيق بطبيعة نظامنا الدستوري،

وبما أن المادة 36 من الدستور نصت صراحة على كيفية التصويت في مجلس النواب،

وجاء فيها ما يلي:
((أما فيما يختص بالقوانين عموما أو بالاقتراع على مسألة الثقة فإن الآراء تعطى دائما بالمناداة على الأعضاء بأسمائهم وبصوت عال))
وبما أن الغاية من نص المادة 36 هي التصويت على مسألة الثقة، وعلى القوانين بشفافية تامة ليكون الشعب مطلعاً على ما يقوم به نوابه، وبخاصة أن القوانين التي يقرّها مجلس النواب، وعلى الأخص تلك المتعلقة بالمالية العامة، لها تأثيرات مباشرة عليه، وبما أن القاعدة التي نصت عليها المادة 36 هي جوهرية وليست شكلية ولا تقبل الاستثناء لورود تعبير دائما في النص الدستوري الواردة فيه، وقد اعتمدها النظام الداخلي لمجلس النواب في المادتين 78 و 85 منه،

وبما أن الفقه الدستوري مستقر على التقيد بهذه القاعدة في التصويت على القوانين،

وبما أن التصويت العلني وبالمناداة بصوتٍ عالٍ ليس قاعدة شكلية بل شرط ضروري للمراقبة والمحاسبة في الأنظمة الديمقراطية البرلمانية،

وبما أنه لم يتبين من محضر الجلسة، التي أُقر فيها القانون، أن الأصول الدستورية، المنصوص عليها في المادة 36 من الدستور، قد روعيت في التصويت على القانون المطعون فيه، لذلك فإن الطريقة التي اعتمدت في اقرار القانون جاءت مخالفة للدستور ويقتضي بالتالي إبطاله،

ثانياً- في مخالفة القانون المطعون فيه أحكام المادة 83 من الدستور
بما أن المجالس النيابية نشأت في الأساس من أجل الحفاظ على المال العام، وعدم فرض الضرائب العمومية والترخيص بجبايتها وانفاقها إلا بموافقة ممثلي الشعب في السلطة، كون المال العام هو مال الشعب ولا يجوز التفريط به، وبما أن إجازة الجباية والانفاق بقرار من ممثلي الشعب وتحت رقابته يؤديان مبدئيا الى انتظام المالية العامة للدولة وضبط مداخيلها ومصاريفها، وبما أن انتظام المالية العامة وضبطها لا يتمّ ان الا من خلال موازنة سنوية، تقدر فيها الواردات والنفقات لسنة قادمة، ويُعمل على تحقيق التوازن في ما بينها، وتتضمن اجازة بالجباية والانفاق، وبما ان الواردات والنفقات الحقيقية تتطلب اجراء قطع حساب في نهاية كل سنة مالية،

وبما أن المادة 83 من الدستور نصت على ما يلي:
((كل سنة في بدء عقد تشرين الأول تقدم الحكومة لمجلس النواب موازنة شاملة نفقات الدولة ودخلها عن السنة القادمة ويقترع على الموازنة بنداً بنداً))

وبما أن الدستور اعتمد مبدأ سنوية الموازنة، وهو يتيح وضع الضرائب والرسوم في القسم المخصص للواردات، ووضع المصاريف في القسم المخصص للنفقات، واجراء التوازن في ما بينهما للسنة القادمة، ويفسح في المجال أمام مجلس النواب لممارسة رقابة منتظمة ودورية، وخلال فترة وجيزة من الزمن، على المالية العامة، وعلى أعمال الحكومة في السنة التي انقضت، وبما أن انتظام مالية الدولة العامة، وخضوع السلطة الاجرائية لرقابة السلطة الاشتراعية في مجال الجباية والانفاق، يقتضي معرفة حقيقية للواردات والنفقات من طريق قطع الحساب،

وبما أن الدستور نص في المادة 87 منه على ((ان حسابات الادارة المالية النهائية لكل سنة يجب أن تعرض على المجلس ليوافق عليها قبل نشر موازنة السنة الثانية التي تلي تلك السنة …))

وبما أن الدستور ربط مبدأ سنوية الموازنة بمبدأ الشمول الذي يعني تضمين الموازنة جميع نفقات الدولة وجميع مداخيلها عن السنة القادمة،

وبما أن مبدأ الشمول يقضي بأن تكون النفقات مفصولة عن الواردات، وقد نصت المادة 51 من قانون المحاسبة العمومية على ما يلي ((تقيد الواردات المقبوضة برمتها في قسم الواردات من الموازنة ونصت المادة 57من القانون نفسه ((على عدم جواز عقد نفقة، الا اذا توافر لها اعتماد في الموازنة))

وبما أن مبدأ الشمول يكتمل بمبدأ الشيوع في الموازنة أي مبدأ عدم تخصيص واردات معينة لتغطية نفقات معينة،

وبما أن مبدأ الشيوع وعدم تخصيص الواردات يعني أن يتم الانفاق، أيا كانت وجهته، بمأخوذات من الواردات، أيا كانت مصادرها،

وبما أن مبدأ الشيوع أي عدم التخصيص، يرتبط بمفهوم الدولة كونها كيانا سياسيا وقانونيا موحداً وجامعا،ً وما يتوافر من موارد يجب أن تكون موارد مشتركة لتحقيق المنفعة العامة،

وبما أن مبدأ الشيوع هو القاعدة والاستثناءات عليه محدودة جداً، فيجري في بعض الحالات تخصيص ضرائب ورسوم لتغطية نفقات ذات صلة بالأمور التي فرضت عليها هذهالضرائب والرسوم تحديداً، أو نفقات تتعلق بالتنمية المحلية، كالضرائب والرسوم المجباة لصالح البلديات على سبيل المثال، أو تخصيص بعض الرسوم لتسديد دين عام كما في العديد من الدول،

وبما أن القانون المطعون في دستوريته وضع تحت العنوان الآتي:
((تعديل واستحداث بعض الموارد القانونية الضريبية لغايات تمويل رفع الحد الأدنى للرواتب والأجور وإعطاء زيادة غلاء معيشة للموظفين والمتعاقدين والأجراء في الادارات العامة وفي..))

وبما أن تعبير “غايات” الذي ورد في العنوان المشار اليه لا يعني التخصيص انما يعني الهدف من تعديل واستحداث بعض الموارد القانونية الضريبية،
وبما ان مضمون القانون المطعون فيه لا يشير الى تخصيص الموارد الناتجة عنه لدفع الفروقات الناجمة عن زيادة الرواتب والأجور الناجمة عن القانون رقم 46 / 2017 ، انما لتغطية ما يترتب من نفقات اضافية على خزينة الدولة، كون الرواتب والأجور تدخل في النفقات العامة للدولة،
وبما أن ما تم إقراره من واردات وعلى النحو المذكور جاء خارج إطار الموازنة العامة للدولة، لا بل في غياب هذه الموازنة المستمر منذ سنوات عديدة، وكان ينبغي أن تصدر الموازنة في مطلع كل سنة، وأن تشتمل على جميع نفقات الدولة ووارداتها عن سنة مقبلة، عملاً بأحكام المادة 83 من الدستور المشار اليها سابقا،ً

وبما ان قانون الموازنة يجيز الجباية والانفاق لمدة سنة وفقا لما ورد فيه، وقد جاء في المادة 3 من قانون المحاسبة العمومية)) أن الموازنة صك تشريعي تقدر فيه نفقات الدولة ووارداتها عن سنة مقبلة وتجاز بموجبه الجباية والانفاق))

وبما انه لا يجوز للدولة الجباية الا بصك تشريعي يتجدد سنويا وهو بالتحديد الموازنة،

وبما ان قوانين الموازنة تجيز الجباية لسنة واحدة وفقاً لقانون الموازنة، وتجدد الاجازة السنوية بالجباية في مطلع كل سنة في قانون الموازنة الجديدة،

وبما أنه في الأنظمة الديمقراطية لا شرعية للضريبة إلا إذا كانت قد أقرت جبايتها بحرية من قبل الأمة، ويعود لمجلس النواب أن يعبر عن هذه الموافقة التي لا يمكن إلا أن تكون مؤقتة،والتي يجب تجديدها دوريا،ً وينبغي أن تجيز قوانين الموازنة السنوية، لكل سنة، تحصيل واردات الدولة،

وبما أن المادة 86 من الدستور، وتأكيداً على هذه القاعدة، نصت على أنه في العقد الإستثنائي المخصص لإقرار الموازنة تجبى ((الضرائب والتكاليف والرسوم والمكوس والعائدات الأخرى كما في السابق، وتؤخذ ميزانية السنة السابقة أساسا،ً ويضاف اليها ما فتح بها من الاعتمادات الاضافية الدائمة ويحذف منها ما أُسقط من الاعتمادات الدائمة، وتأخذ الحكومة نفقات شهر كانون الثاني من السنة الجديدة على القاعدة الاثني عشرية)) فلولا هذا الاذن الاستثنائي لما أجيز للدولة القيام بالجباية خلال شهر واحد،

وبما ان القاعدة الاثنتي عشرية وردت في المادة 86 من الدستور وفي المادة 60 من قانون المحاسبة العمومية التي جاء فيه ما يلي((توضع الموازنات الاثنتا عشرية على أساس: الاعتمادات الدائمة المرصدة في موازنة السنة السابقة على ان يؤخذ بعين الاعتبار ما أضيف اليها وما أسقط منها من اعتمادات دائمة)) ما يعني إن القاعدة هذه صالحة لشهر واحد فقط، وهي مرتبطة بالدعوة لعقد استثنائي من أجل اقرار الموازنة، أي حتى آخر شهر كانون الثاني،

وبما أنه لا يجوز فرض ضرائب ظرفيا انما في إطار موازنة سنوية تشكل برنامجا إصلاحيا وانمائيا واقتصاديا واجتماعيا،ً بحيث تأتي الضرائب والرسوم وفق متطلبات الخطة الموضوعة،

وبما أن القانون المطعون فيه صدر في غياب الموازنة وخارجها فقد خالف مبدأ الشمول الذي نصت عليه المادة 83 من الدستور، وكان ينبغي أن يأتي في إطار الموازنة العامة السنوية، وفقا للقواعد التي نص عليها الدستور،

لذلك هو مخالف للدستور
ثالثا – في مخالفة القانون المطعون فيه أحكام الفقرة )ج( من مقدمة الدستور والمادة 7
من الدستوربما أن مبدأ المساواة لا يطبق إلا على من هم في أوضاع قانونية واحدة أو متشابهة أومتماثلة، وبما أنه يعود للمشترع، بما يمتلك من سلطة تقديرية، أن يميز بين المواطنين اذا كانوا في أوضاع قانونية مختلفة، أو في حال توافرت المصلحة العامة التي تبرر عدم المساواة، شرط أن يكون التمييز متوافقا مع غاية القانون،

وبما أنه فيما يتعلق بضريبة الدخل والأعباء المتأتية عنها، فقد أرسى المشترع قواعد ضريبية مختلفة تتلاءم مع نشاط وقدرة الذين يكلفون بهذه الضريبة، مقسما إياهم الى فئات متعددة بحيث تحتسب الضريبة على أساس نوعية دخل كل منهم، أو على أساس الطرق المعتمدة لإحتساب الارباح للتكليف بالضريبة، وبالتالي لا يطبق مبدأ المساواة الا على المكلفين الذين هم ضمن الفئة ذاتها دون سواهم من سائر المكلفين من الفئات الأخرى، وبما ان المساواة أمام الأعباء الضريبية غير متوافرة في ما بين المكلفين بضريبة الباب الأول لاختلاف طرق احتساب الأرباح للتكليف بالضريبة على أساسها، بين مكلف على أساس الربح الحقيقي ومكلف على أساس الربح المقطوع ومكلف على حساب الربح المقدر، كذلك لا وجود للمساواة بالطبع بين هؤلاء وبين المكلفين بضريبة البابين الثاني والثالث لإختلاف نوعية دخل كل منهم، معتبرين ،)) الإزدواج الضريبي)) وبما أن المستدعين أثاروا في مراجعة الطعن ما أسموه أن المكلفين بضريبة الدخل على أساس الربح المقطوع سيكلفون، ووفقا لأحكام المادة 17 من القانون المطعون فيه، بدفع الضريبة مرتين عن أموالهم المتمثلة بالفوائد والعائدات والايرادات العائدة لهم مرة أولى عندما يكلفون بضريبة الباب الثالث وهي سبعة بالمئة، ومرة ثانية عندما يكلفون بضريبة الباب الأول، بعد ضم صافي قيمة أموالهم المذكورة، بعد حسم قيمة ضريبة الباب الثالث، الى الايرادات السنوية لهؤلاء المكلفين، ليطبق عليها معدل للربح المقطوع لاستخراج الربح الصافي الخاضع لضريبة الباب الأول،

وبما أن المادة 17 من القانون المطعون فيه أخضعت لأحكام ضريبة الدخل، ولضريبة الباب الثالث منه بمعد7 ٪ فوائد وعائدات وايرادات كافة الحسابات الدائنة المفتوحة لدى المصارف بما فيها حسابات التوفير وفوائد وعائدات الودائع وسائر الالتزامات المصرفية بأي عملة كانت، وفوائد وايرادات وعائدات حسابات الإئتمان وادارة الأموال، وعائدات وفوائد شهادات الإيداع التي تصدرها جميع المصارف، وسندات الدين التي تصدرها الشركات المغفلة، وفوائد وايرادات سندات الخزينة اللبنانية، وبما أن الفقرة الثانية من المادة)) 17 أما اذا كانت، من القانون المذكور أوردت ما نصه هذه الفوائد والعائدات والايرادات عائدة الى مؤسسات تجارية ومهن حرة خاضعة للتكليف بضريبة الدخل على أساس الربح المقطوع، فانها تبقى خاضعة للضريبة المنصوص عليها في الفقرة )أولاً( أعلاه وتُضاف قيمتها الصافية، بعد حسم قيمة ضريبة الباب الثالث، الى الايرادات السنوية لتلك المؤسسات والمهن، ويطبق عليها معدل الربح المقطوع لاستخراج الربح الصافي الخاضع لضريبة الباب الأول))

وبما أنه، بناء على ما تقدم، تعتبر الأموال المتمثلة بالفوائد والعائدات والايرادات، التي تعود للمكلفين بالضريبة على أساس الربح المقطوع، تعتبر هي مطرح الضريبة بالنسبة لضريبة الباب الثالث وقيمتها 7)٪ ( وفي حال ضم صافي هذه الأموال، بعد حسم ضريبة الباب الثالث، الى الايرادات السنوية لهؤلاء المكلفين )ان وجدت مثل هذه الايرادات(، وذلك لاستخراج الربح الصافي الخاضع لضريبة الباب الأول، فسوف يؤدي ذلك إما الى تكوين مطرح ضريبة الباب الأول كليا من الأموال المتمثلة بالفوائد والعائدات والايرادات المشار اليها أعلاه، في حال وجود أي ايرادات أخرى، أو جزئيا في حال ضم صافي هذه الأموال الى الايرادات السنوية للمكلفين بالضريبة على أساس الباب الأول حال وجودها،

وبما انه اذا تكون مطرح الضريبة كليا من الأموال التي أخضعت لضريبة الباب الثالث،فسوف تخضع مرة جديدة لضريبة الباب الأول، وعن الفترة الزمنية نفسها، الأمر الذي سيؤدي الىدفع الضريبة مرتين على الدخل نفسه.وبما أن الفقرة الأخيرة من ثانياً من المادة 17 تضاعف عبء الضريبة على شريحة منالمكلفين بدون تبرير العبء المضاعف، وتؤدي الى اشكالية في احتساب الفوائد على حساب التوفيرالمشترك وبخاصة بين الزوج و/أو الزوجة و/أو الأولاد،لذلك يعتبر ما ورد فيها خرقا لمبدأ المساواة أمام التكاليف العامة والضرائب، ومتعارضا مع الفقرة )ج( من مقدمة الدستور، ومع المادة 7 من الدستور.

رابعاً- الغموض في نص المادة الحادية عشرة من القانون المطعون فيه

بما أن المادة الحادية عشرة من القانون المطعون فيه جاءت في ست صفحات وتضمنت ثماني عشرة فقرة، وكل فقرة تضمنت عدة أقسام، ما يتعارض مع الأصول المعتمدة في نص القوانين، وبما أن الغموض يشوب نص المادة الحادية عشرة المذكورة، وبما أن الغموض في النص يفسح في المجال أمام تطبيقه بشكل استنسابي، وبطرق ملتوية، تسيء الى العدالة والمساواة بين المواطنين أو تنحرف عن النية غير الواضحة أساسا للمشترع، عليه تعتبر المادة الحادية عشرة من القانون المطعون فيه مخالفة للدستور بسبب إفتقارها للوضوح.

لذلك
وبعد المداولة،
يؤكد المجلس الدستوري بالإجماع على المبادئ الواردة في الحيثيات وعلى ان عدم إقرار موازنة عامة سنوية للدولة وعدم وضع قطع حساب لكل سنة يشكلان انتهاكً ا فاضحا للدستور.
واستناد ا الى كل ما تقدّم
يقرر المجلس الدستوري بالإجماع:
أولاً ـ في الشكل : قبول المراجعة شكلاً لورودها ضمن المهلة مستوفية الشروط المطلوبة.
ثانياً – في الأساس: إبطال القانون رقم 45 ، المنشور في العدد 37 من الجريدة الرسمية
بتاريخ 21 / 8 / 2017 برمته.
ثالثاً- نشر هذا القرار في الجريدة الرسمية.
قرار صدر في 22 / 9 / 2017
الأعضاء
محمد بسام مرتضى، صلاح مخيبر K سهيل عبد الصمد، توفيق سوبره ، غلول عطيه، أنطوان خير، أنطوان مسرة، أحمد تقي الدين
نائب الرئيس الرئيس
طارق زياده عصام سليمان
ثانياً تعليق الدكتور وليد عبلا
((النص التشريعي غير المفهوم والنص التشريعي غير القابل للفهم))
الدكتور وليد عبلا
أستاذ في كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية سابقًا
فقرة مستلة من تعليق على قرار المجلس الدستوري اللبناني رقم 5/2017

اعتبر المجلس الدستوري في قراره رقم 5 / 2017 أن المادة 11 من القانون المطعون فيه مخالفة للدستور بسبب افتقارها للوضوح. هذه ليست المرة الاولى التي يؤكد فيها المجلس ضرورة أن يكون التشريع واضحا”، اذ سبق له أن تطرق الى هذه المسألة في قرارين سابقين )القرار رقم 3 / 2002 تاريخ 10 / 7 / 2002 والقرار رقم 1 / 2005 تاريخ 6 / 8 / 2005 ) ما هو معيار وضوح النص التشريعي؟ وما هي الغاية منه؟

أ – معيار وضوح النص التشريعي: مبدأ وضوح النص التشريعي مبدأ جديد نسبيا” في اجتهاد المجلس الدستوري، سواء في فرنسا أو في لبنان. فقد أشار المجلس الدستوري الفرنسي الى ضرورة وضوح النص التشريعي، لأول مرة، في قرار له بتاريخ 27 / 7 / 1982 . الا أن القرار الاساس بهذا الشأن، وفق اجماع الفقهاء الفرنسيين، هو القرار الذي أصدره هذا المجلس بتاريخ 16 / 12 / 1999 لأنه اعتبر فيه أن وجوب أن يكون النص التشريعي قابلا” للفقه وواضحا ) ” وهي الترجمة التي اعتمدها المجلس الدستوري اللبناني في قراره رقم 1 / 2005 لمبدأ Principe de l’accessibilité et de: (l’intelligibilité هو هدف ذو قيمة دستورية. ثم أوضح اجتهاده هذا في قرار مهم أصدره في 27 تموز 2006 . وقد استنبط المجلس الدستوري هذا المبدأ من “اعلان حقوق الانسان والمواطن” الذي صدر إثر الثورة الفرنسية الكبرى1789)) فما هو المقصود بالنص التشريعي الواضح؟

من الصعب اعطاء تعريف دقيق للقانون الواضح. فالوضوح كلمة مجردة ترتبط بعوامل ذاتية ليس من السهل الاحاطة بها. وككل المفاهيم المجردة يمكن الوقوف على كنهها من ضدها. وعليه، يمكن القول أن الوضوح هو نقيض الغموض، والعكس صحيح. ولكن، ما هو معيار كل من الوضوح والغموض، وكيف يمكن تحديد أي منهما، وبالنسبة لمن؟ فالناس ليسوا على درجة واحدة من العلم والثقافة والمعرفة والاختصاص والخبرة – ولا أقول الذكاء – وما هو واضح لرجل القانون قد يبدو غير واضح لغير المتخصص في القانون، وما هو واضح ومفهوم في قانون الضرائب بالنسبة للمتخصص في هذا المجال قد يجده من لا يتعاطى هذا الشأن شديد الابهام ويصعب عليه فهمه. فهل يُعتمد كمعيار للتحديد الرجل العادي، أي المتوسط المعرفة؟ انطلاقا” مما ذكرنا، اعتبر عدد من الفقهاء الفرنسيين أن عدم وضوح النص لا يعني أن النص غير مفهوم، بل المقصود أن النص هو غير قابل للفهم.

في الحالة الاولى، يتوقف عدم الفهم على الشخص الذي يقرأه، أي أن العلة تكون في الشخص. أما في الحالة الثانية، أي عندما يكون النص غير قابل للفهم، فتكون العلة في النص ذاته. بعبارة أخرى، ان النص المفهوم ليس النص الواضح تماما” بل النص القابل للفهم. ورأى آخرون أن وضوح القانون يقاس بالنسبة للأشخاص الموجه إليهم ]في حال كان القانون يعني فئة من الناس بعينها[، فاذا لم يفقهوا معناه فهذا يعني أن القانون غير مفهوم. وفي كندا والولايات المتحدة الاميركية، على سبيل المثال، عرّف البعض القانون غير الواضح، وبالتالي غير المقبول، بأنه القانون الذي بلغ حدا” من عدم الدقة والغموض بحيث يتيح المجال للتعسف في تطبيقه اذا أردنا أن نضع معيارا” موضوعيا” لوضوح النص التشريعي، مع علمنا بصعوبة هذه المهمة، فإننا نرى أن النص الواضح هو النص الذي يتصف بالخصائص الآتية:

1. أن يكون النص مصاغا” بلغة سليمة وواضحة مع الدقة في استخدام المصطلحات القانونية.
2. أن يكون النص مقتضبا” قدر الامكان، ما يسهل فهمه.
3. أن يدل النص على مقصد وغاية القانون، أي أن يؤدي النص المعنى الذي يرمي اليه المشترع.
4. ان يكون النص مترابطا” وخاليا” من أي تناقض سواء بين مواده المتعددة أو داخل مادة بعينها لئلا يصبح غير قابل للتطبيق.
5. اذا كان القانون يتناول مسائل تقنية أو ينص على آلية خاصة لتطبيقه، ينبغي أن يحدد هذه المسائل والآلية بصورة كافية تزيل الغموض عنها لئلا يصبح القانون عرضة لتفسيرات متضاربة، ما يفسح في المجال للتعسف أو للاستنساب في تطبيقه.

ذكرنا أن المجلس الدستوري اللبناني يعتبر، على غرار المجلس الدستوري الفرنسي، أن النص الغامض مخالف للدستور لأنه، من جهة، يفسح في المجال أمام تطبيقه بصورة استنسابية وبطرق ملتوية تسيء الى العدالة والمساواة بين المواطنين. ومن جهة أخرى، لأنه قد يؤدي الى تحريف نية المشترع أو الانحراف عنها، ما يؤدي الى تطبيق القانون خلافا” لمقاصد هذا الاخير. هذا ما يتبين من القرارات التي أصدرها المجلس حتى الآن ونوردها فيما يأتي.

 نص القانون رقم 679 تاريخ 19 / 7 / 2005 على تأجيل النظر بالمراجعات أمام المجلس الدستوري ريثما يتم استكماله. وقد اعتبر المجلس الدستوري أن عبارة “ريثما يتم استكماله”، التي تعني أن المجلس غير مكتمل في هيئته القائمة )يومذاك(، غير واضحة وغير قابلة للفهم لأنها “تتضمن لواقعة أو وضع قانوني غير مفهوم ويصعب ربطه بكف يد المجلس عن النظر في المراجعات الواردة اليه”، ولا يتبين منها ما إذا كان في التأجيل تعليق لاختصاص المجلس أم تعطيل لعمله. فضلا” عن أن القانون “غير واضح وغير مفهوم بالنسبة للشرط أو الاجل اللذين تتوقف عليهما استعادة المجلس لاختصاصه الذي انتزعه منه المشّرع” )قرار رقم 1 / 2005 تاريخ 6 / 8 / 2005) من الامثلة على التناقض في مضمون مادة من مواد قانون تجعل النص لا معنى له، وبالتالي غير قابل للتطبيق عمليا”، ما ورد في المادة 8 من القانون رقم 140 / 99 تاريخ 27 / 10 / 1999 )) قانون صون الحق بسرية المخابرات – المعروف بقانون التنصت (. فقد نصت المادة 8 المذكورة على أنه “لا يجوز اعتراض المخابرات التي يجريها المحامون الا بعد اعلام نقيب المحامين والتثبت من أن المحامي المقصود ارتكب أو شارك في ارتكاب جناية أو جنحة”. فاعتبر المجلس، عن حق، ان اشتراط التثبت من حصول الفعل الجرمي قبل اجراء الاعتراض أو التنصت تنتفي معه الغاية من النص ويصبح بدون معنى، لأن الغاية من التنصت هي التثبت من حصول الفعل الجرمي. فاذا ما تم التثبت من هذا الفعل قبل اجراء التنصت فلا حاجة عندئذ الى التنصت )قرار رقم 2 / 99 تاريخ 24 / 11 / 1999 . نشير الى أن المجلس أبطل المادة 8 المذكورة لمخالفتها مبدأ المساواة بين المواطنين(.

 اعتبر المجلس في قراره رقم 5 / 2017 موضوع هذا التعليق أن المادة 11 من القانون 45 / 2017 مخالفة للدستور بسبب افتقارها للوضوح. ذلك أن هذه المادة جاءت في 6 صفحات )من أصل 12 صفحة يتألف منها القانون المذكور( وتضمنت 18 فقرة وكل فقرة احتوت على عدة أقسام. هذا الامر غير مألوف وغير مقبول، خاصة في قانون يتعلق بالضرائب، ويتعارض مع الاصول المعتمدة في صياغة القوانين، وكانت نتيجة سوء الصياغة هذه أن جاءت المادة 11 المشار اليها غامضة وغير مفهومة.

 نشير أخيرً ا الى أن المجلس الدستوري اعتبر، بما يتعلق بالقوانين المالية بالذات، أن “عدم وضوح القانون أو عدم فقهه لا يؤديان الى ابطاله الا عند تجاوزه حدا” مفرطا” مبددا” معناه”. وأضاف المجلس: ان هذا الحل هو المعتمد “في الاجتهاد الدستوري الاكثر حداثة” )أنظر القرار رقم 3 / 2002 تاريخ 15 / 7 / 2002 (. ولعل ما حمل المجلس على اعتماد هذا المنحى المتشدد بالنسبة للقوانين المالية سببه، برأينا، أن عدم وضوح )أو غموض( القانون المالي يقاس بالنسبة الى فئة الناس الموجه اليهم والمعنيين مباشرة به وهم من الخاصة، أي ممن لهم معرفة وخبرة في الشؤون المالية، فضلا” عن أن القوانين المالية هي، بحد ذاتها، معقدة وتتضمن مسائل تقنية قد تكون بالغة الصعوبة، أو قد تبدو كذلك لمن هم من غير أهل الاختصاص.

ومع ذلك، نحن لا نؤيد أن يكون التشدد الذي أعلنه المجلس الدستوري في قراره المذكور أعلاه قاعدة عامة يُعمل بها في جميع الحالات، وبخاصة عندما يتجاوز الافراط في عدم الوضوح الهدف الذي أراد المشترع بلوغه ولا تبرره أي مصلحة عامة، وفق ما قضى به المجلس الدستوري الفرنسي في قرار مهم بتاريخ 29 / 11 / 2005 . الى ذلك، فان القوانين المالية تهم كافة الناس وبخاصة عندما تنص على فرض ضرائب جديدة أو رفع معدل ضريبة موجودة من قبل. ومن واجب المشترع أن يسن قوانين واضحة وقابلة للفهم كما سبقت الاشارة، لأن وضوح التشريع يسهم في تحقيق الامان التشريعي sécurité juridique ونود أن نشير بهذا الصدد الى أن المحكمة الفدرالية السويسرية، وهي أعلى سلطة قضائية في سويسرا، قضت في قرار لها يعود الى عام 2004 ، خلافا” لما ورد في قرار المجلس الدستوري اللبناني المذكور أعلاه، بأن القانون يجب أن يكون واضحا” بصورة كافية ليكون المتقاضون على بينة من حقوقهم وواجباتهم. وبما يتعلق بالتكليف بالضريبة بالذات، فان موضوع الضريبة ينبغي أن يكون محددا” في القانون بالوضوح والدقة المناسبين لفهمه.

ب – الغاية من وضوح النص التشريعي:
يندرج اشتراط وضوح القانون في سياق الحفاظ على حقوق الانسان التي يكفلها له الدستور والقوانين المرعية الاجراء. فالدولة الحديثة هي دولة القانون. وما من دولة في عصرنا الحاضر الا وتزعم أنها “دولة قانون”!. والمقصود بدولة القانون هو، من جهة، أن تحترم الدولة الدستور والقوانين التي تسنها وتتقيد بأحكامها. ومن جهة أخرى، أن يكون بمقدور كل شخص أن يدافع عن حقوقه، وبخاصة تجاه الدولة بكافة أجهزتها، أمام قضاء مستقل. تعاني الدول في عصرنا من تخمة في التشريعات نظرا” لاتساع وظائفها ومهامها وتشعبها. وقد باتت الحياة في المجتمعات الحديثة أكثر تعقيدا” عما كانت عليه في الماضي ومتطلباتها في ازدياد مطرد خاصة بعد أن غزتها التكنولوجيا المتقدمة التي تتطور بسرعة مذهلة يوما” بعد يوم. وقد انعكس هذا الواقع على القوانين فباتت أكثر تقنية وتعقيدا” وصعوبة على الفهم من ذي قبل. وأدى التضخم التشريعي الى صعوبة الاحاطة بكل ما صدر ويصدر من قوانين، وبالتالي الى عدم العلم بوجودها كلها نظرا” لضخامة عددها هنا تبرز المفارقة بين هذا الكم الهائل من القوانين المعمول بها و قاعدة “لا يمكن لأحد أن يعتد بجهله للقانون”Nul n’est censé ignorer la loi فبعد نشر القانون وفق الأصول المعتمدة ) عادة في الجريدة الرسمية( تنشأ قرينة قانونية لا يمكن دحضها une présomption irréfragable ، أي لا يمكن اقامة الدليل على عكسها )الا في بعض الحالات الاستثنائية( ، على أن الجميع بات على علم – أو يفترض أنه على علم – بصدور القانون. وتهدف هذه القاعدة، المعمول بها من عهد الرومان، الى تحقيق الاستقرار في المجتمع اذ لا يعقل أن يتوقف تطبيق القانون على معرفة كل فرد به ، والتهرب منه بادعائه أنه لم يعلم بصدوره لكن، كي يتمكن الفرد من الدفاع عن حقوقه ينبغي أن يكون على اطلاع على القوانين التي تمنحه هذه الحقوق وتحميها، وأيضا” على القوانين التي ترتب عليه موجبات. لذا على السلطات المختصة أن تؤمن لكل فرد امكانية الوصول الى القوانين بدون مشقة كبيرة أو عناء وهذا هو المقصود ب accessibilité ) ) وبعد أن يطلع عليها ينبغي أن يفهم مضمونهاوهذا هو المقصود ب ( intelligibilité ) ولكي يفهم مضمونها يجب أن تكون واضحة أو، على الاقل، قابلة للفهم. فوضوح القانون هو ضمانة لحقوق الفرد لأنه هو الذي يمكّن هذا الاخير من الدفاع عن حقوقه. وهذه الحقوق لا تكون فعلية ومصانة الا إذا كان بمقدوره مراجعة القضاء لحمايتها في حال التعدي عليها سواء من الدولة أم من أقرانه. والقضاء لا يكون فعّالا” ويضمن حقوق الناس الا إذا كان مستقلا”، واللجوء اليه زهيد الكلفة، والفصل في القضايا المعروضة عليه يتم بمدة معقولة. ان المجلس الدستوري، بتأكيده على أن القانون غير الواضح، أي غير القابل للفهم، مخالف للدستور ويقتضي ابطاله، انما يهدف الى حماية حقوق الفرد وتمكين هذا الاخير من الالمام بها والدفاع عنها. فضلا” عن أنه يحول دون تطبيق القانون بشكل استنسابي يسيء الى العدالة والمساواة بين المواطنين. وغني عن القول أنه يعود للمجلس الدستوري تقدير درجة الغموض التي يصبح القانون معها غير قابل للفهم، وبالتالي مخالفا” للدستور.

الدكتور وليد عبلا
أستاذ في كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية سابقًا

إعادة نشر بواسطة محاماة نت