المساعي الحميدة ..

يعرف فقهاء القانون الدولي المساعي الحميدة بانها : عمل سياسي ودي تقوم به دولة أو مجموعة من الدول أو حتى فرد ذي مركز رفيع كالأمين العام للأمم المتحدة في محاولة لجمع الدول المتنازعة مع بعضها وحثها على البدء بالمفاوضات أو استئنافها من دون ان تقوم الدولة او الفرد الذي يقوم بالمساعي الحميدة بتقديم مقترحات او وضع شروط بين الاطراف المتنازعة والا فان مايقدمه يكون مجرد مشورة ليس لها صفة الالزام ويمكن للاطراف المتنازعة قبولها او رفضها من دون ان يشكل ذلك خرقا لقواعد القانون الدولي .

وتعتبر المساعي الحميدة وسيلة من الوسائل السلمية في حل المنازعات الدولية والاقليمية وقد ورد النص عليها في اتفاقيات لاهاي 1889 – 1907 وحثت الدول على اللجوء اليها في علاقاتها المتبادلة ويرجع الى هذه الطريقة الفضل في تسوية الكثير من المنازعات الدولية في مراحلها الاولى قبل ان تتفاقم وتتحول الى ازمة مثل المساعي الحميدة التي قامت بها دول امريكا الجنوبية لحل النزاع بين بوليفيا والرجواي عام 1932 .

وفي بعض الاحيان تكون المساعي الحميدة وسيلة يلجأ اليها لتخفيف حدة المنازعات من خلال حث الاطراف على عدم التصعيد من حدة الازمة وحثها للجلوس الى طاولة التفاوض من ذلك النزاع بين تونس وفرنسا عام 1908 حيث قامت الولايات المتحدة الامريكية باجراء مساع حميدة من اجل وأد الازمة بين الدولتين وكذلك المساعي الحميدة التي قامت بها السويد في النزاع بين العراق وايران .

وفي الواقع ان هذه الطريقة لحل المنازعات سلميا لم يرد ذكرها في ميثاق الامم المتحدة غير ان مايفهم من نص المادة 33 من الميثاق (او غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها الاختيار ) هو انه من الممكن ان تلجأ الدول الى هذه الطريقة لحل المنازعات في مراحلها الاولى باعتبارها من ضمن الوسائل السلمية كما ان الميثاق لم يات بنص يمنع اللجوء الى هذه الوسيلة في حل المنازعات بالطرق السلمية لذا لا مانع من اللجوء اليها من اجل تحقيق هذه الغاية .

وقد وردت الاشارة الى المساعي الحميدة في اتفاقية لاهاي الاولى لعام 1907 في المواد من 2 – 8 منها كوسيلة لحل المنازعات الدولية والاقليمية ودعت الاتفاقية ايضا الدول الى استخدامها في علاقاتها فيما بينها . ويذهب بعض الباحثين الى ان المساعي الحميدة تعتبر ضربا من ضروب التدخل في شؤون الدول الاخرى ولكن هذا الراي هو خاطئ لان المساعي الحميدة هي وسيلة سلمية لحل المنازعات الدولية بينما التدخل يكون في حالة استخدام القوة المسلحة كما حدث عندما تدخلت الدول الكبرى في النزاع اليوناني التركي على جزيرة كريت عام 1886 .

وقد اعتبرت المساعي الحميدة وسيلة شائعة في حل النزاعات الدولية حتى تلك التي تحدث في اطار الامم المتحدة ذاتها وفي نطاق المنظمات الدولية ايضا ويتم اللجوء الى هذه الطريقة في حال تعذر تسوية النزاع بالمفاوضات الدبلوماسية وتضارب الحقوق والمطالب بيد انه لا يوجد الزام على اية دولة لتقوم بدور المساعي الحميدة كما انه لا التزام على الدول المتنازعة بقول عرض المساعي الحميدة .

وفي كل الاحوال فان على الطرف الثالث الذي يقوم بها بعد موافقة اطراف النزاع ان يبذل استطاعته من اجل التوصل الى حل ملائم في موضوع النزاع ويكون ذلك باجتماع الطرف الثالث مع كل طرف من اطراف النزاع على حدة ومن النادر ان يحدث اجتماع مشترك بين الاطراف الثلاثة كون ان المفاوضات تعذرت بينهما فتم اللجوء الى المساعي الحميدة,

فضلا عن توفر النية المخلصة والحياد فيمكن يتولى المساعي الحميدة حتى لايتم هدر الجهود وحرف الاهداف والانحياز لطرف على حساب الطرف الاخر وبعبارة اخرى فان المساعي الحميدة لاتنجح الا اذا كانت منزهة عن كل باعث اناني فهي عمل ودي ، وينتهي عمل الطرف الثالث باقناع الطرفين المتنازعين للتفاوض المباشر او يقوم بمساعدتهما على استئناف المفاوضات او قبول مبدأ التسوية الودية للنزاع وتندر الحالات التي يستمر فيها الطرف الثالث بالمشاركة في مرحلة التفاوض الا في حالة قيام الدولتين المتنازعتين بدعوته لحضور المفاوضات الجارية بينهما.

المحامية / ورود فخري