مفهوم الفساد في القانون

 

الفساد في معاجم اللغة هو فسد ضد صَلُحَ ، والفساد لغة هو البطلان ، أما التعريف الاصطلاحي فقد شابه الغموض وله تعددات باختلاف الزاوية التي ينظر من خلالها المهتم ، فقد تكون لعلماء الاجتماع رؤيتهم الخاصة لهذا المصطلح ولعلماء الإجرام أيضا ولعلم النفس منظوره الخاص وللفلسفة والتاريخ .. كل منهم له تعريفاته المختلفة وحسب الزاوية التي ينظر كل منهم فيها إلى الفساد .

اما في الاتجاهات الحديثة لانجد ان هناك تعريفا محددا للفساد فالبنك الدولي لم يعرف الفساد ولكن أشار إلى الأنشطة التي تندرج تحت هذا المصطلح كإساءة استعمال الوظيفة لتحقيق المكاسب الخاصة ، وذلك عن طريق قبول الرشوة مقابل الحصول على تسهيلات أو طرح مناقصات وغيرها ، فالفساد هو : سوء استخدام المنصب لغايات شخصية ذاتية أو حتى لغايات زمنية ، وقد عرفت منظمة الشفافية العالمية الفساد بأنه : إساءة استخدام السلطة العامة من اجل تحقيق منفعة شخصية أو كسب خاص .

وإذا ما اعتبرنا الفساد كونه فعلاً فهو خروج عن القوانين والأنظمة (عدم الالتزام بهما)، أو استغلال غيابهما، من اجل تحقيق مصالح سياسية أو اقتصادية مالية وتجارية، أو اجتماعية لصالح الفرد أو لصالح جماعة معينة للفرد مصالح شخصية معها ، لذلك فانه لايكون الا بتوافر عنصرين هما : مخالفة فعل الفساد لنصوص القانون وهو ما يشكل جريمة منصوص عليها قانونا تستوجب العقاب من الناحية الجنائية فقط ، والعنصر الثاني هو سوء استخدام المنصب العام أو استغلاله بهدف إلى خدمة أغراض خاصة أو تحقيق منافع شخصية مادية أو معنوية.وخلافا لتعليمات وضوابط العمل في ذلك المنصب مما يؤدي إلى تحقق المسؤولية الإدارية و الجنائية معا. ونتيجة لذلك فان الفساد باعتباره سلوكاً أو فعلاً يؤدي إلى إلحاق الضرر بالمصلحة العامة.

وهو ما يشكل جريمة يعاقب عليها القانون ، فهو ظاهرة إجرامية أو سلوك منحرف عن قواعد السـلوك الاجتماعي السائدة في المجتمع ،وذلك تأسيسا على إن السلوك الإجرامي ليس مجرد واقعة يجرمها القانون ، ولكنه سلوك يصدر من إنسان يعيش في بيئة معينة ووسط مجتمع معين ومن ثم فهو سلوك اجتماعي منحرف ، حيث يقرر علماء الجريمة إنها لا ترجع إلى مصدر واحد أو مصدرين بل تنبع عن مصادر عديدة متنوعة ومتشابكة ومعقدة ، وبالمثل فالفساد المالي والإداري ، كظاهرة إجرامية لها خصوصيتها بين غيرها من الظواهر الإجرامية الأخرى ، ليس فعلا منعزلا أو عرضيا ولكنه ثمرة تضافر عوامل عديدة تحركه وتحدد تكوينه وظهوره .

وقد تكون تلك العوامل اقتصادية اذ تلعب العوامل الاقتصادية السائدة في بعض المجتمعات دوراً مؤثراً في انتشار قيم الفساد وتغلغلها في أحشاء المجتمع. وتزداد فاعلية هذه العوامل، بصفة خاصة، في الدول التي تتبنى سياسة إنمائية رأسمالية محورها التركيز على النمو الاقتصادي الحر، من دون الاهتمام بتحقيق عدالة في التوزيع. ويترتب على ذلك ظهور شرائح اجتماعية جديدة تملك الثروة من دون أن يكون لها نفوذ سياسي وشرائح أخرى فقيرة ، عندئذ تلجأ تلك الشرائح إلى استمالة أصحاب النفوذ السياسي باستخدام أساليب فاسدة، كالرشوة والعمولات والإغراءات المختلفة التي تُقدم للمسؤولين، بهدف الحصول على تأثير سياسي مباشر يتمثل في عضوية المجالس النيابية أو المسؤولين الحكوميين في السلطة التنفيذية وبذلك يضمحل دور الكفاءة والخبرة في العمل أمام تلك الأساليب .

ومع ذلك فان الباحثين يتفقون على أن أكثر النظم إفرازاً للفساد الإداري ومظاهره هو النظام الديكتاتوري ، الذي يتركز في شخصية حاكم مستبد يتمتع بسلطة مطلقة وتحيط به نخبة محدودة من أهل الثقة، الذين يتصفون بالولاء الكامل لشخصه، ويعملون على إجهاض روح المبادرة والرقابة الشعبية والإدارية ، ما يشجع على ظهور صور الفساد المختلفة ، والفساد بهذه الصورة مضاد للديمقراطية بالإضافة إلى غياب حرية الإعلام وضعف دور مؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات الرقابة على أداء الحكومة ، بالإضافة إلى ذلك إن بعض الأنظمة الحزبية تمنع مكافحة الفساد من خلال عدم السماح بمحاسبة الوزراء المنتمين إليها وخصوصا إذا ما كانت تلك الأحزاب هي القابضة على السلطة ويتم ذلك من خلال وضع إجراءات معقدة للمساءلة أو التأثير في البرلمان لمنع تلك المساءلة إذا كانت تملك الأغلبية .

وتُعد العوامل الاجتماعية والثقافية سبباً له أهميته الخاصة في نشأة الفساد الإداري وانتشاره داخل المجتمع،وتؤكد بعض القيم الثقافية التقليدية السائدة في الدول النامية على فكرة العائلة الممتدة، وارتباط الفرد بعائلته وأقاربه وأصدقائه وأبناء قريته التي ينتمي إليها ، ولذلك يتوقع منه في حالة توليه منصباً إدارياً مهماً في الجهاز الإداري بالدولة، أن يقدم خدماته لهؤلاء الأفراد الذين تربطه بهم صلات خاصة، وتتمثل هذه الخدمات في إيجاد الوظائف وفرص التعليم والحصول على مزايا عينية وأدبية، ويصل الأمر إلى مخالفة القانون أو مبدأ تكافؤ الفرص، من أجل محاباة الأهل والأصدقاء وهو ما يطلق عليه في الغالب بالمحسوبية والمنسوبية ، ما يترتب عليه ظهور قيم الفساد بكل صوره في ممارسة الوظيفة العامة .

وقد يحدث الفساد الحكومي في كثير من الأحيان نتيجة لاعتبارات إدارية وقانونية، تتمثل في غياب الأبنية والمؤسسات، فضلاً عن عدم وجود القوانين الرادعة للفساد، ويؤدي هذا إلى إطلاق يد العناصر الفاسدة وخاصة العناصر العليا منها في تنفيذ ما تراه محققاً لمصالحها الخاصة، مستخدمة في ذلك الأساليب المتنوعة للفساد الإداري، ويترتب على هذه الأوضاع ظهور الفساد في ممارسة الوظيفة العامة.

ويصدق هذا الوضع على الدول النامية فكما يقول جونار ميردال في تحليله للفساد الإداري في دول جنوب آسيا، فإن “الرشوة أصبحت من الحقائق الثابتة في الأجهزة الإدارية في هذه الدول، حيث تعاني كل الإدارات الحكومية والوكالات والشركات العامة ومكاتب التصدير وإدارات الضرائب، من انتشار الرشوة على نطاق واسع، بحيث يمكن القول إنه متى أُعطيت السلطة لأي موظف، سيكون هناك مجال للرشوة، والتي من دونها لا يسير دولاب العمل الإداري” .

المحامية: ورود فخري