شرط التموين الاستئثاري وحرية المنافسة

يرتبط عقد الترخيص التجاري في شكله ببضائع وسلع وخدمات سواء كان ذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وحتى تؤدي شبكة الترخيص التجاري وظيفتها، وتحقق النجاح والتكامل والوحدة للأطراف، فإن المرخص يعمل على توفير مصدر ملائم لتزويد المرخص له بالسلع والبضائع الضرورية لممارسة نشاطه، مع تضمينه لشرط التموين للاستئثاري، لكن كيف يمكن ملاءمة هذا الشرط مع ما جاءت به قوانين المنافسة في هذا الإطار، سنتعرض لذلك (أولا) في القانون المغربي (ثانيا) في القانون والقضاء المقارن.
سنتعرض لذلك أولا في القانون المغربي وثانيا في القانون والقضاء المقارن.

أولا- في القانون المغربي
في ظل غياب أي تنظيم خاص لعقود الترخيص التجاري بالمغرب يبقى العقد شريعة المتعاقدين هو المرجع الأساسي للعلاقة بين المرخص والمرخص له. فشرط التموين يعتبر من الشروط المقيدة للمنافسة طبقا لما جاء به قانون حرية الأسعار والمنافسة إذ يعتبر هذا الشرط بمثابة بيع مقيد أو اقتسام لمصادر التموين[1].

إلا أنه رغم كون هذا الشرط يعد من طبيعة عقود الترخيص فإنه يجوز عدم تضمين هذا الشرط في بعض مجالات عقود الترخيص[2]، بالتالي الاستفادة من الإعفاء المقرر من المادة 8 من قانون حرية الأسعار والمنافسة، كلما ساهم في خلق مقاولات مختلفة ومتعددة تعود بالمنفعة على الاقتصاد الوطني ككل.
والتساؤل الذي يبقى مطروحا في هذا الصدد هو إلى متى سيظل المرخص له خاضعا لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين، إذ يبقى دائما ومتقبلا للشروط المفروضة عليه دون نقاش؟.

وهنا تأتي ضرورة تدخل المشرع لتنظيم هذا العقد، من أجل الحد من تعسف المرخصون ضد المرخص لهم، كما يجب أيضا تفعيل دور مجلس المنافسة وإعطائه الحق في التدخل في مثل هذه الحالات.

ثانيا- في القانون والقضاء المقارن
لقد عمل قانون antitrust الأمريكي على منع البيوع المقيدة التي تتم إلى المرخص له كلما كان المرخص يورد بضائعه أو سلعه مقابل حصوله على عمولة أو نسبة معينة خاصة بعملية التوريد، كما نصت المادة 85 من اتفاقية روما على منع كل اتفاق مقيد لمصادر التموين، إلا إذا كانت له فائدة اقتصادية وهو الاتجاه الذي سار عليه التنظيم الأوربي للإعفاء الخاص بتطبيق المادة 85 على عقود الترخيص التجاري[3].

وقد سار القضاء الأوربي بدوره في نفس الاتجاه، حيث جاء في حكم الاستئنافية DOUAI في قضية Phildar أن “هذا الشرط يكون صحيحا طالما الالتزام المفروض على المرخص له بالتموين من عند المرخص ضروري للحفاظ على هوية وسمعة شبكة الترخيص التجاري، واعتبارا لكون هذا الشرط من الركائز التي يقوم عليها عقد الترخيص في مجال التوزيع، أما الغرفة التجارية لمحكمة النقض فقد نقضت هذا الحكم بعلة أن المحكمة لم تثبت إلزامية هذا الشرط في الحفاظ على هوية الشبكة[4]، كما أنه نتج عن هذا القرار، نقاش كبير في عالم الترخيص التجاري تمخضت عنه أحداث وبلبلة في تطبيق شرط التموين، لكن استئنافية Amiens التي أحيلت عليها القضية للنظر فيها من جديد وقيدت موقف استئنافية Douai حيث أقرت بمشروعية هذا الشرط اعتمادا على أن الخصوصيات الموضوعية للجودة تتطلب ضرورة المحافظة عليها من طرف المرخص وهي التي تبرز فرض الشرط على المرخص له من أجل المحافظة على هوية الشبكة[5].

كما أن مجلس المنافسة للاتحاد الأوربي، ذهب في نفس الاتجاه في بعض القضايا المعروضة عليه بخصوص شرط التموين في عقود الترخيص، أهمها قضية pronuptia[6] وقد أيدتها المحكمة العليا للاتحاد الأوربي بصحة شرط التموين من المرخص مباشرة أو من عند ممونين معتمدين من قبله، نظرا لطبيعة محل العقد سواء بالنسبة للأزياء أو الإكسسوارات الذي يتطلب وحدة المجموعة في تشكيل المعرفة الفنية التي تهدف أساسا إلى الحفاظ على وحدة وصورة وعلامة الشبكة[7].
كذلك الشأن في قضية Yves Rocher إذ اعتبر المجلس التزام المرخص له بيع منتجات تحمل فقط علامة y.Rcher وموردة من قبلها يعد من طبيعة نشاط التوزيع للشركة[8].
بذلك فقد استخلص مجلس المنافسة الأوربي مجموعة من الحالات[9]، التي يعتبر فيها الشرط – التموين الاستئثاري- صحيحا وضروريا لعقد الترخيص التجاري.

من هنا إذن يبرز الفرق بين المشرع المغربي ونظيره الفرنسي، فهذا الأخير يتميز على مستوى الدور الذي يقوم به مجلس المنافسة بالمقارنة مع مجلس المنافسة المغربي الذي يبقى دوره محدودا نظرا لاقتصاره على إبداء الرأي وتقديم المشورة فقط[10].

[1] – المواد 6 و7 من قانون حرية الأسعار والمنافسة.
[2] – مثلا: عقود التصنيع نظرا لسرية المواد الأولية المستعملة وكذا مجال التوزيع نظرا لصعوبة الحصول على سلع وبضائع بنفس الخصائص والجودة، كما انه بالنسبة للسلع وبضائع أخرى التي تحمل نفس مميزات وصفات الجودة التي يفرضها المرخص، فهنا شرط التموين الاستئثاري يعتبر من قيود المنافسة التي تعود سلبا على المرخص له خاصة في عقود الترخيص الأجنبية، أو في حالة كون مصدر التموين بعيدا عن المرخص له الذي بإمكانه إيجاد نفس السلع بنفس المواصفات لدى موردين محليين وبتكاليف أقل.

[3] – وقد جاء فيه: “إن المرخص له يمكن أن يلتزم بالبيع أو الاستعمال في إطار تقديم الخدمات بشكل استئثاري للبضائع التي تتوفر على خصائص موضوعية للجودة المطلوبة من طرف المرخص أو من طرف موردين معتمدين من قبله، إذا لم تكن هناك إمكانية التوريد من الغير نظرا لطبيعة السلع التي تشكل محل عقد الترخيص.
المادة 3 من تنظيم الإعفاء الأوربي رقم 88/4087.
[4] – cass. com. 1 janv. 1995, Ibid. p. 1088.
[5] – حنان البكوري، “عقد الترخيص التجاري بالمغرب”، م.س، ص 223.=
= Y. Marot : franchise et approvisionnement exclusifs, GAZ, Pal. 1995, n°5, doctr, p. 1088.
[6] – قضية pronuptia متعلقة بأزياء العرائس والإكسسوارات.
[7] – J.J. Burst, le régime de la franchise en droit communautaire de la concurrence de l’arrêt « pronuptia », aux premières décisions de la commission (décision Yves Rocher et pronuptia J-gaz. pal, 1987, n°3, p.438.
[8] – décision commission du7 décembre 1986 joce L8/49, 10 Janv. 1987.
[9] – مثلا: حالة عدم احترام المميزات والصفات الموضوعية للجودة….
للمزيد انظر: حنان البكوري، “عقد الترخيص التجاري بالمغرب”، م.س، ص 224.
[10] – فهو يعتبر مجرد هيئة استشارية ليست لها سلطات تقريرية على خلاف مجلس المنافسة الفرنسي الذي أعطيت له صلاحية اتخاذ القرارات وتوقيع الغرامات وتحريك مسطرة المتابعة أمام القضاء.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت