جريمة المعالجة الالكترونيه للبيانات الشخصيه دون ترخيص :

على الرغم من اعتراف بعض الدول بمبدأ حرية الاتصال ونقل المعلومات فانها قد تأخذ بنظام الترخيص وبمقتضاه يلزم صدور ترخيص سابق باقامة او استعمال المنشاّت والاجهزه التي تسـتخدم في بث او نقل المعلومات او معالجتها ، ويطلق بعضهم (1) على هذه العـمليه بـ ( عقود نقل التكنولوجيا ) ، أي ان من حق صاحب البرنامج التصرف في البرنامج واستغلاله واستعماله ، وفي الغالب ان يتنازل صاحب البرنامج عن حقوقه المتفرعه عن الملكيه كلها او بعضها للغير ببيعها او بمنح ترخيص باستغلالها وتظل له جميع حقوق المؤلف التي يحميها حق المؤلف ، اذ لا يتلقى الغير سوى النسخه الماديه للبرنامج ، ولكن اذا تلقى الغير ملكية هذه النسخه او الحق في استغلالها ، فان له الحق في استخدامها في تشغيل الحاسوب بغرض معالجة المعلومات ونقلها داخل الدولة او خارجها عن طريق شبكات الاتصال ووفقا للشروط التي بمقتضاها تلقى ملكية البرنامج او الحق في استغلاله . ومهما يكن من أمر فان موضوع الجريمه قوامه بيانات شخصيه ( اسميه ) من شانها تحديد شخصية الشخص الطبيعي أي تلك التي تتعلق بخصوصية الفرد ، مثل البيانات الخاصه بالحالة الصحية او المالية او العائلية (2) ، وعليه يمكن بيان معالم هذه الجريمة من خلال بحث اركانها ومن ثم بيان عقوبتها ، وذلك على النحو الاتي :

أ – الركن المادي :

يتخذ الركن المادي في هذه الجريمة صورة السلوك ، وهو قيام الجاني بفعل يتمثل بالمعالجة الإلكترونية للبيانات الشخصية (3) ، التي تشمل مجموعة العمليات التي تتم إلكترونياً بوساطة استخدام الحاسوب والمتعلقة بعمليات التسجيل والتعديل والإضافة والمحو او أي تغيير اخر يمكن ان يطرأ على هذه البيانات سواء اكانت عمليات فرز ام تصنيفاً ام مونتاجاً ام نقلاً ام حفظاً ، او أية عمليه من ذات الطبيعه تحمل معالجة لهذه البيانات بقصد الربط بينها للحصول على المعلومات (4) ، وعليه فالمعالجه الالكترونيه تشمل :

1 – عمليات التغيير:

وهي التعديل والإضافة او المونتاج او الفرز او التصنيف او الجدوله ، فضلاً عن عمليات المحو الجزئي لاستكمال متطلبات التعديل والمونتاج .

2 – عمليات الحذف والمحو الكلي لهذه البيانات :

وتكون طريقة المعالجه الالكترونيه إما بالتماس المباشر مع الحاسوب الذي يحتوي على البيانات الشخصية ، او ان تتم المعالجة عن بعد باستخدام الشبكات للحصول على اتصال غير مشروع يمكن المستخدم بعد اختراق أنظمة الأمن والحماية لهذه الحواسيب من معالجة البيانات الشخصية(5) ، فالمقصود بعمليات التغيير هي كل العمليات التي تتم باستخدام الحاسوب ، تؤدي الى تحويل الملامح الاصلية للبيانات الى ملامح أخرى كالمونتاج (6) ، وبمعنى اَخر انها عملية تغيير وتعديل في البيانات الشخصية ( صور ، كتابات ، نصوص ) … الخ ،التابعة لشخص معين ، وتشمل عمليات المعالجة ايضاً عمليات الحذف الكلي لهذه البيانات او على عمليات التسجيل والحفظ ، اذ يمكن خزن البيانات الشخصية على (Floppy Disk ) او (Compact Disk) ، او على الذاكرة الرئيسة لجهاز الحاسوب ، وقد أكد القانون الفرنسي الخاص بالمعالجة الالكترونية للبيانات ضرورة الحصول على ترخيص مسبق من الجهة المختصة قانوناً (7) قبل القيام بعمليات المعالجة الالكترونية للمجالات الشخصية ، وعليه يتوافر الركن المادي لهذه الجريمة بمجرد معالجة البيانات دون ترخيص ، حتى ان لم يترتب على ذلك أية نتيجة اجرامية ، فالجريمة تعد جريمة سلوكية لا تتطلب تحقيق نتيجة معينة (8) .

ب- الركن المعنوي :

ويتخذ صوره القصد الجنائي ، وهو مستفاد من طبيعة الافعال التي تقوم بها الجريمة ، ويقوم القصد الجنائي هنا على عنصرين هما العلم والارادة (9) ، فالعلم يعني علم الجاني بالصفة الاسمية او الشخصية للبيانات ، وان يعلم ان من طبيعة الحاسوب الالكتروني اجراء المعالجة الالكترونية لهذه البيانات دون ترخيص من اللجنة المختصة بذلك ، اما الارادة فهي ان تتجه ارادة الجاني الى اجراء المعالجة الالكترونية لهذه البيانات بأية صورة كانــت ، أي بالمخالفة لإتخاذ الاجراءات الأولية لأجراء المعالجة الالكترونية للبيانات(10) ، ولكن القصد المتطلب في هذه الجريمة هو القصد العام ، ولا عبرة بالبواعث التي دفعت الجاني الى ارتكاب فعله ، فسواء كان الباعث هو الاضرار المادي بالشخص ، ام استغلال هذه البيانات للاساءة الى سمعته الشخص او لمجرد الفضول وحب الاستطلاع .

ج- عقوبة الجريمة :

وفقا لاحكام المادة (41) من القانون الفرنسي الخاص بالمعالجة الالكترونية والحريات تكون العقوبة هي الحبس من ستة اشهر الى ثلاث سنوات والغرامة من ( الفي فرنك ) الى ( مائتي الف فرنك ) او احدى هاتين العقوبتين لكل من يجري او يقوم باجراء المعالجة الالكترونية للبيانات الشخصية دون ترخيص من اللجنة المختصة بذلك ، وللمحكمة ان تامر بنشر الحكم كله او ملخصه في جريدة او اكثر بالشروط التي يحددها الحكم، بمعنى ان هناك عقوبة اصلية تتمثل بالحبس والغرامة او احداهما ، وعقوبة اخرى تكميلية تتمثل بنشر الحكم ، ولكن يثار التساؤل في هذا الشأن حول مسألتين :

الاولى : هل يُسال المسؤول عن بنك المعلومات مسؤولية جنائية عن اجراء المعالجة الالكترونية دون ترخيص ؟

بمعنى أخر هل يُسال الشخص المعنوي مسؤولية جنائية عن الجريمة المنصوص عليها في هذا القانون ؟ ، يتضح من مفهوم نصوص هذا القانون ان المسؤولية تقتصر على الاشخاص الطبيعية دون المعنوية ، استناداً الى القواعد العامة في القانون الفرنسي ، اذ انه لا يُسال الشخص المعنوي مسؤولية جنائية كما في جرائم السرقة في المـادة ( 379 ) والمادة ( 405 ) من قانون العقوبات الفرنسي ، ومن ثم يُسال الشخص الطبيعي المسؤول عن الحاسبات الالكترونية عن المعالجة الالكترونية للبيانات الشخصية دون ترخيص اذا كان بنك المعلومات بنكاً خاصاً ، في حين يُسال الموظف المسؤول اذا كان بنك المعلومات عاما ، او اذا كانت المعالجة تجري لحساب الدولة ، وتنتفي في الوقت ذاته مسؤولية الموظف اذا ثبت انه تم ذلك دون علمه او الرجوع اليه )11).

اما الثانية : هل يشكل فعل المعالجة الالكترونية دون ترخيص تعدداً للجرائم ؟

في الواقع لقد تنازع الاجابة عن هذا التساؤل فريقان ، يرى فريق في الفقه (12) ان هذه الجريمة تعد تعديا على الحرية الفردية ومن ثم يخضع الفعل المكون لها لوصفين : وصف الجريمة المنصوص عليها في المادة (41) من قانون المعالجة الالكترونية للبيانات المذكور انفاً ، ووصف الجريمة المنصوص عليها في المادة (114) من قانون العقوبات الفرنسي المتعلقة بالتعدي على الحرية الفردية ، مما يعد تعدداً معنوياً للجرائم .

في حين يرى فريق أخر من الفقه (13) ان المادة (114) من قانون العقوبات الفرنسي ، لا تخضع لوصف الفعل المكون للجريمة محل البحث ، على اعتبار انها تتعلق بالتعدي على الحرية الفردية في التنقل ، الذي يكون نتيجة للاستيقاف دون وجه حق او لسبب غيـر مشروع ، او أي تصرف مقيد للحرية ، وهذا ما أستقر عليه الحال في فرنسا فقهاً وقضاءاً(14). وينبني على ذلك انه لا ينطبق على فعل المعالجة الالكترونية للبيانات الشخصيـة دون ترخيص ، الا وصف الجريمة المنصوص عليها في المادة (41) من قانون المعالجة الالكترونية للبيانات ، ولا يشكل الفعل تعدداً معنوياً للجرائم ، كما لا تفوتنا في هذا المقام الاشارة الى ان هذه الجريمة وقتية تنتهي من لحظة القيام بها ، وعليه تبدأ مدة التقادم منذ وقت ارتكاب الفعل وليس من وقت اكتشافه .

________________

1- ينظر : انتصار نوري الغريب ، امن الكمبيوتر والقانون ، دار الراتب الجامعية ، بيروت ،
1994م ، ص105 وما بعدها . في وقت يمثل فيه منح تراخيص الاستغلال مشكلة حقيقية بالنسبة الى دول العالم الثالث ، على اعتبار ان نقل تلك البرامج الى هذه الدول صورة من صور نقل التكنولوجيا ، وهذه العقود لا تعنى الا بتنظيم العلاقة بين صاحب البرنامج في دولة متقدمة ، واستعمال البرنامج في دولة من دول العالم الثالث ، فضلاً عن ان هذه العقود لا تضمن الا النصوص التي تكفل حماية حقوق صاحب البرنامج من الاستغلال ، دون الاشارة الى مسألة معالجة هذه البرامج او البيانات .

2- ينظر: د. اسامة عبد الله قايد ، الحماية الجنائية للحياة الخاصة وبنوك المعلومات ، دراسة
مقارنة ، ط(3) دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1994م ، ص185 ، وينظر : ص(248-249) من هذه الاطروحة.

3- ينظر: المادة (41) من القانون الفرنسي الخاص بالمعالجة الالكترونية والحريات المرقم (17) لسنة 1978م .

4- ينظر: المادة (5) من القانون ذاته .

5- ينظر: د. عمرو احمد حسبو ، حماية الحريات في مواجهة نظم المعلومات ، دار النهضة
العربية ، القاهرة ، 2000م ، ص125 وما بعدها .

6- لقد تعددت تعريفات الفقهاء لفكرة المونتاج ، اذ يعرفها الفقيه ( شافان ) بأنها ” العملية التي تكمن في معالجة الوثائق الصوتية لشخص ما او لصورته ، بقصد الحصول على وثيقة موحدة في ظاهرها ، ولا تتطابق مع حقيقة ما قيل او رئي ” ، اما الفقيه ( ليندون ) فيعرفها بأنها ” كلمة تطابق في معناها كلـمة تزييف ، ويعنى به العملية التي تكمن في تعديل تسجيل ، سواء اكان بصرياً ( صورة او فيلم ) ام صوتيــاً ( شريط تسجيل ) ، وذلك بقصد تغيير التسجيل عن طريق الاضافة او الحذف او القطع ، هذا التغيير ينتج عنه قطع في استمرارية العرض بصورة طبيعية والتوليف مع تسجيل اخر ” .

7- كما جاء في المادة (15) من قانون المعالجة الالكترونية والحريات الفرنسي ، ضرورة اخطار اللجنة قبل اجراء أية معالجة الكترونية للبيانات عدا الحالات التي نص القانون عليها ، التي تتعلق بالبيانات الخاصة التي تجري معالجتها لحساب الدولة او الهيئات العامة او المجالس المحلية او الاشخاص المعنوية التي تقوم بخدمة عامة والتي تقررها اللوائح بعد اخذ راي اللجنة القومية .كما يعاقب المشرع السويدي في المادة ( 2/1 ) من قانون حماية البيانات المرقم ( 89 ) لسنة 1973م والمعدل بقانون سنة 1983م كل من قام عن إهمال او عمد بإفشاء او حفظ سجل الاشخاص دون الحصول على الترخيص المطلوب .

8- ينظر : د. عبد الاحد جمال الدين ، النظرية العامة للجريمة ، دار الثقافة الجامعية ، القاهرة ، 1996م ص وما بعدها ، وينظر كذلك : د. عوض محمد عوض ، قانون العقوبات ، القسم العام ، دار المطبوعات الجامعية ، الاسكندرية ، 1992م ، ص64 وما بعدها .

9- ينظر: ص(173-174) من هذه الاطروحة .

10- وهذا ما أوضحته المادة ( 15-16 ) من قانون المعالجة الالكترونية والحريات الفرنسي ، كما قد اعتبرت محكمة النقض الفرنسية الجريمة المنصوص عليها بالمادة ( 41 ) من قانون 1978م ، هي تلك التي تقابل المادة ( 226/16 ) من قانون العقوبات الفرنسي الجديد ،أي من الجرائم المادية التي يفترض توافر القصد الجنائي فيها بمجرد ارتكاب الفعل ، غير ان قضاء الموضوع تطلب توافر القصد الجنائي لدى الجاني .

ينظر: د. محمد عبد اللطيف عبد العال ، الجرائم المادية وطبيعة المسؤولية الناشئة عنها ، دار النهـضة العربية ، القاهرة ، 1997م ص130 وما بعدها . وينظر كذلك : د. مدحت عبد الحليم رمضان ، الحماية الجنائية للتجارة الالكترونية ، دراسة مقارنة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2001م ، ص94 ، هامش رقم ( 120 )

11- ينظر : د. اسامة عبد الله قايد ، مصدر سابق ، ص88 .

12- الفقيه الفرنسي ( Pierre Sargos et Michel ) ويشايعه من الفقه العربي د. محمود نجيب حسني و د.احمد فتحي سرور ، و د. مامون محمد سلامة ، ينظر : د. اسامة عبد الله قايد ، المصدر السابق ، ص89 هامش رقم ( 178 ) .

13- الفقيه الفرنسي ( Merle et Vitue ) ينظر : المصدر السابق ، هامش رقم ( 179 ) .

14- ينظر: د. اسامة عبد الله قايد ، مصدر سابق ، ص89 وحكم محكمة النقض الفرنسية المرقم ( 541 ) في5/1/1973م في هامش رقمه ( 180 ) من الصفحة نفسها .

المؤلف : علي احمد عبد الزعبي
الكتاب أو المصدر : حق الخصوصية

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .