مفهوم الخدمات وخصائصها

قبل التطرق للمفهوم الذي يتمحور حوله موضوعنا- ظاهرة الخدمات عن بعد- رأينا من الأجدر أن نبادر إلى تناول المقصود بتلك الخدمات عامة وإبراز خصائصها، وذلك حتى نتمكن من الولوج السليم لمعالجة الظاهرة ونحن على قدر من البينة بمفهومها.

الفقرة الأولى: تعريف الخدمات
من خلال هذا المطلب سنحاول الوقوف على الإطار المفاهيمي للخدمات ورصد توجه كل من علم الاقتصاد والقانون نحو إيجاد مفهوم محدد للخدمات.

أولا: المفهوم الاقتصادي
يعد مصطلح الخدمة مصطلحا يصعب تعريفه لعدة دوافع، فأول مفهوم يمكن أن يعرف لنا الخدمة مفهوم سلبي بحيث أن كل ما ليس بمنتج فهو خدمة، هذا التعريف مطابق لما تبناه المعهد الوطني للإحصاء بفرنسا الذي اعتبر القطاع الغير المنتج أو قطاع الخدمات عكس القطاع الأول والثاني (الصناعي والفلاحي).[1]
كما أنه من الصعب وصف الخدمة على اعتبار أن طبيعتها مجردة عكس ما عليه الأمر بالنسبة للمنتج ، إلا أن ما تجب الإشارة إليه أن هذا الأخير أكثر استعمالا في بعض الأحيان للدلالة على خدمة ما، خاصة في بعض القطاعات كالقطاع المالي أو السياحي مثلا حيث تذكر المنتجات التأمينية، المنتجات المالية والمنتجات السياحية.
إن كلمة خدمة كما سبق القول، قد يوصف بها أكثر من قطاع بحيث أن التقسيم التقليدي لم يعد يناسب والمكانة المتزايدة للأنشطة الخدماتية داخل الاقتصاد[2]، فكل منتج يضم جزءا مهما من الخدمات تقدم كضمانة سواء في وقت التوزيع أو الاستعمال من طرف المستهلك، والمقاولات التي تعمل في صناعة الحواسيب نموذج واضح، حيث القيمة المضافة عبر الخدمة المضمنة والممنوحة للمشتري إثر تمام عملية الشراء.[3]

علاوة على التعريف السالف ذكره، هناك من اعتبر الخدمة نشاط إنساني ينجزه شخص لحساب شخص آخر، إلا أن ما يلاحظ على هذا التعريف أنه أصبح متجاوزا بدوره على اعتبار أن مجموعة من الخدمات أضحت بشكل متزايد، سواء كانت أعمال يدوية منزلية أو صناعية، منجزة عبر آلات بل وحتى مجالات التوزيع والاستقبال والإعلام شملها هذا التغيير.
وقد اقترح أحد الفقهاء الفرنسيين Monique la jeune التعريف التالي: الخدمة هي تلك الخدمات المقدمة من طرف مقاولة تعرض خدماتها من بيع أو أداء لزبنائها.
والخدمة كذلك هي النشاط المقدم من طرف مقاولة التي تقدم لزبناءها خدمات متعددة[4]، وتختلف أوجه أداء تلك الخدمة بحيث إما أن تكون:
– خدمة غير مادية تماما: كطلب استشارة طبية؛
– وقد تشمل على منفعة مادية كالنقل مثلا.
وعموما فإن غاية أية خدمة كما هو الشأن بالنسبة للمنتج هو إرضاء رغبة المستهلك، وعليه كان من الصعب الوصول إلى تعريف موحد للخدمة[5] في علم الاقتصاد.

ثانيا: المفهـوم القانوني
على مستوى علم القانون، فإن الأمر يقتضي التمييز بين ما هو وارد في القانون العام وما هو في القانون الخاص، حيث يؤسس الأول لنظرية راسخة الجذور عمل الفقه والقضاء على توطيدها ألا وهي نظرية “المرافق العامة” أو “الخدمات العامة”.
وقد عرف الفقيه هوريو”Houriou” المرفق العام بأنه منظمة عامة تباشر من السلطات تكفل القيام بخدمات تشديها للجمهور على نحو منتظم و مطرد[6]، كما عرفه الفقيه دوجي” Dugait” بأنه نشاط يجب أن يكفله وينظمه الحكام على اعتبار أن الاضطلاع به لا غنى عنه لتحقيق التضامن الاجتماعي وتطوره، وانه لا يمكن تحقيقه على أكمل وجه إلا عن طريق تدخل السلطة العامة.[7]

[1] – “Tout ce qui n’est pas un produit est un service”, Laurent Coope, Gilles Pannetier, télétravail et téléservices, op cit p13.
[2] – IDAIE, DATAR , URBA, les téléservices au milieu rural, Montpellier Idate, 1992 p 11.
[3] -Laurent Coope, Gilles Pannetier, télétravail et téléservices, op cit, p 14.
[4] – « Un service est une prestation qu’une entreprise conçoit, met au point, propose vend et fournit à ses clients ….
-M. Lejeune, le marketing des services, Revue Françoise du Marketing, n° 121 p 20.
[5] -Laurent Coope, Gilles Pannetier, télétravail et téléservices, op cit, p 15.
[6] – مصطفى أبو زيد فهمي، القانون الإداري، مطبعة الإسكندرية، الطبعة الأولى، 1988، ص 63.
[7] – عدنان عمرو، مبادئ القانون الإداري، منشأة المعارف الإسكندرية ، الطبعة الثانية، 2004، ص 128.

وما يلاحظ من خلال هذين التعريفين أن المرفق العام يحتمل مدلولين عضوي ومادي، فالمدلول العضوي يقصد به المنظمة أو الهيئة التي تمارس النشاط وتتولى إشباع الحاجة العامة كالجامعات والمستشفيات.[1]
أما المدلول المادي أو الموضوعي فيقصد به كل نشاط لشخص عام يهدف إلى توفير خدمة عامة كالعدل، الصحة، الأمن والدفاع.
وعموما استنادا إلى التعاريف التي قدمنا فالمرفق أو الخدمة العاميين تتحددان بثلاثة عناصر هي المشروع أو النشاط ،السلطة العامة والنفع العام.

فالمشروع هو عبارة عن نشاط منظم يحتاج لمجموعة من الأفراد يتوفرون على الوسائل المادية والفنية والقانونية اللازمة لتحقيق الهدف المنشود،أما عنصر السلطة فيعني سيطرة الدولة أو الهيأة المحلية على المشروع أو النشاط، ويبدو هذا واضحا في المرافق التي تديرها السلطة العامة وأقل وضوحا في المرافق العامة المدارة من طرف الأفراد والشركات الخاصة.

كما يعد ركن النفع العام ركنا جوهريا وشرطا ضروريا لوجود المرفق العام، فهو يهدف إلى إشباع حاجة عامة على قدر من الأهمية عجزت المبادرة الخاصة عن تلبيتها أو أدائها على الوجه الأكمل.
وعموما فقد نشأت نظرية المرفق العام على فكرة مفادها أن الدولة ليست فقط سلطة عامة إنما هي أولا وأخيرا في “خدمة” الشعب مما أدى إلى قيامها بتوفير العديد من الخدمات الضرورية للمواطنين مع مرور الزمن.
أما على مستوى القانون الخاص فلا توجد نظرية متكاملة للخدمات والعثور على كلمة خدمة لا يكون إلا في مواضيع متفرقة حيث يمكن في القانون المدني الحديث عن الخدمات في عقدي العمل والمقاولة حين يلتزم شخص بتقديم خدمة لآخر، كما يضاف إلى ذلك عقد النقل لارتكازه على فكرة الخدمة[2].

الفقرة الثانية: خصائـص الخـدمات
تتميز الخدمات بمجموعة من الخصوصيات الأساسية تتجلى في عدم القابلية للمس، غير قابلة للتلف، خاصة التغيير، وعدم القابلية للتجزئة.

أولا: عدم القابلية للمس والتجزئة
تعتبر الخدمات غير قابلة للمس و غير مادية وتقديرية، حيث أنه من غير الممكن لمسها أو شمها أو تذوقها قبل اقتناءها.
وعليه فإن هذه الخاصية تعتبر نتيجة بحسب ما إذا كانت تحمل جزءا من المنافع والأموال المادية المضمنة، بحيث أنه في حالة التوزيع أو الإيجار فالخدمة تطابق صفة المنتج الذي يعد شيئا ماديا بعكس ما عليه الأمر بالنسبة للإرشاد والتكوين والتأمين التي تعتبر أمورا غير مادية[3].
أما في ما يخص خاصية التجزئة، فعلى العموم الخدمة تنتج وتستهلك في نفس الوقت بحيث لا يمكن كما هو عليه الأمر بالنسبة للإنتاج الصناعي تصور إنتاج وتخزين ثم تسويق، باعتبارها أعمال مختلفة، و هذه الصفة تعتبر واضحة في حالة الخدمة التي تتطلب الحضور الفعلي لطالب الخدمة ( كالتمثيل المسرحي مثلا) بخلاف ما عليه الأمر في بعض الخدمات كنقل البضائع .[4]

ثانيا: عدم قابلية الخدمة للتلـف والتغيـر
إن الإنتاج والاستهلاك بشكل مثالي للخدمة يدخل بطريقة متزايدة مشاركة الإنسان الذي ينجز الخدمة، كما يرتبط بمؤهلات الشخص واستحقاقاته والمساهمة الفعالة للمستهلك والمكان الذي ستنجز فيه هذه الخدمة، يضاف إلى هذه المكونات كل ما يتعلق بالعناصر المادية التي تمكن من تأمين الخدمات، وهو ما كان محل دراسة من طرف إحدى الباحثين خاصة Langeard, Eiglier [5]، فمفهوم مقومات الخدمات يتمثل في كونها موجهة لاقتراح مستوى من الجودة الضرورية.
كما تعد الخدمة غير قابلة للتخزين فلا يمكن صناعة خدمة قبل طلبها، هذه الخاصية مهمة للمفهوم، بحيث كلما كان الطلب قارا تكون الخدمة المقدمة ذات جودة عالية للزبون، فحين أنه إذا كان الطلب متقلبا فهو يطرح مجموعة من المشاكل بحيث تكون البنية التحتية هشة ونموذج ذلك النقل العمومي وأماكن الاستقبال العمومية.[6]
وعموما، فإن ما يمكن ملاحظته أن العقدين الأخيرين عرفا انفجارا في الخدمات وتقدم منقطع النظير لعناصر الإنتاج اللامادية، ساعد على ذلك ما عرفته الوسائل التكنولوجية الحديثة من غزو لكافة القطاعات، فظهرت مفاهيم جديدة ارتفعت بموجبها قوة جمع المعلومات وتخزينها واستغلالها ونقلها إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ الإنسانية، انبعث في خضمها ظواهر جديدة لعل آخرها ظاهرة الخدمات عن بعد.

[1] – علي خطار شنطاوي، نظرية المؤسسة العامة وتطبيقاتها في المملكة الأردنية الهاشمية، دار الفكر للنشر والتوزيع، عمان، الطبعة غير مذكورة، 1990 ص 12.
[2] – Grelon Bernard, les entreprises de services, collection gestion poche économica , Paris 1978 p 11.
[3] – P.Eiglier, E. Langeard, La servuction, édition Mc Graw- Hill, 1980 p 33.
[4] – Laurent Coope, Gilles Pannetier, télétravail et téléservices, op cit, p16.
[5] – P.Eiglier, E. Langeard, La servuction, op cit p 36.
[6] – IDATE. DATAR. URBA , les téléservices en milieu rural op cit p 29.