بحث قانوني مختصر عن الوصية

ابرهيم العناني

الوصية
أحكامها – أركانها – شروطها

مقدمة

بدأت بتعريف الوصية الشرعية لغة اصطلاحاً ثم بينت الأدلة الشرعية على مشروعيتها في مصادر التشريع في الشريعة الإسلامية

تعريف الوصية :

الوصية في اللغة : الوصل ، مأخوذة من وصيت الشئ أصيه إذا وصلته .
و الوصية هي الإيصاء ، و تطلق بمعنى العهد إلى الغير في القيام بفعل أمر ، حال حياته أو بعد وفاته ، يقال : أوصيت إليه : أي جعلته وصياً يقوم على من بعده . و هذا المعنى اشتهر فيه لفظ : الوصاية .
و تطلق أيضاً على جعل المال للغير : يقال : وصيت بكذا أو أوصيت بكذا ، أي جعلته له ، و الوصايا جمع وصية تعم الوصية بالمال و الإيصاء أو الوصاية .

في الاصطلاح الشرعي : هي تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع ، سواء أكان المملك عيناً أم منفعة ، كالوصية بمبلغ من المال أو بمنفعة دار لفلان ، أو لجهة خير بعد وفاة الموصي .

أدلة مشروعية الوصية :

الوصية مشروعة و قد دل على مشروعيتها الكتاب و السنة و الإجماع و المعقول .
1- كتاب الله تعالى :

قال تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ) (البقرة:180).

و قوله عز وجل ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ……. ) (المائدة:106)

السنة النبوية الشريفة :

حديث سعد بن أبي وقاص : الثلث و الثلث كثير ) صحيح الجامع الصغير و هو حديث صحيح

2- الإجماع :

أما الإجماع فقد أجمع العلماء من أهل العلم الذين يعتد برأيهم منذ عصر الصحابة على جواز الوصية ولم يؤثر عن أحد منهم منعها .

3- المعقول :

أما المعقول فهو حاجة الناس إلى الوصية زيادة في القربات و الحسنات و تداركاً لما فرط به الإنسان في حياته من أعمال الخير .

حكم الوصية :

كانت الوصية في أول الإسلام واجبة بكل المال للوالدين و الأقربين ، بيد أن هذا الوجوب نسخ بآيات المواريث و بالسنة .
و الوصية أربعة أنواع بحسب صفة حكمها الشرعي :

1- واجبة : كالوصية برد الودائع و الديون المجهولة التي لا مستند لها ، و بالواجبات التي شغلت بها الذمة كالزكاة ، والحج والكفارات و فدية الصيام و الصلاة و نحوهما .
2- مستحبة : كالوصية للأقارب غير الوارثين ، و لجهات البر و الخير و المحتاجين .
3- مباحة : كالوصية للأغنياء من الأجانب والأقارب .
4- حراماً : كالوصية لأهل المعصية و الفجور للإنفاق على مشروعات ضارة بالمسلمين و أخلاقهم . ومن الوصية المحرمة الوصية بقصد الإضرار بالورثة و منعهم من أخذ نصيبهم المقدر شرعا .
قال تعالى : ( غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ) (النساء:12)

أركان الوصية :

قال جمهور العلماء ( الشافعية و الحنابلة و المالكية ) فقد قالوا بأن للوصية أركان أربعة :
1- موصي .
2- موصى له .
3- موصى به .
4- الصيغة .
شروط الوصية
للوصية شروط صحة يتوقف عليها وجودها و شروط نفاذ يتوقف عليها نفاذ الوصية ، و ترتب آثارها ، و تلك الشروط إما في الموصي أو في الموصى له ، أو في الموصى به ، أبحثها في مطالب ثلاثة :

شروط الموصي

يشترط في الموصي شروط صحة و شرط نفاذ :
أما شروط الصحة في الموصي فهي أن يكون أهلاً للتبرع : و هو البالغ العاقل فلا تصح وصية المجنون و المعتوه كما لا تصح وصية الصبي المميز و غير المميز حتى يبلغ .

شرط نفاذ الوصية في الموصي :
يشترط في الموصي لنفاذ وصيته : ألا يكون مديناً بدين مستغرقاً لجميع تركته ، لأن إيفاء الدين مقدم على تنفيذ الوصية بالإجماع.

شروط الموصى له

يشترط في الموصى له شروط صحة و شروط نفاذ :
أما شروط الصحة فهي ما يلي :

1- أن يكون موجوداً .
2- أن يكون معلوماً .
3- أن يكون أهلاً للتملك و الاستحقاق .
4- غير قاتل للموصي .
5- غير حربي للموصي .

شروط نفاذ الوصية في الموصى له :

يشترط لنفاذ الوصية ألا يكون الموصى له وارثاً للموصي عند الموصي إذا كان هناك وارث آخر لم يجز الوصية فإن أجاز بقية الورثة الوصية لوارث ، نفذت الوصية .
لقوله صلى الله عليه وسلم : إن الله أعطى كل ذي حق حقه ، فلا وصية لوارث ) .رواه ابن ماجه والترمذي وأبو داود و هو حديث صحيح .

و يشترط لصحة الإجازة شرطان :
1- أن يكون المجيز من أهل التبرع عالماً بالموصى به.
2- أن تكون الإجازة بعد موت الموصي فلا عبرة بإجازة الورثة حال حياة الموصي ، فلو أجازوها حال حياته ثم ردوها بعد وفاته ، صح الرد و بطلت الوصية ، سواء أكانت الوصية للوارث ، أم لأجنبي بما زاد عن ثلث التركة .

شروط الموصى به

للموصى به شروط صحة و شرط نفاذ :
أما شروط الصحة فهي :
1- أن يكون الموصى به مالاً قابلاً للتوارث .
2- أن يكون الموصى به متقوماً في عرف الشرع الحنيف .
3- أن قابلاً للتمليك .
4- ألا يكون الموصى به معصية أو محرماً شرعاً ، لأن القصد من الوصية تدارك ما فات في حال الحياة من الإحسان .

ما يشترط في الموصى به لنفاذ الوصية :
يشترط لنفاذ الوصية في الموصى به شرطان :
أ – ألا يكون مستغرقاً بالدين : لأن الدين مقدم في وجوب الوفاء به على الوصية بعد تجهيز الميت و تكفينه.
قال تعالى : (منْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) ( سورة النساء من الآية 11.

ب – ألا يكون الموصى به زائداً على ثلث التركة إذا كان للموصي وارث.

الصيغة

و للصيغة في الوصية شروطا نذكرها فيما يلي :
أ – يجب أن تكون الوصية بلفظ صريح أو كناية . واللفظ الصريح كأوصيت له بمئة ألف من المال بعد موتي . و اللفظ الصريح تنعقد به الوصية بمجرد اللفظ و لا يقبل قول القائل أنه لم ينو به الوصية .
و الكناية مثل سيارتي هذه لمحمد بعد موتي . و لابد في لفظ الكناية من النية مع اللفظ لاحتمال اللفظ غير الوصية .

ب_- قبول الموصى له ( عند الجمهور ) إن كانت الوصية لمعين ، فإن كانت الوصية لجهة عامة كطلبة العلم الشرعي لم يشترط القبول لتعذره .

ج – أن يكون القبول الموصى له بعد موت الموصي فلا عبرة بقوله أو رده في حياة الموصي .

مبطلات الوصية

تبطل الوصية بأسباب عديدة وفق التالي :
1- زوال أهلية الموصي بالجنون المطبق و نحوه : تبطل الوصية عند الحنفية بالجنون المطبق و نحوه كالعته سواء اتصل بالموت أو لم يتصل بأن أفاق قبل الموت .
أما الشافعية : فلم يبطلوا الوصية بالجنون ، سواء أكان مطبقاً أو لا ، و سواء اتصل بالموت أو لم يتصل متى كان منشأ الوصية وقت إنشائها ، لأن العقود و التصرفات تعتمد في صحتها على تحقق الأهلية وقت إنشائها فقط ، و لا يؤثر زوالها بعدئذ في صحة العقد أو التصرف .
و لعل رأي الشافعية هو الأرجح ، لأن كمال الأهلية وقت يطلب عند الإنعقاد .أما احتمال رجوع الموصي عن الوصية لولا جنونه فهو احتمال