الرهن العقاري وتطور تصميم العقود
يوسف الفراج
من نافلة القول الإشارة إلى أن من المتطلبات في عمليات التمويل السعي إلى توفير أكبر قدر من الضمانات للمديونية الناشئة عن العقد لتجنب المخاطر من عدم الوفاء, وبقدر توفر هذه الضمانات وتأكد جدواها في الضمان بقدر ما يقل العائد المترتب على عملية التمويل, وفي الصيغ القديمة فقد كان هناك ضمانات تقليدية – إن صح التعبير -, ومنها الكفيل والذي تراجعت القناعة بكفايته في ضمان سداد المديونيات وذلك للاحتياج إلى ملاحقته ومطالبته أمام الجهات القضائية, وهو الأمر الذي تعده جهات التمويل من المخاطر, ومن جهة أخرى فقد تشكل وعي أو خوف – سمه ما شئت – لدى الكثير من الوقوع في فخ الكفالة, ومن الضمانات التقليدية كذلك اشتراط تقديم شيكات بباقي المديونية, وقد تقرر لدى صائغي العقود أن أخذ الشيكات بباقي المديونيات لضمان الوفاء بها خطأ قانوني مجرم في النظام, لأن الشيك أداة وفاء وليس أداة ضمان.

ثم تطور تصميم العقود إلى البحث عن ضمانات أكثر فاعلية من هذه الضمانات, فكان من أكثرها فائدة اشتراط تحويل الراتب إلى البنك الممول بحيث يضع البنك يده على الراتب ويحصل استحقاقه منه قبل أن يتصرف فيه صاحبه وفق اتفاقية التمويل, وهذه الضمانة نافعة في حال كان الممول بنكا, وكان مبلغ التمويل قليلا كما هو الحال في المنقولات كالسيارات أو المعدات أو الأثاث ونحوها مما لا يتطلب مبلغا كبيرا, أما في حال كان التمويل كبيرا كما هو الحال في التمويل العقاري فإن شركات التمويل بما فيها البنوك تتشدد كثيرا في الضمانات, فتشترط رهن العقار على الباقي من ثمنه وهي المسألة التي أشرت إليها في المقال السابق ويسميها الفقهاء” رهن العقار على ثمنه “.

وحيث السياق في تاريخية تصميم العقود التمويلية فيمكن القول إن تصميم عقود التمويل العقاري مر على ثلاث مراحل أساسية, الأولى: البيع بالتقسيط مما يعني نقل ملكية العين إلى المشتري وتركها حرة له يملك التصرف فيها ولو بالبيع, واشتراط تقديم ضمانات لسداد المديونية كالكفيل الغرم, ومع أن هذا التصميم صالح في عمليات التسويق كونه يؤدي إلى تملك المشتري للعين في الحال إلا أن الضمانات التي فيه لم تكف في معالجة الوضع, مما أدى إلى رفع الفائدة التمويلية. المرحلة الثانية: وهي المرحلة الوسط في الضمانات والفائدة, حيث يتم نقل الملكية للمشتري إلا أن البائع يشترط رهنها في باقي المديونية, وفي حين أن المالك قد ضمن عدم تصرف المشتري بالعين إلا أنه كذلك لا يملك التصرف فيها لاستيفاء باقي المديونية, وذلك لأنها في ملك غيره واللجوء إلى بيع الرهن إضافة إلى كونه إجراء غير عملي فهو كذلك سيواجه تفاوت وجهات النظر القضائية في الجوانب الإجرائية والموضوعية, وهي معدودة في المخاطر.

المرحلة الثالثة: الإيجار المنتهي بالتمليك “الإيجار التمويلي”, وهي أفضل ما وصلت إليه عمليات تصميم العقود من حيث الضمانات, حيث إن البائع لا ينقل الملكية إلى المشتري أصلا بل يؤجره العين ولكنه يعده ببيعها له أو هبتها له أو تملكها بمجرد الوفاء بالأقساط, وهي الصيغة المفضلة للمولين لأنها لا تدخله في مخاطر نقل الملكية أو حتى رهن العقار, وسأتحدث في المقال القادم عن هذه الصيغة بالتفصيل إن شاء الله.
قاض في وزارة العدل

 إعادة نشر بواسطة محاماة نت