مزورو الصكوك لا يشملهم العفو
يوسف الفراج
تكمن خطورة التزوير في صعوبة اكتشافه، ففي حين تكفي بعض الإجراءات لكشف بعض الجرائم، فإن المزوِر في حال كان متقنا لجريمته فإنه يقلب الحقائق لأنه يتقمص شخصية المزوَر عليه باحتراف يقلل من القدرة على التفريق بين المزوَر وغير المزوَر، فحجم التدليس والإجرام في عملية التزوير كبير والضرر الحاصل ليس بالقليل، والقائم بعملية التزوير خطير، وطبيعة ما يزور في الغالب تكون من المستندات والأوراق المهمة ولها مساس بالجوانب الأمنية، وضررها متعد للنظام العام . إذا كان الأمر كما سبقت الإشارة إليه من الخطورة فلا بد من التشديد في التعاطي مع هذه القضايا، ابتداء من آلية إصدار الوثائق والمستندات المهمة بحيث تشتمل على علامات أمنية تصعب عملية التزوير وتسهل من كشفها حال وقوعها للمختصين، ومرورا بالرفع من كفاءة الأجهزة المختصة بهذا المجال وتزويدها بالأجهزة والتقنيات الحديثة، وانتهاء بالتشديد على القائم بهذه الجريمة الشنيعة من حيث العقوبة.

ومن الأوراق والوثائق المهمة التي يطولها التزوير “في الغالب”: العملات، بطاقات الهوية والجوازات، التواقيع والأختام، الصكوك، ومن المعلوم أن هناك الكثير من الاحتياطات والضمانات فيما يتعلق بالعملات والبطاقات والجوازات، حيث زودت بالعلامات الأمنية الحافظة لها من التزوير، أما التواقيع والأختام فهناك صعوبة كبيرة في تضمينها بالعلامات الأمنية بل هو غير وارد أصلا فيما يتعلق بالتواقيع مثلا، فيتبقى من الوثائق المهمة: الصكوك، وبالذات الصكوك العقارية والتي تصل في أهميتها إلى أهمية النقود من جهة أنها تشتمل على أموال، فهي تحتاج إلى إعادة النظر فيها للعمل على تحصينها من التزوير، وهناك شركات متخصصة تعمل على توفير هذه الحمايات والضمانات لجميع الوثائق المهمة.

تشدد القوانين كثيرا فيما يتعلق بالتزوير وتستثنيه من بعض الأحكام تأكيدا على خطورته، فمن ذلك ما ورد في المادة الثالثة من نظام التسجيل العيني للعقار وتنص على أنه:” يكون للسجل العقاري قوة إثبات مطلقة، ولا يجوز الطعن في بياناته بعد انتهاء الآجال المحددة للطعن المنصوص عليها في هذا النظام، إلا تأسيساً على مخالفتها لمقتضى الأصول الشرعية أو تزويرها”، فيلاحظ في هذا النص التشديد في موضوع التزوير بحيث لا يسقط الحق في الادعاء به، كما أن مضي المدد والآجال غير كاف في ترقية المزور إلى درجة الوثيقة الحقيقية.

وفي النصوص الشرعية النهي عن قول الزور وشهادة الزور، والتزوير في الوثائق مشمول بهذه النصوص بجامع الكذب وقلب الحقائق والتدليس فيهما، فالتزوير عبارة عن تحسين الشيء ووصفه بخلاف صفته، حتى يخيل إلى من سمعه أو رآه أنه بخلاف ما هو عليه في الحقيقة، فهو تمويه الباطل بما يوهم بأنه حق، والتزوير هو الكذب غير أنه يزيد عليه في التمويه والتدليس، فمن النصوص في ذلك : قوله تعالى: “فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور”، وقوله في صفة المؤمنين: “والذين لا يشهدون الزور”، أما السنة فالأحاديث كثيرة، منها قول الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين) وجلس وكان متكئاً ثم قال: (ألا وقول الزور) فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت.

ولهذه الاعتبارات وغيرها فقد صدرت قواعد العفو عن الموقوفين والمحكومين للحق العام في المملكة العربية السعودية وكان فيها التشديد فيما يتعلق بتزوير الصكوك على وجه التحديد، حيث نصت على أن من شروط العفو عن العقوبة ألا تكون الجريمة من جرائم تزوير الصكوك الشرعية الصادرة من المحاكم وكتابات العدل.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت