تصدي القانون الإماراتي لظاهرة التحرش بالأطفال

إعادة نشر بواسطة محاماة نت 

طالب مختصون قانونيون واجتماعيون ومعنيون بحماية الطفل، بتطبيق خمسة تدابير وقائية ناجعة للحد من حوادث التحرش الجنسي، التي يتعرض لها الأطفال، مقترحين تفعيل خطة وطنية تشارك فيها كل مؤسسات الدولة، لتعزيز التربية والثقافة الجنسية لدى الأطفال، وتوعية الأهالي بإرشادات حماية الطفل، ومساءلتهم قانوناً حال وقوع الضرر والإهمال، وتشجيع ذوي الضحايا على الإبلاغ عن الحوادث، وتشديد العقوبة على الجناة، للحد من هذه الظاهرة حماية لأجيال المستقبل.من جانبها، أكدت وزارة الداخلية أنها تتابع باهتمام هذه المشكلة، وتتخذ أشد الإجراءات مع الجناة وفقاً للقانون، منبهة في الوقت ذاته إلى أن إثبات إهمال الآباء لأبنائهم يوجب قانوناً مساءلتهم عن النتيجة التي لحقت بالطفل، جراء عدم قيام الوالدين بواجبهما القانوني تجاه أبنائهما.

وتم رصد وقوع 14 قضية تحرش جنسي بالأطفال على الأقل، تم الكشف عنها في أروقة محاكم الدولة خلال الـ12 شهراً الماضية، إذ بينت حيثيات القضايا أن معظم ضحايا الاعتداء هم من الأطفال الذين تراوح أعمارهم بين أربع و13 سنة، وأن معظم المتهمين من جنسيات آسيوية، ويشتغلون في أماكن قريبة من محيط الطفل، مثل حراس البنايات والأمن والخدم وسائقي الحافلات المدرسية التي لا توجد فيها مشرفات، وأيضاً وقعت حوادث تحرش ارتكبها فئة من أقارب الضحايا.

وبينت وقائع الاعتداء الجنسي أن الضحايا غالباً يكونون بمفردهم في مسرح الجريمة، إذ يصبحون فريسة وصيداً سهلاً للمتحرشين، إذ وقع كثير من الحوادث أثناء وجود الأطفال بمفردهم داخل مصاعد المباني، وحافلات مدرسية، ودورات المياه العامة، وأثناء اللعب في الشوارع والأزقة المحيطة بمحل سكنهم، ومحال البقالة والحلاقة وغيرها.

وتشير حيثيات الحوادث إلى أن الضحايا لا يستطيعون مقاومة المتحرشين، بسبب صغر سنهم، وعدم قدرتهم على تمييز الخطأ من الصواب، فيما يكتشف الأهالي لاحقاً تعرض أطفالهم للتحرش، من خلال علامات ظاهرة على أجسادهم، أو من خلال رصد تغير في الحالة النفسية للطفل، مثل إصابته بالهلع والصراخ أثناء النوم، وهناك بعض الضحايا أصيبوا بحالات تبول لاإرادي إثر تعرضهم للتحرش الجنسي.

وتكشف بعض القضايا أن المتحرشين يرصدون الطفل عندما يكون بمفرده، حيث يتم استدراجه بأساليب خداعية، مثل إغرائه بتجربة قيادة مركبة أو شراء لعبة، وعندما ينفرد به، يطلب منه خلع ملابسه، ويقوم بلمس أجزاء متفرقة من جسده ومن ثم هتك عرضه بالإكراه، وبعد انتهائه من جريمته، يطلب من الطفل عدم إبلاغ أحد بالأمر، ويصل في بعض الأحيان إلى التهديد، الأمر الذي يترك آثاراً نفسية طويلة في الضحايا.

وأكد مركز حماية الطفل في وزارة الداخلية، في رد على استفسارات «الإمارات اليوم»، بشأن التدابير المتخذة لمواجهة مشكلة التحرش الجنسي بالأطفال، أنه «يتابع باهتمام جميع الحوادث التي يتعرض لها الأطفال، ومنها حوادث التحرش الجنسي، ويتواصل مع المعنيين والأهالي، ويشدد على ضرورة معاقبة الجناة بأشد العقوبات المقررة في القانون».

وأكد ضرورة مضاعفة الجهود، لحماية الأطفال من المخاطر التي قد لا يدركونها بحكم سنهم، وعليه فإن إثبات إهمال الآباء لأبنائهم أو تركهم من دون رقابة، يوجب قانوناً مساءلتهم عن النتيجة التي لحقت بالطفل، جراء عدم قيام الوالدين بواجبهما القانوني تجاه أبنائهما.

وأكد المركز أن حماية الأطفال من المخاطر بكل أشكالها تمثل أولوية وتتصدر اهتمام الأجهزة الشرطية، مشدداً في الوقت ذاته على أهمية اتخاذ التدابير المجتمعية الوقائية الكفيلة بتوفير الحماية للأطفال من حوادث التحرش، ومنها تفعيل الرقابة الأبوية على الأطفال، وعدم تركهم بمفردهم مع الغرباء أو في الطرق، وتوعية الأطفال بمفهوم التحرش وكيفية التصرف في حال تعرض لمثل هذه المواقف.

وذكر المركز أن حماية الطفل تحظى باهتمام الدولة، ضمن رؤيتها لأن تكون من أفضل دول العالم أمناً وسلامة ورائدة في مجال حماية الطفل، وسنت القوانين الكفيلة بحماية الأطفال من أي إساءة أو خطر يحدق بهم، ومنها «قانون وديمة» الذي شدد العقوبات بحق كل شخص يعرض حياة الطفل للخطر أو الإهمال، فضلاً عن ما تضمن قانون العقوبات من عقوبات رادعة.

ودعا مركز وزارة الداخلية لحماية الطفل الأسر والجمهور إلى الانتباه، لحماية ووقاية أبنائهم من المخاطر التي قد يتعرضون لها، لافتاً إلى أن وزارة الداخلية تواصل جهودها في مجال حماية الطفل، لزيادة الوعي الجماهيري بشأن حماية ووقاية الأبناء وسلامتهم من ما يواجهونه من تحديات ومخاطر، من خلال تعزيز الوعي الأسري لدى جميع شرائح المجتمع لما للأسرة من دور كبير وجوهري باعتبارها النواة الأولى في المجتمع، فضلاً عن تعزيز جهود حماية الطفل من المخاطر، وجرائم الاستغلال الجنسي التي تستهدف الأطفال عبر شبكة الإنترنت.

ودعا أولياء الأمور إلى ضرورة أخذهم الاحتياطات اللازمة التي تساعد على حمايتهم من حوادث التحرش الجنسي، ومتابعتهم لأبنائهم والاهتمام بهم وعدم إهمالهم أو تركهم وحدهم حتى لا يكونوا عرضة لمثل هذه الحوادث، لافتاً إلى أن الجهات الشرطية والأمنية تكثف جهودها باستمرار، لتعزيز الأمن والسلامة في مختلف المواقع.

وأكد المحامي علي المنصوري أهمية تشديد العقوبات بحق المتحرشين بالأطفال، لما لهذه الحوادث من تأثيرات نفسية واجتماعية خطيرة في الأطفال بالمستقبل، مطالباً في الوقت ذاته بإطلاق حملة وطنية على مستوى الدولة، تشارك فيها كل المؤسسات لتوعية أفراد المجتمع بهذه المشكلة، وكيفية مواجهتها والحد منها باتخاذ الإجراءات الوقائية.

ودعا المنصوري الأهالي إلى عدم التردد في إبلاغ الجهات الشرطية على الفور في حال اكتشافهم تعرض أحد أطفالهم للتحرش الجنسي، مشدداً في الوقت ذاته على تحمل مسؤوليتهم القانونية بتوفير البيئة الآمنة للطفل، بما لا يعرضه لمثل هذه الحوادث.

ونبه إلى أن الطفل يكون مسلوب الإرادة في مواجهة المتحرش، وبحسب المادة (356) من قانون العقوبات الاتحادي، فإنه يعاقب بالسجن المؤقت من ثلاثة إلى 15 عاماً، كل من أدين بارتكاب جريمة هتك عرض، ذكراً كان أو أنثى، تقل سنه عن 14 عاماً.

ونصت المادة 354 على أنه يعاقب بالإعدام كل شخص استخدم الإكراه في مواقعة أنثى أو اللواط بذكر، إذ يعتبر الإكراه قائماً إذا كان عمر المجني عليه أقل من 14 عاماً وقت ارتكاب الجريمة.

من جهته، طالب رئيس جمعية الإمارات لحماية الطفل، فيصل محمد الشمري، بوضع خطة وطنية مدروسة، تشارك فيها كل الجهات الحكومية الاتحادية والمحلية ومؤسسات المجتمع المدني في الدولة، بهدف بناء ثقافة وتربية جنسية سليمة، وتوعية الأطفال ضد التحرش الجنسي، وأيضاً توعية الأهالي بخطورة ترك أطفالهم بمفردهم مع أقرانهم أو مع أطفال أكبر منهم، أو مع الغرباء، وضرورة تدريب أطفالهم على مواجهة مخاطر التحرش، وكيفية إعلام الأسرة والتصرف إزاء المتحرشين والإبلاغ عنهم وماهية اللمسة الخاطئة.

وقال الشمري إن حوادث التحرش بالأطفال تكررت خلال الفترة الأخيرة، إذ بينت حيثيات هذه الحوادث أن ضحايا التحرش والاعتداء الجنسي قد يكونون من الأطفال حديثي الولادة، وإلى مراحل متقدمة من المراهقة، وغالباً نتيجة الإهمال أو تركهم بمفردهم دون إشراف، الأمر الذي يؤكد أهمية اتخاذ التدابير الناجعة للحد من هذه الجرائم.

وأكد أهمية بحث مخاطر ترك الأطفال دون رقابة، وأيضاً مخاطر السماح للأطفال ببناء ثقافة جنسية مشوهة عبر مواقع ومصادر إباحية عبر الإنترنت، أو نتيجة التواصل مع أشخاص خطرين عبر الإنترنت، ناهيك عن ضرورة بناء الثقافة الجنسية السليمة ومن مصادر موثوقة، وعدم ترك الحبل على الغارب، فإهمال الأطفال يؤدي بهم للتعرض للتحرش أو الاعتداء.

أضرار نفسية واجتماعية

حذر مختصون اجتماعيون ونفسيون من خطورة جرائم التحرش الجنسي بالأطفال، وما تسببه لهم من أضرار نفسية واجتماعية يكون تأثيرها طويل الأمد، وتفقد الطفل كرامته وشعوره بالأمان، وتؤدي في أحيان كثيرة إلى تشويه روحه وتحويل سلوكه ليصبح عنصراً هداماً في المجتمع، مشيرين إلى أن الضحية غالباً يحتاج إلى رعاية نفسية وتأهيل، لتمكينه من تجاوز الحادث الذي تعرض له.

وحذروا من الأثر السلبي لاستخدام الأطفال لمواقع التواصل الاجتماعي بعيداً عن رقابة الأسرة، حيث يقوم المجرم باستدراج ضحيته، من خلال أحد مواقع الألعاب الجماعية عبر الشبكة الإلكترونية.

ونبهوا إلى أن دراسات عالمية أثبتت أن معظم مرتكبي جرائم الاغتصاب عرّضوا أنفسهم لمشاهدة المواد الإباحية عبر الأفلام التي يتم ترويجها بغرض الإثارة، ما يدفع بهم إلى مزيد من العنف، وربما وصل إلى الاغتصاب المرتبط بالتعذيب والقتل في بعض الحالات، حيث أصبح ذلك سمة يتصف بها الجناة.

9 قضايا تحرش العام الجاري

شهد العام الجاري تسع قضايا تحرش جنسي بالأطفال على الأقل، كان آخرها حادثتين خلال مايو الجاري، حيث كشفت مظاهر الرعب والصراخ أثناء النوم، والتبول اللاإرادي، التي ظهرت على طفلة تبلغ من العمر أربع سنوات، عن تعرضها لجريمة هتك عرض بالإكراه من قبل ابن خالتها البالغ من العمر 15 عاماً، خلال إقامتها في منزلهم نظراً لوجود أمها بالمستشفى لولادة شقيقها، حيث كان المتهم مواظباً على مشاهدة الأفلام الإباحية، الأمر الذي دفعه إلى محاولة ارتكابها مع ابنة خالته.

وفي قضية أخرى، كشفت علامات احمرار على رقبة طفلة، تبلغ من العمر ثماني سنوات، عن تعرضها لهتك عرض بالإكراه من قبل سائق آسيوي يبلغ من العمر 43 عاماً، أثناء توصيلها إلى المدرسة.

وأفادت تحقيقات النيابة العامة، التي أحالت المتهم إلى محكمة الجنايات، بأن السائق استغل وجوده معها أثناء توصيلها، وانتهز فرصة عجزها عن المقاومة، وعدم وجود شخص ثالث معهما للدفاع عنها، في التحرش بها بطرق مختلفة.

إرشادات لحماية الأبناء من التحرش الجنسي

■إخبار الأطفال بأنّ المناطق الحساسة ممنوع لمسها أو الاقتراب منها من أي شخص كان، وعدم معاقبة الطفل في حال أخبر عن ذلك.

■أن يحافظ على مسافة آمنة بينه وبين الآخرين، ويدخل في ذلك التفرقة بين الأبناء في المضاجع عند بلوغهم العاشرة.

■ألا يذهب الطفل إلى أي مكان مع أشخاص لا يعرفهم، وألا يركب سيارة مع أحد الغرباء أو يدخل منزله.

■تعليم الطفل أنّ جسده ملك خاص به، ولا يجوز لأحد الاعتداء عليه.

■إحاطة الطفل بالحب والحنان والإشباع العاطفي؛ حتى لا يبحث عنهما عند شخص آخر، وينخدع بذلك.

■ألا تسمح للطفل أو الطفلة بالذهاب إلى الأماكن العامة وحدهما، كالأسواق والملاهي والمطاعم.

■ألا يأخذ أي شيء من أي أحد لا يعرفه، وألا يتحدث مع الغرباء أو يرد على أسئلتهم دون إذن والديه.

■أن يحرص على البقاء في مجموعات، والسير في شوارع مزدحمة بالناس.

■على الأبوين الحرص على عدم انفراد أحد بالطفل، خصوصاً الخدم والسائقين.

■تحذير الطفل من تلبية دعوة الإغراءات المادية والمعنوية التي تقدم له.

«الداخلية»: «إثبات إهمال الآباء لأبنائهم يوجب مساءلتهم قانوناً عن النتيجة التي لحقت بالطفل».

«حماية الطفل»: «ضرورة مضاعفة الجهود لحماية الأطفال من المخاطر التي قد لا يدركونها بحكم سنهم».