تشكيل هيئة التحكيم في التشريع السعودي

عرفنا أن عملية التحكيم هي الخطوة التالية لنشوب أي نزاعٍ بين طرفين، فقرر أحدهما اللجوء إلى هيئة ما للتحكيم بينه وبين الطرف الثاني وبعد إخباره، ولذلك يجب أن ندرك جيدًا آلية تشكيل هذه الهيئة.

ومن المؤكد أن تشكيلها يخضع في الأساس إلى حريَّة طرفي النزاع، فلهما فقط الحقُّ في الاتفاق على اختيار المحكِّمين، ولذلك نصَّت المادة (15) من نظام التحكيم، الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/34) وتاريخ 24/5/1433هـ، على أنه (لطرفي التحكيم الاتفاق على اختيار المحكِّمين…).

ويتم اختيار المحكِّم أو الهيئة في اتفاق التحكيم، سواءً أَكان هذا الاتفاق قد ورد في شرط التحكيم، أيْ قبل نشوء وحدوث النزاع، أم ورد في مشارطة التحكيم، أي بعد نشوء النزاع بين الطرفين.

وإذا تم الاتفاق بين الطرفين على أسلوب اختيار المحكِّمين، فيجب أن يلتزما كلاهما بذلك، وضرورة مراعاة المساواة بين طرفي النزاع، فلا تكون لأحدهما أفضلية على الآخر.

أما بشأن آلية تشكيل الهيئة، فنصَّت المادة (13) من نظام التحكيم على أنّه (تشكَّل هيئة التحكيم من محكِّم واحد أو أكثر، على أن يكون العدد فرديًا، وإلَّا كان التحكيم باطلاً)، وهو ما يعني أن الهيئة قد تتشكل من محكِّم أو أكثر، وحال تشكيلها من مجموعة من المحكّمين يُشترط أن يكون العدد وترًا، أي أنْ تكون مكوَّنة على سبيل المثال من ثلاثة محكّمين أو خمسة أو سبعة.

وإذا تمّت مخالفة قواعد التشكيل بأن يتمّ اختيار المحكّمين بعدد زوجي، فإنَّ البطلان هو الجزاء المترتِّب على ذلك، ويرجع السبب في ذلك إلى مراعاة تجنّب ظهور أيَّة إشكالات عند المداولة، فمن غير المستبعد أن ينقسم المحكّمون إلى فريقين متساويين بهدف الفصل في النزاع.

وفي هذه الحالة لن يكون هناك رأي مرجَّح حاسم وهو ما يعني غياب ضمانة رئيسية من ضمانات الخصومة، وهي الترجيح، ولهذا جاء البطلان المطلق نتيجة لذلك.

أورد نظام التحكيم، الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/34) وتاريخ 24/5/1433هـ، أن القاعدة الأصلية في تشكيل هيئة التحكيم هي خضوعه لحرية طرفي النزاع، وذكر بعض الحالات بشأنها، وأولى هذه الحالات تشكيلها من محكِّم واحد فقط .

والثانية تشكيلها من ثلاثة محكِّمين أو أكثر.

أما الحالة الثالثة فهي حالة عدم اتفاق الطرفين على اختيار الهيئة أو حال وجود اتفاق بينهما يتعلَّق بالتشكيل ولكن يخالفه وينقضه أحدهما، أو أن يتخلف الغير عمَّا عهد به إليه، مثل أن يتفق الطرفان على تفويض ثالث ليختار الهيئة، ولكن يمتنع الطرف الثالث عن القيام بهذا الإجراء.

وفي هذه الحالات تتدخَّل المحكمة المختصة وتتولى اتخاذ هذا الإجراء، ما لم ينصّ في الاتفاق على وسيلة أخرى لإنهاء هذا الإجراء.

وتوجد قواعد عدة تتَّبعها المحكمة عند تشكيل الهيئة، بما في ذلك تطبيق الشروط التي اتفق عليها الطرفان، والشروط التي يضعها النظام، طالما أنها لا تتخالف مع الشريعة أو الأنظمة المرعية.

ويجب أن يصدر قرار المحكمة باختيار المحكّمين خلال فترة زمنية لا تتجاوز 30 يومًا من تاريخ تقديم الطلب، وفقًا لما نصت عليه المادة (15/3) من نظام التحكيم، ويهدف هذا الإجراء إلى تحقيق الأهداف المرجوة من اللجوء إلى التحكيم، وهو سرعة الفصل في الخلافات التي تثور بين طرفين أو أكثر.

وعند صدور قرار المحكمة بتعيين المحكم، فإن هذا القرار يعد نهائيًا وفقًا لما نصت عليه المادة (15/4) بقولها (مع عدم الإخلال بأحكام المادتين (التاسعة والأربعين والخمسين) من هذا النظام، يكون قرار المحكمة المختصَّة وفقًا للفقرتين (1 و2) من هذه المادة غيرَ قابلٍ للطعن فيه استقلالاً بأيِّ طريقٍ من طرق الطعن).

الأصل في تشكيل هيئة التحكيم خضوعه لإرادة طرفي النزاع، ولكن حال عدم اتفاقهما على أسلوب تشكيلها فإنَّ نظام التحكيم، الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/34) وتاريخ 24/5/1433هـ، يسند قرار التشكيل إلى القضاء.

وتوجد حالات عدة ذكرها النظام بشأن هذه المسألة، وأولى هذه الحالات تشكيلها من محكِّم واحد فقط؛ وقد يتفق الطرفان على ذلك ولكنَّهما يختلفان في تسميته أو على أسلوب تعيينه، أو أن يتمسك طرف بتسمية محكّم ما.

وفي هذه الحالة تتدخل المحكمة المختصّة لتولي مهمة اختيار المحكِّم واتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك، بعد تقدم أحد طرفي النزاع إلى هذه المحكمة بطلب تعيين المحكم، فلا تستطيع المحكمة القيام بهذا الإجراء من تلقاء نفسها، لضمان مبدأ حياد القاضي.

وقد نصَّت المادة الخامسة عشر من نظام التحكيم على أنّه (1/ لطرفي التحكيم الاتفاق على اختيار المحكِّمين، فإذا لم يتَّفقا اتبع ما يأتي: أ/ إذا كانت هيئة التحكيم مشكَّلة من محكِّم واحد تولَّت المحكمة المختصَّة اختياره).
والحالة الثانية التي نصّ عليها النظام، هي تشكيل الهيئة من ثلاثة محكِّمين أو أكثر، وفي هذه الحالة قد يتَّفق طرفا النزاع على أن تتشكل من أكثر من محكِّم، أي من ثلاثة فأكثر، لأن الهيئة يجب أن تتشكَّل من عدد فردي، وإلّا كان باطلاً.

ولكن إذا امتنع أحد الطرفين عن اختيار محكِّم خلال فترة زمنية أقصاها 15 يومًا بعد تسلُّمه إخطار الطرف الآخر بلجوئه إلى التحكيم، أو حال عدم اتفاق المحكِّمين المعيَّنين على اختيار ثالث مرجح خلال 15 يومًا التالية لتاريخ تعيين آخرهما، ففي هذه الحالة تتولى المحكمة المختصة، وفقًا لطلب أحد الطرفين القيام بهذه المهمة، بحسب نص المادة (15/1/ب).