“القضاء” وقانون العقوبات البحريني
يستغرب البعض من الأحكام القضائية المخففة والبسيطة -إن جاز التعبير- فيما يخص الكثير من القضايا التي تستوجب عقوبات مغلظة حسب ما يراه هؤلاء البعض. ففي الفترات الأخيرة وبعد أن وضعت وسائل الإعلام أخبار المحاكم عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشكل لحظي، عرف الناس أن العقوبات حقيقة لا تنسجم أبداً مع طبيعة الجريمة أو المخالفة المُرتكَبة مما يجعلهم يرمون القضاء والقضاة بالتهاون في إطلاق الأحكام المخففة. كأنْ تؤيد المحكمة الكبرى الجنائية الثانية «حبس لصِّين سنة مع النفاذ لسرقتهما أحد المطاعم بينما رصيدهما الجنائي هو 71 قضية جنائية سابقة» أو «حبس متهم 3 سنوات عن تهمة اختلاس الملايين من نحو 200 مستثمر خليجي وبحريني» حيث أمرت بكفالة قدرها 50 ألف دينار لوقف التنفيذ وغرامة 50 ألف دينار أخرى كغرامة مالية» وغيرها من القضايا المختلفة التي تمثل العقوبات فيها للوهلة الأولى أحكاماً غير منسجمة مع قوة الجريمة.

بداية يجب القول بأن القاضي لا يستطيع أن يتجاوز قانون العقوبات في البحرين، بمعنى أنه لا يمكن له في «الجريمة الفلانية» التي يكون الحُكم فيها كالتالي «أن المذنب في هذه الجريمة يحكم عليه بالسجن لمدة لا تتجاوز السنة وبغرامة مالية لا تتجاوز 50 ديناراً»، أي أن القاضي لا يستطيع تجاوز هذه المادة من قانون العقوبات حتى لو أراد تغليظها لوجود نص يقيده بشكل صريح وواضح، ومن هنا يمكن تفسير هذا الأمر بهذا المثال البسيط جداً.

إذاً ما هو الحل الذي يستطيع من خلاله القاضي أن يفرض عقوبات مشددة في حق مختلف الجرائم والمخالفات التي يمكن أن نسميها «بالكبيرة»؟ في اعتقادنا القاصر أن الحل هو في تغيير أو تحسين الكثير من مواد «قانون العقوبات البحريني» حتى تنسجم العقوبة مع الجريمة، فلا يصح مثلاً في أعرافنا الإنسانية أن يُحْكم على لص سرق 200 مليون دينار بالسجن لمدة سنة وغرامة 100 دينار، لكن، لو تم تعديل القانون في ذات القضية المفترضة كالآتي: «أن يُحْكم لمدة 25 سنة مع إعادة كل المبالغ المسروقة لأصحابها وتغريمه مبالغ كبيرة أيضاً، حينها سنرى مستوى الانسجام بين الجريمة والعقوبة، وهذا لا يكون إلا عبر تغيير قانون العقوبات البحريني فقط».

عندنا خير مثال على هذا الأمر في البحرين، ألا وهو قانون المرور، فحين كانت العقوبة المفترضة لقطع الإشارة الضوئية 10 دنانير أو ما يزيد قليلاً وجدنا أن المخالفات القاتلة بسبب قطع الإشارات الحمراء لا حصر لها، وقس على ذلك بقية العقوبات المرورية البسيطة، لكن ومع «قانون المرور الجديد» وقساوة المخالفات رأينا أن المخالفات تكاد اليوم تنعدم، والسبب هو أن العقوبة باتت تتلاءم مع طبيعة ونوعية المخالفة المرتكبة مرورياً، وعليه لن نستنكر ولن نستغرب بعدها من العقوبة القضائية الصارمة إذا تم تطوير قانون العقوبات البحريني ليتلاءم مع الجريمة، وما دون ذلك التطوير وإعادة النظر فيه لن يستطيع القاضي المقيد بقانون العقوبات الحالي فعل أكثر من هذا، وعلى إثر ذلك لا يمكننا أن نلومه.

حسين التتان
إعادة نشر بواسطة محاماة نت