تخفيض قيمة الشرط الجزائي وفقاً للقانون

يتبين من نص الفقرة الثانية للمادة 224 مدني أنه يجوز للقاضي أن يخفض من قيمة الشرط الجزائي في حالتين: أولاهما- إذا نفذ المدين الالتزام الأصلي في جزء منه. وثانيهما- إذا أثبت المدين أن تقدير التعويض في الشرط الجزائي كان مُبالغاً فيه إلى درجة كبيرة.

الحالة الأولى- حالة تنفيذ الالتزام الأصلي في جزء منه:

يوضع الشرط الجزائي عادة لحالة عدم قيام المدين بتنفيذ التزامه أصلاً، فإذا كان المدين قد قام بتنفيذ جزء من التزامه، فإن القاضي يكون قد احترم إرادة المتعاقدين إذا خفض الشرط الجزائي بنسبة ما نفذ المدين من التزامه. ويعتبر الأساس هو المبلغ المقدر في الشرط الجزائي، فيخفض هذا المبلغ إلى النسبة التي تتفق مع الجزء الباقي دون تنفيذ من الالتزام الأصلي. ويقع عبء إثبات التنفيذ الجزئي على المدين.

وقد يتفق المتعاقدان على استحقاق الشرط الجزائي إذا لم ينفذ المدين الالتزام الأصلي تنفيذاً سليماً، سواء كان ذلك بأن لم ينفذه أصلاً أو نفذه تنفيذاً معيباً، ففي هذه الحالة يُستحق الشرط الجزائي كله إذا كان هناك عيب في التنفيذ، نزولاً على اتفاق المتعاقدين. ولكن إذا كان هذا العيب غير جسيم، بحيث يكون الشرط الجزائي، كتعويض عنه، مُبالغاً فيه إلى درجة كبيرة، جاز للقاضي تخفيض الشرط الجزائي إلى الحد المناسب، كما سنرى فيما يلي..

الحالة الثانية– حالة المُبالغة في تقدير التعويض في الشرط، إلى درجة كبيرة:

تنص الفقرة الثانية من المادة 224 مدني على أنه “يجوز للقاضي أن يخفض هذا التعويض إذا أثبت المدين أن التقدير كان مُبالغاً فيه إلى درجة كبيرة”. ويبرر هذا الحكم، بأن مبالغة الدائن في تقدير الشرط الجزائي يجعل الشرط الجزائي “شرطاً تهديدياً” لحمل المدين على الوفاء بالتزاماته، ومؤدى ذلك أن الشرط الجزائي المبالغ فيه ينطوي – في حقيقة الأمر – على عقوبة فرضها الدائن على المدين، فيكون الشرط باطلاً، ويظل العقد صحيحاً، ويعمد القاضي عندئذ إلى تقدير التعويض وفقاً للقواعد العامة.

فضلاً عن أن الشرط الجزائي لا يعرض إلا لتقدير التعويض المستحق، فهو ليس سبباً في استحقاق التعويض، بل يقتصر على مجرد تقديره مقدماً وفقاً لما قام لدى الطرفين – عند الاتفاق – من اعتبارات وظروف. فإذا اتضح بعد ذلك أن الضرر الذي وقع لم يكن بالمقدار الذي ظنه الطرفان قبل وقوعه، وأن تقديرهما للتعويض عن هذا الضرر كان مبالغاً فيه إلى درجة كبيرة، فإن الأمر لا يخول عندئذ من غلط في التقدير وقع فيه الطرفان أو ضغط وقع على المدين قبل شرطاً يعلم مقدماً أنه مجحف به، وفي الحالتين يكون من الواجب تخفيض الشرط الجزائي إلى الحد الذي يتناسب مع الضرر.([21])

وعلى هذا جرى قضاء محكمة النقض في مصر حيث قضت بأنه: “إذا كان الطاعن لم يتمسك أمام محكمة الموضوع بعدم استحقاق التعويض الاتفاقي “الشرط الجزائي” لتخلف شرط الإعذار فلا يجوز له التمسك لأول مرة أمام محكمة النقض بهذا السبب الذي لم يسبق عرضه على محكمة الموضوع. ووجود الشرط الجزائي يفترض معه أن تقدير التعويض فيه متناسب مع الضرر الذي لحق الدائن وعلى القاضي أن يعمل هذا الشرط إلا إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر فعندئذ لا يكون الاتفاق مستحقا أصلاً، أو إذا أثبت المدين أن التقدير كان مبالغاً فيه إلى درجة كبيرة وفي هذه الحالة يجوز للقاضي أن يخفض التعويض المتفق عليه”.([22])

كما قضت محكمة النقض المصرية بأنه: “إذ كانت المادة 224 من القانون المدني قد أجازت للقاضي أن يخفض مقدار التعويض الاتفاقي إذا أثبت المدين أنه مبالغاً فيه إلى درجة كبيرة، وكانت الطاعنة قد تمسكت في مذكرتها المقدمة لمحكمة الاستئناف بأن مقدار التعويض الاتفاقي مبالغ فيه إلى درجة كبيرة، وطلبت إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ذلك، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بالتعويض الاتفاقي دون أن يعرض لهذا الدفاع رغم أنه جوهري – إن صح – قد يتغير به وجه الرأي في الدعوى، فإنه يكون مشوباً بالقصور”.([23])

مزايا الشرط الجزائي عند عدم حدوث ضرر أو المبالغة في تقديره:

بالرغم من عدم الحكم باستحقاق الشرط الجزائي كلياً عند انعدام وقوع الضرر، أو تخفيضه إذا كان مبالغاً فيه إلى درجة كبيرة بحيث لا يكون متناسباً مع الضرر الذي وقع، فإن للشرط الجزائي – حتى في تلك الحالات – فائدة محققة للدائن من عدة وجوه، نذكر منها:

إن وجود الشرط الجزائي، يجعل وقوع الضرر مفترضاً، لا يكلف الدائن بإثباته، فإن ادعى المدين أن الدائن لم يلحقه ضرر، فعليه هو لا على الدائن يقع عبء الإثبات، بخلاف القواعد العامة في الإثبات، على نحو ما سلف ذكره.

وبهذا قضت محكمة النقض المصرية بأن: “مؤدى حكم المادة 224 من القانون المدني – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة- أنه متى وجد شرط جزائي في العقد، فإن تحقق مثل هذا الشرط يجعل الضرر واقعاً في تقدير المتعاقدين فلا يكلف الدائن بإثباته، وإنما يقع على المدين عبء إثبات أن الضرر لم يقع”.([24])

فإن وجود الشرط الجزائي يجعل من المفترض أن تقدير التعويض الوارد في هذا الشرط هو تقدير صحيح للضرر الذي وقع بالفعل، فإن ادعى المدين أنه تقدير مبالغ فيه إلى درجة كبيرة، فعليه هو – كذلك – لا على الدائن يقع عبء الإثبات.

ولا يكفي المدين أن يثبت أن التقدير الوارد في الشرط الجزائي يزيد على مقدار الضرر الذي وقع فعلاً، فما لم يثبت المدين أن التقدير كان مبالغاً فيه إلى درجة كبيرة، فإن القاضي لا يخفض الشرط الجزائي حتى ولو زاد التقدير الوارد في الشرط الجزائي على الضرر زيادة غير كبيرة. وحتى إذا أثبت المدين أن التقدير مبالغ فيه إلى درجة كبيرة وخفض القاضي الشرط الجزائي، فإن التخفيض هنا يكون إلى الحد الذي يتناسب مع الضرر ولا يتحتم أن يكون مساوياً للضرر، ومن ثم فإذا وجد شرط جزائي سخياً في تقدير التعويض، كان هذا من شأنه أن يجعل سلطة القاضي التقديرية في حساب التعويض تسخو لمصلحة الدائن، فيبقى غالباً في التعويض حتى بعد تخفيضه سعة ينتفع بها الدائن.([25])

أحكام المادة 224 مدني مُتعلقة بالنظام العام:

الأحكام المتقدم ذكرها، من اشتراط وقوع ضرر لاستحقاق الشرط الجزائي، وجواز تخفيض هذا الشرط عند التنفيذ الجزئي للالتزام، أو للمبالغة في تقديره إلى درجة كبيرة، هي أحكام متعلقة بالنظام العام، ومن ثم فلا يجوز الاتفاق على مخالفتها، وقد نصت على ذلك صراحة الفقرة الثالثة من المادة 224 مدني بقولها: “ويقع باطلاً كل اتفاق يخالف أحكام الفقرتين السابقتين”.

وعليه، فلا يجوز للمتعاقدين أن يضيفا إلى الشرط الجزائي عبارات تفيد أنه “واجب الدفع على كل حال، حتى ولو لم يقع ضرر، أو وإن قام المدين بتنفيذ الالتزام جزئياً، أو حتى إذا تبين أن التقدير مبالغ فيه إلى درجة كبيرة”. ولو تم الاتفاق على ذلك، كان هذا الاتفاق باطلاً لمخالفته للنظام العام، وجاز للقاضي رغم وجوده ألا يحكم بأي تعويض إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر، أو أن يخفض الشرط الجزائي إذا أثبت المدين أنه قام بتنفيذ الالتزام تنفيذاً جزئياً أو أن التقدير كان مبالغاً فيه إلى درجة كبيرة. فالقانون هنا يحمي المدين، ويعتبر أن رضاءه بمثل هذا الاتفاق أقرب إلى الإذعان منه إلى القبول. مع ملاحظة أن بطلان الشرط لا يؤثر في صحة العقد، فيظل العقد صحيحاً ونافذاً حتى مع بطلان الشرط الجزائي.([26])

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .