حالات عدم استحقاق الشرط الجزائي في القانون المدني – مقال هام

آثار الشرط الجزائي

تنص المادة 224 من القانون المدني على أنه: “

لا يكون التعويض الاتفاقي مُستحقاً إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر.

ويجوز للقاضي أن يخفض هذا التعويض إذا أثبت المدين أن التقدير كان مُبالغاً فيه إلى درجة كبيرة، أو أن الالتزام الأصلي قد نفذ في جزء منه.

ويقع باطلاً كل اتفاق يخالف أحكام الفقرتين السابقتين”.

كما تنص المادة 225 من القانون المدني على أنه: “إذا جاوز الضرر قيمة التعويض الاتفاقي، فلا يجوز للدائن أن يطالب بأكثر من هذه القيمة، إلا إذا أثبت أن المدين قد ارتكب غشاً أو خطأ جسيماً”.

ومفاد هذين النصين أنه متى وجد الشرط الجزائي، وأصبح مُستحقاً، لم يبق إلا القضاء به على المدين، لكونه تعويض مقدر ارتضاه مُقدماً، فالحكم عليه به حكم بما ارتضاه على نفسه.

ولكن الشرط الجزائي لا يُستحق كله إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر، كما أن الشرط الجزائي قابل للتخفيض وقابل للزيادة.

عدم استحقاق الشرط الجزائي:

لا يُستحق الشرط الجزائي إذا لم يكن هناك أي ضرر أصاب الدائن. ذلك أن الضرر من أهم أركان استحقاق التعويض، فإذا لم يوجد ضرر لم يكن التعويض مُستحقاً، ولا محل لإعمال الشرط الجزائي في هذه الحالة، لأن الشرط الجزائي ما هو إلا اتفاق الطرفين مقدماً على مقدار التعويض.

فلا يكفي لاستحقاق التعويض الاتفاق مُجرد توافر ركن الخطأ في جانب المدين بالالتزام، وإنما يُشترط أيضاً توافر ركن الضرر في جانب الدائن، فإذا أثبت المدين انتفاء الضرر، سقط الجزاء المشروط.([16])

ورغم بداهة هذا الحكم، إلا أن الأمر غير مسلم به في ظل القانون الفرنسي، كما كان محل تردد في ظل القانون المدني المصري القديم.

ففي القانون الفرنسي، تنص المادة 1152 مدني فرنسي على أنه: “إذا ذكر في الاتفاق أن الطرف الذي يقصر في تنفيذه يدفع مبلغاً معيناً من النقود على سبيل التعويض، فلا يجوز أن يعطى لتعويض الطرف الآخر مبلغ أكثر أو أقل”.

ولهذا ذهب القضاء الفرنسي إلى أن الشرط الجزائي يُستحق حتى ولو لم يثبت الدائن أن هناك ضرراً أصابه، لكون اتفاق الطرفين على شرط جزائي، وتقديرهما مقدماً للتعويض المستحق، معناه أنهما مسلمان بأن إخلال المدين بالتزامه يحدث ضرراً اتفقا على المقدار اللازم لتعويضه، وفي هذه الحالة يكون الغرض من الشرط الجزائي هو منع أي جدل يدور أو منازعة تثور بشأن وقوع الضرر ومقدار تعويضه.([17])

أما في مصر، في ظل القانون المدني القديم، فقد كانت تنص المادة 123/181 منه على أنه: “إذا كان مقدار التضمين في حالة عدم الوفاء مصرحاً به في العقد أو في القانون، فلا يجوز الحكم بأقل منه ولا بأكثر”.

ورغم وضوح نقل هذا النص عن النص الفرنسي، إلا أن القضاء في مصر ظل متردداً، تقضي بعض أحكامه بعدم اشتراط إثبات الدائن لوقوع الضرر أصابه على غرار القضاء الفرنسي، وتقضي أحكام أخرى بوجوب إثبات وقوع الضرر لاستحقاق الشرط الجزائي تطبيقاً للقواعد العامة في المسئولية. ثم أنحسم الخلاف، واستقر القضاء على الرأي الثاني، وهو المتفق مع القواعد العامة في المسئولية، وقضت الدوائر المجتمعة لمحكمة الاستئناف في كل من القضاءين الوطني والمختلط بأنه يشترط لاستحقاق الشرط الجزائي أن يكون هناك ضرر أصاب المدين.([18])

وجاء القانون المدني الحالي فنص صراحة على اشتراط حدوث ضرر لاستحقاق الشرط الجزائي، فتمشى بذلك مع القواعد العامة في المسئولية، حيث نصت الفقرة الأولى من المادة 224 مدني على أنه “لا يكون التعويض الاتفاقي مُستحقاً، إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر”.

ورغم أن هذا النص جاء تطبيقاً للقواعد العامة في المسئولية، إلا أنه لا يخلو من فائدة، فوجود هذا الشرط يجعل الضرر واقعاً في تقدير المتعاقدين، ولذلك فإنه يُفترض وقوع الضرر، ولا يُكلف الدائن بإثباته، بل على المدين إذا أدعى أن الدائن لم يلحقه أي ضرر، أن يقوم بإثبات ذلك، فعبء إثبات الضرر هنا – على عكس القواعد العامة في الإثبات – ينتقل من الدائن إلى المدين بفضل وجود الشرط الجزائي.

فقد استقر قضاء محكمة النقض في مصر على أن: “تنص الفقرة الأولى في المادة 224 من القانون المدني على أن “لا يكون التعويض الاتفاقي مستحقاً إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر” ووجود الشرط الجزائي في العقد يفترض معه وقوع الضرر إلا إذا أثبت المدين عدم وقوعه لأن هذا الشرط ينقل عبء الإثبات من عاتق الدائن إلى عاتق المدين”.([19])

وكذلك قضت محكمة النقض المصرية بأنه: “ولئن كانت المادة من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 قد وضعت القاعدة العامة من قواعد الإثبات – وهي غير مُتعلقة بالنظام العام – بما نصت عليه من أن على الدائن إثبات الالتزام، وأن على المدين إثبات التخلص منه، إلا أن هذه القاعدة قد وردت عليها بعض الاستثناءات، ومن بينها الحالات التي أورد فيها المشرع قرائن قانونية، كالحالة المنصوص عليها بالمادة 224 من القانون المدني، والتي أعتبر فيها المشرع اتفاق الطرفين على الشرط الجزائي، قرينة قانونية – غير قاطعة – على وقوع الضرر. فمن المُقرر – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أنه متى وجد شرط جزائي في العقد، فإن تحقق مثل هذا الشرط يجعل الضرر واقعاً في تقدير المتعاقدين، فلا يكلف الدائن بإثباته لأن وجوده يقوم قرينة قانونية – غير قاطعة – على وقوع الضرر، ويكون على المدين في هذه الحالة إثبات عدم تحقق الشرط أو إثبات عدم وقوع الضرر”.([20])

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .