تحديد الاختصاص الدولي للمحاكم المغربية

إن تحديد اختصاص المحاكم المغربية في الروابط الأسرية الدولية لم تنل اهتمام المشرع المغربي، ذلك أن قانون المسطرة المدنية لم يتضمن قواعد الاختصاص القضائي الدولي [1] للمحاكم المغربية.

والنص الوحيد الذي يمكن الإشارة إليه في هذا الصدد هو ما تضمنته الفقرة الأخيرة من الفصل 27 الذي يشير إلى أنه في حالة عدم توفر المدعى عليه لا على موطن ولا على محل إقامة بالمغرب فإن الدعوى ترفع ضده أمام محكمة المدعي أو واحد من المدعين إذا تعددوا شريطة توفرهم على موطن أو محل إقامة بالمغرب [2].

إن سكوت المشرع المغربي عن تحديد الاختصاص الدولي للمحاكم المغربية يقتضي من القضاء المغربي القيام بنقل قواعد الاختصاص المحلي المنصوص عليها في الفصل 27 وما يليه من قانون المسطرة المدنية إلى الصعيد الدولي ويطبقها على النزاعات الدولية الخاصة.

ذلك أن تمديد قواعد الاختصاص الترابي إلى الصعيد الدولي من المبادئ المتعارف عليها في القانون الدولي الخاص المقارن [3] كما أن القانون المغربي لا يتضمن الا بعض المقتضيات المتعلقة بالاختصاص الدولي للمحاكم المغربية، وهذا ما حتم كما هو الأمر في الأنظمة الأخرى الرجوع بصفة عامة للقواعد الداخلية للاختصاص الإقليمي [4] للنظر في اختصاص المحاكم الوطنية بدعاوى الطلاق.

وبهذا نجد أن المادة 79 من قانون الأسرة المغربي تقضي أنه يجب على من يريد الطلاق أن يطلب الإذن من المحكمة بالأشهاد به لدى عدلين منتصبين لذلك بدائرة نفوذ المحكمة التي يوجد بها بيت الزوجية أو موطن الزوجة، أو محل إقامتها التي أبرم فيها عقد الزواج حسب الترتيب.

وبالرجوع إلى الفصل 212 من قانون المسطرة المدنية نجده ينص على أنه “يقدم وفقا للإجراءات العادية مقال التطليق إلى المحكمة الابتدائية التي يوجد بدائرة نفوذها بيت الزوجية أو موطن الزوجة أو التي أبرم بها عقد الزواج” [5]

مما يوضح أن المشرع المغربي قام بوضع ضوابط جديدة[6], لإسناد الاختصاص للقضاء الوطني في دعاوى الطلاق. وتتجلى هذه الضوابط في:

** بيت الزوجية : أو ما يمكن اعتباره بالموطن المشترك للزوجين وهو ضابط أساسي، ومعتمد في القانون الدولي الخاص المقارن.
فالقانون الإنجليزي ينص على اختصاص المحاكم الإنجليزية بدعوى التطليق متى كان موطن الزوجية في انجلترا، وقت رفع الدعوى كما يختص بها استثناء متى كان الزوج قد هجر زوجته أو ابعد عن انجلترا وقت رفع الدعوى بشرط أن يكون في هذه الحالة متوطنا في إنجلترا قبل الهجر أو الأبعاد[7].

واعتماد القانون المغربي للمسطرة المدنية على معيار الموطن المشترك لإسناد الاختصاص للمحاكم الوطنية، ينسجم مع ما سار به العمل في القانون الدولي الخاص المقارن و يأخذ بما نصت عليه المادة 5 من اتفاقية لاهاي الخاصة بالتطليق [8] التي تقضي بأن يرفع دعوى التطليق أو الانفصال لدى القضاء المختص وفقا للقانون الوطني للزوجين أو لدى القضاء المختص في المكان الذي اتخذ فيه الزوجان موطنهما, وإذا لم يكن لهما موطن وفقا لقانونهما الوطني, ترفع الدعوى لدى محكمة موطن المدعى عليه، وفي حالة الهجر أو تغيير الموطن بعد قيام سبب التطليق أو الانفصال يمكن رفع الدعوى لدى قضاء آخر موطن مشترك للزوجين”.

** موطن الزوجة وقت رفع الدعوى سواء كانت متوطنة في المغرب من الأصل قبل رفع الدعوى أو أنها كانت مقيمة في الخارج ثم عادت للإقامة في المغرب وقت رفعها، ويرجع إسناد الاختصاص وفقا لموطن الزوجة لاعتبارين التاليين:

-الاعتبارالأول : كون القانون الواجب التطبيق في الدعوى هو القانون الوطني وإن كان المشرع المغربي لم ينص على الجنسية كعنصر للخضوع للقضاء المغربي في إطار الاختصاص القضائي الدولي [9] فإذا كانت الزوجة تحمل الجنسية المغربية فالأولى لها أن تتقاضى أمام القضاء الوطني المغربي.

-الاعتبارالثاني: أن عنصر الموطن، كضابط شخصي إقليمي لإسناد الاختصاص للمحاكم الوطنية، يوفر الرعاية للمدعية باعتبار أن توطن الزوجة في المغرب، يكون عنصرا هاما من عناصر الاختصاص القضائي الوطني والمقارن.

** الموطن الذي أبرم به عقد الزواج: إن إسناد الاختصاص للمحاكم المغربية لنظر في دعاوى الطلاق بناءا على محل إقامة التي ابرم فيها عقد الزواج دون التخصيص بأن يكون إبرام العقد ثم بالمغرب، يوضح لنا قبول المشرع المغربي فكرة إسناد الاختصاص لغير المحاكم الوطنية بالرغم أن أطراف العلاقة يحملون الجنسية المغربية, إذا تم الزواج وفق ما نصت عليه المادة 14 من قانون الأسرة المغربي، التي خولت للمغاربة إبرام عقود زواجهم وفقا للإجراءات الإدارية المحلية لبلد إقامتهم.

يتضح مما سبق أن إسناد الاختصاص القضائي الدولي لمحاكمنا بناءا على العناصر السابقة، قاعدة موضوعية ومنطقية من شأنها أن تساعد على الاعتراف بأحكامنا بالخارج، لأنها مكرسة في معظم الأنظمة القانونية الأجنبية.
فقد نصت المادة 570 من التقنين القضائي البلجيكي على أن القاضي الأجنبي لا يمكن أن يكون مختص فقط من خلال الجنسيةالمتقاضين.
كما أن القانون [10] الذي اعتمده مجلس الاتحاد الأوروبي والمسمى بقواعد بروكسيلII عدلت قاعدتين أساسيتين في القانون الدولي الخاص البلجيكي عند انحلال الرابطة الزوجية أو الانفصال بين الأزواج ويتعلق الأمر:
-بالاختصاص الدولي لقاضي الطلاق.
-والفعالية الأوروبية لقرارات الطلاق المتخذة من طرفها.
حيث نصت اتفاقية بروكسيل في المادة 2 على أن تنظيم الاختصاص لنظر في الدعوى يستند للضوابط التالية:
ضابط الجنسية, إذ يمكن للدول الأطراف إسناد الاختصاص لمحاكمها بناء على جنسية رعاياها، والموطن المشترك للزوجين أو الإقامة الاعتيادية في حالة توافر شروطها.

فالمبدأ انه في حالة عدم اتفاق الزوجين على المحكمة المختصة للنظر في طلب الطلاق, ووقوع النزاع حول المحكمة المختصة للنظر في انحلال الزواج أو بطلانه في بلجيكا فإن إسناد الاختصاص يكون فقط وفق هذه المعايير السابقة, والتي وضعت في نفس الدرجة، الاختصاص القضائي البلجيكي بناءا على الإقامة الاعتيادية أوآخر إقامة اعتيادية للزوجين،و الجنسية والموطن المشترك للزوجين.

وإن كانت قواعد بروكسيل لم تتعرض لحالات التنازع الإيجابي للجنسيات[11] فإن السؤال الذي يثار في هذا الصدد هو مسألة الإسناد الاتفاقي للاختصاص على الصعيد الدولي ما دمنا أمام حالة طلاق اتفاقي؟.
الطلاق الإتفاقي للمغاربة في المهجر وفق مدونة الأسرة
___________________________________________________
[1][1] – المقصود بالاختصاص القضائي الدولي للمحاكم المغربية:” بيان الحدود التي تباشر فيها الدولة سلطاتها القضائية بالمقابلة للحدود التي تباشر فيها الدول الأخرى سلطاتها القضائية. ولما كانت الدولة المغربية تباشر سلطاتها القضائية بواسطة محاكمها، كان معنى الاختصاص القضائي الدولي هو بيان الحدود التي تباشر فيها المحاكم المغربية وظيفة القضاء بالمقابلة للحدود التي تباشر فيها محاكم الدول الأجنبية هذه الوظيفة” أنظرفي هذا الصدد عبد الله عز الدين” القانون الدولي الخاص” مصر, دار النهضة العربية الطبعة السادسة الجزء الثاني.1969 ص667.
[2] – العياشي المسعودي محاولة تقييم قانون المسطرة المدنية الحالي من زاوية القانون الدولي الخاص مجلة القانون والاقتصاد عدد 6. 1990 ص 164.
[3] – لقد كانت هذه الفكرة محل انتقاد في البداية من طرف الفقهاء الفرنسيين وعلى رأسهم Bartinو Fraceslaris ، فبالنسبة لهؤلاء الفقهاء ليس من المنطقي القيام بحل مشكل الاختصاص الدولي للمحاكم بواسطة قواعد الاختصاص الإقليمي لأن الأول تحدده طبيعة النزاع في حين أن الثاني تتحكم فيه عناصر أخرى عارضة تتعلق بالمكان وبالوضعية الخاصة لأحد أطراف النزاع وبالتالي فإن الاختصاص الدولي هو في حقيقته اختصاص نوعي لا يمكن حكمه بقواعد الاختصاص الترابي؛ راجع في هذا الصدد العياشي المسعودي محاضرات في القانون الدولي الخاص. جامعة سيد محمد بن عبد الله فاس 1992 ص 165.
[4] -وهذا بالفعل ما سار عليه الاجتهاد القضائي الفرنسي والاجتهاد القضائي لعدد من الدول وهذا هو المنحى الذي ينهجه القضاء المغربي, ناصر متيوي المشكوري، مبادئ في القانون الدولي الخاص مكتبة المعارف الجامعية 2003. ص 34. 36
[5] – باب المساطر المتعلقة بالأحوال الشخصية في, الفرع السادس “التطليق” من القانون رقم 03 – 72 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 23 – 04 – 01 بتاريخ 12 من ذي الحجة 1424 (3 فبراير 2004) ج.ر عدد 5184 بتاريخ 05/02/2004 ص 453. ولقد صدر بالموازاة مع القانون رقم 03 – 70 المتعلق بمدونة الأسرة.
[6] – للإشارة إن هذه المقتضيات لم يتم التنصيص عليها في قانون المسطرة المدنية لسنة 1974 وإنما هي من المستجدات المسطرية التي رافقت تطبيق مدونة الأسرة بمقتضى قانون 03-72
[7] – عز الدين عبد الله، مرجع سابق ص 690.
[8] – المنعقدة في 12 يونيو سنة 1902.
[9] – إن المشرع المغربي لم يؤسس الاختصاص الدولي للمحاكم المغربية على الجنسية المغربية حتى في النزاعات بين المغاربة فليس من المقبول ألا يتقاضى المغربي أمام محاكمه الوطنية في الحالات التي لا يتوفر فيها لا على موطن ولا على محل إقامة بالمغرب ولا يكون فيها النزاع مرتبطا بالمغرب وكان على المشرع المغربي بعد التعديلات التي أدخلها على قانون المسطرة المدنية أن ينص صراحة على إمكانية وليس إلزامية اختصاص المحاكم المغربية بالنظر في الدعاوي المرفوعة ضد أو من طرف مغربي أينما كان موطنه وحتى في غياب عنصر ألارتباط ألموضعي. راجع في هذا الصدد العياشي المسعودي محاولة تقييم قانون المسطرة المدنية الحالي من زاوية القانون الدولي الخاص مجلة القانون والاقتصاد عدد 6. 1990 ص 194.