أثر امتناع الإدارة عن تقديم المستندات.

المحكمه الاداريه العليا
جلسة 24 من نوفمبر سنة 1991

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل – رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ إسماعيل عبد الحميد إبراهيم وعادل فرغلي وأحمد شمس الدين خفاجي وفريد نزيه تناغو – نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 1972 لسنة 33 القضائية

( أ ) دعوى – إثبات – عبء الإثبات – أثر امتناع الإدارة عن تقديم المستندات.
يقع عبء الإثبات على عاتق المدعي – لا يؤخذ بهذه القاعدة على إطلاقها في مجال المنازعات الإدارية حيث تحتفظ الإدارة بجميع الوثائق والملفات المتعلقة بالمنازعة – أثر ذلك: أنه يتعين على جهة الإدارة تقديم الأوراق والمستندات اللازمة للفصل في الدعوى – نكول الإدارة عن ذلك يقيم قرينة لصالح المدعي بصحة ادعائه وسلامة ما قدمه من أدلة – تسقط هذه القرينة في حالة ثبوت التواطؤ والغش مع عمال الإدارة – تطبيق.
(ب) دعوى – أدلة الإثبات – ندب خبير في الدعوى.
الاستعانة بأهل الخبرة من الأمور المتروكة للسلطة التقديرية للمحكمة – لا تثريب على المحكمة إن هي رفضت طلب إحالة الدعوى إلى خبير بعد أن تبين لها أن الطلب قدم من خصم امتنع عن تنفيذ قراراتها رغبة في تعطيل الفصل في الدعوى رغم ثبوت الحق المدعى به – تطبيق.[(1)]

إجراءات الطعن

في يوم الإثنين الموافق 27/ 4/ 1987 أودعت هيئة قضايا الدولة نيابة عن الطاعنين قلم كتاب المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 1972 لسنة 33 ق في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري “دائرة منازعات الأفراد والهيئات بجلسة 26/ 2/ 1987 في الدعوى رقم 78/ 36 ق والقاض بإلغاء القرار المطعون فيه وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وطلب الطاعنان في ختام تقرير الطعن وللأسباب الواردة به الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى مع إلزام المطعون ضده المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي.
وقدم الأستاذ المستشار/ مصطفى عبد المنعم مفوض الدولة تقريراً بالرأي القانوني ارتأى فيه الحكم بقبول الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 1/ 10/ 1990 حيث نظر بالجلسة المذكورة والجلسات التالية حتى تقرر إحالته بجلسة 1/ 7/ 1991 إلى هذه المحكمة “حيث تم تداول الطعن أمامها ومناقشة أدلته – التفصيلية على النحو المبين بمحاضر الجلسات حتى تقرر حجزه للنطق بالحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة، وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة الراهنة تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 78 لسنة 36 ق بتاريخ 15/ 10/ 1981 أمام محكمة القضاء الإداري طالباً الحكم بقبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من مجلس مدينة شبرا الخيمة برفض طلب الترخيص رقم 24 لسنة 1980 مع إلزام المدعى عليهما المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وذلك تأسيساً على أنه، تقدم إلى الإدارة الهندسية بمجلس مدينة شبرا الخيمة طالباً الترخيص بالتعلية فوق المباني السابق إقامتها بملكه رقم 21 طريق الإسكندرية الزراعي وقيد الطلب برقم 24/ 10/ 1980 وتم إخطاره من قبل مجلس المدينة بالكتاب رقم 5372 في 8/ 4/ 1980 بدفع مقابل التحسين المستحق على عقاره الجاري تعليته وقام بدفع مقابل التحسين المطلوب بتاريخ 12/ 7/ 1980 بقسيمة السداد رقم 265424 غير أنه فوجئ بعد تسعة أشهر بخطاب مجلس المدينة رقم 2088 في 21/ 4/ 1981 يخطره فيه برفض طلب الترخيص بناء على رأي الشئون القانونية بالمجلس وتم له التظلم من هذا القرار إلى لجنة التظلمات التي لم تجبه بالقبول أو الرفض.
واستطرد المطعون ضده قائلاً أن القرار المطعون فيه قد صدر مخالفاً للقانون والإجراءات حيث اعتبرت المادة السادسة من القانون أن مرور ستين يوماً على تقديم طلب الترخيص دون صدور قرار من الجهة الإدارية المختصة بالرفض يعد بمثابة موافقة على طلب الترخيص، ومن ثم فما دام المطعون ضده المدعي قد قدم الطلب مستوفياً ودفع مقابل التحسين المطلوب وانقضت المدد الواردة في القانون فقد أصبح ممنوحاً الترخيص بقوة القانون ويكون القرار الصادر بالرفض صادراً ممن لا يملكه ومشوباً بعيب انعدام السلطة، كما أن إخطار المدعي لم يتضمن تسبيباً للقرار الأمر الذي يجعله غير قائم على سبب يبره قانوناً.

وبجلسة 26/ 2/ 1987 قضت محكمة أول درجة بإلغاء القرار المطعون فيه وألزمت الجهة الإدارية المصروفات وشيدت قضاؤها على أن جهة الإدارة تلتزم بتقديم سائر الأوراق والمستندات المتعلقة بموضوع النزاع والمنتجة في إثباته إيجاباً أو نفياً عما طلب منها، فإذا تنكلت الحكومة عن تقديم الأوراق المتعلقة بموضوع النزاع فإن ذلك يقيم قرينة لصالح المدعي تلقى عبء الإثبات على عاتق الحكومة، وإذ امتنعت الحكومة عن تقديم المستندات والأوراق التي استندت إليها في إصدار قرارها رغم تكرار مطالبتها سواء في مرحلة التحضير أو أمام المحكمة، الأمر الذي يؤيد دعوى الطاعن والتي لم تنفيها جهة الإدارة أو بتقديم أي دليل ينقضها، فإن القرار المطعون فيه يكون قد صدر على غير أسباب سليمة منتجة واقعاً وقانوناً مما يتعين معه الحكم بإلغائه.

ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل أن الحكم الطعين قد أخطأ في تطبيق القانون للأسباب الآتية أولاً: أن ثمة قصوراً واضحاً في التسبيب وذلك لأن المستندات المقدمة من المطعون ضده في الدعوى لا تكفي لإلغاء القرار ولم يظهر الحكم في أسبابه كيفية انتهائه إلى عدم أحقية الجهة الإدارية في رفض طلب الترخيص وكان الواجب على المحكمة أن تحيل الأمر إلى خبير للتعرف على مدى سلامة القرار من الناحية الفنية والواقعية.

ثانياً: أن الجهة الإدارية كانت بسبيلها لتقديم مستندات قاطعة في الدعوى تفيد تنازل المطعون ضده عن طلب الترخيص بعد رفع الدعوى إلا أن المحكمة لم تفسح للجهة الإدارة الوقت الكافي لتقديم المستندات.

ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أنه ولئن كان عبء الإثبات على عاتق المدعي استناداً إلى القاعدة الأصولية أن البينة على من أدعى، إلا أن الأخذ بهذا الأصل على إطلاقه في مجال المنازعات الإدارية لا يستقيم مع واقع الحال وطبيعة النظام الإداري الذي يقوم على مبدأ التنظيم اللائحي المسبق لإجراءات وخطوات أداء العمل الإداري وتوزيع الاختصاص بين العاملين في إنجاز مهامه بصورة محددة وضرورة تنظيم حفظ الوثائق والمستندات المتعلقة به للرجوع إليها سواء لضمان حقوق المواطنين والإدارة أو لتحديد المسئولية ومن ثم تحتفظ الإدارة طبقاً لمقتضيات النظام العام الإداري بجميع الوثائق والملفات المتعلقة بالأعمال التي تقوم بها أو بصور رسمية فيها وهي الأوراق ذات الأثر الجسيم في المنازعة الإدارية.

ومن حيث إنه بناء على ما أورده الدستور من خضوع الدولة للقانون وعدم تحصن أي عمل أو إجراء يصدر عن الجهات الإدارية من حصانة القضاء ومسئولية السلطة القضائية وبصفة خاصة مجلس الدولة عن تحقيق سيادة القانون ومباشرة الرقابة على مشروعية تصرفات وقرارات الجهات الإدارية فإنه يتعين على هذه الجهات الإدارية نزولاً على سيادة القانون ولعدم تعويق العدالة أن تقدم لمحاكم مجلس الدولة……. سائر الأوراق والمستندات المتعلقة بموضوع النزاع والمنتجة في إظهار وجه الحق فيه إثباتاً أو نفياً متى طلب إليها ذلك، فإذا تنكلت تلك الجهة عن تقديم الأوراق المتعلقة بموضوع النزاع وكان المدعي يعتمد في تعييب قرارها على ما تضمنته المستندات التي تحتفظ بها وامتنعت عن تقديمها انزاحت قرينة الصحة التي تتمتع بها القرارات الإدارية، وقامت لصالح المدعي قرينة جديدة على صحة ما أقامه أمام القضاء من ادعاءات وسلامة ما قدمه من مستندات، وألقت عبء الإثبات من جديد على عاتق الإدارة.

وإذا كانت….. هذه القاعدة العادلة تنبثق من أصل دستوري عام هو إزالة كافة العوائق التي تواجه المواطن في سبيل لجوئه إلى قاضيه الطبيعي للانتصاف هو الحق الذي كفله الدستور وأكدته القوانين التي أتاحت أحكامها للقاضي وسائل ممارسته لوظيفته الطبيعية في تحقيق العدالة بتهيئة كافة السبل لاستيفاء الأوراق والمستندات المعينة على معرفة الحقيقة وحسم النزاع، فإن هذه القاعدة تجد حدها الطبيعي في ألا تستغل من جانب الأفراد أو عمال الإدارة لطمس الحقيقة وإخفائها وتضليل العدالة لتحقيق مصلحة خاصة على حساب الحق والعدل والصالح العام، ومقتضى ذلك أن القرينة التي قامت لصالح الأفراد بسبب الإدارة أو تقاعسها عن الرد أو تقديم المستندات تسقط – في مجال الإثبات إذ وقع من جانبهم إهمال أو غش أو تواطؤ مع عمال الإدارة لتحقيق هذه الغاية على حساب المصلحة العامة أو إذا كان الاعتداد بهذه القرينة من شأنه تهديد سير وانتظام مرفق عام أو تعرض الأمن العام أو المصلحة العامة أو السكينة العامة للخطر أو انهيار آخر للمقومات الأساسية للمجتمع مثل القيم الاجتماعية والأخلاقية للمجتمع، وعلى المحكمة أن تكتشف من سير الدعوى قيام أي من هذه الاعتبارات أو انتفائه حتى تستقيم القاعدة ولا تستغل هذه القرينة التي تقضيها العدالة – لتحقيق مآرب شخصية بتضليل العدالة وللامتناع عن تقديم المستندات المعينة على استجلاء الحقيقة فإذا ما تأكد للمحكمة – من واقع الحال – أن العاملين بالجهة الإدارية قد امتنعوا عمداً عن تقديم ما لديها من مستندات كلفت بتقديمها لفترة طويلة، وأن المدعي قد قدم بحسن نية كل ما لديه من أوراق ومستندات تؤيد ادعاءاته،

ولم يثبت لديها وقوع غش أو تواطؤ بين المدعي وعمال الإدارة لتضليل المحكمة أو إبعادها عما في طلبات المدعي من تهديد للصالح العام وتابعت بصبر لفترة معقولة تكليف الإدارة بإيداع المستندات اللازمة للفصل في الدعوى واستنفذت وسائل إجبارها على تقديمها، فلا تثريب عليها إن هي اقتنعت بأن نكول الإدارة عن تقديم الأوراق المطلوبة دليل على صحة ادعاءات الطرف الآخر وسلامة موقفه في الدعوى، ولا سبيل لدحض سلامة هذه الأسس بالقول بإحالة الدعوى إلى خبير في حالة امتناع الإدارة عن تقديم المستندات المطلوبة، ذلك أن الاستعانة بأهل الخبرة وإن أجازة القانون للمحكمة عند الاقتضاء فإنه أمر متروك لمطلق تقدير المحكمة لأدلة الدعوى ووزنها في مجال إثبات الحق أو استجلاء الحقيقة لتؤدي رسالتها في إحقاق الحق وإقامة العدل وحسم الأنزعه في أقرب وقت مستطاع، ومن ثم فلا تثريب عليها إن هي رأت في حدود سلطتها عدم جدوى اللجؤ إلى أهل الخبرة في تحصيل الحق الثابت في الموضوع والذي لم تجحده الإدارة، فضلاً عن أن إحالة الدعوى إلى الخبير لا يسوغ اللجؤ إليه لتحقيق أهداف ولصالح الخصم الممتنع عن تنفيذ قرارات المحكمة في تعطيل الفصل في الدعوى ومكافأته على امتناعه وإعناتاً للطرف الآخر في سبيل اقتضائه لحق التقاضي وهو متنزه عنه القضاء القائم على الحياد والموضوعية والنزاهة والعدل.

فإذا كان الثابت من الأوراق أن الجهة الإدارية قد امتنعت عن تقديم أسباب رفضها لطلب الترخيص المقدم من المدعي “المطعون ضده أو ملف الترخيص الذي تحتفظ به تحت يدها يعتبر مبرر معقول رغم تكرار مطالبتها بها على الوجه المبين بمحاضر الجلسات التي عقدتها هيئة مفوضي الدولة لتحضير الدعوى أو التي عقدتها المحكمة للفصل فيها قرابة أربع سنوات من تاريخ رفع الدعوى استنفذت خلالها المحكمة كل وسائلها القانونية في سبيل إجبار الإدارة على تنفيذ ما كلفت به فإن المحكمة تكون قد أصابت الحق إن هي استخلصت من ذلك دليلاً على سلامة ادعاء المطعون ضده في تعيب القرار المطعون واعتبرته غير قائم على سببه وانتهت إلى إلغائه.

ومن حيث إنه لا ينال من سلامة هذا النظر ما قدمته الجهة الطاعنة من أوراق تحصلت في مستند واحد اعتبرته قاطعاً في الطعن لتضمنه تأشيرة من المطعون ضده على الطلب المقدم منه بالترخيص له بتعلية عقاره، ذلك أنه فضلاً عن أن المستند المقدم منها هو عبارة عن صورة فوتوغرافية لم يقدم أصلها للمحكمة، فإنه يبين من مطالعة الأوراق في الظروف والملابسات الدالة على مخالفة الإدارة لروح التشريع، إن المستند المدعى به لا يوفر لدى المحكمة الاقتناع الكامل بسلامة صدوره من المطعون ضده عن إرادة حرة واعية، ذلك أنه ولئن كانت الجهة الطاعنة تعتمد في طعنها المقام في 27/ 4/ 1987 على التنازل المدعي بوقوعه من المطعون ضده في 18/ 10/ 1981 أي بعد رفع دعواه بثلاثة أيام فقط فإنها،

كما امتنعت عن تقديمه أثناء نظر الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري – امتنعت عن تقديمه برفقة تقرير الطعن أو أثناء نظر الجلسات ولم تقدمه إلا في 1/ 10/ 1990 على ما هو ثابت بمحاضر الجلسات أي بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات ونصف من تاريخ رفعها للطعن الذي يقوم أساساً كما ادعت على المستند المذكور، كما أن الثابت من الأوراق أن المطعون ضده بعد أن تقدم بطلب الترخيص رقم 124/ 1980 ببناء أربعة أدوار علوية واستوفى جميع الإجراءات ومضت المدد القانونية اللازمة لاعتبار الترخيص ممنوحاً أرسلت الإدارة الهندسية بمجلس مدينة شبرا الخيمة خطاباً إلى المطعون ضده في 21/ 4/ 1981تفيده فيه بأن طلبه قد رفض بناء على رأي إدارة الشئون القانونية وتحذره فيه من إقامة البنى المرخص به، وفي 8/ 6/ 1981 أرسلت له خطاباً آخر، وتفيده فيه أن رئيس المدينة قد وافق على إقامة مبنى من دور واحد في جزء من طول المبنى الحالي دون الجزء الآخر وطلبت منه إرسال رسومات هندسية معدلة للجزء الذي تمت الموافقة عليه، وبتأشيرة مؤرخه 18/ 10/ 1981 وبتوقيع منسوب صدوره إلى المطعون ضده تأشر على هامش طلب الترخيص رقم 124/ 1980 السابق تقديمه منه بعبارات تنازلت عن الترخيص رقم 24/ 1980 وذلك لتأجيل عملية البناء حالياً..” وإذا كان السبب الذي تم التنازل من أجله وهو تأجيل عملية البناء يتنافى مع حقيقة عقد الاتفاق المبرم بين المطعون ضده في 31/ 7/ 1980 ويتعهد فيه المطعون ضده ببناء دور أول فوق الأرضي “محل الترخيص” ليكون مقراً للبنك الأهلي فإذا تأخر الطرف الثاني المطعون ضده “عن البناء التزم بدفع عشرة جنيهات عن كل يوم من أيام التأخير الفعلي..”

يتأكد لدى المحكمة الاقتناع بأن التنازل المقدم من المطعون ضده قد صدر تحت تأثير الإكراه الذي استغلت فيه الإدارة حاجته إلى بناء الدول الأول المشار إليه للوفاء بالتزامه قبل البنك خشية وقوعه تحت طائلة الغرامات الجزائية التي تعهد بدفعها عن كل يوم تأخير عن بناء الدور الأول الخاص بالبنك في جزء من مساحة الأرض تفادياً للخسارة الفادحة التي سوف تتهدده في حالة منع الإدارة له بطريق التنفيذ المباشر وبالقوة من البناء مقابل تنازله عن الترخيص الذي أصبح ممنوحاً له بقوة القانون باستيفاء شروطه وفوات المدة المقررة قانوناً من تاريخ تقديمه دون اعتراض من الجهة الإدارة المختصة، مما يتظاهر على أن التنازل المذكور قد صدر عن إرادة معينة فاسدة لما شابها من إكراه يترأ بتحذيره من اتخاذ كافة الوسائل لمنعه من البناء وانتهاء بالموافقة له على البناء على جزء من مساحة العقار في حدود دور واحد فقط هو الدور المخصص في عقد الاتفاق ليكون مقراً للبنك الأهلي، وهو أمر لم يكن المطعون ضده في حاجة إليه أصلاً، ما دام قد حصل بقوة القانون على ترخيص ببناء أربعة أدوار علوية على كامل ملكه،

لولا تدخل الإدارة بوسائل غير مشروعية لمنعه من البناء بمراعاة خشيته وخوفه من عدم تمكينه من الوفاء لالتزاماته قبل البنك على النحو سالف البيان، كما أن المطعون ضده لم يكن بحاجة في الظروف الطبيعية إلى التنازل المكتوب عن ترخيص حصل عليه بالفعل بحجة تأجيل البناء إذ كان يكفيه أن يمتنع بالفعل عن البناء المدة المحددة قانوناً لاعتبار الترخيص كأن لم يكن، ولو أصر المطعون ضده على أن يكون التنازل إيجابياً لأرسله في خطاب مستقل إلى الإدارة الهندسية دون حاجة إلى الانتقال إلى مقرها الذي يوجد به ملف الترخيص ليؤشر على هامشه بما يفيد التنازل، الأمر الذي يؤكد أنه استدعى للإدارة المذكورة لاستكتابه التنازل المذكور كرهاً عنه مما ترى معه المحكمة طرح هذا التنازل لصدوره عن إرادة معيبة وإلغاء كافة الآثار المترتبة عليه مما يجعل الطعن على الحكم الطعين غير قائم على أساس سليم من القانون خليقاً بالرفض.
ومن حيث إن الحكومة وقد أصابها الخسر في طعنها تلزم بمصروفاته عملاً بنص المادة 184 مرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً وألزمت الجهة الإدارية بالمصروفات.