بحث قانوني و درسة عن بيان مدى انسجام الحكم بالإحالة لعدم الاختصاص في القانون الاردني

سلطة القاضي الأردني في الحكم بالإحالة لعدم الاختصاص
تاريخ تسلم البحث: 3/4/2006م تاريخ قبوله للنشر: 19/2/2007م
عـادل اللـوزي*

* أستاذ مساعد، قسم القانون، كلية القانون، جامعة اليرموك.

المقدمـة:

بيَّن قانون أصول المحاكمات المدنية الأردني الأحكام الناظمة لعمل السلطة القضائية، ونصيب كلّ محكمة من المحاكم من النزاعات التي تعرض على القضاء، من خلال ما يسمى الاختصاص. والاختصاص لغةً: التفضيل والانفراد( )، واصطلاحاً: السلطة التي خوّلها القانون لمحكمة ما، للفصل في نزاع ما( )، ويعرف أنه نصيب المحكمة من المنازعات المعروضة علـى القضـاء( )، ورغم أن المشرِّع الأردني يسعى-على الدوام- إلى إيراد النصوص القانونية المرعية التطبيق على الإجراء، لطلب الحماية القضائية للحق الموضوعي، ووضع الضوابط التي تنظم الإجراء القضائي، وهنا الاختصاص، وفق الشكلية التي تطلبها القانون( )، إلا أن تلك القواعد والضوابط القانونية، بشأن الاختصاص، يطرأ عليها -في كثير من الأحيان– عـوارض، من خلال التطبيق العملي، نظراً لتعقد تلك الإجراءات والقواعد والضوابط المتعلقة بالاختصاص، إضافة إلى عدم المعرفة التامة بها من قبل الخصوم– تعمّداً أو خطأ– بتوجيه الطلب إلى المحكمة التي ذهبت إرادة المشرِّع لاختصاصها في نظر النزاع، سواء من ناحية الاختصاص الدولي، أو الولائيّ، أو النوعيّ، أو القيميّ.

ولما كان على الخصوم، والقاضي، الالتزام بالقواعد التي نظامها المشرِّع، لطلب الحماية القضائية من المحكمة المختصة، فإنّ الخروج على تلك القواعد يوقع معه الجزاء الذي فرضه المشرِّع، وهو عدم الاختصاص، بغية تصحيح الإجراء وتحققه وفق إرادة المشرِّع الإجرائي، وحيث إن الحكم بعدم الاختصاص في ذاته، يرتب على الأطراف، وجوب اللجوء إلى المحكمة المختصة لطلب الحماية القانونيـة- بما في ذلك من زيادة في النفقات والوقت، والسير في إجراءات الخصومة المنتهية لعدم الاختصاص، من البداية- فقد أدخل المشرِّع الأردني نظام الإحالة في قانون أصول المحاكمات المدنية، بموجب التعديل رقم (14) لسنة 2001م( )، والذي يهدف إلى إحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة من قبل المحكمة القاضية بعدم الاختصاص، فالإحالة لعدم الاختصاص تعني نقل الدعوى من المحكمة غير المختصة إلى المحكمة المختصة( )، حيث نصّت المادة (12) من قانون أصول المحاكمات المدنية بصيغته المعدلة لعام 2001 على أن: “إذا قضت المحكمة بعدم اختصاصها ، وجب عليها إحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة”.

ولنظام الإحالة في الدول المقارنة التي أخذت به -كالتشريع المصريّ( )، والتشريـع الفرنسـي( )- العديد من الفوائد العمليّة، تتمثل في توفير الوقت والنفقات على المتخاصمين، في حال الحكم بعدم الاختصـاص، إذ لا يحتاج المدّعي، ونظام الإحالة، إلى رفع دعوى جديدة أمام المحكمة المختصة، ودفع الرسوم القانونية عليها من جديد، لإحالتها إليها من المحكمة القاضية بعدم اختصاصها، إضافة إلى أن الإجراءات التي تمّت أمام المحكمة غير المختصة تُعدُّ صحيحة من جميع الوجوه القانونية.
إلا أن الأخذ بنظام الإحالة في حال حكم المحكمة بعدم الاختصاص يتطلب انسجام الإجراءات القانونية المرعية التطبيق بين المحاكم، للحصول على الحماية القضائية، وهذا ما يتحقق في ظل وحدة النظام القضائي، ووحدة الإجراءات المتبعة أمام المحاكم على مختلف درجاتها، وهذا ما يتحقق في بعض القوانين المقارنة، كالقانون المصري( )، إلا أن الأمر على خلاف ذلك في النظام القانوني الأردني، ومن هنا تبدو أهمية هذه الدراسة؛ إذ جاء التنظيم القانوني لعمل المحاكم متنوعاً بعدد تنّوع المحاكم، فينظم عمل محاكم الصلح قانون محاكم الصلح رقم (15) لسنة 1952م وتعديلاته( )، في حين ينظم عمل المحاكم الشرعية قانون أصول المحاكمات الشرعية رقم (31) لسنة 1959م وتعديلاته( )، في حين تنظم المحاكم الخاصة بموجب النصوص الواردة في القوانين التي تتعلق بعملها( ). فيثار التساؤل في ظل النص العام للمادة (112) والوارد في قانون أصول المحاكمات المدنية بتعديله عام 2001م حول مدى إمكانية تطبيق نظام الإحالة أمام المحاكم الأردنية، رغم اختلاف أنظمتها الإجرائية، عند الحكم بعدم الاختصاص لأي من تلك المحاكم، سواء الاختصاص الدولي منها أو الولائي، أو القيمي، أو النوعي، أو المكاني؟ وما هي الإشكالات التي تعتري تطبيق نظام الإحالة في ظل اختلاف القوانين الإجرائية المنظمة لعمل المحاكم على مختلف أنواعها؟

مشكلة الدراسة:

الغرض من هذه الدراسة هو بيان مدى انسجام الحكم بالإحالة لعدم الاختصاص الذي أخذ به المشرِّع الأردني في قانون أصول المحاكمات المدنية مع النصوص القانونية التي تنظم عمل المحاكم على مختلف أنواعها، في ظل اختلاف النظم الإجرائية التي توفر الحماية القضائية للحق الموضوعي، وبيان الإشكالات القانونية التي تعترض تنظيم الأخذ بالإحالة لعدم الاختصاص في المحاكم الأردنية، ومحاولة وضع أو اقتراح الحلول الملائمة لها.

منهج الدارسة:

يتبع الباحث في هذه الدارسة المنهج الوصفي التحليلي عند معالجة هذا البحث، الوصفي: في بيان المعالجة التشريعية للإحالة لعدم الاختصاص في القانون الأردني، والتحليلي: في تحليل النصوص القانونية وبيان انسجامها مع النظام القضائي الأردني، في ظل التطبيق العملي لنظام الإحالة لعدم الاختصاص من قبل القاضي الأردني.
وفي ضوء ذلك، يتناول هذا البحث، من خلال، بيان الإحالة لعدم الاختصاص بين المحاكم النظامية، وبيان الإحالة لعدم الاختصاص الولائي وآثار الحكم بالإحالة. وعليه، نقسم البحث إلى مبحثين:
المبحث الأول: إحالة الدعوى لعدم الاختصاص بين المحاكم النظامية.
المبحث الثاني: إحالة الدعوى لعدم الاختصاص الولائي وآثار الحكم بالإحالة.

المبحث الأول إحالة الدعوى لعدم الاختصاص بين المحاكم النظامية

حدَّد قانون تشكيل المحاكم النظامية الأردني رقم (17) لسنة 2001م( ) أنواع المحاكم النظامية في المملكة الأردنية الهاشمية، وحصرها في محاكم، الصلح، والبداية، والاستئناف، والتمييز، وحدّد تشكيلهـا، في حين حدَّد قانون محاكم الصلح اختصاص المحاكم الصلحية قيميـاً، ونوعياً، وفي الوقت ذاته حدَّد قانون أصول المحاكمات المدنية اختصاصات محكمة البداية بصفتها صاحبة الولاية العامة في أن تختص بكل ما يخرج عن اختصاص المحاكم الأخـرى( )، بالإضافة لاختصاصها النوعي، وفقاً لبعض النصوص الواردة في بعض القوانين، كاختصاصها بدعاوى الإفلاس( )، أو الشفعة، والأولويـة( )، كما حدد – قانون أصول المحاكمات المدنية- الاختصاص النوعي والقيمي لمحاكم الاستئناف، ومحكمة التمييز( ).
وحيث إنّ مشكلة الإحالة لا تقوم في نطاق محاكم الاستئناف في ظل تعديل المادة (180) بموجب القانون المعدل لقانون أصول المحاكمات المدنية رقم (14) لسنة 2001، والتي أوجبت تقديم اللائحة الاستئنافية إلى المحكمة المراد استئناف حكمها، لترفع بدورها ملف الدعوى إلى المحكمة الاستئنافية التي تتبع اختصاصها-فلم يعد بإمكان المستأنف أن يوّجه استئنافه مباشرة إلى محكمة الاستئناف، الأمر الذي لا يمكن معه الوقوع في خطأ في قواعد الاختصاص لمحكمة الاستئناف، بأن يلجأ المستأنف إلى محكمة استئناف لا تختص بنظر الحكم المستأنف، أما في حال أن قضت محكمة الاستئناف بعدم اختصاص محكمة الدرجة الأولى، التي أصدرت الحكم، فإنها تحكم بعدم اختصاص محكمة الدرجة الأولى، وتعيد الدعوى إلى محكمة الدرجة الأولى للحكم بعدم اختصاصها، وإحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة، حيث قررت محكمة التمييز بهذا الشأن: “في حال توصل محكمة البداية إلى الفصل في الدعوى، بينما هي غير مختصة مكانياً للفصل فيها تبعاً لموقع العقار موضوع الدعوى، فيتوجب في هذه الحالة فسخ الحكم المستأنف، وإعادة الأوراق على ذات المحكمة المصدرة للقرار، لتقوم تلك المحكمة بإحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة، عملاً بأحكام المادة (112) من قانون أصول المحاكمات المدنية”( )، وهذا، لا يشكل خطأ في اختصاص محكمة الاستئناف، بل في اختصاص محكمة الدرجة الأولى، الذي يوجب الإحالة إلى محكمة الدرجة الأولى المختصة بنظر النـزاع.
كما إن تطبيق نظام الإحالة لعدم الاختصاص، لا يمكن تصّوره في نطاق محكمة التمييـز، إذ إنها المحكمة الوحيدة في المملكة، فلا تتنازع الاختصاص مع جهات أخرى، وإن قضت بعدم اختصاص محكمة الاستئناف، أو محكمة الدرجة الأولى، فإنها تنقض الحكم، وتعيد الدعوى إلى المحكمة مصدرة الحكم، لغايات الحكم بعدم الاختصاص، وإحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة .
فالإحالة متصورة داخل المحاكم النظامية، في محكمتي البداية والصلـح، وعليـه سنتناول هذا المبحث، من خلال بيان إحالة الدعوى لعدم الاختصاص المكاني في مطلـب أول، وإحالة الدعوى لعدم الاختصاص القيمي والنوعي في مطلب ثانٍ.

المطلب الأول: إحالة الدعوى لعدم الاختصاص المكاني:

لا يظهر نطاق الإحالة لعدم الاختصاص بين محاكم الصلح، وفقا لقاعدة التعدد الإقليمي لمحاكم الدرجة الأولى( )، إلا في حالة الحكم بعدم الاختصاص المكاني، حيث تختص محاكم الصلح في ذات الاختصاص النوعي والولائي، إذ لا يتصّور أن تحيل محكمة صلح شمال عمان إلى محكمة صلح غرب عمان، على أساس أنها تختص بنظر الدعوى نوعياً، فالمعيار الفارق في توزيع الاختصاص بين محاكم الصلـح، يكمن في الاختصاص المكاني دون غيره من أنواع الاختصاص .
وحيث إن الاختصاص المكاني للمحاكم لا يتعلق بالنظام العام، ولا تثيره المحكمة من تلقاء نفسها، وإنما يجب التمسك بعدم اختصاصها من قبل المدعى عليه الدخول في أساس الدعوى( )، وإلا سقط الحق فيه، فتبحث المحكمة – إذا قدم المدّعى عليه دفعاً بعد الاختصاص المكاني– مسألة اختصاصها المكاني، وإذا قررت عدم الاختصاص، وجب عليها، إعمالاً لنص المادة (112) من قانون أصول المحاكمات المدنية أن تحيل الدعوى إلى المحكمة المختصة مكانياً بنظرها. ويذهب جانب من الفقه( ) -على خلاف المستقرّ عليه، فقهاً وقضاءً، بأن عدم الاختصاص المكاني لا يتعلق بالنظام العام، ولا تملك المحكمة الفصل به من تلقاء نفسها– إلى جواز أن تقضي المحكمة من تلقاء نفسها بعدم الاختصاص المكانـي، وبالتالي الإحالة، تأسيساً على أن تنظيم العمل بين المحاكم بما فيه الاختصاص المكاني أمر يتصل بالمصلحة العامة، لعدم تركيز الدعاوى أمام محكمة واحدة، الأمر الذي يُعدُّ معه القول بأن قواعد الاختصاص المتعلقة بالمكان لا تُعدُّ من النظام العام- قولاً أضعف من أن يعبر عن واقع الحال.
فتطبيق الإحالة لعدم الاختصاص من قبل قاضي الصلح، مقيّدة بطلب من المدّعى عليه، يدفع بموجبه بعدم اختصاص محكمة الصلح مكانياً، فإذا ما قضت بعدم الاختصاص، وجب عليها وفق المادة (112) أن تحيل الدعوى إلى محكمة الصلح المختصة بنظرها، ذلك أن القضاء الأردني، ممثل بمحكمة التمييز، مستقر على أن الاختصاص المكاني لا يتصل بالنظام العام وفقاً لنص المادة (110) من قانون أصول المحاكمات المدنية الاردني، فعدم إثارة الدفع بعدم الاختصاص المكاني قبل الدخول في الأساس يعدُّ نزولاً من صاحب المصلحة في التمسك به، فاذا تمسك به الخصم بعد ذلك فإنَّ المحكمة ترد الطلب لسقوط الحق في التمسك بالدفع لعدم الاختصاص المكاني، فيجب لإثارته تقديم دفع من المدعى عليه قبل الدخول بأساس الدعوى، يطلب فيه عدم اختصاص المحكمة بنظر النزاع مكانياً( ).
أما بالنسبة الى محاكم البداية فتتشكّل في المحافظات والألوية، أو أي مكان آخر بموجب نظام يحدد فيه اختصاصها المكاني( )، وتكون جميع محاكم البداية مختصةً نوعياً بذات الدعاوى، على خلاف الاختصاص المكانـي، فينحصر الاختصاص لكلّ محكمة بداية في إقليم معيّن، وفقا لنظام اختصاصها، والذي عادةً يحيل إلى نظام التقسيمات الإدارية بشأن المناطق التي تدخل باختصاص محكمة بداية ما( ).
فنطـاق تطبيق نظام الإحالـة لعدم الاختصاص بين محاكـم البداية –كما هو حال
محاكم الصلح– ينحصر في حال الحكم بعدم الاختصاص المكاني، دون النوعي أو القيمي، لوحدة هذين الاختصاصين بين محاكم البداية، فيلتزم قاضي البداية في حال الحكم بعدم الاختصاص المكاني بإحالة الدعوى إلى محكمة البداية المختصة مكانياً بنظرها، حتى وإن كان عدم الاختصاص في حال عدم الاختصاص التبعـي( )، فإذا كانت محكمة البداية مختصة أصلا بنظر الدعوى مكانياً، فإنها تبقى مختصة بالاختصاص التبعي -دون الحكم بعدم الإحالة بالمسألة التبعية- اختصاصاً وجوبياً كان أم جوازياً( )، فلا يتصور تطبيق نص المادة (112) من قانون أصول المحاكمات المدنية بين محاكم البداية، إلا إذا كان عدم الاختصاص متعلقاً بالمكان، وتمسك المدعى عليه بعدم الاختصاص، قبل الدخول بأساس الدعوى .

وبطبيعة الحال، فإنّ نصّ المادة (112) لا ينسحب عند تطبيقه، من محكمة البداية النظامية إلى المحاكم الخاصة التي منحها المشرِّع تسمية محاكم بداية، كمحكمة بداية الجمارك( )، ذلك أن هذه المحكمة تتبع ولاية قضاء آخر غير القضاء النظامي الذي تتبعه محاكم البداية النظامية، إذ لا مجال لإعمال الاختصاص المكاني بين محاكم البداية النظامية وتلك المحكمة، لاختلاف الاختصاص النوعي والولائي بينهما.
ونرى أن المشرِّع الاردني – في نطاق الاختصاص المكاني- خيراً فعل في هذا التوجه، ذلك أنّه وقبل إضافة المادة (112) الجديدة الى قانون أصول المحاكمات المدنية، كان على الطرف الذي ترد دعواه لعدم الاختصاص المكاني الرجوع من جديد الى رفع دعوى أمام المحكمة المختصة، وبإجراءات جديدة، في حين إنً الإحالة تعني صحة الإجراءات أمام المحكمة المحيلة، وتسير المحكمة المُحال اليها الدعوى من النقطة التي وصلت لها المحكمة المحِيلَة، بما في ذلك من تخفيف من غلو في الإجراءات واختصار للوقت، وتوفير للنفقات؛ إذ لا يتطلب دفع رسوم جديدة على الدعوى بعد إحالتها إلا إذا ترتب فرق على الرسم خلاف الوضع السابق قبل الأخذ بالإحالة.
فإذا تناول المطلب الاول الاختصاص المكاني، فما هو الحال بالنسبة إلى الاختصاص القيمي والنوعي؟ وهذا ما يتناوله المطلب الثاني من هذا المبحث.

المطلب الثاني: إحالة الدعوى لعدم الاختصاص القيمي والنوعي:

تفرض هذه الحالة رفع الدعوى أمام محكمة الصلح، في حين أنها من اختصاص محكمة البداية، نوعياً أو قيمياً، أو رفع الدعوى أمام محكمة البداية، في حين إنها من اختصاص محكمة الصلح، نوعياً أو قيمياً. فنطاق إعمال الإحالة، وفقاً لنص المادة
(112) من قانون أصول المحاكمات المدنية لا يتصور إلا في حالة الحكم بعدم الاختصاص النوعي، أو القيمي، قيمياً: بأن تختص محكمة الصلح بالدعاوى التي قيمتها ثلاثة آلاف دينار فأقل( )، بينما تختص محكمة البداية بما يزيد على ذلك المبلغ، بحكم اعتبارها صاحبة الولاية العامة في نظر الدعاوى، وفقا لنصّ المادة (30) من قانون أصول المحاكمات المدنية( )، ونوعياً: بأن تختص محكمة الصلـح، وفقا لنص المادة الثالثة من قانون محاكم الصلح بالدعوى المتقابلة مهما بلغ مقدارها، والمقدمة في الدعوى الأصلية التي تساوي أو تقلّ عن ثلاثة آلاف دينار، وما يتفرع عن الدعوى الأصلية من فائدة، أو عطل، أو ضرر، ومنافع، ومصاريف، شريطة أن تكون الدعوى الأصلية من اختصاص محكمة الصلح، ودعاوى حق المسيل، والشرب، والمرور، وإعادة اليد على العقار الذي نزع من واضع اليد دون التصدي للحكم بالعقار، وحجز المنافع الحاصلة من المتنازع عليه وقاية للضرر، ودعاوى قسمة الأموال المنقولة وغير المنقولة. في حين تختصّ محكمة البداية نوعياً بدعاوى الإفلاس، والصلح الواقي، والشفعة والأولوية، ودعاوى تنفيذ الأحكام الأجنبية( ).

فإذا ما رفعت دعوى أمام محكمة الصلح، وظهر عدم اختصاصها -نوعياً أو قيمياً- بنظر الدعوى لدخولها باختصاص محكمة البداية، فإنها ملزمة-بناء على طلب أحد الخصوم، أو من تلقاء نفسها لتعلق هذا الاختصاص بالنظام العام-أن تحكم بعدم اختصاصها، وتحيل الدعوى إلى محكمة البداية. وفي ذات الفرض المخالف، فإنّ محكمة البداية ملزمة بالحكم بعدم اختصاصها، وإحالة الدعوى إلى محكمة الصلح، إذا كانت الدعوى تدخل في اختصاص محكمة الصلح، نوعياً أو قيمياً، بناء على طلب الخصـوم، أو من تلقاء نفسها. فلا تمتد سلطة قاضي الصلح أو البداية إلى إعمال الإحالة بين محاكم البداية ومحاكم الصلح، إلا في حالة عدم الاختصاص القيمي أو النوعي، دون الاختصاص المكاني الذي يكون بين محكمتين من ذات النوع، ودون الولائي الذي يكون بين محاكم تتبع جهات قضاء مختلفـة، مع بيان أن المحكمة المختصة بنظر الدعوى هي من تملك النظر في الطلبات العارضة، أو المقابلة المتعلقة بالدعـوى، وان لم تدخل في اختصاصها النوعي أو القيمي، فإذا ما قضت بالحكم بعدم اختصاصها في الدعوى الأصلية يجب عليها إحالتها، فإنها تقضي بإحالة الطلب العارض، أو المقابل مع الدعوى الأصلية، لارتباط الطلبات الأصلية والعارضة، أو المقابلة( )، مع أن هنالك رأياً من الفقه يذهب إلى القول: إنه إذا كان من الممكن الفصل بين الطلبات العارضة والطلبات الأصلية، دون الإضرار بسير العدالة، فإنّ من واجب المحكمة أن تفصل في الطلب الأصلي الذي يدخل في اختصاصها، وأن تحكم بعدم الاختصاص بالطلب العارض وتحيله إلى المحكمة المختصة( )، وكذلك الأمر في مجال القضاء في الأمور المستعجلة، فإنّ القاضي يختصّ بشأن الأمور المستعجلة التي تتعلق بالدعاوى المنظورة أمامه، فإذا حكم بعدم اختصاصه بالدعوى الأصلية وأحالها للمحكمة المختصة، فإنه يصبح غير مختصّ بالأمور المستعجلة بالدعوى، وعليه إحالتها إلى المحكمة المختصة مع الدعوى الأصلية( ).
ويرى الباحث أنّ تطبيق نظام الإحالة لعدم الاختصاص بين محاكم البداية ومحاكم الصلح يثير العديد من الإشكالات القانونية، خاصة في اختلاف القواعد الإجرائية الواجبة التطبيق من ناحية، واختلاف الرسوم القانونية من ناحية أخرى، على النحو التالي:

أولاً: من ناحية اختلاف الإجراءات القانونية:

تختلف الإجراءات القانونية المرعية التطبيق للحصول على الحماية القضائية أمام محكمة الصلح عنها في محكمة البداية، في ظل قانون محاكم الصلح بالنسبة للمحاكم الصلحية، وقانون أصول المحاكمات المدنية بالنسبة لمحاكم البداية، فإن كانت الإحالة تفترض صحّة الإجراءات التي تمت أمام المحكمة غير المختصة بمواجهة المحكمة المحال لها الدعوى، إلا أن القواعد التي أرساها المشرِّع لتنظيم عمل المحاكم الصلحية والمحاكم البدائية مختلفة فيما بينها؛ إذ يتطلّب المشرِّع في قانون أصول المحاكمات المدنية تبادل اللوائح بين المدعي والمدعى عليه قبل الحضور أمام القاضي، من حيث تقديم المدعي للائحة دعواه مرفقاً بها قائمة بالبينات الخطية، والشخصية، والبينات المطلوبة من الغير، وحافظة للمستندات تتضمن البينات الخطية التي قدمها المدعي( )، وتبليغ اللائحة ومرفقاتها إلى المدعى عليه، والذي بدوره له تقديم اللائحة الجوابية على لائحة المدعي مرفقاً بها قائمة البينات وحافظة المستندات التي قدمها( )، ومن حق المدعي تقديم مذكرة على اللائحة الجوابية، والبينة الداحضة( ).
بينما الأمر يختلف في محاكم الصلح، فلم يتطلّب قانون محاكم الصلح تبادل اللوائح، كما هو الحال في محاكم البداية، فقد نصَّت المادة (7) من قانون محاكم الصلح على أن: ” تقيّد الدعوى عند تقديمها إلى قاضي الصلـح، وترسل صورة عن محضرها مربوطة بسند التبليغ يبّين فيها لزوم حضور المدعى عليه في اليوم المعين للمحاكمة، وتجري التبليغات وفقا للأصول المتبعة في قانون أصول المحاكمات المدنية للتبليغات”، فلا يلتزم المدعي والمدعى عليه، في القضايا الصلحية، في الإجراءات المتعلقة بتبادل اللوائح المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات المدنية، ويتم قيد الدعوى مباشرة لدى قاضي الصلح الذي يفتتح الجلسة، ويأمر بتبليغ لائحة الدعوى للمدعى عليـه، ويتم أثناء الجلسات إبراز البيّنات وتسمية الشهود.

وفق الاعتبار السالف الذكر، وعند تطبيق الإحالة لعدم الاختصاص من محاكم الصلح إلـى محاكم البداية، أو من محاكم البداية إلى محاكم الصلح، نظراً لعدم الاختصاص النوعي أو القيمي، فإنّ الإحالة تواجه العديد من الصعوبات، فعند إحالة الدعوى من محكمة البداية إلى محكمة الصلح، على سبيل الفرض، فإنّ الدعوى تكون قد خضعت لقواعد تبادل اللوائح المعمول بها أمام محكمة البداية، ذلك أن القاضي في محكمة البداية لا يفرض رقابته على اختصاص محكمة البداية، إلا بعد تبادل اللوائح بين الطرفين، على خلاف الأمر في دعاوى الصلح التي لا يتم فيها تبادل اللوائح، بل تقدم إلى قاضي الصلح مباشرة، ويفرض رقابته القضائية عليها فور تبليغ المدعى عليه لائحة الدعوى، مما يستتبع القول، إنّ المدعي والمدعّى عليه وقاضي الصلح قد حكموا بقواعد الإجراءات التي تخضع لها دعاوى البداية، رغم إحالتها من قبل محكمة البداية إلى محكمة الصلح لعدم الاختصاص، لالتزام محكمة الصلح والأطراف بما تمّ من إجراءات أمام محكمة البداية، وفق مفترض صحة الإجراءات التي تمت أمام المحكمة القاضية بعدم اختصاصهـا، مما ينتج عنه إمكانية تحايل المدعي على النصوص المتعلقة بالحماية الإجرائية في محاكم الصلـح، من خلال قيد الدعوى أمام محكمة البداية، وتبادل اللوائح فيها، رغم عدم اختصاصها واختصاص محكمة الصلح بها، في حين أن الحماية الإجرائية أمام محكمة الصلح مختلفة القواعد الإجرائية المتبعة لحماية الحق الموضوعي ولا تتطلب تبادل اللوائح، فيتم تبادل اللوائح أمام محكمة البداية رغم أن الدعوى من اختصاص المحاكم الصلحية، وقائمة البيّنات، وتقديم حافظة المستندات، وتقديم اللائحة الجوابية، وقائمة بيّناتها، وحافظة المستندات، ورغم معرفة المدعي المسبقة أن الدعوى من اختصاص محكمة الصلح، وعند فرض قاضي البداية رقابته على الاختصاص، فإنّه سيقرر عدم اختصاص محكمة البداية، ويحيلها إلى المحكمة المختصة -وهي هنا محكمة الصلح– فيكون المدعي، وفق هذا الإجراء، قد تحايل على قواعد الإجراءات المرعية أمام محكمة الصلح.

وفي الجهة المقابلة، إذا كانت محكمة البداية هي المختصة بنظر الدعوى، وتم قيدها أمام محكمة الصلح، الملزمة بالحكم بعدم الاختصاص، إما من تلقاء نفسها، أو بناء على طلب أحد الخصوم، لتعلق عدم الاختصاص بالنظام العام، فإن المدعي قد تحايل على قواعد تبادل اللوائح الواجبة الإتباع لدى محكمة البداية، على أساس من القول، إن محكمة الصلح لا تتبع ذات الإجراء عند قيد الدعوى الخاصة بالدعوى البداية، فيكون-والحالة هذه-المدعي قد تهرب من تطبيق النصوص المنظمة لتبادل اللوائح أمام محكمة البداية، لأنّ مقتضى تطبيق الإحالة يستدعي إحالتها إلى قاضي البداية ، وفق مفترض صحة الإجراءات التي تمت أمام محكمة الصلح، وتكون دعوى البداية قد تمت وفق الإجراءات الصلحية، ويكون المدعي قد تحايل على تطبيق نصوص المواد (56، 57، 58، 59) من قانون أصول المحاكمات المدنية، التي تتعلق بتبادل اللوائح بين المدعي والمدعى عليه خلال موعيد محددة، وتقديم البينات الخطية، وتسمية البينة الشخصية والبينة لدى الغير أو تحت يد الخصم في هذه المرحلة، إضافة إلى أن المدعي تحايل على المرور على إدارة الدعوى المدنية التي استحدثها المشرِّع – بتعديل قانون أصول المحاكمات المدنية رقم (20) لسنة 2005( )- في محكمة البداية، لغايات تطبيق النصوص المتعلقة بتبادل اللوائح، وحثّ الأطراف على محاولة تسوية النزاع بطريق ودّي أمام قاضي إدارة الدعوى المدنية أو الاحالة الى الوساطة، فإذا ما تمّ قيد الدعوى أمام محكمة الصلح، رغم عدم اختصاصها، فإن ذلك يؤدي -حتما عند إحالتها إلى محكمة البداية من محكمة الصلح لعدم الاختصاص- إلى الهروب من المرور على إدارة الدعوى المدنية، لأن الإحالة تقتضي إرسال الدعوى إلى قاضي البداية الذي ينظر الموضوع مباشرةً، باعتبار صحة الإجراءات التي تمت أمام محكمة الصلح، وهذا لا يستوي مع التطبيق المتعلق بالنصوص الإجرائية، التي تستلزم اتباع إجراء معين للحصول الحماية القانونية الإجرائية للحق الموضوع، وغاية المشرِّع من إيراد تبادل اللوائح في محكمة البداية، الذي يهدف إلى اختصار الإجراءات القضائية.
والإشكال السابق الذكر، لا يتصور إذا كانت القواعد الإجرائية واحدة بين محاكم البداية ومحاكم الصلح ، كما هو الحال في النظام القانوني المصري( )، إذ تتبع المحاكم الجزئية والبدائية، ذات الإجراءات القضائية، وفقا لوحدة الجهة القضائية، في ظل قانون واحد ينظم كافة الإجراءات الواجبة الاتباع للحصول على الحماية القضائية من المحاكم الجزئية أو من المحاكم البدائية، فإحالة الدعوى من المحكمة الجزئية إلى المحكمة الابتدائية، أو من المحكمة الابتدائية إلى المحكمة الجزئية، لا يثير الإشكال السابق الذكر في القانون الأردني لوحدة الإجراءات أمام المحكمتين.

فاختلاف النظام القانوني الذي يحكم الإجراءات بين محاكم الصلح ومحاكم البداية في الأردن، على خلاف القانون المصري، مثلاً، يؤدي إلى نتائج غاية في الخطورة؛ من ناحية إمكانية التحايل على قواعد الإجراءات من قبل المدعي أمام محاكم الصلح أو محاكم البداية، من خلال الأخذ بنظام الإحالة، رغم اتباع المحكمتين: الصلح والبداية، جهة القضاء النظامي، وذات الدرجة، الأمر الذي يتطلب من المشرِّع الأردني التدخل بتعديل النصوص القانونية المنظمة للإجراءات أمام محاكم الصلح، ومحاكم البدايـة، من خلال توحيد الإجراءات بين المحكمتين، لتحقيق الغاية من الإحالة، للحيلولة دون تهرب المتداعيين من تطبيق النصوص القانونية المنظمة لعمل المحاكم.

وقد ذهبت محكمة التمييز الأردنية إلى أن نظام الإحالة لعدم الاختصاص لا ينطبق إلا بين المحاكم النظامية، دون أن تجيز الإحالة لعدم الاختصاص إلى قضاء يتبع ولاية خارج ولاية القضاء النظامي، إذْ جاء في قرارها القول: ” أوجبت المـادة (112) مـن قانـون أصول المحاكمـات المدنية رقـم (24) لسنة 1988، أنه إذا قضت المحكمة بعدم اختصاصها أن تحيل الدعوى بحالتها إلى المحكمة المختصة، سواءاً كان الاختصاص نوعياً أم مكانياً بشرط أن تتم الإحالة إلى المحاكم المنصوص عليها في قانون تشكيل المحاكم النظامية، وإذا كانت الجهة القضائية المحال إليها جهة قضائية مستقلة عن القضاء المدني، فعليها أن تقوم برّد الدعوى لا إحالتها إليها، وعليه، فإنّ القول بأن الإحالة لا تكون إلا في حالـة الاختصاص المكاني هو قول غير سديد، بدليل أن المادة (112) جاء حكمها بعد المواد (110) و(111) من قانون الأصول المدنية الباحثة في الاختصاص المكاني، والاختصاص النوعي والقيمي”( ).
فإذا كانت الإحالة لا تتمّ إلا بين المحاكم النظامية وفق اجتهاد محكمة التمييز، من منطلق أن المحاكم الأخرى تتبع إجراءات تختلف عن الإجراءات التي تتبعها المحاكم النظامية، الأمر الذي يجعل إمكانية تطبيق الإحالة لعدم الاختصاص، من الصعوبة بمكان، لاختلاف الإجراءات القضائية بين المحاكم النظامية والمحاكم الأخرى، فإنّ ذات العلّة تنطبق أيضا بين محاكم الصلح ومحاكم البداية، لاختلاف الإجراءات بين المحكمتين الناتج عن اختلاف النظام القانوني الذي يحكم كلاً منهما، فتغدو ذات العلّة-لعدم الإحالة للمحاكم التي تتبع جهات ولاية أخرى غير المحاكم النظامية-متوافرة بين محاكم الصلح ومحاكم البداية. الأمر الذي يقتضي تدخّل المشرِّع الأردني لمعالجة الإحالة بين محاكم الصلح ومحاكم البداية، لضمان عدم التحايل على النظام القانوني الإجرائي المتعلق بسير المطالبة القضائية أمام الجهة التي خّولها المشرِّع نظر النزاع .

ثانياً: من ناحية اختلاف الرسوم:

الرسوم الواجبة الاستيفاء عن الدعاوى التي تدخل في اختصاص المحاكم الصلحية تختلف عن الرسوم الواجبة الاستيفاء عن الدعاوى البدائية، فالرسوم الواجبة الاستيفاء عن الدعوى الصلحية تكون بمقدار (3%) من قيمة الدعوى، بينما هي في الدعوى البدائية (2%) عن العشرة آلاف دينـار الأولى( )، فالدعوى الصلحية التي تبلغ قيمتها الثلاثة آلاف دينار أردني يدفع عنها رسوم-وفق النسبة السالفة الذكر-أعلى من الرسوم المستوفاة عن الدعوى التي تزيد بقليل عن الثلاثة آلاف دينار، باعتبارها من اختصاص محكمة البداية، فتكون رسومها – وفق النسبة السالفة الذكر- أقلّ من رسوم الدعوى الصلحية، وهنا، فإذا حكم بإحالة الدعوى لعدم الاختصاص، في الفرض السابق، من محكمة البداية إلى محكمة الصلح، فإنّ على المدعي أن يدفع فرق الرسم لمحكمة الصلح، باعتبار أن الرسوم الواجبة الاستيفاء في المثال السابق في الدعوى الصلحية أعلى منها في الدعوى البدائية، في حين لو حكم بالإحالة لعدم الاختصاص من محكمة الصلح إلى محكمة البداية، فالرسوم تكون أقلّ من الرسوم المدفوعة لدى محكمة الصلح، ويجب أن يسترد المدعي فرق الرسم. وإذا كانت الإحالة لعدم الاختصاص توفر على المدعي إعادة دفع الرسوم مجدداً( )، واعتبار ما تمّ في الدعوى من إجراءات أمام المحكمة غير المختصة صحيحاً( )، بسبب إحالة الدعوى لعدم الاختصاص، إلا أننا نقترح على المشرِّع الأردني أن يوّحد الرسوم القانونية بين المحاكم الصلحية والمحاكم البدائية، في ظل نظام الإحالة لعدم الاختصاص، حتى لا ندخل في إشكالية، في حال الأخذ بنظام الإحالة، من ناحية دفع أو استرداد الرسم، إضافة إلى أن المدعي، في بعض الأحيان، في الدعوى الصلحية يدفع رسماً أكثر من المدعي الذي يطالب بقيمة أعلى ويدفع رسوماً أقل أمام محكمة البداية، فمقتضى المساواة يتطلب أن تكون قيمة الرسوم متساوية بين المتداعيين أمام محكمة الصلح وأمام محكمة البداية، خاصة إذا تقاربت قيم الدعوى.
فاذا كان هذا المبحث قد تناول إحالة الدعوى لعدم الاختصاص بين المحاكم النظامية، فما مدى إمكانية تطبيق الاحالة بين المحاكم النظامية والمحاكم التي تتبع ولاية الجهات القضائية الاخرى، والآثار المترتبة على الاحالة ؟ وهذا ما سنتناوله في المبحث الثاني.

المبحث الثاني إحالة الدعوى لعدم الاختصاص الولائي وآثار الحكم بالإحالة

نتناول هذا المبحث في مطلبين، الأول: إحالة الدعوى لعدم الاختصاص الولائي، والثاني: الآثار المترتبة على الحكم بالإحالة لعدم الاختصـاص.

المطلب الأول: إحالة الدعوى لعدم الاختصاص الولائي:

حدَّد الدستور الأردني المحاكم الأردنية بثلاث جهات: النظامية، والدينية، والخاصة( )؛ تتبع كلّ منها ولاية قضاء مختلف عن الأخر، فما مدى إمكانية تطبيق نظام الإحالة لعدم الاختصاص بين هذه الجهات، في ظل نص المادة (112) من قانون أصول المحاكمات المدنية الذي جاء عاماً ومطلقاً دون تحديد لأنواع الاختصاص، والتي نصت على أن: “إذا قضت المحكمة بعدم اختصاصها، وجب عليها إحالة الدعوى بحالتها إلى المحكمة المختصة”؟ إضافة إلى أن قانون أصول المحاكمات المدنية يشكل الشريعة العامة للقوانين الإجرائية المنظمة لعمل المحاكم.
وبما إن نصّ المادة (112) قد جاء عاماً ومطلقاً، دون تحديد لنطاق تطبيقه على أنواع الاختصاص: الولائي، والدولي، والنوعي، والقيمي، والمكاني؛ فإنّ الإحالة تبدو مستحيلة في الاختصاص الدولي، إذ لا تستطيع المحاكم الأردنية الإحالة إلى المحاكم الأجنبية، في حال رد الدعوى لعدم الاختصاص، تأسيساً على أن المحاكم الأردنية لا تستطيع إلزام المحاكم الأجنبية في نظر دعوى معينة، كما أن المحاكم الأردنية غير ملزمة وتطبيق قواعد الاختصاص وتطبيقها المنصوص عليها في القوانين الأجنبية التي تحكم عمل المحاكم الأردنية، فقواعد الاختصاص الدولي، مفردة الجانب، لا تنظم إلا الحالات التي تختص بها المحاكم الأردنية بالنسبة للأجانب، فلا مجال لتطبيق نصّ المادة (112) السالف الذكر في حال الاختصاص الدولي. أما بالنسبة للاختصاص المكاني، والنوعي، والقيمي، فقد سبقت معالجته في المبحث الأول.
أما ما يتعّلق بالاختصاص الولائي (الوظيفي)، فالأمر مختلف، إذ إنّ الأساس القانوني

الذي تقوم عليه فكرة الإحالة لعدم الاختصاص في القانون المصري، هو وجوب الإحالة حتى في حال عدم الاختصاص الولائي، نتيجة لوحدة النظام القضائي المصري، حيث نصت المادة (110) من قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري على أنّ : “على المحكمة إذا قضت بعدم اختصاصها أن تأمر بحالة الدعوى بحالتها إلى المحكمة المختصة، ولو كان عدم الاختصاص متعلقا بالولاية، ويجوز لها عندئذ ان تحكم بغرامة لا تتجاوز مائتي جنيه. وتلتزم المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها”، وهذا ما سارت عليه محكمة النقض المصرية( )، من منطلق وحدة النظام القضائي وحصره في جهتي القضاء النظامي والقضاء الإداري( )، في حين إن قانون الإجراءات المدنية والتجارية الفرنسي في المادة (96) لم يجز الإحالة بين المحاكم التي تتبع ولاية مختلفة( ).
أمَّا القانون الأردني فيغدو مختلفاً، إذ إن الجهات القضائية، على اختلاف أنواعهـا، تنظم أعمالها بموجب قوانين مختلفة، من ناحية الإجراءات الواجبة الاتباع للحصول على الحماية القضائية، فتتعدد القوانين الإجرائية بتعدد تلك المحاكم، وتنظم الإجراءات أمام المحاكم النظامية، من خلال قانون أصول المحاكمات المدنية، وقانون محاكم الصلح بالنسبة لمحاكم الصلـح، وينظم المحاكم الشرعية قانون أصول المحاكمات الشرعية( )، في حين تنظم المحاكم الخاصة من خلال القوانين التي تنظم كلّ محكمة على حدة( )، فيثور التساؤل حول مدى إمكانية تطبيق الإحالة لعدم الاختصاص بين المحاكم التي تتبع جهات مختلفة، في ظل المادة (112) من قانون أصول المحاكمات المدنية الأردني، بنصها العام، وباعتبار أن قانون أصول المحاكمات المدنية يمثل الشريعة العامة للقوانين الإجرائية، وفي اختلاف القوانين الإجرائية بين المحاكم؟ فذهب اتجاه إلى أن نص المادة (112) جاء مطلقاً، والمطلق يجري على إطلاقه ، فيستوعب نص المادة (112) حالة الحكم بعدم الاختصاص الولائي، وبالتالي فالمحكمة ملزمة بإحالة الدعوى في حال حكمها بعدم الاختصاص الولائي( ).

وقد أيدت محكمة التمييز الأردنية في قرار وحيد لها هذا الاتجاه –على خلاف اتجاهها الغالب– إذْ قررت: ” يستفاد من هذا النص – أي المادة (112)- بأن على المحكمة وأي محكمة إذ قضت بعدم اختصاصها أن تحيل الدعوى إلى المحكمة المختصة، وحيث إن هذا النص قد ورد مطلقاً، والمطلق يجري على إطلاقه، وحيث إن محكمة الاستئناف قد أيدت محكمة الدرجة الأولى بقرارها القاضي بعدم اختصاصها وإحالة الدعوى إلى محكمة استئناف ضريبة الدخل، فيكون قرارها واقعا في محلّه، وموافقا للقانون، وسبب التمييز لا يرد عليه مما يتعين رده”( ). بينما يذهب الاتجاه الغالب لمحكمة التمييز بعدم جواز الإحالة إذا قررت عدم اختصاصها الولائي، فالإحالة لا تطبق-وفق ما قررت–إلا في نطاق المحاكم النظامية، إذْ قررت: “تعتبر محكمة العدل العليا محكمة قضاء إداري، ومستقلة عن القضاء المدني، حيث أوضحت المواد
(9، 10، 12، 13، 14، 15، 16، 17) من قانون هذه المحكمة مجالات اختصاصاتها، والأوضاع والوسائل القانونية التي تقام الدعاوى لدى محكمة العدل بالاستناد إليها ، فإن حكم المادة (112) من قانون أصول المحاكمات المدنية لا يطالها، ولا يصح إقامة الدعوى لديها إلا وفقاً لأحكام قانونها ولا يسري حكم المــادة (112) المشار إليها إلاّ على المحاكم المدنية النظامية. وحيث إن محكمة استئناف إربد هي التي فسخت بتاريخ 31/5/2004م قرار محكمة صلح المزار الشمالي الصادر بالدعوى، وأعادت الدعوى للمحكمة الصلحية لتحيلها لمحكمة العدل العليا. وحيث إنه كان على محكمة استئناف إربد، بعد أن فسخت القرار الصلحي أن تأمر بإعادة أوراق الدعوى لمصدرها لتفصل في موضوعها، إذا استبان للمحكمة الصلحية أنها مختصة بنظرها، أو ردها لعدم الاختصاص، إذا تبين لها أنها غير مختصـة، لا أن تحيلها لمحكمة العدل العليا التي هي محكمة قضاء إداري مستقلةٍ عن القضاء المدني، ولا تطبق أحكام المادة (112) من قانون أصول المحاكمات المدنية عليهـا. وحـيث إن محكمة العدل العليا قررت رد الدعوى شكلاً لعدم الاختصـاص، لورودها إليها عن غير الطريق الذي رسمه قانونها. وعليه، فإن قرار محكمة صلح المزار الشمالي ينقض، وتعاد كامل أوراق الدعوى إليها لإجراء المقتضى القانوني”( ).

ونذهب مع اتجاه محكمة التمييز القاضي بعدم جواز الإحالة في حال الحكم بعدم الاختصاص الولائي، تلافياً للوقوع في ذات الإشكالات التي عالجناها سابقاً في نطاق الإحالة بين محكمة الصلح ومحكمة البداية، وحتى لا يتحايل المدعي على قواعد الاختصاص المرعية التطبيق في القوانين التي تنظم عمل المحاكم التي تتبع جهات مختلفة، إذ لا يجوز -على سبيل المثال – بأي حال من الأحوال السماح للمدعي بأن يلجا إلى محكمة البداية، وهو عالم أن محكمة العدل العليا هي المختصة بنظر النزاع، لغايات تبادل اللوائح أمام محكمة البداية وتطبيق الأصول المرعية أمامها، في حين أن الأصول المرعية الواجبة التطبيق هي التي نص عليها قانون محكمة العدل العليا، فيصبح المدعي، والحالة هذه، تحايل على القوانين الإجرائية الواجبة التطبيق من قبل المدعي، بأنّ يختار القانون الإجرائي الذي يخدم مصلحته، وفق اعتبار أن المحكمة ستحيل الدعوى من تلقاء نفسها إلى المحكمة المختصة، فيكون بذلك قد ألزم المحكمة المحال لها بالإجراءات التي تمت أمام المحكمة غير المختصة، وهذا المفترض لا يستوي مع القواعد والأصول المتبعة التي نظمها المشرِّع في القانون المطبق على الجهة القضائية التي تتبع الدعوى اختصاصها، فلا يعقل أن يطبق قانون محاكم الصلح على دعوى من اختصاص محكمة العدل العليا، إذا ما لجأ المدعي إلى محكمة الصلـح، ولا يستوي أن يطبق قانون أصول المحاكمات المدنية من ناحية تبادل اللوائح على دعوى يجب أن تخضع لقانون المحاكم الشرعية، واعتبار تلك الإجراءات صحيحة أمام المحكمة المحال إليها الدعوى. وإذا ما اتجهت نيّة المشرِّع إلى ذلـك، فإنّ ذلك يتطلّب من المشرِّع الأردني توحيد الإجراءات الواجبة الاتباع لدى كافة الجهات القضائية، لغايات تحقق ضرورة تطبيق الإحالة لعدم الاختصاص دون تحايل على القواعد الإجرائية.

المطلب الثاني: الآثار المترتبة على الحكم بالإحالة لعدم الاختصاص:

يترتب على الحكم بإحالة الدعوى لعدم الاختصاص، أن الدعوى تحال بحالتها إلى المحكمة المختصة، وهذا ما سنبيّنه في الفرع الأول، ومدى التزام المحكمة المحال لها الدعوى بنظرها، وهذا ما سنبيّنه في الفرع الثاني.

الفرع الأول: إحالة الدعوى بحالتها إلى المحكمة المختصة:
أكّد المشرِّع الأردني-بموجب المادة (112) من قانون أصول المحاكمات المدنية-
على أن الدعوى تحال، من المحكمة غير المختصة إلى المحكمة المختصة، بالحالة التي تكون عليها الدعوى عند تقرير عدم الاختصاص والإحالة، بغية تحقيق الغاية المرجوة من الإحالة في الإسهام في اختصار الإجراءات القضائية، فتكون جميع الإجراءات التي تمت أمام المحكمة القاضية بالإحالة لعدم الاختصاص صحيحة، سواء تعلقت في المواعيد القضائية، أو في تقديم البينات، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإنّ الأحكام الوقتية التي صدرت في الدعوى تعدُّ صحيحة، كالحكم بالحجز التحفظي( ).

وتستلزم الإحالة أن تحدد المحكمة التي قضت بعدم اختصاصها وإحالة الدعوى للمحكمة المختصة بنظر النزاع داخل الجهة المراد الإحالة إليها، في حال تعدد المحاكم داخل الجهة المحال إليها الدعوى، تحقيقاً للغاية من الإحالة في اختصار الإجراءات ، وتحديد المحكمة التي تنظر ذلك النزاع، حتى يستطيع الخصوم التوجه لتلك المحكمة بعد الإحالة إليها، فإذا ما قضت محكمة بداية إربد بعدم اختصاصها بنظر النزاع، لدخولها في اختصاص محاكم البداية في عمـان، فإنّ على محكمة بداية إربد أن تبين أياً من محاكم البداية في عمان مختصة بنظر النـزاع: محكمة بداية غرب عمان، أم محكمة بداية شمال عمان، أم محكمة بداية شرق عمـان، أم محكمة بداية غرب عمان، هذا إذا كانت الإحالة ناتجة عن عدم الاختصاص المكاني.
أما إذا حكم بالإحالة نتيجة عدم الاختصاص القيمي أو النوعي، فإنّ قضاء محكمة البداية بعدم اختصاصها قيمياً أو نوعياً، يتطلّب منها تحديد محكمة الصلح التي تدخل الدعوى في اختصاصها، لا أن تكتفي بالإحالة إلى محكمة الصلح، دون بيان محكمة صلح التي تدخل الدعوى في اختصاصها، وكذلك الأمر في الاختصاص الولائي – وإن كان غير مطبق في المملكة – إلا أن على المحكمة المحيِّلة تحديد أي المحاكم في جهة القضاء المحال إليه، يدخل في اختصاصها نظر الدعوى.

الفرع الثاني: مدى التزام المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها:
في القانون المقارن( ) تلتزم المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها، وان تناول هذا الموضوع ثلاثة آراء( )، الرأي الأول قال: إنّ المحكمة المحال إليها الدعوى لا تلتزم بنظرها، ولها إذا ما رأت عدم اختصاصها أن تحيل الدعوى، والرأي الثاني قال: إنّ المحكمة المحال إليها الدعوى تلتزم بها، ويكون حكم المحكمة- التي قررت عدم الاختصاص وأحالت الدعوى- بتقرير اختصاصها مكتسب الحجية بمواجهة المحكمة المحال إليها، و الرأي الثالث، وهو الغالب( )، قال: إنّ المحكمة المحال إليها الدعوى تلتزم بنظرها، لكن إذا رأت أنها غير مختصة في نظر الدعوى، لأسباب أخرى غير التي بنت المحكمة المحيلة أسبابها عليها، أن تقرر إحالتها من جديد إلى المحكمة المختصة، شريطة أن لا تكون المحكمة التي أحالت الدعوى ابتداءً، وذلك تحقيقا للغاية من الإحالة في القضاء على التنازع السلبي بين المحاكم.

فإذا كان القانون المقارن قد نصَّ على إلزام المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها، فإنّ الأمر على خلاف ذلك في القانون الأردني، الذي سكت عن مثل هذه المعالجة التشريعية في المادة (112) من قانون أصول المحاكمات المدنية، الأمر الذي يجوز معه للمحكمة المحال إليها الدعوى أن تتمسك بعدم اختصاصها المكاني، أو القيمي، أو النوعي، أو الولائي، مما يثير مسالة التنازع السلبي للاختصاص بين محكمتين، فلا يكون لقرار المحكمة المحيلة فيما يتعلق بتقرير اختصاص المحكمة المحال إليها حجة بمواجهتها، حتى وإن رأت أنّ المحكمة التي أحالت الدعوى -ولذات الأسباب- هي صاحبة الاختصاص في نظر الدعوى، أي أن مسألة تنازع الاختصاص السلبي تبقى قائمة، والحالة هذه، مع أن من أهم غايات تطبيق نظام الإحالة لعدم الاختصاص القضاء على تنازع الاختصاص السلبي للمحاكم، وبناء على ذلك، في القانون الأردني، إذا قام تنازع للاختصاص السلبي بين المحاكم نتيجة إحالة كل محكمة لعدم الاختصاص على المحكمة الأخرى، فإنّ ذلك يستلزم إعمال قواعد الاختصاص السلبي التي نصت عليها المادة (35) من قانون أصول المحاكمات المدنية الأردني، حيث نصت على أن:
1) إذا حصل تنازع على الاختصاص، إيجابيا أو سلبيا، بين محكمتين نظاميتين ، فيحقّ لأي من الفرقاء أن يقدم طلبا لحسم التنازع الحاصل إلى المحكمة التالية : أ – إذا كان التنازع بين محكمتي صلح، أو بين محكمة بداية، ومحكمة صلح، أو بين محكمتي بداية تابعتين لمحكمة استئناف واحدة، فتعين محكمة الاستئناف المحكمة المختصة بنظر الدعوى. ب- إذا كان التنازع بين محكمتين لا تتبعان محكمة استئناف واحدة ، أو بين محكمتي استئناف، فتعين محكمة التمييز المحكمة المختصة بنظر الدعوى. 2) إذا أبرز أي من الفرقاء إشعارا يتضمن أنه قدّم طلباً لتعيين المرجع ، يوقف السير في الدعوى. 3) تنظر محكمة الاستئناف والتمييز في طلب تعيين المرجع تدقيقاً دون أن تدعو الفرقاء للمثول أمامها. 4- تقديم طلب تعيين المرجع غير مقّيد بأي ميعاد من مواعيد الاستئناف والتمييز”.

هذا في حال أن كان تنازع الاختصاص السلبي بين المحاكم النظامية، أما، إذا قام التنازع بين محاكم لا تتبعان جهة ولاية واحدة، رغم أن الإحالة لعدم الاختصاص لا تثير هذه الإشكالية في المملكة، لعدم جواز الإحالة في حال تقرير عدم الاختصاص الولائي، فتطبق المادة (11) من قانون تشكيل المحاكم النظامية الأردني رقم (17) لسنة 2001، التي نصت على أن : ” إذا حدث خلاف في الصلاحية بين المحاكم المذكورة في الفقرات التالية، يحق لأي من الفرقاء أن يطلب إلى رئيس محكمة التمييز أن يعين محكمة خاصة للنظر في تعيين المرجع لرؤية الدعوى تؤلف من ثلاثة قضاة، يكون اثنان منهم من قضاة محكمة التمييز، وقاضٍ ثالث من قضاة المحاكم الآتي بيانها: أ- إذا كان الخلاف بين محكمة نظامية ومحكمة شرعية يقوم رئيس محكمة الاستئناف الشرعية بتعيين القاضي الثالث . ب- إذا كان الخلاف بين محكمة نظامية، ومحكمة دينية يقوم رئيس محكمة الاستئناف الدينية بتعيين القاضي الثالث . ج- إذا كان الخلاف يتعلق بقضية من قضايا الأحوال الشخصية الداخلة، ضمن صلاحية إحدى المحاكم الدينية الخاصة بها، يكون القاضي الثالث رئيس أعلى محكمة دينية في المملكة للطائفة التي يدّعي أحد الفريقين المتقاضيين أنها تملك – دون سواها – حق النظر في القضية للفصل في هذا الخلاف . د- إذا كان الخلاف بين محكمة شرعية ومحكمة دينية، أو في قضية تتعلق بالأحوال الشخصية بين أشخاص ينتمون إلى طوائف دينية تؤلف المحكمة الخاصة من ثلاثة قضاة من قضاة محكمة التمييز، يعينهم رئيسها، وذلك بناء على طلب أي من الفرقاء، لتعيين المرجع لرؤية القضية بعد الاستنارة برأي خبيرين من الطوائف فيما يتعلـق بالحالـة الثانية .وفي جميع الحالات السابقة تنعقد المحكمة الخاصة برئاسة قاضي محكمة التمييز الأقدم، ويترتب على المحكمة التي اعترض على صلاحيتها أن تؤجل جميع الإجراءات إلى أن تفصل المحكمة الخاصة في الأمر المعروض عليها. هـ- عند صدور حكمين متناقضين من محكمتين مختلفتين تختص محكمة التمييز بتقرير أي الحكمين واجب التنفيذ، ما لم يكن أحد الحكمين قد تمّ تنفيذه).

ووفقا لما سبق، فإننا نرى أن المشرِّع الأردني كان يجب أن يساير القانون المقارن، بشأن إلزام المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها، تحقيقا لغاية المشرِّع في القضاء على مسألة التنازع السلبي على الاختصاص، إلا إذا كان سبب عدم الاختصاص عائداً لسبب آخر غير السبب الذي قررته المحكمة المحيلة للدعوى، شريطة عدم إعادة الدعوى إلى المحكمة التي قضت بعدم اختصاصها ابتداءً، ونقترح على المشرِّع الأردني أن ينصّ على إلزام المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها -حّال التشريعات المقارن- تحقيقاً لهدف الإحالة في القضاء على التنازع السلبي للاختصاص بين المحاكم.

الخاتمـة:

إنّ تحقيق الحماية القانونية للحقوق الموضوعية بالوسيلة القضائية يتطلب السير فيها وفق الأصول الإجرائية الناظمة للحماية القضائية، وإنّ محاولة تيسير الخصومة القضائية على الأطراف المتنازعة -قدر الإمكان ضمن ضوابط العدالة- هدف المشرِّع وغايته في تعديله للقانون الضابط للحماية القضائية، فرأى المشرِّع، في قانون أصول المحاكمات المدنية، أن يدخل نظام الإحالة في حال عدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، وأضاف المادة (112) بالنصّ التالي: “إذا قضت المحكمة بعدم اختصاصها وجب عليها أحالة الدعوى بحالتها إلى المحكمة المختصة”.
وبدراسة هذا النصّ، وفق النهج التشريعي الأردني، بشأن القوانين الإجرائية التي توفر الحماية القضائية على مختلف أنواع المحاكم، ووفق بعض القوانين المقارنة التي أخذت بهذا النظام، توصّلنا إلى النتائج والتوصيات التالية:
أولاً: إن نظام الإحالة مستبعد التطبيق في المملكة الأردنية الهاشمية، حال القانون المقارن، في حال عدم الاختصاص الدولي، باعتبار قواعد الاختصاص الدولي قواعد مفردة الجانب، لا تهتم إلا في حالات اختصاص المحاكم الأردنية، دون أن تبّين المحاكم الأجنبية المختصة بنظر النزاع، أو حتى دراسة ما يدخل في اختصاصها، فلا مجال لتطبيق الإحالة، بأي حال من الأحول، في حال الحكم بعد اختصاص المحاكم الأردنية دوليـاً.
ثانياً: يجد تطبيق نظام الإحالة مفعوله في النظام القضائي الأردني في حال الحكم بعدم الاختصاص المكاني، فإحالة الدعوى من محكمة صلح إلى محكمة صلح أخرى، لانعقاد الاختصاص للثانية – لا يثير أي صعوبات بشأن الإجراءات التي تمت أمام محكمة الصلح القاضية بعدم اختصاصها، وبالإحالة، لوحدة الإجراءات القضائية المتبعة لدى كلّ من المحكمتين، وذات الحال ينطبق بين محاكم البداية، أما في نطاق محكمة الاستئناف فتوصلنا إلى أن نظام الإحالة لعدم الاختصاص يكاد لا يكون متصّوراً بين محاكم الاستئناف، تأسيساً على أنّ المشرِّع الأردني عند تعديله لنصّ المادة (180) من قانون أصول المحاكمات المدنية بتعديله رقم (14) لسنة2001م، ألزم تقديم لائحة الاستئناف إلى قلم المحكمة التي أصدرت الحكم، والتي بدورها ترفعه إلى محكمة الاستئناف التي تتبع اختصاصها، الأمر الذي يتعذّر معه اللجوء إلى محكمة استئناف غير مختصة من قبـل الأطراف، كما هو الحال قبل تعديل المادة (180) ، ذلك أن المحكمة مصدرة الحكم المستأنف تكون على علم تام بمحكمة الاستئناف التي تتبع اختصاصها.
ثالثاً: توصلنا إلى أن تطبيق نظام الإحالة عند الحكم بعدم الاختصاص النوعي أو القيمي بين محاكم الصلح ومحاكم البداية يؤدي إلى إمكانية التحايل من قبل المدعي على القواعد الإجرائية المرعية التطبيق في كلّ من المحكمتين، على أساس اختلاف إجراءات كلّ منهمـا، ووفق اعتبار صحة الإجراءات التي تمت أمام المحكمة غير المختصة، فالقانون الذي يحكم عمل محاكم الصلح هو قانون محاكم الصلح، والقانون الذي يحكم عمل محاكم البداية هو قانون أصول المحاكمات المدنية، فإذا ما لجأ المدعي إلى محكمة الصلح، رغم معرفته بأن الدعوى من اختصاص محكمة البداية، يكون بذلك قد تحايل على قواعد تبادل اللوائح الواجبة الاتباع أمام محكمة البداية، وتحايل على المرور على إدارة الدعوى المدنية، في حين إن لجوء المدعي إلى محكمة البداية، رغم علمه باختصاص محكمة الصلح بالدعوى، سيؤدي إلى تطبيق قواعد تبادل اللوائح على القضية الصلحية، وهذا يتنافى مع مراد المشرِّع، من رسم القوالب والأشكال القانونية، وعمل المحاكم وتنظيمها. ونقترح على المشرِّع الأردني، لغايات تطبيق نظام الإحالة في حال عدم الاختصاص القيمي أو النوعي، أن يوحِّد الإجراءات بين المحاكم الصلحية والبدائية، بما في ذلك توحيد الرسوم المالية، حتى تتحقق الغاية من الإحالة في اختصار الإجراءات، وتوفير النفقات، دون أن تتيح للمدعي التحايل على النصوص القانونية المتبعة لدى المحاكم، أو أن يضع معالجة خاصة تمنع تحايل المدعي على النصوص القانونية، من خلال تطبيق نظام الإحالـة.
رابعاً: إن كنا نؤيد محكمة التمييز، فيما ذهبت إليه، بشأن عدم الإحالة بين المحاكم في حال الحكم بعدم الاختصاص الولائي، وإن الإحالة لا تكون إلا بين المحاكم النظامية، والاكتفاء برد الدعوى لعدم الاختصاص دون الحكم بالإحالة، إلا أن ذات العلّة باختلاف الأنظمة الإجرائية بين المحاكم تنطبق على محكمة الصلح ومحكمة البداية، إذْ إنّ كلا منهما له قانونه الذي يرسم الإجراءات اللازمة الاتباع لحصول الخصوم على الحماية القضائية، الأمر الذي يؤكد ضرورة توحيد الإجراءات القضائية بين محكمة الصلح والبداية، فحتى وإن كانت الإحالة بين المحاكم النظامية فقط، كما ذهبت إليه محكمة التمييز، إلا أنها تثير ذات الإشكالات التي منعت الإحالة بين المحاكم التي تتبع ولاية قضاءً مختلف، لاختلاف القوانين الناظمة لعملها.
خامساً: ظهر أن المحكمة المحال إليها الدعوى، وفقا لنص المادة (112) من قانون أصول المحاكمات المدنية، لا تلتزم في نظر الدعوى، على خلاف القانون المقارن (المصـري والفرنسي)، الأمر الذي يقوم معه قواعد تنازع الاختصاص السلبي في حال أن حكمت كلتا المحكمتين بعدم اختصاصهما، وإحالة كلّ منهما الدعوى للأخرى، وذلك على خلاف أهم غايات الأخذ بنظام الإحالة، الذي يهدف إلى القضاء على التنازع السلبي للاختصاص، فنتمّنى على المشرِّع الأردني أن يعّدل نصّ المادة (112)، وأن يلزم المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرهـا، مع إمكانية أن تنظر المحكمة في اختصاصها، إذا بني على أسباب غير الأسباب التي بنت المحكمة التي أحالت الدعوى أسبابها عليها، وأن لا تعيد الدعوى إلى المحكمة التي أحالتها أصلا، بأي حال من الأحوال.
الهوامش: