معالجة صعوبات المقاولة فى القانون المغربى انجاز عبد الحق سيدالي منتدب قضائي بالمحكمة الابتدائية بالناضور

” تـطـبـق مـسـاطـر مـعـالـجـة صـعـوبـات الـمـقـاولـة عـلى كـل تـاجـر و كـل حـرفـي و كـل شـركـة تـجـاريـة لـيـس بـمـقـدورهـم سـداد الـديـون الـمـسـتـحـقـة عـلـيـهـم عـنـد الـحـلـول … “ الـمـادة 560 مـن مـدونـة الـتـجـارة

تـمـهـيـد :
إذا كان المبدأ أن المقاولات التجارية و غيرها تستمر في مزاولة نشاطها بشكل عادي، و بشكل يوفر للفاعلين الاقتصاديين الأهداف المنشودة من وراء إنشائها، فإن هذه المقاولات لا تلبث أن تعرف – بحكم طبيعة الحياة التجارية التي تتأثر بكثير من العوامل – مشاكل متنوعة تضرب في الصميم الأهداف المرجوة، مشاكل قانونية و اقتصادية و مالية و اجتماعية تعصف في بعض الأحيان بمستقبل المقاولة و تفضي بها إلى الموت، الأمر الذي ينعكس سلبا على جميع المتعاملين معهـا و على الاقتصاد الوطني برمته، على اعتبار أن هذه المقاولة من قواعد هذا الاقتصاد.

و في ضوء التحديات الاقتصادية التي يعيشهـا المغرب ضمن المجموعة الدولية، و التي كان من بين آثارها صدور تشريعات أساسية في ميادين متعـددة مرتبطة بالحياة الاقتصادية و المالية، و سعيا وراء الحفاظ على استمرارية استغلال المقاولات، و على مناصب الشغل الموجودة بها،

بالموازاة مع عملية إبراء ذمتها من الديون المترتبة عليها، أمور فرضت على المشرع المغربي هجر نظام الإفلاس و التصفية القضائية الذي كان معمولا به في ظل قانون التجارة لسنة 1913 الملغى، و الذي كان يركز على معاقبة التاجر الذي أخل بالتزاماته و إقصائه من الحياة التجارية، عوض البحث عن التدابير الكفيلة بمده بيد المساعدة لاجتياز الوضعية الصعبة التي يمر بها.

و نتيجة الوعي بعدم مواكبة قانون 1913 ككل للتطور الذي ما فتئ يعرفه القطاع التجاري في المغرب، تم التفكير في السنوات الأخيرة في تغـيير هذا القانون و إحلال محله نظاما للإجراءات الجماعية يرتكز في جوهره على مساطر وقائية و علاجية أكثر من ارتكازه على تصفية أموال المدين.

و ليس من قبيل المبالغة إذا قلنا إن أهم المستجدات التي يحملها في طياته القانون رقم 95-15 المتعلق بمدونة التجارة الصادر بتنفيذه الظهير الشريف المؤرخ في فاتح أغسطس 1996، يتمثل أساسا فيما ورد من مقتضيات الكتاب الخامس من هذه المدونة، و الذي يتعلق كما هو معلوم بصعوبات المقاولة و مساطر الوقاية منها و مساطر معالجتها، مساطر و قواعد تستهدف وقاية المقاولة من الصعوبات التي تعترضها أحيانا أثناء سير نشاطها، تفاديا لاستفحالها مؤكدا المبدأ الطبي المعروف ˝الوقاية خير من العلاج˝، و تروم أحيانا أخرى علاج مواطن الداء بإيجاد الوصفات و الأدوية الناجعة و الكفيلة بالحفاظ على المقاولة و على نشاطها و بالتالي استمرار حياتها بشكل يخدم مصالحها و مصالح المحيطين بها.

و يكتسي النظام المذكور أهميته من كون البدء في العمل به قد تلاه بعد فترة تقل عن سنة، تنصيب المحاكم التجارية المحدثة لأول مرة في المغرب بمقتضى القانون رقم 95- 53 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف المؤرخ في 12 فبراير 1997، هذه المحاكم التي تختص وحدها في ظل التشريع المغربي بالنظر في دعاوى صعوبات المقاولة، و التي تتم المراهنة عليها في عملية التنمية الاقتصادية و الاجتماعية للبلاد و ذلك باعتبارها تشكل قضاء متخصصا و سريعا و فعالا في ذات الوقت.

و انطلاقا من المادة 545 من مدونة التجارة التي تنص على أنه: ˝ يتعين على المقاولة أن تقوم بنفسها عن طريق الوقاية الداخلية من الصعوبات بتصحيح ما من شأنه أن يخل باستمرارية استغلالها، و إلا تم ذلك عن طريق الوقاية الخارجية بتدخل من رئيس المحكمة.

تتم معالجة المقاولة عن طريق التسوية القضائية باعتماد مخطط الاستمرارية أو مخطط التفويت.

يمكن أن تؤدي الصعوبات إلى إنهاء استمرارية المقاولة بالتصفية القضائية˝
فالمشرع المغربي بمقتضى هذه المادة يضع ترتيبا للصعوبات التي يمكن أن تعترض المقاولة و الحلول الكفيلة بمعالجتها، و ذلك حسب ثلاث رتب أو درجات، صعوبات تتمثل في وجود وقائع من شأنها أن تخل باستمرارية استغلال المقاولة، و يتم التصدي لها عن طريق الوقاية الداخلية أو الوقاية الخارجية

( أولا)، و صعوبات تتمثل في توقف المقاولة عن أداء ديونها بصورة لا تجعل وضعيتها غير قابلة للإصلاح بالمرة، و تتم معالجتها عن طريق التسوية القضائية التي تباشر باعتماد مخطط الاستمرارية أو مخطط التفويت

(ثانيا)، وصعوبات أخرى تتمثل في وصول المقاولة المتوقفة عن الدفع إلى حد التردي تصبح معه وضعيتها مختلة بشكل لا رجعة فيه، و غير قابلة للإصلاح بالمرة، مما من شانه أن يؤدي إلى إنهاء استمراريتها عن طريق إخضاعها للتصفية القضائية (ثالثا).

أولا: الوقائع التي من شانها الإخلال باستمرارية استغلال المقاولة وكيفية التصدي لها :
و المقصود بالوقائع التي من شأنها الإخلال باستمرارية استغلال المقاولة حسب المادة 550 من مدونة التجارة، كافة المشاكل ذات الطابع القانوني أو الاقتصادي أو المالي التي تعاني منها المقاولة قبل أن تصل إلى مرحلة التوقف عن دفع ديونها، و بعبارة أخرى كافة الإخلالات التي يكتشفها مراقب الحسابات بالنسبة للمقاولات التي يوجد بها هذا المراقب، أو التي تظهر من كل عـقد أو وثيقة أو إجراء أو مسطرة.

و تأسيسا على ما ذكر، فالوقائع التي من شانها الإخلال باستمرارية استغلال المقاولة تكون موجودة كلما كانت هناك عوارض تخل بشروط الاستغلال، كالتقلص العادي لنشاط المقاولة أو الارتفاع المهول للتكاليف و التحملات، أو العجز المالي المتكرر في الحسابات الختامية، إلى غير ذلك من الأمور التي يمكن أن تؤثر سلبا على التوازن المالي للمقاولة، ففي كل هذه الحالات و غيرها يمكن أن تكون هناك صعوبات من النوع المذكور، مما يستدعي التدخل لتصحيح الوضع قبل أن يصل الأمر إلى درجة تصبح معها المقاولة في حالة توقف عن الدفع المبرر لفتح مساطر معالجة صعوبات المقاولة.

وبذلك فتذليل صعوبات من هذا النوع، لا يتم عن طريق التسوية القضائية أو التصفية القضائية، و إنما يتم باتباع مساطر الوقاية من الصعوبات طبقا للأحكام المنصوص عليها في القسم الأول من الكتاب الخامس من مدونة التجارة، ذلك انه يفترض في المقاولة و الحالة هذه، أنها لم تصل بعد إلى مرحلة التوقف عن دفع ديونها أو إلى المرحلة التي تصبح خلالها وضعيتها مختلة بشكل لا رجعة فيه.

على أن مساطر الوقاية من الصعوبات المتمثلة في وجود وقائع من شأنها الإخلال باستمرارية استغلال المقاولة تنقسم إلى نوعين : مسطرة الوقاية الداخلية و مسطرة الوقاية الخارجية.

أ – الوقاية الداخلية كمسطرة غير قضائية لمواجهة الوقائع التي من شأنها الإخلال باستمرارية استغلال المقاولة

فعلى عكس التاجر الشخص الطبيعي الذي لا تطبق بشأنه مسطرة الوقاية الداخلية من الصعوبات، فان هذه المسطرة تطبق بالإضافة إلى الشركات التجارية المنصوص عليها صراحة في المادة 546، على المجموعات ذات النفع الاقتصادي التي يكون لها غرض تجاري، و التي تكتسب بذلك الصفة التجارية طبقا لمقـتضيات المادة 5 مـن القانون 97-13 المتعلق بهذه المجموعات الصادر بتنفيذه الظهير الشريف المؤرخ في 5 فبراير 1997.

و لقد بين المشرع المغربي كيفية وقاية المقاولة نفسها بنفسها من الصعوبات و ذلك بوضعه لمجموعة من الأحكام و القواعد تم النص عليها في المادتين 546 و 547 من مدونة التجارة،

و هكذا و طبقا للمادة 546 يتعين على مراقب الحسابات إن وجد أو أي شريك في الشركة عند ملاحظته لوقائع من شأنها الإخلال باستمرارية استغلالها، أن يعمل على إخبار رئيسها بذلك، بواسطة رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل و ذلك داخل أجل ثمانية أيام من تاريخ اكتشافه لهذه الوقائع، يدعوه فيها إلى تصحيح ذلك الإخلال.

و يتعين على رئيس المقاولة بعد تلقيه هذه الرسالة الاستجابة لمضمونها، و ذلك بالتأكد من حالة و سير المقاولة، فإذا تبين له جدية ما أشارت إليه الرسالة عمد إلى البحث عن وسائل للوقاية بما تتوفر عليه المقاولة ذاتها من إمكانيات أو بمساعدة من الغير.

وفي حالة ما إذا لم يستجب رئيس المقاولة إلى الرسالة الموجهة إليه من طرف مراقب الحسابات، أو عدم توصل هذا الأخير بأي جواب منه داخل أجل 15 يوما من تاريخ توصله بالرسالة،

أو إذا لم يصل رئيس المقاولة شخصيا أو بعد تداول مجلس الإدارة أو مجلس المراقبة إلى نتيجة تمكن من ضمان استمرارية استغلال المقاولة، وجب على مراقب الحسابات العمل على توجيه الدعوة لرئيس المقاولة من أجل تداول الجمعية العامة في شان الوقائع التي تم اكتشافها، وهنا يحرص مراقب الحسابات على أن تستمع هذه الجمعية إلى التقرير المعد من طرفه في هذا الشأن.

أما في المرحلة الأخيرة، فيجب بناء على المادة 547 من مدونة التجارة أن يتم إخبار رئيس المحكمة التجارية التابع لها المقر الاجتماعي للشركة أو المجموعة ذات النفع الاقتصادي التي لها غرض تجاري بوضعية المقاولة المعنية، إما من طرف رئيس هذه الأخيرة و إما من طرف مراقب الحسابات، وذلك في حالة عدم تداول الجمعية العامة في موضوع الوقائع التي من شأنها الإخلال باستمرارية استغلال المقاولة، أو في حالة ما إذا لوحظ أن استمرارية الاستغلال لا تزال مهددة بالاختلال رغم القرار الذي اتخذته الجمعية العامة بهذا الخصوص.

ب – الوقاية الخارجية من الصعوبات كمسطرة لمواجهة الوقائع التي من شأنها الإخلال باستمرارية استغلال المقاولة :
خلافا لما رأيناه بخصوص الوقاية الداخلية من الصعوبات الناتجة عن وجود وقائع من شأنها الإخلال باستمرارية استغلال المقاولة، حيث تتم هذه الوقاية التي لا تهم التاجر الشخصي الطبيعي، من داخل المقاولة ذاتها، فان الوقاية الخارجية من الصعوبات المذكورة تهم حتى المقاولات الفردية و تباشر بتدخل من رئيس المحكمة التجارية التابع لها إما المؤسسة الرئيسية للتاجر، و إما المقر الاجتماعي للشركة أو المجموعة ذات النفع الاقتصادي التي يكون لها غرض تجاري.

و هكذا بالإضافة إلى الحالة المنصوص عليها في المادة 547 من مدونة التجارة، حيث يتم إخبار رئيس المحكمة التجارية المختصة محليا، من طرف رئيس المقاولة أو من طرف مراقب الحسابات، بعدم سلوك مسطرة الوقاية الداخلية من الصعوبات أو عدم فعالية هذه المسطرة رغم سلوكها، يقوم رئيس المحكمة المذكورة بناء على أحكام المادة 548 باستدعاء رئيس المقاولة قصد النظر في الإجراءات الكفيلة بتصحيح الوضعية، و ذلك بالنسبة لكل شركة تجارية أو مجموعة ذات نفع اقتصادي لها غرض تجاري أو مقاولة فردية تجارية أو حرفية يلاحظ عليها في كل عقد أو وثيقة أو إجراء أنها تواجه صعوبات من شأنها أن تخل باستمرارية استغلالها.

و تتم الوقاية الخارجية من الصعوبات عبر طريقتين اثنتين:

الطريقة الأولى تتمثل في تذليل هذه الصعوبات بفعل تدخل أحد الغيار، في حين تتمثل الطريقة الثانية في التسوية الودية التي يمكن أن تبرم بين رئيس المقاولة و الدائنين تحت رعاية رئيس المحكمة.

* تدخل أحد الأغيار كمسطرة للوقاية الخارجية من الصعوبات :
يمكن لرئيس المحكمة على الرغم من أية مقتضيات تشريعية مخالفة، كما تنص على ذلك الفقرة 2 من المادة 548 أن يطلب في نهاية الاجتماع الذي يعقده مع رئيس المقاولة قصد النظر في الإجراءات الكفيلة بتصحيح الوضعية، الإطلاع على المعلومات التي من شأنها أن تعطيه صورة صحيحة عن الوضعية الاقتصادية و المالية للمقاولة المدينة و ذلك عن طريق مراقب الحسابات أو ممثل العمال أو أي شخص آخر.

وعليه فإذا تبين أن الصعوبات التي تعترض المقاولة قابلة للتذليل بفضل تدخل أحد الأغيار يكون بمستطاعه تخفيف الاعتراضات المحتملة للأشخاص الذين اعتادوا التعامل مع المقاولة، جاز لرئيس المحكمة أن يعينه بصفة وكيل خاص و يكلفه بمهمة و يحدد له أجلا معينا لإنجازها و ذلك تطبيقا لمقتضيات المادة 549.

* التسوية الودية كصورة للوقاية الخارجية من الصعوبات :
جدير بالذكر أن مسطرة التسوية الودية لا تفتح في مواجهة المقاولة إلا بشروط، من أهمها أن تكون المقاولة تعاني من صعوبات مالية أو قانونية أو اقتصادية تعبر عن وجود وقائع من شأنها الإخلال باستمرارية استغلال هذه المقاولة،

فضلا على ألا تكون الصعوبات المذكورة قد أدت بالمقاولة إلى التوقف عن دفع ديونها المستحقة، حيث يتقدم رئيس المقاولة الذي يحق له وحده دون أي شخص آخر مهما كانت صفته بطلب فتح مسطرة التسوية الودية إلى رئيس المحكمة التجارية التابعة لها المؤسسة الرئيسية للتاجر أو المقر الاجتماعي للشركة التجارية أو للمجموعة ذات النفع الاقتصادي التي يكون لها غرض تجاري.

و بمجرد توصل رئيس المحكمة التجارية المختصة بطلب رئيس المقاولة الرامي إلى فتح التسوية الودية، يعمل على استدعاء هذا الأخير عن طريق كتابة الضبط و ذلك قـصد تـلقي شـروحاته حـول طـلبـه هـذا، و بـنـاء عـلى المادة 552 من مدونة التجارة، فعلاوة على السلطات المخولة لرئيس المحكمة بمـقتضى المادة 548 من مدونة التجارة، يمكنه تكليف خبير لإعداد تقرير عن الوضعية الاقتصادية و الاجتماعية و المالية للمقاولة، و الحصول من المؤسسات البنكية أو المالية على الرغم من أية مقتضـيات تـشـريعية مخالفة على كل المعلومات التي من شأنها أن تعطي صورة صحيحة عن الوضعية الاقتصادية و المالية للمقاولة.

و إذا تبين لرئيس المحكمة أن اقـتراحات رئيس المقاولة من شأنها أن تسهل تصحيح وضعية المقاولة، فتح إجراء التسوية الودية و عين مصالحا لمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر قابلة للتمديد شهرا على الأكثر بطلب من هذا الأخير (المادة 553 من مدونة التجارة)، و يحدد رئيس المحكمة مهمة المصالح Consiliateur التي تتمثل في تسهيل سير المقاولة و العمل على إبرام اتفاق مع الدائنين، و يطلع رئيس المحكمة المصالح على المعلومات المتوفرة لديه و إن اقتضى الحال على نتائج الخبرة المشار إليها في المادة 552.

هذا و إذا رأى المصالح أن الوقف المؤقت للإجراءات من شأنه تسهيل إبرام اتفاق أمكنه أن يعرض الأمر على رئيس المحكمة، و يمكن لهذا الأخير بعد الاستماع لرأي الدائنين الرئيسيين أن يصدر أمرا يحدد مدة الوقف في أجل لا يتعدى مدة قيام المصالح بمهمته.

و يوقف هذا الأمر و يمنع كل دعوى قضائية يقيمها جميع الدائنين ذوي دين سابق للأمر المشار إليه تكون غايتها إما الحكم على المدين بسداد مبلغ مالي و إما الحكم عليه بفسخ عقد بسبب عدم سداد مبلغ مالي، و يوقف الأمر المذكور كذلك و يمنع كل طريقة للتنفيذ يقيمها هؤلاء الدائنون سواء بشأن المنقولات أو العقارات،

كما توقف تبعا لذلك الآجال المحددة تحت طائلة البطلان، السداد الكامل أو الجزئي لأي دين سابق لهذا الأمر، أو الأداء للضامنين الذين يوفون بالديون المؤسسة سابقا، وكذا القيام بتصرف خارج عن التسيير العادي للمقاولة أو منح رهن رسمي أو رهن ما، لم يصدر ترخيص بصدده من رئيس المحكمة و لا يطبق هذا المنع على الديون الناجمة عن عقد العمل (المادة 555 من مدونة التجارة).

على أن مسطرة التسوية الودية تنتهي في حالة نجاحها بإبرام اتفاق ودي بين الدائنين أو بين الدائنين الرئيسيين من جهة و بين المدين من جهة أخرى، و ذلك عن طريق عرض المصالح على هؤلاء الدائنين اقتراح أو قبول الآجال الجديدة أو التخفيض من الديون أو الاثنين معا، حيث تقتصر مهمته على التوفيق بين الأطراف و عرض المقترحات المختلفة، و بيان إمكانيات المقاولة المالية و الاقتصادية، و صياغة البنود و المقتضيات المحتملة للاتفاق الودي التي ارتضاها الأطراف.

و عند إبرام اتفاق مع جميع الدائنين، يصادق عليه رئيس المحكمة و يودع لدى كتابة الضبط، أما إذا تم إبرام اتفاق مع الدائنين الرئيسيين فقط، فيمكن لرئيس المحكمة أن يصادق عليه أيضا و أن يمنح للمدين آجال الأداء الواردة في النصوص الجاري بها العمل، فيما يخص بعض الديون التي لم يشملها الاتفاق المذكور (المادة 556 من مدونة التجارة).

و يثبت الاتفاق الذي يتم بين رئيس المقاولة و الدائنين في محرر و يوقعه الأطراف و المصالح، و تودع الوثيقة أو الوثائق التي تتضمن هذا الاتفاق لدى كتابة الضبط بالمحكمة التجارية التي فتحت إجراء التسوية الودية (المادة 557 من مدونة التجارة).

و ينبغي التذكير أن الاتفاق المذكور يوقف أثناء مدة تنفيذ كل دعوى قضائية و كل إجراء فردي سواء كانت تخص منقولات المدين أو عقاراته بهدف الحصول على سداد الديون موضوع الاتفاق.

و في حالة عدم تنفيذ الالتزامات الناجمة عن الاتفاق، تقضي المحكمة بفسخ هذا الأخير و بسقوط كل آجال الأداء الممنوحة.

و باستثناء السلطة القضائية التي يمكن أن تبلغ بالاتفاق و بتقرير الخبرة، لا تطلع على الاتفاق سوى الأطراف الموقعة و لا يطلع على تقرير الخبرة سوى رئيس المقاولة.

ثانيا : صعوبات تتمثل في توقف المقاولة عن دفع ديونها و الحل الكفيل بمعالجتها:

تعبر الصعوبات التي تتجسد في عدم قيام المقاولة بدفع ما يستحق عليها من ديون، عن وجود هذه المقاولة في مرحلة وسط بين تعرضها للصعوبات المتمثلة في وجود وقائع من شأنها الإخلال باستمرارية استغلالها و بين تعرضها لصعوبات تتمثل في اختلال وضعية المقاولة بشكل لا رجعة فيه،

و بذلك فالصعوبات التي تتمثل في عدم دفع الديون المستحقة تعتبر من جهة نتاجا لتفاقم الوضع بالنسبة للمقاولة التي لم تخضع بحسب الأحوال إما للوقاية الداخلية أو الوقاية الخارجية من الصعوبات المتمثلة في وجود وقائع من شأنها الإخلال باستمرارية الاستغلال، كما أنها تمهد من جهة أخرى الطريق لوصول المقاولة المعنية بالأمر إلى وضعية مختلة بشكل لا رجعة فيه إذا لم يتم إخضاعها لمسطرة معالجة الصعوبات.

و على خلاف ما كان عليه الأمر في العقود الأولى من القرن 20، لم يعد المدين المتوقف عن دفع ديونه يخضع في الوقت الراهن لأي أثر من آثار المساطر الجماعية إلا بعد أن يصدر ضده حكم يقضي بفتح هذه المساطر في مواجهته و بعبارة أخرى فنظرية الإفلاس الفعلي أو الواقعي La Faillitte virtuelle التي ظل جانب من الفقه و القضاء في فرنسا ينادي بها و يطبقها خلال النصف الأول من القرن المذكور لم يبق لها أي مجال للتطبيق الآن بعد أن أصبح من الضروري،

لكي يتم إخضاع المدين المتوقف عن الدفع لنظام الإجراءات الجماعية، أن يكون هناك حكم قضائي صادر ضده بهذا الخصوص، فقد كانت نظرية الإفلاس الفعلي تستند إلى مجرد التوقف عن الدفع باعتباره حالة تتعلق بالواقع، مما يسمح للدائن و لو في غياب حكم يقضي على المدين بالإفلاس، بالمطالبة بإخضاع هذا المدين لآثار الإفلاس،

وذلك كلما كان هناك توقف عن الدفع يمكن معاينته بالطرق و الكيفيات التي تتم بها معاينة كل المسالك التي ترتبط بالواقع، أي بالمسائل التي تستند إلى وقائع مادية وليس إلى وقائع قانونية.

و لقد وضع المشرع المغربي قواعد خاصة بشأن كيفيات طلب فتح مسطرة معالجة صعوبات المقاولة و حدد الأشخاص الذين يحق لهم تقديم هذا الطلب إلى المحكمة التجارية المختصة فخلافا لما كان عليه الأمر في ظل القانون التجاري المغربي لسنة 1913 الملغى، وسع هذا المشرع بموجب مدونة التجارة لسنة 1996 دائرة هؤلاء الأشخاص.

و هكذا فعلاوة على رئيس المقاولة الذي يكون ملزما بالتصريح بتوقفه عن أداء ديونه، و الدائنين الذين يعتبرون من أوائل ذوي المصالح المرتبطة بالمقاولة المتوقفة عن الدفع، يمكن للمحكمة التجارية المختصة محليا أن تفتح مساطر معالجة صعوبات المقاولة و ذلك إما من تلقاء نفسها و إما بناء على طلب النيابة العامة.و إذا كانت هناك مصلحتان تتعارضان بخصوص طريقة بث المحكمة في الطلب الرامي إلى فتح مساطر معالجة صعوبات المقاولة، فالمصلحة العامة تقتضي أن يتم البث في هذا الطلب مباشرة بعد توصل المحكمة التجارية المختصة به و ذلك حتى لا تتدهور الوضعية المالية و الاقتصادية للمقاولة بفعل مرور الوقت و تضيع بالتالي الفرصة في تسويتها، و بالمقابل تفرض المصلحة الخاصة للمقاولة المدعى عليها أن لا يتم التسرع في فتح مسطرة المعالجة في مواجهتها من دون الاستماع إلى رئيسها و معرفة أوضاعها و أسباب توقفها عن الدفع.

و تأسيسا على ذلك، فمن أجل التوفيق بين المصلحتين المذكورتين، فرض المشرع على المحكمة التجارية المرفوع إليها طلب فتح مسطرة معالجة صعوبات المقاولة ضرورة سلوك بعض الإجراءات قبل البث في هذا الطلب، ذلك أن هناك إجراء إجباريا يتمثل في ضرورة الاستماع إلى أقوال رئيس المقاولة المدعى عليها و إجراء اختياريا يتمثل من جهة في إمكانية الاستماع إلى أي شخص آخر ترى المحكمة التي وضعت يدها على المسطرة أن أقواله مفيدة، و من جهة أخرى في إمكانية أخذ رأي ذوي الخبرة، كما أنه يتعين على المحكمة حسب الفقرة الأخيرة من المادة 567 من مدونة التجارة أن تبث بعد خمسة عشر يوما على الأكثر من رفع الدعوى إليها.

و مما ينبغي التأكيد عليه قبل كل شيء أن المحكمة التجارية المرفوع إليها الطلب الرامي إلى فتح مسطرة معالجة صعوبات المقاولة لا تكون ملزمة بضرورة الحكم بالتسوية القضائية Redressement Judiciaire في بداية الأمر، ثم بعد ذلك تحويل هذه التسوية إلى تصفية قضائية كلما تبين لها ذلك، بل يجوز للمحكمة و يتعين عليها أن تحكم مباشرة بالتصفية القضائية إذا كانت وضعية المقاولة المدعى عليها مختلة بشكل لا رجعة فيه، و ذلك تطبيقا لمقتضيات المادة 568 من مدونة التجارة التي تنص في فقرتها الأولى على أنه “يقضى بالتسوية القضائية إذا تبين أن وضعية المقاولة ليست مختلة بشكل لا رجعة فيه و إلا فيقضى بالتصفية القضائية”.

و بذلك فالمحكمة التجارية المقدم إليها طلب فتح المسطرة ضد المدين المتوقف عن الدفع، لا تتقيد فيما يخص البث في هذا الطلب بما يطلبه الأطراف، كما لا تتقيد كذلك بضرورة اتباع الترتيب الذي يتمثل في سلوك مسطرة الوقاية ثم مسطرة المعالجة ثم في الأخير مسطرة التصفية القضائية.