القيود المفروضة على الدولة في تنظيم جنسيتها

المؤلف : احمد عبد الحميد عشوش
الكتاب أو المصدر : القانون الدولي الخاص
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

أن اختصاص الدولة بتنظيم جنسيتها، الذي تبلور في المبدأ القائل بأن المشرع الوطني يتمتع بكامل حريته عند التشريع في مسائل الجنسية، أمر يهم النظام الوطني، بيد أنه – وفي ذات الوقت – قد يتعارض مع المصالح الأساسية لبعض الدول الأخرى، والتي أخصها تعدد الجنسيات أو انعدامها، الأمر الذي دعي إلى القول بأن هذا المبدأ ليس مأخوذاً به على الإطلاق، إنما ترد عليه بعض القيود، منها ما هو مقرر لمصلحة الأفراد، ومنها ما هو مقرر لمصلحة الدول الأخرى بما يرفع التعارض ويدفع التنازع. وعلى ذلك، سوف نعرض في مطلبين متتاليين لهذه القيود، فنخصص المطلب الأول للقيود المقررة لمصلحة الأفراد، ونقف المطلب الثاني على القيود المقررة لمصلحة الدول الأخرى.
المطلب الأول
القيود المقررة لمصلحة الأفراد
إذا كانت الجنسية علاقة تنظيمية بين الفرد والدولة، تنشأ الأخيرة بإرادتها المركز القانوني للوطني ليشغله كل من تتوافر فيه الشروط المقررة، كما تستطيع تعديل هذه الشروط حسبما تقضي بذلك مصلحتها العليا، وينحصر دور الفرد في الدخول إلى هذا المركز القانوني إذا ما تحققت فيه الشروط. فإن ذلك لا ينفي أهمية الجنسية بالنسبة للأفراد، كما لا يقتضي إهدار إرادة الفرد في مادة الجنسية، بل يتعين إفساح المجال لها في تنظيم قواعد الجنسية. فإذا قادت النصوص الوطنية في كل دولة إلى خلق شخص لا ينتسب لأي منها، عد هذا الشخص عديم الجنسية، فلا يجد دولة أو طناً يأويه، ولا يمارس الحقوق العامة أو السياسية، ويتعذر معرفة القانون الواجب التطبيق عليه، فضلاً عن إمكان إبعاده.

لذلك، اتجه الفقه الدولي، مؤيداً بمجهودات الهيئات الدولية، إلى تقرير مبدأ ضرورة الجنسية بالنسبة للفرد، وقد توجت هذه الجهود بإصدار وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان – في شكل توصية – من الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة ١٩٤٨ ، وسجلت المادة ) ١٥ ( منها على “أن لكل فرد الحق في جنسية واحدة، ولا يجوز حرمانه من تغييرها أو تجريده منها بطريقة تحكمية..”. وبذلك تساوي حق الفرد في الجنسية مع باقي حقوق الإنسان مثل الحق في الحياة، والحق في الحرية، والحق في المساواة أمام القانون وغيرها من الحقوق الأساسية. وهو ما دعا بعض الفقهاء إلى القول بأن حق الفرد في الجنسية من الحقوق المقررة في القانون الطبيعي، ويتعين على القوانين الوضعية تقنينها وتنظيمها باعتبارها إحدى الحريات العامة وهو حرية الجنسية. ومع ذلك فإن حرية الفرد في الجنسية ليست لها صفة الإلزام بالنسبة للدول، فهي لا تعدو أن تكون قواعد مثالية استرشادية عند سن قوانين الجنسية دون أن تكون الدولة مجبرة على احترامها، ذلك أن إعلان حقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة لا يعدو أن يكون توصية لا تحمل إلا قيمة أدبية.

وسوف نعرض لمدى استجابة التنظيم الوضعي للجنسية لمضمون هذه التوصية والقواعد المثالية، سواء ما تعلق منها بحق الفرد في الجنسية، أو تعلق بعدم جواز فرض الجنسية على الفرد بطريقة تحكيمية، أو ما يخص حقه في تغيير جنسيته، أو ما تقرر من عدم جواز تجريده منها بذات الطريقة التحكيمية.
١- حق الفرد الذاتي في الجنسية :
إذا سلمنا أن للفرد الحق في الجنسية، فإن هذا الحق يظل يستمد شروط اكتسابه من القانون الداخلي الذي تسنه كل دولة، ذلك أنه فإن الجنسية علاقة تنظيمية بين الفرد والدولة تستأثر الأخيرة بوضع شروطها، ويقتصر دور الفرد في اكتسابها عندما يتوافر بشأنه شروطها ولكن ليس له الحق في إنشائها. فإذا ما ثبتت الجنسية للفرد، فإنه يعترف له بالتمسك بها والدفاع عنها، وكثيراً ما تعني القوانين بكفالة تقديم الوسائل القضائية للفرد للدفاع عن حقه في الجنسية. بيد أنه يثور التساؤل أي الإرادتين تنتصر إذا ما تصادمت، هل تنتصر إرادة الفرد أم تعلو إرادة الدولة؟. يسوق الفقه لبيان هذه المشكلة المثال الآتي :
هب أن نزاعاً ثار بين الدولتين أ، ب حول جنسية الشخص ج، حيث أدعى كل منهما بانتمائه إليها، وقامت الدولتان بإبرام اتفاق بينهما تنازلت بمقتضاه الدولة أ عن دعواها، وسلمت للدولة ب بأن المدعو ج من رعاياها. فهل يعتد بمثل هذا الاتفاق على المدعو ج ويسلب حقه في التمسك بجنسية الدولة أ ؟
نقرر – بادئ ذي بدء – أن حق الفرد في الجنسية، يبدو في هذه الحالة عديم الجدوى، مهما ظهرت إرادته وأيا كانت الوسيلة القضائية التي كفلتها له الدول، إذ أنه إذا قام الشخص باللجوء إلى الجهة القضائية المختصة في الدولة للدفاع عن جنسيته، فإن القضاء لا يستطيع نظر هذه المنازعة لتعلقها بقرار صدر إعمالاً لاتفاق دولي، فهو من أعمال السيادة التي لا تخضع لرقابة القضاء. كما أن
هذا الشخص لا يستطيع رفع دعواه للدفاع عن جنسيته أمام دولة ثالثة، حيث قواعد القانون الدولي تفرض على الدولة تطبيق الاتفاقية المبرمة بين الدولتين أ، ب، وناهيك أنه لن يستطيع اللجوء إلى القضاء الدولي، ذلك أنه من المستقر أن الفرد العادي لا يخول المثول أمام القضاء الدولي، الذي يقتصر اللجوء إليه للأشخاص المتمتعة بالشخصية الدولية. ومن جانب آخر، ومع التسليم للفرد بالحق الذاتي في الجنسية، فإن هذا الحق يظل مقيداً بمبدأ عدم جواز تمتع الفرد بأكثر من جنسية، لما في ذلك من إخلال بسلامة توزيع الأفراد بين الدول المختلفة، وصعوبة تحديد القانون الذي يحكم العلاقات التي طرفها شخص متعدد الجنسيات، فضلاً عن أن السماح بتعدد الجنسيات، يهدم فكرة الولاء للدولة وهي الأساس الذي تبني عليه الجنسية.
٢- عدم جواز فرض الجنسية على الفرد بطريقة تحكمية:
قد تكتسب الجنسية بطريقة أصلية، وهي الجنسية التي تفرض على الشخص بقوة القانون فور ميلاده ودون اعتداد بإرادته، وهي تؤسس أما على حق الدم الأصلي أو الثانوي، وإما على حق الإقليم على النحو الذي سوف نعرض له. وإلى جانب ذلك، قد تكون هناك أسباب طارئة لكسب الجنسية تتوافر أو تكتمل في تاريخ لاحق على الميلاد، وتسمى الجنسية في هذه الحالة بالجنسية المكتسبة أو الطارئة.

ويختلف دور إرادة الفرد فيها، فقد تتوقف على طلب من الراغب فيها، مع منح الدولة سلطة تقديرية في منحها أو منعها، ومثال ذلك التجنس. وقد تعرض على الشخص ويترك له حرية طلبها من عدمه، وقد يحدد له فترة يظهر فيها التعبير عن إرادته في اكتسابها، أو يمنح الجنسية مع تخويله حق ردها خلال فترة معينة، وكذلك الصور المختلفة لاكتساب الزوجة الأجنبية للجنسية نتيجة زواجها من وطني. وإذا كانت الجنسية الأصلية تفرضها الدولة دون اعتداد بإرادة الفرد لحداثة ميلاده وغياب إرادته، بيد أنه يظل على الدولة مراعاة أسباب كسب الجنسية الأصلية المألوفة بين الدول، والتي تؤسس أما على حق الدم وإما على حق الإقليم، دون انحراف منها عن مبادئ كسب الجنسية المعترف بها بين الدول.

كذلك، لما كانت أسس اكتساب الجنسية الأصلية يضعها المشرع الوطني في كل دولة، الأمر الذي قد يؤدي إلى ميلاد شخص متعدد الجنسية، فإن على المشرع أ يترك لهذا الشخص – عند اكتمال أهليته – الحق في التعبير عن إرادته واحترامها لدفع هذا التعدد.أما بالنسبة للجنسية المكتسبة، فإنه من المستقر وجوب إفساح المجال للفرد للتعبير إن إرادته. فلا تفرض عليه الجنسية الطارئة دون أن يعلن عن رغبته في طلبها أو ردها عند فرضها، عندما تتقدم إرادة الدولة على إرادة الفرد .

والرأي الراجح بين الشراح، أن إغفال إرادة الشخص في كسب الجنسية الطارئة، يعد أمراً مخالفاً للعرف الدولي، الأمر الذي يتيح للدول الحق في عدم الاعتراف بهذه الجنسية المفروضة.
٣- حق الفرد في تغيير جنسيته :
مع اندثار مبدأ الولاء الدائم الذي راج قديماً في بعض الدول وبصفة خاصة بريطانيا، تطور الفكر القانوني نحو السماح للفرد بتغيير جنسيته، حيث غدت الجنسية تتأسس على فكرة الولاء السياسي الناجم عن التوطن )وهو حال الدولة الانجلوسكسونية ( أو الناجم عن الاندماج الروحي والتناسل عن شخص يحمل جنسية الدولة )وهو حال الدول العربية وغالبية القارة الأوروبية( والاعتراف للفرد بالحق في تغيير جنسيته، يقيده ما تضعه الدولة من نصوص للاستيثاق من وفائه بالتزاماته، وأداء للأعباء العامة المفروضة على الوطنيين مثل الخدمة العسكرية، وقد تضمنت المادة ) ١٥ ( من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة ١٩٤٨ النص على حق الفرد في تغيير جنسيته عندما قررت
“… ولا يجوز حرمانه )أي الفرد( من حقه في تغيير جنسيته..”. وبطبيعة الحال، فإن الخروج من جنسية الدولة، لا يؤدي إلى اكتساب جنسية الدولة الجديدة، إلا إذا توافر في الشخص الشروط التي تضعها الدولة لاكتساب جنسيتها.
٤- عدم جواز تجريد الفرد من جنسيته بطريقة تحكمية:
حملت هذه القاعدة الفقرة الأخيرة من المادة ) ١٥ ( من وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حيث نصت “… لا يجوز تجريده منها بطريقة تحكمية..” ومفاد ذلك، أن من حق كل فرد ألا يحرم من الجنسية بطريقة تعسفية، فلا يحق للدولة – في الأصل – أن تجرد الفرد من جنسيته )إسقاطاً أو سحباً( بطريقة تعسفية. ذلك أن الجنسية عنصر هام من عناصر حالته المدنية يمس شخصيته القانونية، كما أن الأفراد موزعون توزيعاً دولياً بين مختلف دول العائلة الدولية، لذلك فإن تجريده من جنسيته يمس مصلحة جوهرية للفرد في أن يظل يتبع دولة معينة.

وإذا كانت القوانين الوضعية لا تزال تعترف للدولة بالحق في تجريد الشخص من جنسيته على سبيل العقوبة، فإن غالبية الفقه لا ينظر نظرة ارتياح لإسقاط الجنسية، ويدعو إلى التضييق من ممارسة الدولة لهذا الحق وحصر لها في أضيق نطاق، ووضع الضوابط التي تحول دون انحراف الدولة في استعماله. ومع ذلك، فإن التجاء الدولة إلى إسقاط الجنسية يكون مبرراً عندما يعوزها جزاء آخر، وفي الحالات التي يهدم فيها الجرم الأساس الجوهري للجنسية، ومثال ذلك ارتكاب جريمة الخيانة العظمى التي تكشف عن عدم الولاء للوطن، وفي الحالات التي يكون الشخص قد اكتسب فيها الجنسية بطريق الغش، كما يصرح الفقه بإمكان التجريد من الجنسية تفادياً لظاهرة تعدد الجنسيات، مثل حالات اكتساب الزوجة الوطنية جنسية زوجها الأجنبي، وإكتساب الأولاد القصر جنسية أبيهم المتجنس بجنسية أجنبية. ومع ذلك تبيح القوانين لهاتين الطائفتين استرداد جنسيتهم السابقة بعد انقضاء رابطة الزوجية أو بلوغ القاصر سن الرشد، بعد أن يفصحوا عن إرادتهم ورغبتهم في ذلك. ولا ريب أنه في مثل هذه الصور تنتفي فكرة تعسف الدولة في تجريد الشخص من جنسيته.
المطلب الثاني
القيود المقررة لمصلحة الدول الأخرى
إن كانت الجنسية تهم النظام الداخلي في الدولة، باعتبارها النظام القانوني الذي يتحدد به ركن الشعب، وبالتالي تسهم في تأسيس كيان الدولة، الأمر الذي ترك معه لكل دولة حرية بناء شعبها وإضفاء الصفة الوطنية. وهو ما انعقد عليه إجماع الفقه، وأعلته الهيئات العلمية الدولية، واستجابت له محكمة العدل الدولية الدائمة فيما قدمته من فتاوى استشارية، على النحو الذي عرضنا له. بيد أنه – ومن جانب آخر – فإن الجنسية تهم النظام الدولي، ذلك أنها أداة توزيع الأفراد توزيعاً دولياً، وإطلاق حريتها في هذا المجال قد يقود إلى تعارض في المصالح الأساسية لمختلف الدول، واضطراب في توزيع الجنسيات، وآثار تتعلق بتعدد الجنسيات أو انعدامها. ومن ثم، فإن إطلاق هذه الحرية يثير منازعات بين الدول، وهو ما دعا إلى بعض التقييد من حرية الدولة في هذا المجال، تواتر الشرح على تقسيمها إلى قيود اتفاقية وغير اتفاقية.
أولاً: القيود الاتفاقية :
لا ريب، أنه يجوز للدولة أن تحد من حريتها في تنظيم الجنسية بما تبرمه من اتفاقيات دولية، فتغدو حريتها مقيدة في هذا المجال بقاعدة من قواعد القانون الدولي، التي تقضي باحترامها تعهداتها أو اتفاقياتها الدولية، فإذا ما أبرمت الدولة )أ( اتفاقاً دولياً مع الدولة )ب(، يقضي بأن يتمتع رعايا الدولة )أ(بجنسيتها رغم ميلادهم على إقليم الدولة (ب)، فإنه يتعين على كلا الدولتين إعمال هذا الاتفاق وإنفاذه، وهذا المعنى صاغته المادة الأولى من اتفاقية لاهاي المبرمة ي ١٣ مارس ١٩٣٠ في شأن تنازع القوانين في الجنسية، والتي أعدها مؤتمر تقنين القانون الدولي، وأوردت أن حرية الدولة في مسائل الجنسية تتقيد بالاتفاقيات الدولية والعرف الدولي والمبادئ المعترف بها عادة في مادة الجنسية.

كما أكد ذات المعنى الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الدائمة، حيث قررت بأن الاختصاص التشريعي لكل دولة في تنظيم الجنسية، يحد من إطلاقه كافة الارتباطات الدولية التي تتعهد بها في مواجهة غيرها من الدول. وقد استجابت غالبية قوانين الجنسية للخضوع لهذا القيد مقررة العمل بأحكام جميع المعاهدات والاتفاقات الدولية الخاصة بالجنسية التي أبرمتها مع الدول الأجنبية، ولو خالفت أحكام قانون الجنسية فيها.
ثانياً: القيود غير الاتفاقية:
يدق الأمر بالنسبة للقيود غير الاتفاقية، على خلاف الحال بالنسبة للقيود الاتفاقية التي يرجع الإلزام فيها إلى إرادة الدول، فإن كان هناك ثمة قيود غير اتفاقية، فما هو مصدرها؟ اتجه جانب من الفقه إلى القول، بأن حرية الدولة في تنظيم جنسيتها لا يرد على قيد إلا ما يمليه القانون الطبيعي. ولا يخفى أن قواعد القانون الدولي الطبيعي لا تحمل معنى الإلزام، كما أنه رغم التسليم بها، فإن مضمونها وتحديداه ما زال أمر غير متفق عليه، وجلها أمور تتعلق – عموماً- بمشكلة القانون الدولي العام.
واتجه جانب آخر من الفقه، إلى القول بأن حرية الدولة في تنظيم جنسيتها، مقيدة – ليس فقط – بقواعد القانون الدولي الطبيعي، إنما أيضاً بقواعد القانون الدولي الوضعي. وسلموا بأن هذه القواعد الأخيرة ما زالت محدودة. وساقوا عدة أعراف دولية تتضمن مبادئ معترف بها في الحياة الدولية، أطلقوا عليه الحد الأدنى لمبادئ القانون الدولي المعترف بها في مادة الجنسية على الدولة واجب مراعاتها وتضمينها تشريعاتها. وهذه النظرة هي التي جملتها اتفاقية لاهاي الخاصة بتنازع القوانين في الجنسية التي أعدها مؤتمر تقنين القانون الدولي في ١٣ مارس ١٩٣٠ ، والتي قضت بأن حرية الدولة في جنسيتها مقيدة بالاتفاقات الدولية والعرف الدولي ومبادئ القانون الدولي المعترف بها في مادة الجنسية.

بيد أن تقضي هذه المبادئ لا يكشف إلا على القليل منها، الأمر الذي دعا بعض الفقهاء إلى القول بأنه من المتعذر إقامة نظرية عامة في الجنسية تصدق على جميع الدول، ويرتاح المشرع في كل دولة للاستجابة إليها. ومن الأمثلة التي استقر عليها الرأي، تلك الخاصة بعدم جواز إخضاع أبناء ممثلي البعثات الدبلوماسية الأجنبية لقاعدة كسب الجنسية على أساس حق الإقليم. وكذلك عدم جواز قيام الدولة بفرض جنسيتها على رعايا دولة أخرى لم يتوطنوا فيها أو لمي ولدوا على إقليمها، وأيضاً لا يحق للدولة فرض جنسيتها خلافاً للأسس المتعارف عليها وهما حق الدم وحق الإقليم، فلا يجوز لها فرض جنسيتها على رعايا دولة أخرى بدعوى انتمائهم إلى ذات الجنس أو الدين أو اللغة السائدة فيها، فيحظر على المانيا – مثلاً – فرض جنسيتها على أبناء سويسرا المتحدثين بالألمانية. فضلاً عن ذلك، لا يحق للدولة أن تدخل فرداً في جنسية دولة أخرى، خلافاً لما يقضي به تشريع الدولة الأخيرة، ومثال ذلك إذا نص تشريع دولة على دخول المرأة في جنسية زوجها الأجنبي عند الزواج منه.

كذلك استقر الرأي على صورة الإعتداد بإرادة الفرد عند منح الجنسية المكتسبة أو الطارئة )اللاحقة( وكذا وجوب مراعاة مبادئ حسن النية في علاقات الدولة مع الدول الأخرى عند وضع قواعد الجنسية، فلا يجوز للدولة المتحاربة – مثلاً – أن تسقط الجنسية عن بعض رعاياها، كي تمكنهم الإفلات من معاملتهم معاملة الأعداء في الدول الأخرى.

صفوة القول، وتأسيساً على كل ما تقدم، يمكننا القول، بأنه إذا كانت الدولة تتمتع بحرية تنظيم جنسيتها، بيد أن هذه الحرية غير طليقة، إنما يحد منها ويقيدها ما تبرمه الدولة من اتفاقات دولية، وما يحمله القانون الدولي الطبيعي والقانون الدولي الوضعي نم قواعد ومبادئ، وإن كانت هذه القيود لا تزال محدودة. والقول بخلاف ذلك، يقود إلى فوضى، ويخلق تنازع جنيات، وما يترتب على ذلك من مشاكل في العلاقات الدولية.