هل يمكن أن يكون الطلاق بيد الزوجة توقعه متى أرادت
قرأت فتوى شرعية لأحد فقهاء موريتانيا الأجلاء ذهب فيها إلى قول لا أحسب أن أحدا من علماء الإسلام سبقه إليه، حيث ادعى أن الزوجة لا يجوز لها أن تطلب الطلاق إلا في حال الضرر البين كعقم الزوج أو كونه يشتمها أو يضربها أو لا ينفق عليها، والحقيقة أن هذه الحالات لا تبيح للزوجة طلب الطلاق من زوجها فحسب، بل تثبت لها حق التطليق من القاضي، كما يثبت لها حق التطليق في حال الإيلاء، وحق الخلع إذا كرهت زوجها ولو بدون سبب، وبيانا لأقوال الأئمة في هذه الموضوع أقول

حق التطليق عن طريق القضاء :

لقد أعطى الإسلام للمرأة حق طلب التطليق من القضاء الإسلامي إذا ما ثبت لديه أن بقاءها مع زوجها يلحقها منه ضرر وسواء أكان هذا الضرر:

أ ـ ناشئا عن وجود عيب مادي في جسم الزوج يمنعها من السعادة في حياتها الزوجية.

ب ـ أو كان ناتجا عن وجود عيب معنوي كسوء أخلاقه معها مثلا، فقد نص المالكية على أن الزوجة تطلق على زوجها طلقة بائنة “إن اضر بها فيما لا يجوز شرعا كقطع كلامه عنها وتحويل وجهه عنها وسبها أو سب أبيها، ويؤدب على ذلك زيادة على التطليق؛ ومتى شهدت بينة بأصل الضرر فلها اختيار الفراق ولو لم تشهد البينة بتكرره([1]).

ج ـ و تطلق المرأة التي آلى منها زوجها إذا أبى الفيء؛ وهو الوطء بعد مضي أربعة أشهر، بل لو ترك وطأها من غير إيلاء وتضررت بذلك وأرادت الطلاق فإن الحاكم يجتهد في طلاقها عليه

د ـ وتطلق المرأة إذا تضررت من طول غيبة زوجها، إذا امضي سنة ، وهذا إذا ترك لها نفقتها، فإن لم يترك لها نفقتها فإن القاضي يطلقها عليه في الحال لعدم النفقة، وكذلك في حالة سجنه.

وكذلك يطلق القاضي المرأة إذا امتنع زوجها من النفقة عليها أو لم يجد شيئا ينفق عليها منه، وطلبت الطلاق ([2]),

الخلع :

كما أعطا الإسلام المرأة حق الخلع إذا كرهت زوجهاُ لخلقٍ أو خلقة أو كرهته لنقص دينه أو لكبره أو ضعفه أو نحو ذلك وخافت إثما بترك حقه فيباح لها أن تخالعه على عوض تفتدي به نفسها منه، يقول ابن رشد ” والفقه أن الفداء ـ الخلع ـ إنما جعل للمرأة مقابلة ما بيد الرجل من الطلاق، فإنه لما جعل الطلاق بيد الرجل إذا فرك ـ كره ـ المرأة جعل الخلع بيد المرأة إذا فركت الرجل “([3]) والأصل فيه الكراهة إلا في حال ما إذا خافا ألا يقيما ما أمرا به شرعا أو خافت هي من ذلك، واجمع العلماء على منع أخذ مالها إلا أن يكون النشوز وفساد العشرة من قبلها فإذا كان من قبله لم يحل له أخذ شيء من مالها، ويرد عليها ما اخذ وتمضي الفرقة([4])

هل يمكن للمرأة أن تملك حق الطلاق؟

بل ذهب الأحناف ابعد من ذلك فنصوا على أن للمرأة الحق في أن تشترط على خاطبها عند العقد أن يكون أمرها بيدها تطلق نفسها متى شاءت، فإن فعلت ذلك صح الزواج وصح الشرط فيكون من حقها أن توقع الطلاق متى أرادت، ولكن لا بد للمرأة أو وليها أن يكون هو البادئ بالإيجاب، بأن يقول زوجتك ابنتي على أن يكون أمرها بيدها،

فقول الزوج قبلت، أما إذا كان الزوج هو البادئ بالإيجاب بأن قال زوجني ابنتك على أن يكون أمرها بيدها فإن النكاح يصح ويبطل الشرط؛ لأن الزوج سيكون في هذه الحالة قد ملك المرأة الطلاق قبل أن يملكه؛ لأن العقد لا يتم إلا بالإيجاب والقبول، والقبول لم يتم من الزوجة بعد، بخلاف الحالة الأولي فإنه ملكه لها بعد أن ملكه، وهذا التمليك يسمي التفويض عند العقد ( [5])، وهذا ما ألمح إليه الدكتور محمد مصطفي شلبي بقوله: ” وأكثر من هذا جعل ـ أي الإسلام ـ لها الحق، في أن تشترط لنفسها عند العقد أن تكون العصمة بيدها، كما يرى بعض الفقهاء” ([6]).

يقول الشيخ محمد أبو زهرة :” إن النساء اللواتي تكون عصمتهن بأيديهن بمقتضي إجازة المذهب الحنفي بالتفويض قبل تمام العقد فيكون لهن أن يطلقن أنفسهن، يطلقن لأتفه الأسباب ([7]) ، مما يدل على أن الأمر ما زال معمولا به عند الأحناف إلى يومنا هذا

وفي المذهب المالكي يجوز للرجل أن يفوض الطلاق للمرأة عند العقد أو بعده ، فإذا وكلها الزوج على إيقاع الطلاق عند العقد وتعلق لها حق بهذا التوكيل ـ كأن يقول لها إن تزوجت عليك فأمرك بيدك مثلا ـ فإنها تملك حق تطليق نفسها إذا لم يف الزوج بحقها الذي تعلق التوكيل به إن شاءت، ولا يملك الزوج عزلها في هذا التوكيل لتعلق حقها به في دفع الضرر عنها([8]) .

[1] ـ الدسوقي ج 2/ 431 .

[2] ـ انظر: المرجع السابق نفس الصفحة، وسبل السلام 3 /1555 ـ 1557.

[3] ـ بداية المجتهد ج 2/ 113.

[4] ـ انظر: كشاف القناع ج 5 / 212 فتح الباري ج 9/196/402 القرطبي ج 3/137,

[5] ـ حاشية ابن عادبن 3 / 27 الأحوال الشخصية الأبي زهرة /326

[6] ـ ـ أحكام الأسرة في الإسلام 493

[7] ـ الأحوال الشخصية، 283

[8] ـ الشرح الكبير مع حاشية الدوسقي ج 2 / 345 الخرشي