أثر التكنولوجيات الحديثة للمعلومات والإتصال على الإدارة والعمل الإداري

تمهيد:

لقد غيرت التكنولوجيات الحديثة للمعلومات والإتصال الكثير من المفاهيم والأسس الإدارية، وهو ما دعا بمعظم البلدان والدول إلى إدخال هذه التقنيات الحديثة في آليات العمل الإداري وصلب الهياكل الإدارية خاصة منها تلك التي تتولى تقديم الخدمات للمواطنين.

وتلعب التكنولوجيات الحديثة للمعلومات والإتصال دورا كبيرا في العمل الإداري المعاصر، بإعتبارها آلية من آليات الإدارة الحديثة التي يجب تطويعها لصالح العمل الإداري، وأحد الموارد الأساسية لتلك الهياكل في التعامل مع الظروف والمستجدات العالمية التي تتصف بالتغير السريع والمنافسة الحادة، بالإضافة إلى أنها إحدى الأسلحة الإستراتيجية للهياكل الإدارية للتغلب على الصعوبات البيروقراطية من جهة والتواؤم مع طبيعة العصر ومنتجاته الإلكترونية من جهة أخرى.

ويهدف هذا البحث إلى دراسة مدى تأثير إستخدام وتطبيق النظم الحديثة للمعلومات والإتصال علي الهياكل الإدارية وعلى العمل الإداري، بالإضافة إلى إبراز أهم المشكلات التي تواجهها، وأهم الصعوبات التي تحول دون استخدام نظم المعلومات بالشكل الأمثل.

أولا: التكنولوجيات الحديثة للمعلومات والإتصال مدخل لتحقيق تنمية إدارية جيدة.

تلعب التكنولوجيات الحديثة للمعلومات والإتصال دورا هاما في تحقيق التكامل بين المتغيرات الخارجية وبين احتياجات وإمكانيات وقدرات الهياكل الإدارية، وهذه الأخيرة تبدو في حاجة ملحة إلى وجود نظام معلوماتي متطور وذلك لمواكبة الاتجاه المتزايد إلى التخصص وتقسيم العمل، والاتجاه نحو اللامركزية في العمل الإداري، مع ظهور أساليب جديدة في العمل الإداري، بالإضافة إلى ما يعرف بمخططات توظيف الأعوان وذلك للاستفادة من مهارات معينة ولأداء مهام محددة، هذا إلى جانب بروز ظاهرة العولمة والتحول نحو اقتصاد المعرفة واللذان يفرضان تحديات إضافة وجديدة على الإدارة وعلى العمل الإداري ككل.

وتستخدم النظم المعلوماتية جميع أنواع التكنولوجيات الحديثة للمعلومات والإتصال وذلك لتشغيل ومعالجة وتخزين ونقل المعلومات في شكل إلكتروني وهو ما يعرف بتكنولوجيا المعلومات التي تشمل الحواسيب ووسائل الاتصال وشبكات الربط وأجهزة الفاكس وغيرها من المعدات، كما يقوم النظام المعلوماتي بتشغيل البيانات وتقديمها للمستخدمين الذين يتولون بتشغيل مخرجات النظام المعلوماتي بأنفسهم نتيجة توفر الحواسيب، وأبرز مثال لذلك بروز ما يعرف بالخدمات التفاعلية التي تمكن المواطن من القيام بعديد الخدمات من على جهاز الحاسوب الخاص به.

ثانيا: مظاهر تطبيق النظم المعلوماتية في الهياكل الإدارية.

تجدر الإشارة إلى أنه من الصعب بمكان رسم صورة نهائية المطاف للتكنولوجيات الحديثة للمعلومات والإتصال، ولكن هذه التكنولوجيات لا تزال حتى الآن تتركز بشكل رئيسيي في الدول المتقدمة، وبالتالي فإن دراسة منجزات هذه التكنولوجيات وتطبيقاتها خاصة في مجال الإدارة الإلكترونية، وكذلك دراسة المشروعات والتصورات المستقبلية في هذه الدول يساهم إلى حد بعيد بوضع النقاط الرئيسية لملامح الإدارة المستقبلية.

والجدير بالذكر أنه مع تطور مفاهيم النظم المعلوماتية، وازدهار تكنولوجيات الحواسيب والاتصالات في النصف الثاني من القرن العشرين، ظهرت أنواع متعددة من النظم المعلوماتية المبنية على الحواسيب كل منها يسعى إلى تلبية احتياجات معينة في المجالات الإدارية المختلفة، وكل منها يعمل على الإسهام بشكل أو بآخر في تحسين فاعلية الأداء الإداري، وقد كان لذلك الأثر المباشر على الأجهزة الإدارية، من حيث رفع كفاءتها وتحسين وتطوير طريقة أدائها، وتبعا لذلك ظهر ما يعرف بالإدارة الالكترونية التي تأخذ بالأساليب الحديثة من تكنولوجيات أنظمة معلوماتية، وذلك بهدف تبسيط الإجراءات الإدارية في الحصول على الوثائق والخدمات المختلفة المقدمة للمواطنين وبالتالي تسيير أعمالهم اليومية التي لها إرتباط بالأجهزة والمؤسسات الحكومية المتعددة من خلال وسائل المعلومات والاتصالات.

ثالثا: التأثيرات المتوقعة للنظم المعلوماتية على الهياكل الإدارية.

يجمع المتخصصون على أن التأثيرات المتوقعة للنظم المعلوماتية على الهياكل الإدارية تكمن في ثلاثة نقاط هي: إحداث تحولات تنظيمية، وتغير في الوظائف الإدارية، وتغير في الإجراءات الإدارية.

إحداث تحولات تنظيمية: أحد جوانب تأثير التكنولوجيات الحديثة للمعلومات والإتصال على الهياكل والعمل الإداري هو بروز هياكل تنظيمية جديدة يتم فيها ما يلي:

– تخفيض عدد المستويات الإدارية،
– توسيع نطاق الإشراف والرقابة، بحيث يعتمد أسلوب الإشراف على العاملين على الثقة، ويقل التعامل المباشر والرقابة بين الرؤساء والمرؤوسين وبين الزملاء بعكس ما هو موجود حاليا،
– الاعتماد على البريد الالكتروني والبرمجيات في تحقيق التنسيق بين الأفراد الذين يؤدون مهام مشتركة (برنامج الشبكة الإدارية المندمجة)،

– قيام المسئولين بتفويض المزيد من مسئوليات اتخاذ القرارات للمستويات الأدنى مما يجعل الأجهزة الإدارية أكثر استجابة لحاجيات المواطنين والمؤسسات.
– توفير إمكانية أن يعمل بعض أعضاء الأعوان عن بعد دون الحاجة للحضور الدائم إلى مراكز العمل.

تغير في الوظائف الإدارية: من المؤكد إن اكتمال فعالية التطبيقات والبرمجيات المعلوماتية سيؤدي إلى تغيرات جذرية في طريقة أداء الوظائف الإدارية، فمع توفر الاتصالات التفاعلية من المنزل سيكون بالإمكان إنجاز الخدمات الإدارية من داخل المنزل أو المكتب وذلك عبر جهاز الحاسوب الذي يمكن طالب الخدمة من التعامل مع الأجهزة الإدارية كشركة الكهرباء والغز أو شركة الهاتف أو استخراج مضامين الولادة والهوية وجوازات السفر، كما يتيح أيضا هذا التطور النوعي إمكانية التعامل مع الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية، بالإضافة إلى الخدمات التجارية والتجول في متاجر افتراضية وتمكن هذه الأخيرة من توصيل الخدمة إلى المنزل وتسديد قيمتها إلكترونياً.

تغيير في الإجراءات الإدارية: يتميز العمل الإداري حاليا بغياب الديناميكية في التطبيق والتقييم والمتابعة، ولكن مع سرعة التغييرات التكنولوجية الجارية في نظم المعلومات والاتصالات فسوف تتحسن كثيرا الصورة الحالية ويحدث لها العديد من التغييرات النظامية ويكون الاتجاه دوما إلى تبسيط الإجراءات وسرعة الإنجاز لملاحقة ركب التطور والتحديث.
رابعا: المشكلات التي تواجهها الهياكل الإدارية في ميدان المعلوماتية والإتصال.

تعيش حاليا الهياكل الإدارية في ظل عدد من التطورات بعيدة المدى في ظل النظام العالمي الجديد الذي فرض على تلك الأجهزة الإدارية أن تستعد لتحمل أدوات ومسؤوليات غير تقليدية، فعلى امتداد سنوات القرن العشرين حدثت تغيرات وتطورات على مستوى الأفكار والمفاهيم بشأن دور ومكانة الدولة وإسهاماتها المتوقعة في الرخاء والرفاهية، وقد صاحب هذا التطور جهود مستمرة لتطوير ورفع كفاءة وقدرات الأجهزة الإدارية والمؤسسات الحكومية.

وقد فرضت التكنولوجيات الحديثة للمعلومات والإتصال عدة تحديات على الهياكل الإدارية، وهو ما جعل هذه الأخيرة تعرف عدة مشكلات وصعوبات في هذا المجال، والتي يمكن حصرها في ما يلي:
 عدم اكتمال البنية التحتية للاتصالات والمعلومات: على الرغم من الجهود الحثيثة للهياكل الإدارية لمواكبة التطور التكنولوجي فإن البينة التحتية للإتصالات والمعلومات تعد غير مرضية، ويمكن في هذا الصدد الإشارة إلى غياب إكتمال الشبكات المعلوماتية بالإضافة إلى عدم تعميم التطبيقات والبرمجيات بصورة شاملة على كافة الهياكل خاصة منها تلك التي بالجهات.

معوقات تنظيمية وإدارية: إن أهم العراقيل المرتبطة باستخدام التكنولوجيات الحديثة للمعلومات والإتصال تتمثل في انعدام التخطيط والتنسيق والرقابة على الأنشطة المتعلقة باستخدام هذه التكنولوجيات، وذلك كنتيجة لعدم وجود سياسة عامة فنية موحدة على مستوى الدولة في هذا المجال، وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى أن الدراسة الإستراتيجية التي تقوم بها الوزارة الأولى بخصوص الإدارة الإلكترونية تعد على أهميتها متأخرة وكان من الأفضل القيام بها قبل الشروع في برامج الإدارة الإتصالية، ويشير الواقع العملي إلى وجود فجوة بين الفوائد المرتقبة التي يفترض أن تقدمها النظم المعلوماتية للهياكل الإدارية وبين الفوائد التي تم الحصول عليها بالفعل ويرجع ذلك إلي سببين رئيسيين هما:

– أن النظم المعلوماتية التي تم إدخالها إلى العمل الإداري تمت دون إجراء أي تغييرات في الهياكل التنظيمية أو في الإجراءات الوظيفية، فقد كان استخدام هذه النظم موجها أساسا لإكمال وتتمة الإجراءات اليدوية الموجودة.

– أنه يتم إدخال تقنية المعلومات في كل إدارة، وأحيانا في كل مصلحة من مصالح الإدارة بشكل مستقل عن المصالح والهياكل الإدارية الأخرى، وذلك في غياب سياسة موحدة، ولقد أكدت العديد من الأبحاث التي تمت في هذا المجال، إلى ضرورة الإسراع بوضع سياسة إستراتيجية في مجال نظم المعلومات.

معوقات بشرية: يعتبر العنصر البشري هو أهم العناصر في أي نظام، إذ بدون هذا العنصر لا يمكن لأي نظام أن يحقق أهدافه المرجوة، فالمعدات والآلات والأجهزة وكل وسائل التقنية الحديثة ما هي إلا عناصر خاملة بدون العنصر البشري، وتعد الفجوة الكبيرة الفاصلة بين العاملين في مجال نظم المعلومات وبين المستفيدين من هذه التكنولوجيا مما يجعل الاتصال والتفاهم بين هاتين الفئتين ضعيفا، ونتيجة لذلك يتم تصميم أنظمة لا تلبي حاجة المستفيدين في معظم الحالات، وهذا يعني هدر المزيد من الوقت والموارد.

 معوقات تقنية وفنية: تتمثل المعوقات التقنية والفنية في ضعف انتشار تقنية نظم المعلومات والاتصالات، وتعود أسباب ذلك إلى قلة الوعي العام بما توفره هذه التقنيات من خدمات، بالإضافة إلى أن عدم توفر البنية التحتية المناسبة التي تضمن تقديم تلك الخدمات المعلوماتية بالشكل الجيد والتي تغطي جميع أنحاء الدولة وبتكلفة مناسبة هو أيضا من الأسباب التي تعيق انتشار هذه التقنيات، ويمكن إجمال أهم المعوقات التقنية والفنية التي تواجه عملية الاستخدام الأمثل للتكنولوجيات الحديثة للمعلومات والإتصال في الهياكل الإدارية فيما يلي:

– صعوبة اختيار الأجهزة المناسبة نظرا للتعدد الكبير في الأنواع والنظم المختلفة، وعدم وجود أسس واضحة للمفاضلة بينها، بالإضافة إلى سرعة تطور هذه التجهيزات، ومما يزيد الأمر تعقيدا شدة المنافسة في سوق الحواسيب مما يجعل الاختيار صعبا، وقد تفرض أحيانا بعض الأنواع والأنظمة نفسها في السوق على عكس ما يرغب المستخدم في الحصول عليه.

– مشكلات تتعلق بتشغيل الأجهزة، كالأعطال وسرعة الإصلاح وإجراء عمليات الصيانة الوقائية ومسئولية الشركات والتزامها في تنفيذ التعهدات المختلفة.

– السرعة الكبيرة لتقادم أجهزة الحواسيب مما يؤدي في معظم الحالات إلى تغييرات كبيرة في الأنظمة القائمة، حيث يتطلب ذلك موارد مالية وفترة زمنية كبيرة، الأمر الذي يؤدي إلى صعوبة إجراء تقييم صحيح أو دراسة حقيقية للجدوى أو غير ذلك من القرارات الهامة.

– عدم إتباع الطرق العلمية لتحديد الاحتياجات اللازمة لمختلف وحدات وتجهيزات الالكترونية، وهذا لا يمكن أن يتم إلا عن طريق القيام بدراسة للجدوى من الناحيتين الفنية والاقتصادية، مما يؤدي في النهاية إلى عدم التطابق بين الإمكانيات المتوفرة والاحتياجات الفعلية.

الخلاصة:
تعتبر المعلومات أحد الموارد الاستراتيجية في أي هيكل إداري، حيث لا يمكن أداء العديد من العمليات الأساسية أو اتخاذ أي قرار دون الاعتماد على المعلومات، كما تعد المعلومات في الأجهزة الإدارية استثمارا يمكن استغلاله استراتيجيا للحصول على ميزة تنافسية، ولذلك أصبحت الأجهزة الإدارية تنظر إلى ميدان المعلوماتية كمجال يمكن من خلاله خلق الفرص أو إضافة قيمة لديها، وسوف يتوقف نجاح تلك الأجهزة على نحو أكثر من ذي قبل على فهم طبيعة التغير واستباق التكنولوجيا واستخدامها على نحو يوظف مزاياها.

وقد أصبح بناء نظم للمعلومات في الهياكل الإدارية ضرورة ملحة لا بد منها، حيث أصبحت مصدراً جديداً لقوة تلك الأجهزة بما يساهم في تحسين كفاءة وفاعلية الأداء الإداري، ولذلك يجب على الأجهزة الإدارية أن تقوم برسم سياسات واستراتيجيات لتطوير موارد المعلومات لديها وتحفيز عملية الانتفاع من تلك الأنظمة، بما يتماشى وينسجم مع التطورات الحديثة، وذلك لتحقيق نمو أكثر فاعلية في الخدمات الإدارية.