دور الفعل الانتخابي في ترسيخ قيم المواطنة الايجابية

 

الدكتور إدريس عطية أستاذ محاضر صنف “أ”

قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة العربي التبسي ـ تبسة، الجزائر

Abstract:

This paper seeks to explore the importance of electoral act, as a voluntary conduct, as it aims to strengthen citizenship as a human value, so that the electoral phenomenon is seen as a rationale of rights, by which citizens can be politically empowered. Therefore, elections are understood as a translation of elections’ right into votes, and votes, in turn, are turned into seats; which reflect usually the social diversity in national unity.

Accordingly, this study attempts to uncover the relationship between the electoral act and the citizenship as a concept to be implemented in practice. Besides, it is deemed as a value judged by several criteria; mainly, the strong relation between the individual citizen and the State (State-Community approach), since the leaders and the led correlation under clientelism line, as pathological witnessed by most of theSouthern countries as stated by political science; which refers to the primacy of intra-national allegiance over those related to nation-states.

And then that, in turn, propels us to measure the extent to which such electoral act is significant as an essential approach to understand the consolidation of citizenship values, additionally, it is a must to prepare good citizens under the State of law, based primarily on good governance, in which all aspects of human life could be cared, preserved and enhanced. Not to mention, also, the need of involving nation-states of the South into the logic of smart State’s philosophy, characterized by contemporary dimensions, largely adapted to the implications of Globalization.

Keywords:elections, rights, duties, citizenship, consolidation.

ملخص
تستهدف هذه الورقة التعرض لدراسة أهمية الفعل Action الانتخابي الذي يعد كسلوك طوعي، وغائي (له غاية)، يسعى إلى ترسيخ المواطنةكقيمة إنسانية، بحيث تعد الظاهرة الانتخابية كمنطق حقوقي يسعى لتمكين المواطن سياسيا. ولذا، تعد الانتخابات عملاً يقوم على ترجمة حق الانتخاب إلى أصوات وترجمة هذه الأصوات إلى مقاعد، تعكس في العادة التنوع الاجتماعي داخل الوحدة الوطنية.

وبناء عليه، تحاول هذه الدراسة الكشف عن طبيعة العلاقة الرابطة بين الفعل الانتخابي والمواطنة كمفهوم لا بد من تجسيده على أرض الواقع، كما أنها قيمة تخضع إلى مؤشرات عدة تحدد شدة وقوة العلاقة بين الفرد المواطن والدولة (اقتراب علاقة الدولة-المجتمع)؛ بحيث تشهد أغلب دول الجنوب حالة مرضية في علم السياسة، تتمثل في إشكالية المواطنة، إذ تتجسد علاقة المحكوم بالحاكم في إطار زبائني (علاقة الراعي بالرعية) مما أدى إلى علو الولاءات التحتية على حساب الولاء الوطني أو القومي.

وهذا ما يدفعنا للتطرق إلى قياس مدى أهمية الفعل الانتخابي كمدخل أساسي من مداخل تكريس وترسيخ قيم المواطنة، من أجل إيجاد مواطن صالح لتتجسد بذلك فعلياُ دولة الحق والقانون القائمة أصلا على حكم رشيد جيد يراعي كل شؤون الحياة الإنسانية التي لابد أن يعمل على الحفاظ عليها وتنميتها؛ لكي تدخل الدولة الوطنية في عالم الجنوب إلى منطق الدولة الذكية ذات الأبعاد المعاصرة المتكيفة مع تداعيات ظاهرة العولمة.

الكلمات المفتاحية:الانتخابات، الحقوق، الواجبات، المواطنة، الترسيخ

مقدمة

تبرز أهمية الفعل الانتخابي في تكريس قيم المواطنة، في ظل المتغيرات المتلاحقة وفي إطار ما تفرضه التجليات الراهنة لظاهرة العولمة، حيث أصبحت للممارسة الديمقراطية موقعا أساسيا في استراتيجيات وسياسات الدول المتقدمة، وهو ما يجب أن يؤخذ به أيضا في الدول النامية التي تستهدف التحديث وإعادة البناء بما يتوافق مع متطلبات العصر وبما يضعها على خريطة العالم كدول قوية ومؤثرة وفاعلة.

ومن ثم يتجسد للفعل الانتخابي بأنماطه المختلفة التقليدية منها والحديثة، عبر مستويات الممارسات الديمقراطية كافة من أجل تحقيق مواطنة صالحة وإيجابية في الدول التي تسعى للحاق بركب الدول المتقدمة، وتحقيق مقومات التنمية الشاملة التي تهتم بالتنمية المواطنية (المدنية أو الحضرية)، التي تعنى بأفراد المجتمع كافة من حيث تعليمهم المهارات الجديدة وتهيئتهم لقبول الأفكار المستحدثة مما يمكنها ويمكنهم من الانفتاح والاستفادة من غيرهم دون الانصهار أو الذوبان فيه، وتكوين الاتجاهات التي تستلزمها عملية التحديث، وبناء الدولة العصرية، والتنمية الذاتية لشعوبها، والتي تمثل نقطة البداية السليمة لتحديث أي مجتمع.

ويتطلب ذلك تكاثف وتكامل كافة المؤسسات المعنية بالتنشئة السياسية والتعليم والتكوين الثقافي والترفيه الراقي المفيد، للدفع بضرورة ترسيخ مجموعة من القيم والأفكار والسلوكيات الايجابية، ومنها على سبيل المثال:المواطنة والمشاركة والانتماء والحرية المسؤولة؛ والتي تعد نتاج البيئة المحيطة بها وفي سياقاتها المختلفة (التاريخية، والاجتماعية، والسياسية، والثقافية)، آخذين في الاعتبار أنه بين إحساس الفرد بالاهتمام والرغبة في المشاركة من جانب، وبين شعوره بالمسئولية من جانب أخر تغرس فكرة المواطنة.

وبما أن الوعي بالمواطنة هو نقطة البدء تظل المواطنة كقيمة عليا مرتبطة ومرهونة بقدرة البناء السياسي على الاستجابة للبناء الاجتماعي –الاقتصادي، ومن ثم يتوافر للفرد القدرة على ممارستها والعمل على تنميتها وتطويرها أيضا، وعلى هذا الأساس نطرح المشكلة البحثية التالية:

كيف يمكن أن يشكل الفعل الانتخابي عاملا أساسيا في تكريس قيم المواطنة الايجابية؟

أولا:المحددات البنيوية للفعل الانتخابي المعاصر:

يُعَرف الفعل الانتخابي، على أنه السلوك الذي يسعى إلى ترجمة حق الانتخاب إلى أصوات وترجمة هذه الأصوات إلى مقاعد، بحيث تشكل الانتخابات تفعيلا لمجموعة من الحقوق المدنية والسياسية للمواطنين التي أسسها النسق الحقوقي العالمي انطلاقا من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان العام 1948، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية للعام 1966، ووصولا لإعلان وبرنامج عمل فبينا في جوان العام 1993 الذي أعمل حركية عولمة حقوق الإنسان والديمقراطية([1]) .

فالانتخابات هي بالتالي تفعيل حركي للحق في الترشح والتصويت بصفة منتظمة، والتي تستدعي مجموعة من الشروط ومنها:الحق في إنشاء والدخول في الجمعيات المدنية والأحزاب السياسية، الحق في حرية التفكير والتعبير والتجمع والدفاع عن القناعات السياسية والفكرية. فتوفر الحركيات الدستورية والقانونية والإجرائية الضامنة لهذه الحقوق والحريات لا تكفي وحدها، إذ أنها تستدعي تفعيل مجموعة من الآليات السياسية والإعلامية والقضائية الكفيلة بتحقيق أكبر قدر من التمكين الحقوقي للمواطن بشكل يجعله محورا ومركزا بالفلسفة الدولية لحقوق الإنسان والنظام السياسي([2]).

ومن هذا المنطلق، فالانتخابات لا تعكس آلية بموجبها يتم اختيار رموز السلطة في المجتمع، لتتقلد مناصب سياسية في مؤسسات الدولة الرسمية، كأهم مظاهر التنمية السياسية للمجتمعات المعاصرة، فحسب، بل إنها تعكس فلسفة سياسية مختلفة، على ما عُهد تقليديًا عن غاية المجتمع السياسي المنظم (الدولة)، وطبيعة حركة السلطة السياسية المنظمة، في المجتمع عن تلك التي تتفاعل في مجتمعات أقل تنظيمًا من الدولة على مستوى حركة الظاهرة السياسية، داخليًا أو خارجيًا.

ولذا، يعد الفعل الانتخابي أعلى مستويات المشاركة السياسية، من خلال أنها سلوك تطوعي ونشاط إرادي، وكذا فعل مكتسب وإيجابي، فضلا عن أنها عملية اجتماعية ومتكاملة متعددة الجوانب والأبعاد، هذا فضلا عن أنها حق وواجب، وهدف ووسيلة في آن واحد,

إن الفعل الانتخابي الديمقراطي، كما تعرفه المعايير المتعارف عليها عالميا يقتضي توفر أربعة محددات أساسية لكي يوصف بالديمقراطي وهي:الانتظام، التعددية، الحرية والنزاهة.

الانتظام؛ يقصد به احترام النظام السياسي لمدة العهدة المحددة دستوريا دون افتعال أسباب وظروف “استثنائية ” لتبرير تأجيل الاستحقاقات الانتخابية، خاصة عندما تكون الدولة لا تعرف حالات من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية؛ فالانتظام، من هذا المنظور، هو احترام للعهد الانتخابي المحدد مجاليا والمعبر عن حق المواطنين في تفعيل حقوقهم لإحكام شروط التداول أو التغيير([3]). حيث تنظم الانتخابات في شكل دوري.
أما التعددية؛ فهي بالأساس تعبير عن حق المواطنين في الترشح في أطر حزبية أو كمستقلين. فالتعددية هي شرط لصيق بالديمقراطية، فغيابه، يعني غياب الصفة الديمقراطية عن الانتخابات، والتعددية شكلان:تعددية فعلية وأخرى صورية، فأما التعددية الفعلية فهي تقوم على توفر تنافس حر دون تمييز بين الفواعل السياسية مع غياب أي شكل من أشكال التقييد للمبادرات الحزبية أو الخاصة للمواطنين، فهي قائمة على مبدأ التساوي الفعلي في الفرص السياسية. وأما التعددية الصورية فهي تقوم على هيمنة حزب السلطة وإن دخلت أحزاب “مواجهة” أو “ديكورية ” لإضفاء نوع من المصداقية على هذه الاستحقاقات فهي ديمقراطية مظهرية يغيب عنها جوهر وروح الديمقراطية التي عمادها الحرية والمواطنة([4]).
3.أما الحرية؛ فهي تعبير عن مجموعة من الشروط الكفيلة بالمساعدة على بناء خيارات عقلانية تقدم للمواطنين من أجل إرشادهم لانتقاء المرشحين الكفيلين بإحداث الفعالية التشريعية والتنفيذية الضروريتين لإنتاج الأمن والرفاه([5]). فالحرية تعني بالأساس حرية التعبير والتفكير والمبادرة، مع ضرورة غياب أي شرط أو فعل يحدث الإكراه أو التوجيه القصري لخيارات المواطنين.

فالديمقراطية تقوم على القناعة والإقناع، على الاختلاف والحوار وعلى تعددية الأفكار وقنوات التعبير عنها.

فالحرية تستدعي أيضا وجود مجال حر لصحافة تبتعد عن الموسمية والمظهرية. فالديمقراطية ليست مجرد فلكلور انتخابي قائم على الشعبوية والوعود الزائفة والتجمهر أيام الحملات الانتخابية في التجمعات العامة، وفي الإذاعة والتلفزيون، بل هي ممارسة يومية لإثراء النقاشات العامة حول هموم وآمال وآلام المواطنين لتشكيل حلقة اتصال إضافية بين الحاكم والمحكومين من جهة، وآلية فعالة لديمقراطية الثقافة السياسية المتمحورة حول حقوق الإنسان والمواطنة والفعالية والمحاسبة.

أما شرط النزاهة؛ فهو قائم بالأساس على جعل التنافس شريفا وعادلا بين الفواعل السياسية لإقرار قدسية حقوق المواطنة والصوت الانتخابي للمواطن. فالنزاهة، من هذا المنظور، تشتمل على مجموعة من العمليات والتي تقوم بالأساس على بناء مصداقية الانتخابات بعدم التلاعب بالقوائم الانتخابية، عدم التلاعب لصناديق الاقتراع، عدم تزوير محاضر الفرز والاحترام الشامل لنتائج الصندوق. فالنزهة تقتضي بالأساس الحياد الإيجابي للإدارة المنظمة والمشرفة على العمليات الانتخابية، والذي هو بحد ذاته إلتزام للنظام السياسي لقواعد الديمقراطية والتداول([6]).

ويظهر مما سبق أن الفعل الانتخابي ليس غاية في حد ذاته، وإنما وسيلة وسلوك إنساني يسعى لتحقيق غاية أعلى منها، تتمثل في المقاصد العليا للانتخابات. إن للانتخابات الديمقراطية نتائج على درجة كبيرة من الأهمية في نظم الحكم والصراع السياسي الداخلي. فهي عملية اختيار من بين بدائل متعددة، تستهدف تحقيق عدة مقاصد، تدور حول التعبير عن مبدأ أن الشعب هو مصدر كل السلطة. هذا فضلا عن أنها تمثل وسيلة لتوعية وتثقيف المواطنين من جهة، ومصدرا للتجنيد السياسي للمجتمع والحكام من جهة أخرى.

ومن هنا، فإن فهم حقيقة الانتخابات يقتضي عدم الوقوف عند معرفة جانبيها القانوني والفني، وإنما تجاوز ذلك لتناول السلوك الفعلي لكل أطراف العملية الانتخابية من ناخبين ومرشحين ومراقبين ومشرفين وسلطة تنفيذية([7]).

ثانيا:مضامين المواطنة الايجابية:الدلالة والأبعاد:

ارتبط مفهوم المواطنة كمصطلح، بالمجتمعات الغربية الأوربية، حيث تطورت المواطنة في نطاق محدود كان الإنسان البدائي يرتبط في إطاره بالمكان والعمران والإطار الاجتماعي الذي يعيش في نطاقه، وعندما تبلورت دولة المدينة اليونانية والرومانية القديمة قام بعضهم بتطوير بعض الحقوق والامتيازات التي امتلكوها في نطاق الإطار المكاني-الاجتماعي في مقابل حرمان البعض الأخر منها، ونتيجة لذلك تولدت عواطف ارتباط بالمكان عند البعض من جهة، وعواطف الاغتراب عند بعضهم الأخر من جهة ثانية.

ومع قيام حركة الإصلاح الديني والثورة الفكرية والعلمية والتنويرية المرتبطة بفلسفة الأنوار في أوربا، بدأت مرحلة جديدة في تطور متغير لمفهوم المواطنة حيث ارتبطت المواطنة بمفهومين:الإنسانية Humanism، والعالمية Universalism، بمعنى وجود قيم إنسانية تسود العالم كله دون تمييز، كالتسامح والإخاء، والمساواة بين البشر([8]).

وجاءت الثورة الفرنسية معلنة أنها تؤسس أمة جديدة لا علاقة لها بالمرجعية البيولوجية، أو الدينية، بل مرجعيتها الوحيدة هي قرار حر من المواطنين من خلال ما استحدثه “جون جاك روسو” عن مفهوم العقد الاجتماعي، واستقلالية الفرد وحقوقه في مواجهة الدولة وعن العيش كمواطنين متضامنين ينتمون إلى دولة قومية، ومجتمع عام وليس إلى مجتمعات محلية في ظل قوانين يسنونها دون قيود.

واستكملتْ ذلك ببعد أخر من أبعاد المواطنة حينما حولت الدولة “البشر”، من رعايا عليهم واجبات إلى مواطنين لهم حقوق مثلما عليهم واجبات مؤكدة شرعية المشاركة في القضايا التي تمس الوطن والدولة والمجتمع.

وفي عصر العولمة ظهرت مجموعة من التحولات والمتغيرات تعمل في اتجاه تحرير المواطنة من حدودها القومية وذلك على المستويين الداخلي والخارجي.

داخليا:أثرت عملية الحراك الاجتماعي والسياسي والجغرافي لأفراد حاملين لهويات من مجتمعات عدة على ارتباط المواطنة بمفهوم الهوية السياسية، والذي طرح كوسيلة يمكن من خلالها أن يصل الأفراد لحل الاختلافات الناجمة عن خصوصياتهم الثقافية مع إعادة التفكير في الديمقراطية من خلال مفهوم الديمقراطية المتعددة الثقافات MulticulturalismDemocracy، والتي تعني التفكير في القواعد التي تسمح بالتوفيق بين متطلبات الديمقراطية، وعلى رأسها حكم الأغلبية وواقع عدم التجانس الاجتماعي والثقافي، ومسألة وجود ضمان الاحترام حكم الأغلبية للأقلية.

أما خارجيا:ارتبطت فكرة تحرير المواطنة بالمواطنة العالمية التي تسقط الانتماءات القومية ليتولد انتماء شامل ومواطنة إنسانية بلا تحديد أو تمييز، وهي “مواطنة إنسانية “ترتبط بتحالف البشر من أجل إعلاء مثل عليا كالحرية، والديمقراطية والحوار.

وترتبط المواطنة الإنسانية بالاستقبال النشط مما يعكس أهمية تطبيق ذلك المفهوم من أجل تحقيق التنمية المستدامة في العالم، والتي لن تتأكد إلا من خلال اتخاذ الفرد لمسافة بين قيمة ذاته، وبين تفاعله مع الأخر، ومحاولة تقبل منظومة قيميه عالمية تستقر من خلال مناقشات وحوارات جمهورية Conversation Republicaine مفتوحة للكل.

وبناء على ذلك، فالمواطنة كمفهوم في المجتمع الغربي، تعني انتقال الحقوق من الدولة إلى الأفراد، وتشير إلى عضوية الفرد في الجماعة سواء كانت هذه العضوية إيجابية أو سلبية، بحيث تنظم له هذه العضوية حقوق وواجبات قائمة في ذلك على مبدأ العمومية والمساواة([9]).

وللمواطنة بعد قانوني؛ يتمثل في التنظيم القانوني للحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يجب أن تكفلها الدولة للمواطنين على قدم المساواة ودون أي تمييز بينهم ويقابل هذه الإلتزامات التي يجب الوفاء بها.

وكذلك، هناك بعد مادي للمواطنة يتجسد في قدرة الدولة على توفير متطلبات الحياة الملائمة للأفراد. وبعد معنوي – سوسيولوجي، يرتبط بمشاعر الولاء والانتماء للدولة من قبل الفرد وتفضيل المصلحة العامة على الخاصة والاحترام الطوعي للقانون.

وقد يختلط الأمر لدى بعض الافراد، بين حقوق المواطنة وحقوق الإنسان، إلا أنه يمكن عبر مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التمييز بين حقوق الإنسان، وحقوق المواطن رغم أن أغلب مواده تستهدف الإنسان والمواطن معاً، لأن تنظيم حقوق المواطن يبدوا كضمانة غير مباشرة لحقوق الإنسان، ولأن احترام حقوق الإنسان ضرورية لممارسة حقوق المواطن.

إن المواطنة لا يكفيها مجرد إقرار الحقوق، وإنما يتم قوامها بأداء إلتزامات تتمثل في السعي إلى معرفة الحقوق والتشبث بها والدفاع عنها، فضلا عن ممارستها في إطار الصالح العام، مما يبرز دور الفعل الانتخابي وأهميته، ومن ثم يتضح أنه هناك علاقة وثيقة بين مفهوم المواطنة والنظام السياسي بمعنى أنه كلما اقترب النظام السياسي من النموذج الديمقراطي ساعد ذلك على تحقيق وتعزيز المواطنة بأبعادها المختلفة.

ثالثا:رهانات الفعل الانتخابي كأداة لترسيخ قيم المواطنة الايجابية

الترسيخ (التكريس أو التحقيق) هو عبارة عن مسار بطيء([10])، لكنه هادف يتم من خلاله التحول من المواطنة في بعدها الشكلي إلى جوهر الممارسة المواطنية، وذلك من خلال تنظيم انتخابات بشكل دوري، ويكون رهانها هو الممارسة الفعلية للسلطة، وقد يشكل الفعل الانتخابي مدخلا أساسيا لتجاوز الارتياب في العمل السياسي داخل الوحدة الوطنية الواحدة.

ويتطلب تحول المجتمعات نحو الحداثة والديمقراطية وغرس وتنمية قيم المواطنة بين عامة الناس، وبما لا يجعلها حكرا على المثقفين أو المشتغلين بالسياسة؛ حيث تتحقق المواطنة عبر الممارسة الديمقراطية ليس فقط من خلال الفعل الانتخابي الذي يسعى إلى إيجاد آلية منطقية من أجل ممارسة السلطة للتعبير عن المواطنين وقضاياهم، وإنما أيضا من خلال اتساع المجال العام للنقاش وتبادل الآراء والتعبئة الاجتماعية وإتاحة الكلمة للمواطنين وتأكيد حرية التعبير والاختيار، ودفع الحوار الفعال بين مختلف الفئات في المجتمع وتنوع الأصوات ومدى تعبيرها عن الرأي العام أياً كانت درجات التباين بين فئاته وإتاحة فرصة ممارسة المواطنين لحرياتهم الفردية وحثهم على الفعل والمشاركة.

وفي ضوء ما تشير إليه العديد من الدراسات عن غياب مفهومي المواطنة الفاعلة، والمفتوحة خاصة في المجال السياسي، حيث لا تعكس نسبة المشاركة في الانتخابات وأشكال المشاركة المختلفة لدى المواطن إلا مواطنا مقيما بشكل منظم أو ينخرط في الحياة السياسية مما يؤكد ضرورة غرس ونشر مفهوم اتساع علاقة المواطن بالدولة التبادلية، أي حقوق وواجبات المواطن في مقابل حقوق وواجبات الدولة؛ وعليه يتولد لدى المواطن الحافز للمشاركة والتفاعل في المجتمع مما يفرز ويدعم من المواطنة من جديد.

كما تقتضي أيضا الفعالية الديمقراطية، إضافة لهذه الشروط التأسيسية، التشجيع على تداول النخب بفتح مجال المشاركة السياسية للنخب المثقفة حسب قاعدة الكفاءة والاستحقاق المنتجة للسياسات الاقتصادية والاجتماعية المحققة لأكبر قدر من التنمية الإنسانية المستدامة والأمن الإنساني، فعولمة حقوق الإنسان والديمقراطية، تستدعي بالإضافة للانتخابات وتعددية الأحزاب والمجتمع المدني، عولمة المعرفة والكفاءة أيضا.

إذ يشكل الفعل الانتخابي عملية سياسية مفعلة لحقوق المواطنة بالمشاركة السياسية في اختيار من يمثل المواطنين ومن يحكم باسمهم ومن يشرع في البرلمان نيابة عنهم، ومن يقرر محليا أو جهويا أو حتى عالميا باسمهم. كما تعد الانتخابات أحد الركائز الاجتماعية المحققة للتجانس المجتمعي والاستقرار السياسي؛ إذ أنها إضافة لكونها آلية اتصال سياسي والتجديد النخبوي، فهي أيضا الإطار الأولي المحدد لمشروعية النظام السياسي وتوجهاته العامة وطبيعته([11])؛ بل هي الضابط الأساسي لأدائه وفاعليته، داخليا وخارجيا.

وتتضح تجليات المواطنة الإيجابية من خلال الفعل الانتخابي في تحقيق القيم المحورية التالي:

1.قيمة المساواة؛ حيث يؤسس الفعل الانتخابي لتحقيق المساواة بين جميع أفراد المجتمع (شباب، نساء..) في العديد من الحقوق مثل حق الانتخاب، وحق الترشح..وغيرها.

قيمة الحرية؛ والتي تنعكس في العديد من الحقوق مثل حرية الاختيار، وحرية المشاركة والتصويت أو الامتناع، وحق الحديث والمناقشة بحرية مع الآخرين حول مشكلات المجتمع ومستقبله..
قيمة المشاركة؛ التي تتضمن التصويت في الانتخابات العامة بكافة أشكالها، وتأسيس أو الاشتراك في الأحزاب السياسية أو الجمعيات أو أي تنظيمات أخرى تعمل لخدمة المجتمع أو لخدمة بعض أفراده، والترشيح في الانتخابات العامة بكافة أشكالها، وكذا المشاركة فيها.
المسئولية الاجتماعية؛ التي تتضمن العديد من الواجبات احترام القانون، واحترم حرية وخصوصية الآخرين. واحترام آراءهم وتوجهاتهم([12])،كما أن الانتخابات تملي مسئولية اجتماعية على كل المواطنين في اختيار من يحكم باسمهم ومن يمثلهم بالأساس.
ويتضح مما سبق، أن الانتخابات في عالم ما بعد الحداثة تعد عاملا أساسيا من عوامل التنمية السياسية الديمقراطية القائمة على “الجودة ” ([13])والمحركة لعمليات البناء التعددي للدولة والمجتمع معا من أجل تكريس أفكار الاندماج، والتمثيل، والمسؤولية بالجزاء، والتباين السلطوي، والتعقيد المؤسساتي والكفاءة الإدارية.

من هنا يظهر أن الفعل الانتخابي أضحى يمثل أحد الأبعاد العملياتية للممارسة الديمقراطية المعاصرة، والتي تقوم على تفعيل مشاركاتي لحقوق الإنسان حسب المنظور العملي المكرس في مختلف الصكوك الدولية المؤسسة لنسق الحقوقي العالمي، والتي أعطت أرضية فيينا للعام 1993بعدا إجرائيا جديدا لذلك، ولكن أكثر فأكثر حسب المنطلقات الأنطولوجية للكوسموبوليتانية الجديدة في علم أكثر تغيٌراَ وتعقيداً.

الخاتمة

نظريا توجد المواطنة وترتبط بالهوية والقانون والحقوق والواجبات على المستويات كافة، في حين أنها تنتهك على أرض الواقع نتيجة لمجموعة من المتغيرات الإيديولوجية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وكذا الدولية.

إن تنمية قيم المواطنة هي معنى أكبر من مجرد التلقين لسياسة معينة أو التنشئة السياسية أتاها المعنى الذي من خلاله يدرك الفرد واجبات دوره، ومسئولياته تجاه مجتمعه بما يحمله على تبني رؤية ملائمة للعمل الوطني من خلال القنوات الشرعية؛ بل هي ثقافة تتجسد من خلال التصورات القائمة عن السلطة أو الحكم بصفة عامة مع أعطاء أهمية مثلى لمدى تأثير العوامل السوسيو-سياسية المتعددة كالأمية والفقر..وغيرها.

حيث كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن المشهد السياسي والمدني في ارتباطه بالمشاركة في شقها السياسي كحال الفعل الانتخابي، بينما يتحدث البعض الأخر عن اللامشاركة واللاتسيس بالنظر إلى نسب المشاركة الضعيفة التي قد تطبعت العملية الانتخابية ككل بناء على قناعات غذتها المتغيرات الثقافية.

في حين يتحدث البعض، بنوع من العمومية عن أهمية الفعل الانتخابي بكون المشاركة السياسية هي السبيل الوحيد لتحقيق الانتقال الديمقراطي، والبعض الأخر، يحاول أيضا أن يذهب بعيدا، ويتحدث عن المشاركة بشكل قطاعي؛ المشاركة وعلاقتها بقطاع الشباب، وبقطاع المرأة..، ويتم تبرير هذه العلائقية بالأهمية التي يكتسبها هذان القطاعان.

يساهم الفعل الانتخابي في تعزيز المواطنة المجتمعية أكثر من المواطنة الفردية، بأسلوب أخر تعد الممارسة الانتخابية كأعلى مستويات المشاركة السياسية ممارسة فعلية مرتبطة بحقوق المواطنة، المرتبطة بالمجتمع أكثر بارتباطها بالفرد، ومن هنا تصبح المواطنة في السلوك الانتخابي مرتبطة بالصالح العام أكثر ارتباطها بالصالح أو الشأن الخاص.

لا يمكن أن نغفل تهيئة الأجيال الناشئة لما يمكن تسميته بسلوكيات المواطنة العالمية فلا تعارض بين القومية، والمواطنة العالمية، بل إن شعور الفرد بقوميته وولائه الوطني يعتبر خطوة أساسية في سبيل العالمية الصحيحة؛ وإن الولاء للمجتمع العالمي لا يمكن أن يكون بديلا للانتماء الوطني، إنه يكمل هذا الانتماء ولا يناقضه.

وللسلوك الانتخابي دور وأهمية كبرى في مجال غرس وتعزيز ونشر قيم المواطنة، إذا اقترن بالصالح العام وإذا أحسن استثمارها، وإذا مارست مهامها في إطار المسئولية الاجتماعية. حيث يدفع بالمواطن على الفعل والمشاركة الايجابية والدائمة. فلا بد من ضرورة الدعوة إلى تأهيل الفعل الانتخابي كمدخل للتحول في تدابير مسألة المواطنة.

قائمة المراجع:

1- سامح فوزي، المواطنة (القاهرة:مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، 2007).

2-عبد الودود مكرم، القيم ومسئوليات المواطنة:رؤية نقدية (القاهرة:دار الفكر العربي، 2004).

3-يونسبردة،”الإشكالية الانتخابية في المغرب:مقاربة أسس الحكم وتجاذبات المسارالانتخابي،” مشروع دراسات الديمقراطية في البلدان العربية (الرباط:اللقاء السنوي الرابع عشر، 2007).

4-عبد السلام يخلف،” الرشادة في عصر العولمة:بديل ممكن أم يوتوبيا؟،” دراسات إستراتجية، ع.6 (جانفي 2009)، ص ص.81-101.

5-امحند برقوق،” الانتخابات… المواطنة والديمقراطية،” انظر على الرابط التالي:

http://www.alhewar.org/debat/show.art.asp?aid=43037php/.(21/04/2011)

6 -Pippa Noris,Electoral Engineering:Voting rules and political behavior)Cambridge:Cambridge University Press, 2002(.

7 -GéreFrançois,Dictionnaire de La Pensée Stratégique (Paris:Larousse Bordas/ her2000).

-8Oxford world power dictionary (china:oxford university press, 2006).

(1)يونسبردة،”الإشكالية الانتخابية في المغرب:مقاربة أسس الحكم وتجاذبات المسار الانتخابي،” مشروع دراسات الديمقراطية في البلدان العربية (الرباط:اللقاء السنوي الرابع عشر، 2007)، ص.ص.13-14.

(2)امحند برقوق،” الانتخابات… المواطنة والديمقراطية،”/.(21/04/2011)، ص.2.أنظر على الرابط التالي:

http://www.alhewar.org/debat/show.art.asp?aid=43037php

[3] برقوق، مرجع سابق، ص.3.

[4] سامح فوزي، المواطنة (القاهرة:مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، 2007)، ص ص.14-16.

5 بردة، مرجع سابق، ص. 41.

[6]المرجع نفسه، ص.43.

([7] ) برقوق، مرجع سابق، ص..4

(8) عبد الودود مكرم، القيم ومسئوليات المواطنة:رؤية نقدية (القاهرة:دار الفكر العربي:2004)، ص.39.

(9)فيالغة الفرنسية أشار:القاموس الفرنسي “لاروس” LAROUSSE إلى المواطنة على أنها معنى المساهمة في حكم دولة ما على نحو مباشر أو غير مباشر، ولفظ المواطن بمعنى الشخص الذي يتمتع بعضوية بلد ويستحق ما ترتبه هذه العضوية من إمتيازات. أنظر:

-GéreFrançois,Dictionnaire de La Pensée Stratégique (Paris:Larousse Bordas/ her2000) ,P.312.

-وفي اللغة الانجليزية أشار قاموس”أكسفورد” Oxford world power dictionary إلا أن كلمة المواطنة Citizenhip تستخدم ليقصد بها حالة أن يعد الفرد كونه يعيش في رحاب دولة معينة وينتمي إليها ويخلص لها فيحضى من ثم بالحماية أو يتمتع بالعضوية فيها سواء بحكم المولد أو بحكم إكتساب الجنسية.

أنظر: -Oxford world power dictionary (china:oxford university press, 2006),P.105.

(10) عبد السلام يخلف،” الرشادة في عصر العولمة:بديل ممكن أم يوتوبيا؟،” دراسات إستراتجية، ع.6، (جانفي 2009)، ص ص.81-101.

)11(PippaNoris, Electoral Engineering:Voting rules and political behavior)Cambridge:Cambridge University Press, 2002, p.p.86-88.

يخلف، مرجع سابق، ص ص.81-101. ([12])

)[13](Noris,op. cit. , p.91.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت