الامتيازات غير المبررة في مجال الصفقات العمومية

بن عودة صليحة، جامعة أبو بكر بلقايد كلية الحقوق، تلمسان/ الجزائر.

الملخص:
يأخذ الفساد المعنى الواسع الذي يمكن استعماله في العديد من المجالات عند الحديث مثلا عن أخلاق المجتمع، وذلك نظرا لأن جرائم الصفقات العمومية تعد من جرائم الفساد لأنها تتعلق بكل أنواع الاتجار بالوظيفة، هذا ما يستنتج من القانون رقم 06-01، المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته. ولكن الفساد يظهر جليا في ميدان الصفقات العمومية من خلال الانحرافات الإجرامية التي يقوم بها الموظف العمومي لعدم احترامه الشروط المنصوص عليها قانونا، كالحصول على مزية غير مستحقة أو هدية تعصف بالشرف الوظيفي بمناسبة تحضير أو إبرام أو تنفيذ صفقة. فلا يمكن الحديث عن الفساد الإداري دون ربطه بموظف عمومي، حتى أضحى هذا الأخير هو الفاعل المتفرد في ارتكاب جرائم الفساد الإداري، التي أصبحت تهدد الحريات عموما والاستحقاق الإنساني من حقوق وخدمات. فالموظف قد يصادر وينقل ما يستحق شخصا ما لآخر لعدة اعتبارات، قد تكون مادية وقد تكون حزبية، وقد تكون عصبية أو قبلية. وهذا ما يصطلح عليه بالامتيازات غير المبررة في الصفقات العمومية.

الكلمات المفتاحية: صفقة عمومية، موظف عمومي، جريمة، امتياز غير مبرر.

Résumé:

La corruption prend un sens large qui peut être utilisé dans les nombreux domaines quand on parle , par exemple, sur l’éthique de la société, étant donné que les crimes des marchés publics est l’un des crimes de corruption car elle est liées à tout les types de trafic dans la fonction. Voici ce qui découle de la loi n°06-01 relative a la prévention et a la lutte contre la corruption. Mais la corruption est évidente dans le domaine des marchées publics par des écarts criminelles de l’agent public pour ne pas respecter pas les conditions prévues par la loi, comme l’obtention d’une prestation non exceptionnelle, ou un cadeau qui inonde l’honneur de la fonction a cause d’une préparation, exécution d’un marché public. Nous ne pouvons pas parler de la corruption administrative sans la lier à un agent public, de sorte que celui-ci est devenu l’acteur unique dans la commission des crimes de corruption administrative, qui ont généralement des libertés et menacent pour des droits de l’homme et des services d’admissibilité. L’agent public peut transférer ce qu’une personne mérite pour d’autres considérations qui peuvent être matérielles, partisane, ou peuvent être angoissantes, c’est ce qu’il appelle un avantage injustifié au marchées publics.

Mots clés : marchée public, agent public, crime, avantage injustifié.

مقدمة:

يعتبر صدور القانون رقم 06-01، المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته ثمرة اتفاقية الأمم المتحدة التي صادقت عليها الجزائر في 19/04/2004 من أهم الخطوات التي قامت بها الجزائر للحلول دون انتشار ظاهرة الفساد خاصة في مجال الصفقات العمومية التي تشكل الصفقات العمومية أ هم مسار تتحرك فيه الأموال العامة، لذلك يعد مجال الصفقات العمومية مجالا حيويا للفساد بكل صوره.

فانتشار الجرائم الاقتصادية يعد من أكبر التحديات والعوائق التي تقف في سبيل تطور وازدهار الاقتصاد الوطني، وتسعى الدولة جاهدة من أجل مكافحة الفساد لما يشكله من أخطار تهدد كافة المؤسسات في مختلف المجالات. وتكمن خطورته في كونه أصبح صورة من صور الجريمة المنظمة لارتباطه بالمجال الاقتصادي. وفي كونه يختلف عن الجرائم التقليدية إذ لا يمس فردا أو ضحية يمكنه تقديم شكوى، فأحد أطرفه هو المستفيد من الجريمة والأكثر دراية بتفاصيلها ولا يمكن أن يبلغ عنها. أما الطرف الآخر إن وجد فغالبا لا يكون له مصلحة في الإبلاغ عن الجريمة حفاظا على مصالحه الخاصة، مما يجعل هذه الجرائم تتم غالبا بصورة سرية.

وإذا كان الثراء حقا جائزا لأي فرد في المجتمع، فإن هذا لا يعني أنه يجوز جمع الثروة والأموال بطريقة غير مشروعة عبر استغلال النفوذ أو المحاباة أو الرشوة، وخاصة في مجال الصفقات العمومية، الذي يعتبر منبعا مهما لجمع الثروة. فحب المال غريزة لدى أفراد البشر، كما أن طرق الحصول عليه هدف لجميع الناس، لذلك نجد بعض أصحاب النفوذ يحاولون الوصول لهذا الهدف باستخدام كافة السبل، ومنها استغلال نفوذهم من أجل تخطي القوانين، وهذا ما يؤدي إلى الخلل في انتظام المرافق العامة.

على الرغم من التحول الديمقراطي الذي عاشته الجزائر في أواخر التسعينات، فإنه لم يساهم بشكل سريع لإخراج مجال الصفقات العمومية الحيوي من النفق المظلم الذي ظل يعيش فيه على الرغم من الإصلاحات الإيجابية التي سجلت على المستوىين القانوني والمؤسساتي. فأصبحت الصفقات العمومية ميدانا خصبا لتفشي الفساد بمختلف مظاهره، الأمر الذي أدى إلى ازدياد أهمية مكافحة الفساد المصاحب للصفقات. فالغلاف المالي المخصص لها، والذي يمول مشاريع تنموية ضخمة يحتاج إلى إرفاقه بإجراءات قانونية تحصنه وتقطع الطريق أمام كل أشكال الفساد الذي يعتريه.

أسباب اختيار الموضوع:

تعود أسباب اختيارنا لهذا الموضوع إلى ميولنا للبحث في مجال الصفقات العمومية لارتباطها الوثيق بالمال العام والخزينة العمومية، ولكون المشاريع التنموية تنفذ عن طريق الصفقات العمومية. ولكن ما نلاحظه أن هذه الأخيرة أصبحت تمنح لأشخاص لا تتوفر فيهم الشروط اللازمة لتنفيذها بطرق احتيالية لا تخضع للمبادئ الواجب احترامها في منح الصفقات العمومية، كمبدأ المساواة والشفافية في اختيار المتعاقد مع الإدارة.

أهمية الموضوع:

تبرز أهمية الموضوع فيما يطرحه موضوع جرائم الصفقات العمومية، خاصة منها جريمتي الامتيازات غير المبررة في هذا المجال من إشكالات كثيرة وتساؤلات قانونية بدء بتحديد أركانها وكيفية إثباتها، وبالتالي تقرير المسؤولية الجنائية للجناة.

أهداف الدراسة:

تهدف هذه الدراسة إلى تحليل الجريمتين الأكثر تعقيدا في مجال الصفقات العمومية ومعرفة أحكامها وخصوصيتها، هذا سيتيح لنا تقدير مدى آليات المتابعة، وإجراءات القمع لحماية المال العام بالإضافة إلى وضع آليات وقائية من شأنها الحد من انتشار مثل هذه الممارسات غير المشروعة المتمثلة خاصة في الامتيازات غير المبررة في الصفقات العمومية. وعليه يمكن طرح الإشكالية التالية: ماذا نقصد بالامتيازات غير المبررة، وإلى أي مدى يمكن لهذه الجريمة التأثير على الصفقة العمومية؟

للإجابة على هذه الإشكالية ستتم دراسة الصورة الأولى المتمثلة في مخالفة الأحكام التشريعية والتنظيمية، أو ما اصطلح عليها ” بالمحاباة ” (المبحث الأول)، أما الصورة الثانية فتتمثل في استغلال نفوذ الأعوان العموميين للحصول على امتيازات غير مبررة (المبحث الثاني).

المبحث الأول: جريمة منح امتيازات غير مبررة في مجال الصفقات العمومية

” جنحة المحاباة “

ويقصد بالامتيازات غير المبررة في مجال الصفقات العمومية([1])، الامتيازات التي لا تستند إلى أساس قانوني، أي تلك المتحصل عليها من دون وجه حق نتيجة مخالفة التشريع والتنظيم المعمول بهما في ميدان الصفقات العمومية.

وقد عاقب المشرع الجزائري على هذه الجريمة بموجب المادة 26 فقرة 1 من قانون مكافحة الفساد رقم 06-01، المؤرخ في 20 فبراير 2006، المعدل والمتمم بموجب القانون رقم 11-15، المؤرخ في 02/08/2011([2])، حيث نصت على أنه :” يعاقب بالحبس من سنتين (02) إلى (10) سنوات، وبغرامة من 200.000 دج إلى 1000.000 دج كل موظف عمومي يمنح عمدا للغير امتيازا غير مبرر عند إبرام أو تأشير عقد أو اتفاقية أو صفقة أو ملحق، مخالفة للأحكام التشريعية والتنظيمية المتعلقة بحرية الترشح والمساواة بين المترشحين وشفافية الإجراءات…”. وبعد إلغاء المادة 128 مكرر من قانون العقوبات، نقلت هذه الأخيرة كما هي في المادة 26 فقرة 1 منه ([3]).

فالمادة قبل إلغائها كانت تنص على معاقبة كل موظف عمومي يقوم بإبرام عقد أو يؤشر أو يراجع عقدا أو اتفاقية أو صفقة أو ملحقا مخالفا بذلك الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل بغرض إعطاء امتياز غير مبرر للغير. وكانت هذه المادة تعتبر خرق أي حكم من أحكامها عنصرا ماديا للجريمة المعاقب عليها بمقتضاها ومجرد غرض إعطاء امتيازات غير مبررة للغير يعد عنصرا معنويا لهذه الجريمة.

وعليه فإن المتدخلين في مجال إبرام الصفقات لا سيما المطالبين بالتأشير عليها وجدوا أنفسهم مضطرين إلى قضاء أوقات طويلة للتدقيق فيما يقومون به من أعمال الرقابة على مدى احترام هذه الصفقات لكل الإجراءات المنصوص عليها قانونا، مما أدى إلى تعطيل عدد كبير من المشاريع سيما الهامة ذات البعد الإستراتيجي. ونظرا لهذه الاعتبارات، فإن التعديل الذي مس المادة 62/1 ضيق مجال تطبيقها، وذلك كشكل من أشكال رفع التجريم عن طريق حصره في مخالفة الإجراءات المتعلقة بشفافية الترشح للصفقات والمساواة بين المترشحين. وهي نفس الإجراءات والقواعد التي كرستها المادة 09 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، وكذا اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة لفساد. ومن أجل ضمان المساواة بين المترشحين للفوز بالصفقة العمومية، ومكافحة التمييز بين الأعوان الاقتصاديين في المعاملات، تم تجريم المحاباة ومن هنا ستتم دراسة أركانها والمتمثلة في الركن المفترض في المطلب الأول، أما الركن المادي والركن المعنوي للجنحة سيتم التعرض لهما في المطلب الثاني.

المطلب الأول: الركن المفترض في جنحة المحاباة

تتميز جريمة المحاباة عن باقي جرائم الفساد بأنها جريمة خاصة بمجال التعامل في الصفقات العمومية، ويمكن تعريفها على أنها تفضيل جهة على أخرى في الخدمة بغير حق للحصول على مصالح معينة([4]).

كما تعتبر جريمة المحاباة من جرائم ذات الصفات شأنها في ذلك شأن جل جرائم الفساد، إذ أنها لا تقع إلا من موظف عمومي، والذي يشكل الركن الأساسي لقيام هذه الجريمة. ووفقا لنص المادة 26 فقرة 01، فإنه يفترض أن يكون الجاني في هذه الجريمة موظفا عموميا. وهذه الصفة تمثل الركن المفترض لهذه الجريمة. وقد تم تعريف الموظف العمومي من خلال المادة 02 فقرة “ب” من نفس القانون([5])، وهو ذات التعريف الذي جاءت به اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في فقرتها الثانية. فالموظف العمومي طبقا لنص المادة 02 من نفس القانون هو:

” – كل شخص يشغل منصبا تشريعيا أو تنفيذيا أو إداريا أو قضائيا أو في أحد المجالس الشعبية المحلية المنتخبة، سواء كان معينا أو منتخبا، دائما أو مؤقتا، مدفوع الأجر أو غير مدفوع الأجر، بصرف النظر عن رتبته أو أقدميته،

– كل شخص آخر يتولى ولو مؤقتا، وظيفة أو وكالة بأجر أو بدون أجر، ويساهم بهذه الصفة في خدمة هيئة عمومية أو مؤسسة عمومية أو أية مؤسسة أخرى تملك الدولة كل أو بعض رأسمالها، أو أية مؤسسة أخرى تقدم خدمة عمومية،

– كل شخص آخر معرف بأنه موظف عمومي أو من في حكمه طبقا للتشريع والتنظيم المعمول بهما “.

ومن خلال هذا التعريف يتبين أن المشرع من خلال قانون الوقاية من الفساد ومكافحته قد وسع من مفهوم الموظف العمومي، حيث يشمل فئة شاغلي المناصب التنفيذية والإدارية (أولا)، وفئة شاغلي المناصب القضائية (ثانيا)، ثم فئة شاغلي المناصب التشريعية (ثالثا)، وأخيرا من هم في حكم الموظف العمومي (رابعا).

أولا: فئة شاغلي المناصب التنفيذية والإدارية:

وتتمثل هذه الفئة في الأشخاص الشاغلين لمناصب تنفيذية وإدارية، سواء كانوا معينين أو منتخبين وسواء مارسوا مهامهم بصفة دائمة أو بصفة مؤقتة، مدفوعي الأجر أو غير مدفوع الأجر بصرف النظر عن رتبتهم وأقدميتهم.

فبالنسبة للشخص الذي يشغل منصبا تنفيذيا، فيقصد به أعضاء السلطة التنفيذية، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية([6]) والذي يعتبر الرئيس الإداري الأعلى في السلطة التنفيذية، في ظل النظام السياسي الجزائري، وهو منتخب من طرف الشعب وفقا لنظام الاقتراع العام المباشر والسري([7])،والوزير الأول([8])، والوزراء الذين يشكلون الطاقم الحكومي، ويعينهم رئيس الجمهورية بناء على اقتراح من الوزير الأول، ومن بين أعضاء السلطة التنفيذية كذلك، الوالي، ورئيس الدائرة، والمدراء التنفيذيين، وممثلي الدولة في الخارج كالسفراء والقناصلة.

أما الشخص الذي يشغل منصبا إداريا، فيقصد به كل شخص يعمل في إدارة من الإدارات العمومية سواء بصفة دائمة([9])، أو بصفة مؤقتة ([10]).

ثانيا: شاغلوا المناصب القضائية:

وهم القضاة بمفهوم القانون العضوي رقم 04 -11 المؤرخ في 06/09/2004، المتضمن القانون الأساسي للقضاء([11]) وقد قسمهم هذا القانون إلى فئتين هما:

أ) القضاة التابعون لنظام القضاء العادي ويشمل هذا السلك قضاة الحكم والنيابة للمحكمة العليا والمجالس القضائية والمحاكم ، وكذا القضاة العاملون في الإدارة المركزية لوزارة العدل ([12]).

ب) القضاة التابعون للقضاء الإداري، وهم محافظو وقضاة مجلس الدولة والمحاكم الإدارية. ويستثنى من هؤلاء قضاة مجلس المحاسبة([13])، وقضاة المجلس الدستوري وقضاة مجلس المنافسة. كما يضاف إلى شاغلي المناصب القضائية كل من المحلفين المساعدين في محكمة الجنايات، والمساعدين في القسم الاجتماعي وفي قسم الأحداث، باعتبارهم يشاركون في الأحكام التي تصدر عن الجهات القضائية العادية ([14]) .

ثالثا: فئة شاغلي المناصب التشريعية:

وهي تشمل الأشخاص الذين يشغلون منصبا تشريعيا، ويقصد بهم أعضاء البرلمان بغرفتيه، في المجلس الشعبي الوطني، ومجلس الأمة سواء كانوا منتخبين أو معينين([15])، وسواء كانوا من الثلثين المنتخبين، أومن الثلث المعين من قبل رئيس الجمهورية([16]). أومنصبا في أحد المجالس المحلية، وهم أعضاء المجالس البلدية والولائية المنتخبين.

رابعا: من هم في حكم الموظف:

ذكر قانون الوقاية من الفساد ومكافحته هؤلاء الأشخاص بأنهم، كل شخص آخر معرف بأنه موظف عمومي، أو من في حكمه طبقا للتشريع والتنظيم المعمول بهما، وينطبق ذلك على المستخدمين العسكريين والمدنيين في الدفاع الوطني والضباط العموميون.

وبالرجوع إلى القوانين الخاصة لكل فئة نجد أن قانون الوظيفة العمومية وبالتحديد الأمر 06-03 قد استثنى المستخدمين العسكريين من تطبيق أحكامه عليهم، بموجب المادة 02 فقرة 03 منه ، وبالتالي فهم يحكمهم الأمر رقم06 -02، المتضمن القانون الأساسي العام للمستخدمين العسكريين([17]) .

أما بالنسبة للضباط العموميين فلا يشملهم تعريف الموظف العمومي أيضا، كما جاء في المادة الثانية من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، والأمر 06-03 المتضمن القانون الأساسي للوظيفة العمومية، لكن يمكن إدراجهم ضمن من هم في حكم الموظف، كونهم يتولون مهاما بتفويض من السلطة العمومية. لذا يتعلق الأمر بالموثقين([18])، والمحضرين القضائيين([19]) ، ومحافظي البيع بالمزايدة ([20])، والمترجمين الرسميين([21]).

فهذه الجنحة لا تركب إلا من شخص محدد بهذا المفهوم الموسع ، والذي يسمح بمتابعة كل شخص يتوسط بصفة غير شرعية، وعلى أي مستوى كان في الإجراءات الخاصة بالصفقات العمومية([22]). فكل شخص تابع لهذه الفئات وقام بالأفعال المشكلة لجنحة المحاباة، يعاقب بالعقوبة المقررة لها([23]).

المطلب الثاني: الركن المادي والمعنوي لجنحة المحاباة

يعتبر الركن المادي لأي جريمة بمثابة مظهرها الخارجي الذي يبرزها إلى الوجود، فتتجسد عندما يجرمها النص الجنائي، بعدما كانت مجرد فكرة لا يطولها العقاب. لذلك فإن النص التجريمي وصف هذا الركن وصفا دقيقا يمنع القاضي من التوسع في تطبيقه، فغياب الدقة والوضوح في النص الجنائي يعتبر خرقا لمبدأ الشرعية الجنائية(أولا). كما أن أي جريمة لا تكتمل أركانها إذا لم يتحقق القصد الجنائي الذي يصطلح عليه بالركن المعنوي (ثانيا).

أولا : الركن المادي لجنحة المحاباة:

بالرجوع إلى نص المادة 26 فقرة 01 من القانون رقم 06-01، فهو يصف الركن المادي([24]) لجريمة المحاباة على أنه منح الموظف العمومي لامتيازات غير مبررة للغير عند إبرام أو تأشير عقد أو اتفاقية، أو صفقة أو ملحق، مخالفة للأحكام التشريعية والتنظيمية المتعلقة بحرية الترشح، والمساواة بين المترشحين، وشفافية الإجراءات. وعليه فالركن المادي لهذه الجريمة يتكون من عناصر محددة، تدور بين الفعل وهو النشاط الإجرامي(1)، والغرض منه(2)، والعلاقة السببية (3).

النشاط الإجرامي :
يتحقق هذا الأخير بقيام الموظف العام بإبرام أو تأشير عقد أو اتفاقية أو صفقة أو ملحق، مخالفا للأحكام التشريعية والتنظيمية المتعلقة أساسا بحرية الترشح والمساواة بين المترشحين وشفافية الإجراءات. فالعمليات التي ينصب عليها الركن المادي تتمثل في، العقد، والاتفاقية، والصفقة، والتأشير على العقد، ومراجعته (أ)، وأن تكون هذه العمليات مخالفة للأحكام التشريعية والتنظيمية المتعلقة بمبدأ حرية الترشح والمساواة بين المترشحين، وشفافية الإجراءات (ب).

العمليات التي ينصب عليها الفعل المادي:
وهي العمليات التي بمناسبتها يقوم الموظف العمومي بإجراءات منافية للأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل من أجل إعطاء امتيازات غير مبررة للغير، وهي عملية إبرام (1) وتأشير عقد أو اتفاقية أو صفقة أو ملحق (2).

إبرام عقد أو اتفاقية أو صفقة أو ملحق:
إن عملية الإبرام تعني اتخاذ جميع الإجراءات المنصوص عليها في المرسوم الرئاسي رقم 15-247، المتعلق بالصفقات العمومية، بدء من الإعلان عن الصفقة وتلقي العروض، وفتحها وتقييمها من طرف اللجنة المختصة إلى غاية إرساء الصفقة أو العقد أو الاتفاقية حسب الحالة، ووفقا لمعايير التقييم، والأوضاع القانونية المناسبة له.

فالإبرام يكون بإجراء طلب العروض كمبدأ عام، أو إجراء التراضي استثناء. فطلب العروض هو إجراء يستهدف الحصول على عروض من عدة متعهدين متنافسين مع تخصيص الصفقة للعارض الذي يقدم أفضل عرض ([25])، وبذلك تضمن الوصول إلى أكبر قدر ممكن من المترشحين، وبالتالي تشكل الوقاية من احتكار الصفقات من طرف متعامل وحيد ووقاية من جرائم المال العام([26]).وعليه فإن أساليب الاختيار تنحصر في أسلوبين رئيسيين، هما إجراء طلب العروض كقاعدة عامة، والتراضي كاستثناء([27]). وباستبدال لفظ المناقصة([28]) بطلب العروض، فإن المرسوم أعطى الترجمة الصحيحة لمصطلح “L’appel d’offre “. لأنه لا يمكن الاعتماد على عنصر الثمن لوحده في تحديد الفائز إذ بتطور مواضيع الطلبات العمومية لتشمل الدراسات الفنية المعتمدة أو مجالات الاتصالات المعلوماتية، أصبح البحث فيها عن عنصر الجودة والمواصفات الفنية متأكدا، وتبعا لذلك لم يعد الاعتماد على معيار الثمن الأقل، خاصة إذا تعلق الأمر بموضوع طلب عمومي على قدر من التشعب الفني أو البعد الجمالي ([29]).

وقد ظهرت مميزات أسلوب طلب العروض([30]) بجلاء من خلال المادة 40 من المرسوم الرئاسي رقم 15-247، التي عرفت طلب العروض على أنه إجراء يستهدف الحصول على عروض من عدة متعهدين متنافسين، مع تخصيص الصفقة دون مفاوضات للمتعهد الذي يقدم أحسن عرض من حيث المزايا الاقتصادية، استنادا إلى معايير اختيار موضوعية تعد قبل إطلاق الإجراء ([31]). فبالنسبة لطلب العروض المفتوح مع اشتراط قدرات دنيا، فإنه آلية لإبرام الصفقات العمومية، يهدف إلى تحقيق التنافس بين مجموعة من المترشحين الذين تتوفر فيهم بعض الشروط الدنيا التي تحددها المصلحة المتعاقدة مسبقا في دفتر الشروط تكون متناسبة مع طبيعة وتعقيد الصفقة([32]).

وفيما يخص المسابقة، وبالنظر إلى نص المادة 47 من المرسوم الرئاسي رقم 15-247 فهي إجراء يضع رجال الفن في منافسة لاختيار مخطط أو مشروع مصمم استجابة لبرنامج أعده صاحب المشروع قصد إنجاز عملية تشتمل على جوانب تقنية واقتصادية، أو جماعية أو فنية. وتمنح الصفقة بعد المفاوضات للفائز الذي قدم أحسن عرض.

أما بالنسبة للعقد، فتطبيقاته في المرسوم المتعلق بالصفقات العمومية يكون في حالة التراضي البسيط والتراضي بعد الاستشارة([33]). وقد حدد المرسوم سالف الذكر الحالات([34]) التي يمكن للمصلحة المتعاقدة اللجوء إليها لما لا يتجاوز مبلغ الصفقة مبلغا معينا، مختلفا باختلاف طبيعة الصفقة (أشغال، خدمات، دراسات، لوازم).

وفيما يخص الاتفاقية، فمثالها ما نصت عليه المادة 33 من المرسوم المتعلق بالصفقات العمومية. ففي حالة خرق الأجل المحدد للاتفاقية مثلا، والمحدد في نص المادة بخمس سنوات، يشكل هذا الفعل السلوك المادي المكون لجريمة المحاباة([35]).

أما الصفقة فهي تلك التي تبرمها الإدارات والهيئات والمؤسسات العمومية، المنصوص عليها في المادة 06 من المرسوم المتعلق بالصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام.

بالإضافة إلى الملحق الذي عرفته المادة 136 من المرسوم المتعلق بالصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام، على أنه وثيقة تعاقدية تابعة للصفقة، ويبرم في جميع الحالات إذا كان هدفه زيادة الخدمات أو تقليلها، أو تعديل بند أو عدة بنود تعاقدية في الصفقة.

2.تأشيرعقد أو اتفاقية أو صفقة أو ملحق:

يقصد بالتأشير موافقة السلطة المخولة قانونا على عملية التعاقد وإجازتها، بعد الـتأكد من أن الإجراءات القانونية قد تم احترامها، وأن الإعتمادات المالية متوفرة ومرصودة لنفس الغرض محل التعاقد. فعملية التأشير التي تختص بها اللجان الرقابية القبلية تتوج بمقرر، يتم بموجبه تأشير أو رفض إعطاء التأشيرة، سواء كان الرفض مؤقتا أو نهائيا. فهذه الـتأشيرة تخص فقط الصفقات والملاحق بمفهوم المرسوم الرئاسي رقم 15-247، المتعلق بالصفقات العمومية. أما عملية التأشير التي يختص بها المراقب المالي([36]) فإنها تتم على جميع وسائل التعاقد سواء كانت في شكل اتفاقية، أو عقد بسيط، أو صفقة عمومية أو ملحق. فالمراقب المالي([37]) يقوم بدور مهم في مراقبة الآمر بالصرف، وكيفية تسيير الإعتمادات وعدم تجاوزها حتى لا تقع أضرار بحسن سير مالية الدولة، فهو يمارس مهامه الرقابية لدى الإدارة المركزية (الوزارات)، والولاية والبلدية ([38]). وبالرجوع إلى النصوص المنظمة لعملية المراقبة المالية([39])، يتضح أن رقابة المراقب المالي تنصب على معظم العمليات المالية بصفة عامة. أما في مجال الصفقات العمومية، فإن القانون المتعلق بمصالح المراقبة المالية نص على تخصيص مكتب للصفقات العمومية، يشرف عليه ” مراقبون ماليون مساعدون”([40]).فتتحدد رقابة المراقب المالي من خلال التأكد من احترام الإدارة المتعاقدة لقواعد إبرام العقد، بموجب المحضر الوصفي الذي تقدمه له الإدارة لجلسة فتح الأظرفة موقعا من طرف الأعضاء والرئيس. وكذا التأكد من كل المعطيات المتعلقة بالمتعاقد، بما في ذلك صحة الوثائق المرفقة. ويكون ذلك حتى على الصفقات التي لم تصل حد المبلغ المالي لاعتبارها صفقة، أي لم تصل السقف المالي المحدد في نص المادة 13 من أحكام المرسوم الرئاسي رقم 15-247، المتعلق بالصفقات العمومية. وأيضا على الصفقة وهي في حالة مشروع([41]).

ب)مخالفة الأحكام التشريعية والتنظيمية المتعلقة بحرية الترشح والمساواة بين المترشحين وشفافية الإجراءات:

إن هذه الأحكام لا تنحصر في المرسوم المتعلق بالصفقات العمومية فقط، بل يقصد بها مخالفة الأحكام التشريعية والتنظيمية المتعلقة بحرية الترشح والمساواة، وشفافية الإجراءات أيا كان مرجعها، سواء كان قانون مكافحة الفساد، أو الأمر المتعلق بالمنافسة، أو القانون التجاري. وفيما يخص المبادئ الواجب مراعاتها، فهي مبدأ حرية الترشح الذي يعتبر حقا لكل من تتوفر فيه شروط الترشح، ومبدأ المساواة بين المترشحين، ومثاله اشتراط كفاءات فنية عالية غير متكافئة بالمقارنة مع العمل المطلوب، أو حرمان المترشح من إيداع عرضه قبل انقضاء الأجل المحدد([42])، وأيضا تفضيل مؤسسة لا تتوفر على الشروط المقبولة لترشحها على مؤسسة أخرى يحتمل فوزها بالصفقة، وذلك من أجل الاستفادة من العقد المبرم([43]). وكذا مبدأ شفافية الإجراءات، ويظهر الإخلال فيه خاصة بما تعلق بإجراءات الإعلان وإشهار الصفقة العمومية.

الغرض من النشاط الإجرامي:
إن جريمة المحاباة لا تقوم بمجرد قيام الموظف أو المكلف بمنح التأشيرة على الصفقة أو الملحق بعمل يعتبر منافيا للأحكام التشريعية والتنظيمية المتعلقة بحرية الترشح والمساواة بين المترشحين وشفافية الإجراءات في إبرام الصفقة، أو تفويضات المرفق العام، ولكن لابد أن يترتب على ذلك السلوك المنافي نتيجة تؤدي إلى منح بالفعل امتيازا غير مبرر. كما يمكن أن تتجسد في تزويد أحد المترشحين بمعلومات خاصة عن الصفقة تمكنه من إعداد عرضه بطريقة تحقق له الفوز بها، هذا الأخير بإمكانه أن يشكل في حد ذاته امتيازا غير مبرر([44]) فقد يحدث أن يقوم الموظف بذلك الفعل بدافع الجهل بهذه الأحكام، أو الخطأ في تطبيق القانون، وخاصة في حالة الضرورة أو الاستعجال التي تقتضي التدخل لدفع ضرر محتمل يمس بالمال العام أو بالمصلحة العامة، فيرتكب الموظف ما يخالف الأحكام التشريعية والتنظيمية التي ينبغي مراعاتها في هذه الظروف. ومثالها تكليف مقاول بإنجاز أشغال أو توريد سلعة تقتضيها المصلحة العامة الملحة من دون استصدار ترخيص من قبل السلطات الوصية([45]). كما قضت بذلك المادة 17 فقرة 1 من المرسوم رقم 15-247، المتعلق بالصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام.

العلاقة السببية:
بخصوص العلاقة السببية في جنحة المحاباة كعنصر الركن المادي، فإنها تكمن في مخالفة الموظف العمومي للأحكام التشريعية والتنظيمية بحرية الترشح والمساواة بين المترشحين وشفافية الإجراءات، وليس في عملية الإبرام أو التأشير في حد ذاتها، ولا يمكن أن يتم إعطاء امتيازات للغير، ما لم يكن هناك تلاعب بالإجراءات ومخالفتها بشكل متعمد ومقصود للوصول إلى النتيجة، وهي منح للغير امتيازات غير مبررة. وما يمكن ملاحظته هو أن المادة 26/1 لم تحدد من يكون الغير كما تم تحديدها فيما يخص جريمة استغلال نفوذ الأعوان العموميين، وعليه يمكن أن يكون من الغير مؤسسة عمومية.

ثانيا: الركن المعنوي لجنحة المحاباة:

تعتبر جريمة المحاباة جريمة قصدية ينبغي أن يتوفر في الجاني القصد العام، الذي يشمل العلم والإرادة([46])، ومعناه أن الجاني يعلم بأن القانون يمنع إعطاء امتيازات غير مبررة للغير من خلال مخالفة الأحكام التشريعية والتنظيمية، ومع ذلك يتعمد فعل ذلك من أجل الوصول إلى أغراض شخصية([47])، وهذا ما يعرف بالقصد الخاص الذي يعتبر شرطا إضافيا في بعض الجرائم حيث لا يكفي القصد العام.

وبالنسبة للقصد الجنائي في جريمة المحاباة، يمكن التمييز بين مرحلتين:

– مرحلة ما قبل تعديل المادة 26/1 بموجب القانون رقم 11-15، فكان النص يشترط توافر القصد الخاص إلى جانب القصد العام، فلا تقوم الجريمة بمجرد قيام الجاني بمخالفة الأحكام التشريعية والتنظيمية، والذي لا يعدو أن يكون مجرد خطأ إداري يسأل عنه مرتكبه تأديبيا، وإنما يشترط بالإضافة إلى ذلك أن يكون الغرض من خرق النصوص التي تحكم الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام، هو تمييز وتفضيل أحد المتنافسين عن غيره دون تبرير ذلك.ففي هذه الحالة يبحث القاضي عن توافر القصد الخاص المتمثل في الغرض من مخالفة الأحكام التشريعية والتنظيمية، وهو إعطاء امتياز غير مبرر للغير([48]). وهي مسألة يصعب إثباتها.

– مرحلة ما بعد تعديل المادة 62/1 من قانون مكافحة الفساد، حيث تخلى النص عن اشتراط القصد الخاص لقيام جريمة المحاباة، واكتفى بوجود القصد العام المتمثل في العلم والإرادة.

فلا بد من إبراز عنصر القصد في الحكم، ويستخلصه القاضي من اعتراف المتهمين بأنهم خرقوا إجراءات إبرام الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام بإرادتهم المحضة([49]). وفي حالة تكرار العملية، يستخلص من الوعي التام بمخالفة القواعد الإجرائية أو من استحالة تجاهلها بالنظر إلى الوظيفة التي يمارسها الجاني([50]). فتقوم الجريمة حتى لو لم تتضرر الخزينة العمومية. وبهذا فإن المشرع الجزائري من خلال تعديل نص المادة 26/1 حذا حذو ما جاء به المشرع الفرنسي([51]) فيما يخص هذه الجريمة([52]).

المبحث الثاني: جريمة استغلال نفوذ الأعوان العموميين للحصول على امتيازات غير مبررة

تعتبر جريمة استغلال النفوذ مثل غيرها من الجرائم التي لا تقتصر على بلد معين، أو مجتمع دون الآخر، ولا مرحلة زمنية دون غيرها، وإنما ترتبط بوجود المجتمع الإنساني. وقد شكلت هذه الجريمة أهمية وخطورة على مختلف المستويات، وفي كل بلدان العالم، وتعالت الأصوات إلى ضرورة وضع الصيغ القانونية الملائمة لمعالجة أحكامها، ورسم صورها، وبيان أركانها وتوضيح إطارها. فهي نوع من أنواع الانحراف الإداري الذي يؤثر سلبا على العملية الإدارية، وعلى نزاهة الوظيفة العامة. وإذا كان استغلال النفوذ حقيقيا، فهو يتضمن إساءة استغلال السلطة المخولة لمستغل النفوذ([53])، الذي يعتبر محتالا على أصحاب المصالح عندما يوهمهم بنفوذه للاستيلاء على أموالهم بدون وجه حق، فهو يجمع في هذه الحالة بين الغش والاحتيال والإضرار بالثقة الواجبة في السلطة العامة والجهات الخاضعة لإشرافها ([54]).

وما تجدر الإشارة إليه هو أن المشرع نص على جريمة استغلال النفوذ بصريح العبارة من خلال المادة 32 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، والتي تأخذ صورتين تتمثل الأولى في صورة التحريض على استغلال النفوذ (أي المتاجرة السلبية بالنفوذ الفقرة الأولى من نفس المادة)، أما الصورة الثانية فتتمثل في استغلال النفوذ ( المتاجرة الفاعلة أو الإيجابية بالنفوذ الفقرة الثانية من المادة 32). وعليه فإن جريمة استغلال النفوذ في المادة 32 هي من جرائم الفساد الإداري بمفهومه الواسع، ولا تقتصر على مجال الصفقات العمومية. ولهذا فإن دراستنا ستقتصر على جريمة استغلال النفوذ المنصوص عليها في المادة 26 فقرة 02 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، فهي ترتبط ارتباطا وثيقا بهذا الموضوع. ولكن هذا لا يمنع من أن نقوم بتعريف الجريمة بصفة عامة وتمييزها عما شابهها من جرائم (المطلب الأول)، ولكن عند دراسة أركان الجريمة، فستقتصر الدراسة على ما جاءت به المادة 26 في فقرتها الثانية من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، باعتبارها جريمة من جرائم الصفقات العمومية ( المطلب الثاني ).

المطلب الأول: تعريف جريمة استغلال النفوذ وعلة تجريمها

تتمتع الوظيفة بنوع من النفوذ والجاه والسلطان، فهي تمنح شاغلها صلاحيات تمكنه من القيام بأعمالها. ويجب على الموظف في هذه الحالة ألا يستغل هذه الصلاحيات لأغراضه الخاصة، بل عليه توظيفها فيما يحقق أهداف الوظيفة التي يشغلها. فالاستغلال الشخصي للوظيفة العامة يؤدي إلى تعطيل الواجبات، وفقدان ثقة المواطنين في موظفي الدولة، الأمر الذي يؤدي إلى الإضرار بالأهداف العامة للأجهزة الإدارية([55]).وتعتبر ظاهرة استغلال النفوذ الوظيفي من الظواهر التي لها تأثيرها الكبير على المجتمعات التي تنتشر فيها، كونها مبنية على عدم المساواة، واختلال ميزان العدالة بين أفراد المجتمع. وللوصول إلى فهم الجريمة لا بد من تعريفها (أولا)، والبحث في علة تجريمها (ثانيا).

أولا: تعريف استغلال النفوذ :

تعد جريمة استغلال النفوذ من الجرائم المستحدثة، والتي تم فصلها عن جريمة الرشوة بعد أن كانت تدخل ضمنها، حيث أصبحت جريمة مستقلة بذاتها في الكثير من الأنظمة والقوانين، لها عقوبات معينة لمن يرتكبها([56]). وبالنظر لما تمثله هذه الأخيرة من فساد على المصلحة العامة للمجتمع، انصب اهتمام القانون الجنائي بتجريم هذه الأفعال وبيان أركانها.

فلقد تم تعريفها على : ” أنها اتجار في سلطة حقيقية أو موهومة للجاني على المختص بالعمل الوظيفي”([57]) . وعرفت أيضا على أنها: ” السعي لدى السلطات العامة أو الجهات الخاضعة لإشرافها لتحقيق غايات أو الوصول إلى منافع تخرج عن دائرة وظيفة الساعي”([58]).

جريمة استغلال النفوذ هي الحصول على مزية الغير لدى سلطة عامة استنادا إلى نفوذ حقيقي أومزعوم، فالجاني في هذه الحالة لا يستغل وظيفته، ولكن ماله من نفوذ حقيقي أو مزعوم ([59]).

ويعرف البعض النفوذ على أنه :” القوة أو درجة التأثير التي يتمتع بها الموظف بين زملائه والعاملين معه لاعتبارات شخصية ومهنية، فيصبح قادرا على توجيه القرارات أو الإجراءات بطرق غير رسمية ومن دون أن يكون لتأثيره هذا أي سند أو مصدر قانوني.”

وتعرف السلطات والصلاحيات على أنها الحقوق الرسمية التي تمنح للموظفين للقيام بمسؤولياتهم بحكم الوظيفة التي يشغلونها، أو بصفتهم الشخصية، مع توثيق هذه الحقوق بلوائح ونظم إدارية مباشرة يصدرها المخولون إلى معاونيهم([60]).

ثانيا : العلة من تجريم استغلال النفوذ:

يعود تجريم استغلال النفوذ إلى ما يمثله فعل الجاني من إخلال بالثقة في الوظيفة العامة، إذ يتبين أن السلطات العامة تخالف القوانين في معاملاتها مع المترشحين في الصفقات العمومية، ولكن تتعامل تحت سطوة ما يمارسه أصحاب النفوذ من تأثير([61]).

فبتجريم هذا الفعل تتحقق حماية للوظيفة العامة من خطر الاتجار بها، وخطر استغلالها واستثمارها لصالح الموظف العام، فتتم محاسبته دوريا عن دخله حتى يتم التأكد من أنه لم يتحقق أي ثراء من هذه الوظيفة. فالمجتمع يرفض زيادة ثروة الفرد ذات المصدر غير المشروع،خاصة إذا شعر أن أساس الزيادة في الثروة متصل بعمل عام يمس مصالح الجماهير، فيستغله الفرد لتحقيق الكسب الحرام([62]).

المطلب الثاني: أركان جريمة استغلال نفوذ الأعوان العموميين للحصول على امتيازات غير مبررة

تنص الفقرة الثانية من المادة 26 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته على أن :” يعاقب بالحبس من سنتين (02) إلى عشر (10) سنوات وبغرامة 200.000 دج إلى 1.000.000 دج:..

– كل تاجر أو صناعي أو حرفي أو مقاول من القطاع الخاص، أو بصفة عامة كل شخص طبيعي أو معنوي يقوم، ولو بصفة عرضية، بإبرام عقد أو صفقة مع الدولة أو الجماعات المحلية أو المؤسسات أو الهيئات العمومية الخاضعة للقانون العام أو المؤسسات العمومية الاقتصادية والمؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري، ويستفيد من سلطة أو تأثير أعوان الهيئات المذكورة من أجل الزيادة في الأسعار التي يطبقونها عادة أو من أجل التعديل لصالحهم في نوعية المواد أو الخدمات أو آجال التسليم أو التموين.” من خلال نص المادة أعلاه تظهر الأركان المكونة لهذه الجريمة وتتمثل في الركن المفترض (أولا)، فالركن المادي (ثانيا)، ثم الركن المعنوي (ثالثا)، وأخيرا العقوبة المقررة لها (رابعا).

أولا: الركن المفترض أو صفة الجاني :

من خلال الفقرة الثانية من نص المادة 26، يتبين أنها تشترط صفة معينة في الجاني، وهو أن يكون تاجرا أو صناعيا أو حرفيا أو مقاولا من القطاع الخاص، أي أن يكون عونا اقتصاديا من القطاع الخاص. ولكن المادة أضافت عبارة ” وبصفة عامة ” كل شخص طبيعي أو معنوي، وبهذه الإضافة لا يبقى لاشتراط صفة معينة للجاني أي معنى. فالمطلوب هو أن يكون عونا اقتصاديا خاصا ولا يهم بعد ذلك إن كان شخصا طبيعيا أو معنويا يعمل لحسابه أو لحساب غيره، دون الأشخاص المعنوية من القطاع العام. وعليه فما الفائدة من ذكر التاجر والصناعي والحرفي ما دام أي شخص طبيعي أومعنوي هو معرض للمساءلة([63]).

ويقصد بالشخص الطبيعي، كل شخص يبرم عقدا مع المؤسسات والهيئات العمومية، ويحوز على صفة تاجر أو حرفي، أو يكون متعاملا ثانويا (Sous Traitant)في صفقة عمومية وفقا لأحكام المرسوم الرئاسي رقم 15-247، المتضمن الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام. ويتم التعاقد مع هذه الفئة بشأن إنجاز بعض الأشغال أو تقديم خدمات بسيطة، كاقتناء تجهيزات للإدارة أو إنجاز أشغال الترميم.

أما الشخص المعنوي فيتمثل عموما في شركات الخدمات والتجهيز ومقاولات الأشغال، والذين يحوزون على سجل تجاري، ولهم إمكانيات ومؤهلات مالية ومادية تسمح لهم بإبرام الصفقات العمومية، أو عقود مع المؤسسات والهيئات العمومية.

من هذا يتضح أن الموظف العام في هذه الجريمة لا يعد جانيا وإنما هو طرف في العلاقة، أوعنصرا ضروريا لقيام الجريمة، حيث يستغل الجاني نفوذه وسلطته للحصول على امتيازات غير مبررة في مجال الصفقات العمومية([64]).

ثانيا : الركن المادي لجريمة استغلال نفوذ الأعوان العموميين:

يتحقق الركن المادي لهذه الجريمة بإبرام الجاني عقدا أو صفقة مع الدولة أو الجماعات المحلية أو المؤسسات والهيئات الخاضعة للقانون العام أو المؤسسات العمومية الاقتصادية، أو المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي أو التجاري، ويستفيد من سلطة أو تأثير أعوان هذه الهيئات للحصول على امتيازات غير مبررة.

وقبل التفصيل في العناصر المكون لهذا الركن، يجب الإشارة إلى اللبس الذي أحدثته الصياغة غير الدقيقة لنص المادة 26/2 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته باللغتين العربية والفرنسية، وهو نفس اللبس الذي كان في المادة 128 مكرر من قانون العقوبات، والذي جاء به الدكتور أحسن بوسقيعة، حيث ورد فيها : ” كل تاجر…. يستفيد من سلطة أو تأثير أعوان الهيئات المذكورة من أجل الزيادة في الأسعار التي يطبقونها عادة أو من أجل التعديل لصالحهم في نوعية المواد أو الخدمات أو آجال التسليم أو التموين.” فالأصح هو :” كل تاجر … يستفيد من سلطة أو تأثير أعوان الهيئات المذكورة من أجل الزيادة في الأسعار التي يطبقها عادة أو من أجل التعديل لصالحه في نوعية المواد أو الخدمات أو آجال التسليم والتموين.” فالهاء هنا تعود على التاجر أو الحرفي أو الصناعي أو المقاول أو كل شخص طبيعي أو معنوي، وليس على أعوان الدولة والهيئات التابعة لها([65]).

فنحن لا نؤيد ما جاء به الدكتور أحسن بوسقيعة فيما طرحه من لبس، لأن صيغة الجمع التي جاءت في نص المادة ” يطبقونها” و”لصالحهم” تعود على كل من التاجر أو الحرفي أو الصناعي وعلى أعوان الهيئات العمومية أيضا، لأنهما يعتبران طرفي العلاقة في هذه الجريمة بالاشتراك فيها.

على أن الركن المادي للجريمة يتكون من عنصرين أساسيين هما: النشاط الإجرامي (أ)، والغرض من هذا النشاط (ب).

أ)النشاط الإجرامي: يتمثل في استغلال سلطة أو تأثير أعوان الدولة والهيئات التابعة لها، بمناسبة إبرام عقد أوصفقة مع الدولة أو إحدى هيئاتها. ومدلول أعوان الدولة والهيئات التابعة لها يختلف عن مدلول الموظف العمومي، كما هو معرف في الفقرة (ب) من المادة 2 من قانون مكافحة الفساد([66]).ولكن المفهوم الواسع للموظف العمومي الذي نص عليه القانون المتعلق بمكافحة الفساد، ، فإن فئة أعوان الدولة تدخل ضمن هذا المفهوم.

ويشترط أن يكون عون الدولة صاحب سلطة في الهيئات المعنية أو له تأثير عليها، ومن ثم فالأمر يتعلق إما برئيس أو مدير الهيئة أو بمسؤول مختص بإبرام الصفقات أو بتنفيذ بنودها.

ومثاله إذا كان العقد أو الصفقة تابعة للبلدية، فيكون رئيس المجلس البلدي ونوابه والأمين العام للبلدية ورؤساء المصالح الفنية التابعة للبلدية كرئيس مصلحة التجهيزات ورئيس مصلحة الأشغال هم المعنيون بهذه الجريمة.

فالركن المادي للجريمة يقوم على استغلال الجاني لما يتمتع به الموظف العمومي من سلطة أو نفوذا له من أجل الحصول على امتيازات غير مبررة، فتقوم الجريمة أساسا على ما يتمتع به الموظف من سلطة أو نفوذ في الهيئات المذكورة وله تأثير عليها.

وعادة ما يستطيع أصحاب السلطة والنفوذ تمرير قرارات لفائدة الجاني مخالفين للقوانين واللوائح، ومنح غير المستحقين لمزايا مالية دون وجه حق، واستخدام النفوذ الرسمي لتحقيق منافع أو مصالح خاصة على حساب المصالح العامة. وبذلك فهم يسهلون للغير الحصول على أموال ومنافع مضرين بمصالح المنظمات وإهدار المال العام والخاص، المملوك للغير اعتمادا على السلطة الوظيفية وما يرتبط بها من نفوذ وصلاحيات([67]).

أما بالنسبة للصفقات العمومية، فيوجد في كل هيئة إدارة أو مؤسسة تابعة للقطاع العام مصلحة أو مكتب خاص بالصفقات العمومية، يشرف عليه رئيس المصلحة أو المكتب يتكون من مهندسين وتقنيين وأعوان إداريين توكل لهم مهمة تحضير إجراءات الصفقة أو أي عقد تبرمه هذه الإدارة، كالتحضير للإعلان عن المنافسة وتحضير اجتماعات لجنة فتح الأظرفة وتقييم العروض وإرسال الإستدعاءات لأعضائها، ومراجعة دفتر الشروط، وكذا إعداد الدراسات الخاصة بالعروض المقدمة وترتيبها، وكل هذا تحت إشراف مدير الهيئة أو المؤسسة([68]).

ب)الغرض من استغلال نفوذ الأعوان العموميين:

تشترط المادة 26 فقرة 2 لكي يتحقق الركن المادي للجريمة أن يستغل الجاني نفوذ أو سلطة أو تأثير أعوان الدولة أو الهيئات التابعة لها، من أجل الزيادة في الأسعار المطبقة عادة(1)،أو التعديل لصالحه في نوعية المواد أو الخدمات(2)، وأيضا في آجال التسليم أو التموين (3).

1)الزيادة في الأسعار: يعتبر السعر العنصر الحاسم في عملية إسناد الصفقة، فلجنة البت تقوم بترتيب العطاءات للتوصل إلى أقلها ثمنا، ويتم في ذلك التأكد من العناصر التالية:

– وضع كل الأسعار لمختلف بنود كشف أسعار الوحدة والبيان الكمي والتقديري من طرف المتعهد وعدم إضافته لأي سعر آخر.

– الحساب الأفقي والعمودي للبيان الكمي والتقديري، ومقارنة مختلف المبالغ الواردة بالعرض.

– مطابقة الأسعار بين كشف أسعار الوحدة والبيان الكمي والتقديري، والأخذ بعين الاعتبار عند عدم المطابقة للسعر الوارد بالحرف في كشف أسعار الوحدة وتصحيح مبلغ العرض على أساس ذلك. كما هو الحال إذا كانت الأسعار متعلقة بعقود إنجاز الأشغال، والتي تحسب على أساس سعر الوحدة وفقا لدفتر الشروط المعد مسبقا، فيتقدم صاحب شركة مقاولة باقتراح أسعار أعلى من تلك المعمول بها في السوق الوطنية مستغلا في ذلك علاقته بمدير المؤسسة أو الهيئة الإدارية أو أحد الأعوان فيها. ومثاله أيضا بأن يبرم تاجر عقدا مع بلدية لتزويدها بأجهزة كمبيوتر وكان السعر المعمول به عادة لا يتجاوز 50.000 دج للوحدة، في حين طبق التاجر على البلدية سعر 70.000 دج مستغلا بذلك علاقته المتميزة مع رئيس البلدية ([69]).

2) التعديل في نوعية المواد والخدمات:

يتعلق الأمر بتعديل نوعية المواد التي تتطلبها الإدارة من حيث الجودة والنوعية، فقد حدد المرسوم الرئاسي المتعلق بالصفقات العمومية نوعية المواد المطلوبة، والتي يتم النص عليها في دفتر الشروط الذي يتطلب التقيد بجملة من المعايير والضوابط بأن يسند الاختيار إلى

الضمانات التقنية والمالية، السعر والنوعية وآجال التنفيذ، المنشأ الجزائري أو الأجنبي للمنتوج…إلخ. فالجاني يتعمد تقديم مواد أقل جودة وينقص الأسعار مستغلا في ذلك سلطة أوتأشير الأعوان العموميين في الإدارة المتعاقدة. أما بالنسبة للتعديل في نوعية الخدمات، فالأمر يتعلق بصفقات وعقود الخدمات، كـأعمال الصيانة لأجهزة البلدية والتي يقوم بها مهندسون مختصون بصفة دورية، فالمتعامل المتعاقد لا يقوم بها إلا مرة واحدة في السنة مستغلا بذلك علاقته مع أحد أعوان هذه الهيئات([70]).

3) التعديل في آجال التسليم والتموين:

تخص آجال التسليم والتموين عقود وصفقات اقتناء اللوازم، وعادة ما يتم النص عليها في دفتر الشروط الخاص بها إذا أخل المتعامل المتعاقد بالتزاماته، أو تأخر في تسليم ما هو مطلوب منه دون فرض غرامات عليه، مستغلا في ذلك سلطة أو تأثير مسؤول الهيئة أو المؤسسة الذي تربطه به علاقة صداقة مثلا. كذلك الأمر بالنسبة لصفقات إنجاز الأشغال، حيث يقترح المتعامل المتعاقد الذي تربطه علاقة مع أحد أعوان تلك الهيئة المتعاقدة معه مدة لإنجاز هذه الأشغال يتم النص عليها في الصفقة، فيتعمد إلى التأخر في إنجازها دون أسباب جدية.

ثالثا : الركن المعنوي لجريمة استغلال نفوذ الأعوان العمويين:

إن جريمة استغلال نفوذ الأعوان العموميين جريمة عمدية يشترط فيها توافر القصد الجنائي العام المتمثل في العلم والإرادة، أي علم الجاني بسلطة وتأثير الأعوان العموميين في إبرام الصفقة أو العقد، واتجاه إرادته إلى استغلال هذه السلطة أو هذا النفوذ لفائدته، والقصد الجنائي الخاص المتمثل في نية الجاني للحصول على امتيازات غير مبررة.وكغيرها من الجرائم يتعين على القاضي أن يبين في الحكم أركان جريمة استغلال نفوذ الأعوان العموميين، من صفة الجاني، وسلطة أو تأثير العون الإداري بالنظر إلى المنصب الذي يشغله وعلاقته بالجاني، وكذا تبيان الركن المعنوي وتوافر القصد الجنائي من أجل إدانته، وإلا تعرض حكمه أو قراره للنقض، كما هو مبين من خلال القرار رقم 23447/11، المؤرخ في 29/09/2011، المتعلق بالملف رقم 624033، الصادر عن المحكمة العليا غرفة الجنح والمخالفات، والمتعلق موضوعه بإبرام صفقات مخالفة للتشريع، وإعطاء امتيازات غير مبررة للغير، وتبديد أموال عمومية واختلاسها، واستغلال الوظائف([71]).

أما فيما يخص مسألة إثبات هذه الجريمة، فهي تتوقف على إثبات العلاقة الموجودة بين الجاني وعون الدولة الذي استغل فيه الجاني سلطته وتأثيره من أجل إبرام العقد أو الصفقة، لأن مسألة إثبات عنصر الركن المادي المتمثل في الغرض من استغلال نفوذ الأعوان العموميين بكل عناصره يمكن أن تتم عن طريق الخبرة. لذا يتوجب على القاضي سواء في مرحلة التحقيق أو مرحلة المحاكمة الإطلاع على ملف القضية ودراسته بدقة ومراقبة تصريحات المتهم والشهود إن وجدوا لمحاولة استخلاص أركان الجريمة، وبالتالي الحكم بإدانة الجاني.

رابعا : العقوبة المقررة لجريمة منح امتيازات غير مبررة :

تشمل هذا الجريمة جنحتين تتمثل الأولى في جنحة المحاباة والثانية استغلال نفوذ الأعوان العموميين، فمرتكب إحدى الجنحتين يعاقب بنفس العقوبة المنصوص عليها في المادة 26 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته وهي الحبس من سنتين (02) إلى عشر(10) سنوات، وبغرامة من (200.000 دج) إلى (1000.000 دج)([72]).

وتشدد عقوبة الحبس لتصبح من عشر (10) سنوات إلى عشرين (20) سنة، وبنفس الغرامة المقررة للجريمة المرتكبة، إذا كان مرتكب جريمة منح امتيازات غير مبررة قاضيا، أو موظفا يمارس وظيفة عليا في الدولة، أو ضابطا عموميا، أو ضابط شرطة أو عون شرطة قضائية، أو يمارس صلاحيات الشرطة القضائية، أو موظف أمانة ضبط([73]).

فبالنسبة للإعفاء من العقوبة وتخفيفها، فيستفيد مرتكب جريمة منح امتيازات غير مبررة من الأعذار المعفية أو تخفيضها إلى النصف، إذا قام وقبل مباشرة إجراءات المتابعة، بإبلاغ السلطات الإدارية أو القضائية أو الجهات المعنية عن الجريمة وساعد على معرفة مرتكبها([74]).

وتطبق العقوبات سواء حصل الجاني فعلا حصل على الامتيازات أو لم يحصل عليها كما لو خاب أثر الجريمة لسبب خارج عن إرادة الجاني، كأن تحرر فاتورة بسعر الأجهزة المباعة ويصادق عليها رئيس البلدية، ثم ترفضها المصالح المالية المكلفة بتسديد الثمن([75]).

الخاتمة:

من خلال هذه الدراسة المتعلقة بجريمة الامتيازات غير المبررة في الصفقات العمومية، نخلص أن هذه الجريمة لها ميزة خاصة تميزها عن غيرها من الجرائم، فلا يكفي فيها معرفة النص القانوني المجرم وأركان كل جريمة للوصول إلى كشف السلوك المجرم وتوجيه الاتهام للجناة، بل الأمر يتعداه إلى ضرورة الإلمام بمختلف التقنيات والإجراءات القانونية اللازمة لإبرام وتنفيذ صفقات وعقود المؤسسات والهيئات الإدارية العامة، وهذا بغرض الوصول إلى التكييف القانوني السليم لهذه الجريمة وتحديد المسؤولية الجزائية للجناة من أجل سد الطريق أمام تحجج المتهمين بأن قرار منح الصفقة قد اتخذ من قبل أعضاء لجنة تقييم العروض بغرض إبعاد المسؤولية عنهم. كما أن للقاضي دور مهم في تقدير مدى توافر حالة الضرورة أو الخطر الملح التي تبرر اللجوء إلى إجراء التراضي الذي تكثر فيه هذه الجريمة، من خلال الإطلاع الكافي على ملف القضية، والتفحص الدقيق لملف الصفقة أو الاتفاقية، خاصة ما تعلق منها بالإمكانيات المادية والبشرية المتحص عليها، والسعر المقترح مع مقارنته بما قدمه باقي المترشحين.

فجريمة الامتيازات غير المبررة إذا ما ارتكبت بمناسبة إبرام صفقة عمومية أو تفويض لمرفق عام فإنها ستؤثر على استمرار الصفقة، وبالتالي تعطيل المشروع ومنه تعطيل عجلة التنمية. ومن خلال تحليل هذه الجريمة تم التوصل إلى النتائج التالية:

– بالنسبة للركن الشرعي لجنحة المحاباة، فيظهر على شكل كتلة تجريمية، بدليل المادة 26 من قانون مكافحة الفساد التي تحيل على الأحكام التشريعية والتنظيمية المتعلقة بحرية الترشح والمساواة وشفافية الإجراءات فيما يخص إبرام الصفقات العمومية، وتفويضات المرفق العام. فنص التجريم يبدو مجزأ غير حصري لا يمكن تطبيقه دون الرجوع إلى النصوص القانونية المتعلقة بالصفقات العمومية.

– التوسع في صفة الجاني وهو الموظف العمومي ليشمل كل المستويات بما فيها أصحاب الحصانات.

– اشترطت المادة 26 فقرة 02 صفة معينة في الجاني بالنسبة لجريمة استغلال نفوذ الأعوان العموميين للحصول على امتيازات غير مبررة، وهو أن يكون تاجرا أو صناعيا أو حرفيا أو مقاولا من القطاع الخاص، أي أن يكون عونا اقتصاديا طبيعيا أو معنويا، وعليه فالموظف العمومي في هذه الجريمة لا يعد جانيا، وإنما هو طرف في العلاقة أو عنصرا ضروريا لقيام الجريمة.

– صعوبة تحديد المسؤولية الجنائية في حالة تدخل عدة أعوان إداريين في مختلف إجراءات تحضير وإبرام وتنفيذ الصفقة أو العقد.

– صعوبة إثبات هذه الجريمة في الواقع العملي بالنظر لما يقوم به أعوان الإدارة من وسائل احتيالية للتستر عن جرائمهم مستغلين في ذلك نقص إلمام القضاة بمختلف إجراءات إبرام الصفقات العمومية.

التوصيات:

-باعتبار الموظف العمومي العنصر المرتكب لجرائم الصفقات العمومية، فالمرحلة الأولى لمكافحتها تبدأ به، لذلك يجب الاهتمام به بتقوية القيم الدينية التي تجرم الفساد ، وتقويم الجوانب الأخلاقية التي تحث على السلوك القويم.
-إن إصدار النصوص القانونية الخاصة بأخلاقيات المهنية غير كافية لوحدها، فلا بد من الإصلاح الفعلي، كالاهتمام بالبعد الاجتماعي والنفسي للموظف العمومي عن طريق التكوين وتحسين المستوى المعيشي من خلال توفير السكن المناسب، وتحسين الرواتب، ووسيلة النقل المناسبة، وتطوير أدائه بالتدريبات والتربصات. كل هذا يقلل من لجوء الموظف إلى الرشوة، وتلقي الهدايا خاصة في مجال الصفقات العمومية.
-الإسراع في تنصيب جهاز ضبط الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام، من أجل بسط رقابة صارمة على احترام المبادئ والإجراءات التي تقوم عليها عملية إبرام الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام، ومراقبة سلوك الأعوان العموميون المكلفين بتلك الإجراءات من خلال مدونات قواعد السلوك.
-إجراء دورات تكوينية لكل من الموظفين والأعوان المكلفين بإبرام الصفقات العمومية، وتفويضات المرفق العام، من قبل المتخصصين من أجل شرح ما جاء به المرسوم المتعلق بالصفقات العمومية من إجراءات لتسهيلها وتوحيدها على كامل الإدارات لتفادي الوقوع في الأخطاء غير المقصودة، والتي غالبا ما تقرر المسؤولية الجزائية لمرتكبيها، نتيجة سوء فهم النصوص القانونية.
-إقامة نظام معلوماتي متطور يسمح بمراقبة التحركات المالية ومعرفة مشروعيتها مصادرها، وتتبع مسارها.

قائمة المراجع:

أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي الخاص – جرائم الفساد، المال والأعمال، وجرائم التزوير-، الجزء الثاني، الطبعة الثالثة، دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، 1012-2013.
هنان مليكة، جرائم الفساد الرشوة الاختلاس – تمكين الموظف العام من وراء وظيفته في الفقه الإسلامي ، قانون مكافحة الفساد الجزائري ، مقارنة ببعض التشريعات العربية- ، دار الجامعة الجديدة ، القاهرة ، 2010.
حمدي عبد العظيم، عولمة الفساد وفساد العولمة، منهج نظري وعلمي، الطبعة الأولى، الدار الجامعية ، الإسكندرية، 2008.
عامر الكبيسي، الفساد والعولمة تزامن لا توأمة، المكتب الجامعي الحديث، 2005.
حسين محمود نجيب، شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الجرائم المضرة بالمصلحة العامة، دار النهضة العربية، 1972.
عبد الوهاب صلاح الدين، جرائم الرشوة في التشريع المصري، الطبعة الأولى، دار الفكر العربي، مصر، 1957.
حومد عبد الوهاب، الرشوة في التشريع الكويتي، مجلة الحقوق والشريعة، العدد الأول، 1977، كلية الحقوق، جامعة الكويت.
محمد بكرارشوش، متابعة الجرائم المتعلقة بالصفقات العمومية على ضوء قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، الجزء الثاني، جرائم الصفقات العمومية والدعوى الجزائية، الطبعة الأولى، دار صبحي للطباعة والنشر، متليلي، غرداية، 2014.
فاديا قاسم بيضون، الفساد أبرز الجرائم، الآثار وسبل المعالجة، الطبعة الأولى، منشورات الحلبي الحقوقية، 2013.
حاحة عبد العال، الآليات القانونية لمكافحة الفساد الإدارية في الجزائر، أطروحة دكتوراه العلوم، تخصص قانون عام، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة محمد خيضر، بسكرة، 2012-2013.
سعد بن سعيد علي آل محسن القرني، استغلال النفوذ الوظيفي ظرف مشدد لعقوبة جريمة غسيل الأموال في النظام السعودي،أطروحة دكتوراه، تخصص السياسة الجنائية، قسم العدالة الجنائية، كلية الدراسات العليا، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، 2009.
زوزو زوليخة، جرائم الصفقات العمومية وآليات مكافحتها في ظل القانون المتعلق بالفساد، مذكرة ماجستير في الحقوق، تخصص قانون جنائي، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة قاصدي مرباح ورقلة، السنة الجامعية 2011-2012.
شنة زواوي، الوقاية من الفساد ومكافحته في إطار الصفقات العمومية، جنحة المحاباة نموذجا، مداخلة ألقيت بمناسبة الملتقى الدولي حول الوقاية من الفساد ومكافحته في الصفقات العمومية كلية الحقوق والعلوم والسياسية ، جامعة جيلالي اليابس، سيدي بلعباس ، يومي 24. 25 أبريل 2013.
النصوص القانونية :
دستور 1996، الصادر بموجب المرسوم الرئاسي رقم 96-438، المؤرخ في 07/12/1996، المعدل والمتمم.
القانون العضوي رقم 04-11، المتضمن القانون الأساسي للقضاء، المؤرخ في 06 سبتمبر 2004، ج ر ج ج، عدد 57 لسنة 2004.
القانون رقم 06-02، المؤرخ في 20 فبراير 2006، يتضمن تنظيم مهنة الموثق، ج ر ج ج، عدد 14، المؤرخة في 08 مارس 2006.
القانون رقم 06-03، المؤرخ في 20/02/2006، المتضمن تنظيم مهنة المحضر القضائي، ج ر ج ج، عدد 14 لسنة 2006.
الأمر 95-23، المؤرخ في 26 أوت 1995، يتضمن القانون الأساسي لقضاة مجلس المحاسبة، ج ر ج ج، عدد 48، مؤرخة في 03 سبتمبر 1995، المعدل والمتمم.
الأمر رقم06 -02، المتضمن القانون الأساسي العام للمستخدمين العسكريين ج ر ج ج عدد 12، مؤرخة في 10 مارس 2006.
الأمر رقم 96-02، المؤرخ في 10 يناير1996، يتضمن تنظيم مهمة محافظي البيع بالمزايدة، ج ر ج ج، عدد 03، مؤرخة في 14 يناير1996.
الأمر رقم 95-13، المؤرخ في 11 مارس 1995، يتضمن مهنة المترجم – الترجمان الرسمي، ج ر ج ج ، عدد 17، مؤرخة في 29 مارس 1995.
القانون رقم 06-01، المؤرخ في 20 فيفري 2006، المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، ج.ر.ج.ج، عدد 14، مؤرخة في 08 مارس 2006، متمم بالأمر رقم10-05، المؤرخ في 26 أوت 2010،ج.ر.ج.ج، عدد 50، مؤرخة في 01 سبتمبر 2010،المعدل المتمم بالقانون رقم 11-15، المؤرخ في 02 أوت 2011، ج.ر.ج.ج، عدد 44، مؤرخة في 10 أوت2011 .
رقم 06-03، المتضمن القانون الأساسي العام للوظيفة العامة يتضمن القانون الأساسي للوظيفة العامة، ج رج ج، عدد 46، مؤرخة في 16 جويلية 2006.
المراجع باللغة الفرنسية:

-Michel VERON, Droit pénal des affaires, 10é édition, DALLOZ, Paris, 2013.

-Coralie Ambroise-CASTEROT , Droit pénal spécial et des affaires –infractions contre les personnes et contre les biens, atteintes aux intérêts publics, droit pénal des entreprises et des sociétés, 4eme édition,Gualino lextenso éditions, 2014.

-Jean Claude SOYER, Droit pénal et procédure pénale, 12éme édition, L.G.D.J , Paris, 1995.

-REIS Patrice, Le délit de favoritisme dans les marchés publics , une régulation pénale des pratiques discriminatoires et de certaines pratiques anticoncurrentielles, Petites affiches, 4/7/2003, n°133.

-PREBISSY-Sechnall Catherine ,La pénalisation du droit des marchés publics, L.G.D.J ,2002.

-Samir AIT ISSAD, Abderraouf ABADA , Evaluation de l’efficacité du contrôle financier de l’Etat sur l’exécution des programmes d’investissements public (2001-2014), intervention présenté à l’occasion du colloque international à-propos de l’evaluation des effets des programmes d’investissement public 2001-2014, et leurs retombées sur l’emploi, l’investissement et la croissance économique, Faculté des sciences économiques, commerciales et sciences de gestion, Université Sétif1, les 11-12 mars 2013.

[1] – هذه الجريمة لا يوجد لها أثر لا في الاتفاقية الإفريقية لمنع الفساد، ولا في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.

[2] – ج رج ج، عدد 44، مؤرخة في 10 أوت 2011.

[3] – نصت المادة 26 فقرة 1 قبل تعديلها بالقانون رقم 11-15 على ما يلي:” يعاقب بالحبس من سنتين (02) إلى (10) سنوات، وبغرامة من 200.000 دج إلى 10000.000 دج كل موظف عمومي يقوم بإبرام عقد أو يؤشر على يراجع عقد أو اتفاقية أو صفقة أو ملحقا مخالفا بذلك الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل بغرض إعطاء امتيازات غير مبررة للغير،…”

[4] -Jean Claude SOYER, Droit pénal et procédure pénale, 12éme édition, L.G.D.J , Paris, 1995,p84.

[5] – القانون رقم 06-01، المؤرخ في 20 فيفري 2006، المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، ج.ر.ج.ج، عدد 14، مؤرخة في 08 مارس 2006، متمم بالأمر رقم10-05، المؤرخ في 26 أوت 2010،ج.ر.ج.ج، عدد 50، مؤرخة في 01 سبتمبر 2010،المعدل المتمم بالقانون رقم 11-15، المؤرخ في 02 أوت 2011، ج.ر.ج.ج، عدد 44، مؤرخة في 10 أوت2011 .

[6] – وما تجدر الإشارة إليه هو أنه لا يمكن متابعة رئيس الجمهورية أو يكون محل مساءلة عن جرائم الفساد خاصة ما يمس منها الصفقات العمومية، والتي يرتكبها بمناسبة أداء مهامه الوظيفية. إلا أنه وفقا للمادة 177 من الدستور، يمكن محاكمته عن الأفعال التي يمكن وصفها بالخيانة العظمى، وتكون مساءلته أمام المحكمة العليا للدولة، هذه الأخيرة التي لم يتم تنصيبها لحد الآن، ولم يصدر القانون العضوي الذي يحدد تشكيلتها وتنظيمها وسيرها والإجراءات المطبقة عليها. بالإضافة إلى أن المشرع لم يوضح ما هي الأفعال التي تشكل الخيانة العظمى. لأكثر تفصيل، ينظر، حاحة عبد العال، الآليات القانونية لمكافحة الفساد الإدارية في الجزائر، أطروحة دكتوراه العلوم، تخصص قانون عام، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة محمد خيضر، بسكرة، 2012-2013، ص 60 وما وراءها.

[7] – المادة 85 فقرة 01 من التعديل الدستوري لسنة 2016.

[8] – يتم تعيين الوزير الأول مرسوم رئاسي، وهي التسمية المستحدثة بموجب التعديل الدستوري لسنة 2008، الذي ألغي بموجبه منصب رئيس الحكومة وعوض بمنصب الوزير الأول.

[9] – ويمثل كل شخص يحمل صفة الموظف العام بمفهوم المادة 04/1 من الأمر رقم 06-03، المتضمن القانون الأساسي العام للوظيفة العامة يتضمن القانون الأساسي للوظيفة العامة، ج رج ج، عدد 46، مؤرخة في 16 جويلية 2006، التي تنص على :” يعتبر موظفا كل من عين في وظيفة عمومية دائمة، ورسم في رتبة في السلم الإداري”.

[10] – وهم الأشخاص الذين يشغلون منصبا في إدارة أو مؤسسات عمومية ولا تتوفر فيه صفة الموظف بالمفهوم المذكور في قانون الوظيفة العمومية مثل: الأعوان المتعاقدون أو المؤقتون.

[11] – القانون العضوي رقم 04-11، المتضمن القانون الأساسي للقضاء، المؤرخ في 06 سبتمبر 2004، ج ر ج ج، عدد 57 لسنة 2004.

[12] – هنان مليكة، جرائم الفساد الرشوة الاختلاس – تمكين الموظف العام من وراء وظيفته في الفقه الإسلامي ، قانون مكافحة الفساد الجزائري ، مقارنة ببعض التشريعات العربية- ، دار الجامعة الجديدة ، القاهرة ، 2010 ، ص 48.

[13] – تنص المادة 02 من الأمر 95-23، المؤرخ في 26 أوت 1995، يتضمن القانون الأساسي لقضاة مجلس المحاسبة، ج ر ج ج، عدد 48، مؤرخة في 03 سبتمبر 1995، المعدل والمتمم، على أنه: ” يعتبر قاضيا بمجلس المحاسبة، رئيس المجلس ونائبه، ورؤساء الغرف والفروع،والمستشارون المحتسبون، وكذا الناظر العام، والنظار المساعدون.

[14] – المادة 174 ، من دستور 1996، المعدل والمتمم.

[15] – أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي الخاص – جرائم الفساد، المال والأعمال، وجرائم التزوير-، الجزء الثاني، الطبعة الثالثة، دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، 1012-2013، ص 14.

[16] – المادة 101 من دستور 1996، الصادر بموجب المرسوم الرئاسي رقم 96-438، المؤرخ في 07/12/1996، المعدل والمتمم.

[17] – ج ر ج ج عدد 12، مؤرخة في 10 مارس 2006.

[18] – القانون رقم 06-02، المؤرخ في 20 فبراير 2006، يتضمن تنظيم مهنة الموثق، ج ر ج ج، عدد 14، المؤرخة في 08 مارس 2006.

[19] – القانون رقم 06-03، المؤرخ في 20/02/2006، المتضمن تنظيم مهنة المحضر القضائي، ج ر ج ج، عدد 14 لسنة 2006.

وفي هذا الشأن صدر قرار عن مجلس الدولة يتضمن موضوعه مدى شرعية قرار عزل محضر قضائي، باعتبار أن هذا النوع من المنازعات يعتبر من المنازعات الإدارية أخذا بالمعيار المادي وليس العضوي. وهذا لا يعني اعتبار المحضر القضائي موظفا عموميا بمفهوم الأمر رقم 06-03، سالف الذكر، وإنما بالنظر خصوصية قانون العقوبات والنصوص المرتبطة به.

[20] – الأمر رقم 96-02، المؤرخ في 10 يناير1996، يتضمن تنظيم مهمة محافظي البيع بالمزايدة، ج ر ج ج، عدد 03، مؤرخة في 14 يناير1996.

[21] – الأمر رقم 95-13، المؤرخ في 11 مارس 1995، يتضمن مهنة المترجم – الترجمان الرسمي، ج ر ج ج ، عدد 17، مؤرخة في 29 مارس 1995.

وجميع هؤلاء الأعوان يتولون وظائفهم بتفويض من السلطة العمومية، ويحصلون الحقوق والرسوم المختلفة لحساب الخزينة العمومية، الأمر الذي يؤهلهم لكي يدرجوا ضمن فئة من هم في حكم الموظف العام . ولقد حدد قانون الوقاية من الفساد ومكافحته مفهوم الموظف العمومي على أساس التمتع بجزء من الاختصاص في خدمة الدولة ومرافقها.

ومن هذا المنطلق فكل من تتوفر فيه صفة الموظف العمومي بالمفاهيم السابقة يمكن أن تنسب إليه الجريمة، ما إذا قام بإبرام صفقة أو اتفاقية أو عقد يؤثر عليه أو يراجعه خلافا لما نصت عليه الأحكام التنظيمية أو التشريعية ، ويعتبر من مرتكبي الأفعال المجرمة في الجرائم المتعلقة بالفساد عامة، وتعارض المصالح بصفة خاصة.

[22] -Michel VERON, Droit pénal des affaires, 10é édition, DALLOZ, Paris, 2013, p 82.

[23] -Coralie Ambroise-CASTEROT , Droit pénal spécial et des affaires –infractions contre les personnes et contre les biens, atteintes aux intérêts publics, droit pénal des entreprises et des sociétés, 4eme édition,Gualino lextenso éditions, 2014,p 349.

[24] – كقاعدة عامة يقصد بالركن المادي للجريمة كل فعل أو سلوك إجرامي صادر عن إنسان عاقل، سواء كان هذا الفعل إيجابيا أو سلبيا، يترتب عليه نتيجة تمس حقا من الحقوق المحمية قانونا. وللركن المادي عناصر لابد من توفرها حتى تقوم الجريمة في حق المتهم، وهي النشاط الإجرامي، والنتيجة، والعلاقة السببية. ينظر في ذلك، بلعليات إبراهيم، أركان الجريمة وطرق إثباتها في قانون العقوبات الجزائري، الطبعة الأولى، دار الخلدونية، الجزائر، 2007، ص 17-18.

[25]-. بن شعبان علي، آثار عقد الأشغال العامة على طرفيه في التشريع الجزائري، أطروحة دكتوراه الدولة في القانون العام، كلية الحقوق والعلوم والسياسية، جامعة منتوري بقسطنطينة، 2011-2012، ص 29 وينظر أيضا، حمزة خضري، منازعات الصفقات العمومية ، مذكرة ماجستير، جامعة محمد خيضر، بسكرة، 2005، ص12.

[26]- حمزة حضري، نفس المرجع ، ص 177.

[27]- تنص المادة 39 من المرسوم الرئاسي رقم 15-247، المؤرخ في 16 سبتمبر2015، المتضمن تنظيم الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام، ج ر ج ج، عدد 50، المؤرخة في 25 سبتمبر 2015، على أنه : ” تبرم الصفقات العمومية وفقا لإجراء طلب العروض الذي يشكل القاعدة العامة، أو إجراء التراضي.”

[28] – فالمصطلح المقابل للمناقصة في النص الفرنسي هو “Lappel d’offre ” ، الذي يراد به طلب واستدراج العروض، وذلك أن طلب العروض أسلوب من أساليب التعاقد الإداري، يتيح للإدارة حرية اختيار المتعاقد معها. ومن خلاله تستطيع الإدارة أن تختار العطاء الأفضل دون التزامها بمبدأ آلية الإرساء على مقدم العطاء الأقل سعرا. الذي يميز المناقصة عن غيرها من أساليب التعاقد، حيث تظهر محدودية إرادة الأطراف في هذا الإجراء من ناحية، وإلزام القانون الإدارة المتعاقدة على إقامة المنافسة عن طريق إجراء المناقصة، ويفرض عليها اختيار المترشح الذي يقدم أقل العروض، ينظر، محمد أحمد عبد المنعم، مرحلة المفاوضات في العقود الإدارية –دراسة مقارنة- ، دار النهضة العربية، القاهرة، 2000، ص 16.

[29] – وربما يرجع هذا إلى أن أسلوب طلب العروض قريب من أسلوبي المناقصة والمزايدة لأن كل منهم يستدعي المنافسة، ويختلف طلب العروض عنهما كون أن الصفقة العمومية لا تكون مباشرة من نصيب العروض التي تقدم أدنى سعر، وإنما الإدارة بهذه الطريقة تحاول اختيار المتعاقد الذي يقدم ويحقق أحسن العروض المالية والفنية.ينظر في ذلك، ناصر لباد، القانون الإداري، النشاط الإداري، الجزء الثاني، الطبعة1 ، لباد Editeur،2004، ص434.

[30] – نص المرسوم المتعلق بالصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام رقم 15-274 على نوعين من طلب العروض، المفتوح والمحدود . وتم تعريف طلب العروض المفتوح من خلال المادة 43 من نفس المرسوم على أنه: ” إجراء يمكن من خلاله أي مترشح مؤهل أن يقدم تهعد.” فهذا الشكل من طلب العروض يفتح المجال لعدد غير محدود من المتنافسين لتقديم عروضهم وطنيين كانوا أو أجانب .

أما طلب العروض المحدود فقد عرفته المادة 45 من نفس المرسوم على أنه:” إجراء لاستشارة انتقائية، يكون المرشحون الذين تم انتقاؤهم الأولي من قبل مدعوين وحدهم لتقديم تعهد”.

ومعنى ذلك أنه يمكن للإدارة ألا تسمح بفتح المنافسة أمام الجميع، بل تحصرها بين فئة محدودة من المتنافسين، الذين تتوفر لديهم المؤهلات المالية و الفنية المطلوبة، كالمقاولين الذين لديهم خبرة 10 سنوات مثلا، فتقوم المصلحة المتعاقدة بتحديد ذلك بالتفصيل في دفاتر الشروط.

[31] – عرف الفقيهان “دولوباداروقودمي” طلب العروض مع مناظرة بكونه، ” طريقة لإبرام الصفقات العمومية تقوم بمقتضاه الإدارة بإجراء مناظرة بين المقاولين والموردين وفق برنامج تضبطه هي، وتؤدي هذه المناظرة إلى ترتيب المتنافسين، وتحتفظ الإدارة بحرية اختيار المتعاقد ينظر،

André de LAUBADERE Yves GAUDEMET , Traité de Droit administratif, Tome 2 ,droit administratif des biens ,11éme édition ,L.G.D.J , Paris 2002, p 312-313.

[32] – المادة 44 من المرسوم الرئاسي رقم 15-247، سابق الإشارة إليه.

[33] – المادة 41 من المرسوم الرئاسي 15-247، ، نفس المرجع.

[34] – المادتين 49 و51 من المرسوم الرئاسي رقم 15-247، نفس المرجع.

[35] – وبما أن المرسوم المتعلق بالصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام نص على أحكام جديدة تتعلق بتفويضات المرفق العام بموجب اتفاقية، فإن مخالفة أحكام هذه الاتفاقية لاسيما المبادئ المنصوص عليها في نص المادة 05 من نفس المرسوم، بالإضافة إلى مبدأ الاستمرارية، والمساواة، وقابلية التكيف، سترتب المسؤولية الجزائية على مرتكبها، ويتابع بجنحة المحاباة المنصوص عليها في المادة 26 فقرة 1 من قانون مكافحة الفساد.

[36] – إن الهدف من تأشيرة المراقب المالي هو ربط العملية التعاقدية بالميزانية المخصصة للعملية، وهي إجبارية قبل اللجوء إلى تنفيذ أي عقد. ينظر في ذلك، محمد بكرارشوش، متابعة الجرائم المتعلقة بالصفقات العمومية على ضوء قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، الجزء الثاني، جرائم الصفقات العمومية والدعوى الجزائية، الطبعة الأولى، دار صبحي للطباعة والنشر، متليلي، غرداية، 2014، ص 63.

[37]- يمكن تعريف المراقب المالي على أنه موظف تابع لوزارة المالية، يعين من قبل الوزير المكلف بالمالية، وهو متواجد على مستوى كل الولايات للرقابة على تنفيذ النفقة العمومية، يمارس مهامه تحت وصاية وزارة المالية. وتعتبر رقابة المراقب المالي وسيلة لمتابعة استعمال الأموال العمومية والحفاظ عليها من استغلالها لمصالح شخصية أو تبذيرها، وبالتالي فهو يمكن وزارة المالية القيام بعمليات المراقبة لمعرفة أوجه الإنفاق والتحصيل . ينظر في ذلك،

-Samir AIT ISSAD, Abderraouf ABADA , Evaluation de l’efficacité du contrôle financier de l’Etat sur l’exécution des programmes d’investissements public (2001-2014), intervention présenté à l’occasion du colloque international à-propos de l’evaluation des effets des programmes d’investissement public 2001-2014, et leurs retombées sur l’emploi, l’investissement et la croissance économique, Faculté des sciences économiques, commerciales et sciences de gestion, Université Sétif1, les 11-12 mars 2013.

[38] – المادة 03 من المرسوم التنفيذي رقم 11-381، المؤرخ في 21 نوفمبر 2011، المتعلق بمصالح المراقبة المالية، ج ر ج ج، عدد 64 لسنة 2011.

[39] – المواد 05، 06، 07 من المرسوم التنفيذي رقم 92-414، مؤرخ في 14 نوفمبر 1992، يتعلق بالرقابة السابقة للنفقات التي يلتزم بها، ج ر ج ج، عدد 82، مؤرخة في 15 نوفمبر1992، المعدل والمتمم بالمرسوم التنفيذي رقم 09-374، مؤرخ في 16 نوفمبر2009، ج ر ج ج، عدد 67، مؤرخة في 19 نوفمبر 2009.

[40] – المادة 08 من المرسوم التنفيذي رقم 11-381، سابق الإشارة إليه.

[41]- نصت المادة الخامسة من المرسوم التنفيذي رقم 09-374 مؤرخ في 16 نوفمبر2009، ج ر ج ج، عدد 67، مؤرخة في 19 نوفمبر 2009، على ما يلي:”تخضع مشاريع القرارات المبينة أدناه، والمتضمنة التزاما بالنفقات لتأشيرة المراقب المالي، قبل التوقيع عليها،

مشاريع قرارات التعيين والترسيم والقرارات التي تخص الحياة المهنية، ومستوى المرتبات للمستخدمين، باستثناء الترقية في الدرجة،
مشاريع الجداول الاسمية التي تعد عند قفل كل سنة مالية،
مشاريع الجداول الأصلية الأولية التي تعد عند فتح الإعتمادات، وكذا الجداول الأصلية المعدلة خلال السنة المالية،
مشاريع الصفقات العمومية والملاحق.”
[42] – أحسن بوسقيعة، المرجع السابق، ص 148؛ وينظر أيضا، شنة زواوي، الوقاية من الفساد ومكافحته في إطار الصفقات العمومية، جنحة المحاباة نموذجا، مداخلة ألقيت بمناسبة الملتقى الدولي حول الوقاية من الفساد ومكافحته في الصفقات العمومية كلية الحقوق والعلوم والسياسية ، جامعة جيلالي اليابس، سيدي بلعباس ، يومي 24. 25 أبريل 2013.

[43] – Coralie Ambroise-CASTEROT , op.cit , p350.

[44] – REIS Patrice, Le délit de favoritisme dans les marchés publics , une régulation pénale des pratiques discriminatoires et de certaines pratiques anticoncurrentielles, Petites affiches, 4/7/2003, n°133, p.6

[45] – محمد بكرار شوش، المرجع السابق، ص 66.

[46] – Patrick KOLB, Laurence LETURMY, L’essentiel du Droit pénal général, Les grands principes, La responsabilité pénale, Les peines, 11e édition, Gualino lextenso éditions, 2014-2015, p46.

[47]- Michel VERON , Droit pénal spécial, 14e édition, 2014, SIREY , p 402.

[48] – أحسن بوسقيعة، المرجع السابق، ص 158.

[49] – كما يجب على القاضي أن يبين بدقة الأركان المشكلة لفعل إعطاء امتيازات غير مبررة للغير بمناسبة إبرام عقد أو صفقة، وذلك من خلال الأسئلة الموجهة للجاني، وإلا تعرض قراره للنقض، هذا ما يظهر من خلال القرار رقم 354438، المؤرخ في 15/02/2006، مجلة المحكمة العليا، عدد01، لسنة 2007، والمتعلق بإبرام صفقة مخالفة للتشريع، وتبديد أموال عمومية، حيث تمثلا وجها النقض في المبدأين التاليين: المبدأ الأول هو السؤال غير القانوني بخصوص جريمة إبرام صفقة مخالفة للتشريع، الخالي من أركانها القانونية المتمثلة في – أن يكون الفاعل موظفا أو شبيها له. –أن يبرم عقدا أو صفقة باسم الهيئة التي يعمل لصالحها. – أن يخالف الأحكام التشريعية أو التنظيمية الجاري بها العمل.- أن يكون الغرض من العقد أو الصفقة إعطاء امتيازات غير مبررة للغير. أما بالنسبة للمبدأ الثاني فيتمثل في السؤال غير القانوني المطروح بخصوص جريمة تبديد أموال عمومية الخالي من إبراز أركانها القانونية التالية: – الفعل المادي وهو التبديد- القصد الجنائي وهو العمد. – أن يكون الفاعل موظف أو مشابها له. – أن تكون الأموال المبددة قد وضعت تحت يده بمقتضى الوظيفة أو بسببها.

[50] – أحسن بوسقيعة، المرجع السابق، ص157-158.

[51] -L’article 432-14 du code pénal français.

[52]- وفي هذا الصدد قضى القضاء الفرنسي في عدة مناسبات بقيام القصد الجنائي، على أساس أن الجاني يمارس وظائف انتخابية منذ زمن طويل، وأن له تجربة كبيرة في إبرام الصفقات العمومية، فهو على دراية تامة بكل الأحكام التي تحكمها، ولا يمكن له التعذر بجهلها. فبمجرد مخالفة تلك الأحكام تقوم الجريمة في حقه حتى ولو لم يكن يبحث عن فائدته الخاصة. ولو الفائدة المعنوية في العملية. لأكثر تفصيل ينظر في ذلك،

-Coralie Ambroise-CASTEROT , op.cit , p352 .- Michel VERON, Droit pénal spécial, op.cit, p 402.

[53] – حومد عبد الوهاب، الرشوة في التشريع الكويتي، مجلة الحقوق والشريعة، العدد الأول، 1977، كلية الحقوق، جامعة الكويت، ص11.

[54] – فاديا قاسم بيضون، الفساد أبرز الجرائم، الآثار وسبل المعالجة، الطبعة الأولى، منشورات الحلبي الحقوقية، 2013 ص 74.

[55] – حاحة عبد العال، المرجع السابق، ص 187.

[56] – إن هذه الجريمة لا تزال غامضة يشوبها اللبس والغموض، ويفتقر إلى سوابق فقهية وقضائية لأنها مختلطة بغيرها من الجرائم التي تشابهها، وعلى رأسها جرائم إساءة استغلال الوظيفة، فكلتا الجريمتين تدخلان ضمن جرائم الفساد الإداري، ولها ارتباط بالوظيفة العامة، أو بالأحرى بالموظف العام. ويمكن القول أن جريمة استغلال النفوذ توصف بأنها إحدى صور جرائم إساءة استغلال السلطة، إذا ما ارتكبها موظف عن طريق استغلاله لنفوذه الوظيفي، ففي هذه الحالة تعتبر من جرائم الموظف العام، أما إذا قام بها غير موظف ممن يتمتعون بنفوذ خاص سواء كان هذا النفوذ سياسيا أم اقتصاديا أو اجتماعيا، أم غيره، فإنها تصبح جريمة مستقلة بذاتها، ولا يمكن وصفها بأنها ضمن صور جرائم استغلال السلطة، بحيث يطبق على مرتكبها ما يطبق عليه لو كان موظفا عاما. أما بالنسبة لتمييز جريمة استغلال النفوذ عن جريمة الرشوة فإن جريمة الرشوة الأصلية يكون الاتجار في الوظيفة في عمل يدخل في اختصاص الموظف المرتشي، أو يزعم اختصاصه به، بينما في جريمة استغلال النفوذ يقع الاتجار في عمل وظيفي آخر يختص به غيره. كما تختلف الجريمتان في صفة الجاني، والغرض من الوعد أو العطية. فيشترط أن يكون الجاني في جريمة الرشوة موظف عام أو من في حكمه، بينما قد يكون استغلال موظف أو غير موظف. أما بالنسبة للغرض من العطية، ففي جريمة الرشوة هو القيام بعمل من أعمال الوظيفة أو الامتناع عن عمل أو الإخلال بواجب لها أما في جريمة استغلال النفوذ فهو الحصول على مزية الغير لدى سلطة عامة استنادا إلى نفوذ حقيقي أو مزعوم، فهو في هذه الحالة لا يستغل وظيفته ولكن ماله من نفوذ حقيقي أو مزعوم. ينظر في ذلك كل من، سعد بن سعيد علي آل محسن القرني، استغلال النفوذ الوظيفي ظرف مشدد لعقوبة جريمة غسيل الأموال في النظام السعودي،أطروحة دكتوراه، تخصص السياسة الجنائية، قسم العدالة الجنائية، كلية الدراسات العليا، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، 2009، ص 68- 73.

– Michel VERON, Droit pénal des affaires, op.cit, p 80.

[57] – حسين محمود نجيب، شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الجرائم المضرة بالمصلحة العامة، دار النهضة العربية، 1972، ص 109.

[58] – عبد الوهاب صلاح الدين، جرائم الرشوة في التشريع المصري، الطبعة الأولى، دار الفكر العربي، مصر، 1957، ص 142.

[59] – Michel VERON, Droit pénal des affaires, op.cit, p 80.

[60]- زوزو زوليخة، جرائم الصفقات العمومية وآليات مكافحتها في ظل القانون المتعلق بالفساد، مذكرة ماجستير في الحقوق، تخصص قانون جنائي، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة قاصدي مرباح ورقلة، السنة الجامعية 2011-2012، ص 85 ؛ وينظر أيضا، عامر الكبيسي، الفساد والعولمة تزامن لا توأمة، المكتب الجامعي الحديث، 2005، ص 33.

[61] – فاديا قاسم بيضون، المرجع السابق، ص 73.

[62] – سعد بن سعيد علي آل محسن القرني، المرجع السابق، ص 73.

[63] – أحسن بوسقيعة، المرجع السابق، ص 168.

[64] – زوزو زوليخة، المرجع السابق، ص 89.

[65] – أحسن بوسقيعة، المرجع السابق، ص 169.

[66] – أحسن بوسقيعة، المرجع السابق، ص 169.

[67] – يعتبر المشرع المصري أفعال استغلال النفوذ للحصول على تراخيص أو قرارات أو اتفاق توريد أو مقاولة، أو على وظيفة أو خدمة أومزية من أي نوع في حكم المرتشي، ويعاقب بعقوبة الرشوة المنصوص عليها في المادة 104 من قانون العقوبات المصري. لأكثر تفصيل ينظر، حمدي عبد العظيم، عولمة الفساد وفساد العولمة، منهج نظري وعلمي، الطبعة الأولى، الدار الجامعية ، الإسكندرية، 2008، ص 31.

[68] – زوزو زوليخة، المرجع السابق، ص 86-87.

[69] – أحسن بوسقيعة، المرجع السابق، ص 170.

[70] – أحسن بوسقيعة، نفس المرجع ، ص 171.

[71] – لأكثر تفصيل، ينظر القرار رقم 624033، المؤرخ في 29/09/2011، صادر عن المحكمة العليا، غرفة الجنح والمخالفات، المتضمن جنحة الامتيازات غير المبررة للغير، وإبرام صفقات مخالفة للتشريع والتنظيم المعمول به، وتبديد أموال عمومية واختلاسها، واستغلال الوظائف.

[72] – المادة 26 فقرة 1 من القانون رقم 06-01، المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، سابق الإشارة إليه.

[73] – المادة 48 من نفس القانون .

[74] – المادة 49 من نفس القانون .

[75] – أحسن بوسقيعة، المرجع السابق، ص 170.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت