الحقوق القانونية للدول المتشاطئة للأنهار الدولية

الدكتور محمد رشيد شطناوي
الجامعة الأردنية

ملخص
تعتبر المياه أساس الحياة والعنصر الأساسي في التنمية وعندما يدور النقاش في الشأن المائي فإنه يعني البحث في مستقبل العالم. فكمية المياه على سطح الأرض ثابتة ولكن الطلب عليها يتزايد، مما يعني أن حصة الفرد منها آخذة بالتناقص ونوعيتها آخذة بالتردي. وقد ينشأ في بعض مناطق العالم تنافس على هذه الكمية الثابتة قد تتطور إلى صراعات. و لما كانت معظم الأنهار في العالم عابرة للحدود، كان لابد من نشوء الخلافات بين الدول المتشاطئة، حين تعتبر دول المنبع نفسها أحق باستعمال المياه من دول المرور أو دول المصب. ونتيجة لذلك، فقد اهتم المجتمع الدولي بالقضايا الخلافية حول المياه وما قد تولده من صراعات ومع نشوء الأمم المتحدة، بدأ بتأطير هذا الاهتمام وإسناده بالمعاهدات والمواثيق. فقد رعت الأمم المتحدة كافة المبادرات الدولية والاتفاقيات الثنائية والإقليمية وأشرفت على العديد من الأنشطة العلمية وأصدرت القرارات، وتبنت أخيرا الاتفاقية الدولية حول قانون استخدام المجاري المائية للأغراض غير الملاحية.

تناقش هذه الورقة تطور الأطر القانونية التي تحكم تقسيم و تخصيص المياه و استعمالاتها بين الدول المتشاطئة على الأنهار الدولية في المعاهدات و الاتفاقيات الدولية وفعاليتها و مدى تطبيقها من قبل الدول المعنية.وتعرض بعض الاتفاقيات الثنائية والإقليمية وكيفية حلها والدروس المستفادة منها. وتستنتج الورقة الحاجة إلى تطوير الاتفاقية الدولية حول قانون استخدام المجاري المائية للأغراض غير الملاحية ليصبح التوقيع عليها إلزاميا و لتؤكد على احترام الحقوق التاريخية للدول المتشاطئة و على دول المنبع عدم إجراء أي نشاط إلا بعد موافقة الدول الأخرى. وتناقش الورقة أيضا مشروع قانون طبقات المياه الجوفية وضرورة أن تبدي الدول الأعضاء آراءها حول هذه تمهيدا لإقرارها. و أخيرا، تطرح الورقة بعض محددات ومعوقات إدارة المياه المشتركة

المقدمة
إن البحث في الشأن المائي بمختلف جوانبه الفنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية هو بحث في مستقبل العالم لان الماء وهو أساس الحياة والتنمية آخذ بالتناقص كما بالنسبة إلى حصة الفرد وبالتردي نوعا بالنسبة لملائمته للزراعة والشرب . ولذا فقد لقي الموضوع المائي اهتمامات كبيرة منذ ثلاث عقود من الزمن حين أدرك الخبراء والسياسيون أهمية الماء كمحور اقتصادي له علاقة مباشرة بالتنمية. وقبل ذلك بقرون، أكد الإسلام بان الماء هو الحياة نفسها بقولة تعالى “أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً ففتقتاهما وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ”.كما دعا إلى حسن إدارة الماء ومنع تلوثه وعدم الإسراف في استعماله، إذ روي عن عبد الله بن عمر بن العاص: أن رسول الله (ص) مر بسعد وهو يتوضأ فقال :” ما هذا السرف ؟” فقال : أفي الوضوء إسراف ؟ فقال: ” نعم وإن كنت علي نهر جار.

ومع الزيادة في عدد السكان وارتفاع المستوى المعيشي لهم وزيادة حجم المدن والمناطق الحضرية وازدهار الصناعة، فأن الطلب على المياه سوف بالمستقبل يزداد بوتيرة عالية. وحتى لو تم التحكم والسيطرة على النمو السكاني، فان الطلب على المياه سوف يزداد نتيجة لزيادة الطلب على الغذاء ولتلبية متطلبات الحياة الجديدة وزيادة عدد سكان الحضر. ومن ناحية أخرى، فان الزيادة في الموارد المائية المتاحة و بتكلفة معقولة لن تواكب الزيادة في الطلب عليها. ويضاف إلى ذلك عامل جديد وهو أن معظم الموارد المائية وخاصة السطحية هي مياه مشتركة بين الدول العربية ودول الجوار وغالبا ما تكون دول الجوار هي دول المنبع يسهل عليها التحكم والسيطرة على المياه في أعالي الأحواض. ومن هذا المنطلق فعلى الدول العربية أن تسعى إلى تأطير الاتفاقات الثنائية والمعاهدات الدولية لتحافظ على حقوقها القانونية في المياه المشتركة.

لقد تم الكتابة عن موضوع المياه المشتركة وحقوق الدول المتشاطئة ومناقشة الاتفاقية الثنائية أو الإقليمية من قبل مستشرقين و خبراء أجانب. وما ندر أن نجد عالما عربيا مختصا في القانون الدولي أن كتب عن هذا الموضوع بعمق و تمعن. يوجد عدد كبير من الاتفاقيات الثنائية والإقليمية على مستوى العالم التي يمكن دراستها ليتم استخلاص النتائج والاستفادة من الدروس الناجحة. وسوف يتم التطرق لذلك في هذا البحث. كما وسيتم مناقشة الاتفاقية الإطارية حول قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية والتي اعتمدت من الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 21/5/1997. وكذلك قانون طبقات المياه الجوفية العابرة للحدود الذي تم مناقشته في الدورة الثالثة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2009.

تواجه العديد من دول العالم أزمات مائية و تتباين حدة هذه الأزمات من بلد إلى آخر. ففي حين تزيد حصة الفرد السنوية من المياه عن 40 ألف متر مكعب في كندا، فإنها تقل عن ألف متر مكعب في كثير من الدول. وتعتبر الأقاليم ذات المناخ الجاف إلى شبه الجاف من أكثر الأقاليم في العالم التي ستواجه حدة في مشكلة المياه. تقع غالبية الدول العربية ضمن هذا الإقليم المناخي، وبذلك تعتبر من أكبر دول العالم شحة في الموارد المائية. وباستثناء العراق والمغرب ولبنان فان حصة الفرد في بقية الدول العربية لا يتجاوز حاجز الألف متر مكعب للفرد بالسنة.

إن الموارد المائية العذبة والمتاحة في العالم العربي لا تستطيع تلبية الاحتياجات المتنامية من الطلب على المياه. وذلك لا بد من ايلاء هذا أهمية كبرى و دراسته على مستوى العالم العربي لتحديد الخيارات والسبل التي يمكن بها مواجهة هذا العجز. تشير آخر الدراسات إلى أن حجم الموارد المائية التقليدية المتاحة تقدر بحوالي 265 مليار متر مكعب يضاف لها حوالي 20 مليار متر مكعب كمياه غير تقليدية (المياه المحلاة، مياه الصرف الصحي والزراعي) ليصبح الإجمالي حوالي 285 مليار. وإذا تم مقارنة ذلك مع عدد السكان البالغ حاليا حوالي 350 مليون، يتضح أن حصة الفرد من المياه تقل عن ألف متر مكعب بالسنة. ومما هو جدير بالذكر، أن الموارد المائية المتاحة لا تشكل بالضرورة موردا قابلا للاستعمال ولكن لا بد من تنميته ووضعه في حيز الاستثمار لغايات التنمية.

يشكل موقع العالم العربي الجغرافي ووضعه المناخي سببا مباشرا في تذبذب حجم الموارد المائية. ففي حين تتأثر الموارد السطحية بالهطول المطري، فأن نسبة كبيرة من الموارد تنبع من خارج الدول العربية وهي بذلك تعتبر مياه مشتركة دولية. ولا تشكل الموارد الوطنية أكثر من 65 مليار متر مكعب بينما تبلغ الموارد المائية المشتركة حوالي 160 مليار متر مكعب. وبسبب طبيعة الحدود الجغرافية بين الدول العربية، فلا بد من وجود مياه مشتركة بينها كنهر اليرموك بين سوريا والأردن ونهر العاصي بين سوريا ولبنان ونهر المجردة بين تونس والجزائر.

الموارد المائية في العالم العربي
ما زال تقدير الموارد المائية في العالم العربي أمرا غير مكتملا وذلك لصعوبة إجراء القياسات الدقيقة وعدم التوصل إلى صورة حقيقية عن حجمها، خاصة مياه الفيضانات والمياه الجوفية. وما زالت هذه التقديرات تعتمد على الحصر لا على القياس الدقيق. ويمكن تقسيم الموارد المائية إلى مياه تقليدية كالمياه السطحية والمياه الجوفية (المتجددة وغير المتجددة) ومياه غير تقليدية كالمياه المحلاة ومياه الصرف الصحي ومياه الصرف الزراعي والتي تشكل مجتمعة موردا متزايدا في المستقبل.

بينت أعمال الحصر التي قام بها المركز العربي لدراسات الأراضي الجافة أن حجم الموارد السطحية يقدر بحوالي 225 مليار متر مكعب بالسنة، دون التمييز بأن هذه المياه مشتركة أو مياه داخلية. أما المياه الجوفية فيقدر حجم المياه المتجددة منها بحدود 40 مليار متر مكعب بالسنة ولا توجد تقديرات حقيقية عن حجم المياه الجوفية غير المتجددة التي تتواجد في طبقات عديدة أهمها الحوض النوبي وبعض الأحواض في إقليم الجزيرة العربية والمغرب العربي. وتتمتع هذه الطبقات بمخزون هائل من المياه تتراوح نوعيتها بين مياه عذبة (اقل من 500 جزء بالمليون) إلى مالحة نسبيا لتصل حوالي 4000 جزء بالمليون. ومع التطور التكنولوجي والحاجة إلى مياه جديدة أو معالجة مياه الصرف الصحي فقد دخل إلى الموازنة المائية مورد جديد وهو ما يعرف بالمياه غير التقليدية مثل المياه المالحة (لغايات الشرب والصناعة) والمياه العادمة وهي مياه الصرف الصحي والزراعي والصناعي والتي يمكن إعادة استعمالها في الزراعة. وتقدر حجم المياه المحلاة بحوالي 6 مليار متر مكعب بالسنة والمياه العادمة بحوالي 14 مليار متر مكعب بالسنة. وعليه فان المياه التقليدية غير المعالجة ستصل إلى حوالي 20 مليار متر مكعب بالسنة.

الموارد المائية المشتركة
لم تبنى الحدود بين الدول على أساس هيدرولوجية بل في أحيان كثيرة كان الحاجز المائي كالنهر يشكل خط الحدود بين أي دولتين. وفي معظم الحالات تتشارك الدول في الموارد المائية مثل دول تقع في منبع المورد أخرى تقع في مصبه أو أنها تتشاطىء مجاري الأنهار أو البحيرات المشتركة. وغالبا ما تكون دول المنبع أكثر غنى من مصادرها المائية من دول المصب أو دول الممر. وقد تطبق هذه الحالة على معظم المياه المشتركة في الدول الغربية التي تضم مثالين لأكبر الأنهار في العالم وهما حوض نهر النيل وحوضي نهر دجلة ونهر الفرات. تشمل الموارد المائية المشتركة فئتين هما المياه السطحية والمياه الجوفية. وتشكل المياه السطحية المشتركة بين الدول العربية من جهة، وجيرانها من جهة أخرى، أهمية استراتيحية تتطلب إدارة جيدة و تعاون مبني على أساس التكافوء أما المياه المشتركة بين الدول العربية نفسها فإنها بحاجة إلى معالجة خاصة.

الموارد المائية السطحية المشتركة.
وتشمل هذه الموارد الأنهار الكبرى كالنيل والفرات ودجلة والأنهار المتوسطة مثل السنغال وجوبا والأردن و شبيلي وبعض الأودية الموسمية. ويمكن تقسيم الموارد المائية المشتركة إلى انهار مشتركة مع دول غير عربية وموارد سطحية مشتركة بين الدول العربية. ولكل فئة طريقة بالمعالجة.

الموارد المائية المشتركة مع دول غير عربية
نهر النيل:
يشكل نهر النيل وفروعه المورد الأساسي للمياه السطحية في كل من مصر والسودان. ويقع حوضه الواسع في أجزاء من تنزانيا و كينيا وأثيوبيا وأوغندا ورواندا وبوروندي بالإضافة إلى مصر والسودان ويمكن تقسيمه من الناحية الطبيعية إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي:
1. حوض البحيرات الاستوائية والذي يشمل بحيرات فيكتوريا وادوارد و كيوجا و يغذي هذا الحوض فرع النيل الأبيض.
2. حوض الهضبة الإثيوبية والتى تغذي النيل الأزرق وفروعه ونهري عطبرة والسوباط اللذان يصبان في النيل.
3. حوض الصحراء من مصب نهر عطبرة إلى البحر المتوسط.

يقدر الإيراد السنوي المتاح لنهر النيل حوالي 84.5 مليار متر مكعب بالسنة تساهم الهضبة الاستوائية بحوالي 80% من إيراده السنوي ويأتي الباقي من هضبة البحيرات الاستوائية. تبلغ جملة الفواقد المائية للنيل وروافده بحوالي 50 مليار متر مكعب؛ وهنالك بعض المشاريع للتقليل من هذه الفواقد و تحسين إيراد نهر النيل عن طريق تصريف المياه للوادي من منطقة المستنقعات في جنوب السودان. وتشير الدراسات الأولية إلى إمكانية الاستفادة من 18 مليار متر مكعب بالسنة إذا أقيمت هذه المشاريع. وقد بوشر العمل بالمرحلة الأولى لهذه المشاريع بإنشاء قناة جونقلي للاستفادة من 8 مليار متر مكعب بالسنة، إلا إن المشاكل السياسية المزمنة في جنوب السودان حالت دون الاستمرار بالمشروع.

تعتبر كل من مصر والسودان الدولتان المنتفعتان من مياه نهر النيل. لذاك ارتبط استخدام مياهه باتفاقات ثنائية بين البلدين. وقد حددت هذه الاتفاقيات حصة مصر من النيل بجوالي 55.5 مليار متر مكعب و حصة السودان بمقدار 18.5 مليار متر مكعب وذلك بعد استبعاد فواقد التخزين المستمر في بحيرة ناصر (بحيرة السد العالي) والبالغة 10 مليار متر مكعب بالسنة.

نهر الفرات
تتبع روافد نهر الفرات في أعالي الهضبة الأرمينية شرق الأناضول بتركيا على منسوب يزيد عن 3000 متر عن سطح البحر ويتشكل من سبعة روافد أهما نهري فرات ومراد اللذين يلتقيان قبل موقع سد كيبان ليشكلا نهر الفرات. يبلغ طول نهر الفرات الإجمالي حوالي 2795 كم، يقع منها 595 في سورية و 1200 كم في العراق. وتبلغ مساحة حوضه حوالي 444 ألف كم مربع في حين يصل إيراده السنوي لحوالي 32.5 مليار متر مكعب.

نهر دجلة
يبلغ طول نهر دجلة 1718 كم منها 1418 في العراق و44 كم في سورية ويصل الإيراد السنوي لنهر دجلة حوالي 50 مليار متر مكعب.

نهر الأردن
تتبع روافد نهر الأردن من ينابيع الحصباني والوزراني و ينابيع جبل الشيخ و تعتبر انهر الدان والحصباني واليرموك أهم روافد نهر الأردن، ويقدر الإيراد السنوي للنهر حوالي 1500 مليون متر مكعب. وتتشارك كل من لبنان وسورية والأردن وفلسطين وإسرائيل في حوض نهر الأردن.

نهر السنغال
يتشاطىء على هذا النهر دول غينيا ومالي والسنغال وموريتانيا و يبلغ تصريفه 22 مليار متر مكعب وتبلغ حصة موريتانيا 11 مليار متر مكعب بالسنة.

نهر الشبيلي
يتشارك في هذا النهر أثيوبيا والصومال ويبلغ التصرف السنوي للنهر 1.8 مليار متر مكعب.

نهر جوبا
يتشارك في هذا النهر أيضا إثيوبيا والصومال ويبلغ معدل تصريفه السنوي حوالي 6.4 مليار متر مكعب.

الأنهار المشتركة بين الدول العربية
نهر اليرموك
يشكل نهر اليرموك جزءا من الحدود بين سورية والأردن ويعتبر اليرموك احد روافد نهر الأردن. يقع حوالي 70% من حوض النهر ضمن الأراضي السورية والباقي في الأراضي الأردنية. ويبلغ طوله حوالي 130 كم مربع ويصل معدل تصريفه التاريخي حوالي 400 مليون متر مكعب. لقد تدنى هذا المعدل في السنوات الأخيرة إلى ما دون 200 مليون متر مكعب نتيجة للاستعمالات المختلفة وإقامة السدود في أعالي الحوض. وقد وقعت الحكومتان الأردنية والسورية في عام 1987 اتفاقية للتعاون ولانقسام مياه النهر بين البلدين وإنشاء سد الوحدة في موقع المقارن. وقد تم الانتهاء من إقامة السد بسعة تخزينية تصل إلى 125 مليون متر مكعب كما يوجد هناك لجنة مشتركة بين البلدين لوضع أسس إدارة حوض اليرموك.

نهر المجردة
تقع ينابيع هذا النهر في الجزائر ثم يدخل الأراضي التونسية و يصل الوارد الإجمالي لنهر المجردة حوالي مليار متر مكعب يأتي 0.8 منها من مياه الفيضانات والباقي يعتبر التصرف الأساسي للنهر.

نهر العاصي
تتشارك كل من لبنان وسورية في نهر العاصي وهناك نوع من التفاهم الودي بين البلدين علي تقاسم وإدارة حوض.

الموارد المائية الجوفية المشتركة
يمكن تقسيم الموارد %