حرمة الحياة الخاصة للمواطن بين الواقع والمامول دراسة مقارنة
الحماية القانونية للحياة الخاصة

إن الأصل الشرعي لحرمة الحياة الخاصة ينبع من قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كثيرا منَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بعْضُكُم بَعضا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ تَوَّابٌ رحِيمٌ».

ولقد أولت كل التشريعات الوضعية أهمية فائقة لحرمة الحياة الخاصة للأفراد، وكان للفقه الدور الرائد في إبراز جوهر حُرمة الحياة الخاصة ونطاقها وكيفية حمايتها، وسايره القضاء بدوره الخلاق وباعتباره حصن الحريات.

وأشار المشرع المدني البحريني إلى أن الحق في الحياة الخاصة محمي وذلك في المادة (162) من القانون المدني التي نصت على أن (يشمل الضرر الأدبي على الأخص ما يلحق الشخص من أذى جسماني أو نفسي نتيجة المساس بحياته أو بحريته أو بعرضه أو بشرفه أو بسمعته أو بمركزه الاجتماعى أو الأدبي أو باعتباره المالي. كما يشمل الضرر الأدبي كذلك ما يستشعره الشخص من الحزن والأسى).

ويُعد الحق في حرمة الحياة الخاصة عصب الحرية الشخصية، وركيزة أساسية لحقوق الإنسان والحريات العامة. وتبعا لذلك يقتضي هذا الحق الاحترام من قبل السلطة والأفراد، كما يقتضي في الوقت ذاته أن تكفل له السلطات الحماية الدستورية والقانونية ضد الانتهاك غير المشروع. إلا أن الحق في حرمة الحياة الخاصة ليس حقا مُطلقا بل تُقيده اعتبارات المصلحة العامة، متى كانت مصلحة المجتمع أولى بالرعاية من حق الفرد في الخصوصية.

ويترتب على ذلك أن المصلحة العامة هي التي ترسم حدود هذا الحق وتُحدد نطاقه وفقا لمبدأ المشروعية، وذلك عن طريق الموازنة بين مصلحة الفرد في الحق في الخصوصية، وبين حاجة المجتمع للأمن والنظام والإعلام. ويُثار التساؤل عن مدى تقييد الحق في الخصوصية من أجل ضرورات الحق في الإعلام، في ضوء ازدياد أهمية الإعلام والسباق المحموم للحصول على الأخبار وبخاصة تلك التي تتعلق بالحياة الخاصة بشخصيات سياسية أو فنية أو رياضية.

وما تهدف إليه بعض وسائل الإعلام من تعقب خصوصيات الأفراد وأسرارهم تغولا على الحق في الخصوصية، سعيا وراء مكاسب مادية أو سياسية أو غير ذلك، ما يؤدي إلى انتهاك حرمة الحياة الخاصة، وكشف حجب سريتها. ومن هنا يصطدم الحق في تدفق المعلومات بالحق في حرمة الحياة الخاصة، وكلاهما مُقيد بما تقتضيه مصلحة المجتمع من الموازنة بين الحقين المُشار إليهما.

ومع التسليم بكفالة حرية الصحافة والنشر كأحد المبادئ الأساسية التي تحرص عليها المجتمعات المتمدنة، والتي تؤكدها الدساتير والقوانين، إلا أن تلك الحرية ليست حرية مُطلقة من كل قيد، وإنما مُقيدة بضرورة احترام الحق في الخصوصية، وإلا وقع التصادم المحظور وترتب على عدم احترام الحق في الخصوصية، مسئولية الصحيفة أو وسيلة الإعلام عن الأضرار التي تصيب الأفراد من جراء عدم احترام هذا الحق. وينبني على ذلك أنه لابد من احترام الحد الفاصل بين الحق في الإعلام والحق في حرمة الحياة الخاصة، فرغبة الجمهور في معرفة الخصوصيات للمشاهير يجب أن لا تطغى على حق هؤلاء في خصوصياتهم.

فالاعتبار الأخلاقي يستوجب تأمين الحياة الخاصة وعدم تعريضها للانتهاك. وإذا كان الاعتبار الأخلاقي نفسه يوجب الطعن أحيانا في أعمال ذوي الصفة العامة عند فحص مدى مصداقيتهم ومدى تأهيلهم للعمل العام، إلا أن ذلك لا يعنى أن تصبح حياتهم الخاصة كتابا مفتوحا لكل مُتلصص، إذ ليس من مقتضيات الصفة العامة عرض دقائق الحياة الخاصة من دون حدود فاصلة بين ما هو عام وما هو خاص.

ومن زاوية الاعتبار المتعلق بمصلحة المجتمع، فإن هذه المصلحة وإن كانت تستوجب عدم حجب المعلومات المتعلقة بالحياة الحرفية والمهنية للشخصيات العامة والمشاهير، إلا أنها أيضا تقتضى ضرورة عدم التدخل في خصوصياتهم. وتؤكد أحكام القضاء أن الشخصيات العامة والشهيرة تتمتع من حيث المبدأ بالحق في حُرمة الحياة الخاصة، شأنهم في ذلك شأن الأفراد العاديين، وأنه يجب حماية الحياة الخاصة للكل، وأن البحث عن العلانية لا يصلح كمبرر للخروج على هذه القاعدة.

وفيما يتعلق بالرضا الضمني بالنشر، أوضح القضاء أنه أيا كان سعى الشخصية العامة وراء الدعاية، فإنه يظل دائما وحده من دون غيره صاحب الحق في تقرير مدى مُلائمة النشر وشروطه، ولا يجوز القول إن هناك رضا ضمني للنشر، فالرضا الضمني لا يمكن أن يكون عاما في كل حياة الشخص المهنية والعامة والخاصة، بل يقتصر فقط على الحياة المهنية والعامة.