الإطار القانوني للإنتخاب..وأثره على الإرادة الشعبية

تمهيد
كم كان ونستون تشرشل مصيباً عندما قال ( إن الديمقراطية هي أقل أنظمة الحكم سوءاً )! ولا أدري إن كان قال هذا الكلام قبل خسارة حزبه الانتخابات عام 1946 أم بعدها، وقد ظن أنه فائز لا محالة، خاصة وقد خرج منتصراً من أكبر حرب كونية عام1945 ، لكن الشعب الانكليزي أعطى درساً لكل القادة والسياسين من خلال تشرشل أنه في مجتمع ديمقراطي ليس هناك قائد ضرورة او شخص لا يمكن تعويضه ، إنما هناك مؤسسات حاكمة عتيدة قادرة على الاستمرار والبقاء.

إن الديمقراطية الغربية استطاعت – من خلال الانتخاب واستمراره كوسيلة لتداول السلطة سلمياً – من إرساء قواعد احترام الرأي المغاير والمعارضة السلمية حتى شاع القول المشهور:
(Pull it Instead of bullet – اسحب بطاقة بدلاً من رصاصة)، ولكن الديمقراطية في مفهومها التقليدي (حكم الشعب) لا تكاد تجد لها مصداقاً حقيقياً حتى في ظل الدول الرائدة ديمقراطياً.
وسنقف في كل محطة من محطات هذا البحث لنتساءل عن مدى تحقيق أي نموذج انتخابي للارادة الشعبية..

القيود التي ترد على الاقتراع العام
ولا اقصد هنا القيود التنظيمية التي ترد على الناخبين والمرشحين، وهي عادةً ما تكون منطقية ومتماشية مع مفهوم الارادة مثل (السن، الاهلية ،العقلية، والادبية)، ولكن اقصد تلك القيود التي يفرضها النظام السياسي عندما يكون اكثر أنانيةً وحرصاً على الاحتفاظ بالسلطة، والتي من شأنها حرمان قطاعات شعبية واسعة من التأثير في القرار السياسي كـ(النصاب المالي، الكفاءة، الجنس) .

وقد استطاعت الطبقة البرجوازية المهيمنة على الجمعية التأسيسية الفرنسية عام 1791 أن توظف أفكار مونتسكيو وخاصة مفهوم سيادة الامة وكونها منفصلة عن سيادة الشعب وفكرة أن الانتخاب وظيفة وليست حقاً، وتم تقسيم المواطنين الى موطنين ايجابيين ومواطنين سلبيين، وتقييد الانتخاب باعتماد نصاب مالي هو مقدار ما يمتلك الفرد من اموال او ما يدفع من ضرائب كشرط للاقتراع، وقد فسروا ارتباط الانسان بالوطن ارتباطاً مادياً ، كما ان شرط الكفاءة العلمية قد استثمر في الولايات الامريكية لإبعاد المواطنين السود من المشاركة السياسية ومن حق الاقتراع حيث كان أغلبهم من الأميين.

وقد حرمت المرأة من التصويت في أوروبا عقوداً طويلة من الزمن ولم تستطع المشاركة في الانتخابات الا في وقت مبكر من القرن العشرين، ولم يسمح لها في الولايات المتحدة الامريكية من الاقتراع الا بعد تعديل الدستور الاتحادي عام 1920م .

وقد اتخذت الماركسية من القيود المذكورة مبرراً لرفض النموذج الغربي للديمقراطية لأنه صمم لمصلحة القوى الرأسمالية كونها وحدها تمتلك وسائل الانتاج والمال والمؤسسات الاعلامية التي تؤهلها للاحتفاظ بالسلطة وحرمان الطبقات العاملة من المشاركة في صنع القرار السياسي ، لذلك كان لابدّ، حسب النظرية الماركسية، أن يتم استبعاد هذا النموذج في تداول السلطة وحصر السلطة بيد الطبقة العاملة وهو مايسمى بدكتاتورية البروليتارية، الى ان يتم القضاء على الطبقة الرأسمالية و العودة الى الانتخاب..إلا إن هذه الدكتاتورية استمرت الى حين سقوط الانظمة الماركسية وتراجع الفكر الماركسي في العالم دون ان تشهد تحول حقيقياً الى الديمقراطية.

القيود التي ترد لمصلحة الاقتراع العام
وبالعكس من القيود التي تقيد الاقتراع العام هناك قيود ترد لمصلحة الاقتراع العام ومن شأنها ان تعزز الارادة الشعبية ، ومنها؛ ضمان تمثيل عادل للمرأة وللأقليات، وقد حرصت بعض الدساتير على ايراد ذلك في متن الوثيقة الدستورية المادة الثلاثون والمادة 49 من الدستور؛

(تنتخب الجمعية الوطنية طبقا لقانون الانتخابات وقانون الاحزاب السياسية. ويستهدف قانون الانتخابات تحقيق نسبة للنساء لا تقل عن الربع من اعضاء الجمعية الوطنية. وتحقيق تمثيل عادل لجماعات العراق كافة وبضمنها التركمان والكلدوآشوريين والآخرون)([1]).

(يتكون مجلس النواب من عدد من الأعضاء بنسبة مقعد واحد لكل مائة الف نسمة من نفوس العراق يمثلون الشعب العراقي بأكمله، يتم انتخابهم بطريق الاقتراع العام السري المباشر، ويراعى تمثيل سائر مكونات الشعب فيه)([2]).

وتاكيداً لهذه النصوص تم ايرادها في قانوني انتخاب الجمعية الوطنية 96 لسنة 2004 وقانون انتخابات مجلس النواب رقم 16 لسنة 2005 ، بل ان حرص المشرع هذا ادى الى زيادة تمثيل المرأة الى الثلث تقريباً:
( يجب ان يكون اسم امرأة واحدة على الاقل ضمن اسماء اول ثلاث مرشحين في القائمة , كما يجب ان يكون ضمن اسماء اول ست مرشحين على القائمة اسماء امرأتين على الاقل , وهكذا دواليك حتى نهاية القائمة )([3]) .

( يجب أن تكون امرأة واحدة على الأقل ضمن أول ثلاثة مرشحين في القائمة، كما يجب أن تكون ضمن أول ستة مرشحين في القائمة امرأتان على الأقل، وهكذا حتى نهاية القائمة)([4]). بينما كان اختيار القائمة المغلقة مع الدائرة الواحدة ضمان لحصول الاقليات على تمثيل عادل داخل الهيئة التشريعية يتناسب مع حجمها الحقيقي .

وتعالج بعض الدساتير والقوانين الانتخابية قضية الاقليات والمرأة عن طريق حجز مقاعد مسبقة يجعلها بمنأى عن المنافسة([5]).

ضمانات الاقتراع العام في المواثيق الدولية
الانتخابات الحرة النزيهة هي الركيزة الأساسية لبناء النظام الديمقراطي ولشرعية السلطة وتدوالها في أي بلد ، ولذلك اهتم بها وبشروطها وضماناتها المجتمع الدولي والمنظمات الاقليمية والوطنية المعنية بضمانات النظام الديمقراطي وصدرت البروتوكولات والصكوك الدولية والاقليمية التي تتناول بالتفصيل عناصر وشروط حرية الانتخابات ونزاهتها وشفاهيتها.

وقد اشارت كثير من المواثيق والصكوك الدولية لهذه المبادئ واسهبت بعضها في توضيح تفاصيل الاجراءات التي تكفل الحرية والنزاهة والشفافية ، منها : الاعلان العالمي لحقوق الإنسان و العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المؤرخ في 16 كانون/ ديسمبر 1966 والاعلان العالمي للديمقراطية الصادر عن الاتحاد العالمي للبرلمانات، واعلان معايير الانتخابات الحرة النزيهة الصادر عن مجلس الاتحاد البرلماني الدولي في باريس آذار 1994م ، واعلان صنعاء عن الديمقراطية وحقوق الإنسان الصادر عام 2004م واعلاني بيروت وبامكو واعلان هراوي (1991م) وكثير غيرها من الصكوك والاعلانات.

وفي هذا الإطار نص الاعلان العالمي لحقوق الإنسان على ضرورة مشاركة كافة المواطنين في إدارة الشؤون العامة لبلدهم أما مباشرة أو من خلال ممثلين منتخبين([6]).

كما نص على أن ارادة الشعوب هي الأساس للسلطة الحاكمة واشترطت أن يتم ذلك من خلال انتخابات دورية عن طريق الاقتراع السري العام الحر الذي تتوفر فيه الضمانات لكي يعبّر المواطنون من خلاله عن ارادتهم الحرة([7]).

وقد جاء في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، أنه يكون لكل مواطن، الحقوق التالية، التي يجب أن تتاح له فرصة التمتع بها دون قيود غير معقولة:

(أ) أن يشارك في إدارة الشؤون العامة، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية.
(ب) أن ينتخب وينتخب، في انتخابات نزيهة تجرى دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري، تضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين([8]).

أثرالنظام الانتخابي في التعبير عن الارادة الشعبية

ليس هناك نظام انتخابي مثالي لايخلو من المزايا والعيوب ، وتطبيق أي نظام انتخابي لايكون بوصفه النظام الامثل بل الانسب والاكثر قابلية للتطبيق في مجتمع ما وفقاً لطبيعة ذلك المجتمع وتشكيلاته، على ان هنالك ثلاثة عوامل رئيسية يفترض في النظام الانتخابي استهدافها وهي: السهولة، العدالة، الفعالية.

ولا يزال أقدم الانظمة الانتخابية وهو النظام المتبع في انتخابات الرئاسة الامريكية يثير الكثير من الجدل بين المتخصصين هناك عن مدى استجابته للارادة الشعبية، اذ ينص الدستور الامريكي على ان الانتخابات الرئاسية تجري على درجتين الا ان طبيعة الممارسة والعرف التي جرت عليها الانتخابات جعلها تجري في الواقع بصورة مباشرة وعلى درجة واحدة اذ يصوت الناخب الامريكي لاختيار ناخبين آخرين يسمون بالناخبين الكبار الذين يختلف عددهم من ولاية الى اخرى حسب كثافة السكان، وهولاء بدورهم يقترعون لانتخاب الرئيس.

وهولاء الناخبون الكبار هم مندوبو الحزبين في الولايات وما ان تعرف نتيجة التصويت لهولاء واي من مندوبي الحزبين حصل على اعلى الاصوات لاتكون هناك حاجة لاجراء الجولة الثانية من الانتخابات، ولكن – هنا يرد الاشكال – ان حصول اي من المرشحين للرئاسة الامريكية على الاصوات الاكثر في الولاية ، فانه بالنتيجة يحوز على كل اصوات مندوبي كلا الحزبين([9]) ، لذا فإن المرشح الفائر بالرئاسة يحظى اضافة الى اصوات مؤيديه اصوات خصومه ايضاً، وقد حدث اكثر من مرة، وهذا المهم في الموضوع، ان يفوز المرشح للرئاسة بأغلبية الاصوات الشعبية على مستوى الدولة الاتحادية ولكنه يخسر باصوات الناخبين الكبار .

ان هذا النظام الانتخابي رغم التعقيدات والاشكالات الواردة عليه قد ضمن التداول السلمي للرئاسة الامريكية وقد كفله الدستور والقوانين النافذة هناك .

نظام الاغلبية (نظام الفائز الاول )([10])
وهو اقدم الانظمة الانتخابية وابسطها اذ يفوز المرشح او الحزب إذا حصل على اكثر الاصوات، ويتبع في كثير من الدول ابرزها انتخابات مجلس العموم البريطاني وانتخابات الكونكرس الامريكي.

ومن أهم الانتقادات التي توجه لهذا النظام أنه لايعكس بشكل حقيقي الارادة الشعبية اذ قد يغيّب الكثير من اصوات الناخبين كما انه يؤدي الى حرمان الاحزاب الصغيرة والاقليات والمرأة من التمثيل في الهيئات التشريعية الا ان من ايجابيات هذا النظام انه يؤدي الى خلق حكومة قوية متماسكة تمتع بوحدة القرار والانسجام السياسي.

بينما تتمحور القوى المعارضة في كتلة واحدة قوية وبالتالي فإن السمة الغالبة للانظمة السياسية التي تتبنى هذا النظام هي الثنائية الحزبية.

وقد تم تطوير هذا النظام في بعض النماذج الديمقراطية ليصبح اكثر استجابة للارادة الشعبية باشتراط ان تكون الاغلبية مطلقة اي ان المرشح الفائزيجب ان يحصل على نصف الاصوات + 1، ويتبع هذا النظام في انتخابات الرئاسة الفرنسية.

ولما كان من الصعب في كثير من الحالات حصول المرشح على هذة النسبة في الجولة الاولى من الانتخابات استلزم الامر اجراء جولة ثانية بين المرشحين الذين حصلا على أعلى الاصوات، ولا يشترط في الجولة الثانية الاغلبية المطلقة بل يكتفى بالاغلبية البسيطة.

إن هذا النظام لم يسلم من النقد لأنه يهدر ما يقارب نصف أصوات الناخبين كما ان نظام الجولتين يمنح مناخاً للتحالفات السياسية المبنية على المساومة مع الاحزاب الخاسرة في الجولة الاولى، اذ عليها ان توجه ناخبيها لاختيار أحد المرشحين في الجولة الثانية.

نظام التمثيل النسبي
يعتبر نظام التمثيل النسبي من النظم الانتخابية الحديثة في العالم، إذ ان عمره لا يتجاوز القرن، وقد اعتمد في كثير من الدول ذات الأنظمة النيابية والتعددية الحزبية، وهو يتيح خلافاً لنظام الأغلبية بنوعيه (ذي الدور الواحد، وذي الدورين) للأحزاب الصغيرة تمثيلاً في البرلمان يوازي حجمها.

ويتم احتساب الأصوات ابتداءً بتقسيم الأصوات الصحيحة على عدد المقاعد المخصصة للدائرة ، وناتج القسمة هو مانسمّيه بالعتبة وهي عدد الأصوات اللازمة للحصول على مقعد واحد أسماه قانون الانتخابات رقم 69 لسنة 2004م بالحدّ الطبيعي.
وتم احتسابها وفقا لقانون ( إنتخاب الجمعية الوطنية العراقية ) بقسمة إجمالي عدد الأصوات الصحيحة على 275 وهي عدد المقاعد في الجمعية الوطنية ([11]).

وبالتالي فان أية قائمة لا تحصل على هذا الناتج تهمل ولا تحصل على أي مقعد داخل البرلمان، وبعد فرز الأصوات وتوزيع المقاعد على القوائم وفق الحد الطبيعي المذكور فإن ما تبقى من مقاعد شاغرة يوزع حسب هذا القانون على أكبر المتبقي، على انه تم استبعاد الكيانات السياسية التي لم تحصل على (العتبة) مع اصواتها التي حصلت عليها في انتخابات الجمعية الوطنية، وأعيد احتساب سعر المقعد لتحظى الكيانات الكبيرة بمقاعد اضافية، مماأدى الى استثمار حتى المقاعد الشاغرة المخصصة وفق القانون لأكبر متبقي (الباقي الأقوى) ،لصالح تلك الكيانات([12]).

أما في انتخابات مجلس النواب فقد تمّ توزيع المقاعد الفائضة على الكيانات التي لديها اكبر المتبقي على مستوى المحافظة، على الرغم من أن أصواتها على المستوى الوطني أقل من بعض الكيانات التي لم تحصل على مقعد على مستوى المحافظة. وهنا تلعب طريقة احتساب الاصوات وتوزيع المقاعد دوراً كبيراً في التحكم بإرادة الناخب([13]).

عيوب ومزايا التمثيل النسبي
لعل من أهم عيوب هذا النظام، أنه يؤدي إلى تكاثر التنظيمات الحزبية وزيادة تمحورها حول قيادتها، والتي تتجه غالباً إلى خلق التحالفات فيما بينها لتقوية مركزها وتشكيل قوة ضاغطة لأجل تحقيق مصالحها، مما قد يفقد البرلمان دوره الأساسي من كونه يمثل المصالح الشعبية إلى مجرد أداة تستعمل لصالح رؤساء الكتل الحزبية، وهذا ينعكس بدوره على بناء الحكومة وفاعليتها، حيث تستند الحكومة في ظل هذا النظام على أكثرية متحالفة ضعيفة البنيان، فاقدة الانسجام.

أما مزايا هذا النظام فإنها تفوق عيوبه، إذ هو يتيح فرصة أكبر لمشاركة مختلف التيارات السياسية، حيث تتمكن معظم الأحزاب من المشاركة في المقاعد البرلمانية بقدر نسبة الأصوات التي حصلت عليها في الانتخابات، وهو ما يجعل هذا النظام أكثر عدالة وضماناً لحقوق الأقليات والأحزاب الصغيرة، في المشاركة في الشؤون العامة لبلادها، فهو النظام الذي يمكّن الأقلية من التعبير عن وجهات نظرها.

في الغالب لايمكن تطبيق نظام التمثيل النسبي الا مع نظام القوائم، والقوائم على ثلاثة انواع:
مغلقة ، مفتوحة، وحرة.

نظام القائمة المغلقة
القائمة المغلقة هي التي لايكون للناخب فيها حق في تشكيل القائمة أو ترتيبها ، بل هو مجبر بقبول أحد القوائم والتصويت لها وفقاً للترتيب الموضوع من قبل الحزب أوالكيان السياسي، وقد تخلو القائمة المغلقة في بعض النماذج الانتخابية المطبقة من أسماء المرشحين ويكتفى باسم الكيان السياسي أواسم رئيس الحزب فقط! وبعد فوز الحزب او الكيان بعدد من المقاعد يرسل مرشحين لملء هذه المقاعد ، وهذا النظام مطبق في جنوب افريقيا.

ويمكن إجمال أهم ايجابيات نظام القائمة المغلقة بما يلي:
· إحراز ضمانات تطبيق القيود التي ترد لمصلحة الاقتراع العام كتمثيل المرأة والاقليات وإلزام الحزب أو الكيان السياسي والناخب باحترام هذه القيود.

· إن صوت الناخب يتسع في مساحته لاستيعاب أكثر من ناخب (حزب اوكتلة).
· إن الاجراءات الخاصة بعد الاصوات وفرزها ، وهي الاجراءات الخاصة بالجهة التنظيمة للانتخابات وهي المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ، تكون أسهل وأبسط من اجراءات عد وفرز الاصوات في ظل القوائم المفتوحة والحرة.

· إن التجربة أثبتت أن نظام القائمة المغلقة اكثر سهولة للناخب ايضاً ، خاصةً بالنسبة للتجارب الديمقراطية حديثة النشوء ، وفي غياب توعية انتخابية كافية وارتفاع نسبة الامية.

· إن مايحتاجه الناخب من وقت للتصويت للقائمة المغلقة اقل بكثير من القائمة المفتوحة والحرة ..
وسنعرف اهمية هذا الوقت عندما سنتحدث عن التجربة العراقية بشيء من التفصيل لاحقاً.

لكن هناك انتقادات توجه لنظام القائمة المغلقة ، من اهمها:
· سلب الناخب حرية اختيار مرشحيه او ترتيب القائمة ، وإنما هو مجبر على التصويت للقائمة بغض النظر عن رضاه أو عدم رضاه عن بعض الاشخاص الموجودين، فيها.

· ان نظام القائمة المغلقة لا يعطي مساحة كافية للانخراط والجذب والتنافس بين المكونات المختلفة في المجتمع .

وقد تم اعتماد القائمة المغلقة في انتخابات الجمعية الوطنية وانتخابات مجلس النواب بمشورة من فريق المساعدة الدولي المشرف على المفوضية العليا المستقلة للانتخابات للاسباب التي ذكرنها آنفاً .

وحيث ان القائمة المغلقة ليس للناخب حق التدخل في تشكيل القائمة أو ترتيبها نص قانون الانتخابات بان يراعى عدم جواز تغيير هذا الترتيب في القائمة من قبل الاحزاب والكتل السياسية:

( يتم توزيع المقاعد في المجلس على المرشحين وليس على الكيانات السياسية، ولا يجوز لأي من تلك الكيانات السياسية في أي وقت أن تسحب من أحد المرشحين المقعد الذي يشغله في المجلس الوطني بناء على تخصيصه له)([14]).

( يتم توزيع المقاعد على المرشحين وليس على الكيانات السياسية، ولا يجوز لأي من الكيانات أن تسحب من المرشح المقعد المخصص له)([15]).

( إذا فقد عضو المجلس مقعده لأي سبب يحل محله المرشح التالي في قائمته طبقاً للترتيب الوارد فيها)([16]).

لكن مجلس النواب في اولى جلساته شرع قانون لاستبدال الاعضاء أعطى من خلاله الحق للكتل السياسية بتسمية مرشحين آخرين لإشغال المقاعد الشاغرة من دون مراعاة الترتيب الوراد في القائمة([17]).

ويعتبر هذا النص مصادرة لارادة الناخب ومخالفة للمفهوم الذي تتوخاه القائمة المغلقة.

نظام القائمة المفتوحة والقائمة الحرة
وبعكس القائمة المغلقة فنظام القائمة المفتوحة المعمول به في معظم دول غرب أوربا (بولندا، فلندا، لوكسمبورغ، سويسرا) ، يتيح للناخب تحديد المرشحين المفضلين ضمن قائمة الحزب، بالاضافة الى اختيار الحزب المفضل أو تشكيل قائمة باسماء مرشحين من مختلف قوائم الاحزاب .

وقد استطاعت بعض النماذج الديمقراطية من تحقيق قدر كبير من الليونة في القائمة المفتوحة في تعزيز في إرادة الناخب ، ففي كل لوكسمبورغ وسويسرا يتمتع الناخب بعدد من الاصوات يساوي عدد المقاعد التي يتم انتخابها حيث يمكنه توزيعها على مختلف المرشحين سواء كانوا منتمين لحزب واحد أولأحزاب مختلفة ، وهذا ما يعرف بنظام القوائم الحرة على ان هذا النظام لا يطبق الامع نظام الدوائر المتعددة.

ان اهم مزايا القائمة المفتوحة انها توفر للناخب الارادة والحرية الكاملتين في اختيار ممثليه في الهيئات التشريعية .

على أن نظام القائمة المفتوحة كنظام الترشيح الفردي لايمكن تطبيقه الا مع الدوائر المتعددة..وهذا يستدعي بيان تفصيل الدوائر أولاً..

الدائرة الواحدة
تعبتر بعض الانظمة اقليم الدولة كله دائرة انتخابية واحدة كما هو الحال في البرتغال وفق دستورها الصادر عام 1933 ، وايطاليا في ظل النظام الفاشستي، ويطبق حالياً في اسرائيل.
وتم تبني هذا النظام في الانتخابات العراقية عام 2005م، لعدّة مبررات منها : عدم وجود احصاء سكاني دقيق ، وتخطي مشكلة التغييرات الديمغرافية التي رافقت واعقبت سقوط النظام.

ومن مميزات نظام الدائرة الواحدة أنه :
· يمتازبسهولته بالنسبة للجهة المنظمة للانتخابات .

· ويوفر عدالة في التمثيل قد تخل بها تقسيمات الدوائر غير المتماثلة .

· يمنح المرشح حرية في عدم الخضوع للناخب كونه مرشحاً من جميع أفراد الشعب (الناخبين)، وهو يمثلهم جميعاً ولا يمثل دائرة او منطقة بعينها.

إلا ان نظام الدائرة الواحدة في الوقت ذاته يباعد بين الناخب والمرشح، اذ يضطر الناخب للتصويت لصالح أشخاص ليسوا من دائرته وغير ملمين باحتياجاتها ومشاكلها.

الدوائر المتعددة
قد يجري تقسم اقليم الدولة الى عدد من الدوائر يماثل التقسيمات الادارية كالمحافظات والاقضية والنواحي أوالاقاليم، اذا كانت الدولة اتحادية كفرنسا في انتخابات الجمعية الوطنية، ومصر بالنسبة لانتخابات مجلس الشعب ،

والولايات المتحدة الامريكية بالنسبة لانتخابات الكونكرس، والعراق بالنسبة لانتخابات مجلس النواب عام 2005 م حيث تم تقسيم العراق الى ثماني عشرة دائرة بعدد المحافظات ، واعتبار كل محافظة دائرة انتخابية ،وتوزيع 130 مقعداً على تلك الدوائر حسب نسبة الناخبين في كل منها..وفقاً لسجل الناخبين الذي جرت بموجبه انتخابات الجمعية الوطنية 2005([18]).

وقد لعبت الانظمة السياسية دورا كبيرا في التلاعب بالتقسيمات وأحجام الداوئرة المتعددة خدمةً لأحزابها وآيديولجياتها وبغرض إبعاد المناوئين والمعارضين ، حيث استطاع جيري حاكم ولاية ماساشيوتس 1812 من تقسيم الولاية الى 9 مناطق انتخابية كبيرة تضمن كل منطقة 5 دوائر ، وساهم ذلك في فوز الحزب الجمهوري في ثماني مناطق من هذه التسعة، ونجح في إبعاد السود عن طريق تشتيت وإضعاف أصواتهم وفقاً لهذا التقسيم . ومنذ ذلك الوقت عرفت هذه الطريقة في الولايات المتحدة باسم (جيرماندر).

قد استُخدمت نفس الطريقة في فرنسا وفقاً لدستور عام 1958 ، اذ تمّ تقسيم فرنسا الى دوائر لم تراع فيها كثافة السكان في انتخابات مجلس الشيوخ، وتقرّر للقرى تمثيل يفوق أهميتها العددية على حساب المدن الكبيرة التي كانت غالبية سكانها من العمال الذين يميل أغلبهم الى الاحزاب اليسارية المناهضة لحكومة ديغول، بعكس القرى التي يغلب عليها الاتجاه المحافظ ([19]). وفي كينا عام 1993 جرى تقسم الدوائر بشكل متفاوت باحجامها بين منطقة واخرى مما ساهم في فوز الحزب الوطني الافريقي الكيني على الرغم ان نسبة التصويت كانت متدنية جداً حيث لاتزيد عن 30% .

وقد أدرك القضاء ضرورة مراعاة التوازن في عملية تقسيم الدوائر بشكل يعكس قيمتها العددية ، اذ قضت المحكمة الاتحادية العليا في الولايات المتحدة عام 1964 بعدم دستورية اي تقسيم لاتراعى فيه المساواة في عدد السكان ضمن الدوائر الانتخابية . ولأهمية ذلك الموضوع وخطورته تضمنت بعض دساتير الدول مواد خاصة بتقسيمات الداوئر الانتخابية.

نظام الدوائر المتعددة في العراق
تنبهت التشريعات العراقية في وقت مبكر لأهمية هذه التقسيمات فقد نص قانون انتخاب مجلس (مبعوثان عثماني) والصادر عا م 1908 على اعتبار كل لواء دائرة انتخابية ، وان عدد اعضاء هذا المجلس يكون باعتبار واحد لكل خمسين الف من ذكور التبعية العثمانية ،

وتأثر بالقانون المذكور انتخاب مجلس النواب لسنة 1924 واعتبر ان كل نائب يمثل عشرين الف من الذكور، ولم يتضمن قانون انتخابات المجلس الوطني رقم 26 لسنة 1995 ذكراً لتقسيمات الدوائر الانتخابية لاغراض انتخاب اعضاء المجلس الوطني وترك المسألة للهيئة العليا المشرفة على الانتخابات التي شكلها النظام، والتي قامت بتقسيم الدوائر وفق مايخدم مرشحي حزب البعث الحاكم.

وهناك جدل في الاوساط الشعبية والسياسية عن امكانية تقسيم العراق الى دوائر متعددة على مستويات أصغر من المحافظة كالقضاء والناحية مما يساعد في تبني نظام انتخابي اكثر مرونة.

وهناك عدة عقبات تحول دون امكانية هذا التقسيم في الوقت الحالي ، أهمها.

1. عدم وجود إحصاء سكاني دقيق.

2. ان قاعدة بيانات البطاقة التموينة التي تم الاعتماد عليها وجرت بموجبها انتخابات الجمعية الوطينة وانتخابات مجلس النواب لاتعطي صورة دقيقة لتوزيعات السكان على الارض ، وانما تم تقسيم بياناتها باعتبار كل مركز تمويني ، ويتفاوت عدد مراكز التموين من قضاء الى آخر، اذ يبلغ أعلى عدد لمراكز التموين في قضاء الرصافة 72 مركزاً بينما لايزيد في قضاء آخر عن مركز واحد أو اكثر لكل قضاء . هذا بالاضافة الى تداخل المنتفعين من البطاقة التموينة بين الاقضية والنواحي.

3. ان قاعدة بيانات البطاقة التي تمّ الاعتماد عليها في إعداد سجل الناخبين لانتخابات الجمعية الوطنية ومجلس النواب والاستفتاء على الدستور ، يتم توزيع المواطنين بموجبها على وكلاء المواد الغذائية ومراكز التموين ، وهناك صعوبات تحول دون اعادة توزيعها على الاقضية والنواحي في الوقت الحالي على الاقل ،

وأهم تلك العقبات:
· ان آلية توزيع المواطنين وفقاً للبطاقة التموينة تم على اساس الكثافة السكانية وقرب وبعد الوكلاء والمواطنين عن مركز التموين وليس على اساس اداري (القضاء والناحية).

· توجد مشاكل في الحدود الادارية وتداخل لبعض الاقضية بين المحافظات فهناك مجموعة من الاقضية تقع واقعياً الآن ضمن ادارة محافظات غير محافظاتها الاصلية ([20]) .

· هناك تداخل مابين الاقضية نفسها بحيث يوجد بعض وكلاء المواد الغذائية في قضاء معين ومنسبين الى مركز تموين في قضاء آخر .

· كما انه لاتوجد آلية لحصر ومعرفة أعداد هؤلاء بسب عدم امتلاك قاعدة بيانات لمثل هذه المعلومات.

· وتشكل مسألة النازحين والمهجرين مشكلة أخرى تضاف الى هذه المشاكل في حالة تبني قانون الانتخابات توجيه أصواتهم الى مناطق سكناهم الاصلية (التي نزحوا منها).

وفي كل الاحوال فإن المعوقات المذكورة أعلاه لا تتعلق بالجانب الفني لقدرة المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بقدر تعلقها بوجدود قرار سياسي للكتل السياسية يحتويه إطار قانوني لحل هذه المعوقات([21]).

الأنظمة المختلطة (الاستفادة من مزايا اكثر من نظام واحد)
ان المجتمعات الراسخة في الديمقراطية تسعى حثيثاً لجعل النظام الانتخابي مستجيباً للإرادة الشعبية، وكاشفاً عنها بصورة فعلية ، مترجماً حجم أصوات الناخبين الى مقاعد.

بهذا الصدد تم ابتكار مجموعة من الانظمة عن طريق المزج بين اكثر من نظام انتخابي لتحقيق قدر اكبر من المرونة للناخب والمرشح، وعادةً ما يتم المزج بين أحد أنظمة الاغلبية ( الفائز الأول) مع احدى عوائل التمثيل النسبي.

وهناك شكلان رئيسيان للنظم الانتخابية المختلطة؛ فعندما ترتبط نتائج الانتخاب لأحد النظامين بنتائج الانتخاب في النظام الآخر، يسمى النظام عندئذ بنظام العضوية المختلطة ، أما عندما ينفصل النظامان عن بعضهما البعض بشكل كلي ويعملان بشكل مستقل تماماً، حيث لايستند توزيع المقاعد في ظل أي منهما على ما يحدث في النظام الآخر يطلق على ذلك النظام اسم النظام الانتخابي المتوازي ،وعادةً ما يسهم أحد الانظمة في سد الخلل الحاصل في النظام الآخر([22]) .

وعلى سبيل المثال: لو فاز حزب ما بنسبة 5% من اصوات الناخبين على المستوى الوطني من اصوات القائمة النسبية في الوقت الذي لم يحصل فيه على مقاعد من تلك المخصصة للانتخاب في الدوائر الانتخابية بموجب نظام الاغلبية النسبية (التعددية) فسيعطي ذلك الحزب 5% من مقاعد الهيئة التشريعية، وهذا مثال على نظام العضوية المختلطة .

أما وفق نظام الانتخاب المتوازي فعادةً مايتم وفقاً لطريقتين :
الطريقة الاولى: إعطاء الناخب ورقة اقتراع واحدة يكتب فيها اسم واحد لمرشح المقعد في الدائرة واسم الحزب المفضل (اي القائمة).

والثانية: أن يعطى الناخب ورقتي اقتراع منفصلتين واحدة للمقعد والثانية للقائمة.
والأنظمة المختلطة هي الاشهر والاكثر استعمالاً في الدول الديمقراطية اليوم اذ يتم اتّباعه في كثير من الدول الاروبية (ايطاليا، البانيا، المانيا، هنكاريا) وفي بعض دول امريكا الجنوبية (كالمكسيك وفنزويلا) ، وفي آسيا في كوريا الجنوبية وفي الانتخابات الفلسطينية وفقاً لقانون رقم 9 لسنة 2005 ، حيث تم تقسيم المقاعد بنسبة 50 % وفقاً لنظام الداوئر و50% وفقاً لنظام القائمة النسيبة باعتبار الاراضي المحتلة دائرة واحدة.

أثر النظام الانتخابي على التجربة الحزبية
أشرنا في مقدمة البحث الى تأثير النظام الانتخابي على الانظمة الحزبية، وأنه يقوم بدور كبير في صياغة هذه الانظمة في بلد ما، فقد ساهم نظام الاغلبية في تشكيل ثنائية حزبية في كل من الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا ، ففي كلا البلدين حزبان كبيران عادة مايكون أحدهما في السلطة والآخر في المعارضة، بينما أدى تبني نظام التمثيل النسبي والانتخابات غير المباشرة في زيادة عدد الكتل الحزبية المتواجدة في المجالس التمثيلية.

وأدى ذلك الى اتساع نطاق المشاركة في صنع القرار السياسي وإضعافه في ذات الوقت، حيث غالباً ما لا يتمكن حزب او كيان سياسي من تشكيل الحكومة بمفرده ، مما يضطر الى التحالف او الائتلاف مع حزب او احزاب اخرى رغم اختلافه معها في الآيدولجيا والمشروع السياسي مما ينعكس هذا الاختلاف على اداء الحكومات الناتجة عن هذا النظام .

وعادةً ماتنهار هذه الحكومات قبل مدة ولايتها وهو ماحدث أكثر من مرة في ايطاليا واسبانيا وتركيا، ويدعى الناخبون الى انتخابات مبكرة ، الا إن لهذه الدول مؤسسات عتيدة لاينعكس عليها بشكل كبير ضعف الاداء الحكومي ، كما ان الانتخابات غير المباشرة على خلاف الانتخابات المباشرة تفسح المجال أمام التحالفات السياسية المبنية على المساومة واقتسام المكاسب..