المبحث الأول : عناصر قواعد الإسناد
المطلب الأول : الفئة المسندة
المطلب الثاني : ضابط الإسناد
المبحث الثاني : مميزات قاعدة الإسناد
المطلب الأول : قواعد الإسناد قواعد غير مباشرة
المطلب الثاني : قواعد الإسناد قواعد مزدوجة
المطلب الثالث : قواعد الإسناد قواعد محايدة
خاتمـــــة

مقدمة
بعد إنتهاء القاضي من عملية التكييف ومحاولته إدخال العلاقة القانونية في أخذ النظم المعية في قانونه ينتقل إلى البحث على القانون الواجب التطبيق على العلاقة محل النظر وهذا ما يعرف بالإسناد .

فالإسناد عملية تأتي بعد عملية التكييف وهو كما قلنا عملية البحث عن القانون الواجب التبيق أي أسند حكمها إلى القانون الذي يجب أن تخضع له .

ولكي نتمكن من الخوض أكثر في الإسناد وقواعده لابد من طرح الإشكالية الآتية :

ماهي عناصر الإسناد ؟ وماهي خصائص ومميزات هذه القواعد ؟

المبحث الأول : عناصر قواعد الإسناد
تتركب قاعدة الإسناد من عنصرين هما : الفئة المسندة وضابط الإسناد
المطلب الأول : الفئة المسندة أو ما يسمى بالفكرة المسندة
نظرا لكثرة المسائل القانونية بحيث لا يمكن حصرها ولا وضع لكل منها قاعدة إسناد خاصة بها . فقد قام المشرع بتصنيف العلاقات ذات الصفة الأجنبية إلى فئات متعددة تشتمل كل فئة منها على مجموعة العلاقات المتشابهة وهذه الفئات تسمى الفئات المسندة أو أفكار مسندة .

ثم يقوم المشرع بربط كل فئة بقانون معين عن طريق معيار خاص هو ضابط الإسناد .
ومثال ذلك إخضاع الأهلية لقانون الجنسية م 10 ق.م.ج فهي بذلك تشكل فئة مسندة تتضمن جملة من المسائل القانونية ومثال ذلك كذلك إخضاع الإلتزامات التعاقدية لقانون الإرادة م 18 ق.م.ج ( عقد إيجار، عقد وديعة …. ) .

وتشكل التصرفات القانونية مشتملة على عنصر أجنبي فإن أول عمل يقوم به القاضي هو البحث عن الفئة المسندة التي تندرج تحتها تلك المسألة ليعرف القانون الواجب التطبيق عليها .
المطلب الثاني : ضابط الإسناد أو ما يسمى بظرف الإسناد
هو المعيار الذي يختاره المشرع للإرشاد إلى القانون الواجب التطبيق أو أداة ربط بين الفئة المسندة والقانون المسند إليه .

فمثلا في المادة 11 ق.معندما أخضع المشرع الجزائري فقاعدة الإسناد هذه جعلت من الجنسية ضابطا للإسناد وخضوع شكل التصرفات القانونية لقانون بلد الإبرام قد جعلت هذه القاعدة بلد الإبرام ضابطا لللإسناد .

يفترض أن لكل فئة مسندة ضابط إسناد وحيد يتحدد بمقتضاه القانون الواجب التطبيق إلا أنه يمكن أن يكون لكل فئة أكثر من ضابط ومثال ذلك المادة 16 / 2 ق.م.ج التي تبين أن شكل الوصية يخضع لقانون الموصي أو لقانون البلد الذي تمت فيه الوصية والضابطان هنا إختياريان : قانون الموصي أو البلد الذي تمت فيه الوصية .

وقد يكون الضابط الأول أصلي والثاني إختياري يؤخذ به في حالة تعذر الأخذ بالأول ومثال ذلك المادة 18 ق.م.ج التي تجعل للإلتزامات التعاقدية قانون الإرادة وهو الضابط الأصلي وقانون بلد الإبرام هو الإحتياطي .

وهذا بالنسبة لعناصر قاعدة الإسناد وهناك من يضيف عنصرا ثالثا وهو القانون المسند إليه ويقصد به أن يكون القانون المختص وهو قانون دولة معينة ثبت لها كيان وفقا لأحكام القانون الدولي العام وتكون دولة القاضي معترفة بها ذلك لأن عدم الإعتراف ينبني عليه إنعدام الشخصية القانونية لدولة غير المعترف بها .

المبحث الثاني : مميزات قواعد الإسناد
تختص قواعد الإسناد بثلاثة مميزات تنفرد بها عن غيرها من قواعد القانون الدولي الخاص الأخرى ، وهذه المميزات هي :

1/ أنها قواعد غير مباشرة
2/ أنها قواعد مزدوجــة
3/ أنها قواعد محايـــدة

المطلب الأول : قواعد الإسناد غير مباشرة
لا ترشد قواعد الإسناد القاضي إلى الحل النهائي للنزاع محل نظره بل تكتفي ببيان قانون الذي يخضع له هذا النزاع ، وفي هذا القانون يجد القواعد القانوية التي سيطبقها عليه النزاع في حالة وجود عنصر أجنبي .

فمثلا قاعدة الإسناد الخاصة للأهلية لا تبين لنا السن الذي عند بلوغه يكون الشخص كامل الأهلية وإنما تكتفي فقط ببيان القانون الذي سيتكفل ببيان هذا السن وهكذا لجميع قواعد الإسناد بخلاف قواعد القانون الدولي الخاص الأخرى التي تعطي الحل مباشرة للنزاع فالقواعد المنظمة للجنسية تبين مباشرة من هم رعايا الدولة ، والقواعد المنظمة لمركز الاجانب تبين مباشرة الحقوق التي يتمتع بها الأجنبي والإلتزامات التي يتحملها وهكذا …

المطلب الثاني : قواعد الإسناد قواعد مزدوجة
يقصد بالصفة المزدوجة لقاعدة الإسناد أنها تجعل الإختصاص إما للقانون الوطني، وإما للقانون الأجنبي وذلك حسب نوع المسألة القانونية
فمثلا القاعدة التي تقضي بخضوع الأهلية لقانون الجنسية قد تشير إختصاص القانون الجزائري ، وقد تشير بإختصاص القانون الأجنبي ، وذلك حسب الجنسية التي يحملها المعني.

وتفيد هذه الميزة في قاعدة الإسناد أنها لا تترك فراغا في مشكلة التنازع إذ أنها تجعل الإختصاص بالنسبة المسألة المطروحة على القاضي أما لقانونه أو للقانون الأجنبي .

وينتقد بعض الفقهاء هذه الميزة في قاعدة الإسناد حين يرى أن تقتصر فقط على بيان الأحوال التي يطبق فيها القانون الوطني دون الإشارة إلى الأحوال التي يطبق فيها القانون الأجنبي ، فيريدها بذلك أن تكون مفردة وليست مزدوجة ، كنص القاعدة الواردة في المادة 3/فقرة 3 من القانون المدني الفرنسي والتي تقضي بأن ((القوانين الخاصة لحالة الأشخاص وأهليتهم تحكم الفرنسي ولو كان مقيما في بلد أجنبي ))

ومن الحجج التي يبديها هؤلاء الفقهاء أن الدولة لا يمكن أن تعطي الإختصاص لقانون دولة أخرى في حالة ما إذا كانت هذه الدولة ترفض الإختصاص المحول لقانونها .

لو سلمنا –جدلا- بما ذهب إليه هؤلاء الفقهاء لوجدنا قصورا واضحا في إيجاد حل في حالتين:

الأولى : لما تستند لها كل دولة لها علاقة بنزاع الإختصاص لقانونها .
الثانية : لما ترفض كل دولة لها علاقة بنزاع جعل الإختصاص لقانونها هذا القصور دفع القضاء الفرنسي إلى إعتبار قاعدة الإسناد الواردة في م 3 من ق.م.ق –سابقة الذكر- مزدوجة رغم ورودها مفردة فقال بأنه إذا كان القانون الفرنسي هو المطبق على الفرنسيين حتى ولو كانوا في الخارج ، فبمفهوم المخالفة فإن القوانين الشخصية للأجانب الخاصة بحالتهم وأهليتهم، تتبعهم حتى ولو كانوا في فرنسا .

المطلب الثالث : قواعد الإسناد قواعد محايدة
القاضي عندما يعمل قاعدة الإسناد فإنه يجهل نوع الحل الذي سيعطيه للنزاع لأن ذلك متوقف على معرفة مضمون القانون الذي سيطبقه على النزاع ، وهذا القانون قد يكون قانونه وقد يكون قانونا اجنبيا .

هذه الميزة لا توجد في القواعد القانونية الأخرى غير أن بعض الفقهاء لا يقرون بذلك ويرون أن صفة الحياد تشمل كل القواعد القانونية .

الخاتمة
إن قاعدة الإسناد هي جزء من قانون القاضي يتعين عليه تطبيقها من تلقاء نفسه ولإعتبارات تتعلق بصميم النظام العام ولتحقيق التعايش المشترك بين النظم القانونية المختلفة .
فالقاضي لما قلنا عندما تعرض عليه مسألة قانونية ذات عنصر أجنبي يبحث عن الفئة التي يمكن أن يدرجها تحتها من بين الفئات التي تتضمنها قواعد الإسناد في قانونه .

وبعد أن يحدد الفئة يكون قد عرف القانون الواجب التطبيق عليها وهذه المعرفة لا تنهي كل أشكال بل يطرا إشكال آخر وهو هل القاضي يرجع إلى القانون الأجنبي بإعتباره كلا لا يتجزأمما يفرض عليه إستشارة قواعد الإسناد التي يتضمنها أم أنه يرجع مباشرة إلى القواعد الموضوعية التي يتضمنها ويطبقها على العلاقة القانونية المطروحة عليه وهو بذلك يستبعد قواعد الإسناد التي يتضمنها وهذ ما يعرف بالإحالة والتي سيتناولها الزملاء في البحث المقبل