بحث حول علم المشتري بالمبيع بين أحكام الوضعي وأحكام الشريعة الاسلامية

(خطة البحث)

المقدمة.

  • المبحث الأول: علم المشتري للمبيع في أحكام القانون الوضعي.

المطلب الأول: معني علم الكافي بالمبيع في القانون الجزائري.

المطلب الثاني: أن يكون وقت البيع أو قابلا للوجود في المستقبل.

المطلب الثالث: تعيين المبيع أو قابليته للتعيين.

المطلب الربع: أن يكون مما يجوز التعامل فيه.

  • المبحث الثاني: علم المشتري للمبيع في الشريعة الإسلامية.

المطلب الأول: خيار الرؤية في الفقه الحنفي.

المطلب الثاني: خيار الرؤية في المذهب المالكي

المطلب الثالث: خيار الرؤية في المذهب الشافعي و الحنبلي

المطلب الرابع: مسقطات الخيار.

الخاتمة.

المقدمة:

يعتبر عقد البيع من أهم العقود المسماة وأوسعها انتشارا على الإطلاق ولم يسبقه في القدم إلا عقد المقايضة يعبر الفقهاء بقولهم “البيع من أهم العقود وأخطرها في حياة الأفراد والأمم باعتباره الوسيلة المألوفة لتبادل الأموال بعد انحسار دور المقايضة “ومع مرور الزمن سرعان ما ظهر عيب المقايضة وذلك بتطور الصناعة والتجارة وتفاوت حاجات الناس مما أدى إلى ظهور عقد البيع وذلك باتخاذ البيع محل وعلى هذا الأساس أصبح البيع اليوم عماد التجارة الداخلية والخارجية الطبيعي لقضاء حاجات الناس .

إن دراسة عقد البيع أهمية بالغة خاصة باعتباره الطريقة الأساسية لتداول القيم الاقتصادية بين الأفراد.

ومن أجل ضبط و تنظيم هذه العلاقة الاقتصادية قام المشرع الجزائري بوضع قواعد عامة و لم يكتفي بذلك بل أعطاه أحكامًا خاصة وذلك ما يجسده في المواد من 351 إلى 412 من ق.م.ج.

وقد ثبتت مشروعية البيع في القرآن الكريم والسنة المحمدية والإجماع ففي الكتاب العزيز ورد قوله تعالى في صورة البقرة 275 ” … واحل الله البيع…” و 282 ” … واشهدوا إذا بايعتم …”، وفي السنة النبوية جاءت أحاديث كثيرة منها ما سئل النبي عن أي الكسب طيب فقال صلى الله عليه وسلم “عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور أي لا غش فيه ولا خيانة كما أجاز العلماء البيع لحاجة الناس إليه في كل العصور والحكمة تقضيه لتامين حوائج الناس على التبادل مع الآخرين.

أما فقهاء الشريعة الإسلامية فعرفوا البيع بأنه “مبادلة مال بمال ” فهم لا يفرقون بين البيع والمقايضة لان البيع عندهم أما أن يكون بيع العين بالنقد وهو البيع المطلق أو بيع العين بالعين وهو المقايضة أو بيع النقد بالنقد وهو الصرف ، وظاهر من ذلك أن تعريف الشريعة الإسلامية يفيد أن البيع ينقل الملكية بذاته ولا يقتصر على إنشاء التزام بنقل الملكية أو التزام بتسليم المبيع

بعد سرد مختلف التعاريف التي أتت بها مختلف التشريعات ورغم الانتقادات الموجهة إليها ننتهي بالقول إلى وجود علم المشتري بالمبيع تميز بها عقد البيع.
ومن هذا المنطق نطرح الإشكال التالي: بماذا أخد المشرع الجزائري فيما يتعلق علم المشتري بالمبيع؟ وما حكم المذهب في خيار الرؤية الشرعية؟

المبحث الأول: علم المشتري للمبيع في احكام القانون الوضعي.

المطلب الأول: معني علم الكافي بالمبيع في القانون الجزائري.

اشترطت الإرادة التشريعية الجزائري في المادة 352ان يكون المشتري عالما بالمبيع علمًا كافي. كما يختلف عن تعين المبيع فقد يكون المبيع تعينا كافيا يميز عن غيره و يكون كافيا للجهالة الفاحشة دون ان يعلم به المشتري كما لو باع شخص إلى أخر منزلا تعين بموقعه كذكر النهج و رقم المنزل دون ان يعلم المشتري مساحة المنزل و عدد حجراته و طريقة توزيعها و الجهات الأصلية التي يطل عليها.

والعلم بالمبيع يكون على الوجه الذي يناسبه فيتحقق بالإبصار ان كان المبيع من المرئيات. أو بالشم ان كان من المشمومات كالروائح العطرية أو بالدوق كان من طعام لذا يكفي لتوافر شرط العلم المعاينة أي الرؤية وليست هنا معناها الإبصار باستعمال الحواس التي تتناسب مع طبيعة المبيع و هي الإبصار والشم والذوق واللمس كما في الأقمشة مثلًا.

والمعاينة تتم بمعرفة المشتري نفسه أو من ينيبه و تكون الإنابة ضرورية في الحالة عجز المشتري عن القيام بالمعاينة نفسه كما في الحالة المشتري الأعمي و المعاينة تحتاج إلى الرؤية وتعتبر علمه بالمبيع عند القيام الوسيط بالمعاينة وعلى ان المادة 352م ج في الفقرة الأول لم تجعل الرؤية.

المعاينة هي الطريق الوحيد للعلم بالمبيع بل يتحقق العلم بالطرقتين أخرتين:

الأول: ان يشتمل عقد البيع على بيان المبيع و أوصافه الأساسية ببيانا يمكن من تعرفه إذا أضافت انه و يعتبر العلم كافيا إذا اشتمل العقد على بيان المبيع و أوصافه الأساسية بحيث يمكن التعرف عليه.[1]

ومعني ذلك ان القانون يجعل الوصف عند التعاقد يساوي الصورة إلى يحصل المشتري من استعمال حواسه أو حواس من واسطة في معاينة المبيع ويجب ان يفهم لفظ العقد في المادة 352م ج بمعني الكائن قانوني الذي ينشأ عن تطابق الإرادتين لا بمعني المحرر الذي يثبت فيه الاتفاق على البيع لان البيع عقد رضائي لا يلزم له أي شكل من الأشكال إلا بيع العقار في التشريع الجزائري فهو عقد رسمي.

الثاني: هو إقرار المشتري في عقد البيع بأنه عالم بالمبيع إذا نصت الفقرة الثاني من المادة 352 على ذلك بقولها و إذا ذكر في عقد البيع ان المشتري عالم بالمبيع سقط حق هذا الأخير في طلب إبطال البيع لدعوى عدم العلم به إلا إذا اثبت غش المبائع.

فالإقرار بالعلم بالمبيع عقد التعاقد يسقط حق المشتري في الطعن على أساس عدم العلم.سواء أكان عالما بالمبيع في الواقع أو كان غير عالم.و هذا يخالف الشريعة الإسلامية ففي خيار الرؤية لا يملك للمتملك التنازل عن الخيار قبل الرؤية.

و لكن إذا تبت ان إقرار المشتري في العقد بعلمه بالمبيع كان نتيجة لتدليس البائع كما لو اطلع البائع المشتري على شيء

أوهمه بأنه المبيع خلافًا للواقع أو قدم له عقود صورية بمعرفة ريعه.فان ذلك لا يمنع المشتري من الطعن في العقد.

مما تقدم نستطيع ان نقول ان العلم بالمبيع علما كافيا يعتبر في التقنين المدني الجزائري شرطا لسلامة رضاء المشتري و عدم توافره بعد غلط في صفات المبيع الجوهرية يترتب عليه قابلية العقد الإبطال ولا يشترط في هذا العلم ان يكون شخصيا أو فعليا و لا ان يكون عن طريق الرؤية بل تكفي فيه معاينة من يوكله المشتري في ذلك. كما يكفي في العلم ان يحصل علينه من أي طريق أخر غير البصر كالسمع و للمس و الشم و الذوق كما يكفي أيضا الوصف الدقيق للمبيع في العقد الذي يمكن المشتري من تصورته كما يعني عن كل ذلك إقرار المشتري في العقد بأنه عالم بالمبيع على إلا يكون هذا الإقرار سليما و لم يصدر نتيجة غش أو تضليل من البائع و يعتبر علم المشتري بالمبيع علما كافيا أمر متعلقا بالموضوع الدعوى فان فضلت محكمة الموضوع فيه مستند إلى دلائل مسوغة ولا متناقضة فيها ها هو تابت في الأوراق فلا يجوز اتارته من جديد إمام المحكمة نقض.

المطلب الثاني: ان يكون موجود وقت البيع أو قابلا للوجود في المستقبل.

قد يوجد المبيع قبل العقد و يستمر وجوده إلى حين إبرام العقد و لا نزاع في هذا الآن العقد فيه ويبقى قائمًا.

إلا انه قد يوجد المبيع قبل العقد ووقت انعقاد وننعدم كله أو بعضه بعد ذلك. فهنا المبيع وجد أثناء الانعقاد فيكون العقد صحيحًا. ولكنه يفسخ بعد ذلك. وقد يبقى مع إنقاص الثمن في حالة الهلاك الجزئي

وقد يكون المبيع موجودا.ويهلك قبل التعاقد كما لو كان منزلًا واحترق. أو جواد و نفق. أو قمحًا في مخزن وتلف أو طعامًا وفسد فإن العقد يقع باطلًا لانعدام المحل.

أما إذا فسد المبيع قبل التعاقد وفقد قيمته التجارية. فإنه حبس الفقهين الفرنسيين كولان وكابيتان إن للمشتري أن يرجع على البائع بالضمان إلا إذا اشترط هذا الأخير عدم الضمان.

إما إذا لم يوجد المبيع قبل العقد ولا وقت إبرامه و كان المبيع قابلًا للوجود بعد ذلك أي شيئًا مستقبليًا واتجهت إرادة الطرفين إلى التعاقد على هذا الأساس فهنا المبيع محتمل الوجود.

والأمثلة على بيع الأشياء المستقبلية كثيرة منها؛ بيع المؤلف لمؤلفه قبل تمامه، بيع منزل قبل بنائه، بيع المحصول قبل ظهوره. وقد نصت المادة 92 من ق.م.ج. “يجوز أن يكون محل الالتزام شيئا مستقبليا و محققا…”

وأجاز القانون الفرنسي بيع الأموال المستقبلة و ذلك في المادة 1130 ق م ف التي تنص على ما يلي: ”الأشياء المستقبلة يجوز ان تكون محلًا للتعهد ولم يستثن من ذلك إلا التركات المستقبلة أو أي حق فيها”.[2]

  • ومن الأمثلة على بيع الأشياء المستقبلة كثيرة:

-بيع صاحب المصنع كمية معينة من منتجاته قبل ان يبدأ في صنعها

-بيع المؤلف مؤلفة تمامه.

-بيع المالك منزله قبل بنائه.

فهذا البيع يطلق عليه في القانون الجزائري تسمية البيع على التصاميم أي بيع عقار تحت الإنشاء.وقد شاع مثل هذا البيع في وقتنا الحاضر.وذلك للفوائد الكثيرة التي يحققها للمشترين من جهة.و مقاولي البناء من جهة أخرى.واهتم مشرعنا به و نظمه بإحكام خاصة وردت في مرسوم تشريعي رقم 93-03لمؤرخ في أول مارس 1993يتعلق بالنشاط لعقاري.وكذا مرسوم تنفيذي رقم 94-58المؤرخ في 7 مارس 1994يتعلق بنموذج عقد البيع على التصاميم و الذي يطبق في مجال الترقية العقارية.

وهذه كلها عقود بيع واقعة على شيء مستقبلي و هي صحيحة و بهذا يقرب من بيع السلم المعرف في الفقه الإسلامي.

والشرح الفرنسيون يفرقون بين نوعين من بيع الأموال المستقبلة.

النوع الأول: مبني على المجازفة أي ان المشتري يجازف في وجود المبيع نفسه أي يكون البيع واردا على الأمل في وجود المبيع أو على الحظ؛ كبيع أوراق اليانصيب، وبيع الصياد ضربة شبكته. ويعتبر البيع هنا بيعًا احتماليًا محضًا entiérement aléatoire

النوع الثاني: يجازف فيه المشتري في مقدار المبيع وكميته فقط لا في وجوده ذاته كبيع المحصول الذي سينتج من ارض معينة في موسم محدد، فهو يعتبر واردًا لا على مجرد الأمل في وجود المحصول بل على كمية المحصول الذي سيوجد فعلًا.

وإذا قارن بين تعيين الشيء المبيع وعلم المشتري علمًا كافيًا بالشيء المبيع؟[3]
فإن تعيين الشيء هو تحديد اوصافه بحيث يتم تمييزه عن غيره مثال ذلك أن يتم تعيين مكان المنزل ومساحته دون تعيين عدد طوابقه وغرفه وأجنحته أي بدون تحديد اوصافه الاساسية وذلك نص المادة 94 مدني ويترتب على عدم التعيين البطلان المطلق للعقد.

أما العلم بالمبيع علمًا كافيًا فيتطلب تحديد الاوصاف الأساسية للشيء المبيع كما في المثال السابق أن يحدّد المنزل بمساحته ومكانه وعدد طوابقه واجنحته وغرفه إي تحديد أوصافه الأساسية، إذ أن المبيع قد يكون معينًا دون أن تحدد أوصافه الأساسية، حيث أن العلم الكافي لا يتطلب إلا عند المشتري فقط، فإذا كان البائع ورث الشيء ثم باعه ولم يعلم به علما كافيًا والمقصود بعلم المشتري هو العلم السابق سيان علمه المشتري بنفسه أو بوساطة نائب طبقًا للقواعد العامة للنيابة ويجب عدم الخلط بين العلم الكافي الذي يتطلب تحديد الأوصاف الأساسية للمبيع، بينما شرط التمييز يكفي فيه تمييز المبيع عن غيره، ونصت عليه المادة 352مدني، وعند عدم المشتري علمًا كافيًا بالشيء المبيع جاز له طلب إبطال العقد على عكس عدم التعيين الذي يترتب عنه البطلان المطلق.

المطلب الثالث: تعيين المبيع أو قابليته للتعيين

لا يكفى ان يكون المبيع موجودًا أو محتمل الوجود وإنما بجب بالإضافة إلى ذلك أن يكون معينًا أو قابلًا للتعيين. وطريقة تعيين المبيع تختلف بحسب ما كان المبيع من الأشياء المثلية أو من الأشياء القيمية. وإذا لم يكن المبيع من القيميات فقد يتم تعيينه على أساس عينه يتفق عليها، وقد يتم ذلك بالتقدير أو جزافًا ونعرض كل ذلك فيما يلي.

أولا: الأشياء القيمية والأشياء المثلية[4]

إذا كان المبيع من الأشياء القيمية أي من الأشياء المعينة بالذات، فان تعيينه يكون ببيان صفاته التي تميزه عن غيره، أى تحديده تحديدًا نافيًا للجهالة الفاحشة والتحديد النافي للجهالة يكون عادةً صريحًا، فالأرض الزراعية تتعين بذكر مساحتها وحدودها واسم الحوض الذي توجد فيه واسم القرية التي يوجد هذا الحوض في زمامها والمنزل يُحدّد باسم الشارع واسم الحي ورقم المنزل، وتحدد السيارة بماركتها وسنة صنعها ورقمها. ولكن التحديد النافي للجهالة يجوز أن يكون ضمنيًا كما لو باع شخص إلى أخر الدار التي يملكها في هذه البلدة وكانت هذه الدار معروفة لدى الناس.

إما إذا كان المبيع من الأشياء المثلية التي تعيّن بنوعها لا بذاتها وهي الأشياء التي تتحدد بالعد أو بالوزن أو الكيل. فإن تعيينها تعيينًا كافيًا يكون عن طريق تحديد جنسها ونوعها ومقدارها؛ فإذا كان المبيع قطن مثلًا وجب تحديد جنسه حيزه أو اشمونى مثلًا ونوعه قصيرة التيلة أو طويلة التيلة، ومقداره مائة قنطار مثلًا وإذا لم يحدد المقدار في العقد فيجب ان يكون قابلًا للتحديد وفقًا للشرط الأخرى للعقد.

مثال ذلك ان يتعهد شخص ببيع أغذية من نوع معيّن تلزم لإطعام طلبة مدرسة معينة، فإن مقدار ما يلتزم به وإن لم يكن مقدار في العقد إلا أنه قابلًا للتقدير وفقًا لعدد طلبة المدرسة.

وإذا لم يذكر في العقد درجة جودة الشيء المبيع ولم يكن استخلاص ذلك من العرف أو من ظرف أخر من ظروف التعاقد.

ثانيا: البيع بالتقدير و البيع الجزافي[5]

بيع بالتقدير سبق أن عرفناه هو بيع ينصب على المثاليات وأن المبيع غير معين بالذات، لكنه يعين بالتقدير عن طريق وزنه أو كيله أو قياسه أو عده.

أما البيع الجزافي أو البيع المجمل كما يحلو للبعض تسميته هو بيع ما يكال أو يوزن أو يعد أو يقاس جملة بلا كيل ولا وزن ولا عد ولا قياس.

مثاله أن يبيع  شخص لأخر جميع كمية التمر أو الزيت أو البطيخ الموجود وعين المخزن تعيينًا كافيًا. فإن البيع في هذه الحالة ليس بيعًا بالتقدير بل يكون جزافًا ولو حدد للمبيع ثمنًا إجماليًا أو حدد الثمن على أساس الوحدة مادام المبيع ذاته غير مقدر. وأمثلته أن يقول البائع للمشتري بعتك ما في مخزني من القمح بمبلغ خمسون ألف دينار أو يقول بعتك ما في مخزني من القمح بمبلغ مائة ألف دينار للقنطار فالفيصل إذن في اعتبار البيع جزافًا هي طريقة تحديد المبيع وليس طريقة تحديد الثمن.

أهمية التميز بينهما:

أولًا: من حيث انتقال الملكية

في البيع الجزافي تنتقل ملكية المبيع إلى المشتري بمجرد انعقاد العقد كما في سائر البيوع. هذا إذا كان البيع منقولًا، أما إذا كان عقارًا كبيع قطعية أرض محددة فلا تنتقل الملكية إلا بالتسجيل.

وأيضا كما في بيع ألف متر تفرز من قطعة ارض معنية فلا تنتقل الملكية إلا بالإفراز والتسجيل.

أما في بيع التقدير.فلا تنتقل ملكية المبيع بمجرد الانعقاد ولكن تنتقل بإفراز المبيع وزنًا أو كيلًا أو مقاسًا أو عدًّا.

ثانيًا: من حيث تحمل تبعة الهلاك

في هذه هو موقف المشرع الجزائري فلا أهمية إذن للتمييز بين بيع التقدير وبيع الجزاف من هذا الوجه، لكن الأهمية تظهر فيها إذا اعذر البائع المشتري لتسليم المبيع. فإن تبعة الهلاك بعد الأعذار تكون على عاتق المشتري ونفس الاتجاه سار عليه المشرع المصري -حتى ولو لم يتسلّم الشئ المبيع-.

ثالثًا: من حيث إنشاء الالتزامات الشخصية

لا فرق بين البيعين التقدير و الجزافي حيث ان كلا منهما ينشئ التزامات شخصية في جانب كل من المتبايعين.

ففي بيع التقدير يلتزم البائع بنقل ملكية المبيع و تسليمه وبضمان الاستحقاق والعيوب الخفية ويلتزم المشتري بدفع الثمن والمصروفات ويلتزم بحضور إفرازًا المبيع وتسلمه.

أما في البيع الجزافي؛ هناك فرق واحد أن البائع لا يلتزم بنقل الملكية لأن الملكية تنتقل بمجرد التعاقد، لكن يلتزم بالالتزامات الأخرى بالإضافة إلى التزام المشتري.

المطلب الرابع: أن يكون المبيع مما يجوز التعامل فيه.

هناك نوعان من الأشياء بحسب جواز التعامل فيها او عدمه وقد اعتبر المشرع ان الأصل في الأشياء هو جواز التعامل فيها والاستثناء هو عدم جوازه

النوع الأول: الأشياء التي تخرج عن التعامل بطبيعتها

هي الأشياء التي لا يستطيع أحد أن يستأثر بحيازتها وهي الأشياء المشتركة أي التي يشترك في الانتفاع بها جميع الناس كالماء والهواء وأشعة الشمس والبحر. فعدم الصلاحية هنا يرجع لطبيعة الشيء المادية،إلا أنه يمكن في بعض الأحياء لأغراض علمية الإستيلاء على مقادير محدودة منها للإنتفاع بها في أغراض صناعية أو غيرها مثلًا الهواء المضغوط أو حقن ماء البحر غيرها من المياه التي تستولي عليها البلديات وشركات المياه وتنقنيته وتوزيعه للشرب.

وهناك فرق بين الأشياء المُباحة والأشياء المشتركة: فالأشياء المُباحة هي التي لا يمكن الانتفاع بها دون تملكها، أما المشتركة فيكن الانتفاع بها دون تملكها.

النوع الثاني: الأشياء تخرج عن التعامل بحكم القانون

هي الأشياء التي تخرج عن التعامل بحكم القانون أي الأشياء التي ورد بشأنها نص خاص يمنع التعامل فيها كالأموال الموقوفة والتركات المستقبلة والحقوق المتنازع فيها وكذلك الأشياء التي يعتبر التعامل فيها مخالفًا للنظام العام والآداب العامة مثل أعضاء الإنسان أو بيوت القمار.

ومن الأشياء الممنوع التعامل بها بحكم القانون هي أملاك الدولة العامة، لكونها لا يجوز بيعها و لا حجزها و لا رهنها لأنها مخصصة لخدمة المرفق لعام.

وفي هده النقطة بالذات يجب ان نفرق بين حالتين: هل المقصود من التحريم هو مراعاة المصلحة الخاصة؟ أم المقصود من التحريم هو مراعاة المصلحة العامة؟

فإذا كان الجواب بأن التحريم يهدف إلى مراعاة المصلحة الخاصة، فإن هذا الشيء لا يحرّم بالنسبة للكافة، وإن كان يؤدي إلى إبطال التصرف فيه كبيع ملك الغير.

أما إذا كان الجواب بأن التحريم يهدف إلى مراعاة المصلحة العامة، أي النظام العام والآداب، فهنا لا يجوز التعامل في هذه الأشياء بالنسبة للكافة، والتصرف فيها غير جائز، بمعنى أن البيع لا ينعقد، بل يقع باطلًا بطلانًا مطلقًا.[6]

المبحث الثاني: علم المشتري للمبيع في الشريعة الإسلامية

هو الحق الذي يثبت به الفسخ أو إمضاء العقد عند رؤية محل العقد الذي لم يره خيار الرؤية حق مالي، وليس شخصي يثبت عن طريقه أحد الحقين إما فسخ العقد أو إتمامه، وذلك عند رؤية محل العقد.

كأن يشتري أحدهم شيئاً لم يره، فله عند رؤية المبيع إما فسخ العقد واسترجاع الثمن أو الرضا به وجعله قطعياً

استدل الجمهور على اجتهادهم هذا من الأدلة النقلية والعقلية:

1-الكتاب:

       قوله تعالى :{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا}(البقرة:275) .

2-السنة:

        عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{ من اشترى شيئاً لم يره فهو بالخيار إذا رآه } .

3-الأثر:

       ما روي عن عثمان بن عفان أنه باع أرضاً له بالبصرة لطلحة بن عبد الله رضي الله عنهما ، فقيل لعثمان : إنك قد غبنت { وكان المال بالكوفة لم يره عثمان حين ملكه } فقال عثمان : لي الخيار لأني بعت مالم أر ، فقال طلحة : لي الخيار لأني اشتريت مالم أر ، فحكما بينهما جبير بن مطعم فقضى أن الخيار لطلحة ولا خيار لعثمان .

4-العقل:

       أنه مال مقدر التسليم ولا ضرر في بيعه ، فالتاجر قد يحتاج إلى شراء سوالع غائبة عنه فيجعل له الخيار عند الرؤية دفعاً للضرر عنه عندما يجد أن محل العقد غير موافق لغرضه ومقصوده ، وأما قد يكون من جهالة في المعقود عليه فلا تؤثر في صحة العقد ، لأنها لا تفضي إلى النزاع بسبب إعطاء الخيار لمن لم ير محل العقد .[7]

المطلب الأول: خيار الرؤية في الفقه الحنفي[8]

يثبت خيار الرؤية لدى المذهب الحنفي في عقد البيع.و يثبت للمشتري دون البائع، فمن اشترى عينًا بالذات ولم يكن قد رآها لا وقت البيع ولا قبله كان له الخيار إذا رآها، ولو كان اشتراها على الصفة وظهرت على ما وصفت

لما روى عن النبي ص انه قال: ”من اشتري شيئا لم يره فله الخيار إذا راه”.

أما البائع فلا خيار له حتى لو لم يكن قد رأي العين التي باعها قبل بيعها ووقت ثبوت خيار الرؤية هو وقت الرؤية لا قبلها حتى و لو أجاز البيع قبل الرؤية ورضي بالبيع فإنه بالرغم من ذلك له أن يرد العين إذا رآها لأن نزوله عن الخيار قبل أن يثبت له لا يعتد به.

والعقد عند قيام خيار الرؤية غير لازم للمشتري فلهذا الأخير الرجوع عنه و فسخه بعد الرؤية بل وقبلها.

وعدم لزوم العقد من جهة المشتري يقوم في أساسه على فكرة الغلط إذا يفترض ان المشتري لم يجد المبيع على الحال التي يصلح معها للغرض المقصود.فأساس خيار الرؤية هو غلط المشتري في شيء لم يسبق له رؤيته.

المطلب الثاني: خيار الرؤية في المذهب مالك

والمذهب الحنفي وحده هو الذي يعرف خيار الرؤية على النحو الذي بسطنها

أما المذاهب الأخرى فتختلف أحكامها في هذا الخيار عن أحكام المذهب الحنفي ففي مذهب مالك إذا كانت العين المبيعه حاضرة في المجلس العقد ولم يكن في رؤيتها مشتقة وجب أن يراها المشتري ليصح العقد. فإذا اشتراها بعد رؤيتها انعقد البيع صحيحًا فاقدًا لازمًا فلا خيار فيه للرؤية.

وإذا اشتراها دون أن يراها لم يصح البيع وهذا هو الحكم أيضًا إذا كانت العين قريبة جدًا من المجلس العقد بحيث تمكن رؤيتها دون مشقة أما إذا كانت العين غائبة عن مجلس العقد أو كانت حاضرة ولكن في رؤيتها كثوب يخشي أن يلحقه الفساد من تكرار النشر عليه. جاز بيعها على الصفة إذا لم تكن بعيدة جدًا فتوصف وصفًا يميّزها عن غيرها ويفرد بذاتيتها فإذا بيعت العين على هذا النحو انعقد البيع نافدًا وليس للمشتري خيار الرؤية ولكن لا خيار الوصف إن جاءت العين على غير ما و صفت.

ويدخل في البيع على الوصف ما يعرف بالبيع على البرنامج فإن تذكر أوصاف العين في دفتر مكتوب فيشتريها المشتري على هذه الأوصاف فإن وجدت لزم لبيع زالا كان للمشتري خيار الوصف ويعني عن الوصف رؤية متقدمة بأن يكون المشتري قد سبق له أن أرى العين قبل البيع ولم تتغير العين وقت البيع عما كانت وقت الرؤية فإذا لم تسبق للمشتري رؤية العين ولم توصف على النحو المتقدم أو وصفة ولكنها كانت بعيدة جدًا.

لم يجز البيع إذا جعل المشتري لنفسه الخيار إذا رأى المبيع. أما إذا انعقد البيع على الإلزام بان اشترط البائع على المشتري إلا يكون له الخيار أو سكت العقدان عن شرط خيار فالبيع باطل.

ويستخلص من دلك أن خيار الرؤية غير معروف في مذهب مالك إلا في حالة العين الغائبة التي لم توصف أو في الحالة العين البعيد جدًا ولو وصفت مادامت العين في هاتين الحالتين لم تسبق رؤيتها و لا يثبت الخيار إلا بالشرط.

المطلب الثالث: المذهب الشافعي وأحمد بن حنبل.

ففي مذهب الشافعي في قوله القديم يجوز بيع العين الغائبة ويثبت للمشتري خيار الرؤية تم إن في افتقار صحة البيع إلى ذكر صفات المبيع ثلاثة أوجه: أحدها أنه لا يصح تذكر جميع الصفات والثاني أنه لا يصح حتى تذكر الصفات المقصودة والثالث أن صحة البيع لا تفتقر إلى ذكر شيء من الصفات فيجوز بيع العين الغائية دون وصف لأن الاعتياد على الرؤية وقد تبث للمشتري خيارها وإما إذا رأى المشتري المبيع قبل العقد اشتراه دون أن يراه وقت البيع فإن كان ممالًا يتغير كالعقار ونحو جاز بيعه وهذا القول القديم في مذهب الشافعي يقارب المذهب الحنفي في خيار الرؤية فهو يثبت للمشتري هذا الخيار حتى لو ذكرت جميع صفات المبيع. وفي القول الجديد رؤية المبيع شرط في صحة العقد سواء كانت العين حاضرة أو غائبة وسواء لم يسبق للمشتري رؤيتها أو سبق ففي جميع الأحوال لا يصح البيع إلا في المبيع المرني وقت العقد وفرض شرائها بل إن رؤيتها وقت العقد شرط في صحة البيع كما قدمنا

والظاهر في المذهب أحمد بن حنبل ان العين الغائبة التي لم توصف ولم تتقدم رؤيتها لا يصح بيعها، فيجب حتى يصح العقد، أما الرؤية من المشتري والبائع جميعًا، وإما سبق الرؤية بزمن لا تتغير العين فيه وأما وصف العين بحيث يذكر من صفاتها ما يكفي الصحة السلم فإن وقع البيع على هذا النحو كان صحيحًا لازمًا، و ليس للمشتري، ولا للبائع خيار الرؤية فيه لكن إذا وصف المبيع فجاء على غير الوصف كان للمشتري خيار الخلف في الوصف وإذا كانت العين حاضرة في مجلس العقد، اشترطت رؤية ما هو مقصود بالبيع.

وهذا ما لم يوصف المبيع ويتبين من ذلك أن خيار الرؤية غير معروف في الظاهر من مذهب أحمد إذا البيع لا يصح إلا برؤية المبيع أو بوصفه فلا مجال بعد ذلك الخيار الرؤية.

ونستخلص من المذاهب الثلاثة: إن وصف المبيع يغني عن رؤية فالبيع على الوصف جائز وليس للمشتري عند ذلك خيار الرؤية وإنما خيار الخلف في الوصف. [9]

المطلب الرابع: مسقطات الخيــار

يسقط هذا الخيار بأحد هذه الأسباب:

1-إجازة العقد أو فسخه: أجمع اجتهاد الفقهاء الذين يثبتون خيار الشرط على أن خيار الشرط يسقط، ويصبح البيع باتاً عند إجازته، وهذه الإجازة قد تكون فعلية أو قولية، أما الإجازة الفعلية: كأن يتصرف بالمبيع تصرف المالك أما الإجازة القولية: كأن يقول صاحب الخيار صراحة أو كناية بأنه قد أجاز البيع أو فسخه.[10]

2- المجلس:

لا يسقط خيار المجلس إلا بانفضاض المجلس، ولا يكون الانفضاض إلا بتفرق المتبايعين بأبدانهما.

3- هلاك المبيع:

  • مذهب المالكية إلى أن البائع صاحب الخيار إذا جنى على مبيعه، فإن هذا السلوك المتعمد يسقط الخيار، أما إذا جني البائع على البيع من دون قصد، فله إمضاء البيع بماله من خيار التردي، لأن جنايته خطأ وليست رداً للبيع  إذا أمضى البائع البيع فللمشتري إما الرضا بالمبيع أو الرد وأخذ ما دفعه.

أما إذا هلك المبيع بفعل البائع في زمن الخيار وكان الخيار للبائع انفسخ البيع، أما إذا كان الخيار للمشتري، وحاول البائع إتلاف المبيع، فلم يتلف فلصاحب الخيار رد المبيع وأخذ ثمنه، أو إمضاء البيع ، وأخذ تعويض لما فعله البائع .

  • مذهب الحنفية: إلى أن تعييب أو هلاك المبيع في يد المشتري صاحب الخيار في زمن الخيار يمنع فسخ العقد، ويلزم بالثمن، ويسقط الخيار، ويصبح العقد باتاً، أما إذا كان الخيار للبائع فإنه لا يمنع الرد وفي هلاكه يبطل ويضمن المشتري القيمة.
  • مذهب الشافعية: إلى أن تعيب البيع أو هلاكه، أو نقصانه قبل القبض، فإن خيار الشرط يسقط بهلاك المبيع، أما إذا كان الهلاك أو التعيب بعد القبض، فإن الخيار للبائع وحده، أو للمتعاقدين معاً، فإن الملك للبائع وبالتالي فإن هلاك المبيع لا يمكن معه إتمام المعاوضة، فينفسخ العقد ويبطل الخيار، أما إذا كان الخيار للمشتري، فالهلاك يعتبر من ضمن مسقطات الخيار التي يلزم بها العقد، لأنه عجز عن التصرف بحكم الخيار حين أشرفت وإن كان الخيار للبائع وحده فينفسخ العقد، لأن الملك للبائع وتعذر نقله، أما إذا كان الخيار للمشتري أولهما معاً فلا أثر للهلاك على العقد أو خيار الشرط وإنما تتأثر بتصفية هذا العقد فإن اختار صاحب الخيار إمضاء العقد فعليه دفع الثمن، وإذا اختار فسخ العقد فله قيمة المبيع بدلاً من المبيع .
  • مذهب الحنابلة: إلى تمليك المبيع للمشتري في خيار الشرط من حين العقد، وهلاك المبيع في يده يسقط الخيار ويصبح العقد قطعياً .

4- مضي مدة الخيار: إذا مضت مدة الخيار ولم يرد من له الخيار فيصح العقد قطعاً ويصبح لازماً للمتعاقدين، سواء كان الخيار للبائع أو للمشتري أو لأجنبي.

5- موت من له الخيار: إذا مات من له الخيار يسقط الخيار، ويصبح العقد باتاً، واختلف الفقهاء في وراثة خيار الشرط، مذهب الحنفية والحنابلة: إلى أن خيار الشرط لا يورث، ومذهب كل من الشافعية والمالكية إلى أن خيار الشرط يورث لأن الوارث قائم مقام المورث.

أما حجة الحنفية والحنابلة أن خيار الشرط مشيئة وإرادة والمشيئة والإرادة لا يورثان.

ولعل الراجح {والله أعلم} هو اجتهاد كل من الشافعية والمالكية لقول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام: {من ترك مالاً أو حقاً فلورثته}.

ولا جرم بأن الذي تركه المورث هي من الحقوق المالية، والحديث الشريف قد صرح بأن الحقوق عامة والمالية خاصة للورثة، وهكذا فإن خيار الشرط يورث كأي حق آخر.

الخاتمة:

أهم النتائج المستخلصة

وفي ختام هذه الدراسة أود أن أسجل بعض النتائج المهمة التي توصلت إليها:

  • إن أول ما خلصت إليه وأهمه: أن هذه الدراسة تشهد للأصل القائل: إن جميع أحكام الشريعة الإسلامية جاءت لتحقيق مصالح العباد. إذ لا نجد مسألة مطروحة في حياتنا اليومية إلا ونجد الجواب عليها قد تضمنه نص أو استنباط فقيه أساسه أحد مصادر التشريع الإسلامي.

ومن جملة ذلك أحكام العيب إذ تتعرض عقود كثيرة إلى كثير من العيوب التي تؤثر على نفاذها، مما يترتب على ذلك خصومات بين الناس، وقد عنيت الشريعة الإسلامية بذلك عناية فائقة، وبحث الفقهاء جوانب عديدة تتعلق بتلك العيوب، وقال كل منهم فيها كلمته التي قاده إليها الدليل.

والعبادات وغيرها من الأحكام الفقهية شأنها شأن عقود المعاملات تتعرض هي الأخرى لبعض ما يجعلها غير وافية بالغرض الشرعي منها، لذلك كانت هي أيضا موضع عناية الشريعة والباحثين فيها من هذه الناحية.

وبهذا أرجو أن يكون الفقه الإسلامي كما هو شأنه دائمًا قد حاز قصب السبق على القانون الوضعي من ناحية استيعابه وجمعه للمهم من أحكام العلم بالمبيع. هذا الموضوع الحيوي الذي له شأن كبير وتعلق وثيق بالمعاملات ولاسيما الحالية منها.
عرف علم المشتري بالمبيع تعريفا عاما مستخلصا ذلك من تعارف عدة أكثرها كان تعريفا خاصا، بل تداخل في بعضها حقيقة العلم مع المرجع في تحديده، وصغت التعريف المختار من بعض تعريفات الحنفية له بعد إضافة بعض القيود إليه، وهو (ما يقتضي الشرع أو أصل الفطرة السليمة الخلو عنه مما يفوت به غرض صحيح) ليشمل العيب في الأبواب الفقهية المختلفة. أوضحت في هذه الدراسة أن كتمان العيب حرام شرعا سواء أكان الكتمان من البائع نفسه أم من الأجنبي الذي يعلم العيب، وذلك للنصوص الصريحة التي نهت عن كتمان العيب.

وأوضحت أن التحريم عام يشمل كتمان جميع أنواع العيب، سواء أكان هذا العيب مثبتا للخيار أم لا؛ لأنه نوع من التدليس المحرم، وإن كان هذا التدليس لا يبطل العقد في القول الراجح الذي عليه جمهور الفقهاء..

فلعلّي بهذا العمل -المتواضع- أكون قد تحدثت عن أهم الخيارات فكتب الفقه تعرضت لأكثر من ذلك ، ولكن عمدت إلى ما يكثر شيوعه في المعاملات وما يحتاجه كثير من الناس·

وتشريع الخيارات -في الفقه الإسلامي- من تيسيرات الشريعة الغراء، ومن رحمة الله بعباده المؤمنين “يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر”

وقد رأينا أن خيارات:

الشرط والتعيين والرؤية والعيب والتدليس والغبن -تعطي لمن له الخيار حق فسخ العقد- رفعاً لما قد يتعرض له من حرج في حالة لزوم العقد.

أما خيار المجلس -فهو لا يتعلق بلزوم العقد بل بانعقاده- فهو يعطي للمتعاقدين حق الرجوع عن العقد- إلى حين انفضاض المجلس، فإذا انفض فلا خيار- وهذا طبعاً عند القائلين بخيار المجلس وهم الشافعية والحنابلة، بل إن بعض الباحثين “د/السنهوري”(2) يرى أن يكون هناك مجلسان:

مجلس العقد، وينفض بالقبول، أو بالإعراض عن التعاقد

ومجلس الخيار ، ويعقب مجلس العقد فوراً ، ولا ينفض إلا بتفرق المتعاقدين بالبدن.

أما الحنفية والمالكية فهم ينكرون خيار المجلس، حيث إن المجلس ينفض عندهم -ضرورة – بصدور القبول، ومن ثم لا يكون هناك خيار.

أما إذ تحدثن عن القانون الوضعي الجزائري فهو يشترط ان يكون  المبيع معينًا تعين كافيًا

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

[1]  – د.محمد صبري السعدي: الواضح في شرح قانون المدني، عقد البيع و المقايضة، الصفحة 58.

[2]  – د.سي يوسف زاهية حورية،الوجيز في عقد البيع ،دار الامل للطباعة و النشر و التوزيع2008،ص66

[3]  -د.خضراوي،اسئلة واجوبة في عقد البيع،محاضرات2009

[4]  – د.محمد حسن قاسم :الموجز في عقد البيع،دار الجامعة للنشر سنة 1992،ص142

[5]  -د.سي يوسف زاهية حورية مرجع سابق ص 75

[6]  -د.سي يوسف زاهية حورية،مرجع سابق،ص77

[7]  -الشيخ المحامي الدكتور مسلم يوسف الخيارات في الفقه الإسلامي،2009 ص53

[8] -السنهوري الوسيط في شرح القانون المدني،(البيع و المقايضة)،ج4،دار إحياء التراث العربي،القاهرة،د ت ن.ص120

[9]  -د.السنهوري،مرجع سابق ص122

[10]  -د.مسلم يوسف،مرجع سابق ص57

قائمة المراجع

1/ د. السنهوري الوسيط في شرح القانون المدني،(البيع و المقايضة)،ج4،دار إحياء التراث العربي،القاهرة ،د ت ن.

2/ د.سي يوسف زاهية حورية: الوجيز في عقد البيع،دراسة مقارنة باجتهادات قضائية وفقهية،2008 .

3/ الشيخ المحامي الدكتور مسلم اليوسف،الخيارات في الفقه الإسلامي.

4/ د.محمد صبري السعدي: الواضح في شرح القانون المدني عقد، دار الهدى الطباعة و نشر توزيع سنة 2008.

5/ د.خضراوي، محاضرة في عقد البيع سنة 2009.

6/ د.محمد حسن قاسم:الموجز في عقد البيع، دار الجامعة الجديدة للنشر، سنة 1992.