بحث قانوني كبير عن المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي

الفهـرس
المقدمة
الفصل التمهيدي: ماهية المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي…………………

المبحث الأول: مفهوم الشخص المعنوي……………………………………..

المطلب الأول: تعريف الشخص المعنوي……………………………………..

المطلب الثاني: عناصر ومقومات الشخص المعنوي…………………………….

المبحث الثالث: تطور فكرة المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي……………….
المطلب الأول: الجدل الفقهي حول طبيعة الشخص المعنوي محل المساءلة……….
..
المطلب الثاني: الاتجاه التشريعي حول فكرة المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي…..

الفصل الأول: مجال تكريس مبدأ المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في ظل تعديل قانون العقوبات والإجراءات الجزائية………………………………………………..

المبحث الأول: الأشخاص المعنوية المعنيةبهذه المسؤولية………………………….

المطلب الأول: الأشخاص المعنوية العامة………………………………………..

المطلب الثاني: الأشخاص المعنوية الخاصة………………………………………

المبحث الثاني: الجرائم المرتكبة في إطار المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي…..

المطلب الأول: الجرائم الواقعة على الأشخاص………………………………….

المطلب الثاني: الجرائم الواقعة على الأموال

المبحث الثالث: شروط قيام المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية……………..

المطلب الأول: ارتكاب الجريمة لحساب الشخص المعنوي………………………
المطلب الثاني:ارتكاب الجريمة من طرف جهاز أو ممثل الشخص المعنوي……….
الفصل الثاني:النظام العقابي المستحدث لتطبيق المسؤولية الجزائيةللشخص المعنوي.
المبحث الأول: الأحكام الإجرائية الخاصة بالمتابعة الجزائية للأشخاص المعنوي
المطلب الأول: الاختصاص القضائي
المطلب الثاني: إجراءات المتابعة الجزائية للشخص المعنوي
المبحث الثاني: الجزاءات المطبقة على الشخص المعنوي
المطلب الأول: العقوبات المطبقة على الشخص المعنوي
المطلب الثاني: التدابير المتخذة في مواجهة الشخص المعنوي
المبحث الثالث: مجال تطبيق العقوبة على الأشخاص المعنوية………………….
المطلب الأول: وقف تنفيذ العقوبة…………………………………………….

المطلب الثاني:الإعفاء من العقوبة أو تأجيل النطق بها…………………………..

الخاتــــمة…………………………………………………….. .

مقدمــــــة:

إن المسؤولية الجزائية باعتبارها مسؤولية قانونية يقصد بها ثبوت الجريمة إلى الشخص الذي أرتكب فعلا غير مشروع يصبح بمقتضاه مستحقا للعقوبة التي قررها القانون .
وإذا كان محل المساءلة الجزائية قديما هو الإنسان ” الشخص الطبيعي” فإن قيام جماعة الأفراد إلى جانب هذا الأخير لتحقيق ما يعجز عنه بمفرده خدمة له ولغيره، جعلها ذات كيان مميز عن كيان الأفراد الذي تتكون منه، إذ أنها لم تغن بغناء أحدهم وظهرت بالتالي فكرة الشخص المعنوي أو الإعتباري التي أفرزت عدة نظريات قانونية بعضها أعتبره شخصية افتراضية، والبعض الآخر حقيقة، وثالث جعل منه تقنيه قانونية، لينتهي الأمر إلى الاعتراف بالشخص المعنوي كطرف للحق متمتع بالشخصية القانونية .
وإذا كان الشخص المعنوي في الماضي يلعب دورا محدودا في الحياة الاجتماعية فإن التطورات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية في العصر الحديث أدت إلى انتشار هذه الأشخاص واتساع نطاق نشاطاتها وأصبحت تقوم بدور على درجة كبيرة من الأهمية في مختلف المجالات وتتملك العديد من الإمكانيات والوسائل الضخمة والأساليب الحديثة لاستخدامها فيما تمارسه من أنشطة، وبالتالي فكما بإمكانها تحقيق فوائد كبيرة للمجتمع والأفراد على السواء فإن بعضها قد يقع في الأخطاء وقد يرتكب أفعالا تلحق أضرار إجتماعية جسيمة تفوق الكثير الضرر الذي يحدثه الشخص الطبيعي عندما يرتكب جريمته نظرا لما يتمتع به من إمكانيات ووسائل.

و قد أدى هذا الانتشار إلى اتساع الجرائم المرتكبة الواقعـة منها على الأشخـاص أو الأموال، كالمساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات، تكوين جمعيات الأشرار، تبييض الأموال، وأضحى الشخص المعنوي غطاء يتستر به لإرتكاب أفعال مضرة بأمن الدولة في الداخل أو الخارج عن طريق ممثليه الذين يقومون بالتصرفات والأعمال المادية بإسمه ولحسابه الخاص.
وإذا كانت معاقبة الأشخاص الطبيعيين عن الأفعال التي ترتكب من قبلهم أثناء تأدية أعمالهم لدى الشخص المعنوي لا تكفي بمكافحة مثل هذه الجرائـم، فإنـه كان ينبغـي علـى الفقــه إعادة النظر في مساءلة الشخص المعنوي مدنيا و جنائيا.
وإذا كان الفقه والقانون قد أعترف بالمسؤولية المدنية للشخص المعنوي على أساس المسؤولية التقصيرية، فإن فكرة مساءلة هذا الأخير جزائيا ظلت إلى عهد قريب محل جدل فقهي واختلاف قضائي، إذ أن التشريعات الحديثة خاصة في القوانين ذات النظام اللاتينيوالتي يؤيدها جمهور الفقه، ظلت ترفض فكرة إقرار المسؤولية الجزائيـة للشخص المعنوي على أساس أنه من شروطها توافر الإرادة والتمييز في حين أنه يفتقد لهذين الشرطين.
فيما ذهبت التشريعات الأنجلو ساكسونية التي كان لها فضل السبق في الاعتراف بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي مادام بالإمكان مساءلته مدنيا وهو لا إرادة له معتبرين أن المنطق يقتضي ذلك.
وقد كان لتضارب الآراء على مستوى الفقه أثره على التشريعات والقضاء، فمنهم من أخذ بهذه المساءلة كمبدأ عام، ومنهم من جعلها في قوانينه كاستثناء، ومنهم من استبعدها جملة وتفصيلا.
وعلى غرار هذه التشريعات، أقر المشرع الجزائري بمبدأ المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية بعد تعاقب القوانين من الرفض الكلي، إلى الإقرار الجزئي، إلى التكريس الفعلي بموجب تعديل قانون العقوبات رقم 04/16 من حيث الجزاء، والقانون رقم 04/15 من حيث الإجراء، متعقبا في ذلك مسار التشريع الفرنسي الذي حسم بقانون 16/12/ 1992 الخلاف الفقهي والتردد القضائي حول مسؤولية الشخص المعنوي جزائيا بنص صريح، بعد مناقشات هامة ومفاوضات معقدة، لينتهي به الأمر إلى الاعتراف بمسؤولية جميع الأشخاص المعنوية باستثناء الدولة، بعد تكرار النصوص الخاصة في قوانين متعاقبة استجابة للضرورات العملية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، مؤكدا ما جاءت به مؤتمرات دولية عديدة في بوخارست، روما، بودبست، والقاهرة…3.
وأمام هذه التطورات الهامة، كان من الضروري تجسيد هذه المسؤولية على مستوى التشريع والقضاء، لتكييف قانون العقوبات مع التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها بلادنا، قصد التكفل بالأشكال الجديدة للإجرام الناتجة عنها.
لذا تتضح أهمية اختيارنا لموضوع “المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي” من الناحية النظرية أو العملية، في كونه موضوع لا يزال يتسم بالدقة ويثير العديد من المشاكل عند التطبيق، والراجعة أساسا إلى صعوبة ترجمة النصوص وإسقاطها على مفهوم وطبيعة الشخص المعنوي، خاصة وأن القضاء الجزائري لا يزال خام في هذا المجال، مما سيطرح لا محالة في القريب العاجل عدة إشكالات تتطلب الحل السريع، لمواكبة التطورات التي تشهدها بلادنا في جميع المجالات.
لذا فإن الإقرار بمبدأ المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في التشريع الجزائري خطوة جريئة إلا أنها تتطلب بالمقابل بعض التحليل للإجابة عن بعض المفاهيم الغامضة التي أفرزتها النصوص المستحدثة.
o فمن هو الشخص المعنوي؟
o وكيف يتحدد مجال قيام المسؤولية الجزائية اتجاهه؟
 من حيث الشروط الواجب توافرها.
 الأشخاص محل المساءلة.
 الجرائم موضع المتابعة.
o وما هو النظام العقابي لتجسيد هذه المسؤولية؟
 من حيث إجراءات المتابعة.
 العقوبات المستحدثة ومجال تطبيقها.
وللإجابة عن هذه التساؤلات، اعتمدنا في عرضنا منهجية تحليلية نقدية مقارنة، وفق ترتيب منطقي، حتى يمكننا الإلمام بقدر الإمكان بمضمون مبدأ تكريس المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي المستحدث بموجب تعديل قانوني العقوبات والإجراءات الجزائية بالموازاة مع ما سار فيه التقنين الفرنسي، إنطلاقا من إستقراء النصوص و التعليق عليها.
بحيث بدأنا البحث بفصل تمهيدي، عنوناه بماهية المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي، تطرقنا فيه إلى تحديد مفهوم الشخـص المعنـوي كمحـل للمساءلـة الجزائية، قبل أن نتقصـى التعاقب المرحلي لتطور نظرة كل من الفقه و التشريع الجزائري اتجاه التكريـس الفعلي لهذه المسؤوليـة.
لنفرد الدراسة في الفصل الموالي، للبحث عن مجال هذا الإقرار من حيث الأشخاص محل المساءلة و الجرائم موضع المتابعة مع تحديد الشروط الواجب توافرها.
و نختم بفصل مستقل للحديث عن النظام العقابي المستحدث لتكريس المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي، من خلال تحديد الأحكام الإجرائية، الجزاءات المقررة، ومجال تطبيقها.

الفصـل التمهيـدي
ماهيـة المسؤوليـة الجزائيـة للشخـص المعنـوي

إن ما تقدم بشأن مسؤولية الإنسان الحي المدرك المختار عن الجرائم التي يرتكبها، تقره التشريعات الحديثة قاطبة ولا تثير خلافا في الفقه أو القضاء، إلا أن القانون يعرف بجانب الشخص الطبيعي فكرة الشخص المعنوي أو الاعتباري، وهو من الموضوعات التي كانت مثار جدل ونقاش في الفقه والقضاء، وذلك لمعرفة ما إذا كان هذا الأخير باعتباره شخصا مميزا عن ممثله يسأل عن هذا الفعل و توقع عليه عقوبة، أي ينسب إليه الفعل على أساس أن صدوره عن ممثله بصفته هذه يعني صدوره منه؟
إن الإجابة على هذا التساؤل يقتضي منا أن نعرض في البداية إلى مفهوم الشخص المعنوي كمحل للمساءلة الجزائية، من خلال التطرق إلى تعريفه وتبيان عناصره ومقوماته (المبحث الأول).
قبل أن نتلمس تطور فكرة المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي من خلال استقراءها في كل من الفقه والتشريع الجزائـري، بداية من مرحلة عدم الإقـرار، إلى الإقرار الجزئـي، فالتكريس الفعلـي لهذا المبدأ في تعديـل كل من قانونـي العقوبـات والإجراءات الجزائيـة (المبحث الثاني)

المبحـث الأول
مفهـوم الشخـص المعنـوي

تفترض الشخصية القانونية وجود أشخاص معنوية إلى جانب الأشخاص الطبيعية كطرف للحق.
فهل يعني ذلك أن الشخص المعنوي كالشخص الطبيعي؟ أم يختلف كل منهما عن الآخر؟
للجواب نعطي لمحة سريعة عن الشخص المعنوي نتعرض من خلالها إلى:
التعريف به (مطلب أول).
استخلاص عناصره ومقوماته (مطلب ثاني)

المطلـــب الأول
تعريــــف الشخــص المعنـــوي

أعطيت الشخصية المعنوية عدة تعريفات:
منها ما قدمه الأستاذ رمضان أبو السعود بقوله: “الشخصية المعنوية ماهي إلا مجموعات من الأشخاص الطبيعية أو الأموال يجمعها غرض واحد، ويكون لهذه المجموعة شخصية قانونية لازمة لتحقيق هذا الغرض، منفصلة عن شخصية المكونين أو المنتفعين بها ” .
كما عرفها الدكتور عمار عوابدي بأنها: “كل مجموعة من الأشخاص تستهدف غرضا مشتركا، أو مجموعة من الأموال ترصد لفترة زمنية محددة لتحقيق غرض معين، بحيث تكون هذه المجموعة من الأشخاص أو الأموال كيانا قانونيا ” شخص قانوني” مستقلا عن ذوات الأشخاص والأموال المكونة له، له أهمية قانونية مستقلة وقائمة بذاتها لاكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات باسمه ولحسابه، كما أن هذه المجموعة لها مصلحة جماعية مشتركة ومستقلة عن المصالح الذاتية والفردية لأفراد المجموعة “.
وهناك أيضا من يعرفها على أنها “مجموعة من الأشخاص أو الأموال تتحد من أجل تحقيق غرض معين، ومعترف لها بالشخصية القانونية، وهو كيان له أجهزة خاصة تمارس عملا معينا وأن هذه الفكرة تنتج عنها مجموعة آثار من الناحية القانونية تجعل من هذا الشخص قادرا على إبرام العقود وله ذمة مالية خاصة به، كما يتمتع بأهلية التقاضي، وقد تم اكتشاف هذه الفكرة لإضفاء الشخصية القانونية على مجموعة أشخاص وأموال سواء في مجال القانون العام، كالدولة، الولاية والبلدية، أو القانون الخاص كالشركات والجمعيات “.
كما عرفها الدكتور سمير عالية ” بأنها تكتل من الأشخاص أو الأموال يعترف له القانون بالشخصية والكيان المستقل، ويعتبره كالشخص الطبيعي من حيث الحقوق والواجبات، وهي متعددة الأشكال إذ من بينها الدولة، المؤسسات العامة، المصالح المستقلة، البلديات، الجمعيات، النقابات، الشركات، وكل مجموعة من الأشخاص أو الأموال يعترف لها القانون بالشخصية المعنوية ” .
وما يمكن ملاحظته عن هذه التعريفات، أنها تنظر إلى الشخصية المعنوية من زاوية واحدة فتتفق في تعريفها على مجموع العناصر المكونة لها، والغرض الذي أنشئت من أجله، وكذا النتائج المترتبة عن الاعتراف بها.
واجتهادا منا نعرف الشخص المعنوي إجمالا على أنه “مجموعة من الأشخاص والأموال أنشئت من أجل تحقيق أغراض معينة يعجز عن القيام بها في فترة زمنية معينة قد تطول أو تقصر، مما ينتج عنها خلق شخص قانوني متميز ومستقل بذاته عن هؤلاء الأشخاص المكونين له، ويكون أهلا لاكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات باسمه ولحسابه الخاص”.
وإذا كان هذا تعريف الشخص المعنوي فما هي عناصره ومقوماته

المطلــب الثانــي
عناصـــر ومقومــات الشخـص المعنــوي

لتكوين الشخص المعنوي يجب توافر عناصر معينة فمنها الموضوعي، المادي، والمعنوي، ويشترط أن تتوافر في كافة أنواع الأشخاص المعنوية، ما عدا العنصر الشكلي فاشتراطه يختلف من حيث هو باختلاف الشخص المعنوي.

أولا/ العنصر الموضوعي:
وهو اتجاه إرادة الأفراد إلى إنشاء الشخص المعنوي، فللإرادة دور فعال في ذلك، فالشركات لا تنشأ إلا بعقد كما جاء في نص المادة 416 من القانون المدني وهو ذاته بالنسبة للجمعية إذ تنشأ بمقتضى اتفاق وفق نص المادة السادسة من قانون الجمعيات.

ثانيا/ العنصر المادي:
يتمثل في مجموعة من الأشخاص أو مجموعة من الأموال وفقا لنوع الشخص المعنوي المراد إنشائه، ففي مجموعة الأموال، كشركات المساهمة لا بد من توافر المال وأن يكون كافيا لتحقيق الغرض المقصود إضافة إلى العنصر الشخصي في مجموعات الأشخاص.

ثالثا/ العنصر المعنوي:
يجب أن يكون غرض الشخص المعنوي يهدف إلى تحقيق مصلحة المجموعة، سواء كان هدفا عاما يحقق بذلك المصلحة العامة أو خاصا بجماعة معينة كمصلحة الشركاء في الشركة، ولابد من تحديد الغرض ماليا كان أو غير مالي، إضافة إلى شرط المشروعية وعدم مخالفته للنظام العام والآداب العامة.

رابعا/ العنصر الشكلي:
هذا العنصر مهم جدا في تكوين بعض الأشخاص المعنوية، خاصة منها ما يتطلب فيها القانون الرسمية والشهر أو يلزم الحصول على ترخيص خاص لاكتساب الشخصية المعنوية، كالشركـة اشتـرط أن يكـون عقدهـا مكتوبا في شكل رسمي وإلا كانت باطلــة وفقــا للمادة 418 قانون مدني جزائري، والمادة 545 من القانون التجاري، إضافة إلى الشهر وفق إجراءات القيد في السجل التجاري تبعا لأحكام المادة 417 من القانون المدني.
وبتوافر هذه العناصر يتم الاعتراف بالشخص المعنوي، بعد تدخل المشرع لإنشائها وإعطائها الصبغة القانونية ككيان لموجود قانوني ومحدد وهو ما يعرف بالاعتراف العام، كما يمكن أن يفرد القانون للأشخاص الاعتبارية الذين لا تنطبق عليهم الشروط العامة وصفا خاصا ويتدخل حالة بحالة لإنشاء ها بتشريعات خاصة، وهو ما يعرف بالاعتراف الخاص كما هو الحال بالنسبة للجمعيات .
ويترتب على الاعتراف بالشخصية المعنوية نتائج هامة أشارت إليها المادة 50 من القانون المدني بقولها:
“يتمتع الشخص الاعتباري بجميع الحقوق إلا ما كان منها ملازما لصفة الإنسان وذلك في الحدود التي يقررها القانون يكون لها:
ذمة مالية.
أهلية في الحدود التي يعينها عقد إنشاءها أو التي يقررها القانون.
موطن وهو المكان الذي يوجد فيه مركز إدارتها.
نائب يعبر عنها.
حق التقاضي.

لذلك فمن المسلم به قانونا أن الشخص المعنوي يمكن له أن يتملك الأموال وأن يتعاقد بواسطة من يمثلونه قانونا، وأن يتمتع بكافة الحقوق عدا ما يكون ملازما لصفة الشخص الطبيعي، كما أنه يسأل مسؤولية مدنية سواء في ذلك مسؤولية عقدية أو تقصيرية، ويلتزم في ذمته بدفع التعويضات التي تستحق بسبب ما يرتكبه ممثلوه من أفعال ضارة باسمه ولحسابه، على أساس المسؤولية عن فعل الغير كقاعدة عامة .

لكن قد يرتكب ممثلوا الشخص المعنوي باسمه ولحسابه أفعالا إجرامية، أو يخالفون الغرض من إنشائه، أو يوجهوا نشاطه إلى بعض صور السلوك التي يعاقب عليها القانون.
فإلى أي مدى يمكن مساءلة الشخص المعنوي ذاته باعتباره شخصا قانونيا مستقلا عن الشخص الطبيعي مرتكب الجريمة؟ وبعبارة أخرى هل يسأل الشخص المعنوي عن الجريمة التي ترتكب باسمه ولمصلحته الخاصة ممن يمثله قانونا أو يعمل لديه؟
من السهولة أن نجيب بنعم عن السؤال المطروح، إلا أن تأصيل ذلك صعب لأنه لم يأت من العدم، بل خضع لتطور مستمر سواء في الفقه أو التشريع وهو ما سنعرفه في المبحث الموالي.

المبحـث الثانـي
تطور فكرة المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي

يعد إقرار مبدأ المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية أهم تجديد أتى به تعديل كل من قانوني العقوبات رقم04-15 المؤرخ في 10 نوفمبر 2004، وقانون الإجراءات الجزائية رقم 04-14 الصادر بذات التاريخ.
وإقرار هذا المبدأ لم يأت من فراغ، بل سبقته مناقشات فقهية منذ نهاية القرن الماضي، ووضع قضائي خضع للتطور من إنكار مطلق، إلى محاولة التخفيف من غلو هذا الإنكار، إلى التكريس الفعلي لهذا المبدأ، فضلا عن بعض الاستثناءات التشريعية وردت على المبدأ العام السائد والذي مفاده أن القانون الجنائي لا يطبق إلا على الأشخاص الطبيعيين، والتي من خلالها تبلورت إشكالية المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية في حالة ما إذا ارتكب أحد ممثلي هذا الأخير جريمة باسمه ولحسابه.
فهل يمكن أن يسأل عنها بجانب مسؤولية الشخص الطبيعي؟
الإجابة عن هذا السؤال خضعت للتطور سواء في الفقه أو التشريع وهو ما سنعالجه من خلال هذا المبحث بداية بتحديد:
موقف الفقه من طبيعة الشخص المعنوي “مطلب أول”.
الاتجاه التشريعي المرحلي لتكريس هذه المسؤولية ″مطلب ثاني″

المطلــب الأول
الجـدل الفقهـي حـول طبيعـة الشخـص المعنـوي محـل المساءلـة

لقد ظـل الفقــه طـوال القرن الماضـي يردد القول بعدم مسؤولية الشخص المعنوي جزائيا، إلى أن بدأ في نهاية القرن التاسع عشر وعلى وجه التحـديد في رسالة الفقيــه الفرنسي A Maestre سنة 1899 يعتنق صراحة الفكرة القائلة بإمكانية مساءلة الشخص المعنوي جزائيا .
ورغم ذلك وخلال القرن العشرين ظل الرأي في الفقه بين مؤيد ومعارض، وإن كان ميدان المعارضة أخذ ينحسر تدريجيا مفسحا المجال لأنصار هذه المسؤولية وللمعارضين والمؤيدين وجهة نظرهم التي أسندوا عليها .
فمؤدي الرأي المعارض الذي دافع عليه على وجه الخصوص فقهاء القرن التاسع عشر، أنه لا يمكن مساءلة الشخص المعنوي جزائيا، ذلك لأن المسؤولية الجزائية تبنى على الإرادة والإدراك أي على عناصر ذهنية لا تتوافر إلا في الأشخاص الطبيعيين.
فعلى مستوى الإسناد، يستحيل من الناحية القانونية أن تسند لشخص معنوي خطأ شخصيا حيث لا يتوافر له وجود حقيقي ولا يتمتع بالإرادة، والمسؤولية الجزائية تستلزم لقيامها خطأ شخصيا يتمثل في إمكانية إسناد هذا الخطأ للشخص الذي ارتكبه .
لذا فالنتيجة المنطقية لهذه الحقيقة، هي أن الشخص المعنوي هو محض خيال Fiction ou personne incorporelle ولا يمكن أن يكون محلا للمسؤولية الجزائية، ذلك أنه إفتراض قانوني إقتضته الضرورة من أجل تحقيق مصالح معينة ولا يتصور إسناد الجريمة إليه من الناحيتين المادية والمعنوية .
وعلى مستـوى العقوبـة، فهنـاك عقوبـات يستحيـل توقيعهـا على الشخص المعنوي كالإعدام والعقوبـات السالبـة للحريـة، وإن أمكن توقيع بعضها فسوف نصيب بلا شــك الأشخاص الطبيعييـن (مساهمين أو أعضاء) وهـؤلاء الأشخاص لا ذنب لهـم في وقـوع الجريمــة، و بالتالــي يؤدي تطبيقها على الشخص المعنوي إلى التعارض مع مبدأ شخصية العقوبة الذي يفيد عدم توقيعها إلا على من ساهم شخصيا في وقوع الجريمة .
بينما يرى أصحاب الرأي المؤيد لإقامة المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي الذي دافع عليه على وجه الخصوص الفقهاء المعاصرون، أن الشخص المعنوي أصبح حقيقة قانونية reality juridique ليست في حاجة إلى إثبات حاليا كما أضحت إمكانية ارتكابه للجرائم حقيقة مؤكدة في مجال علم الإجرام une reality criminologique.
وقد سبق للقانون المدني والتجاري الاعتراف لهذه الجماعات بالشخصية الحقيقية، وحان الوقت ليعترف قانون العقوبات لها بذلك خاصة وأن حياتها المستقلة عن حياة أعضائها تتميز بإرادة ونشاط يختلفان عن إرادة ونشاط مكونيها.
ومن جهة أخرى فإن تنوع العقوبات التي يمكن أن تنزل بالشخص المعنوي من غرامة، مصادرة، إغلاق، وحل لا يشكل عائقا أمام معاقبتها.
لذا أخذت المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي تتبلور شيئا فشيئا، حتى أصبحت حقيقة واقعة في عدد كبير من التشريعات، كإنجلترا منذ سنة 1889، كندا، الولايات المتحدة الأمريكية، إيطاليا، ففرنسا بصدور قانون العقوبات الجديد بتاريخ 16/12/1992، ومن البلدان العربية نجد قانون العقوبات اللبناني، الذي كرس صراحـة مسؤوليـة الأشخـاص المعنويـة جنائيـا فـي المادة 210 منه .
فما هو موقف التشريع الجزائري من كل ذلك ؟

المطلــب الثانـي
الإتجـاه التشريعـي حول فكـرة المسؤوليـة الجزائيـة للشخـص المعنوي

إن إبراز موقف التشريع الجزائري خلال الحقبة السابقة لتعديل كل من قانوني العقوبات والإجراءات الجزائية له بالأهمية بما كان، حتى يمكننا معرفة اتجاه المشـرع إلى التكريــس المرحلي للمسؤولية الجزائية، الذي أملته عليه جملة التحـولات السياسيــة و الاقتصاديــة والاجتماعية التي عرفتها بلادنا، قصد إيجاد جوابا للتساؤل الذي فرض نفسه ولعدة سنوات حول ما إذا كان جائزا إقامة المسؤولية الجزائية ليس فقط على عاتق رئيس أو مدير المؤسسة بل على الشركة نفسها بصفتها شخصا معنويا ؟
وحتى نصل إلى الجواب سنتطرق إلى جملة التشريعات المرحلية المتعاقبة في كل من قانون العقوبات أو القوانين المكملة له المعالجة لهذه المسألة بداية من مرحلة:
 عدم الإقرار إلى
 الإقرار الجزئي إلى
 التكريس الفعلي لهذا المبدأ.

1) مرحلة عدم الإقرار:
كقاعدة عامة جاء بها قانون العقوبات لسنة 1966 الذي لم ينص في مواده على جزاءات تلحق بالشخص المعنوي.
فنصت المادة التاسعة منه في بندها التاسع على عبارة “حل الشخص الاعتباري” ضمن العقوبات التكميلية التي تجيز الحكم بها في الجنايات والجنح، وهذا ما قاد إلى الاعتقاد بأن المشرع الجزائري يعترف ضمنيا بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي، إلا أن هذا الرأي مردود لعدة أسباب .
• أنه لا يوجد أي دليل يمكن الاستناد إليه للقول بأن عقوبة “حل الشخص الاعتباري” عقوبة مقررة لشخص معنوي ارتكب جريمة باسمه ولحسابه، والواقع أنها عقوبة تكميلية مقررة للشخص الطبيعي الذي يرتكب جناية أو جنحة.
• إضافة إلى أن الوارد في هذه الفقرة هو تدبير أمن شخصي لا يوقع إلا على الأشخاص الطبيعيين، لأنه يفترض فيهم أنهم وحدهم قادرون على مزاولة مهنة أو نشاط أو فن، وبذلك يكون حكم المادة 23 الذي يحدد حالات تطبيق هذا التدبير قاصرا على الأشخاص الطبيعيين دون الأشخاص الاعتباريين.
ثم أن المشرع الجزائري قد أفرغ هذه العقوبة من محتواها في نص المادة 17 التي جاءت لتوضيح مفهوم العقوبة، وشروط تطبيقها و ذالك بكيفيتين:
 الأولى/ تتمثل في كون المشرع لم يعد يتكلم عن حل الشخص المعنوي، و إنما تحدث عن منع الشخص الاعتباري من الاستمرار في ممارسة نشاطه.
 الثانية/ تتمثل في كون المشرع لم يحدد شروط العقوبة سالفة الذكر، وحيث أنها عقوبة تكميلية فلا يجوز الحكم بها إلا إذا نص القانون عليها صراحة كجزاء لجريمة معينة، وبالرجوع إلى قانون العقوبات و القوانين المكملة له لا نجد فيها إطلاقا حل الشخص المعنوي كعقوبة لجناية أو جنحة .
هذا يحيلنا إلى إشكال آخر ورد في المادة 647 من قانون الإجراءات الجزائية المدرجة ضمن الباب الخامس، الذي ينظم أحكام “صحيفة السوابق القضائية” فهذه المادة تضع أحكاما خاصة بتحرير بطاقات صحيفة السوابق القضائية للشركات المدنية والتجارية، وتحدد المادة حالات هذه البطاقة فتنص في الفقرة الثانية “كل عقوبة جنائية في الأحوال الاستثنائية التي يصدر فيها مثلها على شركة”.
والسؤال الذي يطرح هنا: هل معنى ذلك أن المشرع الجزائري قد حاد على الأصل وأقر بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي؟
يرى الدكتور “رضا فرج” في شرحه لهذه المادة، بأن المشرع الجزائري بإيراده للفقرة السابقة الذكر يكون قد استبعد في الواقع إمكانية توقيع العقوبة على الشخص المعنوي، وبالتالي استبعد الاعتراف بمساءلته كقاعدة عامة، والفقرة جاءت لتقرير بعض الأحكام في الحالات الاستثنائية التي تصدر بشأنها نصوص خاصة توقع العقوبات الجزائية على الأشخاص المعنوية .
وما تجدر الإشارة إليه ونحن بهذا الصدد ما جاء به القانون رقم 09.01 المؤرخ في 26 جوان 2001 المعدل والمتمم لقانون العقوبات .
إذ جاء في المادة 144 مكرر 1و المادة 146 المعدلتان، حديث عن النشرية التي تسيء إلى رئيس الجمهورية، أو الهيئات النظامية أو العمومية، بنشرها عبارات تتضمن إهانة، سبا أو قذفا حيث تتعرض هذه النشرية للعقوبات الجزائية المجسدة في الغرامات المالية.
إلى أن السؤال يثور حول من يتحمل المسؤولية الجزائية عن هذه الجرائم الناتجة عن مقال صحفي، عنوان يومي، رسم كاريكاتوري، هل تؤول إلى الصحفي الذي قام بهذا العمل شخصيا، أو إلى المسؤول عن النشرية باعتباره من سمح بنشر مثل هذه المقالات أو الرسوم، أم مساءلة النشرية ذاتها؟
للإجابة على ذلك لا بد من تحديد مدى تمتع النشرية بالشخصية المعنوية من عدمه، لأنه سبق وأن توصلنا إلى أن أي كيان قانوني حتى يمكن مساءلته لا بد من أن يتمتع بالشخصية المعنوية قبل كل شيء.
غير أنه ما يبدو غريبا في هذه المسؤولية، هو التناقض الذي وقع فيه المشرع في القانون 90/07 المتعلق بالإعلام فمن جهة يقرر أن النشرية هي عبارة على شركات أو مؤسسات بما يترتب على ذلك من آثار، ثم يأتي في الباب الرابع تحت عنوان “المسؤولية وحق التصحيح وحق الرد” في المادة 41 منه ليقرر أنه “يتحمل المدير أو كاتب المقال أو الخبر مسؤولية أي مقال ينشر في نشريه دورية أو أي خبر يبث بواسطة الوسائل السمعية البصرية” وهو موفق واضح في تحديد الجهة المسؤولة، لكن بالمقابل في الباب السابع المتعلق بالأحكام الجزائية في المادة 79 يقرر نوعان من العقوبات الخاصة بالأشخاص المعنوية، في الغرامة والوقف.
ومن هذا التحليل نجد أن تطبيق القواعد العامة أمرا حتميا، خاصة بعد تعديل قانون العقوبات في 26جوان 2001، إذ أن الأصل هو تطبيق القانون العام ما لم يرد نص خاص يقيده، وهو ما كان معمول به بموجب قانون الإعلام 90/07 إلى غاية تعديل 2001 الذي أقر المسؤولية الجزائية للنشرية.
انطلاقا مما سبق نلاحظ أن المشرع الجزائري في قانون العقوبات لم يتبنى المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي بنص صريح، وإنما نص عليها بصورة ملتوية محددة في نص وحيد، مما يدفعنا إلى البحث في النصوص القانونية الخاصة.

2)مرحلة الإقرار الجزئي :
ظهر من خلاله اتجاه المشرع إلى الإقرار الجزئي بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي، فجاء القانون رقم 90/36 المعدل بالقانون رقم91/25 في المواد من 4 إلى 57 حيث نصت المادة 303 منه المقطع 09 على ما يلي: “عندما ترتكب المخالفة من قبل شركة أو شخص معنوي آخر تابع للقانون الخاص، يصدر الحكم بعقوبات الحبس المستحقة وبالعقوبات التكميلية ضد المتصرفين، والممثلين الشرعيين، أو القانونيين للمجموعة.
ويصدر الحكم بالغرامات الجزائية المستحقة ضد المتصرفين أو الممثلين الشرعيين، وضد الشخص المعنوي، دون الإخلال فيما يخص هذا الأخير، بالغرامات الجبائية المنصوص على تطبيقها”
كما جاء في الأمر رقم 96/22 المعدل والمتمم بالأمر رقم 03/01 صراحة في المادة الخامسة منه “يعتبر الشخص المعنوي الخاضع للقانون الخاص دون المســـاس بالمسؤولية الجزائية لممثليه الشرعيين، مسؤولا عن (مخالفات الصرف) المرتكبة لحسابه، من قبل أجهزته أو ممثليه الشرعيين”.
وما يلاحظ على هذا النص، أنه لم يحصر الأشخاص المعنوية ولم يفرض عليها قيدا، على خلاف التشريعات المقارنة وهو ما تداركه المشرع بتعديل رقم 03/01 ليحدد الأشخاص المعنوية الخاصة كمحل للمساءلة الجزائية، إضافة إلى شروط قيام المسؤولية –أن ترتكب لحسابه، ومن قبل أجهزته أو ممثليه- مع تبيان إجراءات المتابعة والعقوبات المطبقة.
وإلى جانب ذلك نجد القانون رقم 03/09 ،يعاقب في المادة 18 منه، الشخص المعنوي الذي يرتكب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في ذات القانون في المواد من 9 إلى 17 بغرامات مالية تعادل خمس مرات الغرامة المقررة للشخص الطبيعي.
ويبقى لنا أن نشير إلى بعض النصوص القانونية الأخرى التي أقرت صراحة بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي، إلا أنها ألغيت بتعاقب القوانين، كالأمر رقم 37.75 المؤرخ في 19 أفريل 1975، المتعلق بالأسعار وقمع المخالفات الخاصة بتنظيمها، الذي ألغي بالقانون رقم 12.89 المؤرخ في 05/07/1989، متخليا بذلك عن المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي، وبالمقابل نجد بعض النصوص التي أقرت ضمنيا هذه المسؤولية، كالأمر رقم 06.95 المؤرخ في 25/01/1995 المتضمن قانون المنافسة .
ومن خلال ما سبق ذكره، نلاحظ أمام الخلط والغموض الذي أضفاه المشرع الجزائري على قانون العقوبات أو حتى في القوانين الخاصة، جعل من مسألة المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي أكثر تعقيدا عند ترجمة هذه النصوص عند التطبيق.
لذا كان أمام القضاء الجزائري أن استبعد صراحة في عدة مناسبات المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي،حيث رفض بناء على مبدأ شخصية العقوبة وتفرديها الحكم على الشخص المعنوي بالجزاءات الجبائية المقررة في قانون الجمارك،كما رفض تحميل وحدة اقتصادية مسؤولية دفع الغرامة المحكوم بها على مديرها من أجل ارتكاب جنحة إصدار شيك بدون رصيد لحساب المؤسسة .
كما تجاهـل المجلــس القضائي بعناية الديـوان الوطني للحليـب، عند النظــر في جريمة سوء التسيير التي نسبت إلى المسؤول التجاري لهذا الديوان، عندما تم العثور علـى كميات كبيرة من الحليب متجاهلا كون هذا الأخير شخص معنوي ودون الأخذ لا بمسؤوليته الجزائية ولا حتى المدنية.
ويظهر الحرج الذي كان يحس به القضاء إزاء غياب النص الصريح على المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي، في القرار الصادر عن مجلس قضاء قسنطينة،تعود وقائعه إلى اتهام المدعو (وع) بترويج شيك بدون رصيد لصالح شركة تجارية (م) للإبقاء عليه كضمان، وبالفعل فإن الشركة المستفيدة أبقت على الشيك عندها ولم تقدمه إلا بعد حوالي ثمانية عشر شهرا عندها تبين أنه بدون رصيد، وكان من الطبيعي أن تدين محكمة الجنح الساحب بجنحة ترويج شيك بدون رصيد وقبول الشركة كطرف مدني .
لذا لا جدال في أنه بدون النص الصريح في القانون على هذه المسؤولية، وعلى العقوبات التي يمكن توقيعها على الأشخاص المعنوية، وعلى النظام الإجرائي الخاص بمحاكمته وتنفيذ العقوبة عليه، لا يمكن في ضوء تلك النصوص القول بأن القانون السابق كان يعترف بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي كقاعدة عامة، وبالمقابل لم ينكر إمكانية ذلك وهو ما تضمنته العديد من النصوص القانونية الخاصة.

3)مرحلة التكريس الفعلي لمبدأ المسؤولية الجزائية:
وهو ما خلص له تعديل كل من قانون العقوبات 04/15 المؤرخ في 10/11/2004، وقانون الإجراءات الجزائية رقم 04/14 الصادر بذات التاريخ، بعد أن قادت إليه عدة دوافع واعتبارات ذاتها التي مرت بها كل التشريعات التي أقرت بالمسؤولية الجزائيـة للشخــص المعنوي، وعلى رأسها القانون الفرنسي -نظرا لتطابق التشريعيـن-، مما أدى إلــى استحداث مسؤولية جزائية محددة من ناحية الأشخـاص والجرائم، ومشروطة لإعمالها يجب أن ترتكب لحساب الشخص المعنوي بواسطة أعضائه أو ممثليه، دون أن تنفي مسؤولية الشخص أو الأشخاص الطبيعيين فاعلين كانوا أو شركاء في الجريمة التي يسأل عنها الشخص المعنوي.
فما هو مجال تطبيق هذه المسؤولية؟
وما هو النظام العقابي المستحدث لتكريس ذلك؟

الفصل الأول

مجال تكريس مبدأ المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في ظل تعديل قانوني العقـوبات والإجراءات الجزائيـة

قبل إقرار المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي بموجب تعديل قانوني العقوبات والإجراءات الجزائية، كان هذا الأخير موضع مساءلة مدنية فقط، إلا أن التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها بلادنا جعلت المشرع ينظر للشخص المعنوي من جانب جزائي متعديا بذلك إطار التعويض المدني مما فرض عليه استحداث مجال لمساءلته جزائيا.
لذا سوف نحاول من خلال هذه الدراسة إبراز كيفية تنظيمه للمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في كل من قانوني العقوبات والإجراءات الجزائية، وهذا يعني أننا سنتناول هذا الموضوع من الوجهة التشريعية، بداية بتحديد الأشخاص المسؤولة جزائيا وفقا للمادة 51 مكرر من قانون العقوبات، وهذا يستوجب أن نفرق بين الأشخاص المعنوية العامة والخاصة نظرا لخصوصية المشاكل المتعلقة بالنوعين (مبحث أول).
كما يستلزم أن نتطرق إلى الجرائم التي من شأنها أن تسند للأشخاص الاعتباريين انطلاقا من النصوص القانونية التي تفرض لكل جريمة نص خاص في إطار مبدأ الشرعية (مبحث ثاني).
لنخلص في الأخير إلى الشروط الواجب توافرها لقيام المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية من حيث المتابعة، التحقيق و المحاكمة (مبحث ثالث)

المبحث الأول
الأشخاص المعنوية المعنية بهذه المسؤوليـة

على عكس المشرع الفرنسي الذي لم يجعل من المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية مبدأ عاما، فإن قرر هذه المسؤولية لكافة الأشخاص المعنوية الخاصة، إلا أنه قيد هذا المبدأ فيما يتعلق بالأشخاص المعنوية العامة، إذ استبعد من نطاق المادة 121/2 قانون عقوبات كل من الدولة والتجمعات المحلية، بالمقابل حصرت المادة 51 مكرر مجال المسؤولية الجزائية في أشخاص القانون الخاص، إذ استثنت كل من الدولة، الجماعات المحلية و الأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون العام.
وإن كانت التشريعات التي اعتمدت مبدأ المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي تتفق في مجملها على استثناء الدولة بالمفهوم الضيق من مجالها، فالأمر على خلاف ذلك بالنسبة للأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون العام وبدرجة أقل الجماعات المحلية.
أمام هذا وجب تحديد الأشخاص المعنوية المسؤولة جزائيا وفقا للمادة 51 مكرر
بداية بالأشخاص المعنوية العامة “مطلب أول”.
فالأشخاص المعنوية الخاصة “مطلب ثاني”.

المطلـــب الأول
الأشخــاص المعنويــــة العامــــة

يبدو لنا أنه مما يتجاوز حدود هذه الدراسة البحث عن الأشخاص المعنوية العامة بصفة تفصيلية، فقد تكفل الفقه والقضاء الإداري بتعريفها وبيان التفرقة بينها وبين الأشخاص المعنوية الخاصة، ونعتقد أن القضاء الجنائي في تحديده للمقصود بالشخص المعنوي سوف ينطلق من معطيات القانون الإداري في هذا الشأن .
إلا أن هذا لا يمنع من توضيح بعض الملابسات التي تركها المشرع في مفهوم المادة 51 مكرر، خاصة ما تعلق منها بالأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون العام وأسباب استبعادها من مجال المسؤولية الجزائية.
وقبل ذلك يتعين علينا أن نحدد مفهوم كل من الدولة والجماعات المحلية كأشخاص معنوية إقليمية.
فأما الدولة يقصد بها الإدارة المركزية “رئاسة الجمهورية، رئاسة الحكومة، الوزارات،…” ومصالحها الخارجية “المديريات الولائية ومصالحها”، فلاستثنائها ما يبرره باعتبارها تضمن حماية المصالح الجماعية منها والفردية، وتتكفل بتعقب المجرمين ومعاقبتهم.
وأما الجماعات المحلية التي استثناها المشرع الجزائري ويقصد بها الولاية والبلدية، فقد اختلفت التشريعات بشأنها فمنها ما يستثنيها من المسؤولية، ومنها ما يبقى عليها ضمن الهيئات المسؤولة جزائيا، ومنها ما اتخذ موقفا وسطا كما هو حال القانون الفرنسي الذي لم يستثنيها، غير أنه حصر مسؤوليتها في الجرائم المرتكبة أثناء ممارسة أنشطة من المحتمل أن تكون محل اتفاقيات تفويض مرفق عام سواء كان الغير شخص من القانون الخاص أو القانون العام.
أمام هذا الوضع نتساءل عن أسباب الاستبعاد المطلق للجماعات المحلية من مجال المسؤولية الجزائية في نص المادة 51 مكرر، خاصة عندما يتعلق الأمر بالأعمال التي تصدر عنها بعيدا عن ممارستها لامتيازات السلطة العامة ؟
إضافة إلى هذا جاءت ذات المادة لاستبعاد الأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون العام دون تحديدها، على خلاف مجمل التشريعات التي تتفق على إخضاعها للمساءلة الجزائية، وهو ما يخالف مبدأ المساءلة أمام العدالة الذي يقرر ذات المسؤولية الجزائية في مواجهة الشخص الطبيعي الذي ارتكب نفس الأفعال، فإن كان المبرر الوحيد لعدم مساءلة كل من الدولة والجماعات المحلية هو عدم المساس بمبدأ الفصل بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية، وأنه من غير المعقول متابعة ومعاقبة هذا الأخير لهذه الفئات من الأشخاص، رغم أن الجماعات المحلية عادة ما تتصرف بعيدا عن امتيازات السلطة العامة، إلا أنه بالمقابل لا نجد ما يبرر الاستبعاد المطلق للأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون العام، على خلاف باقي التشريعات التي تتفق على تضمينها في إطار المسؤولية الجزائية أيا كانت هيكلتها القانونية .
ويقصد بها المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري أساسا، والمؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري بدرجة أقل، حسب ما جاء به القانون رقم 01/88 المؤرخ في 12/01/88 المتضمن قانون توجيه المؤسسات الخاضعة للقانون العام DROIT PUBLIC.

أ- مؤسسات عمومية ذات طابع إداري:EPA:
تمارس نشاطا ذا طبيعة إدارية، تتخذها الدولة و المجموعات الإقليمية المحلية كوسيلة لإدارة مرافقها الإدارية، وتخضع في أنشطتها إلى القانون العام، ومن هذا القبيل:
* المدرسة العليا للقضاء (ESM) مرسوم تنفيذي رقم 05/303 المؤرخ في 20/8/2005.
* الديوان الوطني للخدمات الاجتماعية (ONOU) (مرسوم تنفيذي رقم 95/84 المؤرخ في 22/3/1995).
* الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار (ANDI) (مرسوم تنفيذي رقم 01/282 المؤرخ في 24/9/2001).
* المستشفيات (مرسوم تنفيذي رقم 97/406 المؤرخ في 02/12/1997).
وقد أضاف القانون رقم 98/11 المؤرخ في 22/08/1998 المتضمن القانون التوجيهي والبرنامج الخماسي حول البحث العلمي والتطور التكنولوجي إلى هذه المؤسسات فئة أخرى وهي:
 المؤسسات العمومية ذات الطابع العلمي والتكنولوجي ومن هذا القبيل:
 مركز البحث في الاقتصاد المطبق من أجل التنمية ) CREADمرسوم تنفيذي رقم 85/07 مؤرخ في 17/12/1985 معدل بموجب المرسوم التنفيذي رقم 03/455 المؤرخ في 01/12/2003.
 مركز تنمية الطاقات المتجددة) CDER مرسوم تنفيذي رقم 85/07 مؤرخ في 22/03/1988 المعدل بموجب المرسوم التنفيذي رقم 03/456 المؤرخ في 1/12/2003.
 مركز البحث النووي مرسوم رئاسي رقم 99/86 المؤرخ في 15/أفريل/1999.
وأضاف القانون رقم 99/05 المؤرخ في 4/4/1999 المتضمن القانون التوجيهي للتعليم العالي:
 المؤسسات العمومية ذات الطابع العلمي والثقافي والمهني:
التي تشمل الجامعات والمراكز والمدارس ومعاهد التعليم العالي (مادة 38 من القانون رقم 99/05 والمادة 02 من المرسوم التنفيذي المؤرخ في 23/08/2003 المتضمن تحديد مهام الجامعة والقواعد الخاصة بتنظيمها وسيرها.
دون أن ننسى المؤسسات المتعلقة بالجيش والدفاع الوطني، كصندوق التقاعدات العسكرية (المادة 02 مرسوم رئاسي رقم 99/98 المؤرخ في 20/أفريل1999).

ب- مؤسسات عمومية ذات طابع صناعي وتجاري EPIC :
هي أشخاص عمومية تابعة للقانون الخاص، يكون موضوع نشاطها تجاريا وصناعيا مماثل للنشاط الذي تتولاه الأشخاص الخاصة، تتخذها الدولة والجماعات المحلية كوسيلة لإدارة مرافقها ذات الطابع الصناعي والتجاري، وهي تخضع في هذا لأحكام القانون العام، والقانون الخاص معا كل في نطاق معين كما جاء في المادة 45 من القانون رقم 88/01، هذا الأخير ولو أنه أدخل تحت طياته EPIC كأشخاص معنوية عامة، إلا أنها تبقى تثير غموض من حيث إخضاعها للمساءلة الجزائية بعد تعاقب التعديلات على القوانين الداخلية لهذه المؤسسات، وهو ما يثير نوع من الإشكال القانوني من حيث مكانتها في المساءلة بعد استحداث المسؤولية الجزائية ومن هذا القبيل:
 دواوين الترقية والتسيير العقاري EPGI (مرسوم تنفيذي رقم 91/147 المؤرخ في 12/05/1991.
 الوكالة الوطنية لتحسين السكن وتطويره AADL (مرسوم تنفيذي رقم 91/148 مؤرخ في 2/05/2001.
 الجزائرية للمياه ADEمرسوم تنفيذي رقم 01/101 مؤرخ في 21/04/2001).
 بريد الجزائر (مرسوم تنفيذي رقم 02/43 مؤرخ في 14/01/2002).
وبدرجة أقل هيئات الضمان الاجتماعي (مادة رقم 49/01 مرسوم تنفيذي رقم 92/07 المؤرخ في 04/01/1992). على اعتبار أنه لم يحدد الطبيعة القانونية لهذه الصناديق،على خلاف المرسوم السابق رقم 85/223 في المادة 2 منه، أين صنفها على أنها مؤسسات ذات طابع إداري.
وكل هذه الملابسات نرتقب زوالها في التعديلات اللاحقة لتحديد مجال هذه المسؤولية، أين يتمكن القاضي من تطبيقها بعيدا عن التخمينات التي تؤدي كثيرا من الأحيان إلى صدور أحكام متناقضة من حيث تكييف النظام القانوني لهذه المؤسسات كمحل للمساءلة من عدمه.

المطلـــب الثانـــي
الأشخــاص المعنويـــة الخاصـــة

وفقا لنص المادة 51 مكرر فإن كافة الأشخاص المعنوية الخاصة تسأل جنائيا عما يمكن أن ترتكبه من جرائم في الحالات التي ينص عليها القانون، مهما كان الشكل الذي تتخذه، أو الهدف الذي أنشأت من أجله، سواء كانت تهدف إلى تحقيق الربح أو تسعى إلى ذلك.
وهكذا تسأل جزائيا التجمعات الإدارية التي منحها المشرع الشخصية المعنوية أو القانونية، فيدخل فيها الشركات أيا كانت أشكالها: مدنية أو تجارية وأيا كان شكل إدارتها وأيا كان عدد المساهمين فيها، ويدخل في هذه الفئة أيضا الجمعيات ذات الطابع الاجتماعي، الثقافي، الرياضي، بمجرد إعلانها إلى الجهات الإدارية المختصة، والنقابات والتجمعات ذات الأهداف الاقتصادية، سواء كانت تابعة للقطاع الخاص أو القطاع العام، كالمؤسسات العمومية الاقتصادية بعد أن الغي الفصل الخاص بها بالقانون رقم 01/04 المؤرخ في 20/8/2001 المتعلق بتنظيم المؤسسات العمومية الاقتصادية و تسييرها وخوصصتها، سواء كانت في شكل شركات ذات أسهم كسونلغاز مادة 165 من القانون رقم 02/01 المؤرخ في 05/2/02 أو شركات اقتصادية مختلطة كمركب الحديد والصلب بعنابة، والشركة الجزائرية الألمانية-هنكل-لمواد التنظيف ENAD…
وبما أن المسؤولية الجزائية لا تتقرر إلا للأشخاص التي تتمتع بالشخصية المعنوية، فإن المادة 417 من القانون المدني نصت على أن الشركة كعقد تعتبر بمجرد تكوينها شخصا معنويا، غير أن هذه الشخصية لا تكون حجة على الغير إلا بعد استفاء إجراءات الشهر المنصوص عليها قانونا، على أن إخلال الشركة بهذه الإجراءات يخول للغير حق التمسك بتلك الشخصية في مواجهتها، أي أن الشخصية المعنوية للشركات المدنية تثبت لها من تاريخ تكوينها بالنسبة للأطراف ومن تاريخ استكمال إجراءات الشهر بالنسبة للغير.

أما بالنسبة للشركات التجارية فإن المادة 549 من القانون التجاري تنص″ لا تتمتع الشركة بالشخصية المعنوية إلا من تاريخ قيدها في السجل التجاري، وقبل إتمام هذا الإجراء يكون الأشخاص الذين تعهدوا باسم الشركة ولحسابها متضامنين من غير تحديد أموالهم، إلا إذا قبلت الشركة بعد تأسيسها بصفة قانونية أن تأخذ على عاتقها التعهدات المتخذة، فتعتبر بمثابة تعهدات الشركة منذ تأسيسها″

انطلاقا من ذلك لا مسؤولية جزائية على الأشخاص التي تتمتع بالشخصية المعنوية، وهو ما يثير خلافا حول إمكانية خضوع بعض الحالات للمسؤولية الجزائية، كالمجموعات أو التكتلات التي أنكر المشرع صراحة تمتعها بالشخصية المعنوية، كشركة المحاصة Société en participation التي لها صفة التستر ولا وجود لها اتجاه الغير، وهذا يعني أنه في حالة ارتكاب جريمة تحت غطاء هذه الشركة، فإن المسؤولية تقع على عاتق المديرين أو أعضاء الشركة ،إضافة إلى شركة الواقع Société de fait لأنها تعتبر شركة لاغيه فحالتها تتساوى مع وضع الشركة التي يتم حلها بواسطة القضاء.
وعلى هذا الأساس قيل أن معيار الشخصية المعنوية يعد عنصرا ضروريا في تقرير المسؤولية الجزائية، وأنه متى ثبتت لأي كيان قانوني أصبح من الممكن مساءلته جزائيا عن الجرائم التي يرتكبها وهو بصدد ممارسة نشاطه.
إلا أن اشتراط الشخصية المعنوية يثير من الناحية العملية إشكالية مدى مسؤولية الأشخاص المعنوية في مرحلة الإنشاء والتأسيس، ومرحلة التصفية ؟

1 – مرحلة الإنشاء والتأسيس:
تكتسب الشركة المدنية الشخصية المعنوية من يوم تكوينها، على خلاف الشركات التجارية من تاريخ القيد في السجل التجاري، فإذا ارتكبت جريمة خلال فترة تأسيس الشركة، فهل يمكن إخضاعها لأحكام المادة 51 مكرر من قانون العقوبات؟
سبق أن أوضحنا أن المشرع الجزائري قد نص على المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية، والاستناد إلى عبارات النص يقود إلى نفي المسؤولية الجزائية عن الشركة في مرحلة الإنشاء والتأسيس، طالما أنها لم تكتسب الشخصية المعنوية بعد.

2- مرحلة التصفية:
لا يترتب على حل الشركة مباشرة اختفاء الشخص المعنوي، إذ على الرغم من قرار الحل الصادر من القضاء فإنها تظل قائمة لتلبية احتياجات التصفية التي قد تأخذ وقتا طويلا فإذا ارتكبت جرائم باسم الشخص المعنوي وهو في هذه المرحلة فهل يجوز مساءلته جزائيا؟
الجواب كان محل اختلاف بين الفقهاء،إلا أننا نجد أن الهدف من إبقاء الشخصية القانونية للأشخاص المعنوية مستمرة بعد انقضاء الشركة طوال فترة التصفية لاتخاذ الإجراءات الضرورية وإبرام العقود والتصرفات، ستكون على هذا الأساس مسؤولة من الناحية الجزائية عن الجرائم المحددة في قانون العقوبات في المادة 51 مكرر على أن تكون قد ارتكبت خلال هذه الفترة لحساب الشخص المعنوي وباسمه من طرف أجهزته أو ممثليه، على غرار ما ذهب إليه المشرع الجزائري في المادة 766/02 .
ونشير في الأخير إلى أن الأشخاص المعنوية الأجنبية تكون خاضعة لذات المسؤولية الجزائية التي تخضع لها الأشخاص المعنوية متى كانت نشاطاتها خاضعة لأحكام قانون العقوبات الجزائري.

المبحث الثانـي
الجرائـم المرتكبة في إطار المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي

خلافا للشخص الطبيعي الذي يمكن متابعته جزائيا من أجل أية جريمة منصوص ومعاقب عليها في قانون العقوبات وباقي النصوص العقابية الأخرى متى توافرت أركان الجريمة وشروط المتابعة، فإنه لا يجوز متابعة الشخص المعنوي ومساءلته جزائيا إلا إذا وجد نص يفيد بذلك صراحة. ذلك أن مسؤولية الشخص المعنوي خاصة ومتميزة إضافة إلى خضوعها لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ،إذ لا جريمة ولا عقوبة ولا تدابير أمن إلا بنص.
غير أن المطلع على التشريعات التي أقرت هذا النوع من المسؤولية يكتشف أنها لم تحصرها في جرائم معينة، بل عملت على توسيع نطاقها والحفاظ على خصوصيتها.
وهكذا يسأل جزائيا الشخص المعنوي في القانون الفرنسي عن كافة الجرائم الواقعة على الأموال أو الأشخاص أو الدولة…
فهل هو ذات النهج الذي سلكه المشرع الجزائري في تعديل قانون العقوبات، بعد الإقرار الصريح لمبدأ المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي ؟
الجواب سيكون بالنفي وهو ما سيتم عرض أسبابه عند التطرق إلى الجرائم محل المساءلة سواء منها الواقعة على الأشخاص- تكوين جمعية الأشرار- “مطلب أول”
أو الواقعة على الأموال: * تبييض الأموال.
* المساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات-“مطلب ثاني”.

المطلـــب الأول
الجرائـــم الواقعـــة علـى الأشخـــاص

على خلاف المشرع الفرنسي الذي نص تحت عنوان”الجرائم ضد الأشخاص” بعد إقراره بمسؤولية الشخص المعنوي، على37 جريمة من معدل89 لتشمل بذلك كل الجرائم العمدية وغير العمدية إضافة إلى التعديلات المتعاقبة والقوانين المستحدثة لتوسيع إطار هذه المسؤولية حتى تصل إلى عدد كبير من الجرائم، وهو ما تم تفعيله من طرف القضاء بتأكيده على مسؤولية هذا الأخير عن أي خطأ من شأنه تعريض حياة أو صحة الأفراد إلى خطر دونما أي تحديد إذا كان بصورة عمديه أو غير عمديه.
نجد بالمقابل المشرع الجزائري الذي ضيق في مجال هذه المسؤولية وحصرها من حيث الجرائم الواقعة على الأشخاص في: جريمة تكوين جمعية الأشرار.
فما مدلولها وما هي أركانها وشروط قيامها في مواجهة الشخص المعنوي ؟
تفعيلا لمبدأ إقرار المسؤولية الجزائية في إطار مبدأ المشروعية جاء في القسم الأول من الفصل السادس النص عن جريمة تكوين جمعيات الأشرار ومساعدة المجرمين.
فنصت المادة 177 مكرر1″يكون الشخص المعنوي مسؤولا جزائيا وفقا للشروط المنصوص عليها في المادة51 مكرر أعلاه عن الجرائم المنصوص عليها في المادة 176 من هذا القانون”.
وبالرجوع إلى المادة176 قانون عقوبات التي تضع لنا الإطار العام لهذه الجريمة المتمثل في القيام بأعمال تحضيرية بغرض الإعداد لجناية أو جنحة معاقب عليها بخمس سنوات حبس على الأقل ضد الأشخاص أو الأملاك، و الأصل أن مثل هذه الأفعال غير معاقب عليها لانتفاء البدء في التنفيذ، غير أن الخطورة التي يشكلها الاشرارعند تجمعهم أدى بالمشرع إلى إحداث هذه الجريمة المستقلة و تضمين الشخص المعنوي كمحل للمساءلة بجانب الشخص الطبيعي بحسب مركزه في الجريمة فاعل أصلي أو شريك، ولتضمين هذه الجريمة وإسقاطها على فحوى الشخص المعنوي محل التجريم يتطلب جملة من الأركان وإن كانت تثير بعض الإشكالات عند التطبيق يفرزها ذات النص .

الركن الأول: الجمعية أو الاتفاق:
لم يعرف فانون العقوبات المقصود بالجمعية ولا بالاتفاق لا في مفهوم الشخص الطبيعي ولا المعنوي، غير أن المسلم به أن الجمعية أو الاتفاق يقتضي شخصين أو أكثر، إضافة إلى توفر شرطي المادة 51 مكرر أي أن تتكون هذه الجمعية أو الاتفاق تحت مفهوم أحد الأشخاص المعنوية موضع المساءلة كما سبق بيانه، للإعداد لجناية أو جنحة باسمه ولحسابه بواسطة أحد أعضاءه أو ممثليه.
ولهذه الجريمة ما يميزها عن باقي الجرائم، فهي جريمة فريدة من نوعها يصعب تصنيفها وربطها مع طبيعة الشخص المعنوي، فهي من جهة تعاقب على مجرد الأعمال التحضيرية ومن جهة أخرى تتصل بمجموعة كبيرة من الجرائم ضد الأشخاص أو الأموال يعقد تصنيفها، والتي كان من الأحرى لو أضفيت في إطار مبدأ الشرعية وأدرجت كجرائم مستقلة كمحل لمساءلة الشخص المعنوي بعيدا عن غطاء جمعية الأشرار.

الركن الثاني: غرض الجمعية أو الاتفاق:
يتمثل في الإعداد لجناية أو جنحة معاقب عليها ب05 سنوات حبس على الأقل ضد الأشخاص أو الأملاك مجسدة في فعل أو عدة أفعال مادية.
ومن خلال إستقراء فحوى هذا الركن من المادة 176 قانون عقوبات نلمس مجال التجريم الذي رسمه المشرع الجزائري حتى يكون الشخص المعنوي موضع مساءلة جزائية عن جريمة تكوين جمعية الأشرار، في الإعداد لجنايات أو جنح ضد الأشخاص أو الأملاك، وهي الجرائم المنصوص عليها في الجزء الثاني، الكتاب الثالث، الباب الثاني منه.
وبالرجوع إلى هذا الجزء نجد مجموعة كبيرة من الجرائم التي تدخل تحت إطار هذا المفهوم. فمن قبيل الجرائم ضد الأشخاص: جرائم العنف العمد كالقتل، التعذيب، الضرب والجرح العمد، التهديد، وجرائم الاعتداء على الحريات الفردية وعلى شرف واعتبار الأشخاص…
ومن قبيل الجرائم ضد الأملاك السرقة، النصب، إصدار شيك بدون رصيد والإفلاس، التعدي على الملكية العقارية، إخفاء الأشياء المسروقة، تبييض الأموال والمساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات…
أمام هذا العدد المعتبر من الجرائم المكرسة لمسؤولية الشخص المعنوي تحت غطاء تكوين جمعية الأشرار، يصبح محل مساءلة على مجموع الجرائم الواقعة على الأشخاص أو الأملاك متى ارتكبت باسمه ولحسابه من طرف أجهزته أو ممثليه، ووقعت تحت أحكام المادة 176 قانون عقوبات، وتوافرت شروط المادة 51 مكرر.
إلا أننا نتساءل عن أسباب استبعاد الجنايات والجنح الواقعة على الأسرة والآداب العامة أو التي تستهدف ارتكاب جرائم ضد الشيء العمومي وأمن الدولة ؟ إضافة إلى أسباب الاستبعاد المطلق للمخالفات والجنح التي تقل عقوبتها عن 05 سنوات حبس من دائرة المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي؟
يصعب البحث عن نية المشرع والأسباب الدفينة التي جعلته يحصر مسؤولية الشخص المعنوي في إطار الجنايات والجنح الواقعة على الأشخاص والأملاك، بالرغم من أنه كلما وسع إطار التجريم وفق مبدأ الشرعية أصبح يخدم أكثر فأكثر السياسة الجنائية المسطرة، حتى يتم تكييف قانون العقوبات مع التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية قصد التكفل بالأشكال الجديدة للإجرام الناتجة عنها.

المطلـب الثانــــي
الجرائـم الواقعـــة علـى الأمــوال

رغم ما أبدي من افتراضات على مبدأ المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية، إلا أن الإقرار بهذه المسؤولية كان أمرا ضروريا لمواجهة العديد من الجرائم الخطيرة التي ترتكب باسم ولصالح الشخص المعنوي ويترتب عليها أضرار جسيمة لا يمكن مواجهتها أو التعويض عنها إلا بمساءلة الشخص المعنوي جزائيا، خاصة في ظل التطورات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تفرض التحيين المستمر والدائم للقوانين الجزائية.
وفي هذا الإطار نص المشرع الفرنسي في الكتاب الثالث المتعلق بالجرائم ضد الأموال على مسؤولية الشخص المعنوي الجزائية بصورة أوسع من الجرائم الواقعة على الأشخاص إذ حصرها في19 حالة من مجموع 22، إضافة إلى طائفة من الجرائم ضد الأمة الدولة أو السلم العام …
على خلاف ذلك نجد المشرع الجزائري الذي ضيق من مجال الجرائم الواقعة على الأموال وحصرها في جريمتي:
 تبييض الأموال
 المساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات.

1- جريمة تبييض الأموال:
تعتبر جريمة تبييض الأموال من أهم الجرائم المتفشية في الوسط الاقتصادي وعالم الأعمال، حيث يتم تداول رؤوس الأموال الضخمة عبر وسطاء وعملاء غالبا ما تكون المؤسسات البنكية عنصر فعالا فيها، إضافة إلى الشركات والمؤسسات الاقتصادية، وقلما تجد شخص طبيعي يتعامل باسمه ولحسابه في هذا المجال، فالأصل فيه أن يكون ممثلا قانونيا لشخص معنوي حقيقي أو شخصا وهميا لا يوجد سوى على الورق لتسهيل عمليات تبييض الأموال.
كل ما تقدم ذكره يجعل الأنظار تتجه إلى التساؤل عن مدى إمكانية إسناد هذا الفعل المجرم إلى الشخص المعنوي ؟
ويقصد بتبييض الأموال إخفاء المصدر الإجرامي للممتلكات والأموال، لا سيما المال القذر لذا تمر عملية التبييض من الناحية التقنية بثلاث مراحل بداية بالتوظيف، فالتمويه ثم الإدماج.
أمام خطورة هذه الجريمة جاء ضمن نفس التعديل لقانون العقوبات الذي جرم فيه فعل تبييض الأموال بنص صريح على قيام المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي حال ارتكابه لهذه الجريمة، وذلك طبقا للمادة 389 مكرر7 من الفصل الثالث القسم السادس مكرر فيعاقب الشخص المعنوي الذي يرتكب الجريمة المنصوص عليها في المادتين 389 مكرر1(يعاقب كل من قام بتبييض الأموال…) و389 مكرر2(يعاقب كل من يرتكب جريمة تبييض الأموال على سبيل الاعتياد أو باستعمال التسهيلات التي يمنحها نشاط مهني أو في إطار جماعة إجرامية…).
وبعد الربط بين هذه النصوص واستقراءها نحدد البنيان القانوني والجرائم التي يسأل عنها الشخص المعنوي في إطار هذه الجريمة في:
تبييض الأموال وفق التقنيات السابق ذكرها، أو استعمال التسهيلات التي يمكن أن يقدمها نشاط مهني، أو في إطار جماعة إجرامية.
ولحداثة هذه الجريمة سوف نتطرق إلى شروط قيام المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي عند ارتكابه للأفعال المنوه عنها أعلاه.
فلا يكفي أن ترتكب هذه الجريمة ضمن نشاط الشخص المعنوي بل يجب أن تكون مرتكبة من قبل هيئاته ولمصلحته وحسابه، وبالتالي فهو لا يسأل سوى عن الأفعال التي يتم تحقيقها لمصلحته ولفائدته سواء كان صاحب الأموال المبيضة، أو أنه يتحصل على ربح أو فائدة مقابل اشتراكه في عملية تبييض الأموال أو مساعدته على ذلك، مادام كل هذا يدخل ضمن الركن المادي للجريمة في عنصرية: الفعل الإيجابي وهو تحويل الممتلكات العائدة من الجريمة أو نقلها، إضافة إلى الغرض المبيت من وراءها المجسد في الإخفاء أو التمويه للمصدر غير المشروع لتلك الممتلكات .
وإذا كانت الجريمة لا تلتئم إلا بتوافر فعل مادي ليس من الضروري أن يترتب عن هذا الفعل نتيجة مضرة حتى تكون الجريمة قابلة للجزاء،فإذا تحققت نكون بصدد الجريمة التامة و إذا لم تتحقق نكون بصدد الشروع أو محاولة ارتكاب الجريمة,
فأما في ما يخص جريمة تبييض الأموال تتحقق المحاولة بمجرد القيام بعمليات مالية تمهيدا لارتكاب الجريمة بشرط التثبت بأن العمليات المالية محل البحث و التحقيق قد تمت بهدف إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع للأموال الناتجة عن ارتكاب جناية أو جنحة,
وبالتالي فإن كشف القيام بأعمال مادية أو قانونية بهدف تبييض الأموال قبل تحقيق الغاية الجرمية المقصودة من أصحاب الأموال المشبوهة يشكل محاولة أو شروعا في جريمة تبييض الأموال,
و هكذا فإن إدخال الأموال في الدورة المالية التوصيف من أجل إخفاء مصدرها غير المشروع أي التجميع دون الوصول إلى جعل الأموال مشروعة الدمج ليست خارجة عن إرادة الشخص المعنوي يعتبر محاولة لتبييض الأموال,
ولعل أحسن صورة في هذا المجال ما تقدمه البنوك والمؤسسات المالية خلال عمليات التحويل والإيداع للأموال غير المشروعة مقابل ما تحصل عليه كعمولة، أو ما تقوم به الشركات ذات رؤوس الأموال غير المشروعة من عمليات وهمية لتطهير وتبييض رأس مالها تسهيلا لاستغلاله واستثماره، كذالك عندما يقوم المبيضون بتأسيس شركة أو غيرها، بإنشاء مؤسسة إجتماعيةأو بشراء عقارات و بإعادة بيعها أوغيرها من التصرفات التي يقصد بها إدخال الأموال غير المشروعة في تلك المشاريع لإخفاء مصدرها المشبوه الناتج عن جريمة معينة، فإن ذالك يشكل البدء في تنفيذ تبييض الأموال،و عندما يتم إجهاض عملية التبييض و عدم الوصول إلى مرحلة شرعنة تلك الأموال القذرة لسبب خارج عن إرادة الفاعل فتكون عناصر المحاولة قد تحققت.
كما يشترط لقيام المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي أن تكون جريمة التبييض مرتكبة من قبل هيئات الشخص المعنوي، وهو الطاقم المسير له والمتمثل بالضرورة في مجموعة الأشخاص الطبيعية التي تعبر عن إرادته، ويستوي الأمر أن يكون هؤلاء الأشخاص فاعلين أصليين أو شركاء أم مجرد مساعدين للإفلات من العقاب، غير أنه يشترط أن يكون الفعل لصالح وحساب الشخص المعنوي وليس لحساب الشخص الطبيعي المسير له، وإن كان هذا لا يعفيه من المتابعة الجزائية بصفة شخصية لنفس الأفعال كما جاء في نص المادة51 مكرر فقرة2 قانون عقوبات.

2- جريمة المساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات:
يلاحظ عدم وجود اتفاق على مصطلح معين للدلالة على هذه الظاهرة المستحدثة،فهناك من يطلق عليها ظاهرة الغش المعلوماتي أو الاختلاس المعلوماتي أو الجريمة المعلوماتية،و من هذه التعريفات:
أنها تشمل أي جريمة ضد المال مرتبط باستخدام المعالجة الآلية للمعلوماتية، وهناك جانب من الفقه الفرنسي حاول وضع تعريف لها في الاعتداءات القانونية التي ترتكب بواسطة المعلوماتية بغرض تحقيق الربح .
بينما المشرع الجزائري جرمها تحت اسم المعالجة الآلية للمعطيات في المواد من 394 مكرر إلى 394 مكرر7من الفصل الثالث القسم السابع مكرر وأفرد نص المادة394 مكرر4 كأساس لمساءلة الأشخاص المعنوية عن هذه الجريمة(يعاقب الشخص المعنوي الذي يرتكب إحدى الجرائم المنصوص عليه في هذا القسم…)
وأمام هذا الاختلاف في وضع تعريف موحد كيف يمكن متابعة الشخص المعنوي ومساءلته عن هذه الجريمة في ظل تعديل قانون العقوبات الجزائري ؟.
للجواب نتطرق إلى أركان الجريمة المجسدة في صورتين أساسيتين :

أولا: الدخول في منظومة معلوماتية:
تتسع هذه العبارة على إطلاقها لتشمل كل فنيان الدخول الاحتيالي، إضافة إلى حالة البقاء بعد الدخول الشرعي أكثر من الوقت المحدد وذلك بغية عدم أداء إتاوة من طرف احد ممثلي الشخص المعنوي و لحسابه.

ثانيا: المساس بمنظومة معلوماتية:
في هذا الصدد تتحدث المادة 394 مكرر1 عن كل من أدخل بطريقة الغش معطيات في نظام المعالجة الآلية، أو أزال أو عدل بطريق الغش المعطيات التي يتضمنها.
وعلى ذلك يأخذ الفعل صورتين:
 إدخال معطيات في نظام المعالجة الآلية غريبة عنه بهدف تحقيق أرباح طائلة من وراء ذلك، سواء تم ذلك في مؤسسة مالية أو بنك أو شركة، كأن يقوم الشخص المعنوي بواسطة أحد أجهزته أو ممثليه باسمه ولحسابه خاصة في الشركات الكبرى حيث يكثر عدد الموظفين وبطبيعة الحال فيهم من يترك الوظيفة لأسباب متعددة حينها يتمكن مسؤول إدارة بالإبقاء عليهم مع الاحتفاظ بالمعلومات الخاصة بهم ومن ثم يقوم بتحصيل دخلهم بعد استلام الشيكات النقدية الخاصة بهم.
 تخريب المعطيات التي يتضمنها نظام المعالجة الآلية، إذ من بين تقنيات التدمير الناجمة والتي تصيب النظام المعلوماتي بأضرار جسيمة يصعب تفاديها، تبرز فيروسات الحاسب الآلي وهي تمثل المركز الأول في هذه التقنيات تصيب البيانات والبرامج بالشكل التام.
ومن التطبيقات القضائية في فرنسا قضى بأنه يقع تحت طائلة المادة 329/3 ق ع المقابلة للمادة 394/ مكرر1 تعمد إدخال فيروس معلوماتي في برنامج logiciel الغير والامتناع عن إخباره بذلك، كذلك بالنسبة لشركات صانعي البرامج عندما يكونوا مسؤولين عن الصيانة طبقا للعقد المبرم بينهم وبين المستخدم، إذ يقوموا بزراعة فيروس معين يعطل البرنامج وفي نفس الوقت يعطي انطباعا يفيد أن سبب العطل هو سوء استعمال المستخدم و خطاه، ومن ثم يهرع لطلب الصيانة وتكون هذه الوسيلة لابتزاز المستخدم والإثراء على حسابه،كما جرمت المادة 394 مكرر2:
كل تصميم أو بحث أو تجميع أو توفير أو نشر أو الاتجار في معطيات مخزنة أو معالجة أو مرسلة عن طريق منظومة معلوماتية يمكن أن ترتكب بها إحدى هـذه الجرائم سالفة الذكر.
إضافة إلى حيازة أو إنشاء واستعمال لأي غرض كان المعطيات المتحصلة من إحدى جرائم الغش المعلوماتي.
في حين أبقى قانون العقوبات الشخص المعنوي خارج دائرة التجريم في بعض الأفعال نذكر: المساس بحقوق الأشخاص عن طريق المعلوماتية ومنها: جمع المعلومات حول الأشخاص والمعالجة المعلوماتية للمعلومات التي تم جمعها وتحويل المعلومات الاسمية عن مقصدها.
تزوير الوثائق المعالجة إعلاميا كبطاقات القرض التي لا تشملها جريمة التزوير كما هي معرفة في قانون العقوبات لاسيما المادة 222 وما يليها .
أمام هذه المعطيات نتساءل عن كيفية إثبات أركان هذه الجريمة وربطها مع شروط المادة 51 مكرر قانون عقوبات في مواجهة الشخص المعنوي؟
خاصة أن التعامل في الإثبات لم يعد ينحصر في المستند الورقي، وإنما تعداه إلى التسجيلات والمحررات الإلكترونية مما يفرض على المشرع تسهيلا لعمل القاضي أن ينظم هذه المسائل من خلال نصوص تشريعية تعالج هذا الأمر نظرا لدقة الجريمة و حداثتها.
وما يمكن قوله في الأخير عن مجال التجريم من حيث الجرائم، أن هذه القائمة جاءت مقتضبة مما يجعل مجالات عديدة تفلت من المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية، الأمر الذي يصعب الوضع على القاضي المقيد بمبدأ الشرعية فيكون ملزما بإيجاد حلول وتكييفات متقاربة للنزاعات التي تعرض عليه، كما قد يجد نفسه أمام ضرورة عدم إقرار هذه المسؤولية أصلا في غياب النص تماما.

المبحث الثالث
شـروط قيام المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنويـة

تعتبر المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي مسؤولية غير مباشرة لأنه لا يمكن تصورها إلا بتدخل الشخص الطبيعي، باعتباره كائنا غير مجسم لا يمكنه أن يباشر النشاط إلا عن طريق الأعضاء الطبيعيين المكونين له.
لذلك نص تعديل قانون العقوبات في المادة 51 مكرر على الشروط التي من خلالها تنسب المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي رغم ارتكابها من طرف شخص طبيعي.
وإذا كانت مسؤولية الشخص الطبيعي لا تثير إشكالا إذ يمكن تحديدها بالنظر إلى ركني الجريمة المادي والمعنوي، فإن هذا المعيار لا يصلح عندما يتعلق الأمر بالشخص المعنوي، لذا يقتصر دور القاضي في البحث أولا عن الجريمة محل المساءلة والنص القانوني المطبق عليها، ثم شروط نسبتها بطريقة غير مباشرة باعتبارها مسؤولية مشروطة لإعمالها يجب أن ترتكب لحسابه وبواسطة أعضائه أو ممثليه.
وهما الشرطان اللذان سوف نوضحهما تباعا في مطلبين مستقلين:

المطلـــب الأول
ارتكــاب الجريمـــة لحســاب الشخـــص المعنـــــوي

عبر المشرع عن هذا الشرط في المادة 51 مكرر فقرة أولى قانون عقوبات (…يكون الشخص المعنوي مسؤولا جزائيا عن الجرائم التي ترتكب لحسابه).
وهو ما يقابله في التشريع الفرنسي حكم المادة 121/2 قانون عقوبات .
فماذا نعني بهذا الشرط؟
من خلال المعنى العام للنص وبمفهوم المخالفة نفهم بأن الشخص المعنوي لا يسأل عن الجريمة التي تقع من ممثله إذا ارتكبها لحسابه الشخصي أو لحساب شخص آخر.
إلا أن الملاحظ من خلال استقراء النص ووضعه في مجال التطبيق أنه سيطرح لا محالة صعوبة من حيث التمييز بين المصلحة الخاصة والمصلحة العامة، مما يجعل هذا الشرط أقل صرامة مما لو استعملت عبارة “بواسطة ممثليه وباسمه ولمصلحة أعضائه”.

لذا لكي تقوم المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي، لا بد من ارتكاب جريمة بجميع أركانها المادية والمعنوية سواء في مواجهة شخص طبيعي أو معنوي من طرف جهاز أو ممثل هذا الأخير، إما بهدف تحقيق ربح مالي كتقديم رشوة لحصول مؤسسة اقتصادية على صفقة، أو الحصول على فائدة أو تفادي خسارة، طالما قام بها وهو بصدد ممارسة صلاحياته في الإدارة والتسيير حتى وإن لم يحقق من وراءها أي ربح مالي .
وفي هذا الإطار اعتبر القانون الفرنسي أن أعمال التمييز التي يقوم بها مدير شركة وهو بصدد التوظيف، تسأل عليها الشركة حتى وإن كان لا يجني من وراءها أي ربح لهذه الأخيرة مادام قد تصرف لحسابها،وتدعمه مقولة Henri donnedien de Vabres “أنه بالإمكان أن يصبح الشخص المعنوي مسؤولا من خلال الشخص الطبيعي الذي يمثله ويرتكب الأفعال في مكانه ولمصلحته”.
وعليه فإن حلول الشخص الطبيعي مكان الشخص المعنوي من حيث التعبير عن إرادته وإدارة وتسيير ممتلكاته تخرجنا عن دائرة المسؤولية عن فعل الغير، وتضعنا أمام تطبيق القواعد العامة في القانون الجنائي المطبقة أساسا على الشخص الطبيعي.
مما يقود إلى طرح التساؤل حول إمكانية مساءلة الشخص المعنوي كفاعل أصلي أو شريكا عن جرائم تبييض الأموال، المساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات، تكوين جمعية الأشرار؟
نقول أن المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي كفاعل أصلي تقوم كقاعدة عامة- خاصة بعد الإقرار الصريح في أحكام المادة 51 مكرر – بتوافر الركن الشرعي، المادي والمعنوي للجريمة، الناتج عن ممثله أو أحد أجهزته باعتبارهما فاعلين أصليين متى ارتكبت الجريمة باسمه و لحسابه، طالما كان نشاطه يدخل تحت أحكام المادة 41 قانون العقوبات.
ويعتبر شريكا من خلال اشتراك أجهزته أو ممثليه في جريمة معينة باسمه ولحسابه وفق شكل من أشكال المساهمة الجنائية المحددة في المادة 42 قانون عقوبات في المساعدة أو المعاونة على ارتكاب الأفعال التحضيرية أو المسهلة أو المنفذة لها.
كما يمكن أن يسأل الشخص المعنوي عن الشروع في ارتكاب الجريمة من طرف ممثليه أو أحد أجهزته حتى ولو تم توقيفه عن إتمامها في مرحلة التنفيذ.
وتبعا لذلك ونظرا لطبيعة الشخص المعنوي الخاصة، المجردة وغير الملموسة فإن من غير الممكن تصور قيامه بالعناصر المادية للجريمة وتوجيه إرادته لإحداثها، لذا يحتاج إلى تدخل شخص طبيعي يستطيع أن يرتكب أفعالا مجرمة تنسب رغم ذلك إليه، وأمام هذا يجدربنا أن نتساءل: هل أن المسؤولية التي تقع على الشخص الاعتباري تزيح إمكانية مساءلة الشخص الطبيعي الذي أرتكب الجريمة مباشرة أم يمكن أن نجمع المسؤوليتين؟
وهل أن تحديد مسؤولية الشخص المعنوي تتطلب إقرار مسؤولية الجهاز أو الممثل؟

1-مسؤولية الشخص الاعتباري لا يمنع من مساءلة الشخص الطبيعي:
في الواقع المادة 51 مكرر فقرة ثانية تزيل كل عائق في هذا المجال، إذ تنص “إن المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي لا تمنع مساءلة الشخص الطبيعي كفاعل أصلي أو كشريك في نفس الأفعال” وتقابلها المادة 121/2 من القانون الفرنسي،لذا حرص المشرع على تأكيد أن مساءلة الشخص المعنوي جنائيا ليس معناها إعفاء الشخص الطبيعي الذي ارتكب الجريمة من المسؤولية إذ أمكن تحديده، وتوافرت في حقه أركان إحدى الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات.
لذلك قرر صراحة أن مسؤولية الشخص المعنوي عن الجريمة تتحقق دون الإخلال بمسؤولية الشخص الطبيعي، ويعني ذلك أن المشرع يقر في هذا الخصوص مبدأ ازدواج المسؤولية الجزائية عن الفعل الواحد، فمسؤولية الشخص المعنوي عن الجريمة المرتكبة لا تجب مسؤولية الشخص الطبيعي عنها بل يبقى من الوجهة المبدئية كل من الشخص الطبيعي والهيئة المعنوية مسؤولا بالاشتراك عن ذات الفعل ويعاقب كل منهما على انفراد، حسب مركزهما في ذات الجريمة فاعل أصلي أو شريك، لإضفاء المزيد من الحماية الجنائية.
وأمام النص الصريح في القانون على هذه المسؤولية في الحدود المقررة، لا يوجد مجال للاجتهاد في مبدأ المسؤولية ذاته، وإن كان الاجتهاد لا يزال مفتوحا في شروط هذه المسؤولية وضوابطها.

2-تحديد الشخص الطبيعي ليست شرطا ضروريا لمساءلة الشخص المعنوي:
وهكذا فإن وفاة الشخص الطبيعي، أو زوال أجهزة الشخص المعنوي على سبيل المثال لا تحول دون متابعة الشخص المعنوي عن الجريمة التي ارتكبها الأول لحساب الثاني، وفي هذا الصدد عدة قرارات صادرة عن محكمة النقض الفرنسية أين تم متابعة الشخص المعنوي لوحده .
وكذلك الحال إذا استحال التعرف على الشخص الطبيعي الذي ارتكب الجريمة لحساب الشخص المعنوي، يحدث ذلك على وجه الخصوص في جرائم الامتناع والإهمال، وكذا في الجرائم المادية التي لا تتطلب لقيامها توافر نية إجرامية أو عمل مادي إيجابي، فمن المحتمل في هذه الحالات أن تقوم المسؤولية الجزائية للهيئات الجماعية للشخص المعنوي، دون التمكن من الوقوف عند دور كل عضو من أعضائها في ارتكاب الجريمة وإسناد المسؤولية الشخصية عنها لفرد معين.
ويبقى أنه في حالة الجرائم العمدية المنسوبة إلى الشخص المعنوي فإن التحديد يصبح ضروريا لأن إثبات القصد الجنائي متوقف على مدى وعي وإرادة ارتكاب الجريمة من طرف ممثل الشخص المعنوي أو أحد أجهزته .
ماعدا في هذه الحالة فإن تحديد الشخص الطبيعي، لا يعتبر أمرا ضروريا لقيام المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي إذ يكفي للقاضي التأكد من قيام الجريمة بجميع أركانها، وارتكابها من طرف ممثل الشخص المعنوي أو أحد أجهزته، وهو ما يتناسب مع المبادئ العامة للقانون الجنائي في نظرية المساهمة التي تقتضي أن مساءلة الشريك تفترض وجود فعل أصلي مجرم دون أن تكون مرتبطة بالمساءلة الفعلية للفاعل الأصلي، مما يحقق نوعا من العدالة النسبية بين المسؤوليتين.

المطلــب الثانــي

ارتكـاب الجريمـة مـــن طــرف جهاز أو ممثـل الشخــص المعنوي

يكتسي هذا الشرط أهمية بالغة من حيث فصل المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي عن مسؤولية الشخص الطبيعي، الذي قد يرتكب أفعالا لا علاقة لها مع نشاط الشخص المعنوي.
لذا حصر المشرع الجزائري في المادة 51 مكرر قانون عقوبات الأشخاص الذين يترتب على جرائمهم قيام مسؤولية الشخص المعنوي في:
 الجهاز l’organe.
 الممثلين الشرعيين représentant légale.
وهي ذات المصطلحات التي جاء بها المشرع الفرنسي في المادة 121/2 .
فما مفهومها؟
وما هي الإشكالات العملية التي يمكن أن يثيرها هذا الشرط؟

1-إرتكاب الجريمة من طرف أجهزة الشخص المعنوي:
هذه الأخيرة لا تثير إشكالا متى نظرنا إليها بمفهوم القانون أو النظام القانوني الخاص المحدد لأعضائه وأجهزته، وهم عادة الأشخاص المؤهلون قانونا كي يتحدثوا ويتصرفوا باسمه، ويدخل في هذا المفهوم كل من مجلس الإدارة، المسير، الرئيس المدير العام، مجلس المديرين، مجلس المراقبة، الجمعية العامة للشركاء، أو الأعضاء بالنسبة للشركات ونجد كل من الرئيس، أعضاء المكتب، الجمعية العامة عندما يتعلق الأمر بالجمعيات والنقابات.

2-إرتكاب الجريمة من طرف ممثل الشخص المعنوي:
يقصد بممثلي الشخص المعنوي في نص المادة 51 مكرر قانون عقوبات الأشخاص الطبيعيين الذين يتمتعون بسلطة التصرف باسمه سواء كانت هذه السلطة قانونية، أو بحكم قانون المؤسسة (légale ou statutaire) كالرئيس المدير العام، المسير، رئيس مجلس الإدارة، المدير العام.
إضافة إلى الممثلين القضائيين الذين يوكل إليهم القضاء مهمة مباشرة إجراءات التصفية عند حل الأشخاص المعنوية .
فهل من منطلق هذا المفهوم يمكن اعتبار كل من المدير الفعلي، الأجراء والتابعين من ممثلي الشخص المعنوي؟
إستبعد الفقه الفرنسي أن يكون المدير الفعلي المعين خرقا للتشريع أو القانون الأساسي للمؤسسة أو الشركة من ممثلي الشخص المعنوي لعدم النص عليه صراحة في المادة121/2 السالفة الذكر، كما أنه ووفق ما جاء في القانون الفرنسي الذي ذكر “ممثلي الشخص المعنوي يحمل على الاعتقاد بأنه استبعد الأجراء والتابعين، وعليه لا يكون الشخص المعنوي مسؤولا جزائيا عن الجريمة التي يرتكبها أحد مستخدميه بمناسبة أو أثناء أداء وظيفته بمبادرة منه، حتى وإن استفاد منها الشخص المعنوي .
ونعتقد أن ذات المفهوم يمكن إضفاءه على مدلول المادة 51 مكرر مما يقودنا إلى القول باستبعاد كل من المدير الفعلي، الأجراء، والتابعين من دائرة تجريم الشخص المعنوي.
وهذا ما يقودنا إلى طرح بعض الإشكالات العملية التي تفرزها ذات المادة والتي ستطرح لا محالة على القاضي عند التطبيق:

أ/ وضعية الشخص المعنوي الجزائية اتجاه العضو أو الممثل الذي يتجاوز حدود سلطاته:
غني عن البيان أنه إذا تصرف العضو أو الممثل في حدود سلطاته التي يستخدمها بنص القانون أو بموجب الاتفاق، فإن هذا التصرف –إن وقع تحت طائلة قانون العقوبات- يرتب مسؤولية الشخص المعنوي إن توافرت شروط قيام هذه المسؤولية.
ولكن قد يحدث أن يقوم أحد هؤلاء بتجاوز حدود سلطاته، فهل يرتب هذا التصرف -على الرغم من وجود هذا التجاوز- المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي؟
الجواب لا نجده في النص لقصوره وعدم إلمامه مما يدعونا إلى استقراء رأي الفقه في ذلك، فذهب البعض إلى أن مسؤولية الشخص المعنوي لا تثور إلا إذا تصرف أحد أعضائه في حدود السلطة المخولة لهم، إلا أن غالبية الفقه في فرنسا ترى من ناحية أخرى أن هذا الشرط لم يستلزمه المشرع الفرنسي في نص المادة 121/2 قانون عقوبات وبالتالي لا يجوز الركون إليه.
ومن جهة أخرى فإن الأخذ بهذا الرأي السابق يؤدي من غير مبرر إلى وجود مساحة من عدم المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية .
وقد ذهب القانون الفرنسي في هذه المسألة إلى الأمر بحل الشركة عندما تكون قد انحازت عن الغرض الذي أنشأت من أجله لتجاوز الجهاز حدود صلاحياته، إلا أن الأمر يبقى أقل وضوحا عندما يتعلق بممثل الشخص المعنوي، نظرا لصعوبة رسم حدود الاختصاص، وتحديد صفة الممثل مما يدعوا القاضي التريث والتدقيق عند البحث في شروط المتابعة الجزائية للشخص المعنوي.

ب/ مسألة أجهزة الواقع أو بما يعرف بالعضو أو الممثل الفعلي:
قد يكون تعيين أحد المديرين أو دعوة الجمعية العامة أو مجلس الإدارة باطلا لسبب أو لآخر، وعلى الرغم من ذلك يتصرف لحساب الشخص المعنوي، فهل يمكن إقرار مسؤولية هذا الأخير عن الأفعال المرتكبة من طرف هذا الجهاز اوالممثل الفعلي؟
لا نجد الجواب لا في نص المادة 51 مكرر ولا في الاجتهاد القضائي الفرنسي بينما يذهب غالبية الفقه إلى رفض مسؤولية الشخص المعنوي في هذه الحالة، إذ هو في نظر البعض ضحية أكثر منه متهما.
وفي نظر البعض الآخر أنه لا يجوز قيام مسؤولية الشخص المعنوي إلا في الحالات وبالشروط التي نص عليها المشرع صراحة، وطالما أن هذا الأخير لم ينص على قيام المسؤولية الجزائية في هذه الحالة فمن غير الممكن قياس الإداريين الفعليين على الإداريين القانونيين، وعلى العكس من ذلك يرى جانب من الفقه ضرورة إقرار هذا النوع من المسؤولية حتى لا يتم خلق نوع من الحصانة لصالح الأشخاص المعنوية التي يكون فيها مسيروها القانونيين مجرد أسماء مستعارة .
وهو الموقف الذي نشاطره بالرأي المتواضع خاصة في حالة ما إذا كان العضو أو الممثل الفعلي يقوم بمهامه في وضع شبه رسمي Quasi officielle معلوم من طرف المسيرين القانونيين، الشركاء والأعضاء.

جـ/ مدى مسؤولية الشخص المعنوي الجزائية في حالة الأشخاص المتمتعون بتفويض الاختصاص أو حالة إعطاء توكيل للتصرف باسم ولحساب الشخص المعنوي:
الجواب كان من منطلق أن تفويض الاختصاص يؤدي إلى تفويض المسؤولية، مادام الوكيل كان يتصرف بمثابة ممثل قانوني للشخص المعنوي، كتفويض مدير مصنع أو مدير وحدة إنتاج، لذا أفعاله تلزمه إذا توافرت كافة شروط قيام المسؤولية الجزائية، وهو ما ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسية في العديد من قراراتها حيث قضت بأن الشخص الطبيعي الذي تلقى تفويض سلطات من هيئات الشخص المعنوي يكون ممثلا له وهو الرأي الذي نتبناه متى توافرت شروط المادة 51 مكرر، ونتمنى أن يكرسه القضاء الجزائري حتى يعطي لمفهوم المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي الفعالية عند التطبيق، على خلاف ما ذهب إليه الفقه حيث استبعد مسؤولية الشخص المعنوي عند منح تفويض على أساس أن مدير مصنع أو مدير وحدة لا يمكنه إلزام الشخص المعنوي لأنه مجرد أجير أو تابع له .

الفصل الثانـي
النظام العقابي المستحدث لتطبيق المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي

بعد أن حسم تعديل قانون العقوبات الجزائري الخلاف الفقهي والتردد القضائي حول مسؤولية الشخص المعنوي جزائيا بنص صريح على النحو الذي جاءت به المادة 51 مكرر قانون عقوبات معترفا من خلاله بمسؤولية جميع الأشخاص المعنوية باستثناء الخاصة منها، كان من الضروري لتكريس هذا المبدأ خلق نوعا من التجانس بين طبيعة الشخص المعنوي من جهة والأحكام المتضمنة للعقوبات المطبقة والإجراءات المتخذة من جهة أخرى.
وفي هذا الإطار جاء كل من تعديل قانوني العقوبات والإجراءات الجزائية بنظام عقابي خاص لتفعيل هذا المبدأ من حيث الجزاءات والإجراءات في مواجهة الشخص المعنوي وهو ما سنحاول التطرق إليه بنوع من التحليل.
 بداية بتحديد الإجراءات و القواعد الخاصة بالمتابعة الجزائية (المبحث الأول)
 الأحكام المقررة للعقوبات (المبحث الثاني)
 وكيفية تطبيقها (المبحث الثالث)

المبحـث الأول
الأحكام الإجرائية الخاصة بالمتابعة الجزائيـة للأشخاص المعنويـة

بعد إقرار مبدأ المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية في قانون العقوبات كان من الطبيعي تحديد القواعد الإجرائية المناسبة لوضع هذه المسؤولية موضع التنفيذ ولهذا صدر مشروع قانون يعدل ويتمم الأمر رقم 66. 155 المؤرخ في 18 صفر عام 1386 الموافق لـ 08 يونيو سنة 1966، المتضمن قانون الإجراءات الجزائية في أكتوبر 2003، وتجسد بالقانون رقم 04/14 المؤرخ في 10 نوفمبر 2004، وذلك باستحداث فصل ثالث في الباب الثاني الخاص بالتحقيقات تحت عنوان “في المتابعة الجزائية للشخص المعنوي” المواد من 65 مكرر إلى 65 مكرر4.
وأمام هذا سنحاول التعرض في هذا المبحث إلى أهم الشروط الإجرائية الخاصة بمتابعة الأشخاص المعنوية من حيث:
 الجهة المختصة بالنظر و الفصل(مطلب أول).
 إجراءات المتابعة، التحقيق والمحاكمة (مطلب ثاني).

المطـــلب الأول
الاختصـــاص القضــــائي

يقصد بالاختصاص القضائي ولاية أو سلطة الحكم بمقتضى القانون في خصومة معينة معروضة على المحاكم، وفقدان هذه السلطة يؤدي إلى عدم الاختصاص .
وإذا كان الاختصاص النوعي بالنسبة للقضايا المعروضة على القضاء حسب نوعها لا يطرح إشكالا بالنسبة للأشخاص المعنوية، فإن الأمر على خلافه بالنسبة للاختصاص المحلي على اعتباره قاعدة تنظيم وتوزيع الاختصاص بين المحاكم على أساس إقليمي سواء على مستوى دولي أو داخلي.

1/الاختصاص الدولي بنظر الجريمة التي يرتكبها الشخص المعنوي:
هذا الأخير يخضع بدوره إلى القواعد العامة المنصوص عليها في الباب التاسع من الكتاب الخامس الخاص بالجنايات والجنح التي ترتكب بالخارج سواء بالنسبة للشخص المعنوي الجزائري أو الأجنبي وفق قواعد إقليمية وشخصية القوانين.
إلا أن هذا سيطرح لا محالة جملة من الإشكالات لاختلاف طبيعة التعامل مع الشخص المعنوي الأجنبي بالمقارنة مع الشخص الطبيعي عند محاولة تطبيق مبدأ الإقليمية عن الجرائم المرتكبة في الجزائر من طرف شخص أجنبي فيما يتعلق بكيفية متابعة وتنفيذ الجزاءات والتدابير المتخذة ضده المنصوص عليها في قانون العقوبات في غياب مقر ثابت للشخص المعنوي المتابع في الجزائر.
إضافة إلى ذلك عند محاولة تطبيق مبدأ شخصية القوانين عندما يتعلق الأمر بشركة جزائرية ترتكب جنحة في الخارج وحتى تكون المحاكم الجزائرية مختصة وفق قواعد الاختصاص الدولي يجب أن نكون أمام حالة ازدواج التجريم في نظر القانونين مما يجعل عدد كبير من الجرائم تخرج عن دائرة التجريم وفق هذه القاعدة خاصة بعد حصر الجرائم محل المتابعة على خلاف التشريع الفرنسي .

2/الاختصاص الداخلي بنظر الجريمة التي يرتكبها الشخص المعنوي:
بالمقابل للاختصاص الدولي نجد الاختصاص الداخلي الذي فرق من خلاله المشرع الجزائري في المادة 65 مكرر 1 بين حالتين:
الأولى: حالة ما إذا كان الشخص المعنوي متهما بمفرده دون الأشخاص الطبيعيين وهو ما جاء في الفقرة الأولى من المادة 65 مكرر1 “يتحدد الاختصاص المحلي للجهة القضائية بمكان ارتكاب الجريمة أو مكان وجود المقر الاجتماعي للشخص المعنوي” المقابلة لنص المادة42.706 ، وفي هذه الحالة يكون الاختصاص للمحكمة التي وقعت الجريمة في دائرتها أو المحكمة التي يقع في دائرتها المقر الرئيسي للشخص المعنوي.
الثانية: إذا كان الشخص المعنوي متهما مع أشخاص طبيعيين باعتبارهم فاعلين أصليين أو شركاء في ذات الجريمة وهو ما نصت عليه المادة65 مكرر1 فقرة ثانية”غير أنه إذا تمت متابعة أشخاص طبيعية في الوقت ذاته مع الشخص المعنوي تختص الجهات القضائية المرفوعة أمامها دعوى الأشخاص الطبيعية بمتابعة الشخص المعنوي”.
وفي هذه الحالة ينعقد الاختصاص في متابعة الأشخاص الطبيعيين وفق ضابط الاختصاص الذي جاءت به القواعد العامة في قانون الإجراءات الجزائية والمحدد بمكان وقوع الجريمة، أو محل إقامة أحد الأشخاص المشتبه في مساهمتهم، أو بمحل القبض على أحدهم حتى ولو حصل لسبب آخر.
ومؤدى ذلك أن المحكمة المختصة مكانيا بنظر الدعوى المرفوعة ضد الشخص الطبيعي تكون مختصة أيضا بالفصل في الدعوى المقامة ضد الشخص المعنوي عن ذات الجريمة أو عن جريمة مرتبطة بها، بينما لا يجوز أن يمتد اختصاص المحكمة التي تقع في دائرتها مركز إدارة الشخص المعنوي إلى الفصل في الدعوى الجزائية المرفوعة ضد الشخص الطبيعي المتهم بارتكاب ذات الوقائع المسندة للشخص المعنوي إذا لم تكن تلك المحكمة مختصة مكانيا بنظر هذه الدعوى وفقا للقواعد السابق تعدادها .
دون أن ننسى الإشارة إلى ما جاء به تعديل قانون إج في المادة 37 مكرر منه إذ عمل على تمديد الاختصاص المحلي لوكيل الجمهورية إلى دائرة اختصاص محاكم أخرى في ما تعلق بالجرائم الماسة بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات, المخدرات, تبييض الأموال و جرائم الصرف المتابع بها الشخص المعنوي.

المطـــلب الثانــي
إجــــراءات المتابعـــة الجزائيــة للشخــص المعنــوي

غني عن البيان أن الشخص المعنوي لا يمثل أمام القضاء يشخصه وإنما بواسطة ممثليه حتى تتماشى مع وضعه أثناء مراحل المتابعة، خاصة عند الجمع بين مسؤوليته ومسؤولية الشخص الطبيعي.
وتطبيقا لذلك جاءت المادة 65 مكرر لإقرار ذات القواعد الخاصة بالشخص الطبيعي من حيث المتابعة، التحقيق و المحاكمة (تطبق على الشخص المعنوي قواعد المتابعة و التحقيق والمحاكمة المنصوص عليها في هذا القانون، مع مراعاة الأحكام الواردة في هذا الفصل)
لذا فإجراءات المتابعة لتقديم الشخص المعنوي أما الجهات القضائية هي ذاتها، الطلب الافتتاحي، الاستدعاء المباشر، الشكوى المصحوبة بإدعاء مدني أمام قاضي التحقيق…
كما أنه على المحضر القضائي أن يقوم بإعلان جميع الأوراق القضائية للشخص المعنوي برسالة يوضح فيها هوية هذا الأخير تحت طائلة البطلان يذكر اسمه، مركزه، نشاطه الرئيسي، إضافة إلى ذكر جميع البيانات المتعلقة بممثله كالاسم، العنوان، الوظيفة وهذا من منطلق ثبوت الصفة القانونية للشخص المعنوي والصفة الإجرائية لممثله الذي يتلقى نسخة من الأوراق المبلغة في موطن الشخص المعنوي المحدد بمركز إدارته حسب ما نصت عليه المادة 50/5 قانون مدني.
ومن هنا نتساءل عن كيفية تمثيل الشخص المعنوي أمام القضاء ؟
حدد المشرع الجزائري صراحة في المادة 65 مكرر2 من قانون الإجراءات الجزائية الموافقة لنص المادة 706/43 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي- الأشخاص المؤهلين لتمثيل الشخص المعنوي أمام الجهات القضائية مفرقا بين:

 التمثيل القانوني أو الإتفاقي من جهة.

 التمثيل القضائي من جهة أخرى.

فما المقصود بكل منهما ؟

1/التمثيل القانوني أو الإتفاقي:
يواجه المشرع بهذا النوع من التمثيل الظروف العادية التي يوجد فيها ممثل قانوني أو اتفاقي للشخص المعنوي.
فالفقرة الأولى من المادة 65 مكرر2 فقرة أولى تنص على “يتم تمثيل الشخص المعنوي في إجراءات الدعوى من طرف ممثله القانوني الذي كانت له هذه الصفة عند المتابعة”
فالعبرة بصفة الممثل القانوني وقت مباشرة إجراءات الدعوى وليس بتاريخ ارتكاب الجريمة وإذا تم تغيير الممثل خلال سير الإجراءات فيجب على الممثل القانوني الجديد للشخص المعنوي أن يخطر الجهة المختصة باسمه.
كما أجاز المشرع أن يتم تمثيل الشخص المعنوي أمام جهات التحقيق والمحاكمة بواسطة ممثل اتفاقي وفق ما جاء في المادة 65 مكرر2 فقرة ثانية”الممثل القانوني للشخص المعنوي هو الشخص الطبيعي الذي يخوله القانون الأساسي للشخص المعنوي تفويضا لتمثيله”، أي أن يكون له تفويضا بهذا الأمر وفقا للقانون أو النظام الأساسي للشخص المعنوي كشركة المساهمة ممثلها الاتفاقي حسب نظامها الأساسي هو من يملك أكبر عدد ممكن من الأسهم كما يمكن أن يكون عضو من أعضاء هذا الشخص كالمدير مثلا.

2/التمثيل القضائي:
نصت المادة65 مكرر3 قانون إجراءات جزائية -المقابلة لنص المادة 43.703 فقرة ثانية قانون إجراءات جزائية فرنسي -على حالتين يقوم فيهما رئيس المحكمة بطلب من النيابة بتعيين ممثل قضائي من ضمن مستخدمي الشخص المعنوي.
الحالة الأولى: عندما تتم ملاحقة الشخص المعنوي وممثله القانوني معا في ذات الجريمة أو حتى في وقائع مرتبطة بها، فهنا تتخذ إجراءات الدعوى الجزائية ضد هذا الممثل باعتباره مسؤولا شخصيا عن الجريمة المرتكبة خاصة وأنه من المقرر كما سبق وأن ذكرنا، أن المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي لا تستبعد مساءلة الشخص الطبيعي عن ذات الجريمة وترجع علة ذلك إلى الحرص على تفادي التعارض بين المصلحة الخاصة للمثل القانوني للشخص الاعتباري وبين مصلحة هذا الأخير ذاته.
الحالة الثانية: عندما يكون الممثل القانوني أو الإتفاقي غير مؤهل لتمثيل الشخص المعنوي كأن يكون أمام حالة فرار المدير أو المسير الرئيسي وهنا يقوم رئيس المحكمة بتعيين وكيل قضائي للشخص المعنوي بناء على طلب النيابة العامة لكفالة حق الدفاع.
ويرى جانب من الفقه أنه يمكن تعيين ممثل قضائي للشخص المعنوي إذا كان ممثله موجودا لكنه يرفض الدفاع عنه .
أمام كل هذا نتساءل عن سلطات قاضي التحقيق في مواجهة الشخص المعنوي ؟
إن من أهم النتائج المترتبة على مبدأ الجمع بين المسؤوليتين هو ملائمة المتابعة بالنسبة للنيابة، لذا يميز بين حالة الشخص الطبيعي الممثل للشخص المعنوي، وحالة الشخص المعنوي في حد ذاته.

أ‌- حالة الشخص الطبيعي الممثل للشخص المعنوي:
عندما تتخذ إجراءات الدعوى الجزائية اتجاه ممثل الشخص المعنوي بصفته وليس كمسؤول عن الجريمة هنا لا يجوز أن يتعرض هذا الممثل لأي إجراء ينطوي على إكراه غير تلك الإجراءات التي تتخذ ضد الشاهد ومن ثم لا يجوز القبض عليه ولا حبسه مؤقتا أو إخضاعه للرقابة القضائية، والإجراء الوحيد الذي ينطوي على القهر والذي يمكن أن يتخذه قاضي التحقيق أو المحكمة المختصة اتجاهه هو إجباره على الحضور بواسطة رجال السلطة العامة إذا رفض الحضور طوعا، غير أن الشخص المعنوي ذاته يمكن إخضاعه للرقابة القضائية .

ب – حالة الشخص المعنوي ذاته:
يبدو من غير المعقول تطبيق إجراءات الحبس المؤقت على الشخص المعنوي مثلما هو الحال بالنسبة للشخص الطبيعي، غير أن لقاضي التحقيق كامل الصلاحية بعد توجيه الاتهام من طرف النيابة في وضع الشخص المعنوي تحت نظام الرقابة القضائية وفق ما جاءت به المادة 65 مكرر4 قانون إجراءات جزائية- المقابلة لنص المادة45.706 قانون إجراءات جزائية فرنسي- وبمقتضى ذلك يستطيع قاضي التحقيق أن يخضع الشخص المعنوي لتدبير أو أكثر من التدابير الآتية:
 إلزامه بدفع كفالة.
 إلزامه بتقديم تأمينات عينية لضمان حقوق الضحية.
 منعه من ممارسة بعض الأنشطة المهنية أو الاجتماعية إذا كانت الجريمة ارتكبت أثناء ممارسة هذه الأنشطة أو بمناسبتها.
 المنع من إصدار شيكات أو استعمال بطاقات الدفع مع مراعاة حقوق الغير.
ويجوز لقاضي التحقيق التعديل من مضمون هذه الرقابة أو رفعها كلية إما تلقائيا أو بطلب من وكيل الجمهورية أو المتهم حسب القواعد العامة.
وبطبيعة الحال فإن مخالفة الالتزامات المفروضة على الشخص المعنوي بناء على الرقابة القضائية لا يكون الحبس المؤقت كما هو الوضع بالنسبة للشخص الطبيعي بل يترتب عليه غرامة من100.000دج إلى 500.000دج بأمر من قاضي التحقيق بعد أخد رأي وكيل الجمهورية.
مع العلم أن التقرير التمهيدي عن مشروع القانون المعدل للأمر رقم155.66المتضمن قانون الإجراءات الجزائية اقترح إدراج مادة جديدة(65 مكرر5) تنص على معاقبة ممثل الشخص المعنوي الذي يخالف التدابير المتخذة ضد الشخص المعنوي بنصف العقوبة المحدد في المادة 65 مكرر4، إلا أنه بعد مناقشة هذا الاقتراح رأت اللجنة عدم تبنيه لأن الأحكام الواردة في ذات الفصل والعقوبات المنصوص عليها في المادة65 مكرر4 التي يقترح التعديل تطبيقها تخص الشخص المعنوي الذي تختلف مسؤوليته الجزائية عن مسؤولية الشخص الطبيعي.
وفي هذا الإطار لا يمكن معاقبة الشخص المعنوي وممثله بعقوبتين على نفس الفعل، وهو مخالفة التدبير المقرر أثناء مرحلة التحقيق.

المبحث الثـاني

الجزاءات المطبقـة على الأشخاص المعنوية

أثرنا تسميه الفصل تحت عنوان “الجزاءات” لأن لفظ الجزاء يشمل العقوبة والتدبير في نفس الوقت خاصة بعد الاعتراضات التي لاقتها فكرة المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي، وقد كان من بين أسباب الاعتراض في إقرارها أن العقوبات المنصوص عليها وعلى الأخص السالبة للحرية لا يمكن تطبيقها عليه.
ولكن بعد اتساع نطاق تطبيق عقوبة الغرامة وابتكار عقوبات جديدة تتلاءم مع طبيعته، لم يعد لهذا الاعتراض محل، وهو ما تبناه المشرع الجزائري بتعديل كل من قانوني العقوبات و الإجراءات الجزائية.
لذا يبقى السؤال المطروح حول نوع العقوبات المطبقة على الشخص المعنوي؟ وهل هناك تدابير تتخذ في مواجهته؟

المـطلـــب الأول
العقـــوبات المطبقــــة علـى الشخـص المعنـوي

أول ما يمكن أن يقال حول العقوبات المستحدثة للشخص المعنوي في ظل التعديل الجديد سواء ما جاءت به المادة 18 مكرر، 18 مكرر 1 بالنسبة للجنايات، الجنح والمخالفات كقاعدة عامة، أو ما خض به الجرائم محل المساءلة السابق تبيانها، أن المشرع لم يميز بين العقوبات الأصلية والعقوبات التكميلية التي جاءت بها المادة التاسعة منه، لذا عمل على إدماجها في بعض جوانبها على أنها عقوبات أصلية، وهذا راجع إلى ما أملته عليه طبيعة الشخص المعنوي في حد ذاتها كمحل للمساءلة يختلف عن الشخص الطبيعي، إضافة إلى ما يثار من تساءل عند محاولة ترجمة اتجاه المادة 18 مكرر 1 ومحلها من التطبيق من حيث تحديد المخالفات المتابع بها الشخص المعنوي في ظل المادة الأولى من القانون ذاته إذ “لا جريمة ولا عقوبة أو تدابير امن بغير قانون”، فنحن حقيقة أمام عقوبة مستحدثة لكن في غياب الجريمة يجعل منه نصا لجزاء لن يطبق لا قانونا ولا عملا على خلاف ما جاء به في الجنح والجنايات، وهذا راجع إلى التسرع في تكريس مبدأ المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي دون إعادة النظر في قانون العقوبات وخاصة في جوانب المخالفات منه.
لذا يمكن تقسيم العقوبات التي تطبق عليه قياسا على تلك المطبقة على الشخص الطبيعي إلى مجموعة من التقسيمات تبعا للمعيار الذي جاء به في الباب الأول مكرر في كل من المادتين 18 مكرر، 18 مكرر1 وإسقاطها على فحوى النصوص الخاصة في القانون ذاته المحددة للجرائم محل المتابعة والعقوبات المستحدثة بالنظر إلى الحق الذي تمس به وفقا للنهج الذي سار عليه بعض فقهاء القانون الفرنسي:

1- عقوبات تمس ذمته المالية المباشرة:

أ‌- الغرامة:
تتمثل في إلزام المحكوم عليه بدفع مبلغ من المال لصالح خزينة الدولة ويعتبر من أهم العقوبات التي تطبق على الشخص المعنوي في كل من الجنايات، الجنح والمخالفات.
لذا جاء النص عليها كقاعدة عامة في كل من المادة 18 مكرر بالنسبة للجنايات والجنح والمادة 18 مكرر1 إذا كنا أمام مخالفة « الغرامة التي تساوي من مرة إلى خمس مرات الحد الأقصى للغرامة المقررة للشخص الطبيعي في القانون الذي يعاقب على الجريمة » وهو ما يقابل نص المادة 131/38 قانون عقوبات فرنسي .
إضافة إلى تحميلها في النصوص القليلة التي أفردها لتحديد الجرائم محل المتابعة سواء ما تعلق منها بجريمة تكوين جمعية الأشرار ” مادة 177 مكرر 1″ أو جريمة تبيض الأموال مادة ” 389 مكرر 7 ” وجريمة المساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات ” مادة 394 مكرر 4 ” .
إلا أنه وباستقراء هذه النصوص السابقة نتوصل إلى أن المشرع الجزائري قد حدد الغرامة التي يمكن فرضها على الشخص المعنوي على أساس تلك المطبقة على الشخص لطبيعي، وذلك في الحالات التي يمكن أن ترتكب فيها الجريمة بواسطة أجهزته أو ممثليه دون أن يساوي بينهما فجعلها تعادل خمس مرات الحد الأقصى للغرامة المقررة للشخص الطبيعي في كل من جريمتي تكوين جمعية الأشرار والمساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات، وأن لا تقل عن أربع مرات في جريمة تبييض الأموال.
ومؤدى ذلك أنه إذا ارتكب شخص معنوي جريمة تبييض الأموال فإن الحد الأدنى لعقوبة الغرامة يكون إما 12.000.000 دج أو 32.000.000 دج حسب الحالة.
وتصبح الغرامة معادلة لـ 500.000 دج أو 10.000.000 دج أو 25.000.000 دج إذا كنا أمام جريمة المساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات، وهكذا تحسب الغرامة جناية أو جنحة أو مخالفة.
ويبدو أن المشرع الجزائري قد وضع في اعتباره أن عقوبة الغرامة تطبق عادة على الشخص الطبيعي مع عقوبة أخرى سالبة للحرية، ولما كانت الأخيرة لا يمكن تطبيقها على الشخص المعنوي فقد وجد أن المساواة تقتضي مضاعفة مبالغ الغرامة التي يحكم بها عليه.
وإذا كان المشرع قد حدد مجال الغرامة في القاعدة العامة في حدها الأدنى والأقصى إلا أنه لم يحدث انسجام سواء بينها وبين النصوص الخاصة المستحدثة في ذات القانون أو بين هذه الأخيرة ذاتها، إذ وضع حدا لإعمال السلطة التقديرية للقاضي في جريمتي تكوين جمعية الأشرار والمساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات إذ جاءت بمعنى اللزوم بالحكم في حدود 05 مرات الحد الأقصى للغرامة المطبقة على الشخص الطبيعي في ذات الجريمة على خلاف نص المادة 389 مكرر7 إذ وضع الحد الأدنى للغرامة تاركا المجال مفتوح لسلطة القاضي فيما يخص الحد الأقصى والذي لا يمكن أن يتجاوز حسب اعتقادنا في كل الأحوال ما جاء في المادة 18 مكرر.
دون أن ننسى الإشارة إلى بعض النصوص الخاصة التي حملها المشرع- بعد تكريس مبدأ المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في كل من قانوني العقوبات و الإجراءات الجزائية-، عقوبة الغرامة كالقانون رقم 18.04 المتعلق بالوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية وقمع الاستعمال والاتجار الغير المشروعين بها ، والأمر رقم 05.05 المتضمن قانون المالية التكميلي لسنة 2005 بالإضافة إلى الأمر رقم 06.05 الخاص بمكافحة التهريب .

ب – المصادرة:
عرفتها المادة 15 قانون عقوبات بأنها الأيلولة النهائية إلى الدولة لمال معين أو أكثر، جاء النص عليها في المادة 18 مكرر، 18 مكرر 1 كعقوبة أصلية في الجنايات، الجنح والمخالفات، إلا أنه ومن منطلق الخاص يقيد العام أسقطت هذه العقوبة من نص المادة 394 مكرر4 الخاصة بجريمة المساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات، بينما أبقي عليها في كل من جريمتي تبييض الأموال و تكوين جمعية الأشرار، إلا انه في الأولى قيد سلطة القاضي في الحكم بها من عدمه فجاءت بصيغة الوجوب مع الغرامة على اختلاف الثانية أطلقها و جعلها عقوبة تخييرية بعد الحكم بالغرامة، و تنصب المصادرة إما على الشيء أو على قيمته:
• مصادرة الشيء ذاته:
حدد المشرع الأشياء محل المصادرة كقاعدة عامة في المادتين 18 مكرر، 18 مكرر 1 و كقاعدة خاصة في جريمتي تبييض الأموال و تكوين جمعية الأشرار –بينما اكتفى بالنص على الغرامة المالية فقط كعقوبة وحيدة لجريمة المساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات بقوله «أن المصادرة تقع على الشيء الذي استعمل في ارتكاب الجريمة أو الناتج عنها» كما تشمل كذالك مصادرة الممتلكات و العائدات محل التبييض إذا كنا أمام جريمة تبييض الأموال.
• مصادرة قيمة الشيء:
يتم مصادرة قيمة الأشياء السابقة إذا كان الشيء المصادر لم يتم ضبطه أو تقديمه للجماعات المسؤولة لذا أجازت المادة 389 مكرر 7 في جريمة تبييض الأموال على خلاف باقي الجرائم أن تكون المصادرة على قيمة هذه الممتلكات في حالة الحجز الإعتباري.

2- عقوبات ماسة بوجود الشخص المعنوي أو حياته:

أ- حل الشخص المعنوي:
يقصد بحل الشخص المعنوي منعه من الاستمرار في ممارسة نشاطه، و هذا يقتضي آن لا يستمر هذا النشاط حتى و لو كان تحت اسم آخر أو مع مديرين أو أعضاء مجلس إدارة أو مسيرين آخرين و يترتب على ذلك تصفية أمواله مع المحافظة على حقوق الغير حسن النية .
ولا شك أن عقوبة الحل تعتبر من اشد أنواع العقوبات التي توقع على الأشخاص المعنوية لذا جعلها المشرع الجزائري جوازيه صراحة في نص المادة 18 مكرر المحددة للعقوبات المطبقة على الأشخاص المعنوية كقاعدة عامة و أكدها في نص المادتين 177 مكرر1، 389 مكرر 7 الخاصتين بجريمتي تكوين جمعية الأشرار و تبييض الأموال على التوالي، بينما استبعدها على إطلاقها من مفهوم المادة 18 مكرر 1 و المادة 394 مكرر 4 و هو ما يفرض علينا التساؤل فإذا كانت أسباب استبعادها في المخالفات يمكن أن نجد له مبرر في عدم خطورتها سنقف من دون شك بلا جواب عند البحث عن أسباب حصر جريمة المساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات في عقوبة الغرامة لا غير دون باقي العقوبات بما فيها الحل رغم خطورتها.
وعلى خلاف المشرع الجزائري الذي لم يتطرق إلى مضمون هذه العقوبة و قواعد تطبيقها جاءت المادة 131/39 من قانون العقوبات الفرنسي للنص على حالتين يجوز فيهما للقاضي الحكم بالحل مع تحديد ماهية الجريمة التي يجوز فيها ذلك، إذا أنشئ الشخص المعنوي لارتكاب الوقائع الإجرامية أو أن يتحول عن هدفه المشروع إلى ارتكاب الجريمة على أن تكون جناية أو جنحة عقوبتها الحبس لمدة 05 سنوات مع إحالته للمحكمة المختصة لإجراء تصفيته..

3- عقوبات ماسة بالنشاط المهني للشخص المعنوي:

أ- غلق المؤسسة أو فرع من فروعها لمدة لا تتجاوز 05 سنوات:
يقصد بها منع ممارسة النشاط الذي كان يمارس قبل الحكم بالغلق و هي ما تقابل نص المادة 131/39 فقرة رابعة قانون عقوبات فرنسي .
وتعد هذه العقوبة من العقوبات الأصلية التي نص عليها المشرع الفرنسي لكثير من الجنايات و الجنح على خلاف المشرع الجزائري الذي أوردها ضمن العقوبات العامة المطبقة على الشخص المعنوي إلا انه لم يتبناها إلا في النص الخاص بجريمة تكوين جمعية الأشرار مستبعدا باقي الجرائم الأخرى بما فيها المخالفات مما يجعل حدود تطبيقها ضيق بالرغم من أهمية هذه الجرائم لمثل هذه العقوبة خاصة و أنها خاضعة لتقدير القاضي بعد الحكم بالغرامة و بصفة مؤقتة لمدة لا تتجاوز 05 سنوات يحددها الحكم الصادر بالإدانة.

ب-المنع من ممارسة نشاط مهني أو اجتماعي:
أوردت المادة 18 مكرر قانون عقوبات المقابلة لنص المادة 131/39 فقرة ثانية عقوبات فرنسي ، عقوبة المنع من ممارسة نشاط مهني أو اجتماعي في الجنايات و الجنح إلا انه و كباقي العقوبات افردها لجريمتي تكوين جمعية الأشرار و تبييض الأموال دون باقي الجرائم الأخرى.
إلا أن الملاحظ عند استقراء هذه النصوص غياب التنسيق بين القاعدة العامة و النصوص الخاصة بالجرائم محل المساءلة إذ جاءت نص المادة 177 مكرر1 بصيغة الإلزام بالحكم لمدة 05 سنوات مع التوسع في مجال تحديد النشاط الذي أدى إلى الجريمة أو الذي ارتكبت الجريمة بمناسبته، على خلاف نص المادة 389 مكرر7 تركت المجال مفتوح لإعمال السلطة التقديرية للقاضي عند الحكم بها لمدة لا تتجاوز 05 سنوات دون تحديد مجال النشاط على عكس ما اتجه له التشريع الفرنسي في تعريفه لمفهوم النشاط المهني أو الاجتماعي في المادة 131/28 منه .

4-العقوبات الماسة ببعض الحقوق:

أ- الإقصاء من الصفقات العمومية لمدة لا تتجاوز 05 سنوات:
يقصد بهذا الإجراء حرمان الشخص المعنوي من التعامل في أية عملية يكون طرفها احد أشخاص القانون العام كما جاءت به المادة 131/34 قانون عقوبات الفرنسي.
ويستوي أن تكون الصفقة منصبة على أعمال عقارية أو منقولة، و سواء تعلقت بالقيام بعمل أو تقديم خدمة أو مواد معينة، و يمنع على الشخص المعنوي الاقتراب من الصفقة التي يكون احد أطرافها شخص من أشخاص القانون سواء مباشرة أو غير مباشرة، و هذا يعني انه لا يجوز التعاقد من الباطن مع شخص معنوي آخر تعاقد مباشرة مع الشخص المعنوي العام .
لذا جاء النص على هذه العقوبة كقاعدة عامة في نص المادة 18 مكرر في كل من الجنايات و الجنح دون المخالفات بصيغة الجواز بعد الحكم بالغرامة، و تم تضمينها في النص الخاص بجريمة تكوين جمعية الأشرار دون باقي الجرائم الأخرى إلا أنها وردت بصيغة اللزوم من حيث تحديد مدة الإقصاء بخمس سنوات، مما يدعو إلى تقييد سلطة القاضي في الحكم بخلافها.

ب- الوضع تحت الحراسة القضائية لمدة لا تتجاوز 05 سنوات:
يتمثل هذا الإجراء في وضع الشخص المعنوي تحت حراسة القضاء، و هو بالتالي يقترب كثيرا من نظام الرقابة القضائية، جاء النص عليه في المادة 18 مكرر المحددة للعقوبات المطبقة على الشخص المعنوي بما فيها المخالفات، و قد حدد هذا الإجراء لمدة مؤقتة لا تتجاوز 05 سنوات تنصب على حراسة النشاط الذي أدى إلى الجريمة أو الذي ارتكبت الجريمة بمناسبته.
إلا أن ما يعيب على هذا النص هو عدم تضمينه لإجراءات الحراسة القضائية على أنشطة الشخص المعنوي على خلاف التشريع الفرنسي في نص المادة 131/46 قانون عقوبات، إذ جعل الحكم الصادر بهذا الإجراء يعين وكيلا قضائيا مع تحديد مهامه في الإشراف على الأنشطة التي بموجب ممارستها أو بمناسبتها ارتكبت الجريمة، مع تقديم كل 06 أشهر تقريرا إلى قاضي تطبيق العقوبات عن المهمة المكلف بها، ليعرض على القاضي مصدر الأمر حتى يتمكن من تغيير العقوبة أو رفع الحراسة القضائية أو الإبقاء عليها .

5- العقوبات الماسة بالسمعة:

أ- نشر وتعليق حكم الإدانة:
يقصد به نشر حكم الإدانة بأكمله أو مستخرج منه فقط في جريدة أو أكثر تعينها المحكمة أو تعليقه في الأماكن التي يبينها الحكم على أن لا تتجاوز مدة التعليق شهر واحد.
ويكون ذلك على نفقة المحكوم عليه في حدود ما تحدده المحكمة لهذا الغرض من مصاريف، ولا يميز المشرع في نص المادة 18 مكرر بين الجناية والجنحة، إذ يجوز الحكم بها في كل الجرائم، غير أنه يشترط أن تكون هذه العقوبة مقررة بنص صريح في القانون، وهو ما لم يتبناه في كل الجرائم المستحدثة لمساءلة الشخص المعنوي في ظل تعديل قانون العقوبات بما فيها المخالفات.

المطــلب الثانـــــي
التــدابيـــر المتخــذة في مواجهـة الشخــص المعنــوي

يعد تدبير الأمن الصورة الثانية للجزاء الجنائي يعرفها علماء العقاب على أنها مجموعة الإجراءات التي يصدرها القاضي لمواجهة الخطورة الإجرامية الكامنة في شخص مرتكب الجريمة بغرض تخليصه منها.
وإذا كان قانون العقوبات الجزائري لم يعرف تدابير الأمن فقد نص عليها في المادة الأولى وسوى بينها وبين العقوبة من حيث خضوعها لمبدأ الشرعية بنصه «العقوبة درجة واحدة ولا عقوبة
أو تدابير أمن بغير قانون » كما أشار إليها في المادة الرابعة التي نصت فقرتها الأولى على أن «يكون جزاء الجرائم بتطبيق العقوبات وتكون الوقاية منها باتخاذ تدابير أمن » وأضافت في فقرتها الأخيرة أن لتدابير الأمن هدف وقائي وهي إما شخصية وإما عينية.
وبذلك يكون المشرع قد قسم تدابير الأمن إلى تدابير شخصية وأخرى عينية، وما يهمنا هو النوع الأخير لارتباطها بالشخص المعنوي ومنها نتساءل عن مكانتها بين العقوبات المستحدثة في ظل تعديل قانون العقوبات؟.
من منطلق مبدأ الشرعية نقول أن المشرع الجزائري أستبعد صراحة تضمين العقوبات المستحدثة للشخص المعنوي في ظل تعديله لقانون العقوبات التدابير الاحترازية واقتصر على حصرها في العقوبات الأصلية نظرا لطبيعة الشخص المعنوي في حد ذاته.
إلا أنه وباعتبار أن العقوبات الموقعة لا تهدف إلى التكفير عن الذنب أو إصلاح حال الجاني كما هو الحال بالنسبة للشخص الطبيعي، وإنما تهدف أساسا إلى تحقيق الردع، كان من الأجدر لو أفرد التعديل الجديد بعض العقوبات كتدابير يرجع إعمالها إلى السلطة التقديرية للقاضي خاصة ما تعلق بعقوبة الإقصاء من الصفقات العمومية، الوضع تحت الحراسة القضائية أو المنع من مزاولة نشاط أو عدة أنشطة مهنية أو اجتماعية تطبق بجانب باقي العقوبات الأصلية الأخرى خاصة وأن طبيعة هذه العقوبات تميل إلى كونها عقاب أكثر منـه تد بير.

المبحث الثالث
مجال تطبيق العقـوبة على الأشخاص المعنـوية

أعطى المشرع الفرنسي سلطة تقديرية كبيرة في تحديد العقوبة الواجبة التطبيق، وهذه السلطة ليست قاصرة على تحديد عقوبة الشخص الطبيعي، وإنما تمتد أيضا إلى الشخص المعنوي في الحالات التي يتواءم فيها استخدام هذا الأمر، فهو يستطيع بحرية ودون حاجة لإبداء الأسباب لأن يحدد مقدار العقوبة، وفي تحديده هذا يضع في اعتباره مقدار الضرر الذي نتج عن الجريمة وجسامة الخطأ المنسوب إلى المتهم وشخصية هذا الأخير ، ولعل من أهم مظاهر هذه السلطة فيما يتعلق بتطبيق العقوبة على الشخص المعنوي.
سلطة القاضي في وقف تنفيذ العقوبة وفي الإعفاء منها أو تأجيلها مع التشديد في العقاب في حالة العود.
فما مكانة هذه السلطات في ظل استحداث المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في تعديل قانوني العقوبات والإجراءات الجزائية؟
الإجابة عن هذا التساؤل ستكون محور دراستنا في هذا المبحث بداية بتحديد سلطة القاضي في وفق تنفيذ العقوبة ( المطلب الأول ) ثم الإعفاء منها أو تأجيل النطق بها مع تشديدها في حالات العود ( المطلب الثاني ).

المطـلب الأول
وقــف تنـــفيـــذ العقـــــــوبة

يعد وقف تنفيذ العقوبة من أهم صور السلطة التقديرية الممنوحة للقاضي أخذ به المشرع الجزائري وطبقه على الحبس والغرامة على حد سوى منذ صدور قانون الإجراءات الجزائية بموجب الأمر رقم 155.66 المؤرخ في 08/06/1966، حيث أجاز للقاضي تعليق تنفيذ عقوبتي الحبس و الغرامة المقضي بهما و أوقف ذلك على شروط معينة و رتب آثار محددة.
وإذا كان القانون الجزائري قد أدرج نظام وقف التنفيذ ضمن أحكام قانون الإجراءات الجزائية ،فان اغلب التشريعات نصت عليه في قانون العقوبات كالقانون الفرنسي الذي افرد نصوصا خاصة بمجال تطبيق العقوبة على الشخص المعنوي بعد استحداثه لمسؤوليته الجزائية بقانون 16/12/1992، على خلاف ما جاء به تعديل 10 نوفمبر 2004 لكل من قانوني العقوبات والإجراءات الجزائية إذا حددا دائرة المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي من حيث شروط المتابعة، الجرائم و الأشخاص محل المساءلة و العقوبات المطبقة، إلا انه لم ينص على كيفية تطبيقها و متابعتها من حيث سلطة القاضي في الحكم بوقف التنفيذ، و كما انه لا يمكن إسقاط أحكام الكتاب السادس، الباب الأول منه الخاص بوقف تنفيذ العقوبات المحكوم بها في مواجهة الشخص الطبيعي لعدم تطابقها مع طبيعة الشخص المعنوي لا من حيث الشروط المتعلقة بالجريمة و لا بالجاني و لا حتى بالعقوبات في حد ذاتها، خاصة في غياب صحيفة سوابق قضائية لقيد العقوبات التي يمكن أن يحكم بها في مواجهة الهيئات الاعتبارية.
وهو عكس ما سار فيه التشريع الفرنسي إذ منح القاضي سلطة تقديرية واسعة بعد أن استحدث نظام خاص بتطبيق العقوبة على الشخص المعنوي من حيث التوسع في إمكانية منح وقف التنفيذ في الجنايات و الجنح إذا ثبت انه لم يسبق الحكم عليه في خلال خمس سنوات السابقة على ارتكابه الجريمة بغرامة تزيد عن 400000 فرانك و في المخالفات إذا ثبت عدم عقابه من جناية أو جنحة بغرامة تزيد على 100000 فرانك خلال المدة السابقة .
إضافة إلى تحديد آثار وقف التنفيذ مفرقا بين الجنايات و الجنح من ناحية و المخالفات من ناحية أخرى، إذ جعل مدة التجربة بالنسبة للأحكام الصادرة في الجنايات و الجنح خمس سنوات على خلاف المخالفات سنتين يبتدئ احتسابها من تاريخ صيرورة الحكم نهائيا، و يلغى إذا ارتكب الشخص المعنوي خلال فترة التجربة جناية أو جنحة و صدر فيها حكم غير مشمول بوقف التنفيذ إضافة إلى ارتكاب مخالفة من الدرجة الخامسة في المخالفات.
وأمام كل هذا و في غياب النص تبقى مسألة وقف تنفيذ العقوبة المطبقة على الشخص المعنوي كلها أو جزء منها لا محل لها من التطبيق في ظل التعديل الجديد ،و هذا راجع إلى التسرع في تكريس المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي دون العمل على تعديل القانونين وفق ما يتماشى مع هذا المسؤول الجديد و هو ما نرتقبه في التعديلات اللاحقة لخلق نظام إجرائي مطابق لطبيعة الشخص المعنوي.

المطــلب الثـــــاني
الإعـــفاء من العقــوبة أو تأجيـل النطـق بــها

منذ تكريس مبدأ المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في التشريع الفرنسي كان من الضروري خلق إجراءات خاصة للتعامل مع هذا المسؤول الجديد.
ومن هذا المنطلق أستحدث فصول و أحكام استثنائية تتماشى و طبيعة الشخص المعنوي، لذا نص على سلطة القاضي في الإعفاء من العقوبة على أن يكون الحـكم صـادرا في جنحة أو مخالفة و بثبوت صلاح المتهم و الضرر الناشئ عن الجريمة مع جواز عدم وضع الحكم في صحيفة السوابق القضائية.
كما منحه سلطة تأجيل النطق بالعقوبة باختلاف صوره: تأجيل بسيط و تأجيل مع الالتزام بعمل معين، بحيث يهدف من الأول إلى تمكين الشخص المعنوي من تحقيق الشروط التي نص عليها المشرع لإعفائه من العقاب، على أن يكون ممثله حاضرا في الجلسة ليحدد القاضي في حكمه تاريخا للفصل في العقوبة إما بإعفائه على أساس توافر الشروط أو ينطق بالعقوبة التي يراها مناسبة أو يقرر تأجيل البث فيها مرة أخرى.
ويهدف من الثاني إلى تأجيل الفصل في العقوبة لفترة محددة مع إلزام الشخص المعنوي بتنفيذ التزامات غالبا ما تكون محددة، و هذا التأجيل لا يكون إلا مرة واحدة و يتم على الرغم من حضور ممثله ليحدد الفصل في العقوبة تبعا لما إذا تم تنفيذ الالتزامات المطلوبة منه أم لا ليقوم بالنطق بالعقوبة أو الإعفاء منها أو إجباره على تنفيذ الالتزامات المفروضة عليه على نفقته .
كما حدد حالات العود و إجراءات تطبيقه بالنسبة للشخص المعنوي حسب مقدار الغرامة المحكوم بها نهائيا في جناية أو جنحة أو مخالفة .
بالمقابل جاء تكريس مسؤولية الشخص المعنوي عقب تعديل كل من قانوني العقوبات و الإجراءات الجزائية مفرغا من محتواه، من حيث العقوبات المكرسة و الإجراءات المتخذة، و هذا راجع إلى التسرع في تكريسها دن إعادة النظر في النصوص المنظمة لها، فغلت سلطة القاضي في الأخذ بمثل النظام الفرنسي المستحدث من حيث الإعفاء من العقوبة أو تأجيل النطق بها، في غياب نصوص قانونية تترجم ذلك، بالإضافة إلى الإشكالات العملية التي ستطرح لا محالة من حيث إمكانية تطبيق العود كظرف مشدد للعقاب بالنسبة للشخص المعنوي خاصة في غياب صحيفة سوابق قضائية لقيد العقوبات، و حتى إذا سلمنا بذلك فما طبيعة العقوبات المطبقة في حالة العود ؟
طبعا لا نستطيع إسقاط النصوص القانونية العامة الواردة في كل من القانونين و إعمالها للجواب نظرا لاختلاف طبيعة التعامل مع الشخص الطبيعي و الشخص المعنوي، و هو ما يجعل من المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية من دون تكريس عملي و في الكثير من الحالات تفرض على القاضي أن يقف أمامها من دون حل في انتظار ما تسفر عليه التعديلات اللاحقة.
ودون أن ننسى الإشارة إلى التساؤل الذي يفرض نفسه خاصة بعد التكريس الصريح لهذه المسؤولية مما سيؤدي حتما إلى صدور أحكام بالإدانة و يحدث أن يتقدم بطلب لرد اعتبار الشخص المعنوي ؟
فهل تسري عليه أحكام الكتاب السادس الباب السادس من قانون الإجراءات الجزائية الخاصة برد الاعتبار المحكوم عليهم ؟
الجواب نجده في النصوص ذاتها الموجهة إلى رد اعتبار الشخص الطبيعي المحكوم عليه مما يستبعد الشخص المعنوي من دائرتها و يضعنا أمام حالة فراغ أو عدم انسجام بين النصوص المستحدثة إذ تم تكريس مبدأ المسؤولية دون الأخذ في الاعتبار ما يترتب عن ذلك لمواجهته بتعديل باقي النصوص القانونية، أسوة بالمشرع الفرنسي الذي استحدث نظام خاص يتماشى و طبيعة الشخص المعنوي، بداية بصحيفة سوابق قضائية إضافة إلى نصوص خاصة تنظم حالات وقف التنفيذ، الإعفاء من العقوبة، تأجيلها، العود، رد الاعتبار بنوعيه القانوني و القضائي وإجراءات مباشرته…. .
وهو ما نرتقبه في التعديلات اللاحقة حتى يعطي ضمانة أكثر لتفعيل المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي خاصة و أن الفرصة متاحة في مشروع تعديل قانون العقوبات المرتقب عرضه في غضون هذه الأشهر على البرلمان عسى أن يأتي بحلول تجيب عن الإشكالات المطروحة و التي تجعل القاضي في الكثير من الأحيان يقف موقف سلبي اتجاه ما يعرض عليه من نزاعات في غياب النص القانوني.

الخــــاتمــــــــة

تعرضنا عبر هذه الدراسة للمسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية المرحلية إلى غاية التكريس الفعلي وفقا لتعديل كل من قانوني العقوبات و الإجراءات الجزائية، و تبين لنا أن المشرع الجزائري قد اخرج من نطاق هذه المسؤولية الدولة و الجماعات المحلية التي تتبعها، و الأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون العام، هذه الأخيرة التي أبدينا حولها التساؤل من حيث نوعها و أسباب استبعادها على خلاف التشريعات المقارنة.
و استلزم لقيامها أن يتم ارتكاب الجريمة لحساب الشخص المعنوي عن طريق أحد أعضائه أو ممثليه، كما حدد العقوبات التي يمكن تطبيقها في إطار تكريس هذه المسؤولية على الجرائم محل المساءلة بعد أن حصرها في أضيق نطاق و هو ما يآخذ عليه نظير التسرع في إقرارها، ليحدد بعض الإجراءات الخاصة بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي و بصفة خاصة ما يتعلق بقواعد الاختصاص، و تحديد الشخص الذي يمثله أمام القضاء و الضمانات التي يتمتع بها و التي اعتبرها البعض –بحق- من قبيل الحصانة الإجرائية.
فهل وفق ما تقدم من عرض أسباب و دوافع للاعتراف بهذه المسؤولية أن نقول إن المشرع الجزائري وصل حقيقة إلى التكريس الفعلي للمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي؟.
الحقيقة أن الإجابة الدقيقة على هذا السؤال لا يمكن تقديمها الآن ، فالأمر يتوقف على التطبيق الفعلي لهذه المسؤولية، و ما يكشف عنه العمل من اكتمال بنيانها أو نقصا في بعض جوانبها.
و في كل الأحوال فإننا نستطيع إبداء مجموعة من الملاحظات على قواعد المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي وفقا لتعديل كل من قانوني العقوبات و الإجراءات الجزائية:

 إن المشرع الجزائري و إن أقر المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية إلا أنه أبقى عليها في إطار ضيق من حيث الجرائم محل المتابعة في الجنايات والجنح المحددة حصرا في قانون العقوبات في جريمة تبييض الأموال، تكوين جمعية أشرار و المساس بالأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات، إضافة إلى المخالفات، هذه الأخيرة أفرد لها نصا عقابيا لن تجد له طريقا للتطبيق لا قانونا ولا عملا في غياب مبدأ شرعية الجرائم محل المساءلة، وهو ما نرتقبه في التعديلات اللاحقة لتوسيع نطاقها مع الحفاظ على خصوصيتها حتى لا يجد القاضي نفسه أمام حالات وليدة الواقع المتشعب تؤدي به إلى الحكم بالبراءة و إلحاق ضرر إضافي للضحية هو في غنى عنه، وذلك بتوسيع مجال التدابير المنصوص عليـها في المادة 51 مكرر بالتنصيص في نهاية كل فصل من قانون العقوبات على تطبيق مبدأ المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي ليشمل بذالك كافة الجرائم.
و هكذا يسأل جزائيا الشخص المعنوي في القانون الفرنسي عن كافة الجرائم ضد الأموال و عن القتل العمد و كل جرائم العنف غير العمدي كما يسأل عن الجرائم الإرهابية و الرشوة و التزييف و تزوير النقود….
 إن المشرع الجزائري و إن حدد الأشخاص المعنوية المسؤولة جزائيا إلا انه لم يحدد مسؤولية هؤلاء الأشخاص في مرحلة التكوين و التصفية و مسؤولية الأشخاص المعنوية الواقعية وشركات المحاصة، و يصعب الركون إلى الحلول التي قدمها فقهاء القانون في هذا المجال فما يصلح في نطاق القانون المدني أو التجاري قد لا يصلح في نطاق قانون العقوبات الذي يحكمه مبدأ التفسير الضيق.
 إن المشرع الجزائري قد حصر مسؤولية الشخص المعنوي في حالة ارتكاب الجريمة لحسابه و بواسطة أحد ممثليه أو أعضائه، وقد كان حريا به –تحقيقا للعدالة- أن يمد هذه المسؤولية حتى في حالة ارتكاب الجريمة بواسطة أحد العاملين فيه، فمن ناحية نجد أن بعض الموظفين ليسوا من أعضاء الشخص المعنوي أو ممثليه و على الرغم من ذلك لهم تأثير كبير في اتخاذ القرار، و من ناحية ثانية فقد يترتب على تصرف عامل بسيط وقوع كارثة بحيث تلقى المسؤولية الجزائية على عاتقه وحده على الرغم من أن الفاعل الحقيقي هو الشخص المعنوي الذي لم يراعي الإجراءات الأمنية اللازمة.
 إن المشرع الجزائري و إن استحدث المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي إلا انه لم يحدث انسجام من حيث العقوبات بين النصوص التي تحكم الجرائم المتابع بها فيما بينها و بين القاعدة العامة الواردة في المادة 18 مكرر رغم تنوع العقوبات المستحدثة.
 إ ن المشرع الجزائري و إن أقر مسؤولية الشخص المعنوي الجزائية و هي خطوة جريئة فرضتها التحولات الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية إلا انه تسرع في إقرارها دون النظر إلى تعديل باقي النصوص القانونية الأخرى وفق ما يتماشى مع طبيعة الشخص المعنوي و هو ما سيرتب إشكالات عملية عند التطبيق تفرزها ذات النصوص في غياب إمكانية إسقاط القواعد العامة الواردة في القانونين لاختلاف طبيعة التعامل بين الشخص المعنوي و الطبيعي مما يجعل تعديل كل من قانوني العقوبات و الإجراءات الجزائية جاء بعيدا عن تكريس عدة نقاط إيجابية كان من المفروض استحداثها مع فكرة إقرار المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي مما جعل تطبيقها مبتور في كثيرا من الأحيان في انتظار ما يمكن تعديله في القوانين اللاحقة للإجابة عن التساؤلات التالية:
 أين يمكن قيد العقوبات الصادرة بالإدانة ضد شخص معنوي في غياب صحيفة السوابق القضائية ؟
 هل يمكن إعمال السلطة التقديرية للقاضي في وقف تنفيذ العقوبة أو التخفيف منها في غياب النص القانوني ؟
 كيف يتعامل القاضي مع شخص معنوي في حالة عود ؟ هل يمكن تطبيقه ؟ و ما هي العقوبات المطبقة ؟ كل هذا في غياب صحيفة سوابق قضائية و نص قانوني ينظم ذلك.
 ما هي إجراءات رد الاعتبار بنوعية للشخص المعنوي في غياب ما يشير إلى ذلك ؟
الإجابة عن هذه التساؤلات و غيرها هو ما نرتقبه في التعديلات اللاحقة، و إلى غاية ذلك تبقى المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي خطوة كان يجب القيام بها، إلا أنها جاءت نتيجة التسرع في استحداثها مما جعل نصوصها لا تخدم العديد من النقاط القانونية و التي ستطرح لا محالة إشكالات عملية تتطلب الحل السريع.
و في النهاية يمكن القول أن تحقيق الأهداف الأساسية للاعتراف بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي لا يكون عن طريق التنظيم التشريعي وحده و إنما بتطبيق هذه النصوص فعلا عن طريق القضاء، فالمشرع قدم ما في جعبته على الرغم من النقائص التي لا زالت تشوب النصوص المستحدثة و التي نرتقب تداركها قريبا على اثر تعديل كل من قانوني العقوبات و الإجراءات الجزائية ليبقى بعدها دور القضاء، و على أساس هذا الدور يمكن تقييم نتائج الاعتراف بهذه المسؤولية خاصة و أن الفرصة متاحة في مشروع تعديل قانون العقوبات الذي سيعرض قريبا على البرلمان لمناقشته و هو ما نتوسم فيه أن يعنى بمعالجة و تدارك هذه المشاكل التي ستطرح لا محالة عند التطبيق.
هذه بعض اقتراحاتنا المتواضعة التي ارتأينا طرحها للمساهمة في التعرف على هذا النوع من المسؤولية، وإذا كنا قد سعينا للإحاطة بكل جوانب متابعة الشخص المعنوي وتحديد مسؤوليته جزائيا، إلا أننا لم نوفها حقها في البحث، وقد حالت دون ذالك اعتبارات عدة منها على سبيل المثال لا الحصر قلة توافر ما يكفي من المراجع الضرورية وعدم وجود اجتهادات وأحكام قضائية بالإضافة إلى وجود نقاط تقنية تستدعي معالجتها الإلمام بمعارف اختصاصات مختلفة.

قائمة المراجع:

أولا المؤ لفات :
أ – باللغة العربية:
1- الدكتور أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، الطبعة الثانية منقحة ومتممة 2004.
• الوجيز في القانون الجزائي الخاص – الجرائم الواقعة ضد الأشخاص والجرائم الواقعة ضد الأموال،الأول، طبعة منقحة ومتممة 2005.
• الوجيز في القانون الجنائي الخاص، الجزء الثاني طبعة 2004.
2- الدكتور أحمد مجحودة، أزمة الوضوح في الإثم الجنائي في القانون الجزائري والقانون المقارن، الجزء الأول دار النهضة 2000.
3- الدكتور الغوثي بن ملحة، القانون القضائي الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية، الطبعة الثانية 1989.
4- الدكتور رضا فرج، شرح قانون العقوبات الجزائري، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر 1976.
5- الدكتور فتوح عبد الله الشاذلي وعبد القادر القهواجي، شرح قانون العقوبات، النظرية العامة للجريمة،المسؤولية والجزاء، جامعة الإسكندرية 1997.
6 – د/ناصر لباد، القانون الإداري، النشاط الإداري الجزء الثاني، الطبعة الأولى، 2004.
7- الدكتور محمد علي العريان، الجرائم المعلوماتية، دار الجامعة الجديدة للنشر طبعة 2005.
8- د/محمد أبو العلاء عقيدة، الاتجاهات الحديثة في قانون العقوبات الفرنسي الجديد، دار الفكر العربي لبنان 1997.
9- الدكتور يحي أحمد موافي، الشخص المعنوي ومسؤولياته قانونا، منشأة المعارف الإسكندرية 1997 . —
10-الدكتور توفيق حسن فرج، مدخل العلوم القانونية، النظرية العامة للحق، الإسكندرية، مؤسسة الثقافة الجامعية، الطبعة الأولى 1978.
11- الدكتور رمضان أبو السعود، شرح مقدمة القانون المدني، النظرية العامة للحق، دار المطبوعات الجامعية الإسكندرية 1999.
12- الدكتور سمير عالية شرح قانون العقوبات العام، دراسة مقارنة 1998.
13- فريدة زاوي المدخل للعلوم القانونية، نظرية الحق، المؤسسة الوطنية للفنون، مطبعة الجزائر 2002.
14- الدكتور عمر سالم، المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي وفقا لقانون العقوبات الفرنسي، جامعة القاهرة، الطبعة الأولى 1995.
15- الدكتور عبد الحكيم فودة، شركات الأشخاص، دار الفكر الجامعي الإسكندرية، بدون سنة طبع.
16- الدكتور عمار عوابدي، القانون الإداري، النظام الإداري، الجزء الأول، ديوان المطبوعات الجامعية 2000.
17- الدكتور عمار بوضياف، الوجيز في القانون الإداري، دار الريحان الجزائر 1999.
18-الدكتور شريف سيد كامل، المسؤولية الجنائية للأشخاص الاعتبارية دار النهضة العربية الطبعة الأولى 1997.
ب – باللغة الفرنسية:
1- Droit pénal général, jean larguier 18 em édition Dalloz 2001
2- Doit pénal, procédure pénal, jacques borricand, Anne marie Simon, 2em édition Dalloz 2000.
3- Droit pénal, procédure pénale, Thierry garé, Catherine ginester édition Dalloz 2000.
4, Gaston stefani, georges Levasseur, Bernard bouloc- Droit pénal général 17 em édition Dalloz 2000.
5- Didier boccon gibood, La responsabilité pénal des personnes morales, présentation théorique et pratique, adition elxandre lecassagne.
6- Henri donnedien de vabres, les limites de la responsabilité pénale des personnes morales R.I.O.P édition 1995
7- jean pradel droit pénale général 12 em édition CUJAS 1999.
ثانيا/ النصوص التشريعية:
 أ – القوانين العضوية، القوانين و الأوامر:
 القانون رقم 04-14 المؤرخ في 10 نوفمبر 2004 المعدل والمتمم للأمر 66-155 المتضمن قانون الإجراءات الجزائية.
 القانون رقم 04 15 المؤرخ في 10 نوفمبر 2004 المعدل والمتمم للأمر 66-156 المتضمن قانون العقوبات.
 Code pénal français édition Dalloz 2000
 Code de procédure pénal français, code de justice militaire, quarante troisième édition Dalloz 2000
 القانون رقم 90/31 المؤرخ في 24/02/90 المتضمن قانون الجمعيات.
 القانون رقم 90/36 المؤرخ في 31/12/1990 المتضمن قانون المالية لسنة 1991 المعدل بالقانون رقم 91/25 المؤرخ في 19/07/03 المتضمن قانون المالية لسنة 1992.
 القانون رقم 03/09 المؤرخ في 19/07/03 المتضمن قمع جرائم مخالفة أحكام اتفاقية حظر إستحداث وإنتاج وتخزين واستعمال الأسلحة الكيماوية و وتدميرها .
 القانون رقم 01-88 المؤرخ في 12/01/1988 المتضمن قانون توجيه المؤسسات العمومية.
 القانون رقم 98-11 المؤرخ في22/08/1998 المتضمن القانون التوجيهي والبرنامج الخماسي حول البحث العلمي والتطوير التكنولوجي.
 القانون رقم 99-55 المؤرخ في 04/04/1999 والمتضمن القانون التوجيهي للتعليم العالي – المؤسسات العمومية ذات الطابع العلمي والثقافي والمهني.
 القانون رقم 04-18 المؤرخ في 25 ديسمبر 2004 المتعلق بالوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية..
• الأمر رقم 03/01 المؤرخ في 19 فيفري 2003 يعدل ويتمم الأمر رقم 96-22 المؤرخ في 09 يوليو 96 المتعلق بقمع مخالفة التشريع والتنظيم الخاصين بالصرف وحركة رؤوس الأموال من والى الخارج.
• الأمر رقم 01-04 المؤرخ في 20/01/2001 المتعلق تنظيم المؤسسات العمومية الاقتصادية وتسييرها وخوصصتها.
• الأمر رقم 75-37 المؤرخ في 25 أفريل سنة 1975 المتعلق بالأسعار وقمع المخالفات الخاصة بتنظيم الأسعار، الملغى بالقانون رقم 89-12، الملغى بدوره بالأمر رقم 95-06 المؤرخ في 25/01/95 المتضمن قانون المنافسة،الملغى بالأمر رقم 03-03 المؤرخ في 19/07/2003 المتعلق بالمنافسة المصادق عليه بالقانون رقم 03-12 المؤرخ في 25-10-2003 .
• الأمر رقم 05-06 المؤرخ في 23 غشت 2005 التعلق بمكافحة التهريب.
• الأمر رقم 05-05 المؤرخ في 25 يوليو 2005 المتضمن قانون المالية التكميلي لسنة 2005.
• الأمر رقم 75-58 المؤرخ في 20 رمضان عام 1395 ه الموافق ل:26 ديسمبر 1975 المتضمن القانون المدني، المعدل و المتمم بموجب القانون رقم 05-10 المؤرخ في 20/06/2005.
• الأمر رقم 75-59 المؤرخ في 20 رمضان عام 1395 ه الموافق ل:26 ديسمبر 1975 المتضمن القانون التجاري، المعدل و المتمم بموجب القانون رقم 05-02 المؤرخ في 06/02/2005.
ب- النصوص التنظيمية: (أهم المراسيم )
 مرسوم تنفيذي رقم 05-303المؤرخ في 20/08/2005 المتضمن إنشاء المدرسة الوطنية للقضاء ESM
 مرسوم تنفيذي رقم 95-84 المؤرخ في 22/03/1995 المتضمن إنشاء الديوان الوطني للخدمات الجامعية ONOU
 مرسوم تنفيذي رقم 01 -282 المؤرخ في24-09-2001 المتضمن إنشاء الوكالة الوطنية لتطورالاستثمار ANDI.
 مرسوم تنفيذي رقم 97-466 المؤرخ في02/12/1997 يحدد قواعد إنشاء القطاعات الصحية وتنظيم وسيرها.
 مرسوم تنفيذي رقم 91 -14 المؤرخ في 12/05/1991المتضمن تغيير الطبيعة القانونية للقوانين الأساسية لدواوين الترقية والتسيير العقاري OPGI.
 مرسوم تنفيذي رقم 91-148 المؤرخ في 12-05-1991 والمتعلق بإنشاء الوكالة الوطنية لتحسين السكن وتطويره AADL.
 مرسوم تنفيذي رقم 01-101 المؤرخ في 21/04/2001 المتعلق بإنشاء الجزائرية للمياه ADE.
 مرسوم تنفيذي رقم 2002 .43 المؤرخ في 14/01/2002 يحدد قواعد إنشاء بريد الجزائر.
 مرسوم رئاسي رقم 02.195 المؤرخ في 01 /06/2002 المتعلق بالقانون الأساسي للشركة الجزائرية للكهرباء و الغاز المسماة “سونلغاز ” شركة ذات أسهم”.
 مرسوم تنفيذي رقم 07.92 المؤرخ في 04 جانفي 1992 المتعلق بالنظام القانوني لصناديق الضمان الاجتماعي و التنظيم الإداري.
 مرسوم رئاسي رقم 98.99 متضمن تعديل أحكام القانون الأساسي لصندوق التقاعدات العسكرية.
ثالثا: التقارير:
• عرض أسباب مشروع القانون المعدل و المتمم للأمر رقم 155.66 الموافق لـ: 8 يونيو 1966 المتضمن قانون الإجراءات الجزائية. أكتوبر 2003.
• عرض أسباب مشروع القانون المعدل و المتمم للأمر رقم 156.66 الموافق لــ: 8 يونيو 1966 المتضمن قانون العقوبات.
• التقرير التمهيدي عن مشروع القانون المعدل و المتمم للأمر رقم 155.66 المؤرخ في 8 يونيو 1966 المتضمن قانون الإجراءات الجزائية ، لجنة الشؤون القانونية و الإدارية و الحريات ، الفترة التشريعية الخامسة ، دورة الخريف سبتمبر 2004 ، المجلس الشعبي الوطني .
• التقرير التمهيدي عن مشروع القانون المعدل و المتمم للأمر رقم 156.66 الموافق لــ 8 يونيو 1966 المتضمن قانون العقوبات، لجنة الشؤون القانونية و الإدارية و الحريات، الفترة التشريعية الخامسة، دورة الخريف سبتمبر 2004، المجلس الشعبي الوطني.

 الـمـلحـق
01- قرار غرفة الجنح و المخالفات المؤرخ في 04/12/1997 تحت رقم 122336 غير منشور.
02- قرار غرفة الجنح و المخالفات المؤرخ في 04/12/1997 تحت رقم 122336 غير منشور.