بحث مفصل حول الجريمة المنظمة

مقال حول: بحث مفصل حول الجريمة المنظمة

بحث مفصل حول الجريمة المنظمة

الــفهـرس
المقدمة

الفصل التمهيدي:مفهوم الجريمة المنظمة عبر الوطنية وخصائصها وأهدافها وآثارها.
المبحث الأول:مفهوم الجريمة المنظمة عبر الوطنية
المطلب الأول:المفهوم اللغوي والفقهي
المطلب الثاني:الجهود الدولية لتعريف الجريمة المنظمة
المبحث الثاني:خصائص وأهداف الجريمة المنظمة
المطلب الأول: خصائص الجريمة المنظمة
المطلب الثاني: أهداف الجريمة المنظمة
المبحث الثالث:آثار الجريمة المنظمة
المطلب الأول :آثار الجريمة المنظمة على المستوى الدولي
المطلب الثاني: آثار الجريمة المنظمة على المستوى الوطني

الفصل الأول: صور بعض الجرائم المنظمة
المبحث الأول : غسيل الأموال وعلاقته بالجريمة المنظمة
المطلب الأول:تعريف جريمة غسيل الأموال وعلاقتها بالجريمة المنظمة
المطلب الثاني:مكافحة غسيل الأموال في الاتفاقيات الدولية والتشريع الكويتي
الفرع الأول:مكافحة غسيل الأموال في الاتفاقيات الدولية
الفرع الثاني: مكافحة غسيل الأموال في التشريع الكويتي
المبحث الثاني:تجارة الرقيق وعلاقتها بالجريمة المنظمة
المطلب الأول : تجارة الرقيق وعلاقتها بالجريمة المنظمة
المطلب الثاني: التعاون الدولي في مكافحة تجارة الرقيق وموقف المشرع الكويتي من هذه الجريمة
الفرع الأول: التعاون الدولي في مكافحة تجارة الرقيق
الفرع الثاني:موقف المشرع الكويتي من تجارة الرقيق
المبحث الثالث : العلاقة بين الإرهاب والجريمة المنظمة
المطلب الأول:مظاهر العلاقة بين التنظيمات الإرهابية والجريمة المنظمة
المطلب الثاني:آثار العلاقة بين الإرهاب والجريمة المنظمة

الفصل الثاني:مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية
المبحث الأول: التعاون الدولي في مكافحة الجريمة المنظمة
المطلب الأول:الجهود الدولية في مكافحة الجريمة المنظمة
المطلب الثاني: التعاون الأمني ودور الأنتربول في مكافحة الجريمة المنظمة
المبحث الثاني: التعاون القضائي الدولي في مكافحة الجريمة المنظمة
المطلب الأول:تسليم المجرمين
المطلب الثاني:مصادرة الأموال المتحصله في الجريمة المنظمة
الخاتمة
المراجع

المـقدمـة

أصبحت الجريمة المنظمة بعناصرها الجديدة تمثل خطرا كبيرا يواجه الدول كافة ، سواء كانت دولاً متقدمة أو نامية ، فبالرغم من أن الجريمــــــة المنظمة تعتبر ظاهرة قديمة كان يطلق عليها فـي السابق جماعات المافيا سواء كانـت مافيا إيطالية أو أمريكية أو روسية إلا أن أخطارها كانت قليلة نسبيا وتستهدف دول محددة.

ولكن في السنوات الأخيرة ومع نهاية الألفية الثانية وبداية الألفية الثالثة وما شهده العالم مـن تغيرات كثيرة اقتصاديــة وسياسية واجتماعية وانفتاح اقتصادي وحريـة للتجارة وتلاشي معظم حـدود الدول (كالاتحاد الأوروبي) وسهولة تنقل الأشخاص والبضائع بين الدول ليصبح العالم قرية واحدة كل ذلك أدى إلى تطور الجريمة المنظمة وانتشارها لتصبح عابرة للحدود الوطنية وخطراً يهـدد معظم دول العالم ، ولاسيما الدول النامية كالـدول العربية وذلـك لقيامها بتقديم التسهيلات الاقتصادية كافة لجذب رؤوس الأموال والمستثمرين وهو ما يكون على حساب رقابة مصدر هـذه الأموال ،
إضافة إلى استغلالها لتطور وسائل الاتصال الحديثة كالانترنت والأقمار الصناعية لصالح أنشطتها وجرائمها التي تسعى من ورائها إلى تحقيق الربح ، كتجارة المخدرات والسلاح والآثار والتحف والاتجار بالأشخاص والأعضاء البشرية وغسيل الأموال وغيرها من الجرائم .

ولا يقتصر اثر الجريمة المنظمة على الصعيد الدولي بل يتعداه ليهـدد الأمن والاستقرار داخل الدول وذلك لعدم ترددها في استخدام وسائلها لتحقيق أغراضها من عنف وتهديد ورشوة ، وهو ما يؤدي إلى فشل النظام السياسي والإداري في الدولة ، فضلا عـن نشرها الفساد بين أفراد المجتمع .

كما تقوم عصابات الجريمة المنظمة بتوظيف الأموال الطائلة التي تحققها في السيطرة على الاقتصاد أو على قطاع منـه، وتخفي أنشطتها غير المشروعه بالاستعانة بذوي الخبرة في مختلف المجالات كالقانون والاقتصاد والمحاسبة وهو ما يؤدي في النهاية إلى التأثير على التنمية الاقتصادية والاجتماعية فـي الدول ، وزعزعة الأمن والاستقرار فيها وبالأخص في الدول النامية وهذا ما جعل دول العالم وهيئة الأمم المتحدة تعطي لهذه الجريمة أهمية كبيرة .

وسنقسم هذا البحث إلى فصل تمهيدي نتناول فيه تعريف الجريمة المنظمة وخصائصها وأهدافها وآثارها ، وفصلين آخرين نتناول في الفصل الأول بعض جرائم عصابات الجريمة المنظمة ، والتي تمس أمن المشرع الكويتي كغسيل الأمـوال والاتجار بالرقيق والإرهاب وعلاقة ذلك بالجريمة المنظمة

وفي الفصل الثاني والأخير سنتناول الجهود الدولية والتعاون القضائي في مكافحة الجريمة المنظمة .

الفصل التمهيدي: مفهوم الجريمة المنظمة وخصائصها وأهدافها وآثارها

تعتبر الجريمة المنظمة شكلا من أشكال الإجرام الجسيم الذي يشكل تحديا خطيرا لأجهزة العدالــة الجنائيـة فـي العديد مـن بلدان العالم ، حيث أصبحت الجريمة المنظمة بعناصرها الإجرامية الجديدة تجني أموالا طائلة غالبا ما تكون من مصادر غير مشروعـة كالاتجار بالمخدرات أو الأسلحة بما فيها أسلحة الدمار الشامل أو استغلال النساء والأطفال أو غسيل الأموال وإدخالها في إطار الاقتصاد المشروع لتصبح أموالا مشروعة وغيرها من الأنشطة الإجرامية ، وهو ماجعل قوة الجريمة المنظمة تزداد يوما بعد يوم ولم تعد مقتصرة على الدول الفقيرة بل أصبحت آثارها تطال الدول الغنية ، مما جعل هـذه الجريمة أحد المشاكل الرئيسة والهامة التي تواجـه المجتمع الدولي.

ولذلك فـي هــذا الفصل سنتناول. تعريف الجريمة المنظمة في المبحث الأول ومـن ثم نبين خصائصها وأهدافها في مبحث ثان ومن ثم سنتناول آثارها في مبحث ثالث .

الـمبـحـث الأول: مـفـهـوم الـجـريـمـة الـمنـظـمـة عـبـر الــوطـنيــة

على الرغم من الخطورة البالغة للجريمة المنظمة ومع تعدد الدراسات التي تناولت ظاهرة الإجرام المنظم سواء كانت هذه الدراسات على المستوى الوطني أو على المستوى الدولي إلا انه لا يوجد حتى الآن تعريف جامع متفق عليـه لهذه الجريمة وذلك بسبب تعدد أنواع وأشكال الجريمة المنظمة .

وبناء عليه سوف نتناول التعريف اللغوي ، وبعض آراء الفقه في المطلب الأول ، كما سنتناول الجهود والمساعي الدولية لتعريف الجريمة المنظمة في المطلب الثاني.

المـطلـــب الأول: الـمـفهـوم اللغـوي والفقـهي

أولا التعريف اللغوي:

تفيد كلمة الجريمة والجرم لغة: الذنب ، تقول منه ( جرم و أجرم و اجترم ) والجِِرم بالكسر للجسد وقولة تعالى( ولا يجرمنكم شنآن قوم )
أي لايحملنكم و ( تجرم) علية أي ادعى علية ذنبا لم يفعله .

كما يطلق لفظ الجريمة على المخالفة القانونية التي يقرر القانون لها عقاباً بدنيا أو معنوياً.

أما كلمة المنظمة فهي مشتقة من ( نظم) اللؤلؤ جمعه في السلك ومن( نظم) الشعر و( الانتظام) الاتساق ويفيد فعل نظم التدليل على الوضع أو الحالة التي تكون عليها الجماعة أو الاتحاد الذي تجمعت إرادة الأعضاء فيه على تحقيق أغراض معينة .

ثانيا التعريف الفقهي:

توالت الجهود الفقهية للبحث عن صيغة مثلى لتعريف هذه الجريمة لذلك تعددت التعريفات التي يتميز كل منها بالتركيز على عنصر قانوني من عناصر الجريمة المنظمة بهدف تيسير الأمر للسلطات التشريعية والقضائية .

ومن هذه التعريفات التعريف بأنها الظاهرة الإجرامية التي يكون وراءها جماعات معينة تستخدم العنف أساسا لنشاطها الإجرامي وتهدف إلى الربح ، وقد تمارس نشاطها داخل إقليم الدولة أو تقوم بأنشطة إجرامية عبر وطنية ، أو تكون لها علاقات بمنظمات متشابهة في دول أخرى .

وتجدر الإشارة هنا إلى أن كون الجريمة المنظمة عابرة للأوطان هو صفة قد تلحق بالجريمة المنظمة وقد لاتلحق بها فإن توافرت هذه الصفة اعتبرت الجريمة المنظمة عبر وطنية وإن لم تتوافر اعتبرت جريمة منظمة ترتكب داخل حدود الدول .

كما حددت المادة (3) فقرة (2) من اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والموقعة في باليرمو من عام 2000م متى تعتبر الجريمة المنظمة عبر وطنية، حيث تكون الجريمة المنظمة عبر وطنية ، إذا ارتكبت في أكثر من دولة أو إذا تم التخطيط أو الإعداد أو الإشراف في دولة وارتكبت في دولة أخرى ، أو إذا ارتكبت في دولة وارتكبتها جماعة إجرامية منظمة تمارس نشاطها الإجرامي في أكثر من دولة أو إذا ارتكبت في دولة وكان لها آثار شديدة في دولة أخرى.

كما عرفت الجريمة المنظمة بأنها فعل أو أفعال غير مشروعة ترتكبها جماعة إجرامية ذات تنظيم هيكلي متدرج ، وتتمتع بصفة الاستمرارية ويعمل أعضاؤها وفق نظام داخلي يحدد دور كل منهم ، ويكفل ولاءهم وإطاعتهم للأوامر الصادرة من رؤساهم وغالبا ما يكون الهدف من هذه الأفعال الحصول على الربح ، وتستخدم الجماعة الإجرامية التهديد أو العنف أو الرشوة لتحقيق أهدافها كما يمكن أن يمتد نشاطها الإجرامي عبر عدة دول .

ويعرفها البعض بأنها مشروع إجرامي يقوم على أشخاص يوحدون صفوفهم للقيام بأنشطة إجرامية دائمة ومستمرة ، ويتميز هذا التنظيم بكونه يشبه البناء الهرمي وتحكمه لوائح ونظم داخلية لضبط سير العمل داخله في سبيل تحقيق أهدافه بإستخدام وسائله من عنف وتهديد وابتزاز ورشوة لإخضاع وإفساد المسؤلين سواء في أجهزه إدارة الحكم أو أجهزة إدارة العدالة وفرض السيطرة عليهم بهدف تحقيق الاستفادة القصوى من النشاط الإجرامي ، سواء كان ذلك بوسائل مشروعة أو غير مشروعة .

كما عرفت على أنها جريمة جماعية لايرتكبها شخص واحد ، تهدف إلى تحقيق أرباح مادية من خلال ممارستها لعدد من الأنشطة المشروعة وغير المشروعة واستخدامها للعنف أو التخويف أو أي أدوات ترغيب أخرى كدفع الرشاوى وتقديم الخدمات لمن يتعاون معها في تحقيق أهدافها الإجرامية ، فضلا عن النظام الصارم الذي يقوم عليه هيكلها الداخلي .

المـطلـب الـثـاني: الجهود الدولية لتعريف الجريمة المنظمة

تعددت الجهود الدولية لتعريف الجريمة المنظمة وسنتناول فيما يلي أهم الجهود التي قيل بها في هذا الصدد:-

(1) تعريف الأنتربول للجريمة المنظمة:

انتهت الندوة الأولية التي عقدها الأنتربول حول الجريمة المنظمة بفرنسا في (مايو من سنة 1988م) إلى تعريف الجريمة المنظمة بأنها جماعة من الأشخاص تقوم بحكم تشكيلها بارتكاب أفعال غير مشروعة بصفة مستمرة ، وتهدف بصفة أولية إلى تحقيق الربح ، ولو تجاوزت أنشطتها الحدود الوطنية .

إلا أن هذا التعريف وردت علية ، ملاحظات من عدة دول ، كالولايات المتحدة الأمريكية وكندا ، حيث انه لم يشر إلى استخدام العنف لتحقيق أهداف الجماعة المنظمة ، مما جعل الأنتربول يعيد تعريفه للجريمة المنظمة ويضيف شرطاً في تكوين الجماعة المنظمة وهو الهيكل التنظيمي ويضيف عنصراً جديداً وهو الاعتماد غالبا على التخويف والفساد في تنفيذها لأهدافها .

(2) تعريف الاتحاد الأوروبي للجريمة المنظمة :

وضعت في( سنة 1993) مجموعة مكافحة المخدرات والجريمة المنظمة بالاتحاد الأوروبي تعريفا للجريمة المنظمة بأنها (جماعه مشكلة من أكثر من شخصين تمارس نشاطاً إجراميا بارتكاب جرائم جسيمة لمدة طويلة أو مدة غير محددة ويكون لكل عضو فيها مهمة محددة في إطار التنظيم الإجرامي ، وتهدف للحصول على السطوة أو تحقيق الأرباح وتستخدم في ارتكابها الجريمة العنف والتهديد ، والتأثير على الأوساط السياسية والإعلامية والاقتصادية والهيئات القضائية .

(3) تـعـريـف المـؤتمـر الـدولي الـسـادس عشر:

اهتم المؤتمر الدولي السادس عشر والمنعقد في( بودابست في سبتمبر من عام 1999م ) بتحديد عدة خصائص تتوافر في الجريمة المنظمة يسبقها شرط ضروري هو الهدف من الجريمة وهو الحصول على الربح أو الوصول إلى السلطة أو الاثنين معا ، وذلك من خلال استخدام مستوى عال من التنظيم .

وتتمثل هذه الخصائص فيما يلي:

1- تقسيم العمل داخل التنظيم
2- تكييف أعضاء التنظيم مع أهدافه
3- السرية
4- الخلط بين الأنشطة المشروعة وغير المشروعة
5- تفادي تطبيق القانون من خلال التخويف والفساد
6- القدرة على نقل الأرباح .

(4) تعريف الأمم المتحدة للجماعة الإجرامية المنظمة:

بسبب الخطر العالمي الذي تمثله الجريمة المنظمة أصدرت الأمم المتحدة اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والتي عرفت هذه الجريمة في مادتها الثانية بأنها جماعه ذات هيكل تنظيمي تتألف من ثلاثة أشخاص فأكثر ، موجودة لفترة من الزمن وتعمل بصورة متضافرة بهدف ارتكاب واحدة أو أكثر من الجرائم الخطيرة أو الأفعال المجرمة وفقا لهذه الاتفاقية ، من اجل الحصول بشكل مباشر أو غير مباشر على منفعة مالية أو منفعة مادية أخرى .

وبالنظر إلى التعاريف السابقة نستخلص أن تعريف الجريمة المنظمة عبر الوطنية يعتمد على تحديد عدة عناصر ، وهي أن ترتكب الجريمة من مجموعة أشخاص يجمعهم تنظيم هرمي محدد بهدف تحقيق الربح بممارستها لأنشطة مشروعة وغير مشروعة وغالبا ماتستخدم التهديد والعنف والرشوة إضافة إلى إمكانية امتداد أنشطتها إلى خارج حدود الدولة.

المـبحـث الـثـانـي: خـصائـص وأهداف الجـريمـة المـنظـمـة

يتضح لنا من تعريف الجريمة المنظمة عدة أشياء تبين لنا خصائصها ، فالجريمة المنظمة تضم مجموعة أفراد لكل منهم دور محدد ، الأمر الذي يعني أن هذه الجريمة من قبيل الجرائم الجماعية التي يشترك عدد من الناس في التحضير لها وارتكابها ، وتستخدم العنف والإرهاب لتحقيق أهدافها التي تسعى إليها بالطرق المشروعة وغير المشروعة كافة .

وتأتي الخطورة في هذه الجريمة من كون القائمين عليها من رؤساء ومخططين ومنظمين يحصنون أنفسهم مما يجعل من الصعب مواجهتهم بالوسائل التقليدية لمكافحة الجريمة مالم يتم العلم بما يميز هذه الجريمة من خصوصية .

لذلك سنتناول في هذا المبحث خصائص الجريمة المنظمة في المطلب الأول كما سنتناول أهداف الجريمة المنظمة في المطلب الثاني.

المــطلــب الأول: خصائص الجريمة المنظمة

أولا: من حيث الهيكل والبنيان:

(1) عدد الأعضاء

اشترطت بعض التشريعات عدداً معيناً من الأشخاص لكي توصف الجماعة الإجرامية على أنها منظمة ، مثل قانون العقوبات الإيطالي وتعريف الاتحاد الأوروبي والذي اشترط أن تكون الجماعة مكونه من ثلاثة أشخاص فأكثر لكي توصف بأنها جماعة إجرامية منظمة .

في حين أن هناك عدداً من التشريعات لم تضع عدداً معيناً من الجناة حتى توصف الجماعة الإجرامية على أنها منظمة مثل القانون الفرنسي والألماني .
واشترطت اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية في المادة الثانية أن تكون الجماعة مؤلفه من ثلاثة أشخاص فأكثر لكي توصف بأنها منظمة وهو في نظرنا العدد اللازم لكي توصف الجماعة الإجرامية بأنها منظمة نظرأً لما يقتضيه البناء الهيكلي للجماعة.

( 2) الـتنـظـيـم:

يعتبر التنظيم الصفة الرئيسة للجريمة المنظمة عبر الوطنية ويقصد به : ترتيب وتنسيق وجمع الأعضاء داخل بنيان أو هيكل شامل ومتكامل قادر على القيام بأعمالها الإجرامية ،ويكفل هذا التنظيم خضوع الأعضاء إلى نظام سلطوي رئاسي ، بحيث يكون الأعضاء تحت قيادة زعيم أو قائد أو لجنة عليا تكون مسئولة عن اتخاذ القرارات وتوجيه الأعضاء لتحقيق أهداف الجماعة الإجرامية ، كما يتيح التنظيم لأعضاء الجماعة الإجرامية علاقة تكون قائمة على التدرج في القوة طبقا لمدى كفاءة تنظيمها. لذلك تتميز الجماعة المنظمة بتوزيع العمل بين أعضائها وهذا التوزيع هو من أنماط ظاهرة الإجرام المنظم ولا يشترط أن يتخذ الهيكل التنظيمي شكلاً معيناً أو أن يعلم كل عضو باختصاص أو أدوار بقية الأعضاء ، لذلك عادة ما تكون هذه الهياكل التنظيمية سرية .

(3) التخطيط:

يعتمد أسلوب العمل داخل عصابات الجريمة المنظمة بالدرجة الأولى على التخطيط ، بحيث لا تعتمد على عمل شخص واحد بل على عمل جماعي يقوم على تقسيم الأدوار بدءا من الإعداد حتى التنفيذ ، حيث تقوم بدراسة ماهو متوافر من إمكانيات ووضع خطط دقيقة لتنفيذها بكفاءة ، وتستعين لأجل ذلك بذوي الخبرة والاختصاص في المجالات والتخصصات المختلفة والتي تفيدها ، سواء كانت إدارية أو قانونية أو اقتصادية أو حتى سياسية وذلك بهدف تطوير أسلوب عملها وتنمية قدراتها .

(4) البناء الهرمي المتدرج:

يعتبر الهيكل التنظيمي الهرمي من الخصائص المهمة التي تميز معظم المنظمات الإجرامية ، وهو مايجعل من الاستحالة ضبط قادة هذه المنظمات متلبسين بارتكاب عمليات إجرامية ، كما يجعل من الصعب إثبات ارتباطهم بأية أنشطة إجرامية محددة .

ويختلف هيكل تلك الجماعات باختلاف نشاطها وطبيعتها والبيئة الثقافية التي تنبع منها ، فهناك الجماعات المؤلفة من عدد من العائلات والتي يكون لها تسلسل هرمي وهي تشبه في ذلك النقابات ، مع ملاحظة أن اختيار الأعضاء في السابق كان يتم على أساس عائلي ، ولكن في الوقت الحالي هناك تنظيمات إجرامية تضم مجرمين من أصحاب السوابق دون أن يكون الأساس العائلي ضروريا ، كما أن هناك جماعات تقوم على أساس عرقي ، ويكون الانتساب فيها على هذا الأساس .

ويحكم هذا البناء نظام صارم لا يعرف الرحمة أو التسامح وهو ماعبر عنه البعض بقاعدة الصمت ، حيث يلتزم أعضاؤها لأجل خدمة أغراضها بعدم إفشاء الأسرار والولاء التام حتى الموت .

ثانيا من حيث طبيعة النشاط:

(1)الاحـتـراف:

يعتبر الاحتراف من أخطر نماذج العمل الإجرامي ، حيث عادة ما يكون أعضاء الجماعة الإجرامية المنظمة من فئة المحترفين في ارتكاب الجرائم ، ويملك هؤلاء المحترفون مهارة وقدرة فائقة ودناءة في تنفيذ الأعمال الإجرامية وقد يصل هذا الاحتراف إلى تخصص أعضاء المنظمات الإجرامية في نشاط معين بحيث يكون كل تنظيم إجرامي متخصصاً في ارتكاب جرائم معينه ، فتجد من هو متخصص في المخدرات أو الرقيق أو السلاح وغيرها من الجرائم المختلفة التي تمارسها تلك المنظمات ، وتجد أن معظم الذين لا يملكون هذه الصفة سرعان ما ينكشف أمرهم ويجدون أنفسهم في قبضة العدالة .

(2)الاسـتمـراريـة:

يقصد بالاستمرارية : استمرار عمل المنظمة بغض النظر عن حياة أي فرد فيها حتى ولو كان رئيسا وهو ما يعني أن الرؤساء الذين يتوفون يأتي بدلا منهم رؤساء جدد ، لذلك تستمد هذه التنظيمات الإجرامية صفة الاستمرارية من نشاطها وليس حياة أعضائها ورؤسائها ، لأن العبرة في استمرارية الجماعة الإجرامية المنظمة هي مباشرتها لأنشطتها المشروعة وغير المشروعة وليس حياة أي فرد فيها .

(3) استـخـدام الـعنـف:

عادة ماتقوم التنظيمات الإجرامية باستخدام العنف أو التهديد باستخدامه ويصل هذا العنف في أغلب الأحوال إلى القتل أو خطف الأشخاص وهي قد تمارس هذا العنف على الأشخاص العاديين لإخضاعهم لسيطرتها أو تجاه أعضاء التنظيم الذين يخالفون الأوامر سواء بإبلاغ السلطات العامة أو الحصول على منفعة شخصية على حساب أعضاء التنظيم كما يمكن أن تمارسه على المنافسين الجدد من التنظيمات الإجرامية الأخرى والتي تدخل مناطق تخصص أو نفوذ العصابة ، ولا يقتصر عنف هذه التنظيمات على الأشخاص بل يمتد إلى ذويهم وممتلكاتهم كما تمارس الجماعات الإجرامية المنظمة عنفها على كل من يشكل عقبة في طريقها لتحقيق أغراضها المشروعة وغير المشروعة .

المـطلـب الـثـانـي: أهداف الجريمة المنظمة

(1) الــربــح:

يعتبر هدف الربح هو الدافع والمحرك الأساسي لأعضاء الجريمة المنظمة ، وهو ما يميزها عن غيرها من التنظيمات الإجرامية ويجعلها تمارس نشاطاتها المشروعة وغير المشروعة والتي تدر الأرباح الطائلة كتجارة المخدرات والسلاح والاتجار بالبشر ، ولا توجد حتى الآن إحصائيات وأرقام مؤكدة تقدر حجم الأرباح الهائلة التي تحققها هذه التنظيمات على مستوى الدولة ، إلا أن بعض الخبراء الدوليين يؤكدون أن قيمة هذه الأرباح تتراوح بين (300 إلى 500 بليون دولار) في العام الواحد.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنه قد يتم استثمار هذه الأموال في مشاريع مشروعة مثل الفنادق والمطاعم .

(2)الدخول في تحالفات استراتيجية:

بسبب زيادة الأعمال الإجرامية التي تمارسها المنظمات الإجرامية في مناطق متعددة من العالم كان لابد لهذه التنظيمات أن تدخل في تحالفات استراتيجية بين بعضها وذلك من خلال إبرام اتفاقيات فيما بينها حتى تحمي نشاطها الذي تمارسه في الدول الخاضعة إلى نفوذ تنظيم إجرامي آخر أو تنظيم عمليات التسويق لما تنتجه من مواد مشروعة وغير مشروعة وكان لهذه التحالفات الإستراتيجية الأثر في تعزيز قدرتها على المواجهات الأمنية والقضاء على العنف الذي كان دائرا بينها بالاضافه إلى الشراكة في اقتسام الأرباح والخسائر .

هذه خصائص الجريمة المنظمة والتي تميزها عن غيرها من الجرائم لما حققته لها من نفوذ وقوة وذلك لقيامها على أسس قوية أدت إلى تماسك بنيانها الداخلي وأسهمت في تفاقم خطرها والأضرار الناجمة عنها.

المـبحث الـثـالـث: آثار الجريمة المنظمة

أصبحت الجريمة المنظمة عبر الوطنية تمثل أحد الأخطار التي تهدد الأمن ، والاستقرار على المستويين الدولي والوطني ، وذلك بسبب مايصدر عنها من أعمال تؤدي إلى ضعف مؤسسات الدولة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، فضلا عما تسببه من فقدان الثقة في العملية الديمقراطية ، لتأثيرها على أصحاب النفوذ السياسي.
ولا يقتصر أثرها على المستوى الوطني بل يتعداه إلى المستوى الدولي لما تقوم به من أنشطة غير مشروعه عابره للحدود الوطنية .

إذاً: الجريمة المنظمة عموما والجريمة المنظمة عبر الوطنية على وجه الخصوص تمثل أثارهما خطرا كبيرا على جميع دول العالم وذلك لاستغلالهما سهولة التنقل بين دول العالم فضلا عن العولمة وحرية التجارة.

وسنتناول في هذا المبحث آثار الجريمة المنظمة على المستويين الدولي والوطني على النحو التالي:
المطلب الأول: آثار الجريمة المنظمة على المستوى الدولي
المطلب الثاني: آثار الجريمة المنظمة على المستوى الوطني

المطلب الأول: آثار الجريمة المنظمة على المستوى الدولي

تمثل الجريمة المنظمة عبر الوطنية على المستوى الدولي خطراً على سيادة الدولة واستقرارها الأمني من خلال قيام عصابات الجريمة المنظمة باختراق سيادة الدول على أراضيها عن طريق أنشطتها غير المشروعة سواء كانت تعتبر هذه الدول ممراً لأنشطتها أو هدفاً رئيساً لها وهو مايستلزم اختراق أجهزة هذه الدول القانونية والإدارية وغيرها للمحافظة على أنشطتها .

كما أصبحت الجريمة المنظمة تهدد كيان الدول واستقلالها ، فنظرا للأموال الطائلة التي تحققها من أنشطتها المشروعة وغير المشروعة وتنظيمها الدقيق وقدرتها على اختراق أجهزة الدولة مماقد يولد دولة غير شرعية داخل دولة. وقيل : أن الجريمة المنظمة دولة داخل دولة .
فضلا على أنها قد تؤثر الجريمة المنظمة على العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الدول . حيث ساعدت العولمة والانفتاح الاقتصادي بين الدول على ظهور عصابات للجريمة المنظمة تمارس أنشطتها متخفية وراء شركات دولية مما يؤثر على العلاقات بين الدول .

المـطلـب الـثـانـي: آثار الجريمة المنظمة على المستوى الوطني

للجريمة المنظمة آثار كبيرة على المستوى الوطني سواء كانت من الناحية الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية أو حتى على مستوى الأفراد ومن هذه الآثار:-

الـنـاحـيـة الاقـتـصاديـة :

تقوم عصابات الجريمة المنظمة على المستوى الاقتصادي ، بالسيطرة على قطاع ما من الاقتصاد أو على الاقتصاد بأكمله وذلك بسبب ماتملكه من مبالغ طائلة ، فضلا عن قيامها بالسيطرة على المسئولين في القطاع الخاص عن طريق الرشوة أو الابتزاز ، وكذلك تقوم عصابات الجريمة المنظمة بالتهرب الضريبي والتشجيع على المعاملات المشبوهة ، كما تقوم بعمليات غسيل الأموال لإخفاء مصادر أموالها غير المشروعة وهو ما يؤدي في النهاية إلى الخسائر الاقتصادية على مستوى الأفراد والشركات وحتى على مستوى الاقتصاد بأكمله .

مـن الـنـاحـيـة الـسـياسـية:

تؤدي الجريمة المنظمة على المستوى السياسي إلى فقدان الثقة في العملية الديمقراطية ، لقيامها بالسيطرة على هذه العملية وإفسادها عن طريق رشوة وابتزاز المسئولين وأصحاب القرار السياسي في الدولة ، واختراق الأحزاب والتنظيمات السياسية للوصول للسلطة والحفاظ على مصالحها مما يؤدي في النهاية إلى تشويه العملية الديمقراطية وسقوط الأنظمة السياسية في هذه الدول .

من الـنـاحـيـة الاجـتمـاعـيـة:

تؤدي الجريمة المنظمة إلى تفشي الفساد بين أفراد المجتمع ، وانتشار الرشوة وظهور اللاأخلاقيات وضياع القيم مما يؤدي إلى هدم كيان الأسرة وتفكيكها إضافة إلى ما تسببه أنشطة الجريمة المنظمة كتجارة الرقيق من إهدار لآدمية الإنسان وكرامته وتفش للأمراض كما تؤدي تجارة المخدرات إلى تدمير المجتمع وبالأخص فئة الشباب .
بالإضافة إلى فقدان الأمن وانتشار العنف نتيجة ضعف الأجهزة الأمنية في مواجهة الجريمة المنظمة .هذه لمحة بسيطة عن آثار الجريمة المنظمة والتي توضح لنا مدى خطورة هذه الجريمة على الصعيدين الدولي والوطني.

الفصل الأول: صور بعض الجرائم المنظمة

تتعدد صور الجريمة المنظمة بحيث لايمكن حصرها ، و قد عبرت الفقرة الثانية من المادة الثانية من اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية عن صور بعض الجرائم المنظمة على سبيل المثال لا الحصر وهي الاتجار بالأشخاص وتزييف الأموال والاتجار غير المشروع بالأسلحة والمتفجرات والاتجار بالسيارات المسروقة وإفساد الموظفين العموميين.

ونظرا لكثرة هذه الجرائم فإننا سنتناول ثلاث جرائم ، وقد راعينا في اختيار هذه الجرائم مايمس أمن المشرع الكويتي ، وعرضها بشكل موجز دون تعمق ، نظرا لأن كل جريمة من هذه الجرائم تحتاج إلى دراسة كاملة.

لذلك فإن هذا الفصل سوف نتناول فيه صور بعض الجرائم المنظمة على النحو الآتي:

المبحث الأول: غسيل الأموال وعلاقته بالجريمة المنظمة
المبحث الثاني: تجارة الرقيق وعلاقته بالجريمة المنظمة
المبحث الثالث: الإرهاب والجريمة المنظمة

المبحث الأول: غسيل الأموال وعلاقته بالجريمة المنظمة

يعتبر تحقيق الربح المالي هو الهدف الأساسي والرئيسي للجرائم المنظمة الوطنية والعابرة للحدود الوطنية كما يعتبر الدافع الأول لكل صور الإجرام المنظم ، إلا أن الاحتفاظ بهذا القدر الكبير من الأرباح المتحصلة من مصادر غير مشروعة لا يأتي إلا إذا تم تغطيته بعمليات غسيل أموال ، والتي أصبحت في وقتنا الحاضر تمثل نشاطاً حيوياً وهاماً لجماعات الجريمة المنظمة لما تسببه من اتساع لقوتها ونفوذها وتوفير المزيد من الأمن والثروة.
وقد ساهم الانفتاح الاقتصادي و تحرير التجارة العالمية بتسهيل عمليات غسيل الأموال عبر الحدود الوطنية والذي قدر الخبراء حجمها بنحو (بليون) دولار يتم تحويلها يوميا من خلال الأسواق المالية العالمية .

وسوف نتناول في هذا المبحث تعريف عمليات غسيل الأموال وعلاقتها بالجريمة المنظمة في المطلب الأول ، ومن ثم سنتناول في المطلب الثاني مكافحة غسيل الأموال في الاتفاقيات الدولية والتشريع الكويتي.

المطلب الأول: تعريف جريمة غسيل الأموال وعلاقتها بالجريمة المنظمة

أولا: تعريف جريمة غسيل الأموال :

تعددت التعاريف لهذه الجريمة : فمنها ما أتى به الفقه ، ومنها ما أتت به القوانين والاتفاقيات ، أما الفقه فقد عرف البعض هذه الجريمة بأنها مجموعة عمليات معينة ذات طبيعة مالية أو اقتصادية تؤدي إلى ضم أموال ناتجة عن أنشطة غير مشروعة وإدخالها في دائرة الاقتصاد المشروع .

وقد عرفت اتفاقية فيينا عام 1988م غسيل الأموال بأنه إخفاء أو تمويه حقيقة الأموال ومصدرها ومكانها .أو طريقة التصرف فيها أو حركتها أو الحقوق المتعلقة بها أو في ملكيتها ، مع العلم بأنها مستمدة من فعل من أفعال الاشتراك في مثل الجريمة أو الجرائم ، ولقد أصدر المشرع الكويتي بتاريخ 12/6/2000م القانون رقم (25) لسنة 2000م بالموافقة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية (فيينا لعام 1988م) والتي تضمنت في المادة الثالثة أحكاماً ذات صلة بجرائم غسيل الأموال .
كما أصدر المشرع الكويتي القانون رقم (35) لسنة2002م بشأن مكافحة غسيل الأموال والذي نصت الفقرة الأولى من المادة الأولى على تعريف عمليات غسيل الأموال بأنها (عملية أو مجموعة من عمليات مالية ، أو غير مالية ، تهدف إلى إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع للأموال ، أو عائدات أي جريمة ، وإظهارها في صورة أموال أو عائدات متحصله من مصدر مشروع .

وفي حكم حديث لمحكمة التمييز في جريمة غسل الأموال ، حيث قرر أنه لازم إثبات وجود مال متحصل عن جريمة مع ما يقتضيه من تحديد لمقدار هذا المال ومكان وجوده والحائز له فعليا أو قانونيا وتحديد الجريمة التي نشأ عنها أو تحصل منها هذا المال .

ثانيا: مظاهر العلاقة بين الجريمة المنظمة وغسيل الأموال

تعتبر العلاقة وثيقة بين الجريمة المنظمة وغسيل الأموال إلى الحد الذي جعل بعض الباحثين يربط بين ظهور مصطلح ( غسيل الأموال) وبين ماقامت به عصابات الجريمة المنظمة( المافيا) في الولايات المتحدة الأمريكية خلال العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي حيث قامت بإخفاء الأموال غير المشروعة والمتحصلة من الجرائم وإدخالها في أنشطة مشروعة وبخاصة في (مجال الغسيل الأتوماتيكي) أو تهريبها خارج البلاد ومن ثم إعادتها على أنها أموال متحصله من أنشطة مشروعة ولبيان العلاقة بين الجريمة المنظمة وغسيل الأموال نجد أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين الهدف الرئيس للجريمة المنظمة وهو ( تحقيق الربح) وغسيل الأموال باعتبار غسيل الأموال ضرورة لإخفاء مصدر الأرباح غير المشروعة والتي تحققها عصابات الجريمة المنظمة ، إضافة إلى كون جريمة غسيل الأموال تعتبر صورة للجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية .

إذاً يعد غسيل الأموال أمراً ضرورياً ومهماً في كل جريمة تهدف إلى الحصول على أرباح .
ولما كان هدف الجريمة المنظمة الرئيس هو تحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح غير المشروعة, فإن هذا يظهر لنا أهمية غسيل الأموال بالنسبة لهذه التنظيمات ذلك لأن غالبية الأموال التي تحصل عليها هي عبارة عن مبالغ نقدية عادة ماتكون ضخمة ، مما يظهر لنا حاجة هذه التنظيمات إلى إخفاء مصدرها وإدخالها في أنشطة مشروعة تحقق لهذه التنظيمات الانتفاع بالأموال غير المشروعة براحة وطمأنينة ، وإخفاء الجرائم الأصلية التي تحصلت منها الأموال .

وهو ما يزيد من قوة ونفوذ هذه التنظيمات ويوسع من أنشطتها لتتمكن من السيطرة على الدوائر المالية ، فضلا عما تسببه من انهيارات في الأنظمة الاقتصادية لبعض الدول بسبب حركة الأموال غير العادية والتي تمارس دون مراعاة للاعتبارات الاقتصادية .

وتأتي الخطورة في قيام الدول النامية بتقديم تسهيلات كبيرة لاجتذاب رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار فيها وهذه التسهيلات تكون على حساب رقابة هذه الأموال مما يعطي مساحة كبيرة لعصابات الجريمة المنظمة للقيام بعمليات غسيل الأموال بحرية في هذه الدول .

ويلاحظ أن عمليات غسيل الأموال لا يقتصر أثرها على الدول النامية بل يمتد أثرها إلى الدول الغنية مثل الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وفرنسا. حيث قدر بعض الخبراء بأنه يتم في الولايات المتحدة الأمريكية سنويا غسيل حوالي مائة مليار دولار من الأموال المتحصلة عن جرائم المخدرات فقط ، وهو مايبين لنا خطورة غسيل الأموال .

المطلب الثاني: مكافحة غسيل الأموال في الاتفاقيات الدولية والتشريع الكويتي

لم تدخر دول العالم أي جهد في مكافحة جريمة غسيل الأموال بل تطور أسلوب مكافحة هذه الجريمة مع تطورها كما لم تقف الدول العربية مكتوفة الأيدي أمام هذه الجهود في مكافحة عمليات غسيل الأموال بل سارعت إلى اللحاق بها ، وكذلك كان للمشرع الكويتي موقف من جريمة غسيل الأموال .

لذلك سنقسم هذا المطلب إلى فرعين : سنتناول في الأول منه أهم الاتفاقيات الدولية التي اهتمت بمكافحة غسيل الأموال وموقف الدول العربية من هذه الجريمة ، كما سنتناول في الفرع الثاني موقف المشرع الكويتي من هذه الجريمة .

الفرع الأول: مكافحة غسيل الأموال في الاتفاقيات الدولية

بعد أن أدركت دول العالم خطورة جريمة غسيل الأموال وبسبب الطبيعة الخاصة لهذه الجريمة والأضرار البالغة التي تسببها لها من الناحية الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية ، فقد تضافرت جهود الكثير من الدول لمكافحة هذه الجريمة عن طريق عقد العديد من الاتفاقيات الدولية وسنتناول أهمها على النحو الآتي:

(1) اتفاقية فيينا:

صدرت هذه الاتفاقية من الأمم المتحدة في 20/12/1988م ودخلت حيز التنفيذ في نوفمبر من عام 1990م ، وقد ضمت هذه الاتفاقية أحكاماً تتعلق بتجريم أنشطة غسيل الأموال الناتجة عن الاتجار في المخدرات والمواد الشبيهة ، ويعيب هذه الاتفاقية أنها اقتصرت على تجريم غسيل الأموال الناتج عن تجارة المخدرات دون غيرها من الجرائم .

(2) توصيات بازل لسنة 1988م:
هي لجنة اشترك فيها عدد من الدول بالإضافة إلى عدد من البنوك المركزية وبعض المؤسسات المالية ذات الطابع الإشرافي ، وقد تضمنت العديد من التوصيات التي يتعين على المصرفيين اتباعها للسيطرة على عمليات غسيل الأموال ومنع استخدام البنوك لإخفاء مصادر الأموال غير المشروعة .

(3) توصيات مجموعة السبع:
وهي الدول الصناعية الكبرى (الولايات المتحدة الأمريكية-كندا-اليابان-فرنسا-ألمانيا-انجلترا-الصين) وقد أسفرت تلك التوصيات عن إنشاء لجنة عمل مالية تسمى فاتف (fatf) تهدف إلى اتخاذ خطوات لمكافحة غسيل الأموال ، وأقرت هذه اللجنة أربعين توصية في هذا الخصوص وقد انضم إلى هذه اللجنة العديد من الدول بالإضافة إلى منظمتين إقليميتين هما المجلس الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي .

(4) اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية :

صدرت هذه الاتفاقية في باليرمو عام 2000م ، وقد تعرضت إلى جريمة غسيل الأموال حيث اهتمت المادة السادسة بتحديد مفهوم غسيل الأموال واعتبارها من الجرائم العابرة للحدود الوطنية كما اهتمت المادة السابعة بالتدابير اللازمة لمكافحة هذه الجريمة وإلزام الدول الأطراف بإنشاء نظام رقابة داخلي على البنوك والمؤسسات المالية .

* موقف الدول العربية من جريمة غسيل الأموال

لقد كان للدول العربية جهود واضحة في مكافحة غسيل الأموال سواء على المستوى الفردي أو الجماعي فقد وقعت كافة الدول العربية على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة غسيل الأموال الناتج عن الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية(اتفاقية فيينا) كما وقعت الدول العربية على الاتفاقية العربية لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية (تونس1994م) والتي أوجبت على الدول الموقعة اتخاذ التدابير اللازمة في إطار القوانين الداخلية لمكافحة غسيل الأموال ومصادرة الأموال المتحصلة من غسيل الأموال ، كما وقعت معظم الدول العربية على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة تمويل الإرهاب واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية وعممتها الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب ، كما أصدرت معظم الدول العربية قوانين وتعليمات في مكافحة عمليات غسيل الأموال ومنها مصر والكويت ولبنان وقطر وعمان وغيرها من الدول العربية .

الفرع الثاني: مكافحة غسيل الأموال في التشريع الكويتي

لقد بذلت الكويت جهوداً كثيرة في مجال مكافحة غسيل الأموال فأصدرت في 10 مارس من عام 2002م القانون رقم 35 لسنة 2002م في شأن مكافحة غسيل الأموال ، والذي يتوافق مع نصوص تجريم غسيل الأموال الوارد في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية ، والذي عاقب مرتكب الجريمة بالسجن لمدة تصل إلى سبع سنوات وبغرامة مالية لا تقل عن نصف قيمة الأموال المضبوطة محل الجريمة ولا تزيد عنها بالإضافة إلى مصادرتها .

كما أصدر وزير المالية القرار الوزاري رقم(17) لسنة 2002م في شأن مكافحة عمليات غسيل الأموال وعمليات تمويل الإرهاب والذي قرر إنشاء لجنة وطنية لمكافحة عمليات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب برئاسة وكيل وزارة المالية ، وتقوم هذه اللجنة برسم الاستراتيجيات والسياسات العامة للدول في مكافحة جريمة غسيل الأموال وإعداد مشاريع القوانين اللازمة لهذا الغرض.

ولبنك الكويت المركزي جهود في شأن مكافحة غسيل الأموال فقد أخضع بنك الكويت المركزي البنوك والشركات الاستثمارية والصرافة لرقابته ، كما أصدر محافظ البنك المركزي قراراً بإنشاء وحدة تسمى ( وحدة التحريات المالية الكويتية ) وتكون برئاسته وتختص باستلام البلاغات عن عمليات غسيل الأموال في النيابة العامة وعمل التحريات اللازمة لتلك البلاغات .

ويلاحظ في قانون مكافحة غسيل الأموال الكويتي أنه انتبه إلى خطورة هذه الجريمة في حال إذا ما ارتكبت من قبل جماعة منظمة ، فشدد العقوبة في المادة السابعة لتصل إلى الضعف (14) سنة وشدد في الغرامة بحيث لا تقل عن قيمة الأموال المضبوطة محل الجريمة ولا تزيد عن الضعف في حالة ارتكابها من قبل جماعة منظمة.

المبحث الثاني: تجارة الرقيق وعلاقتها بالجريمة المنظمة

أصبح المجتمع الدولي في الآونة الأخيرة يعاني من تزايد الاتجار في الأشخاص , وبخاصة النساء و الأطفال ، فبعد انهيار الدول الشيوعية ووجود العديد من الدول التي تعاني الفقر والاضطرابات الداخلية وعدم الاستقرار ، وهو ما سهل لعصابات الجريمة المنظمة عبر الوطنية استغلال الضحايا في هذه الدول عن طريق اختطافهم أو تجنيدهم أو الاحتيال عليهم بغرض استغلالهم في أنشطة غير مشروعة مثل الاستغلال الجنسي أو السخرة أو نزع الأعضاء .
ويشمل الاتجار في الأشخاص صوراً عديدة منها:

الاتجار في النساء لاستغلالهم في أعمال الدعارة وهو ماسنتناولة في دراستنا تهريب المهاجرين بطرق غير مشروعة ، والاتجار في الأطفال للاستغلال الجنسي أو التبني أو المتاجرة بأعضائهم أو لاستخدامهم في بعض الأنشطة الإجرامية لجماعات الجريمة المنظمة كنقل المخدرات أو الأسلحة .
وسنتناول في هذا المبحث تجارة الرقيق وعلاقتها بالجريمة المنظمة في المطلب أول ومن ثم سنتناول الموقف الدولي من هذه الجريمة وموقف المشرع الكويتي منها في المطلب الثاني.

المطلب الأول: تجارة الرقيق وعلاقتها بالجريمة المنظمة

لقد أصبح الاتجار في النساء بغرض تشغيلهم في أعمال الدعارة جزءا من نشاط العديد من الجماعات الإجرامية المنظمة العابرة للحدود الوطنية نظرا لما تحققه هذه التجارة من أرباح طائلة حيث احتلت المركز الثالث عالميا من حيث الأرباح بعد تجارتي المخدرات والسلاح ، بالإضافة إلى كونها أقلها خطورة .

وقد عرفت المادة الثالثة من البروتوكول الملحق في اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة والخاص بمكافحة الاتجار بالأشخاص بأنه يقصد بمصطلح الاتجار بالأشخاص (نقل أو تجنيد أو إيواء أو استقبال الأشخاص بالقوة أو التهديد أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة الضعف أو تقديم أو تلقي مبالغ مالية للحصول على موافقة شخص يملك سلطة على الغير المراد استغلال ويشمل الاستغلال في حده الأدنى ، الاستغلال للدعارة وسائر أشكال الاستغلال الجنسي ، والاسترقاق والممارسات الشبيهة بالرق .

وتقوم عصابات الجريمة المنظمة باستغلال الفقر الذي يعد من أهم أسباب زيادة هذه الظاهرة ، أو إيهام النساء بالحصول على وظائف ذات دخل مرتفع ، أو تقوم بخطفهن ونقلهن إلى دول أخرى لإجبارهن على القيام بأعمال الدعارة أو تقوم ببيعهن إلى منظمات إجرامية أخرى ، وتقوم هذه الجماعات الإجرامية المنظمة بإجبار النساء على أعمال الدعارة بعدة طرق كالحجز المقترن بالتعذيب أو الاغتصاب أو إجبارهن على إدمان المخدرات للسيطرة عليهن وضمان عدم الهروب .

المطلب الثاني: التعاون الدولي في مكافحة تجارة الرقيق وموقف المشرع الكويتي من هذه الجريمة

نظرا لما تشكله ظاهرة تجارة الرقيق من انتهاك صارخ لحقوق الإنسان وحرمانه من الحياة بكرامة وشرف لم يكن من المستغرب أن تكون هناك جهود دولية عديدة لمحاولة الحد من تفاقم هذه الظاهرة وانتشارها.
كما كان للمشرع الكويتي موقف من هذه الجريمة وهو ما سنتناوله في الفرعين القادمين

الفرع الأول: التعاون الدولي في مكافحة تجارة الرقيق

كما ذكرنا سابقا فان هناك جهوداً دولية عديدة لمكافحة هذا النوع من الجرائم والذي أدرك المجتمع الدولي أنه يجب التعاون من أجل القضاء عليها فأبرم بعد الحرب العالمية الأولى وتحت مظلة عصبة الأمم المتحدة الاتفاقية الخاصة بمنع الرق عام 1926م وتم تعديل هذه الاتفاقية عن طريق الأمم المتحدة ببروتوكول تعديل اتفاقية الرق عام 1953م وفي عام 1956م تم التوسع بإضافة بعض الممارسات إلى مفهوم الرق عن طريق اتفاقيات تكميلية .

كما أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة الرابعة منه على أنه لايجوز استرقاق أحد أو استعباده ويحظر الاتجار بالرقيق بجميع صوره .

ولكن الواقع العملي أثبت أن هناك قصوراً دولياً في مكافحة هذه الجريمة سواء من ناحية الانضمام إلى الاتفاقيات أو مكافحتها على المستوى الوطني من ناحية أخرى ، وما يدل على ذلك هو تصديق خمسة وعشرين بالمائة فقط من دول العالم على اتفاقية عام 1949م والخاصة بمكافحة الاتجار بالأشخاص أو الدعارة في صورها كافة .

وإضافة إلى موقف الدول من هذه الظاهرة فإن هناك دولاً تقوم خشية الإحراج الدولي بإخفاء وجود حالات اتجار بالأشخاص لديها ، كما أن هناك دولاً تضفي صفة الشرعية على هذه الممارسات فتصدر قوانين تسمح بأعمال الدعارة كأي وظيفة أخرى مقابل أجر مادي ، وهناك دول تعامل الضحايا في هذه الجرائم في حال هربهم على أنهم مهاجرون غير شرعيين أو منتهكون لقانون الإقامة وهنا تكمن الخطورة فبدلا من تلقيهم المساعدة كضحايا تقوم هذه الدول بسجنهم وترحيلهم إلى بلادهم مما يجبرهم على البقاء في هذه الأعمال خوفا منقيام الدولة بترحيلهم .

لذلك فقد تبنت هيئة الأمم المتحدة في اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية بروتوكولا عن الاتجار بالأشخاص من قبل عصابات الجريمة المنظمة ، وعلى الرغم من عدم تغطيته لجوانب هذه الظاهرة كافة إلا أنه اهتم بالتحديد في حماية المجني عليهم في حال لو تمكنوا من الهرب وهو مايعبر عن الاهتمام الدولي بهذه الظاهرة وبصفة خاصة في حال ارتكابها من قبل جماعة إجرامية منظمة .

الفرع الثاني: موقف المشرع الكويتي من تجارة الرقيق

لقد اتخذت الكويت عدة خطوات في مواجهة تجارة الرقيق ، فصدر القانون رقم (16) لسنة 1960م والذي يجرم أعمال الخطف والحجر والاتجار بالبشر واستغلالهم جنسيا في المواد من (178 حتى 185) ، والذي تنص المادة (185) على أن كل من يدخل في الكويت أو يخرج منها إنسانا بقصد التصرف فيه كرقيق وكل من يشتري أو يعرض للبيع أو يهرب إنسانا على اعتبار أنه رقيق يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز خمس سنوات وبغرامة لاتتجاوز خمسة آلاف روبية أو بإحدى هاتين العقوبتين كما صدر القانون رقم(36) لسنة 1968م بالموافقة على ميثاق منع الاتجار بالأشخاص واستغلالهم في البغاء.

وقد قامت الكويت في 12 مايو 2006م بالتصديق على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والبروتوكولين المرتبطين بها وهما بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وبخاصة النساء والأطفال ، وبروتوكول مكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو ، وتم إيداع وثائق تصديق الحكومة الكويتية لدى سكرتير عام المنظمة الدولية كوفي عنان .

ولما كان لموقع دول الخليج العربي الجغرافي المميز باعتبارها همزة وصل بين دول شرق آسيا وأوروبا مما جعل بعض هذه الدول مثل الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين مسارات رئيسة ومحطات مهمة في تجارة الجنس (الرقيق الأبيض) حيث يتم سنويا تصدير العشرات من الفتيات من دول شرق آسيا ودول الاتحاد السوفيتي سابقا إلى هذه الدول .

وهو مايبعث على القلق من امتداد هذه النشاطات إلى دولة الكويت وذلك بسبب القرب الجغرافي من هذه الدول ، بالإضافة إلى التوجه إلى تحرير التجارة وتطوير السياحة في الكويت وخصوصا في الجزر.

المبحث الثالث: العلاقة بين الإرهاب والجريمة المنظمة

يشكل الإرهاب تهديداً مستمراً للأمن والسلم والاستقرار في دول العالم ، فضلاً عما يسببه من انتهاكات لحقوق الإنسان ، وتكمن الخطورة في تنامي العلاقات بين الجريمة المنظمة والإرهاب ، فالتشابه الكبير في التنظيم الهيكلي لكل منهما وفي استخدام أساليب العنف وإدارة العمليات في سرية تامة وتنفيذها في دقه شديدة ، هذا التشابه الكبير بينهما أدى إلى ذهاب البعض إلى اعتبار الإرهاب صورة من صور الجريمة المنظمة.

ولما كان موضوع الإرهاب يحتاج إلى دراسة كاملة متخصصة ، فإننا سنقتصر في موضوعنا هذا على تناول العلاقة بين الإرهاب والجريمة المنظمة وآثار هذه العلاقة على النحو الأتي:

المطلب الأول : مظاهر العلاقة بين التنظيمات الإرهابية والجريمة المنظمة
المطلب الثاني : آثار العلاقة بين الإرهاب والجريمة المنظمة

المطلب الأول: مظاهر العلاقة بين التنظيمات الإرهابيه والجريمة المنظمة

تتداخل أحيانا طبيعة عمل الجريمة المنظمة والجماعات الإرهابية إلى الحد الذي قد يصل إلى التحالف الوثيق ، إلا أن ذلك لايعني الخلط بين الجريمة المنظمة والجماعات الإرهابية .

أولا: الخصائص المشتركة للإرهاب والجريمة المنظمة:

(1)إن كلاً منهما يتخذ العنف غير المحدود لتحقيق غايته غير المشروعة، فضلاً عن نشرهما الرعب والذعر بهذه الوسائل

(2)تشابه الهيكل التنظيمي لكل منهما والقائم على العلاقة الهرمية بين أعضائه.

(3)تعتبر شبكات الإرهاب والجريمة المنظمة غاية في التنظيم والدقة فضلاً عن السرية في تنفيذ المهام .
(4)تعتبر شبكات الإرهاب والجريمة المنظمة عقبة أمام التنمية الاقتصادية

(5) تمتد الشبكات الإرهابية والجريمة المنظمة في بعض الأحوال عبر حدود الدول .
* كما يدل على العلاقة بين الإرهاب والجريمة المنظمة عدة مؤتمرات وقرارات في هذا الشأن ومنها:
• مؤتمر الأمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة (هافانا 1990)
حيث أشار القرار رقم (15) المتعلق بالجريمة المنظمة إلى خطورة الجرائم التي ترتكبها جماعات الجريمة المنظمة ولاسيما الإرهاب
• القرار رقم (1373) الصادر عن مجلس الأمن (2001)
حيث أشارت الفقرة الرابعة من القرار (1373) الصادر عن مجلس الأمن إلى القلق من العلاقة الوثيقة بين الإرهاب الدولي والجريمة المنظمة عبر الوطنية
• إعلان القاهرة لمكافحة الإرهاب الصادر في 4 ديسمبر 2003م حيث عبرت القاهرة عن قلقها العميق من العلاقة الوثيقة بين جرائم الإرهاب والجريمة المنظمة عبر الوطنية .

هذه الخصائص المشتركة لكل من الإرهاب والجريمة المنظمة جعلت البعض يرى أن الإرهاب هو أحد أشكال الجريمة المنظمة بأبعادها الجديدة بالنظر إلى آثارها السلبية التي تمتد إلى مناطق متعددة من العالم .

ولكن بالرغم من أوجه التقارب هذه إلا أن هناك رأياً مخالفاً يرى عدة اختلافات بين الإرهاب والجريمة المنظمة ، فالإرهاب ممكن أن يقع من شخص واحد في حين إن الجريمة المنظمة لا تقع إلا من مجموعة أشخاص وذلك لأنها جريمة جماعية كما أن العنف في الإرهاب يوجه إلى مجموعة أشخاص دون تمييز كما يحصل في العمليات الإرهابيه في حين يكون العنف في الجريمة المنظمة بالقدر اللازم لتحقيق أغراضها غير مشروعة .

كما قد تقوم الحكومات بالتفاوض مع الجماعات الإرهابية وهو مايعبر عن الاعتراف بهذه الجماعات ويضفي عليها صفة الشرعية بغض النظر عما ترتكبه من جرائم ، الأمر الذي لا يتصور حدوثه مع جماعات الجريمة المنظمة ، ويعتبر الدافع هو الاختلاف الأساسي والجوهري بين الجماعات الإرهابية وجماعات الجريمة المنظمة فالجماعات الإرهابية تسعى إلى إسقاط الحكومات والأنظمة للوصول إلى السلطة في حين يعتبر الدافع الأساسي لجماعات الجريمة المنظمة الربح المادي فتعمل داخل الأنظمة القائمة دون الرغبة في إسقاطها .

ومن جانبنا نرى أن الاختلاف بين الإرهاب والجريمة المنظمة واضح وذلك لاختلاف الدافع الأساسي لكل منهما وإن قام كل منهما باستخدام أساليب الآخر مع التركيز على عدم إضاعة الوقت في هذا الاختلاف وتوجيه الجهود لمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب معا .

المطلب الثاني : آثار العلاقة بين الإرهاب والجريمة المنظمة

لقد أدى تنامي العلاقة بين جماعات الإرهاب وعصابات الجريمة المنظمة إلى زيادة قدراتها المادية والفنية حتى أصبحت بعض الدول عاجزة عن مواجهتها والحد منها .

كما أدت العلاقة إلى وجود نوع من التعاون والتنسيق بين الشبكات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة ، كقيام عصابات الجريمة المنظمة بتزويد الشبكات الإرهابية بالجوازات وبطاقات الهوية المزورة وهو ماكشفت عنه تحقيقات السلطات المصرية مع العناصر الإرهابية التي ألقي القبض عليها حيث استعانت للحصول على جوازات سفر مزورة بعصابات إجرام منظم من وسط أسيا .

كما تقوم عصابات الإجرام المنظم بتمويل الشبكات الإرهابية بما تحتاجه من مال وسلاح ، حيث تستفيد الشبكات الإرهابية من الأرباح الطائلة التي تحققها عصابات الإجرام المنظم في مقابل توفير الحماية لعملياتها غير المشروعة .

ومع تزايد خطر الإرهاب والجريمة المنظمة عبر الوطنية وتنامي العلاقة بينهما مما يستدعي التعاون على مواجهتهما والتضامن والعمل المشترك بعيدا عن العمل الفردي وهو ماسنتناول في الفصل الثاني ، حيث سنتناول التعاون الدولي في مكافحة الجريمة المنظمة.

الفصل الثاني: مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية

يعتبر دافع الربح هو المحرك الأساسي لجماعات الجريمة المنظمة سواء كانت تمارس أنشطة داخليه أو أنشطة عابرة للحدود الوطنية ، الأمر الذي يجعلها تزيد من تنظيمها لزيادة نفوذها عن طريق إفساد المسئولين العاملين في الدولة أو القطاع الخاص أو المواطنين العاديين ، فضلاً عن استغلالها للأرباح الطائلة التي تحققها بإدخالها في أنشطة مشروعة مما قد يجعلها تسيطر على قطاع ما من الاقتصاد أو على الاقتصاد بأكمله ،وتستخدم لتنفيذ أهدافها أدواتها من عنف وترهيب ورشوة ، وهو ما يبين لنا خطر جماعات الجريمة المنظمة من رغبتها في السيطرة على النظام القائم اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً لزيادة أرباحها ، فضلاً عن استغلالها للعولمة والانفتاح الاقتصادي بين الدول لممارسة أنشطتها العابرة للحدود الوطنية .

لذلك فالجماعات الإجرامية المنظمة في تزايد مستمر في عددها وحجمها وأنشطتها التي تمارسها في الدول النامية و المتقدمة مما يجعل التعاون الدولي ضرورة حتمية في مكافحتها .

وهو ما سنتناوله في المبحثين القادمين على النحو التالي :
المبحث الأول : التعاون الدولي في مكافحة الجريمة المنظمة
المبحث الثاني : التعاون القضائي في مكافحة الجريمة المنظمة

المبحث الأول: التعاون الدولي في مكافحة الجريمة المنظمة

يعتبر التعاون الدولي ضرورة لمكافحة الجريمة المنظمة وذلك للطبيعة الخاصة لهذه الجريمة التي لا تقتصر آثارها على دولة واحدة ، بل تصل عدة دول ويصعب أو يستحيل على بعض الدول مكافحتها لوحدها .
فالجريمة المنظمة قد يتم التخطيط لها في بلد ما ويتم تنفيذها في بلد أخر وتمتد آثارها إلى دول أو عدة دول ، ويتم غسل الأموال المتحصلة من هذه الجريمة في بلد رابع ، وهذا ما يظهر لنا أهمية التعاون الدولي لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية .

إذاً التعاون الدولي شرط أساسي لمكافحة الجريمة المنظمة وهو ماسنتناوله في هذا المبحث حيث سنتناول الجهود الدولية في مكافحة الجريمة المنظمة في المطلب الأول ومن ثم سوف نتناول التعاون الأمني ودور الأنتربول في مكافحة الجريمة المنظمة في مطلب ثاني .

المطلب الأول: الجهود الدولية في مكافحة الجريمة المنظمة

يتخذ التعاون الدولي في مكافحته الجريمة المنظمة عدة أشكال ومن أهمها الاتفاقيات الدولية حيث أنه في مجال الاتفاقيات الدولية كان التعاون الدولي في مواجهة الجريمة المنظمة في السابق يعتمد على مواجهة كل جريمة على حدة ومن أمثلة ذلك : الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمخدرات ، والاتفاقات الخاصة بمكافحة الاتجار بالأشخاص والاتفاقيات الخاصة بمكافحة تزييف الأموال ، ولكن بعد تنامي خطر جماعات الجريمة المنظمة وزيادة نشاطها أصبح المجتمع الدولي يتعامل معها كجريمة واحدة وهو مادلت عليه عدة مؤتمرات واتفاقيات كان آخرها اتفاقيه مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية في باليرمو سنة 2000م .

والتعاون الدولي في هذا المجال يكون بالانضمام إلى الاتفاقيات الدولية المتعلقة بهذه الجريمة ، واستحداث اتفاقيات جديدة متعددة الأطراف أو ثنائية تجرم الأنشطة المتجددة التي تمارسها عصابات الجريمة المنظمة .

كما أن هناك شكلاً آخر من التعاون الدولي في مكافحته الجريمة المنظمة والمتعلق بالنصوص التشريعية ، حيث تقوم عصابات الجريمة المنظمة باستغلال الاختلاف في النصوص التشريعية بين الدول فتمارس أنشطتها في الدول التي لاتجرم هذه الأفعال أو التي تكون فيها العقوبة أقل لذلك ينبغي أن يكون هناك تعاون دولي في مجال النصوص التشريعية بحيث يتم وضع تعريفات مشتركة للجرائم المتجددة التي ترتكبها عصابات الجريمة المنظمة ووضع نصوص عقابية للفاعلين الأصليين والشركاء بحيث لا يفلت منها أحد .

و قد نصت على هذا النوع من التعاون عدة مواد من اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية كالمادة (18) والخاصة بالمساعدة القانونية المتبادلة والتي تدعو الدول الأطراف إلى أن تقدم كل منها للأخرى أكبر قدر ممكن من المساعدة القانونية والقضائية ,والمادتين (26،27) واللتين تدعوان إلى وضع تدابير تعزز من التعاون مع أجهزة القانون في مجال اتخاذ القانون .

كما يعتبر من أوجه التعاون الدولي دراسة الجريمة المنظمة وتوجهاتها ووضع خطط مشتركة لمواجهتها.

وقد قامت دولة الكويت بالتصديق على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والبروتوكولين الملحقين بها وهما البروتوكول الخاص بمنع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص ، وبروتوكول مكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو ، وصدر بموجبها القانون رقم(5) لسنه 2006م في 27 مارس،
لتصبح أحكام ومواد هذه الاتفاقية والبروتوكولان المشار إليهما قانونا واجب التطبيق في دولة الكويت وقد عبرت دولة الكويت عن سعادتها بالمصادقة على هذه الاتفاقية والبروتوكولين الملحقين بها ، جاء ذلك على لسان رئيس الوفد الكويتي المستشار المحامي العام الأول محمد الزعبي في كلمته أمام مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والذي انعقد في فيينا والذي قال فيه يجب علينا ألا نقصر في بذل كل الجهد وابتداع الوسائل التي تكفل تنفيذ الاتفاقية وتعزيز التعاون بين دولنا لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية بمزيد من الفاعلية وأضاف أن مسؤولية مكافحة الجريمة المنظمة تقع على عاتق جميع الدول ، الأمر الذي يجعل من التعاون الدولي لمنعها ومكافحتها امراً ضروريا وما يترتب على ذلك التعاون من توفير المساعدة التقنية التي حتما ستؤدي إلى تعزيز قدرة الدول على مكافحة الجريمة بآلية فعالة ، وكشف أن دولة الكويت تعكف في إطار مجلس التعاون الخليجي على إعداد مشروع قانون لمكافحة الاتجار بالأشخاص .

المطلب الثاني: التعاون الأمني ودور الأنتربول في مكافحة الجريمة المنظمة

تم إنشاء الأنتربول في فيينا سنة1923م ، وأصبحت في عام1971م تتمتع بالشخصية القانونية الدولية بعد إبرامها مع الأمم المتحدة اتفاقية دولية كمنظمة دولية حكومية ، ويبلغ عدد أعضائها(177) وتمتعها بالشخصية القانونية لاينقص من سيادة الدول المشتركة في عضويتها ويهدف الأنتربول إلى التنسيق والبحث والتقصي وتقديم الخبرة والإرشادات في مجال مكافحة الجريمة عموما والجريمة المنظمة على وجه الخصوص ، كما يهدف إلى تحسين العلاقة المتبادلة بين الأجهزة الشرطية ، وتحسين أداء التنظيمات الخاصة بمكافحة الجريمة المنظمة .

ونصت المادة (1) من ميثاق إنشاء الأنتربول على أن أهدافه هي:

  • 1) تشجيع وتطوير المساعدة المشتركة بين سلطات الشرطة الجنائية وتنميتها على نطاق واسع في إطار قوانين الدول المختلفة وبالاتفاق مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
  • 2)إقامة وتنمية النظم الفعالة التي تساهم في منع ومكافحة جرائم القانون العام دون التدخل في أنشطة سياسية أو عسكرية أو دينية أو عرفية كما نصت المادة الثالثة من الميثاق .

وتمارس منظمة الأنتربول عملها عن طريق مكاتبها الموجودة في كل دولة من الدول الأعضاء ، وتعتبر هذه المكاتب أساس التعاون الدولي في مكافحة الجريمة، وتقوم هذه المكاتب بجمع البيانات والمعلومات اللازمة في مكافحة الجريمة وتبادلها مع المكاتب الأخرى الموجودة في الدول الأعضاء ، كما تقوم بالاستجابة لطلبات المكاتب الأخرى الموجودة في دول الأعضاء في إطار القوانين الوطنية .

وفي مكافحتها للجريمة المنظمة قامت في يناير من عام 1990م بإنشاء مجموعة متخصصة في السكرتارية العامة في الأنتربول أطلق عليها(( مجموعة الإجرام المنظم)) وتقوم هذه المجموعة بتزويد الدول الأعضاء بالمعلومات الخاصة بالتنظيمات الإجرامية .

المبحث الثاني: التعاون القضائي الدولي في مكافحة الجريمة المنظمة

يقصد بالتعاون القضائي : تعاون السلطات القضائية في مختلف الدول لمكافحة الجريمة المنظمة ، ويهدف هذا التعاون إلى التقريب من الإجراءات الجنائية من حيث إجراءات التحقيق والمحاكمة إلى حين صدور الحكم على المحكوم وضمان عدم إفلاته من العقاب نتيجة لارتكابه جريمته في عدة دول والتنسيق بين السلطات القضائية في هذا الشأن للاتفاق على معايير موحدة .

ويعتبر التعاون القضائي ضرورة في مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية ويأخذ هذا التعاون عدة أشكال : مثل تبادل الخبرات والمعلومات القضائية والمساعدة التقنية أو الإنابة القضائية أو المصادرة أو تسليم المجرمين الهاربين أو الاعتراف بالأحكام الجنائية ، أو نقل الإجراءات الجنائية وغير ذلك من صور التعاون القضائي .

وقد نصت على هذا النوع من التعاون المادة(18) من اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة ، حيث قضت هذه المادة بأن على الدول الأطراف تقديم أكبر قدر ممكن من المساعدة القضائية في التحقيقات أو المحاكمات فيما يتعلق بالجرائم المشمولة بهذه الاتفاقية.

وسوف نتناول في هذا المبحث أبرز صور التعاون القضائي الدولي على النحو الآتي:

المطلب الأول: تسليم المجرمين
المطلب الثاني: مصادرة الأموال المتحصلة من الجريمة المنظمة

المطلب الأول: تسليم المجرمين

ويقصد بتسليم المجرمين أن تقوم دولة ما بالتخلي عن شخص مقيم على أراضيها وتقوم بتسليمه إلى دولة أخرى لتتولى بمقتضى قوانينها محاكمته عن جريمة منسوبة إليه ، أو لتنفيذ حكم صادر عليه من محاكمها .

ويعتبر قرار التسليم قراراً سيادياً وليس قرار من السلطة القضائية ويتم عادة بالطريق الدبلوماسي ، ولكن تقوم الدولة بإحالة الطلب إلى محاكمها الوطنية لتفصل في مدى صحة هذا الطلب .

وقد تستند الدول في تسليمها للمجرمين إلى اتفاقيات دولية سواء كانت متعددة الأطراف أو اتفاقيات ثنائية ، كما قد تستند إلى مبدأ المعاملة بالمثل وهو قبول الدولة تسليم المجرمين إلى دولة أخرى شريطة أن تتعهد الدولة الطالبة بالموافقة على طلبات التسليم .

وتشترط الدول لتسليم المجرمين إلى الدول الأخرى أن يكون الفعل الذي ارتكبه هذا الشخص مجرما في قانونها الداخلي وهو مايعبر عنه بازدواج التجريم ، وجاءت اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لتأكد على هذا المبدأ في المادة (18) فقرة (9) ولكن بسبب طبيعة عصابات الجريمة المنظمة والتجدد المستمر للجرائم التي ترتكبها أعطت نفس المادة الدول الموقعة – متى ما رأت ذلك مناسبا حسب تقديرها – الحق في تسليم المجرم إلى دولة أخرى وإن كان الفعل الذي ارتكبه غير مجرم في القانون الداخلي لهذه الدولة .

إذاً : يعتبر تسليم المجرمين من التدابير والوسائل الفعالة في مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية ، نظرا لامتداد أنشطتها الإجرامية بين الدول ، فضلا عن استغلالها لسهولة التنقل بين دول العالم.

المطلب الثاني: مصادرة الأموال المتحصلة في الجريمة المنظمة

تعتبر مصادرة الأموال المتحصلة من الجريمة من أكثر الوسائل فاعلية في مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لأن المصادرة تقضي على الهدف الرئيس لعصابات الجريمة المنظمة وهو الربح وهو ما يؤدي إلى شلل هذه التنظيمات .

وعادة ما تقوم عصابات الجريمة المنظمة بإخفاء الأموال المتحصلة من الجريمة في دول أخرى غير التي ارتكبت فيها الجريمة .

وقد قضت اتفاقيه مكافحة الجريمة المنظمة بهذا التعاون في المادة (12) فقرة (1) بأنه على الدول الموقعة تقديم أقصى ما يمكن من مساعدة في حدود القوانين الداخلية والأغراض المصادرة كما أعطت الفقرة (6) من المادة نفسها السلطات القضائية في الدول الموقعة أن تأمر بتقديم السجلات المصرفية أو المالية أو التجارية أو التحفظ عليها ولا يجوز لها الاحتجاج بالسرية المصرفية للامتناع عن القيام بهذا الأمر .

كذلك على كل دولة طرف في هذه الاتفاقية ، تتلقى طلبا من دولة أخرى بمصادرة أموال أو معدات أو أشياء أخرى متعلقة بالجريمة على إقليمها عليها أن تقوم بإحالة الطلب إلى سلطاتها المختصة لاستصدار حكم مصادرة أو تنفيذ أمر مصادرة صادر بالفعل أو تنفيذ حكم مصادرة صادر من الدولة الطالبة بالقدر المطلوب وفي حدود الطلب مادة (13) فقرة (1) بالإضافة إلى مواد أخرى من الاتفاقية اهتمت بالتعاون القضائي في مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية .

كما دعت الاتفاقية الدول إلى أن تقوم بإبرام اتفاقيات متعددة الأطراف أو ثنائية في سبيل المزيد من التعاون الدولي لتسهيل إجراءات مصادرة الأموال المتحصلة من الجريمة المنظمة.

وقد قامت الكويت في مجال تعزيز التعاون القضائي بصفة عامة بعقد العديد من المؤتمرات المشتركة في هذا المجال مع دول عربيه وأجنبية ، كما قامت الكويت عن طريق معهد الكويت للدراسات القضائية والقانونية وبالتعاون مع عدة معاهد في نفس المجال كالمعهد القومي للدراسات القضائية في مصر والمعهد القضائي في الأردن والمعهد العالي للقضاء في المغرب وغيرها من المعاهد ، بعقد العديد من الدورات التدريبية المشتركة للقضاة و وكلاء النيابة بهدف رفع الكفاءة وتبادل الخبرات .

لذلك تأتي أهمية عقد المزيد من الدورات التدريبية المشتركة بهدف التعاون القضائي بشكل عام والتعاون في مكافحة الجريمة المنظمة بشكل خاص ، إضافة إلى إبرام الاتفاقيات الدولية لتعزيز التعاون القضائي سواء عن طريق مجلس التعاون الخليجي أو جامعة الدول العربية أو أي منظمة دولية ، لتسهيل
إجراءات التحقيق والمحاكمة وتبسيطها ولمزيد من التعاون القضائي في مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية فضلا عن استخدام التكنولوجيا الحديثة في تعزيز هذا التعاون.

الـــخــاتــمــة

لقد تعرفنا في هذا البحث على خطورة الجريمة المنظمة عبر الوطنية على المجتمع الدولي بأسره وما تسببه من آثار خطيرة على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، كما رأينا مدى استغلال عصابات الجريمة المنظمة للعولمة والانفتاح الاقتصادي وسهولة المواصلات والاتصالات والاستفادة منها في تحقيق أهدافها وجرائمها بسهولة ويسر.

كما تعرفنا على مايميز الجريمة المنظمة عن غيرها من الجرائم فهي مؤلفة من ثلاثة أشخاص فأكثر يجمعهم تنظيم هرمي وتستخدم وسائل غير مشروعة مثل العنف والتهديد والرشوة ، وترتكب الجرائم بهدف تحقيق الربح ، ومن هذه الجرائم التي ترتكبها ، المخدرات والاتجار بالبشر والسلاح وغيرها من الجرائم وتقوم بغسيل الأموال المتحصلة من جرائمها

ولقد توصلنا إلى عدة نتائج وهي:

* أوضحت الدراسات التي تناولت الجريمة المنظمة أن الفقر والبطالة من الأسباب الرئيسة التي تؤدي إلى انضمام الأفراد إلى عصابات الجريمة المنظمة ، إذاً ينبغي محاربة الأسباب التي تؤدي إلى الانضمام إلى هذه العصابات وعدم الإعتماد على الدراسات القديمة وعمل الدراسات الحديثه ، خصوصا في الدول التي لاتعاني الفقر والبطالة.

* استخدام كافة الوسائل التي من شأنها أن تسهل الوصول إلى الرؤساء في هذه التنظيمات والقبض عليهم ، ومن هذه الوسائل تقديم الإغراءات لمن يبلغ عنهم والحماية للأعضاء الهاربين وتخفيف العقوبة عنهم أو الإعفاء منها للحصول على معلومات منهم.

* عدم إضاعة الوقت في البحث عن تعريف للجريمة المنظمة أو الاختلاف في خصائصها ، وإنما توجيه هذه الجهود نحو إيجاد أساليب وحلول مشتركة للتصدي لهذه الجريمة ومكافحتها بالتعاون مع الهيئات والمنظمات بهذا الشأن.

* وكما تناولنا في بحثنا هذا من تفعيل لنصوص الاتفاقيات التي وقعت في هذا المجال ، والسعي إلى عقد المزيد من الاتفاقيات لمكافحة الجريمة المنظمة ، بالإضافة إلى التعاون في المجال الأمني بين الدول من حيث تبادل المعلومات والخبرات.

* الاستفادة من التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة والأنترنت وتسخيرها لمواجهة هذه الجريمة.

ويلاحظ أن المشرع الكويتي قبل تصديقه على اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية ، قد تطرق إلى الجريمة المنظمة في عدة قوانين وإن لم يكن بشكل مباشر ومن هذه القوانين قانون المخدرات حيث عاقبت المادة(32) مكرر من قانون المخدرات رقم (74) لسنة 1983 المضافة بالقانون رقم (13) لسنة (1995) كل من أنشأ أو أدار تنظيماً يكون الغرض منه أو يكون من بين نشاطه ارتكاب جريمة
من جرائم المخدرات المنصوص عليها في المواد (32,31 ) من هذا القانون كما عاقبت كل من انضم إلى هذا التنظيم مع علمه بغرضه أو اشترك فيه بأي صورة بالإضافة إلى المادة التي سبق وأن تطرقنا لها في هذا البحث وهي المادة رقم(7) من القانون رقم(35) لسنة2002م بشأن مكافحة غسيل الأموال.

وفي ختام هذا البحث أدعو الله أن أكون قد وفقت في الإحاطة ببعض جوانبه ,وإن لم أصب الحقيقة في كل رأي أو اقتراح ، فذلك من طبيعة البشر, فالكمال لله وحده ، وألتمس المعذرة.

المراجع

أ.المراجع العامة:

1/ د. محمود شريف بسيوني: الجريمة المنظمة عبر الوطنية, الطبعة الأولى-دار الشروق-القاهرة 2004
2/ د.شريف سيد كامل: الجريمة المنظمة, الطبعة الأولى-دار النهضة العربية-القاهرة 2001م
3/ د. فائزة يونس الباشا:الجريمة المنظمة في ظل الاتفاقيات الدولية والقوانين الوطنية-دار النهضة العربية , القاهرة2002م
4/د.طارق سرور:الجماعة الإجرامية المنظمة-دار النهضة العربية , القاهرة 2000م
5/ أ.نسرين عبدالحميد نبيه:الجريمة المنظمة عبر الوطنية-دار الفكر الجامعي الإسكندرية 2006م
6/ د.احمد إبراهيم مصطفى سليمان: الإرهاب والجريمة المنظمة التجريم وسبل المواجهة(د,ن ) 2006م
7/ د.عادل عبدالجواد محمد الكر دوسي:التعاون الأمني العربي ومكافحة الإجرام المنظم عبر الوطني, الطبعة الأولى-مكتبة الاداب2005م
8/ محمد بن أبي بكر الرازي:مختار الصحاح –مكتبة لبنان 1989م
9/ أ. عبد الفتاح سليمان:مكافحة غسيل الأموال, الطبعة الأولى-دار الكتب القانونية, مصر2006م
10/د.موسى نعيم:تجارة غير مشروعة, مكتبة الإسكندرية , الاسكندرية2006م

ب: الدوريات:

1/ أ. اليمامة الحربي:مجلة الفتوى والتشريع, العدد الثاني عشر, الكويت2004م
2/ د.فايز الظفيري: مواجهة جرائم غسيل الأموال ,مجلس النشر العلمي, لجنة التأليف والتعريب والنشر-الكويت2004م
3/د.اسكندر غطاس:مدخل إلى التعاون القضائي الجنائي. من إصدارات معهد الكويت للدراسات القضائية والقانونية.
4/ د.اسكندر غطاس:ملامح التعاون القضائي الجنائي فيما بين الدول والمحاكم الجنائية الدولية, من إصدارات معهد الكويت للدراسات القضائية والقانونية

شارك المقالة

1 تعليق

  1. غير معروف

    9 مايو، 2018 at 5:53 م

    مشكور على المعلومات وكان بحت ممتاز
    كل الشكر والتقدير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.