دراسة و بحث حول مفهوم و شروط الشهادة في عقد النكاح

الشهادة في عقد النكاح
د/ عبد الرحمن بن عبد الله المخضوب
———————————————-

الحمد لله حمد الشاكرين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وهادياً للناس أجمعين.. صلاةً وسلاماً دائمين إلى يوم الدين، وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد: فإن الفقه من أشرف العلوم قدراً، وأعلاها منزلة وذكراً، وإن مسائله يحتاج لها في كل وقت وحين، ونوازله تتجدد على مر الأيام والسنين، وإن من المسائل التي لمست الحاجة إلى مزيد بيانها وإظهارها مسألة الشهادة في عقد النكاح، وذلك لتكررها ولوقوع كثير من مأذوني عقود الأنكحة في حرج شديد في بعض مصائلها، كشهادة فروع الولي على إيجاب النكاح، أو أصول وفروع الزوج على قبوله، وشهادة مستور الحال، ومن يظهر فسقه، والشهادة على رضا المرأة وغيرها من مسائل هذا البحث. هذا ما أحببت أن أضعه بين يدي هذا البحث المتواضع، وأسأل الله أن يغفر لي زلتي وهفوة قلمي، وحسبي أني بذلت جهدي، وعلى الله اتكالي وبه اعتمادي، وهو سبحانه نعم المولى ونعم النصير. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الشهادة:

الشهادة لغة: مصدر. أصله شَهِدَ، كَعَلِمَ، وقد تسكن هاؤه(1)، والشين والهاء والدال أصل يدل على حضور وعلم وإعلام، يقول ابن فارس: “لا يخرج شيء من فروعه عن الذي ذكرناه، ومن ذلك الشهادة تجمع الأصول التي ذكرناها، ومن ذلك الشهادة تجمع الأصول التي ذكرناها من الحضور، والعلم، والإعلام، يقال: شَهِدَ يشهد شهادةً”(2). والشهادة: الإخبار بما قد شوهد، والمَشْهَدُ: محضر الناس(3). اصطلاحاً: عرفت الشهادة عند الفقهاء بعدة تعريفات، واختلفت التعاريف بسبب اختلاف نوع الأداء، فإن كان إخبار بحق للغير فهو الشهادة، وإن بحق للمخبر على آخر فهو الدعوى، أو بالعكس وهو الإقرار(4)، فالشهادة هي: الإخبار بما علمه الشاهد(5). وهذا في مجلس القضاء، وفي عقد النكاح ليست الشهادة إخباراً، وإنما هي تحمل للشهادة أولاً لصحة العقد، ثم أداء لها في مجلس القضاء عند الحاجة، فلا تكون الشهادة ملزمة بدون القضاء(6). وقال في المجلة(7): هي الإخبار بلفظ الشهادة بإثبات حق أحد في ذمة الآخر في حضور الحاكم ومواجهة الخصمين، ويقال للمخبر شاهد، وللمخبر له مشهود له، وللمخبر عليه مشهود عليه، وللحق مشهود به. وعلاقة المعنى اللغوي بالاصطلاح الشرعي ظاهرة، فالشهادة مشتقة من المشاهدة وهي المعاينة، ومن الشهود وهو الحضور؛ لأن الشاهد يحضر حين تحمل الشهادة وأدائها في مجلس القضاء(8).

تعريف عقد النكاح

وفيه مسألتان:

المسألة الأولى:

تعريف العقد: العقد لغة: يقال: عقد الحبل عقداً أي شده، من باب ضَرَب، ومنه قيل: عقدت البيع ونحوه، وعقد النكاح: إحكامه وإبرامه. فالعقد: هو الضمان والعهد(9). وفي الاصطلاح: اتفاق بين طرفين يلتزم فيه كل منهما تنفيذ ما تم الاتفاق عليه(10). وقيل: ربط أجزاء التصرف بالإيجاب والقبول(11). وكلاهما متقارب.

المسألة الثانية:

تعريف النكاح: النكاح لغة: مصدر من نكح، والنون والكاف والحاء كما يقول ابن فارس أصل واحد، وهو البضاع، ويطلق على العقد دون الوطء، وعلى الوطء(12). قال ابن جني: سألت أبا علي الفارسي عن قوله “نكحها” قال: فرقت العرب فرقاً لطيفاً تعرف به موضع العقد من الوطء، فإذا قالوا: نكح بنت فلان أرادوا تزوجها وعقد عليها، وإذا قالوا: نكح امرأته لم يريدوا إلا المجامعة؛ لأنه بذكر امرأته أو زوجته يستغنى عن العقد(13). اصطلاحاً: عرف النكاح بعدة تعاريف، وأختار منها: أنه: عقد يتضمن إباحة وطء بلفظ الإنكاح والتزويج أو ما في معناهما، وهو حقيقة في العقد مجاز في الوطء(14).

اشتراط الشهادة في عقد النكاح: اختلف العلماء في أصل الشهادة في عقد النكاح، وعند تأمل أقوال الفقهاء يتبين أن الخلاف في اشتراط الشهادة في عقد النكاح منحصر في قولين، وسبب الخلاف يرجع إلى أمرين: الأول: هو المقصود من الشهادة في النكاح، هل هي حكم شرعي يجب امتثاله والعمل به، أم يقصد بها التوثيق وسد ذريعة الاختلاف؟ فمن قال إنها حكم شرعي، قال إن الشهادة شرط في صحة عقد النكاح، ومن قال:

إنها توثيق لم يشترط الشهادة في عقد النكاح، كالرهن والكفالة لا تشترط في البيوع(15). الثاني: الاختلاف في تصحيح أحاديث اشتراط الشهادة في عقد النكاح، فمن صححها أو بعضها قال باشتراط الشهادة، ومن رأى عدم صحتها قال بخلاف ذلك. تحرير محل النزاع: اتفق الجميع أنه لا بد من إظهار عقد النكاح للتفريق بين المعقول عليها بنكاح وغير المعقود عليها، واختلف في حقيقة إظهار النكاح، فطائفة شرطت إظهاره بالشهود، وطائفة قالت: يتحقق الإظهار بإخراجه عن أن يكون سراً غير مكتوم وإن لم يحضره أحد، ثم يشهد بعد ذلك(16).

القول الأول: إن الشهادة شرط لصحة عقد النكاح: وهو قول الإمام أبي حنيفة(17)، والشافعي(18)، والمشهور عن الإمام أحمد(19)، وقال به من الصحابة أمير المؤمنين عمر(20) وعلي(21) وعبد الله بن عباس(22) رضي الله عنهم، ومن التابعين سعيد بن المسيب وجابر بن زيد والحسن والنخعي وقتادة والثوري والأوزاعي(23). وهو اختيار سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله(24). وقال ابن رشد: “وكثير من الناس رأى هذا داخلاً في باب الإجماع وهو ضعيف”(25).

القول الثاني: الشهادة ليست شرطاً في صحة عقد النكاح: وهذا هو قول الإمام مالك(26)، وداود الظاهري(27)، ورواية عن الإمام أحمد(28)، وفعله ابن عمر رضي الله عنه، وقال به من التابعين الحسن بن علي وابن الزبير وسالم وحمزة ابنا عبد الله بن عمر، وعبد الله بن إدريس وعبد الرحمن بن مهدي ويزيد بن هارون والعنبري وأبو ثور وابن المنذر(29)، والليث(30)، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية(31).

الأدلة:

أدلة القول الأول:

أولاً: استدلوا بعدة أحاديث تدل على اشتراط الشاهدين في عقد النكاح، منها:

  • 1 – ما روي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل وإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له”(32)، ففي هذا الحديث نص صريح على نفي صحة النكاح إلا بالشاهدين كما أنه لا يصح إلا بولي.
  • 2 – عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا نكاح إلا بولي وشاهدين ومهر ما قال أو كثر”(33). وهذا دليل ظاهر على وجوب الشاهدين في عقد النكاح.
  • 3 – عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل”(34).
  • 4 – وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا نكاح إلا بأربعة: خاطب وولي وشاهدين”(35).
  • 5 – وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا بد في النكاح من أربعة: الولي والزوج والشاهدين”(36)، وغيرها من الأحاديث الدالة على اشتراط الشاهدين في النكاح.
  • 6 – روي عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا يحل نكاح إلا بولي وصداق وشاهدي عدل”(37). قال الشافعي رحمه الله: هذا وإن كان منقطعاً دون النبي صلى الله عليه وسلم فإن أكثر أهل العلم يقول به، ويقول: هو الفرق بين النكاح والسفاح(38).

ثانياً: استدلوا أيضاً بآثار مروية عن عدد من الصحابة منها:

  • 1 – عن الحسن وسعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: “لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل”(39).
  • 2 – وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أُتي بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة، فقال: “هذا نكاح السر ولا أجيزه ولو كنت تقدمت فيه لرجمته”(40). قال الزركشي: وخص النكاح – والله أعلم – باشتراط الشهادة، دون غيره من العقود، لما فيه من تعلق حق غير المتعاقدين وهو الولد(41).
  • 3 – عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: “لا نكاح إلا بولي ولا نكاح إلا بشهود”(42).

ثالثاً: من المعنى:

  • 1 – قالوا: إن اشتراط الشهادة في النكاح آكد من اشتراطها في البيع؛ لأن النكاح يتعلق به حق غير المتعاقدين، وهو الولد؛ لئلا يجحده أبوه فيضيع نسبه بخلاف البيع(43).
  • 2 – ولأن في اشتراط الشهادة في عقد النكاح احتياطاً للأبضاع، وصيانة للأنكحة عن الجحود(44).

أدلة القول الثاني:

أولاً: استدلوا بالعموميات:

  • 1 – بعموم قول الله تعالى: “فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ” (النساء: من الآية3)، فلم يذكر الله تعالى الشهادة، فيبقى النص على الإطلاق ولا تشترط الشهادة(45).
  • 2 – وبعموم قول الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ” (المائدة: من الآية1)، والنكاح من العقود التي يجب الوفاء بها دون شهود(46).

ثانياً: من السنة:

  • 1 – عن أنس بن مالك رضي الله عنه: “اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم جارية بسبعة أرؤس، فقال الناس: ما ندري أتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم أم جعلها أم ولد؟ فلما أراد أن يركب حجبها فعلموا أنه تزوجها”(47). وجه الاستدلال: أنهم لم يستدلوا على تزويجها إلا بالحجاب مما دل على عدم اشتراط الإشهاد في عقد النكاح(48).
  • 2 – وروى عباد بن سنان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ألا أنكحك آمنة بنت ربيعة بن الحارث، قال: بلى، قد أنكحتها ولم يشهد”(49).
  • 3 – ولما روي أن علياً زوج أم كلثوم من عمر ولم يشهد(50).

ثالثاً: استدلوا بآثار رويت عن بعض الصحابة، منها:

  • 1 – احتج الإمام أحمد بأن ابن عمر زوج بلا شهود، وهو من أشد الصحابة رضي الله عنهم تمسكاً بالسنة، فقد روى عبد الرزاق(51) عن معمر عن أيوب عن نافع عن حبيب مولى عروة بن الزبير قال: بعثني عروة إلى عبد الله بن عمر لأخطب له ابنة عبد الله، فقال عبد الله: نعم إن عروة لأهل أن يزوج، ثم قال: ادعه، فدعوته لم يبرح حتى زوجه، قال حبيب: وما شهد ذلك غيري وعروة وعبد الله.
  • 2 – فعله الحسن بن علي وابن الزبير(52)، وسالم وحمزة ابنا عبد الله بن عمر(53).

رابعاً: استدلوا أيضاً بعدة تعليلات وأقيسة، منها:

  • 1 – قياس النكاح على الرهن والكفالة في عدم اشتراط الإشهاد فيها بجامع أن كلاً منها عقد توثيق(54).
  • 2 – قالوا: ولأن كل شخص لا يحتاج إليه في إيجاب ولا قبول لم يكن حضوره شرطاً في انعقاد النكاح كالزوجة وسائر الأجانب(55).

مناقشة الأدلة:

مناقشة أدلة القول الأول:

أولاً: الأحاديث التي استدلوا بها لا تخلو في جملتها من مقال، ولا يثبت في اشتراط الشهادة حديث يتعين القول به والمصير إليه، وقد ضعف هذه الأحاديث بعامة عدد من الأئمة، فمن أقوالهم:

أ – قال الإمام أحمد رحمه الله في رواية الميموني: “لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشاهدين شيء”(56).

ب – وقال ابن المنذر: “لا يثبت في الشاهدين في النكاح خبر”(57).

ج- وقال ابن عبد البر وقد روي بإسناده حديث “لا نكاح إلا بولي وشاهدين عدلين) عن ابن عباس وأبي هريرة وابن عمر، قال: “إلا أن في نقله ذلك ضعفاً فلم أذكره”(58).

د – وقال الزيلعي: “والأحاديث كلها مدخولة”(59).

هـ – قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “وليس في اشتراط الشهادة في النكاح حديث ثابت، لا في الصحاح ولا في السنن ولا في المساند”(60). وأجيب عن هذه المناقشة: بأنه قد صحح بعض أحاديث اشتراط الشهادة في عقد النكاح عدد من أساطين الحديث وأئمة الحفظ، ومن ذلك:

  • 1 – قال ابن حبان في حديث عائشة الأول: “ولا يصح في ذكر الشاهدين غير هذا الخبر”(61) . قال ابن الملقن: “هو كما قال وله طرق أخرى فيها ضعف لا حاجة إليها معه”(62). وقال الأوزاعي: “وهذا يرد قول ابن المنذر لا يثبت في الشاهدين في النكاح خبر”(63).
  • 2 – ذكر الدارقطني لحديث عائشة السابق طرقاً ومتابعات(64)، قال الألباني معلقاً(65): “إن الحديث صحيح بهذه المتابعات والطرق التي أشار إليها الدارقطني”.
  • 3 – قال الشافعي رحمه الله في حديث عمران: “وهذا وإن كان منقطعاً فإن أكثر أهل العلم يقولون به”(66)، وصحح الذهبي إسناده(67).
  • 4 – قال أبو عيسى الترمذي: “والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن بعدهم من التابعين وغيرهم قالوا: لا نكاح إلا بشهود، لم يختلفوا في ذلك – من مضى منهم – إلا قوماً من المتأخرين من أهل العلم”(68).

يرد عن هذه الإجابة: لو سلمنا بصحة حديث (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) فقد أجاب بعض المالكية الذين يشترطون الشهادة في الدخول دون العقد بأربعة أجوبة:

  • أحدها: أن النفي دائر بين القضاء والفتوى، ولم ينص على أحدها فهو مطلق فيهما ونحن نحمله على القضاء فلا يحكم حاكم بصحة نكاح إلا ببينة، أما الحل، فثابت دون البينة(69). ويمكن أن يجاب عنه: أن الأصل في الإطلاق أن يعم اللفظ جميع ما أطلق فيه ولا يخصص العام إلا بمخصص، كما أنه لا يقيد المطلق إلا بمقيد، فما الذي قيد النهي بالقضاء دون أصل الحكم؟
  • ثانيهما: إن النهي دائر بين العقد والدخول، ونحن نحمله على الدخول؛ لأن اللفظ فيه حقيقة وفيما ذكروه مجاز، والحقيقة مقدمة على المجاز(70). ويمكن أن يجاب عنه: بعدم التسليم بأن النكاح مجاز في العقد حقيقة في الدخول بل هو حقيقة في العقد بدليل الإرث والعدة بمجرد العقد.
  • ثالثها: أن الصداق مذكور في الحديث مقروناً بالبينة، ولا يشترط ذكر الصداق في العقد فكذلك الشهادة قياساً عليه بطريق الأولى، لأن الصداق ركن داخل في الحقيقة والبينة خارجة عن حقيقة العقد(71). ويجاب عنه: بأن لفظ الحديث الذي صححه عدد من أهل العلم لم يذكر به الصداق، فلا يستقيم القياس.
  • رابعها: يحمل النفي على الكمال، ويؤيده ذكر الصداق وهو معتبر في الكمال(72). ويجاب عنه: يلزم على قولهم أن يكون الولي في الحديث للكمال، ولم يقولوا به فلماذا خصوه في الشهادة دون الولاية في النكاح؟ ما هو إلا تفريق بين المتماثلات.

ثانياً: الاستدلال بالآثار على اشتراط الشهادة في عقد النكاح: ويمكن القول بأنه قد روي عن عدد من الصحابة خلافه كما في أدلة قول الثاني، وقول الصحابي لا يعد حجة إذا خالفه صحابي آخر(73).

ثالثاً: الاستدلال بالمعنى: يمكن مناقشة أدلتهم العقلية بإيراد ما يأتي:

  • 1– أن قولهم إن اشتراط الشهادة في النكاح آكد من البيع مبني على علة لا تستقيم لهم، وهي تعل حق إثبات نسب الولد، وأصحاب القول الثاني يشترطون الشهادة في الدخول وإعلان النكاح، فكيف يجحده أبوه أو يضيع نسبه وقد ثبت بالدخول.
  • 2 – قولهم إن الشهادة في عقد النكاح احتياط للأبضاع، فيمكن القول بأنه لا يتوصل للبضع إلا بالدخول وهو مشترط فيه الشهادة، فهذا التعليل خارج عن محل النزاع.

مناقشة أدلة القول الثاني:

أولاً: استدلالهم بالعمومات: أجيب عن عموم قول الله تعالى: “فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ” (النساء: من الآية3) أن المقصود بها ما يستباح من المنكوحات، ولم ترد في صفات النكاح(74). ويقال أيضاً: بأنها أدلة عامة فهي لم تذكر الشهادة التي هي محل النزاع ولم تذكر الولاية في النكاح، فيلزم على استدلالكم عدم اشتراط الولاية لعموم الأدلة ولم تقولوا بهذا.

ثانياً: استدلالهم بالسنة أجيب عنه بالآتي:

  • 1 – نكاح النبي صلى الله عليه وسلم بغير ولي ولا شهود من خصائصه في النكاح فلا يلحق به غيره(75).
  • 2 – أما تزويج النبي صلى الله عليه وسلم آمنة بنت ربيعة ولم يشهد، فقد حضر العقد شهود لم يقل لهم اشهدوا، إذ يبعد أن يخلو مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال بروزه من حضور نفسين فصاعداً، وإذا حضر العقد شاهدان بقصد أو اتفاق صح العقد بهما وإن لم يقل لهما اشهدا، فلم يكن في الخبر دليل؛ لأن قول الراوي: ولم يشهد، أي لم يقل لمن حضر اشهدوا(76).
  • 3 – أما تزويج علي لعمر بدون إشهاد، فيجاب عنه بأمرين:

الأول: بعدم التسليم بذلك، فقد روى البيهقي والهيثمي أن علياً قال للحسن والحسين زوجا عمكما(77).

ثانياً: ولو سلمنا بصحة الخبر، فهو محمول على أنه حضر شهود ولم يقل لهم اشهدوا؛ لأن قول الراوي: ولم يشهد، أي لم يقل لمن حضر اشهدوا، وكيف يصح ذلك عن عمر وقد روي عنه أن رد نكاحاً حضره رجل وامرأة(78).

ثالثاً: استدلالهم بالآثار:

1 – فعل ابن عمر هو رأي له، وقد خالفه عدد من الصحابة وقول الصحابي لا يعد حجة إذا خالفه صحابي آخر.

2 – فعل الحسن بن علي وابن الزبير وغيرهما معارض بقول عمر بن الخطاب وابن عباس وغيرهما.

رابعاً: استدلالهم بالمعنى:

1 – قياس النكاح على الرهن في عدم اشتراط الإشهاد في انعقاده، بأنه لا يسلم بذلك، فإن الشهادة والتوثيق شرط في الرهن لإثباته، فكذا النكاح.

2 – أما قولهم: إن كل شخص لا يحتاج إليه في إيجاب ولا في قبول لا يشترط حضوره، مردود بأن الشهود وإن لم يحتج إليهم في الإيجاب والقبول إلا أنه يحتاج إليهم في إثباتهما عند الإنكار أو الاشتباه. الترجيح: عند النظر في القولين وتأمل الأدلة والمناقشات، والنظر في أوضاع الناس وواقع المجتمعات، يظهر لي – والعلم عند الله – رجحان القول الأول القاضي باشتراط الشهادة في عقد النكاح، وذلك لعدة أسباب منها:

1 – أن أحاديث اشتراط الشهادة كثيرة، وقد ذكرت بعضها، وقد رويت بطرق مختلفة وأسانيد متعددة؛ لذا يظهر لمن تأمل أسانيد الأحاديث وطرقها ومتابعاتها أنها صالحة بمجموعها للاحتجاج بها، فأقل ما يقال في الشهادة في عقد النكاح أنها ثابتة بأحاديث حسنة.

2 – اشتراط الشهادة في عقد النكاح له فوائد عدة، منها:

أولاً: إثبات النكاح عند العقد وصيانة له عن الجحود، خصوصاً ونحن في زمن تهاون فيه كثير من الناس في التقاء الزوجين قبل الدخول ببعضهما، وأحياناً الخلوة بها والخروج معها وقد يواقعها؛ مما استدعى الأمر معه إلى إثبات النكاح عند العقد، وليس عند الدخول.

ثانياً: أن من المقرر عند الفقهاء أن الأصل في الأبضاع الحرمة، فإذا تعارض دليلان أحدهما موجب للحل والآخر موجب للحرمة رجح الموجب للحرمة للأصل(79).

ثالثاً: الناس يختلفون في إعلان النكاح بحسب أعرافهم وواقعهم، وقد يطرأ عليهم ما يمنع من إعلانه، ثم إن ضابط الإعلان مختلف فيه، فكان اشتراط الشهادة في العقد أولى من عدمه؛ لأن الشهادة لا مجال فيها للتفاوت أو الاختلاف.

3 – عند تأمل الآثار المترتبة على القول الثاني يظهر رجحان القول الأول، ففي عدم اشتراط الشهادة في عقد النكاح انتشار لنكاح السر، وناهيك عن ما فيه من مفاسد وأضرار على الأفراد والمجتمعات، ولا سيما هذا الواقع الذي كثر فيه التحيل على الحرام وماتت الغيرة في نفوس فئة من المسلمين، بل وانتشرت الدياثة التي تأباها الشريعة والفطر المستقيمة.

4 – عند المقارنة بين أدلة القولين والإجابة عنها، يظهر لي أن أدلة القول الأول أقوى ثبوتاً وأظهر حجة من أدلة القول الثاني.
حقيقة الشهادة في عقد النكاح: الشهادة في عقد النكاح لا تخرج عن الشهادة اللغوية والشرعية، فهي إخبار بما شاهده الشاهد وسمعه، والنكاح فيه إيجاب وقبول ورضا المرأة وصداق، لذا سيكون الحديث في هذا المبحث عن الشهادة على العاقدين، والشهادة على رضا المرأة، والشهادة على قدر الصداق. الشهادة على الإيجاب والقبول والصداق: الشهادة في عقد النكاح تعني سماع لفظ الولي بالإيجاب، ولفظ الزوج بالقبول، فلا تصح الشهادة بحضور الشاهدين أو توقيعهما دون سماع إيجاب الولي وقبول الزوج، حتى لو سمع الشاهدان كلام أحد العاقدين دون الآخر، أو سمع أحد الشاهدين بذل الولي والآخر قبول الزوج، فلا يصح العقد؛ لأن الشهادة في النكاح يشترط لصحتها حضور الشاهدين للإيجاب والقبول، فإذا لم يسمعا كلام المتعاقدين جميعاً أو أحدهما لا تتحقق الشهادة عند الركن، فلا يوجد شرط الركن(80). وإن سمع الشاهدان مع الإيجاب والقبول ذكر الصداق شهدا به وبالعقد، وإن لم يسمعا ذكر الصداق شهدا بالعقد دون الصداق، وتسمية الصداق في العقد سنة في قول عامة أهل العلم(81)، ولا يجب لقوله تعالى: “لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً” (البقرة: من الآية236)، والمعمول به في ضوابط عقود الأنكحة ووثائق العقود النص على الصداق، لذا أرى أنه يتأكد على العاقد النص على الصداق؛ لأنه أدفع للخصومة، وأثبت لحق الزوجين، ولأن مهر المثل يلجأ إليه عند عدم ذكر الصداق(82)، وتختلف أعراف الناس وعاداتهم فلا ينضبط عندهم مهر معين، والنص على الصداق في العقد قاطع للنزاع، مثبت للحقوق، دافع للجوء إلى المحاكم لإثباته.

الشهادة على رضا الزوجة:

هذه المسألة من الأهمية بمكان، وذلك لتكرر بعض صور إجبار المرأة على الرضا، أو تزويجها بدون رضاها أصلاً، وقد أورد هذه القضية أحد القضاة كمشكلة من دعاوى بعض الزوجات بأنهن زوجن بدون رضاهن، وقد يكن مدفوعات إلى ذلك، ولا سيما في البادية حيث تغلب العصبية(83)، ويتفرع على هذه المسألة معرفة الشهود للمرأة المشهود برضاها، وسماعهم لإذن الثيب والبكر، وما يعتري هذه الشهادة من حرج؛ لأن كثيراً من الشهود لا يعرفون المرأة لكونهم أجانب عنها، وهذا مما يلبس على مأذوني عقود الأنكحة، ويجعلهم يتحرجون من إجراء بعض العقود لهذا الأمر. وسيكون كلامي هنا بإذن الله فيه بيان لما قد يستشكل موافقاً لواقع كثير من عقود الأنكحة.

المسألة الأولى: إذن الزوجة: إذن الزوجة معتبر في النكاح؛ لأنها تبذل نفسها لمن أذنت له، والأصل فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن”، قالوا: وكيف إذنها؟ قال: (أن تسكت)(84)، والاستئمار طلب الأمر، فالمعنى: لا يعقد عليها حتى يطلب الأمر منها، لذا يحتاج الولي إلى صريح إذن الثيب في العقد، فإذا صرحت بمنعه امتنع اتفاقاً(85)، والبكر بخلاف ذلك، فالإذن دائر بين القول والسكوت، وإنما جعل السكوت إذناً في حق البكر؛ لأنها قد تستحي أن تفصح عن رضاها(86)، وهذا في البكر الكبيرة، أما الصغيرة فقد قال ابن عبد البر: “أجمع العلماء على أن للأب أن يزوج ابنته الصغيرة ولا يشاورها لتزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة وهي بنت ست سنين”(87)، وقال ابن المنذر: “أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن نكاح الأب ابنته البكر الصغيرة جائز إذا زوجها من كفء ويجوز له تزويجها مع كراهيتها وامتناعها”(88). واختلفوا في الأب هل يجوز له أن يجبر ابنته البكر البالغ على النكاح على قولين لأهل العلم:

القول الأول: لا يجوز له إجبار ابنته على النكاح. وهو مذهب الحنفية(89)، ورواية عن الإمام أحمد(90)، وقال به الأوزاعي، والثوري، وأبو عبيد، وابن المنذر،، وطاووس(91)، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية(92). وقال ابن القيم: “لا تجبر البكر البالغ على النكاح ولا تزوج إلا برضاها وهذا قول جمهور السلف، ومذهب أبي حنيفة، وأحمد في أحد الروايات عنه، وهو القول الذي ندين الله به، ولا نعتقد سواه، وهو الموافق لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره ونهيه، وقواعد شريعته ومصالح أمته”(93)، واختاره سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم(94).

القول الثاني: يجوز للأب إجبار ابنته البكر الكبيرة على النكاح. وهو مذهب الإمام مالك(95)، والشافعي(96)، والصحيح في مذهب الإمام أحمد(97). الأدلة: استدل أصحاب القولين بأدلة كثيرة من السنة والأثر والمعقول، واقتصر هنا على أقوى أدلة الفريقين(98). أدلة القول الأول:

  • 1 – عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا البكر حتى تستأذن”، قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: “أن تسكت”. ووجه الاستدلال ظاهر، إذ يدل على أن البكر البالغ لا تجبر إذا امتنعت، إذ لا معنى لاستئذان من لا تدري ما الإذن، ومن يستوي سكوتها وسخطها(99)، وهي الصغيرة.
  • 2 – عن ابن عباس رضي الله عنهما: “أن بكراً أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوّجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم”(100)، واستدلوا بأدلة من الآثار(101). أدلة القول الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن وإذنها سكوتها”(102). وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم النساء قسمين: ثيباً وأبكاراً، ثم خص الثيب بأنها أحق من وليها، فدل مفهوم ذلك أن ولي البكر أحق بها من نفسها(103). واستدلوا بآثار عن سالم بن عبد الله والقاسم بن محمد(104). الترجيح: بالنظر إلى أدلة الفريقين يتبين أن أصحاب القول الأول استدلوا بالمنطوق، والثاني بالمفهوم، ومن المعلوم أن المنطوق مقدم على المفهوم، ولو سلم بالمفهوم فليس بحجة على إجبار كل بكر؛ لأن المفهوم لا عموم له(105)، لذا يظهر رجحان القول الأول، وأن البكر البالغ لا يجوز إجبارها على النكاح لقوة أدلتهم وصراحتها، وضعف أدلة المخالفين. قال ابن تيمية رحمه الله: “فهذان الفرقان اللذان فرق بهما النبي صلى الله عليه وسلم بين البكر والثيب في الإذن، فجعل إذن الثيب النطق، وإذن البكر الصمات، ولم يفرق بينهما في الإجبار وعدم الإجبار”(106).

المسألة الثانية: الشهادة على إذن الزوجة: إذا تقرَّر أن إذن الزوجة الثيب شرط لصحة عقد النكاح إذا كانت كبيرة، وعلى الأظهر من أقوال العلماء في البكر الكبيرة، فإن الشهادة على إذنهما ورضاهما يبنى على معرفة الشهود لهما؛ لذا قال بعض الفقهاء: “لا بد من معرفة الشهود اسمها ونسبها، أو يشهدان على صوتها برؤية وجهها بأن تكشف لهم النقاب، وهي مسألة نفسية، والقضاة الآن لا يعلمون بها فإنهم يزوجون المنتقبة الحاضرة من غير معرفة الشهود لها اكتفاءً بحضورها وإجبارها”(107).

وهذا القول لا يسلم به على إطلاقه، بل الأولى في شهود عقد النكاح أن يكونوا ممن يعرفون المرأة كأعمامها وأخوالها وإخوانها ونحوهم من الأقارب الذين يعرفون المرأة بعينها أو صوتها، وقد نص فقهاء الحنفية أنه لا بد من تمييز المنكوحة عند الشاهدين لتنتفي الجهالة وقالوا: إن كانت حاضرة منتقبة كفى بالإشارة إليها، والاحتياط كشف وجهها، فإن لم يروا شخصها وسمعوا كلامها من البيت إن كانت المرأة في البيت وحدها جاز النكاح لزوال الجهالة، وإن كان معها امرأة أخرى لا يجوز لعدم زوالها(108). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: “لا يفتقر صحة النكاح إلى الإشهاد على إذن المرأة قبل النكاح في المذاهب الأربعة إلا وجهاً ضعيفاً في مذهب الشافعي وأحمد، بل قال: إذا قال الولي: أذنت لي جاز عقد النكاح، والشهادة على الولي والزوج”(109). واتفق فقهاء الشافعية(110) والحنابلة(111) على أن الإشهاد على رضا المرأة مستحب، قال صاحب مغني المحتاج(112): “ويستحب الإشهاد على رضا المرأة بالنكاح بقولها: رضيت أو أذنت فيه حيث يعتبر رضاها بأن كانت غير مجبرة ليؤمن إنكارها، ولا يشترط الإشهاد في صحة النكاح؛ لأنه ليس من نفس العقد وإنما هو شرط فيه، ورضاها الكافي في العقد يحصل بإذنها وببينة وكذا بإخبار وليها مع تصديق الزوج”. وقال صاحب كشاف القناع(113): “ولا يشترط الإشهاد على إذنها لوليها أن يزوجها ولو غير مجبرة، والاحتياط الإشهاد على خلوها من الموانع وعلى إذنها لوليها إن اعتبر احتياطاً”. والذي يظهر لي هنا: أن الإشهاد على رضا المرأة أمر معتبر عند شك العاقد في إجبار المرأة، وهذا يتبين من حال الولي والزوج والشاهدين، وهذا ما عليه تعميم وزارة العدل في المملكة العربية السعودية لمأذوني عقود الأنكحة وفيه: “اعتمدوا عدم إجراء أي عقد إلا بعد استئمار المرأة الثيب واستئذان البكر، ولو كان الولي هو الأب، وإذن البكر صماتها كما جاء الحديث الشريف بذلك، وينبغي الإشهاد عليها بذلك؛ لأن في ذلك قطعاً لدابر كثير من شكاوى بعض النساء بأنهن زوجن بغير رضاهن”(114).

وقد أفتى ابن عبد السلام والبلقيني من الشافعية(115)، وقول عند الحنابلة أنه يشترط الإشهاد على إذن الزوجة(116)، إلا أن الإشهاد هنا لا يعد شرطاً لصحة عقد النكاح؛ لأن إذنها ليس ركناً في العقد، أي ليس جزءاً من أجزاء العقد، والإشهاد اختلف في كونه شرطاً في العقد(117)، فإن عقد عليها بدون إشهاد على إذنها، فإن أنكرت الإذن قبل الدخول صدقت؛ لأن الأصل عدمه، ولا تصدق بعد الدخول؛ لأن تمكينها من نفسها دليل على إذنها فلم تقبل دعواها(118)، إلا أن تدعي الإكراه ونحوه فتحلف وينفسخ النكاح، لذا كان على الولي الإشهاد لئلا تنكر فيحتاج إلى بينة(119). وقد سئل الشافعي رحمه الله عن امرأة زوجها الولي بغير إذنها فقال: “إن أجازت النكاح جاز وإن ردّته فهو مردود”(120). وهنا ملحظ وهو: أن الزواج يعد أقوى رابطة بين الرجل والمرأة، ومن أسباب نجاحه ودواعيه أن تستأذن المرأة تطييباً لقلبها، وحفظاً لحقها. روي عن عطاء قال: “كان النبي صلى الله عليه وسلم يستأمر بناته إذا أنكحهن قال: كان يجلس عند خدر المخطوبة، فيقول: (إن فلاناً يذكر فلانة) فإن حركت الخدر لم يزوجها، وإن سكتت زوجها”(121). ويستحب استئذان المرأة في تزويج ابنتها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (آمروا النساء في بناتهن)(122)، ولأنها تشاركه في النظر لمصلحة ابنتها لشفقتها عليها، وفي استئذانها تطييب لقلبها وإرضاء لها، فتدخل القناعة والرضا في نفس ابنتها(123).

شهادة عمودي نسب الزوجين والولي في النكاح: الشهادة في عقد النكاح هي شهادة على أركان النكاح وشروطه، فيشهد في عقد النكاح على إيجاب الولي وقبول الزوج وخلو الزوجين من موانع النكاح وعلى رضا الزوجة وتعيينها، لذا اختلف العلماء فيما إذا كان شاهدا النكاح من فروع أو أصول الزوجين أو كانا من فروع أو أصول الموجب للنكاح وهو الولي، وينبغي أن ينبه هنا أن شهادة الفروع والأصول في النكاح مسألة خاصة، وليست شهادتهم هنا كشهادتهم في الأموال والدماء أو ما يجر الشاهد به نفعاً للمشهود له أو دفعاً للضرر عنه، فمذهب جمهور العلماء أن شهادة الفروع والأصول في غير النكاح غير مقبولة، ولم يخالف في ذلك إلا الإمام أحمد في رواية عنه، والمعتمد في المذهب عدم قبولها(124). والخلاف في مسألتنا هذه منحصر في المذاهب الثلاثة التي توجب الشهادة في عقد النكاح على قولين:

القول الأول: ينعقد النكاح بشهادة عمودي نسب الزوجين أو عمودي نسب الولي: وهذا هو مذهب الحنفية(125)، والصحيح عند الشافعية(126)، ووجه في مذهب الإمام أحمد(127)، وقدمه ابن قدامة(128)، واختاره أبو عبد الله بن بطة وابن عبدوس(129).

القول الثاني: لا ينعقد النكاح بشهادة عمودي نسب الزوجين أو عمودي نسب الولي وهذا القول هو مذهب الحنابلة(130)، ووجه عند الشافعية(131). الأدلة: استدل أصحاب القول الأول بما يأتي: 1 – عموم قوله صلى الله عليه وسلم: “لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل”، فيدخل فروع الزوجين وأصولهما. وكذا فروع الولي وأصوله في هذا العموم ولا مخصص لهم(132). 2 – ولأنه ينعقد بالفروع والأصول نكاح غير هذا الزوج، لأنهم أهل الشهادة لذا انعقد بهما النكاح كسائر العدول. أدلة القول الثاني: قالوا: إن شهادة الابن لا تقبل لوالده وكذا العكس للتهمة؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا مجلود حداً ولا مجلودة ولا ذي غمر لأخيه ولا مجرب شهادة ولا القانع أهل البيت لهم، ولا ظنين في ولاء ولا قرابة)(133)، وموضع الاستدلال في قوله عليه الصلاة والسلام: (ولا ظنين في ولاء ولا قرابة) أي متهم في شهادته بسبب القرابة، والأب يتهم لولده وكذا العكس(134)، ولأن بين الفروع والأصول بعضية فكأن الشاهد يشهد لنفسه(135)، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها)(136).

مناقشة الأدلة:

أدلة القول الأول:

  • 1 – استدلالهم بالعمومات صريح ولا مخصص لها سوى أدلة عدم قبول شهادة الفروع للأصول في الأموال؛ لأن شهادة الفرع للأصل شبيهة بشهادة الرجل لنفسه. ويمكن أن يجاب عنه: بأن هناك فرقاً بين الشهادة في الأموال والشهادة في النكاح، فشهادة الأموال تجر نفعاً أو تدفع ضراً، وشهادة النكاح مجرد توثيق للعقد.
  • 2 – أما قولهم: إنهم عدول أهل للشهادة فينعقد بهم النكاح كغيرهم، فهذا تعليل جيد يصعب إيراد المناقشة عليه.

أدلة القول الثاني:

عند تأمل أدلة القول الثاني يمكن إيراد ما يلي:

  • 1 – أنها تعتمد على التهمة بين الوالد وولده في الشهادة، والنكاح خارج عن موضع الدليل إذ لا تهمة فيه؛ لأن كل واحد منهما لا ينتفع بما يثبت للآخر من ذلك(137).
  • 2 – أما حديث عائشة فهو ضعيف لا تقوم به حجة، ولو سلمنا بصحته فعدم قبول الشهادة بسبب التهمة لقوله عليه السلام (ظنين). 3 – أما قولهم: إن قبول شهادة الفروع للأصول شبيه بقبول شهادة الإنسان لنفسه فلا يسلم به: إذ تقبل شهادة بعضهم على بعض في قول عامة أهل العلم(138)، وذلك لانتفاء التهمة، والتهمة في النكاح منتفية.

الترجيح: يظهر لي من خلال عرض الأدلة والإجابة عنها، والنظر في واقع الحال رجحان القول الأول القاضي بقبول شهادة عمودي نسب الزوجين وعمودي نسب الولي في النكاح وذلك لما يلي: أولاً: قوة أدلة القول الأول في مقابل أدلة القول الثاني. ثانياً: أن قبول شهادة الفروع والأصول تتحقق فيه عدة مصالح، منها:

  • 1 – معرفة الشهود لعين المرأة، فهم غالباً إخوانها ويشهدون على رضاها وإيجاب والدهم.
  • 2 – زيادة التوثيق في الرضا وانتفاء الموانع، إذ الشهود يعرفون واقع الحال معرفة تامة لملامستهم له.
  • 3 – أن في قبول شهادة الفروع تيسيراً على الناس ورفقاً بهم، إذ يحضر غالباً بواقع التجربة في المأذونية ولي الزوج وبعض إخوانه وولي المرأة وبعض إخوانها، فقبول شهادة إخوان المرأة في نظري أولى من قبول شهادة إخوان الزوج؛ لأنهم أعرف بها وبرضاها وانتفاء الموانع، وفيه رفع لمعنوياتهم إذ يساهمون مع الولي في توثيق النكاح، ويندر أن يجتمع هؤلاء على الإجبار.
  • 4 – يتحقق بهذا القول القدرة على تطبيق التعميم الصادر من وزارة العدل المبني على تظلم بعض الزوجات ودعواهن بأنهن زوجن بغير رضاهن. وقد يكن مدفوعات إلى ذلك، ونصه “اعتمدوا عدم إجراء أي عقد إلا بعد استئمار المرأة الثيب واستئذان البكر ولو كان الولي هو الأب وإذن البكر صماتها كما جاء بذلك الحديث الشريف. وينبغي الإشهاد عليها بذلك؛ لأن في ذلك قطعاً لدابر كثير من شكاوى النساء بأنهن زوجن بغير رضاهن”(139). وإذا لم يعلم الشهود بعين المرأة فقد يلبس عليهم وعلى المأذون بامرأة أخرى تنطق بالرضا، وقد واجهت مثل هذه الحالة، لذا كان قبول شهادة من يعرفون عين المرأة أولى من غيرهم. والله أعلم. والفقهاء رحمهم الله يقرنون هذه المسألة بشهادة عدو أحد الزوجين أو كليهما وما ذكر في المسألة السابقة يقال هنا، فالأظهر رجحان انعقاد النكاح بشهادة عدوي الزوجين؛ لأنها شهادة توثيق لا تجر نفعاً للشاهدين أو تجلب ضرراً للزوجين(140)، ولندرة هذه المسألة ضربت عنها صفحاً إذ يندر أن يحضر العقد عدو للعاقدين.

شهادة غير المكلف في عقد النكاح: عقد النكاح قد يحضره صبي أو مجنون، والصبي إما أن يكون مميزاً، أو غير مميز، لذا سيكون الكلام عن هذا المبحث في مطلبين:

شهادة المجنون: يشترط في الشهادة أن يكون الشاهد عاقلاً؛ لأن المجنون والطفل غير المميز ليسا أهلاً للشهادة بالاتفاق(141)، وليس لهما قول معتبر، ووجودهما كالعدم، ولأنهما إذا لم يكن لهما ولاية على نفسيهما فغيرهم من باب أولى، فالشهادة فرع الولاية(142). فالحاصل أن شهادة المجنون والطفل غير المميز لا تصح عقلاً ولا شرعاً(143).

شهادة الصبي: الصبي المميز الذي يدرك الكلام ويفهمه يختلف حاله في شهادة النكاح تحملاً وأداءً، إذ المعتبر في الأداء حاله التي هو عليها فقد يكون بالغاً رشيداً، والشروط التي في القرآن والسنة وفي كلام الفقهاء هي شروط التحمل لا الأداء(144). واختلف الفقهاء في صحة عقد النكاح بشهادة الصبي على قولين: القول الأول: لا ينعقد النكاح بشهادة الصبي غير البالغ. وهذا هو مذهب الحنفية(145)، والشافعية(146)، والمذهب عند الحنابلة(147). القول الثاني: ينعقد النكاح بشهادة الصبي العاقل. وهو رواية في مذهب الإمام أحمد(148). الأدلة: استدل أصحاب القول الأول بأدلة منها: 1 – أن الصبيان ليسوا من أهل الشهادة(149).

2 – ولأن الله تعالى قال: “وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ” (البقرة: من الآية282)، والصبي ليس من رجالنا فلا تقبل شهادته(150). 3 – قال السرخسي رحمه الله: “الأصل عندنا أن كل من يصلح أن يكون قابلاً للعقد بنفسه ينعقد النكاح بشهادته، وكل من يصلح أن يكون ولياً في نكاح يصلح أن يكون شاهداً في ذلك النكاح”(151). والصبي ليس من أهل الولاية فلا يصلح أن يكون شاهداً في النكاح(152). أدلة القول الثاني: لم أجد لهم دليلاً، ويمكن أن يستدل لهم: بأن الصبي المميز العاقل أهلٌ للتحمل؛ لذا صحت شهادته، ولأنه إذا كان يعقل الخطاب ويفهم الجواب صح أداؤه ويعضده قرائن الحال. الترجيح: الذي يترجح من القولين هو القول بعدم صحة النكاح بشهادة الصبيان؛ لأنهم مرفوع عنهم القلم ولا يتورعون عن الكذب، وعقد النكاح يجب أن يحتاط له، لأن الأصل في الأبضاع الحرمة.

شهادة الأصم والأخرس في عقد النكاح: الصمم – وهو عدم السمع – والخرس – وهو عدم القدرة على الكلام – صفتان غير متلازمتين، فقد يكون الأصم أخرساً، وكذا العكس، لذا سأفرد كل واحد منهما في مطلب مستقل لاختلاف حالهما وحكم شهادتهما. شهادة الأصم: يشترط سماع الشاهدين كلام المتعاقدين، فإذا لم يسمعا الإيجاب والقبول فلا تتحقق الشهادة التي هي شرط في عقد النكاح(153)، لذا اتفقت المذاهب الثلاثة على اشتراط السمع في شاهدي عقد النكاح(154)، وذلك لأن الأصم لا يسمع العقد فيشهد به(155)، والمشهود عليه قول فلا بد من سماعه(156)، ثم إن السماع يشترط فيه فهم كلام العاقدين فلا ينعقد بشهادة من لا يفهم كالأعجمي يشهد للعربي وهو لا يحسن العربية، وأن يكون سماع الشاهدين معاص وليس كلاً على حدة، وقال أبو يوسف إن اتحد المجلس جاز استحساناً وإلا فلا، أي جاز العقد ولو تفرق السماع(157).

شهادة الأخرس: شهادة الأخرس وهو: من لا يستطيع النطق(158)، اختلف العلماء في انعقاد النكاح بشهادته على قولين:

القول الأول: لا ينعقد النكاح بشهادة الأخرس. وهو مذهب الحنفية(159)، والحنابلة(160)، ووجه عند الشافعية(161)، قال الشيخ أبو حامد: وهو المذهب(162).

القول الثاني: ينعقد النكاح بشهادة الأخرس. وهو وجه عند الشافعية(163)، قال القاضي أبو الطيب: وهو المذهب(164)، وصححه ابن الصباغ(165).

الأدلة:

استدل أصحاب القول الأول بقولهم:

إن الشهادة تفتقر إلى صريح اللفظ، والأخرس لا يتأتى منه ذلك، فلا يتمكن من أداء الشهادة فوجوده كعدمه(166). ويمكن أن يجاب عنه: بأن قولهم مقبول في الأصم الأخرس، أما من يسمع ولا يستطيع النطق وإن كان قليلاً فلغة الإشارة قد تطورت في زماننا هذا حتى بلغت درجة النطق في الإفهام، وإن عجز عنها فيؤدي الشهادة بالكتابة، فلا يستقيم قولهم إلا فيمن عجز عن الإشارة المفهومة والكتابة.

واستدل أصحاب القول الثاني بقولهم:

إن اشتراط الشهادة في النكاح لأجل دفع الاختلاف والشبهة التي قد تحصل، والأخرس إذا كانت إشارته مفهومة أدت الغرض؛ لأنها تقوم مقام العبارة(167). ويمكن أن يقال: إن الإشارة إذا اقترن بها قرائن الأحوال أورثت بمجموعها العلم الضروري(168). الترجيح: يظهر من عرض القولين وأدلتهما أن مرد الخلاف في شهادة النكاح ويدفع الشبهة، وأن قبول شهادة الأخرس للضرورة؛ لأن الناطق لو أشار بعقد أو فسخ لم يعتد به فإذا خرس اعتد به(169). فمما سبق يظهر لي – والعلم عند الله – رجحان القول بقبول شهادة الأخرس بشرطين: الأول: أن يحتاج إلى شهادته، بأن لا يوجد غيره أو أنه تحمل الشهادة ثم خرس. الثاني: أن تورث إشارته العلم، وتدفع الشك بأن تكون إشارة مفهومة، أو كتابة واضحة بخطه(170)، فإن تخلف أحد الشرطين أو كلاهما فلا تقبل شهادته إذاً.

شهادة الكافر في عقد النكاح: إذا كان الزوجان مسلمين فلا ينعقد النكاح بشهادة كافرين، وهذا باتفاق الأئمة الثلاثة(171)، وذلك للآتي:

1 – لأن الكافر ليس من أهل الولاية(172)، والشهادة نوع منها، وقد قال الله تعالى: “وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً” (النساء: من الآية141).

2 – قال الله تعالى: “وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ” (البقرة: من الآية282)، والكافر ليس من رجالنا(173). وقوله تعالى: “وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ” (الطلاق: من الآية2)، والكافر ليس بعدل فهو أخس الفساق(174). أما إذا كانت الزوجة ذمية، فقد اختلف العلماء في صحة عقد النكاح بشهادة الذمي على قولين:

القول الأول: لا ينعقد النكاح بشهادة كافرين. وهذا هو قول الشافعي(175)، والمذهب عند الحنابلة(176)، وهو المنصوص عن الإمام أحمد(177)، واختاره جماهير أصحابه(178)، وقال به زفر ومحمد بن الحسن من الحنفية(179).

القول الثاني: ينعقد النكاح بشهادة ذميين. وهذا هو قول أبي حنيفة(180)، وأبي يوسف0181)، سواء كانا موافقين للزوجة في الملة أو مخالفين، وهو قول عند الحنابلة مخرج على رواية قبول شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض، وهو لأبي الخطاب(182).

الأدلة:

أدلة القول الأول:

  • 1 – استدلوا بعموم قول الله تعالى: “وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ” (البقرة: من الآية282)، وأهل الذمة ليسوا من رجالنا(183).
  • 2 – وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل)، وأنى تكون العدالة من الكفار.
  • 3 – ولأنه نكاح مسلم فلم ينعقد بشهادة ذميين كنكاح المسلمين(184).

أدلة القول الثاني:

1 – استدلوا بعمومات الأدلة كقوله تعالى: “فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ” (النساء: من الآية3)، وإسلام الشاهد شرط في نكاح الزوجين المسلمين بالإجماع، فمن ادعى كونه شرطاً في نكاح المسلم للذمية فعليه الدليل(185).

2 – أنه يصدق على شهادة الذميين الشهادة المشترطة في الحديث، إذ الشهادة في اللغة عبارة عن الإعلام والبيان. والكافر من أهله، والمخصوص شهادة الذمي على المسلم وهنا يشهد له. مناقشة الأدلة: عند تأمل أدلة القولين نلحظ استدلالهما بالعمومات مع اختلاف وجه الدلالة، إلا أن المخصص للعموم هو كون الكافر ليس عدلاً وفي قبول شهادته رفع لمنزلته وهم لا يتورعون عن الكذب.

لذا يترجح لي والعلم عند الله القول الأول وذلك لعدة أسباب منها:

  • 1 – أن الشهادة في النكاح ليست شهادة على الزوجة فحسب بل شهادة على الزوجين، فالكافر إن قلنا إن شهادته حجة في حق الزوجة فليست بحجة في حق الزوج، بل هي ملحقة بالعدم.
  • 2 – أن الشهادة ليست شرطاً أن تكون للزوج، بل قد تكون عليه عند الاختلاف، والشهادة نوع من الولاية ولم يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً.
  • 3 – أن اشتراط الإسلام في شاهدي عقد نكاح المسلم للذمية آكد وأبعد عن شبهة الخلاف حفظاً لحق الولد، ولأنهم لا يتورعون عن الزنا ومقدماته؛ لذا فإني أرى تأكيد اشتراط الإسلام في الشهود والحالة هذه.

شهادة النساء في عقد النكاح: الشهود في عقد النكاح إما أن يكونوا ذكوراً فشهادتهم صحيحة بالاتفاق إن توافرت فيهم بقية الشروط، وإما أن يكن نساءً، فإن عقد النكاح بشهادة امرأتين فالعقد غير صحيح في مذهب الإمام أحمد(186)، والشافعي(187)، وظاهر مذهب أبي حنيفة(188)، وقال به الإمام مالك، فقد سئل عن شهادة المرأة في القصاص فقال: لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا في القصاص ولا في الطلاق ولا في النكاح، ولا تجوز شهادتهن فيه على شهادة غيرهن في شيء من هذه الوجوه(189). واستدلوا على هذا بما يأتي:

  • 1 – قال الزهري: مضت السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا في النكاح ولا في الطلاق(190).
  • 2 – ولأن النكاح عقد ليس بمال ولا يقصد منه المال ويحضره الرجال في غالب الأحوال؛ فلم يثبت بشهادتهن كالحدود(191).
  • 3 – قالوا: إن هذا القول مروي عن عدد من التابعين مثل: إبراهيم النخعي والحسن البصري وابن المسيب وقتادة وربيعة وعمر بن عبد العزيز(192).

أما إن كان النكاح بشهادة رجل وامرأتين، فقد اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:

القول الأول: يصح عقد النكاح بشهادة رجل وامرأتين. وهذا هو مذهب الحنيفية(193)، ورواية عن الإمام أحمد، فقد روي أنه قال: “إذا تزوج بشهادة نسوة لم يجز فإن كان معهن رجل فهو أهون”. فأثبت ذلك القاضي وجماعة من أصحابه رواية(194). ومنع ذلك أبو حفص العكبري(195) وقال: “قوله هو أهون يعني في اختلاف الناس”. وقال ابن قدامة في المغني(196): “ويحتمل أن أحمد إنما قال: هو أهون؛ لوقوع الخلاف فيه فلا يكون رواية”. وقد ذكرها رواية في الكافي(197)، والمقنع(198)، ونص المرداوي في المسألة على الروايتين(199).

القول الثاني: لا ينعقد النكاح بشهادة رجل وامرأتين. وهو مذهب الشافعية(200)، والمذهب عند الحنابلة(201).

الأدلة:

أدلة القول الأول:

  • 1 – بما روى سعيد بن منصور بسنده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أجاز شهادة النساء مع الرجل في النكاح(202). 2 – وروي أيضاً عن الشعبي أنه كان يجيز شهادة النساء مع الرجل في النكاح والطلاق(203). أدلة القول الثاني: 1 – قال الله تعالى: “وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ” (الطلاق: من الآية2) قالوا: فلما أمر الله في الرجعة بشاهدين وهي أخف حالاً من عقد النكاح كان ذلك في النكاح أولى(204).
  • 2 – استدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل)، وهذا إنما يطلق على الذكور دون الإناث(205).
  • 3 – واستدلوا أيضاً بالآثار السابقة التي تدل على عدم صحة شهادة النساء في النكاح. الترجيح: من خلال عرض القولين وأدلتهما يظهر أن مدار الخلاف يرجع إلى الاختلاف في شهادة النساء، هل هي حجة في الأموال وفيما يلحق بها بحكم أن المعاملة تكثر بين الناس، ويلحقهم الحرج بإشهاد رجلين في كل حادثة، فكانت حاجة ضرورية في هذا المعنى، ولا ضرورة في النكاح والطلاق وما ليس بمال فلا تكون حجة؛ لأن المعاملة فيها لا تكثر، ولأن المرأة لا تصلح أن تكون موجبة ولا قابلة للنكاح، فلا تصلح أن تكون شاهدة فيه(206).

والذي يظهر لي من هذين القولين هو: أن الأصل عدم جواز شهادة النساء في عقد النكاح، فإن شهدن أو احتيج لهن لعدم الرجل فتجوز شهادة المرأتين مع الرجل ويصح العقد، وذلك لعدة أمور:

  • 1 – أن عدم قبول شهادة النساء في النكاح؛ لأنهن لسن ممن يوجب العقد أو يقبله، والشهادة ليس فيها إيجاب ولا قبول.
  • 2 – أن القصد من الشهادة التوثيق والإثبات، وهذا متحقق بشهادة المرأتين مع الرجل، فنسيان المرأة مندفع بانضمام أخرى إليها.
  • 3 – أن عقد النكاح إذا توافرت فيه الأركان وانتفت الموانع فإن شهادة المرأتين مع الرجل لا تكون سبباً لعدم انعقاده؛ لأن أصل الشهادة في النكاح مختلف فيها فضلاً عن شهادة المرأتين مع الرجل، لذلك كان من فقه الإمام أحمد – رحمه الله – أن قال: فإن كان معهن رجل فهو أهون.

شهادة الأعمى في عقد النكاح:

شاهد النكاح لا يخلو إما أن يكون مبصراً أو أعمى، فإن كان الشاهدان مبصرين فإن النكاح ينعقد بشهادتهما في قول عامة أهل العلم(207)، واختلف في صحة عقد النكاح بشهادة الأعمى على قولين:

القول الأول: ينعقد النكاح بشهادة الأعمى. وهو قول الإمام أحمد(208)، ووجه عند الشافعية(209)، وقال به الحسن البصري وابن سيرين وعطاء والشعبي(210)، وهو قول البخاري(211)، وابن حزم(212).

القول الثاني: لا ينعقد النكاح بشهادة الأعمى. وهو مذهب الحنفية(213)، والصحيح في مذهب الشافعية(214).

الأدلة:

أدلة القول الأول:

  • 1 – أن الشهادة في النكاح شهادة على قول فصحت من الأعمى كالشهادة بالاستفاضة، وإنما تعتبر شهادتهما إذا تيقنا الصوت على وجه لا يشك فيه(215).
  • 2 – أن قبول شهادة الأعمى مروي عن جابر(216)، وابن عباس(217)، ولا يعرف لهما مخالف في الصحابة لحصول العلم له بذلك كاستمتاعه بزوجته(218).
  • 3 – الأعمى ثبتت السنة بجواز نكاحه ومبايعته وبقبول تأذينه وروايته، فكذا شهادته على ما استيقنه من الأصوات(219).

أدلة القول الثاني:

  • 1 – لأن الأعمى لا يميز بين المشهود له والمشهود عليه إلا بدليل مشتبه وهو النغمة والصوت، فلم تصح شهادته لورود الشبهة(220).
  • 2 – قياس الأعمى على الأصم في عدم جواز صحة عقد النكاح بشهادته بجامع عدم معرفتهما التامة للعاقد، ولعدم الرؤية في الأعمى وعدم السماع في الأصم(221).

مناقشة الأدلة:

أدلة القول الأول:

  • 1 – قولهم: “إنها شهادة على قول…” فيمكن أن يقال: بأنها وإن كانت على قول فإنه لا يتيقن القائل.
  • 2 – أما القياس على استمتاعه بزوجته، فلا يصح؛ لأن نكاح الأعمى يتعلق بنفسه؛ لأنه في زوجته وأمته، وليس لغيره فيه مدخل، بخلاف بقية الشهادات(222).
  • 3 – أما قبول أذانه فقد جاء في بعض الأحاديث أن ابن أم مكتوم لا يؤذن حتى يقال له “أصبحت”(223)، فالاعتماد على الجمع الذين يخبرونه بالوقت.
  • 4 – وأما قبول خبره فأجيب عنه بالتفريق بين الشهادة والخبر؛ لأن الشهادة تخص فتظهر فيها التهمة والخبر يعمه وغيره من الناس فتنتفي التهمة(224).

مناقشة أدلة القول الثاني:

  • 1 – قولهم: “إن شهادة الأعمى فيها شبهة” فيقال: إن الشهادة مرتبطة بالعلم عقلاً وشرعاً، فلا تصح إلا ممن علم وهو الأصل في الشهادات، فإذا تيقن الأعمى من سماعه تحقق العلم(225)، وأما الشبهة التي لا تقوم على دليل لا يلتفت إليها، فكما أن الأصوات تشتبه فالصور كذلك، وهذا يؤدي إلى رد كثير من الشهادات(226).
  • 2 – أما القياس على الأصم فيجاب عنه من وجهين: الأول: بأنه قياس على أمر مختلف فيه، فلا يستقيم القياس لوجود من يخالف في الأصل. الثاني: إن انتفاء الشبهة في الأعمى أكثر منها في الأصم، ومع ذلك لو حصل عنده أدنى شبهة فلا تصح شهادته.

الترجيح:

باستعراض أدلة الفريقين ومناقشاتها يظهر لي – والعلم عند الله – رجحان القول الأول والقاضي بصحة عقد النكاح بشهادة الأعمى، وذلك لعدة أمور:

  • 1 – الأعمى مكلف عدل وقد تكون شهادته أثبت من شهادة عدد من المبصرين، فإذا أيقن بصوت المشهود عليهم، فقد تحقق ما لأجله شرعت الشهادة وهي الإثبات الظني لا القطعي.
  • 2 – أن شبهة تشابه الأصوات تكون سبباً لمنع الشهادة للأعمى بخصوصه، لورود الشبهة عليه ولا تكون سبباً لرد شهادة الأعمى مطلقاً في النكاح، ولو فتح باب أدنى شبهة لردت شهادة كثير من المبصرين(227).
  • 3 – الأخذ عمن لا يرى أمر مطرد بين المسلمين فقد أخذ الناس عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من وراء حجاب(228)، ولم يرد نهي للأعمى عن الشهادة مع توافر أسباب البيان في وقته عليه السلام، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
  • 4 – أن قبول شهادة الأعمى هي الأصل، فقد أمر الله بقبول البينة ولم يشترط أعمى من مبصر “وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً” (مريم: من الآية64)، ولا ينتقل عن هذا الأصل إلا بدليل صحيح صريح(229).

العدالة في شاهدي النكاح:

شاهدا عقد النكاح يجب أن يتصفا بعدة صفات، ومن صفاتها العدالة، وهي: الصلاح في الدين والمروءة، باستعمال ما يجمله ويزينه، واجتناب ما يدنسه ويشينه(230). وعرفت بتعارف متقاربة(231)، والعدالة معتبرة في الشهادة بنص القرآن والسنة، وقد اختلف العلماء في شهادة من اختل فيه وصف العدالة أو لم تعلم عدالته، وهذا هو أوان بيان شهادة الفاسق ومستور الحال في ثلاثة مطالب. عقد النكاح بشهادة الفاسق: الفاسق هو من اختل فيه وصف العدالة، وقد اختلف العلماء في صحة عقد النكاح بشهادة الفاسق على قولين: ذكر السرخسي أن الخلاف في هذه المسألة مبني على أن الفاسق من أهل الشهادة عند الحنفية، وإنما لا تقبل شهادته لتمكن الكذب، وفي الحضور والسماع لا تتمكن هذه التهمة فكان بمنزلة العدل، وعند الشافعي الفاسق ليس من أهل الشهادة أصلاً لنقصان حاله بسبب الفسق، وهو ينبني أيضاً على أن الفسق لا ينقص الإيمان عند الحنفية فإن الإيمان لا يزيد ولا ينقص عندهم(232).

القول الأول: لا ينعقد النكاح بشهادة الفاسقين: وهذا هو مذهب الشافعية(233)، ورواية في مذهب الإمام أحمد(324)، صححها صاحب المبدع(235)، وقال المرداوي: “هذا المذهب بلا ريب”(236).

القول الثاني: ينعقد النكاح بشهادة الفاسقين: وهو مذهب أبي حنيفة(237)، ورواية في مذهب الإمام أحمد(238)، فقد سئل الإمام أحمد: “إذا تزوج بولي وشهود غير عدول يفسد من النكاح شيء؟ فلم ير أنه يفسد من النكاح شيء”(239).

الأدلة:

أدلة القول الأول:

1 – قال الله تعالى: “فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ” (الطلاق: من الآية2). وجه الدلالة: لما شرط الله العدالة في الشهادة على الرجعة وهي أخف كان اشتراطها في النكاح أولى(240).

2 – عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل)، فالحديث حجة على اشتراط العدالة في الشهود(241).

3 – ولأن كل موضع وجبت فيه الشهادة اعتبرت فيه العدالة كالحقوق(242).

أدلة القول الثاني:

1 – عمومات أدلة النكاح مطلقة عن شرط، ثم اشترط أصل الشهادة بصفاتها المجمع عليها ثبتت بالدليل، فمن اشترط العدالة فعليه الدليل ولا دليل على اشتراطها(243).

2 – قالوا: إن الفسق لا يقدح في أهلية تحمل الشهادة وإنما يقدح في الأداء، وعدالة الشهود تراعى وقت الأداء لا وقت التحمل(244).

3 – الفاسق يتولى تزويج نفسه ولا يقدح الفسق في ولايته لإنكاح نفسه، فإذا صحت ولايته فمن باب أولى شهادته(245).

مناقشة الأدلة:

مناقشة أدلة القول الأول:

1 – قولهم إن اشتراط العدالة في النكاح أولى من الرجعة، قد يقال: بعدم التسليم به؛ لأن الرجعة قد يقصد بعض الأزواج كتمانها إضراراً بالزوجة، وقد ينكرها الولي أو الزوجة رغبة في التخلص من الزوج، وبالرجعة تمكن الزوجة نفسها لزوجها فلا بد من التوثيق الذي ينفي الشبهة، فالشهادة في الرجعة أولى من ابتداء النكاح لما يحصل في الطلاق من شقاق ونزاع.

2 – أما الاستدلال بالحديث، فقد يقال: إنه لا يثبت سنداً.

3 – وقولهم: “كل موضع وجبت فيه الشهادة اعتبرت فيه العدالة”، فيجاب عنه: بأن العدالة في الشهادة المعتبرة عند أدائها، والشهادة في النكاح شهادة تحمل لا أداء.

مناقشة أدلة القول الثاني:

  • 1 – أما استدلالهم بالعمومات، فيمكن أن يجاب عنه: بأن العمومات لا تنفي الشروط والضوابط ولا تقضي عليها، وقد وردت أدلة تدل على الشهادة واعتبار العدالة في الشهود والخاص مقدم على العام.
  • 2 – قولهم: إن حضور العقد حال تحمل لا يراعى فيه العدالة خطأ؛ لأن الشهادة في عقد النكاح وإن كانت تحملاً فهي تجري مجرى الأداء من وجهين: أحدهما: وجوبها في العقد كوجوبها في الأداء. الثاني: أن يراعى فيها حرية الشهود وإسلامهم وبلوغهم كما يراعى في الأداء، وإن لم تراع في تحمل غير النكاح من الشهادات فكذلك الفسق(246).
  • 3 – أما استدلالهم بصحة قبوله لإنكاح نفسه، فلا يستقيم به الاستدلال؛ لأن الشهادة إثبات لحق الغير، وقبول النكاح لصالح نفسه.

الترجيح:

عند تأمل القولين واستدلالاتهما وإيراد المناقشة وما قد يرد عليها يتبين لي – والعلم عند الله – رجحان القول باشتراط عدالة شاهدي عقد النكاح، وذلك لعدة أسباب:

  • 1 – قوة أدلة القول الأول في مقابل أدلة القول الثاني، ويؤيدها موافقتها إلى أن الأصل في الشهود العدالة.
  • 2 – شهادة النكاح يترتب عليها صحة العقد وإباحة الفرج، وقد يطرأ الشقاق والنزاع بعده بمدة يسيرة، ويلزم منها الشهادة على رضا الزوجة، فالعدالة تتأكد فيه أكثر من غيره.
  • 3 – أن الفسق نقص بمنع من أداء الشهادة؛ لذا وجب أن يمنع انعقاد النكاح كالرق والكفر(247).

عقد النكاح بشهادة مستور الحال:

مستور الحال هو: من يكون عدلاً في ظاهره ولا تعرف عدالة باطنه(248)، وقد وقع خلاف بين العلماء في صحة عقد النكاح بشهادة مستوري الحال على قولين:

  • القول الأول: ينعقد النكاح بشهادة مستوري الحال. وهو مذهب الحنفية(249)، ووجه عند الشافعية، وهو المذهب ولم يحك الشيخ أبو حامد وابن الصباغ غيره(250)، والمذهب عند الحنابلة(251).
  • القول الثاني: لا ينعقد النكاح إلا بمن عرفت عدالته الباطنة. وهذا وجه عند الشافعية قال به أبو سعيد الإصطخري(252)، ووجه عند الحنابلة، وهو احتمال للقاضي في التعليق، بعد أن أقر أنه لا يعرف الرواية عن الأصحاب(253).

الأدلة:

أدلة القول الأول:

  • 1 – قالوا: إن العدالة الباطنة يستدل عليها بالعدالة الظاهرة، فاكتفي بظاهر الحال وكون الشاهد مستوراً لم يظهر فسقه(254).
  • 2 – ولأنا لو اعتبرنا العدالة الباطنة لم ينعقد النكاح إلا بحضرة الحاكم؛ لأن العامة لا يعرفون شروط العدالة، وقد أجمع المسلمون على جواز انعقاده بغير حضور الحاكم(255).

دليل القول الثاني:

قالوا: إن النكاح اشترط لصحته الشهادة، وما افتقر ثبوته إلى الشهادة لم يثبت بمجهول الحال كالإثبات عند الحاكم(256). الترجيح: يتبين لي من عرض الأقوال والأدلة رجحان القول الأول القاضي بصحة عقد النكاح بشهادة مستور الحال، وذلك لعدة أمور منها:

  • 1 – قوة أدلة القول الأول في مقابل دليل القول الثاني.
  • 2 – أن قولهم “ما افتقر ثبوته إلى الشهادة لا يثبت بمجهول الحال” لا يسلم من وجهين: الأول: أن هذا القول يقال في الشهادة التي عندا لحاكم، وعقد النكاح يكون في القرى والبادية، وبين عامة الناس ممن لا يعرف حقيقة العدالة(257). الثاني: أن الشهادة في عقد النكاح شهادة تحمل يراد بها الإثبات عند النزاع، لذا لا يصح قياسها على سائر الشهادات.
  • 3 – أن اعتبار العدالة الباطنة مما يشق، خصوصاً عند عدم من يجرح الشهود؛ لذا قبلت العدالة الظاهرة رفعاً للمشقة ودفعاً للضرر الذي يلحق أطراف عقد النكاح.

وبناء على هذا الترجيح إذا تبين بعد العقد الذي ثبت بشهادة مستوري الحال أنهما كانا فاسقين، فهل يؤثر ذلك في صحة العقد؟ اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:

القول الأول: لا يؤثر ثبوت فسق الشاهدين في عقد النكاح. واختار هذا القول أبو محمد ابن قدامة وضعف القول الثاني وقال: “ليس بصحيح”(258)، وتبعه صاحب الشرح الكبير(259)، وقول عند الشافعية بناء على القولين في الحاكم إذا حكم بشهادة شاهدين ثم بان أنهما كانا فاسقين(260)، قال العمراني: “وليس بشيء”(261).

القول الثاني: قالوا: إذا تبين فسق الشاهدين لم يصح عقد النكاح. وهذا هو الصحيح عند الشافعية(262)، وقول عند الحنابلة(263)، قال به القاضي وابن عقيل(264).

الأدلة:

دليل القول الأول: قالوا: إن شرط صحة العقد العدالة ظاهراً، وهو أن لا يكون ظاهر الفسق، وقد تحقق ذلك، وحكم بصحة النكاح بناءً عليه، فلا يجوز أن يفسد العقد، وقد قررنا صحة انعقاده(265).

دليل القول الثاني: قالوا: إذا تبينا أنهما فاسقان حال العقد لم يصح النكاح بشهادتهما؛ لأن فسقهما ينافي قبول شهادتهما على النكاح(266)، فيبطل النكاح كما لو حكم الحاكم باجتهاده ثم وجد النص بخلافه(267).

الترجيح: الذي يظهر لي من القولين – والعلم عند الله – هو القول بصحة النكاح وذلك لعدة أمور:

  • 1 – أن أصحاب القولين لم يشترطوا العدالة الباطنة، ومعلوم أن في عدم اشتراطها شكاً في فسق الشاهدين، فكيف ينعقد النكاح وتحل المرأة مع الشك في انعقاده؛ لأنه قد يظهر فسق الشاهدين.
  • 2 – قياس صحة النكاح بشهادة مستور الحال على حكم الحاكم غير صحيح من وجهين: الأول: أن العقد يتولاه عوام الناس لا الحكام، وبناء عليه فإن العقد لا يعد حكماً وإنما توثيق وإثبات للنكاح. الثاني: النكاح يلزم منه إباحة الفروج ونسب الولد فيشق الرجوع فيه، بخلاف الأحكام الحقوقية التي لا يشق الرجوع فيها.

الخاتمة:

الحمد لله الذي بنعمه تتم الصالحات، والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين، وهادياً للناس أجمعين صلى الله عليه وسلم عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد: فإنه بعد هذا التطواف بين مسائل الشهادة في عقد النكاح، أذكر نتائجه مجملة، مضمناً إياها بعض التوصيات التي أرى أن تعمم على مأذوني عقود الأنكحة، لمعرفة ما قد يشكل عليهم في أحكام شهادة عقد النكاح، وهي ما يأتي:

  • 1 – الشهادة شرط في صحة عقد النكاح.
  • 2 – المراد بالشهادة في عقد النكاح، هي: الشهادة على إيجاب الولي وقبول الزوج، ورضا الزوجة، وقدر الصداق، ويستحب التنصيص على خلو العقد من موانعه.
  • 3 – لا يجوز للولي إجبار ابنته البكر الكبيرة على النكاح.
  • 4 – شهادة عمودي نسب الزوجين والولي مقبولة في النكاح، بل هي أولى عند عدم من يعرف بالزوجة.
  • 5 – لا تصح شهادة غير المكلف في عقد النكاح.
  • 6 – سماع الشاهدين معاً للعقد شرط لصحة شهادتهما. 7 – شهادة الأخرس في عقد النكاح مقبولة إذا احتيج إليهما، وأورثت العلم.
  • 8 – لا تقبل شهادة الكفار في عقد النكاح، ولو كانت الزوجة ذمية.
  • 9 – لا مدخل للنساء في شهادة عقد النكاح، إلا إذا احتيج إلى شهادة رجل وامرأتين فيصح.
  • 10 – يصح العقد بشهادة الأعمى.
  • 11 – لا ينعقد النكاح بشهادة الفاسقين اللذين ظهر فسقهما.
  • 12 – يصح النكاح بشهادة مستور الحال الذي ظاهره العدالة. هذه أبرز النتائج والتوصيات، ولا تظهر جلياً إلا لمن اطلع على البحث واستعرض كلام الفقهاء، وأسأل الله الكريم بمنه وفضله أن يغفر لي زلتي ويجزي خيراً كل من سدد هفوتي، والمنصف يهب خطأ المخطئ لإصابته وسيئاته لحسناته، ومن ذا الذي يكون قوله كله صواباً؟ وهل ذلك إلا للمعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، ونطقه وحي يوحى. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الهوامش

(1) القاموس المحيط، مادة “شهد” ص 372.
(2) معجم مقاييس اللغة 3/221.
(3) مجمل اللغة 2/514، المصباح المنير مادة “شهد” ص 169.
(4) التعريفات ص 170، طلبة الطلبة ص 269.
(5) الروض المربع 7/580.
(6) المبدع 10/188، تحرير ألفاظ التنبيه ص 341، أنيس الفقهاء ص 235.
(7) ص 339.
(8) أنيس الفقهاء ص 235.
(9) القاموس المحيط مادة “عقد” ص 383، المصباح المنير مادة “عقد” ص 218، مختار الصحاح مادة “عقد” ص 214.
(10) معجم لغة الفقهاء ص 317.
(11) التعريفات ص 196.
(12) معجم مقاييس اللغة 5/475، المصباح المنير مادة “نكح” ص 321.
(13) المطلع ص 318.
(14) مغني المحتاج 3/123، فتح الوهاب 2/53، كشاف القناع 5/5، الروض المربع 6/224.
(15) بداية المجتهد 2/17، الإشراف للقاضي عبد الوهاب 2/93.
(16) مختصر اختلاف العلماء 2/251.
(17) حاشية ابن عابدين 7/67، المبسوط 6/19، شرح فتح القدير 3/199، مختصر اختلاف العلماء 2/251.
(18) الحاوي 9/27، البيان 9/221، الإقناع للشربيني 2/408، حلية العلماء 6/365.
(19) المغني 9/347، الإنصاف 20/244.
(20) مختصر خلافيات البيهقي 4/126، الكامل لابن عدي 3/1101، تاريخ بغداد 3/344.
(21) السنن الكبرى للبيهقي 7/111.
(22) السنن الكبرى للبيهقي 7/111.
(23) الحاوي 9/57-58، المغني 9/347،
(24) فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم 10/114.
(25) بداية المجتهد 2/17.
(26) انظر الإشراف للقاضي عبد الوهاب 2/93، القوانين الفقهية ص 200. واشتراط الإمام مالك الشهادة عند الدخول، وذلك بإعلان النكاح ليخرج عن كونه نكاح سر، قال ابن القاسم عن مالك: لو زوج ببينة وأمرهم أن يكتموا ذلك لم يجز النكاح؛ لأنه سر، وإن تزوج ببينة من غير استسرار جاز وأشهدا فيما يستقبلان. الذخيرة للقرافي 4/398، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 3/79، شرح الزرقاني على موطأ مالك 3/188.
(27) الحاوي 9/57، البيان 9/221، حلية العلماء 6/365.
(28) المغني 9/347، شرح الزركشي 5/22.
(29) المغني 9/347، حلية العلماء 6/365.
(30) مختصر اختلاف العلماء 2/251.
(31) مجموع الفتاوى 32/35.
(32) رواه الدارقطني في سننه 3/226 رقم (23) من طريق سليمان بن عمر بن خالد الرقي عن عيسى بن يونس عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة. ورواه ابن حبان في صحيحه 9/386 رقم (4075) من طريق حفص بن غياث عن ابن جريج والبيهقي في السنن الكبرى 7/125 من طريق الدارقطني. والهيثمي في موارد الظمآن 1/305 رقم (1247). قال أبو حاتم: “لم يقل أحد في خبر ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري هذا” (شاهدي عدل) إلا ثلاثة أنفس سعيد بن يحيى الأموي عن حفص بن غياث وعبد الله بن عبد الوهاب الحجي عن خالد بن الحارث وعبد الرحمن بن يونس الرقي عن عيسى بن يونس ولا يصح في ذكر الشاهدين غير هذا الخبر” صحيح ابن حبان 9/386، نصب الراية 3/167.
(33) رواه الطبراني في الكبير 11/155 رقم (11343) من طريق العباس بن الفضل الأسقاطي قال: حدثنا عبد الرحمن بن المبارك حدثنا الربيع بن بدر حدثنا النهاش بن فهم عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس. ورواه الطبراني في الأوسط به 4/286 رقم (4218). وفي موضع آخر 5/8 رقم (4520) عن ابن عباس مرفوعاً ولفظه: (البغايا اللاتي يزوجن أنفسهن لا يجوز نكاح إلا بولي وشاهدين ومهر ما قل أو كثر). قال ابن عدي في الكامل 3/131: “ولا أعلم أحداً يرويه عن النهاش بن قهم والنقاش بصري غير الربيع بن بدر وأبو معاوية الزعفراني وأبو معاوية شر من الربيع وأضعف”. وقال يحيى بن معين: “النهاش ضعيف وقال ابن عدي لا يساوي النهاش شيئاً”. التحقيق في أحاديث الخلاف 2/258، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 4/286: “وفي إسناده الربيع بن بدر وهو متروك”. ورواه ابن شاهين في ناسخ الحديث ومنسوخه 1/393 رقم (506).
(34) رواه البيهقي في السنن الكبرى 6/125، والدارقطني 3/225 رقم (24)، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 12/157، قال ابن التركماني في الجوهر النقي 7/180: “ثم إن عائشة الراوية للحديث خالفته، وأشار البيهقي إلى ضعف أسانيدها”. وروي عن ابن عمر، رواه الدارقطني في سننه 3/225 رقم (22) وابن عدي في الكامل 6/99. وروي عن عمران بن حصين، رواه البيهقي في السنن الكبرى 7/125. والدارقطني في سننه عن عمران بن حصين وعن عبد الله بن مسعود 3/225 رقم (21). ورواه الذهبي في ميزان الاعتدال 4/196 قال الهيثمي في مجمع الزوائد 4/286-287: “فيه عبد الله بن محرز وهو متروك”. وقال ابن المنير في خلاصة البدر المنير 2/186: “رواه أحمد عنه والدارقطني عنه – يعني عمران بن حصين – عن ابن مسعود مرفوعاً بإسناده لا يقوى”. كلهم بلفظ (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل).
(35) رواه البيهقي في السنن الكبرى 7/125 من طريق المغيرة بن موسى المزني البصري عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة، قال البيهقي: “حدثنا الحميدي حدثنا البخاري قال مغيرة بن موسى بصري منكر الحديث، قال أبو أحمد المغيرة بن موسى ثقة في نفسه”، ورواه الطبراني في المعجم الكبير 18/142 رقم (299).
(36) رواه الدارقطني في سننه 3/224 رقم (19) من طريق خالد بن الوضاح عن أبي الخصيب عن هشام عن عروة عن أبيه عن هائشة. قال الدارقطني: :أبو الخصيب مجهول واسمه نافع بن ميسرة” كذلا قال ابن حجر في التلخيص 3/51، والزيلعي في نصب الرابة 3/186. ورواه البيهقي في الخلافيات عن ابن عباس وصححه موقوفاً ولفظه (أوفى ما يكون في النكاح أربعة الذي يزوج والذي يتزوج وشاهدان). انظر: مختصر خلافيات البيهقي 4/124. وقال الزيلعي في نصب الراية 3/186: “وهذا حديث منكر والأشبه أن يكون موضوعاً”.
(37) رواه البيهقي في السنن الكبرى 7/125، ورواه ابن أبي شيبة بنحوه 4/130.
(38) السنن الكبرى 7/125، مختصر خلافيات البيهقي 4/125.
(39) رواه البيهقي في السنن الكبرى 7/126، وقال البيهقي: “هذا إسناد صحيح وابن المسيب كان يقال له: رواية عمر، وكان ابن عمر يرسل إليه فيسأله عن بعض شأن عمر وأمره” وذكر ابن التركماني في الجوهر النقي 7/126 أن ابن المسيب لم يثبت سماعه من عمر، وابن مالك أنكر سماعه منه.
(40) رواه الإمام مالك في الموطأ 2/535 رقم (1114)، والبيهقي في السنن الكبرى 7/126، والشافعي في مسنده ص 291، وسعيد بن منصور في سننه ص 186.
(41) شرح الزركشي 5/22.
(42) السنن الكبرى للبيهقي 7/111.
(43) المغني 9/348، كشاف القناع 5/65، الحاوي 9/58.
(44) الإقناع للشربيني 2/408.
(45) الحاوي 9/58.
(46) الإشراف للقاضي عبد الوهاب 2/93.
(47) رواه الإمام مسلم في صحيحه 2/1045 رقم (1365).
(48) المغني 9/348.
(49) رواه الإمام مالك في المدونة الكبرى 4/193.
(50) رواه ابن أبي شيبة في المصنف 4/17.
(51) في المصنف 6/188 رقم (10452).
(52) شرح الزركشي 5/23.
(53) المغني 9/347.
(54) الإشراف للقاضي عبد الوهاب 2/93.
(55) الإشراف للقاضي عبد الوهاب 2/93.
(56) شرح الزركشي 5/23.
(57) نقله عنه عدد من العلماء كابن قدامة في المغني 9/347 وغيره.
(58) التمهيد 19/89.
(59) نصب الراية 3/167.
(60) مجموع فتاوى شيخ الإسلام 32/35.
(61) صحيح ابن حبان 9/386.
(62) خلاصة البدر المنير 2/176.
(63) فيض القدير 6/438.
(64) سنن الدارقطني 3/226.
(65) في إرواء الغليل 6/259.
(66) تلخيص الحبير 3/156.
(67) فيض القدير 6/438.
(68) سنن الترمذي 3/411.
(69) الذخيرة 4/398.
(70) الذخيرة 4/398.
(71) الذخيرة 4/398.
(72) الذخيرة 4/398.
(73) روضة الناظر ص 84.
(74) الحاوي 9/58.
(75) المغني 9/348، المبدع 7/49، كشاف القناع 5/65.
(76) الحاوي 9/58.
(77) السنن الكبرى 7/64، مجمع الزوائد 4/272.
(78) الحاوي 9/58.
(79) الغرة المنيفة ص 163، الأشباه والنظائر للسيوطي ص 61، المنثور 2/347.
(80) بدائع الصنائع 2/255، الحاوي 9/66، المقنع 20/244، السيل الجرار 2/271.
(81) المبدع 7/165، الإقناع للشربيني 2/423، المبسوط 19/124.
(82) لقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وقد سئل عن امرأة تزوجت برجل لم يفرض لها صداقاً ولم يدخل بها حتى مات، فقال ابن مسعود: “لها صداق نسائها لا وَكْس ولا شطط، وعليها العدة ولها الميراث، فقام معقل بن سنان فقال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق امرأة منا بمثل ما قضيت به، ففرح بها ابن مسعود”. رواه الترمذي في سننه 3/450 رقم (1145) وقال: حسن صحيح، وأبو داود في السنن 2/237 رقم (2114)، والنسائي في السنن الكبرى 3/317 رقم (5518)، والمجتبى 6/198 رقم (3524، وابن ماجة في السنن 1/609 رقم (1891)، وغيرهم.
(83) انظر هذا في التصنيف الموضوعي لتعاميم وزارة العدل في المملكة العربية السعودية 3/672.
(84) رواه البخاري في صحيحه 5/1974 رقم (4843)، والإمام مسلم في صحيحه 2/1036 رقم (1418).
(85) الإجماع لابن المنذر ص 39، الإفصاح 2/113، وهذا في الثيب البالغ، أما الثيب الصغيرة فقد اختلف العلماء في إجبارها على قولين، فقيل: تجبر، وهو مذهب الحنفية والمالكية ورواية في مذهب الإمام أحمد، وقيل: لا يجوز إجبارها، وهو مذهب الشافعية والحنابلة. انظر: اللباب شرح الكتاب 3/10، الإشراف على مسائل الخلاف 2/90، كتاب الروايتين والوجهين 2/81، المحرر 2/16، روضة الطالبين 7/54.
(86) فتح الباري 9/192.
(87) التمهيد 19/98.
(88) الإجماع ص 39، المنتقى شرح الموطأ 3/273، شرح السنة للبغوي 9/37.
(89) البناية على الهداية 4/118.
(90) المغني 9/398.
(91) شرح السنة 9/31، فقه الأوزاعي 2/13، المغني 9/398.
(92) مجموع الفتاوى 32/23.
(93) زاد المعاد 5/96.
(94) فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم ورسائله 10/114.
(95) القوانين الفقهية ص 203، المنتقى شرح الموطأ 3/272.
(96) روضة الطالبين 7/54، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع 2/77.
(97) الإنصاف 20/120.
(98) وذلك لأن المسألة عارضة في البحث وليست من أصله، ومن شأن مثل هذه البحوث عدم الإطالة قدر الإمكان.
(99) فتح الباري 9/193.
(100) أخرجه أبو داود 2/232 رقم (2096)، وأحمد في المسند 1/273، وابن ماجة في السنن 1/603 رقم (1875)، والدارقطني 3/235 رقم (56). قال البغوي: “وهذا حديث مرسل لا تقوم به حجة” رواه بعضهم عن عكرمة عن ابن عباس متصلاً ولا يصح”، شرح السنة 9/34. وصححه ابن التركماني في الجوهر النقي 7/117، وابن القيم في تهذيب سنن أبي داود مع عون المعبود 6/120.
(101) مصنف ابن أبي شيبة 4/136، ومصنف عبد الرزاق 6/144.
(102) أخرجه مسلم 2/1037 رقم (1421).
(103) شرح السنة 9/30.
(104) المصنف لابن أبي شيبة 4/116.
(105) زاد المعاد 5/98.
(106) مجموع الفتاوى 23/25.
(107) حاشية البجيرمي 3/335، إعانة الطالبين 3/298، وانظر: البحر الرائق: 3/95.
(108) حاشية ابن عابدين 3/22، البحر الرائق 3/95.
(109) مجموع فتاوى شيخ الإسلام 32/56.
(110) نهاية الزين ص 307، إعانة الطالبين 3/300، جواهر العقود 2/6.
(111) الفروع 5/145، الإنصاف 20/147، كشاف القناع 5/47.
(112) مغني المحتاج 3/147.
(113) كشاف القناع 5/47، والإشهاد عند المالكية شرط في صحة الدخول لا في صحة العقد. انظر: الثمر الداني ص 437.
(114) التصنيف الموضوعي 3/673.
(115) مغني المحتاج 3/247.
(116) الفروع 5/145، الإنصاف 20/147.
(117) إعانة الطالبين 3/300، جواهر العقود 2/6.
(118) كشاف القناع 5/47.
(119) الفروع 5/145.
(120) الأم 5/169-170.
(121) أخرجه عبد الرزاق في المصنف 6/141 بلفظه عن المهاجر بن عكرمة، ووصله البيهقي عن أبي هريرة وابن عباس في السنن الكبرى 7/123، ورجح إرساله. وأخرجه الإمام أحمد في المسند 6/78 من حديث عائشة.
(122) أخرجه أحمد في مسنده 2/34، وأبو داود في السنن 2/232 رقم (2095)، وقال المنذري في مختصر أبي داود 3/39: “فيه رجل مجهول”.
(123) المغني 9/405، الشرح الكبير 20/145.
(124) المغني 14/181.
(125) بداية المبتدي 3/203، البحر الرائق 3/94، حاشية ابن عابدين 3/23.
(126) البيان 9/224، حلية العلماء 6/367، مغني المحتاج 3/144.
(127) الشرح الكبير 20/252، المبدع 7/47، الإنصاف 20/252.
(128) في المغني 9/350، وتبعه ابن أبي عمر في الشرح الكبير 20/252.
(129) الإنصاف 20/252.
(130) الإنصاف 20/253، تصحيح الفروع 5/187.
(131) المهذب 2/40، الوسيط 5/55، روضة الطالبين 7/46.
(132) الشرح الكبير 20/252، كشاف القناع 5/66.
(133) رواه الترمذي في سننه كتاب الشهادات باب فيمن لا تجوز شهادته من حديث عائشة 4/545 رقم (2298). والبيهقي في السنن الكبرى 10/155 وضعفه. وقال الترمذي هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن زياد الدمشقي ويزيد يضعف الحديث. وقال أبو زرعة في العلل منكر، انظر: علل ابن أبي حاتم 1/476. وقال ابن حزم في سنده راو مجهول وهو يزيد فإن كان يزيد بن سنان فهو معروف بالكذب، المحلى 9/416. وقال الشوكاني في النيل 9/201، وضعفه عبد الحق وابن حزم وابن الجوزي”. وانظر: خلاصة البدر المنير 2/442.
(134) البيان 9/224.
(135) المغني 14/182.
(136) رواه البخاري في صحيحه 3/1374 رقم (3556) كتاب المناقب، باب مناقب قرابة رسول الله ومنقبة فاطمة من حديث المسور بن مخرمة. ومسلم في صحيحه 4/1903 رقم (2449) كتاب فضائل الصحابة، باب فضل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم.
(137) المغني 14/181.
(138) المغني 14/182.
(139) التصنيف الموضوعي لتعاميم وزارة العدل 3/673.
(140) حلية العلماء 6/367، البيان 9/224، الكافي لابن قدامة 4/239، المقنع والشرح الكبير والإنصاف 20/252.
(141) فتح القدير 3/200، بدائع الصنائع 2/253، روضة الطالبين 7/45، إعانة الطالبين 4/477، المقنع 20/244، الكافي لابن قدامة 4/238، مجلة الأحكام الشرعية ص 627.
(142) الشرح الكبير 20/248، المغني 9/350، كشاف القناع 5/66.
(143) شرح الزركشي 5/26.
(144) النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر 2/333.
(145) بدائع الصنائع 2/253، المبسوط 5/31.
(146) روضة الطالبين 7/45، إعانة الطالبين 4/277.
(147) شرح الزركشي 5/26، الكافي 4/238.
(148) المبدع 7/47، المغني 9/350، المقنع 20/244، كشاف القناع 5/66.
(149) الشرح الكبير 20/248.
(150) إعانة الطالبين 4/277.
(151) المبسوط 5/31.
(152) الهداية شرح البداية 3/200.
(153) الحاوي 9/66، بدائع الصنائع 2/255.
(154) بائع الصنائع 2/255، فتح القدير 3/203، البحر الرائق 3/90، البيان 9/224، التهذيب 5/264، المبدع 7/47، كشاف القناع 5/66.
(155) الكافي لابن قدامة 4/238.
(156) مغني المحتاج 3/144.
(157) شرح العناية على الهداية 3/204.
(158) المصباح المنير ص 89 مادة (خ، ر، س).
(159) لسان الحكام ص 246، المبسوط للسرخسي 16/130.
(160) الشرح الكبير 20/251، المغني 9/350، مجلة الأحكام الشرعية ص 627.
(161) روضة الطالبين 7/45، العزيز 7/518.
(162) البيان 9/224.
(163) التهذيب 5/264، العزيز 7/518.
(164) شرح مختصر المزني 7/19.
(165) الشامل 2/5.
(166) البيان 9/224.
(167) البيان 5/357، شرح مختصر المزني لأبي الطيب الطبري 7/19، الأشباه والنظائر للسيوطي ص 316.
(168) المنثور 1/164.
(169) المنثور 1/164.
(170) مجلة الأحكام الشرعية ص 627.
(171) المبسوط 5/35، بدائع الصنائع 2/253، روضة الطالبين 7/45، التنبيه ص 159، المبدع 7/47، الكافي لابن قدامة 4/238.
(172) بدائع الصنائع 2/253.
(173) شرح الزركشي 5/24.
(174) إعانة الطالبين 4/277.
(175) الأم 5/22، نهاية الزين ص 306.
(176) الكافي 4/238.
(177) شرح الزركشي 5/24.
(178) الإنصاف 20/251.
(179) بدائع الصنائع 2/253.
(180) المبسوط 5/35.
(181) بدائع الصنائع 2/253.
(182) الإنصاف 20/251، المبدع 7/47 وقال في المحرر 2/18: “وإذا تزوج مسلم ذمية بشهادة أهل الذمة لم ينعقد إلا إذا قبلنا شهادة بعضهم على بعض ففيه وجهان”.
(183) إعانة الطالبين 4/277.
(184) المبدع 7/47.
(185) بدائع الصنائع 2/254.
(186) المغني 9/349، الشرح الكبير 20/247.
(187) الحاوي 9/59، روضة الطالبين 7/45، شرح زيد بن رسلان ص 249.
(188) إذ يجيزون شهادة المرأة مع الرجل في النكاح، فيفهم منه عدم صحة العقد بشهادة النساء. انظر: فتح القدير 3/201، المبسوط 5/32.
(189) المدونة الكبرى 13/160.
(190) رواه ابن حزم في المحلى 9/397، ورواه عبد الرزاق في المصنف 8/329 عن الحسن والزهري قالا: لا تجوز شهادة النساء في حد ولا طلاق ولا نكاح. وروي عن علي رضي الله عنه قال: لا تجوز شهادة النساء في الطلاق والنكاح والحدود والدماء. ورواه مالك عن الزهري كما في نيل الأوطار 7/183، ثم قال: “أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد فيه الحجاج بن أرطأة وهو ضعيف مع كون الحديث مرسلاً لا تقوم بمثله الحجة”. وقال ابن حجر في التلخيص 4/207: “ولا يصح عن مالك”. ولفظ ابن أبي شيبة كما في المصنف 10/58 عن حجاج بن أرطأة عن الزهري قال: “مضت السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والخليفتين من بعده أن لا تجوز شهادة النساء في الحدود”. وروى سعيد بن منصور في سننه ص 256 عن إبراهيم أنه سئل عن رجل تزوج بشهادة رجل وامرأة قال: يشهدون رجلاً آخر. وروى ابن حزم بسنده عن عمر وعلي رضي الله عنهما: أنه لا تجوز شهادة النساء في الطلاق ولا في النكاح ولا في الدماء ولا الحدود. المحلى 9/397.
(191) الشرح الكبير 20/247.
(192) المحلى 9/397.
(193) فتح القدير 3/201، المبسوط 5/32.
(194) الشرح الكبير 20/247.
(195) شرح الزركشي 5/24.
(196) المغني 9/350.
(197) الكافي 4/239.
(198) المقنع 20/249.
(199) الإنصاف 20/249.
(200) الحاوي 9/59، فتاوى الصفدي 1/279، شرح زيد ابن رسلان ص 249.
(201) الإنصاف 20/246، الشرح الكبير 20/249.
(202) السنن ص 256.
(203) المحلى 9/397.
(204) الحاوي 9/59.
(205) التحقيق في أحاديث الخلاف 2/269.
(206) المبسوط للسرخسي 5/32-33.
(207) الإفصاح 2/358.
(208) المبدع 7/47، كشاف القناع 6/426.
(209) الأم 7/46، حلية العلماء 6/367، العزيز 7/518، الوسيط 7/371.
(210) صحيح البخاري 2/939، المصنف لابن أبي شيبة 4/352، المصنف لعبد الرزاق 8/323، تهذيب التهذيب 8/198، تغليق التعليق 3/386.
(2
——————————————–
تمت اعادة النشر بواسطة محاماة نت.