الوكالة البنكية

ماهي الوكالة البنكية؟ أطراف الوكالة؟

مقدمة :

من المبادئ المستقرة التي تعتبر أصلا في القانون أن المرء لا يلتزم إلا بإدارته ومن المستقر عليه قديما، ان الحقوق و الالتزامات الناشئة من العقد تستمد أساسها من إرادة ظرفية وهو ما عرف بمبدأ سلطان الإرادة، وهذه النظرة دفعت الفقه إلى القول بأن هناك ثمة ضرورة لوجود أطراف العقد شخصيا عند إبرام أي عقد من العقود، واستمرت وجهة النظر هذه ردحا من الزمن ثم فإن العقود لا تربطها إلا أطرافها فلا يضاربها ولا يستفيد منها سواهم تلك قاعدة نسبية العقود التي ينص عليها المشرع الفرنسي في المادة 1165 من القانون المدني، ولكن تطور الحياة جعل من حضور أحد أطراف العقد ليس دائما بالامر الهين، وهكذا أبدأ وبوضوح عدم مواكبة المبادئ القانونية السائدة في ذلك الوقت لتطور الحياة فهذا العجز دفع برجال الفقه إلى البحث عن آلية جديدة، تضمن انعقاد العقد على الرغم من عدم حضور أطرافه شخصيا أثناء إبرامه فظهر ما يسمى بعقد الوكالة.

وهكذا أصبحت الوكالة من العقود المتعارف عليها، ومن أكثرها شيوعا في الحياة العملية في الوقت الحاضر، فلقد عرفها الرومان في القرن الثاني قبل الميلاد وتطورت عبر التاريخ حتى صارت اليوم شائعة في جميع المعاملات ولدى جميع الشعوب.

وقد ظهرت الوكالة خلال الحروب البونية التي قامت بين روما وقرطاجة وبسببها كان المحاربون يضطرون إلى التغيب عن أوطانهم وإلى الاستعانة بالوكلاء في إدارة أموالهم في أثناء غيابهم.

وقد اختلطت الوكالة في صورتها الأولى بإدارة أموال الغير بوجه عام، وذلك لان الوكيل كان يباشر أعمال الأصيل إما من تلقاء نفسه على سبيل الفضالة أو بناء على طلب من هذا الأخير، وهي عقد تبادلي ناقص ينشأ منذ انعقاده التزاما في ذمة الوكيل بأداء المهمة التي قبل القيام بها.

وقد ظهرت الوكالة في فترة متأخرة من القانون الروماني ذلك لان فكرة التمثيل أو النيابة او قيام شخص باعمال معينة تتصرف أثارها إلى آخر، وهو الأصيل، لم تكن عرفت بصفة عامة لدى الرومان.

والوكالة جائزة بالكتاب والسنة والاجماع بحيث وردت في عدة آيات، كما في قوله تعالى ” حسبنا الله ونعم الوكيل” كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم وكل أبا رافع عندما أراد الزواج بميمونة ووكل غيره في أمور أخرى

ومن تم كانت الوكالة ” والتوكيل” أمرا تقتضيه الضرورة العملية لاعتبارات عديدة أهمها:

1-عدم قدرة الإنسان على مباشرة كل اموره بنفسه فقد لا يملك من الملكات والطاقات ما يمكنه من القيام بكل مطالبته، ومن هنا كانت الاستعانة بخبرة الآخرين ضرورية عن طريق ” الوكالة”

2-الإنسان قد يعرف شيئا وتغيب عنه أشياء لا يحسن مباشرتها بنفسه، فيحتاج فيها على إنابة غيره

3-يتعرض الإنسان في حياته لظروف وأحداث قد تجعله مضطرا إلى توكيل غيره في مباشرة التصرفات نيابة عنه، ومن أهم هذه الظروف المرض، السفر، المكانة الشخصية.

4-أضف إلى ما تقدم بروز المشكلات الناجمة عن التطور الصناعي، والاقتصادي، ومحاولة الانسان تحقيق أكبر قدر من العمل في أقل زمن فصار محتاجا إلى طاقة غيره في كثير من الأعمال

وفي التنظيم القانوني للوكالة نجد أن الهدف الأساسي الذي يهدف إليه المتعاقدان غالبا من إبرام عقد الوكالة هو إبرام الوكيل لحساب الموكل، تصرفا قانونيا قد يكون عقدا وقد يكون تصرفا قانونيا من جانب واحد، بحيث يكون الوكيل ملتزما بأن يوافي الموكل بالمعلومات الضرورية مما وصل إليه في تنفيذ الوكالة، وذلك عند انتهائها

وقد عالج المشرع المغرب عقد الوكالة في الفصل 879 و 942 من ق ل ع وفي فصول أخرى من نفس القانون ( 1028.389.37.33 …) وفي قانون المسطرة المدنية ( الفصول 244 و 245و 252 …)

ومدونة الأحوال الشخصية ( الفصول 10 و 12 و 44 ) ومدونة التجارة الفصول 393 إلى 404 و 422 إلى 403 ).

والوكالة تطبق في عدة مجالات أو قطاعات ومن ضمنها القطاع البنكي حيث يشكل هذا الأخير أحد المقومات الأساسية للنشاط الاقتصادي، وذلك بالنظر لما تضطلع به من دور هام في تنشيط ودعم حركية الاقتصاد الوطني، بحيث عرفت عمليات البنوك نموا ملموسا تجاوز حدود الوظيفة التقليدية التي كانت تنحصر في عمليات القرض إلى توزيع الائتمان بل أصبح لهذه الأبناك دورا أساسي في تحريك دواليب سوق الشغل من خلال توفير الائتمان وتمويل الاحتياجات المتعددة للمقاولات بالإضافة إلى أدوار اخرى جعلت منها اداة فاعلة في تشجيع سياسة الادخار وضبط التوازن السوق المالي وخاصة في الحالة التي تعرف فيها هذه الأسواق حالة من الانكماش والتضخم حيث ارتبط عمل البنك في هذا الإطار بمجموعة من الآليات من ضمنها العمل بنظام الفوائد .

فبالإضافة إلى ما تلعبه البنوك من دور هام في الحياة الاقتصادية فهي تقدم عدة خدمات للزبناء الذين يتعاملون معها، لكن نظرا للتطورات التي عرفها العالم في جميع الميادين الاجتماعية والاقتصادية والسياسية،فإنه لم يعد في مقدور أي شخص سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا متابعة كافة العمليات على اختلافها وتعددها من هنا كان ضروريا أن يكون لكل طرف من تتابع نشاطه وأعماله وشؤونه في ظل أطر قانونية لغتها هي لغة القانون وأسلوبها هو بيان الحقوق وطرح الالتزامات لكل طرف من أطراف العلاقة التبادلية

من هنا ظهرت الوكالة البنكية باعتبارها عقد بمقتضاه يكلف شخص اسمه الموكل، شخصا آخر اسمه الوكيل، القيام ببعض أو كل الاعمال لصالح الأول ولحسابه، حيث يمكنه ان يك ون الوكيل شخصا من الاغيار كما يمكن أن يكون في بعض الأحيان هو البنك حيث يتم توكيل هذا الأخير، البنك عن طريق وكالة ضمنية في بعض الاعمال وذلك مقابل عمولة يتم اقتطاعها من حساب الزبون .

إذن ما هي الوكالة البنكية ؟ وما هو مجال تطبيقها ؟

وأين تتجلى التزامات أطرافها ؟

هذا ما سنحاول معالجته من خلال بحثنا، حيث سنتطرق في الفصل الأول إلى ماهية الوكالة البنكية من خلال تعريفها، وخصائصها وأنواعها، وبالإضافة إلى أن الوكالة البنكية عقدا وبالتالي لابد لها من أركان لانعقادها فلقد ارتأينا دراسة أركانها من رضا وأهلية ومحل وسبب

كما تناولنا بالدراسة مجال تطبيق الوكالة البنكية فالوكالة نجدها إما في الأوراق التجارية كالتوكيل في الشيك، والتوكيل في الكمبيالة، كما أن الوكالة تطبق في الحسابات، كتوكيل في تسيير الحساب وتوكيل في اقفال الحساب.

اما الفصل الثاني فقد تطرقنا إلى التزامات أطراف الوكالة البنكية حيث نجد الوكيل باعتباره طرف يلتزم بتنفيذ الوكالة في الحدود المرسومة لها، وتقديم حساب عن الوكالة للموكل وأخيرا درها للموكل في يد الوكيل . اما الطرف الثاني وهو الموكل فإن من أهم التزاماته هي رفع الأجر إلى الوكيل ورد المصاريف التي انفقها الوكيل بالإضافة على تعويض الوكيل عمى أصابه من ضرر .

كما أن البنك هو الآخر تقع عليه عدة التزامات تتجلى في الالتزامات المترتبة على أوامر لدفع والالتزامات عن دفع الشيكات وأخرى متعلقة بالتحويل البنكي، وفي حالة الاخلال بهذه الالتزامات تترتب مسؤولية – البنك- في إطار عقد الوكالة بحيث سنشير لها من خلال المسؤولية التعاقدية الناشئة عن عدم تنفيذ عقد الوكالة، والمسؤولية الناشئة عن اوامر التحصيل.

_______________________________

الوكالة البنكية – الفصل الأول :

تلعب الوكالة البنكية دورا هاما في الحياة اليومية من خلال تسهيل المعاملات بين الأفراد في جميع المجالات، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، دورا هاما داخل البنوك وبالنظر إلى أهميتها وخصوصياتها ارتأينا دراستها من خلال المحاور التالية: ونظرا لخصوصيتها فإن لها دور فعلا في المجال البنكي لذا ارتأينا دراسة هذا الفصل من خلال التطرق إلى ماهية الوكالة ( المبحث الاول) بالإضافة إلى نطاق تطبيقها داخل المجال البنكي ( المبحث الثاني)

المبحث الاول : ماهية الوكالة

إن دراسة ماهية الوكالة تقتضي التطرق إلى تعريفها وخصائصها وانواعها ( المطلب الاول) وباعتبارها عقد فإنها تستلزم توفرها على أركان ( المطلب الثاني)

المطلب الاول: تعريف الوكالة، خصائصها وأنواعها

لم يعمل المشرع المغربي على تعريف الوكالة البنكية، لذا سنتطرق إلى تعرف الوكالة بصفة عامة من خلال القانون التجاري والمدني، في ( الفقرة الاولى) ومن خلال هذا التعريف سنحاول استنباط خصائصها من خلال ( الفقرة الثانية) وأنواعها ف ( الفقرة الثالثة).

الفقرة الأولى: تعريف الوكالة

لقد عرف الفصل 879 من قانون الالتزامات والعقود الوكالة بقوله:” الوكالة عقد بمقتضاه يكلف شخص شخصا آخر بإجراء عمل مشروع لحسابه، فمحل الوكالة وفقا لهذا التعريف يكون دائما تصرفا قانونيا، حتى ولو استتبع هذا القيام بأعمال مادية تعتبر ملحقة به وتابعة له وهذا ما يميز الوكالة عن غيرها من العقود.

فالوكالة بمقتضى ذلك يجب ان تكون الأعمال التي يؤديها الوكيل لحساب الموكل أعمالا قانونية وليست مادية

اما الوكالة التجارية فقد عرفها المشرع المغربي في المادة 393 من القانون التجاري بانها :” عقد يلتزم بمقتضاه شخص ودون أن يكون مرتبطا بعقد العمل بالتفاوض أو التعاقد بصفة معتادة بشأن عمليات تهم أشرية او بيوعات وبصفة عامة جميع العمليات التجارية باسم ولحساب تاجر أو منتج أو ممثل تجاري آخر يلتزم من جهته بأدائه أجرة عن ذلك”

أما المشرع الفرنسي فقد عرف الوكالة في المادة 1984 من القانون المدني بقوله :” الوكالة أو التوكيل عقد بمقتضاه يعطي أحد الأشخاص شخصا آخر سلطة فعل شيء ما للموكل وباسمه “.

فالوكالة في القانون قد تكون نيابة عندما يعمل الوكيل باسم الموكل، وقد تكون غير نيابية عندما يعمل الوكيل باسمه الشخصي.

من خلال هذه التعاريف نستنتج أن الوكالة البنكية هي عقد بمقتضاه يكلف شخص يسمى الموكل شخصا آخر يسمى الوكيل، القيام بكل أو بعض الاعمال والتصرفات البنكية بما في ذلك من تسيير الحساب او التوقيع على كل تفصيلات الخصم والتحصيل للبنك، او إجراء كل الاقتطاعات من هذا الحساب، ومن ذلك إصدار توقيع كل الشيكات والحوالات والتواصيل واوامر التحويل، والاكتتاب بكل التعهدات الواجبة الأداء للبنك… وذلك من خلال توقيعهما -الموكل والوكيل- على نموذج توكيلي يقوم البنك بطابع نموذجه صراحة، كما يمكن ان تكون الوكالة البنكية ضمنية، حيث يمكن للزبون توكيل بنكه من اجل تحويل بنكي لشخص آخر، أو تحصيل كمبيالة لفائدته الزبون فالوكالة هنا ضمنية تستنتج عن طريق العلاقة بين البنك والزبون حيث لا تحتاج إلى توقيعها على نموذج توكيلي.

الفقرة الثانية : خصائص الوكالة

يظهر من خلال تعريف عقد الوكالة أن لهذا العقد عدة خصائص نجملها فيما يلي :

الوكالة عقد رضائي : حيث توقف على إرادة المتعاقدين وعلى هذا يجب إتمام الاتفاق أن يكون القبول مطابقا للإيجاب، وبالنسبة للوكالة البنكية فإن الرضائية تظهر من خلال توقيع أطراف الوكالة – الموكل والوكيل- على النموذج التوكيلي الذي يعده البنك حيث يعتبر التوقيع إيجابا من الموكل وقبول من الوكيل .

الوكالة من العقود المستمرة: أي أنها تستمر خلال تنفيذها في الزمن فيتسع نطاق التزام طرفيها تبعا لذلك ويترتب على هذا الاستمرار عدم اعتبار أثر فسخ هذه العقود على المدة التي انقضت بحيث لا يكون للفسخ أثر رجعي على ما تم تحقيقه، كما ان إيقاف العقد يؤدي إلى إنقاص في الالتزامات المتقابلة بما يوازي مدة التوقف.

وهذا ينطبق على الوكالة البنكية التي تعتبر عقدا مستمرا في الزمان مادامت وكالة الزبون مستمرة وبالتالي فإن أي فسخ يلحق بهذه الوكالة فإنه لا يسري بأثر رجعي على العمليات البنكية التي أبرمها الوكيل لحساب الموكل

-يتعاقد الوكيل باسم موكله ولحسابه : فالوكيل شخص يقوم لحسابه موكله بالقيام بالتصرفات والاعمال التي يعهد إليه الموكل ولحسابه وعلى ذلك فهو يظهير أمام الغير باعتباره وكيلا أي أنه يفصح عن هويته كنائب عن الموكل ومن تم فإن فكرة النيابة في التعاقد تكون واضحة وجلية عند التعاقد

الوكالة عقد تتسم بالطابع الشخصي : إذ يدخل الموكل في اعتباره شخصية الوكيل ويدخل الوكيل في اعتباره شخصية الموكل، إذ كلا منهما يراعي شخصية الأثر قبل قبول التعاقد ويترتب على هذه الخاصية أن الوكالة تنتهي بموت أي منهما ومن تم فالموكل يأخذ بعين الاعتبار شخص الوكيل عندما ينيب عنه، وكذلك بالنسبة للوكيل عندما يتعامل مع الغير باسم موكله ولحسابه ومن هنا فالوكالة البنكية تقوم على الاعتبار الشخصي فعندما وكل شخص شخصا آخر في إبرام عقد أو القيام بعملية بنكية معينة فموثق في حقيقة الأمر بقدرة وكليه على القيام بهذه المهمة على أكمل وجه، كذلك فالموكل يتحمل جميع النتائج القانونية التي تتمخض عن هذه الاعمال على أساس أن الوكيل يمثل وكيله في هذه التصرفات.

___________________________

الفقرة الثالثة : أنواع الوكالة

تنقسم الوكالة إلى قسمين : الوكالة العامة والوكالة الخاصة فالوكالة قد تضيق أو تتسع حسب اتفاق الطرفين، فقد يقيد الموكل حرية الوكيل إلى حد يحرمه فيه من كل تقدير فلا يبقى لهذا الأخير سوى تنفيذ تعليمات الأول حرفيا، فيصير الوكيل كانه مجرد رسول مكلف بنقل إرادة الموكل للغير.

وقد تتسع حريته إلى حد كبير في تصرف أو تصرفات معينة لدرجة قد يترك له فيها الموكل تقدر اختيار الشروط الشخص الذي سيتعاقد معه .

وسواء إذا كانت مدى الوكالة ضيقا أو واسعا فإنها تنقسم من حث نطاقها إلى عامة وخاصة، وهو ما أشار إليه الفصل 890 من قانون الالتزامات والعقود بقوله :” يجوز أن تكون الوكالة خاصة أو عامة “.

فالوكالة الخاصة: هي ما كان إيجاب الموكل فيها خاصا بتصرف معين فليس للوكيل في هذه الحالة أن يتجاوز ما عين له وإلا كان متعديا والوكالة الخاصة في نوع معين من الأعمال القانونية لا تجعل للوكيل صفة إلا في مباشرة الأمور المحددة فيها وما تقضيه هذه الامور من توابع ضرورية وفقا لطبيعة الأمر وللعرف الجاري، وقد نص المشرع المغربي على ذلك في الفصل 891 من قانون الالتزامات والعقود على أن ” الوكالة الخاصة هي التي تعطي من إجراء قضية أو عدة قضايا أو التي لا تمنح الوكيل الإصلاحات خاصة. وهي لا تمنح للوكيل صلاحية العمل إلا بالنسبة إلى القضايا او التصرفات التي تعينها وكذلك توابعها الضرورية وفقا لما تقتضيه طبيعتها او العرف المحلي.

أما الوكالة العامة: فهي التي تمنح الوكيل صلاحيات عامة غير مقيدة لأداء مصالح موكله، حيث ينص الفصل 893 من قانون الالتزامات والعقود على أن :” الوكالة العامة هي التي تمنح الوكيل صلاحية غير مقيدة لإدارة كل مصالح الموكل “

وهذا النوع من الوكالة يخول للوكيل مباشرة جميع أعمال الإدارة وتوابعها التي يعهد بها صاحب الحساب إلى وكيله

وسواء اكانت الوكالة عامة أم خاصة فإن القيام ببعض التصرفات تستلزم بطبيعتها الحصول على إذن أو توكيل خاص من الموكل، وهذا ما ينص عليه الفصل 894 من قانون الالتزامات والعقود بقوله :” لا يجوز للوكيل أيا كان مدى صلاحياته بغير إذن صريح من الموكل توجيه اليمن الحاسمة، والإجراء الإقرار القضائي ولا الدفاع أمام القضاء في جوهر الدعوى ولا قبول الحكم ولا التنازل عنه، ولا قبول التحكيم أو إجراء الصلح ولا الإبراء من الدين ولا تفويت عقار أو حق عقاري… “.

ويستشف من خلال ما سبق أن الوكالة البنكية ينطبق عليها هذا التقسيم وذلك باعتبار كل من التوكيل العام والتوكيل الخاص ويمكن تطبيقهما داخل البنك، حيث يمكن للموكل أن يجري عام لجميع الأعمال البنكية، من دفع وسحب وتحويل إلى غير ذلك من العمليات التي يقوم بها الموكل بصفة أصلية كما يمكنه الموكل أن يقوم بتوكيل خاص بعمليات معينة بذاتها حيث يكون الوكيل ملزما بهذه العمليات المحددة دون تجاوز هذه الصلاحيات.

_________________________

المطلب الثاني : أركان الوكالة

يعتبر عقد الوكالة كسائر العقود حيث يستلزم توفرها، على أربعة أركان من رضى وأهلية ومحل وسبب، وإن خللت نصوص الوكالة من حكم معين تعين الرجوع في شأنها إلى القواعد العامة في الالتزام لذا سنتطرق لهذه الأركان في الفقرات الاتية :

الفقرة الأولى : الرضى

يلزم انعقاد الوكالة أن يلتقي إيجاب الموكل مع قبول الوكيل والإيجاب معناه إظهار ما يدل من الموكل على رغبته في التوكيل، والقبول معناه رضى الوكل بالتوكيل الذي أسند إليه، والأصل تقدم الإيجاب عن القبول في العقود كلها لكن ذلك ليس شرطا فلو تقدم القبول عن الإيجاب صح العقد

فالوكالة إما ان تكون صريحة وهي التي يرد فيها الإيجاب والقبول بصورة صريحة أما الوكالة الضمنية فهي التي يرد فيها رضا أحد طرفي العقد، ضمنيا، بحيث قد يكون الإيجاب صريحا من طرف الموكل والقبول ضمنيا من طرف الوكيل وقد نصت المادة 883 من قانون الالتزامات والعقود على ان تتم، الوكالة بتراضي الطرفين ويسوغ ان يكون رضى الموكل صريحا أو ضمنيا مع استثناء الحالات التي تتطلب القانون فيها شكلا صريحا”.

كما أن التوكيل يمكن أن يكون توكيل على بياض أو لحامله والتوكيل على بياض هو الذي يصدره الموكل ويترك بياض مخصصا لاسم الوكيل من دون تعيينه بالذات أي هو توكيل لا يعين فيه الموكل وكيله وإنما يترك البياض لكتابة اسم الوكيل فيما بعد .

أما التوكيل للحامل فهو الذي يعطي بمقتضاه الموكل، توكيلا لحامله دون ذكر اسمه لهذا الغير أو لغيره من يسلم إليه التوكيل للحامل أن يقوم بتنفيذ الوكالة، ويكون الحامل الاخير الذي قام بتنفيذ الوكالة هو الملزم اتجاه الموكل. وبذلك فإن التوكيل للحامل يتضمن وكالة أصلية ونيابية في التوكيل وبالتالي فهو يختلف عن التوكيل على بياض كما ان الوكالة البنكية هي الأخرى تتطلب رضا كل من طرفي العقد بحيث يمكن أن يكون هذا الرضا صريحا أو ضمنيا وتكون الوكالة البنكية ضمنيا إذا كان إيجاب الموكل ضمنيا وكان بقبول الوكيل ضمنيا كما في حالة توكيل الزبون البنك في استخلاص كمبيالة كما قد تتطلب الوكالة أن تأتي في شكل معين

وحيث أن التعاملات البنكية تشترط في اغلب الأحيان إجراء توكيل داخلي خاص بها أي توكيل يقوم البنك بطبع نموذجه ويتم التوقيع عليه من قبل الموكل والوكيل أمام الموظف المسؤول في البنك وذلك بعد أخذ نماذج توقيع لهما

الفقرة الثانية : الأهلية

الأهلية هي قدرة الشخص على القيام بالتصرفات القانونية وتثبت بتوفر سن الرشد القانون، أي الصلاحية لإجراء التصرفات القانونية التي تكسبه الحق وتحمله الالتزام ولما كان العمل القانوني الذي يبرمه النائب الحساب الأصيل وباسمه ينصرف أثره إلى الأصيل مباشرة ويجب أن يكون الموكل أهلا وقت الوكالة .

فالموكل إذن هو من يريد أن يقيم غيره مقام نفسه، وشرطه أن تتوفر فيه الأهلية العقود، بأن يكون بالغا راشدا ومالكا للتصرف فيما وكل فيه، فلا يصح من الصبي أو السفيه أو المجنون، أن يوكل غيره لأن تصف السفهاء ومن في حكمهم موقوف على إذن وليه الأولياء لقوله تعالى :” فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل “..

وتشير المادة 880 من قانون الالتزامات والعقود :” على أنه يلزم الحصة الوكالة أن يكون الموكل أهلا لأن يجري بنفسه التصرف الذي يكون محلا لها

وبالتالي فإن الأهلية المتطلبة لإجراء التصرفات القانونية في الموكل لإبرام عقد الوكالة هي نفسها أهلية التصرف محل الوكالة.

وإضافة إلى هذه الأهلية هناك الأهلية المطلوبة للالتزام بما تنشئه الوكالة نفسها من التزامات

فلا يجب إذن ان تتوفر في الموكل أهليتان : أهلية الالتزام بالوكالة وأهلية الالتزام بالتصرف محل الوكالة وهذه الأخيرة يجب أن تتوافر عنه إبرام الوكالة وأن تظل قائمة وقت إبرام التصرف .

وبالتالي فإن الموكل في الوكالة البنكية يلزم توفر على هذه الأهلية أما الوكيل فقد اشترطت المادة 880 من قانون الالتزامات والعقود :”أن يكون متمتعا بالتمييز بقواه العقلية، ولو لم تكن له صلاحية إجراء التصرف في حق نفسه

فيسوغ للشخص أن يجري باسم الغير ما لا يستطيع ان يجريه بالأصالة عن نفسه”

ومن خلال هذه المادة نستنتج انه يشرتط في الوكيل أن يكون قد أتم الثانية عشرة من عمره وغير مصاب بجنون مادام أثر التصرف القانوني محل الوكالة لا تنصرف إلى الوكيل وإنما للموكل لكن نظرا خصوصيات الوكالة البنكية وارتباطها بالمجال الاقتصادي فإنه يجب توفر الأهلية بالنسبة للوكيل عكس ما تقتضي به القواعد المدنية العامة في الوكالة بالنسبة للوكيل.

الفقرة الثالثة : المحل

يعتبر المحل ركنا من أركان الوكالة فإنه يستلزم كذلك توفره في الوكالة البنكية على غرار الوكالة العادية لأنه هو التصرف القانوني الذي يقوم به الوكيل لحساب الموكل ففي المجال البنكي فقد يكون توكيلا في قبول واكتتاب وتظهير وتداول وتخليص الكمبيالات وكل السندات والشيكات وسندات الخزن وكل الاوراق التجارية، وقد يكون توكيلا في تشغيل الحساب…

ويشترط في التصرف الذي يكون محلا للوكالة ان يكون ممكنا فإذا كان مستحيلا كان باطلا لأنه التزام بمستحيل وبالتالي تبطل الوكالة تبعا لبطلان التصرف وقد نص الفصل 59 من قانون الالتزامات والعقود على بطلان الالتزام ” يبطل الالتزام الذي يكون محله شيئا أو عملا مستحيلا إما بحسب طبيعته أو بحكم القانون وتكون الاستحالة مادية بحسب طبيعة التصرف القانوني عما لو محل الوكالة بيع منتوجات وهمية وتكون قانونية في الحالة التي يكلف فها الموكل الوكيل القيام أعمال قامت السلطات المختصة بإصدار قرار يمنعها “.

وأن يكون هذا العمل معينا أو قابلا للتعيين أي ان يكون معينا تعيينا كافيا بنفي عنه كل لبس او غموض من شأنه أن يحول دون معرفة الوكيل بالتصرف القانون الواجب القيام به، وإذا لم يكن محل الوكالة معينا فيجب على الأقل أن يكون قابلا للتعيين

وبالإضافة إلى الشرطين السابقين لابد أن يكون العمل مشروعا ويكون كذلك إذا لم يكن مخالفا للنظام العام والأخلاق الحميدة او للقوانين الدينية والمدنية

وعموما فمحل الوكالة يجب أن تطبق عليه القواعد العامة والذي يقتضي ان يكون التصرف القانوني محل الوكالة ممكنا وأن يكون معينا القابل للتعيين وأن يكون مشروعا وههذا ما نصت عليه المادة 881 من قانون الالتزامات والعقود.

الفقرة الرابعة : السبب

نعني بالسبب الغاية من إقدام المعني بالامر من اتخاذ الوكالة البنكية فقد تكون هذه الغاية هي تسهيل المعاملات البنكية، إذ غالبا ما يصعب على الشخص القيام بجميع أعماله ومن هنا يلجأ إلى مثل هؤلاء الوكلاء لتكليفهم بالبعض منها كما في حالة توكيل صاحب الحساب البنك في القيام بتحويل بنكي ويشترط في هذا السبب أن يكون مشروعا ويكون كذلك إذا لم يكن مخالفا للنظام العام والأخلاق الحميدة.

وعلى كل حال فالسبب يرجع فيه إلى القواعد العامة التي اخذ بها المشرع المغربي في المواد 62-65 من قانون الالتزامات والعقود وهي النظرية التي تحصر السبب في الغرض أو الهدف المباشر الذي يقصد الملتزم تحقيقه والذي من أجله تحمل بالالتزام عن طريق التعاقد والذي يجب أن يكون موجودا مشروعا وحقيقيا .

والأصل أن الوكالة تنعقد لمصلحة الموكل، وقد تنعقد لمصلحة كل من الموكل والوكيل، كما إذا اوكل أحد الشريكين في الشيوع الشريك الآخر في إدارة المال الشائع، أو في حالة توكيل الشركاء من ينوب عليهم في إنجاز العمليات البنكية في الحساب الجماعي.

وبتوفر الوكالة البنكية على الأركان اللازمة لانعقادها، فإنها تكون صحيحة وبالتالي حلول الوكيل محل الموكل في القيام بجميع الأعمال الموكلة له . فما هو إذن نطاق تضييق الوكالة البنكية ؟

___________________________
عبدالسلام أحمد فيغو، العقود المدنية الخاصة في القانون المغربي ، الطبعة الأولى ، 2008 الرباط ، ص 127.

المرجع نفسه ص 129.

– عبدالسلام احمد فيغر، مرجع سابق، ص 128-129.

-خالد بنيس عقد الوكالة طبقة 1997 -1998 ص 4.

قدري عبد الفتاح شهاوي ، احكام عقد الوكالة في التشريع المصري ، والمقارن ، طبعة 2005 ص 5.

– محمد كامل، مرسي ، العقود المسماة طبعة 1954 ص 296.

– جاء في المادة المذكورة

Le mondat au procuration est un acte par lequel une personne donne a une autre le pouvoir de faire quelque chose pour le mandat et en son nom ».

– السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني ، ج7 المجلة الأولى، ص 465.

– السنهوري مرجع سابق، ص 547.

– خالد بنيس مرجع سابق، ص 15.

– خالد بنيس ، مرجع سابق، ص 17.

عبد السلام أحمد فيغو، مرجع سابق، ص 157.

عبد الرزاق السنهوري ، مرجع سابق، ص 401.

– سورة البقرة ، الآية 282.

– السنهوري، مرجع سابق، ص 413.

– احمد عبد السلام فيغو ، مرجع سابق، ص 30.

عبدالسلام أحمد فيغو، مرجع سابق، ص167.

– السنهوري، مرجع سابق، ص 531.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت