ملخص بحث قانوني عن البصمة الوراثية D. N. A

بحث علمي قانوني لنيل لقب أستاذ في المحاماة
أعده المحامي : يوسف نزيه جبر
من فرع حمص
الأستاذ المشرف : المحامي نزيه جبر
– مخطط البحث :
– تمهيد .
– الباب الأول : مفهوم البصمة الوراثية علمياً وتاريخياً .
– مصادر البصمة الوراثية ومزاياها ومراحل اكتشافها .
– الباب الثاني : استخدام البصمة الوراثية في مجال النسب .
– حجج المؤيدين والمعارضين .
– الباب الثالث : استخدام البصمة الوراثية في المجال الجنائي .
– البحث في مسرح الجريمة .
– التعرف على المجرمين .
– تحديد الجنس .
– الأنتربول ومراقبة البصمة الوراثية .
– مراجع البحث .

ملخص البحث :

ولج معدّ البحث إلى موضوع رسالته من خلال تمهيد استعرض فيه على عجالة ما طرأ على وسائل الإثبات من تطورات واسعة نتيجة الثورة العلمية الهائلة في هذه الوسائل ، وهذه التطورات قامت على نظريات وأصول علمية دقيقة استطاعت أن تزود القاضي بأدلة قاطعة وحاسمة – حسب رأي الباحث – سواء بالإثبات أو بالنفي ، وأصبح القضاء – والكلام للباحث – يعتمدها كأدلة فنية يؤسس عليها أحكامه .

فالأدلة أنواع : منها الدليل القولي كالاعتراف وشهادة الشهود ، ومنها العقلي كالقرائن ، ومنها المادية كالأدلة العلمية التي تعتمد على الأصول والحقائق العلمية والتي أصبحت تثير في العصر الحديث إشكالات عملية لجهة تحقيق التوازن بين المصالح المتعارضة للمجتمع والأفراد ، ومن هذه الأدلة البصمة الوراثية للإنسان D. N. A .
ففي الباب الأول من رسالته استعرض الباحث مفهوم البصمة الوراثية D. N. A ، والتي تعدّ من أحدثأساليب العلم في كشف الحقائق ، وقد تبنتها عدة دول عربية كمصر والإمارات ، وأجنبية كالولايات المتحدة الأمريكية التي أعطتها قوة بصمة الإصبع في الإثبات ، واعتبرتها دليلاً فارقاً وتاماً .
فالـ D. N. Aعبارة عن جزئيات دقيقة جداً موجودة في كل خلية من خلايا الجسم التي تحدد صفات الشخص ، فكل خلية من خلايا الجسم البشري تحمل الصورة الجينية نفسها أو بصمة الحامض النووي D. N. A . إلا أنه لا توجد ذات الـ D. N. Aلدى شخصين ، عدا التوءمين من بويضة واحدة انقسمت نصفين . وتتعدد مصادر الحصول على البصمة الوراثية من الجسم الإنساني ، وقد حدد العلماء هذه المواضع في : الدم ، أنسجة الجلد ، العظام ، الأظافر ، الشعر ، اللعاب … ، وإن تعدد هذه المصادر يعطي مجالاً واسعاً للحصول على البصمة الوراثية .

أما المزايا التي تنفرد بها البصمة الوراثية على غيرها من الأدلة فيمكن إجمالها – حسب الباحث – بالتنوع ، والصمود في وجه عوامل التحلل والتعفن ، وسهولة الاحتفاظ بها وتخزينها وقراءتها ، وهي دليل أساسي في مساعدة الضحايا ، وتحديد جنس صاحبها ، وصمودها لفترات طويلة . إلا أن هذه البصمة لم تُعرف حتى العام 1984 عندما نشر عالم الوراثة بجامعة « ليستر » بلندن « آليك جيفرنز » بحثاً أوضح فيه أن المادة الوراثية قد تتكرر عدة مرات وتعيد نفسها … وواصل أبحاثه حتى توصل إلى أنها مميزة لكل فرد ، ولا يمكن أن تتشابه بين اثنين إلا في حالة التوائم المتماثلة فقط . مما يجعل التشابه مستحيلاً .

ثم استعرض الباحث الخلية والنواة ، والصبغيات أو الكروموسومات داخل النواة وتكاثرها والتي تنقسم بدورها إلى مجموعتين هما : كروموسومات ذاتية ، وأخرى جنسية ، كما تطرق إلى الجينات المنظومات على خيوط الصبغيات أو الكروموسومات ، وإلى مكونات الجين وصولاً إلى البصمة الوراثية والتي اقترح لها الباحث مفهوماً أو تعريفاً جاء متأخراً إذ كان يجب ضبطه في مقدمة بحثه كي يستهدي به القارئ لمتابعة البحث . على كلٍ ، فقد خلص الباحث إلى اعتماد التعريف الذي وضعه المجمع الفقهي بمكة من أن البصمة الوراثية هي : « البنية الجينية (نسبة إلى الجينات أي الموروثات) التي تدل على هوية كل إنسان بعينه » .

أما الباب الثاني من الرسالة فقد أفرده معدّها إلى استخدامات البصمة الوراثية في مجال النسب ، فالشريعة الإسلامية عملت على حفظ الأنساب من الضياع والافتراء ، وجعلت منه (أي النسب) حقاً للمولود لحفظ نفسه من الضياع ، وحقاً لأمه تدرأ به عن نفسها الفضيحة والفحشاء ، وحقاً لأبيه يحفظ به نسبه وولده من كل دنس وريبة ، كي تبنى الأسرة على أساس متين .
والنسب ، هو : إلحاق الولد بأبيه ، وما يترتب على ذلك من حقوق وواجبات . وبما أن نسب الولد من أمه في كل حالات الولادة شرعية كانت أم غير شرعية ، فإن ثبوت نسب الولد أو نفيه من أبيه لم يجعل له الشارع أسباباً إلا في حالات محددة أوردها في قانون الأحوال الشخصية ، والفقه الإسلامي والاجتهاد القضائي ، كالزواج ، والإقرار ، والبينة (اللعان) . وأضاف إليها مُعدّ الرسالة البصمة الوراثية معللاً بأن هذه الطريقة (البصمة الوراثية) لم تكن معروفة من قبل ، وإن القرآن الكريم ، والسنة النبوية حثا على العلم وعلى الأخذ بكل ما يثبته العقل والعلم .

أما رجال القانون فيكادون يُجمعون على أهمية تحليل البصمة الوراثية D. N. Aفي إثبات النسب باعتباره طريقة علمية متقدمة وقاطعة (رأي رئيس محكمة النقض المصرية المستشار طه الشريف) ونتائجه تصل إلى نسبة مئة بالمئة ، شرط أن يقوم بمهمة هذا التحليل كوادر طبية من داخل مصلحة الطب الشرعي لضمان النتائج حتى لا تفقد مصداقية المواطنين . في حين ذهب علماء الدين ومنهم مفتي الديار المصرية الدكتور علي جمعة إلى جواز إثبات النسب بطريق البصمة الوراثية D. N. Aولم يشترط صحة عقد الزواج شرعياً وقد أيده في ذلك الدكتور محمد رأفت عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر الذي يرى أن البصمة الوراثية لا يتشابه فيها اثنان إطلاقاً ويمكن القطع من خلالها في إثبات النسب (صحيفة الشرق الأوسط العدد رقم 9971 تاريخ 17/3/2006) .

وإن غالبية علماء الدين (منهم الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر السابق والشيخ يوسف البدري – الشرق الأوسط) يرون أن إثبات النسب عن طريق استخدام الـ D. N. Aجائز في حال إذا ثبت أن المولود ولد من علاقة زوجية صحيحة ، ومن ثم لا يجوز استخدام الـ D. N. Aإذا ثبت أن المولود جاء من زنا فالقاعدة الشرعية تنص أن « الولد للفراش وللعاهر الحجر » .
أما معارضو الأخذ بهذه الطريقة من الإثبات فيدلون بحجج تبرر اعتراضهم عليها . ومن هذه الحجج :
1 – القرآن الكريم : كقوله تعالى : (اليوم أكملت لكم دينكم ، وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) [سورة المائدة الآية 3] . فالآية الكريمة نصت على اكتمال الدين بأحكامه التي لا نقص فيها ، وإن ادعاء وجود مكتشفات وتصرفات جديدة اتهام للشريعة بالنقص .
2 – السنة النبوية : حديث عائشة (رضي الله عنها) في قصة بريرة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : ما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله ، ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط ، قضاء الله أحق وشرط الله أوثق.
3 – المعقول : أن التعامل بالبصمة الوراثية هو تعامل في خلايا الإنسان الذي له حرمة بنص الآية الكريمة (ولقد كرمنا بني آدم) [سورة الإسراء الآية 70] .

ويرى الدكتور يوسف القرضاوي أن البصمة الوراثية لا يثبت بها النسب في حالة الزنا ، لأن الشرع وإن كان يتشوف لإثبات النسب ، فإنه في ذات الوقت يرى أن الستر مقصد هام تقوم عليه الحياة الاجتماعية لئلا تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ، ودليل ذلك حديث ماعز بن مالك عن الإقرار بالزنا : « هلا سترته بطرف ثوبك » . وهذا مبني على أن الشرع يقر بأن « الولد للفراش » فالأصل في إثبات النسب هو فراش الزوجية … ومن القواعد الفقهية في هذا الخصوص أن « الحدود تدرأ بالشبهات » … وبالتالي لا يعتدّ بالبصمة الوراثية في إثبات النسب . وقد ناقش مُعد الرسالة هذه الحجج وفندها ورد عليها حسب ما ارتآه .

كما استعرض الباحث حجج مؤيدي الأخذ بالبصمة الوراثية وهي :

1 – القرآن الكريم في قوله تعالى : (وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شيء عليم) [سورية التوبة الآية 115] .
2 السنة النبوية : قول الرسول الكريم (ص) : الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً حرم حلالاً أو أحل حراماً ، والمسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراما .
3 – المعقول : إن كل مستحدث لم يرد بشأنه نهي خاص وفيه مصالح ومنافع للناس ، فالأصل فيه الإباحة .
واستطرد الباحث في التدليل والتأييد للأخذ بهذه الوسيلة من وسائل الإثبات معززاً ذلك بالشرح والعلل الداعية للأخذ بها حسب رأيه ، وأنه يمكن استبدال اللعان بالبصمة الوراثية لإثبات جريمة الزنا أو نفيها عن الزوجة عند اتهامها من الزوج وعدم اعترافه بالمولود ، وهو رأي خطير لأنه مساس بنص قرآني .
ثم انتقل إلى استعراض رأي المجمع الفقهي الإسلامي في استخدام البصمة الوراثية والمنعقد بمكة المكرمة في الفترة من 21-26/10/1422 هـ الموافق 10/1/2002 م والذي أصدر مجموعة من القرارات والتوصيات بهذا الشأن منها :

  • أولاً – لا مانع شرعاً من الاعتماد على البصمة الوراثية في التحقيق الجنائي ، واعتبارها وسيلة إثبات في الجرائم التي ليس فيها حد شرعي ولا قصاص …
  • ثانياً – إن استعمال البصمة الوراثية في مجال النسب لا بد أن يحاط بمنتهى الحذر والحيطة والسرية ، ولذلك لا بد أن تقدم النصوص والقواعد الشرعية على البصمة الوراثية .
  • ثالثاً – لا يجوز شرعاً الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب ولا يجوز تقديمها على اللعان .
  • رابعاً – لا يجوز استخدام البصمة الوراثية بقصد التأكد من صحة الأنساب الثابتة شرعاً ، ويجب على الجهات المختصة منعه وفرض العقوبات الزاجرة ، لأن في ذلك المنع حماية لأعراض الناس وصوناً لأنسابهم .
  • خامساً – يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات الآتية :

آ – حالات التنازع على مجهول النسب بمختلف صور التنازع …
ب – حالات الاشتباه في المواليد في المستشفيات … وأطفال الأنابيب .
ج – حالات ضياع الأطفال واختلاطهم بسبب الحروب والحوادث … والتعرف على الجثث …
كما يوصي المجمع الفقهي بما يأتي :
آ – أن تمنع الدولة إجراء الفحص الخاص بالبصمة الوراثية إلا بطلب من القضاء ، وأن يكون في مختبرات للجهات المختصة ، وأن تمنع القطاع الخاص الهادف للربح من مزاولة هذا الفحص ، لما يترتب على ذلك من المخاطر الكبرى …
ب – تكوين لجنة خاصة بالبصمة الوراثية في كل دولة ، يشترك فيها المتخصصون الشرعيون والأطباء والإداريون تكون مهمتها الإشراف على نتائج البصمة الوراثية واعتماد نتائجها .
ج – أن توضع آلية دقيقة لمنع الانتحال والغش ، ومنع التلوث وكل ما يتعلق بالجهد البشري في حقل مختبرات البصمة الوراثية …
أما الباب الثالث والأخير من الرسالة فقد أفرده معدها إلى استخدامات البصمة الوراثية في المجال الجنائي ، فالميزة الأساسية للحامض النووي D. N. A تكمن في أنه يختلف من شخص لآخر ، ومن هنا برزت أهميته كعنصر أساسي في الكشف عن المجرمين ، وإن عملية استخراج البصمة الوراثية واستخدامها كدليل جنائي تمر بمراحل عدة بدءاً من سحب عينات من مسرح الجريمة ومن ثم تنقيتها ، فتحليلها ومطابقتها وصولاً إلى الحقيقة المنشودة , ومما يساعد على الأخذ بهذه الوسيلة في الإثبات هو إطلاق المشرع حرية الأخذ بالدليل في المسائل الجزائية وتركه لقناعة وتقدير القاضي وحسب قناعته الشخصية (المادة 75/1 أصول جزائية) وأنه ليس من خطورة ومخاوف في الأخذ بالبصمة الوراثية كدليل ما دام يتعامل معه كأي دليل له الكثير من الضوابط على سلطة القاضي في الأخذ به ، فالمشرع لم يحدد أدلة معينة في الإثبات الجزائي ، إنما فرض على القاضي الجزائي أن يبني قناعته استناداً إلى دليل موجود . ويمكن الأخذ بالبصمة الوراثية على اعتبار أنها نوع من الخبرة الفنية يمكن للقاضي الأخذ بها أو إهمالها على اعتبار أنه خبير الخبراء . ومن استخدامات البصمة الوراثية في المجال الجنائي تحديد الجنس لمعرفة فاعل الجريمة ذكراً كان أم أنثى ، وكذا في التعرف على الفاعلين في مسرح الجريمة من خلال الآثار التي يتركونها كالدم ، واللعاب ، والأظافر ، والسائل المنوي … إلخ .

وقبل أن ينهي الباحث موضوعه تطرق إلى « الأنتربول » الدولي في صدد مراقبة البصمة الوراثية ، والمهام التي يقوم بها هذا الجهاز والذي مقره في « ليون » بفرنسا كمناقشة ووضع المقترحات والتوصيات اللازمة فيما يتعلق بهذا الشأن ، كما عرّج معد الرسالة على تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة في هذا الشأن .
الرسالة جيدة ، والجهد المبذول فيها واضحاً ، إلا أنه غاب عنها الخاتمة المشروطة لكل بحث علمي ، إضافة لعدم ضبط وتوزيع مادتها العلمية باتباع أسلوب منهجية البحث ، إلا أن ذلك لا يعني أن مُعدها لم يبذل جهداً ، ويستحسن التوسع فيها مستقبلاً وجعلها نواة لكتاب كامل متكامل ، وفقه الله .

عرض وتلخيص المحامي مازن النهار (هيئة التحرير)