بحث قانوني قيم عن العقود الالكترونية في التشريع الاردني

الباحث : نائـل مساعـدة*

المقدمـة:

تعد العقود الإلكترونية أحد استحقاقات مرحلة التطور التكنولوجي رفيع المستوى الذي بلغه العالم في الوقت الحاضر، والذي تزامن معه تطور في العلاقات المختلفة بين الأفراد عبر الدول، ومن بينها علاقاتهم الاقتصادية والتجارية.
وقد عملت الدول المختلفة على إيجاد قواعد قانونية خاصة تحكم تلك العلاقات، نظرا للاختلاف الجوهري والطبيعة الخاصة التي تتسم بها.

ومن بين ما اهتم به المشرِّع الأردني في قانون المعاملات الإلكترونية رقم 85 لسنة 2001 موضوع العقد الإلكتروني، وهو العقد الذي ينعقد بوسائل الكترونية، فهو لا يتخذ هذا الوصف من محل العقد أو موضوعه، وإنما من الوسيلة المستخدمة في إبرامه، والمجال الذي يبرم فيه فهو يبرم بوسائل الكترونية، كالرسائل الإلكترونية المتبادلة عبر البريد الإلكتروني (E-mail)، وفي القضاء الإلكتروني أو البيئة الإلكترونية المسماة (Internet).

وإذا كانت الفرضية الثابتة أن كل عقد ينعقد يرتب أثارا قانونية معينة، وأن العقد ينعقد بزمان معين ومكان معين، وأن القانون يرتب على هذه المسائل المادية أحكاما قانونية معينة، فإن من الضرورة الملحة معرفة كيفية انعقاد العقد الإلكتروني، وتمامه، والمكان الذي تم فيه، لا سيما وأن هذا المكان يأخذ شكلا آخر غير معهود ألا وهو الفضاء الإلكتروني. وبالتالي فإن إشكالية هذا البحث تتمثل فيما يلي:

هل تخضع العقود الإلكترونية في مجالي الاختصاص القضائي والاختصاص التشريعي لذات القواعد التي تخضع لها العقود العادية، لا سيما وأن ضابط المكان يحتل مكانة هامة في هذين المجالين، بحيث يستند عليه تارة في تحديد الاختصاص القضائي للمحكمة، وتارة في تحديد القانون الواجب التطبيق.

وسوف يحاول هذا البحث الإجابة عن ذلك التساؤل بدراسة القواعد الخاصة بالعقد الإلكتروني في ضوء الأحكام العامة لانعقاد العقد ومكان ذلك الانعقاد، علما بأن المنهج المتبع في الدراسة هو المنهج الوصفي الذي يقوم على دراسة الحالة، وتحليل النصوص القانونية ومقارنتها مع بعضها البعض، بغية استخلاص الأحكام القانونية منها.

تمهيـد:

العقود الالكترونية تبرم بوسائل الكترونية أي أن الإيجاب والقبول فيها يتم تطابقهما من خلال الشبكة الدولية للاتصالات المعروفة بالإنترنت (internet)، وقد عرف المشرِّع الأردني العقد الالكتروني في المادة الثانية من قانون المعاملات الالكترونية رقم (85) لسنة 2001م بأن الاتفاق الذي يتم انعقاده بوسائل الكترونية كليا أو جزئيا.
وقد عرف جانب من الفقه العقد الالكتروني بأنه العقد الذي يتم بتبادل الرسائل الالكترونية بين المتعاقدين، وينشئ التزامات تعاقدية( ).
واضح من التعريف السابق أن العقد يعد الكترونيا بمجرد أن يستخدم في إبرامه وسائل الكترونية يتم بواسطتها تبادل رسائل الكترونية بين المتعاقدين بغض النظر عن موضوع هذا العقد أو محله، سواء كانت بضائع، أو منتجات، أو سلع، أو خدمات، أو غيرها.
ولما كان العقد الالكتروني يتم في نطاق الانترنت، وهي شبكة اتصالات عالمية، فإنه يتميز بالصفة الدولية مما جعله في نظر البعض عقدا تتلاقى فيه عروض السلع والخدمات بقبول يتم في دول أخرى، من خلال وسائل تكنولوجية متعددة بهدف إتمام العقد( ).

والعقود الالكترونية، وفقا للمفهوم سابق الذكر، تختلف اختلافا كليا عما يسمى بعقود المعلوماتية، فالأخيرة تستمد اسمها من موضوعها أو محلها، فمحل هذه العقود المعلوماتية أي البرامج والبيانات وبشكل عام المكونات المنطقية للحاسب الآلي( ). بينما العقود الالكترونية تستمد اسمها من وسيلة انعقادها، غير أن محلها يختلف من عقد لآخر، وقد يكون محلها تقليديا، كالبضائع والمنتجات وغيرها، كما قد يكون محلها معلوماتيا طالما أنها انعقدت بوسائل الكترونية.

ومن البديهي أن العقود الالكترونية تعد حديثة الظهور؛ لأنها واكبت ميلاد شبكة الاتصالات العالمية (الانترنت)، وما تضمنته من تطور هائل على صعيد الاقتصاد والتجارة العالمية، والتقارب والانفتاح الدولي فيما بين الأفراد والجماعات في دول العالم المختلفة.
ولما كانت العقود الالكترونية تبرم بواسطة الانترنت فإن احتمالية وجود العنصر الأجنبي تعد كبيرة جدا، طالما أن استخدام الانترنت متاح لمختلف الأفراد في أماكن تواجدهم المختلفة في العالم .

وسواء كان التعاقد بواسطة البريد الالكتروني، أو بواسطة الموقع الالكتروني فإن العقد المبرم يكون الكترونيا( ).
ولما كان العقد الالكتروني من العقود التي تفترض انعدام الاتصال المادي بين المتعاقدين المتواجدين في مكانيين مختلفين من العالم، وحيث إن دخول العلاقة أو الرابطة القانونية في نطاق القانون الدولي الخاص أمر مرهون باتصاف تلك الرابطة بوجود عنصر أجنبي، سواء تعلق بجنسية الأطراف، أو اختلاف الموطن، أو مكان الإبرام، أو التنفيذ، فإن من المنطق القول إن معظم العقود الالكترونية تكون ذات طابع دولي لوجود عنصر أجنبي فيها( ).

ولا تثور مشكلة تحديد الاختصاص القضائي والاختصاص التشريعي في العقود الالكترونية إلا إذا حدث نزاع بين طرفي العقد الالكتروني، أما إذا أبرم ونفذ دون مشاكل بينهما فلا أهمية لبحث وتحديد مسائل تنازع القوانين، وتنازع الاختصاص القضائي .

ومن الجدير بالذكر أن الاختصاص القضائي يؤثر في الاختصاص التشريعي ولا يتأثر به، ذلك أن المحكمة التي ينعقد لها الاختصاص بنظر نزاع شوب بعنصر أجنبي إنما يعتمد على تكييف العلاقة القانونية وفقا لقانونها من ناحية، وتقوم بأعمال قواعد الإسناد الواردة في قانونها من ناحية أخرى . مما يترتب عليه أثر واضح في الاختصاص التشريعي، أي في القانون الواجب التطبيق على النزاع( ).
وفي ضوء ما تقدم فإنه يتعين علينا التعرض لموضوعين مرتبطين ارتباطا وثيقا بالعقود الالكترونية، وهما: المحكمة المختصة بنظر النزاع، والقانون الواجب التطبيق عليه.

المبحث الأول
اختصاص المحكمة الأردنية بنظر النزاع الناجم عن العقود الالكترونية

إذا كانت العقود الالكترونية في الغالب الأعم مشوبة بعنصر أجنبي فإنها أحيانا نادرة لا تكون كذلك.

المطلب الأول: العقود الالكترونية غير المشوبة بعنصر أجنبي:

إذا ثار نزاع في شأن العقد الإلكتروني غير المشوب بعنصر أجنبي، واختار صاحب المصلحة رفع دعوى قضائية فإنه يتعين عليه رفعها أمام المحكمة المختصة قيميا ومكانيا.

الفرع الأول: الاختصاص القيمي:
إذا كان محل العقد الإلكتروني أو موضوعة لا يزيد على ثلاثة آلاف دينار فإن محكمة الصلح تعد مختصة اختصاصا قيميا بنظر النزاع الذي ثار بصدد العقد الإلكتروني وفقا لأحكام المادة 3/1 من قانون محاكم الصلح رقم 15 لسنة 1952 المعدل بالقانون رقم 13 لسنة 2001م( ). وفي المقابل إذا كان محل ذلك العقد تزيد قيمته على ثلاثة آلاف دينار فإن الاختصاص القضائي في النزاع بشأنه ينعقد لمحكمة البداية باعتبارها صاحبة الولاية العامة، وتختص فيا يخرج عن اختصاص المحاكم الأخرى وفقا لأحكام المادة 30 من قانون أصول المحاكمات المدنية رقم 24 لسنة 88م المعدل بالقانون رقم 14 لسنة 2001م( ).

الفرع الثاني : الإختصاص المكاني:
يختلف الاختصاص القضائي المكاني باختلاف صفة العقد الإلكتروني، فإذا كان هذا العقد مدينا فإن النظر في النزاع الذي يثور بشأنه ينعقد لمحكمة موطن المدعي عليه، أو مكان إقامته المؤقت وفقا لنص المادة 36 من قانون أصول المحاكمات المدنية( ).
أما إذا كان ذلك العقد تجاريا فإن النظر في النزاع الذي يثور بشأنه ينعقد لمحكمة موطن المدعي عليه، أو المحكمة التي تم في دائرتها الاتفاق وتسليم البضاعة، أو التي يقع في دائرتها المكان الذي يجب فيه الوفاء( ).
علما بأنه من غير المتصور أن ينعقد الاختصاص للمحكمة التي تم فيها الاتفاق، وعلة ذلك أن العقد الالكتروني ينعقد في مكان افتراضي محايد هو البيئة الالكترونية لشبكة الاتصالات العالمية (الانترنت)، والتي لا وجود مادي لها في مكان معين( )، ومن جهة أخرى لا يتصور أن يكون المعقود عليه في العقود الالكترونية عقارا أو حقا عينيا واردا على عقار؛ لأن المادة 6/أ/3 من قانون المعاملات الالكترونية الأردني استثنتها من أحكام هذا القانون، مما يعني أنه لا تثور مسألة عقد الاختصاص القضائي المكاني للعقد الإلكتروني استنادا إلى ضابط موقع العقار.

المطلب الثاني: العقود الالكترونية المشوبة بعنصر أجنبي:

قد يكون العنصر الأجنبي جنسية أطراف العقد، أو مكان إقامتهم، أو موطنهم، أو مكان تنفيذ العقد، ومهما كان سبب العنصر الأجنبي في العقد الالكتروني فإنه يجعل الاختصاص القضائي للمحكمة الأردنية منوطا بقواعد الاختصاص الدولي للمحاكم الأردنية المنصوص عليها في المواد من (27-29) من قانون أصول المحاكمات المدنية، ويمكن إجمال هذه القواعد فيما يلي:

الفرع الأول: الاختصاص المبني على القبول الصريح أو الضمني:
نصت على هذه الحالة الفقرة الثانية من المادة 27 من قانون أصول المحاكمات رقم 17 لسنة 2001م بقولها: “تختص المحاكم الأردنية بالفصل في الدعوى، ولو لم تكن داخلة في اختصاصها إذا قبل الخصم ولايتها صراحة أو ضمنا”.
ويفهم من هذا النص أنه لكي ينعقد الاختصاص للمحكمة الأردنية وفقا لهذه الحالة لا بد من توافر الشرطين التاليين:

الشرط الأول: ألا تكون المحكمة الأردنية مختصة بحسب الأصل، كما لو كان الأجنبي المدعي عليه في الدعوى له موطن في الأردن، أو مكان أقامه مؤقت فيها( ).

الشرط الثاني: قبول المدعي الأجنبي ولاية المحكمة الأردنية، ويكون هذا القبول إما صريحا، وإما ضمنيا، ويأخذ القبول الصريح أي شكل من أشكال التعبير القاطع الدلالة على القبول، كالكتابة أو القول، كما يحمل القبول الضمني على كل ما من شأنه استخلاص القبول كأن يمثل المدعى عليه أمام المحكمة الأردنية، أو يوكل من ينوب عنه في الدعوى دون الاعتراض على اختصاص المحكمة.

الفرع الثاني: الاختصاص في المسائل والطلبات المرتبطة في الدعوى الأصلية:
وقد نصت على هذه الحالة الفقرة الثالثة من المادة 27 من قانون أصول المحاكمات المدنية قبولها إذا رفعت للمحاكم الأردنية دعوى داخلة في اختصاصها فإنها تكون مختصة، أيضا، بالفصل في المسائل والطلبات المرتبطة بالدعوى الأصلية، وفي كل طلب يرتبط بهذه الدعوى، ويقتضي حسن سير العدالة أن ينظر فيها.
ووفقا لهذا النص فإن المحكمة الأردنية تكون مختصة إذا توافرت الشروط التالية:

الشرط الأول : أن تكون المحكمة مختصة أصلا في دعوى منظوره أمامها.
الشرط الثاني : أن يكون احد الخصوم أجنبيا ، ويعد أجنبيا كل من ليس أردنيا.
الشرط الثالث: أن تكون المسألة أو الطلب المعروض على المحكمة مرتبطا ارتباطا لا يقبل التجزئه بالدعوى المنظورة من قبلها، ويكون كذلك إذا انطبقت عليه إحدى حالات المادتين 115، 116 من قانون أصول المحاكمات المدنية( ).

الفرع الثالث :الاختصاص استنادا إلى موطن الأجنبي المختار:
تعد المحكمة الأردنية مختصة بنظر دعوى العقد الإلكتروني المرفوعة على أجنبي، إذا تضمن هذا العقد اتفاقه مع المتعاقد الآخر، على أن يكون الأردن أو أي جزء فيه موطنا مختارا لتنفيذ هذا العقد، أو بعضا من الالتزامات الواردة فيه( ).

الفرع الرابع : الاختصاص استنادا إلى ضابط المكان:
وفقا لنص الفقرة الثانية من المادة 28 من قانون أصول المحاكمات فإن المحاكم الأردنية تختص بنظر الدعوى المرفوعة على الأجنبي إذا كان موضوعها يتعلق بمال موجود في الأردن، أو بالتزام نشأ، أو نفذ فيها، أو كان واجبا تنفيذه فيها، أو كانت متعلقة بإفلاس أشهر فيها. وعلى ذلك فإن المحكمة الأردنية تعد مختصة وفقا لضابط المكان في الحالات التالية:

أولاً: إذا كان المال محل العقد الإلتكروني موجودا في الأردن:
تفترض هذه الحالة أن يكون المعقود عليه في العقد الإلكتروني موجودا في الأردن وقت رفع الدعوى، ويستوي بعد ذلك أن يكون هذا المال قد وجد بعد انعقاد العقد، أم أثنائه، أم قبله، ولما كانت العقارات والمنقولات ذات الطبيعة الخاصة لا تصلح أن تكون محلا للعقد الإلكتروني، مما يعني أن لفظ المال يجب قصره على المنقولات العادية فقط.

ثانياً: إذا كان العقد الإلكتروني قد أبرم في الأردن، أو نفذ، أو كان واجبا تنفيذه فيها.
العقد الإلكتروني يبرم بوسائل إلكترونية على شبكة الاتصالات العالمية التي لا تحتل حيزا مكانيا محسوسا، وإذا كان إبرام هذا العقد هو أشبه بإبرام العقد بواسطة الهاتف وليس مطابقا له، مما حدا بالمشرع إلى إيجاد قواعد خاصة لتحديد مكان انعقاده على النحو الذي سنرى في المبحث الثاني، فهو تحديد قانوني افتراضي اقتضته الضرورة العملية والقانونية بالنظر إلى الأهمية القصوى لمعرفة مكان انعقاد العقد كضابط يلجأ إليه في مسائل قانونية شتى، ومن بينها تحديد اختصاص المحكمة المكاني.
وعليه، فإن القول بانعقاد العقد في الأردن إنما يمكن أن يجعل الاختصاص منعقدا للمحكمة الأردنية في نظر الدعوى المتعلقة به.
أما مسألة تنفيذ العقد الإلكتروني في الأردن، أو وجوب تنفيذه فيها فلا تثير إشكالية قانونية ، حيث تعد، أيضا، المحكمة الأردنية مختصة بنظر الدعوى المتعلقة بالعقد الإلتكروني متى نفذت الالتزامات المترتبة عليه في الأردن، تنفيذا معيبا أو لم تنفذ نهائيا وهاتان الحالتان هما اللتان تجعلان المسؤولية العقدية تنهض في مواجهة المتعاقد الذي أخل بالالتزام، وتعطي للآخر مصلحة في رفع هذه الدعوى( ).

ثالثاً: إذا كان الطرف الثاني في العقد الإلكتروني أكثر من شخص:
أحدهم ذو موطن أو محل إقامة في الأردن، وتفترض هذه الحالة أن يكون الطرف الثاني عدة أشخاص متضامنين في مواجهة الطرف الآخر، ويقع الإخلال بالالتزامات المترتبة على العقد من هؤلاء، ويكون من بينتهم واحد أو أكثر له موطن أو محل إقامة في الأردن، حيث ينعقد الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن ذلك الشخص أو محل إقامته، ويكون لها محاكمتهم جميعا بقطع النظر عن موطن البقية، أو محل إقامتهم، أو جنسيتهم.

المبحث الثاني
الاختصاص التشريعي للعقد الإلكتروني

يقصد بالاختصاص التشريعي للعقد الإلكتروني التشريع المختص بحكم هذا العقد من ناحية ذلك أنه، وكما أسلفنا، فإن الطبيعة الخاصة للعقد الإلكتروني دفعت المشرع الأردني شأن غيره إلى إيجاد تشريع خاص يتفق مع تلك الطبيعة لتنظيم أحكامه، ومن ناحية أخرى فإنه يدخل في مفهوم الاختصاص التشريعي القانون الواجب التطبيق على هذا العقد متى كان مشوبا بعنصر أجنبي.

المطلب الأول : التشريع الخاص بالعقد الإلكتروني:

لم يكن المشرعِّ الأردني بمنأى عن التطور التكنولوجي الذي حدث على صعيد العلاقات الدولية بشكل عام والقانونية الإلكترونية بشكل خاص، فأصدر قانونا مؤقتا للمعاملات الإلكترونية يحمل الرقم 85 لسنة 2001م، وقد نشر على الصفحة 6010 من عدد الجريدة الرسمية رقم (4524) تاريخ 31/12/2001م. وقد نص على تسميته في المادة الأولى منه بـ (قانون المعاملات الإلكترونية لسنة 2001) وعلى سريانه بعد ثلاثة أشهر من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.
وقد أوردت المادة (2) من هذا القانون تعريفا للعقد الإلكتروني بأنه الاتفاق الذي يتم انعقاده بوسائل إلكترونية كليا أو جزئيا .
وبإمعان النظر في هذا التعريف يمكن القول إن العقد يبقى إلكترونيا حتى لو كان القبول فيه عاديا، طالما أن الإيجاب فيه تم برسالة إلكترونية، أو أن القبول برسالة إلكترونية ولو كان الإيجاب بوسيلة عادية.

والحالة التي تهمنا في هذا المقام هي عندما يكون القبول قد تم بوسيلة الكترونية وذلك لتحديد المكان الافتراضي الذي تم فيه العقد، لأن تحديد هذا المكان يبنى عليه مسائل قانونية مختلفة، إحداها القانون الذي يحكم هذا العقد.

ولعل يقين المشرع الأردني بأن هذا العقد ينعقد في بيئة الكترونية لا وجود مادي لها هو الذي حدا به إلى إرساء القاعدة القانونية الواردة في المادة 18/أ من قانون المعاملات الإلكترونية التي تنص على ما يلي:
“تعد رسالة المعلومات قد أرسلت من المكان الذي يقع فيه مقر عمل المنشئ، وأنها استلمت في المكان الذي يقع فيه مقر عمل المرسل إليه، وإذا لم يكن لأي منهما مقر عمل يعد مكان إقامته مقرا لعمله، ما لم يكن منشئ الرسالة والمرسل إليه قد اتفقا على غير ذلك “.
والإيجاب سواء كان عاديا أو ملزما( ) لا ينعقد به العقد طالما لم يقترن بقبول، وبالتالي لا تبدو أهمية هذا الموضوع إلا عند اقتران الإيجاب بالقبول.
والرسالة الإلكترونية أو رسالة المعلومات يعرفها قانون المعاملات الإلكترونية في المادة (2) منه بأنها المعلومات التي يتم إنشاؤها، أو إرسالها، أو تسلمها، أو تخزينها بوسائل الكترونية، أو بوسائل مشابهة بما في ذلك تبادل البيانات الإلكترونية، أو البريد الإلكتروني، أو البرق، أو التلكس، أو النسخ البرقي، وعلى ذلك يمكن القول إن الرسالة الإلكترونية تأخذ أحدى الصورتين:

الصورة الأولى:
الرسالة المباشرة عبر الموقع الإلكتروني يرسلها أحد العاقدين إلى الآخر برسالـة
إلكترونية مباشرة وفق ما يعرف بنظام “chat”، وهو نظام الكتروني يتقابل فيه شخصان في لقاء إلكتروني رغم الاختلاف المكاني لكليهما( ). ورغم ذلك الالتقاء والحوار الإلكتروني الدائر بينهما لا يمكن إعتبارهما في مجلس واحد؛ لأن ذلك يخالف القواعد العامة التي تعد مجلس العقد هو الحيز المكاني الذي يجتمع فيه المتعاقدان بصورة حقيقية وهذه الحقيقة، هي التي كانت وراء وضع قواعد خاصة يحدد على أساسها مكان انعقاد العقد الإلكتروني، لا سيما وأن هذا العقد صورة من صور التعاقد بين غائبين، وبالرجوع على المادة (101) من القانون المدني نجدها تنص على أنه:
“إذا كان المتعاقدان لا يضمهما حين العقد مجلس واحد يعد التعاقد قد تم في المكان وفي الزمان اللذين صدر فيهما القبول ما لم يوجد اتفاق أو نص قانوني يقضي بغير ذلك”.

الصورة الثانية: الرسالة الإلكترونية غير المباشرة:
وهي التي ترسل وتستقبل بواسطة البريد الإلكتروني، وهو بريد يتم إنشاؤه على شبكة الاتصالات العالمية للشخص، ويمكن الوصول إليه من خلال عنوان إلكتروني محدد، فإذا أرسلت رسالة إلكترونية إلى ذلك العنوان بقيت في الصندوق الخاص بذلك البريد إلى أن يتم تصفحها من قبل المعني بعد فتحه بكلمة المرور الخاصة به، ويستطيع فعل ذلك من أي مكان في العالم، فهذه المقدرة غير مرتبطة بمكان إقامته أو موطنه( ).
وفي الصورتين إذا حملت رسالة المعلومات إيجابا على محل مشروع تتوافر فيه شرائط القانون للمحل( ) فقام من تلقاها بإنشاء رسالة إلكترونية تفيد معنى القبول فعندئذ يكون العقد قد انعقد إلكترونيا، ويبقى السؤال فقط هو أين تم العقد الإلكتروني؟ وهو ما سنجيب عليه في الفرعيين التاليين:

الفرع الأول: معيار مقر العمل:
افترض المشرِّع أن الرسالة الإلكترونية أينما أرسلها المرسل وكأنه أرسلها من مقر عمله، وأينما تسلمها المرسل إليه كأنه تسلمها في مقر عمله. فلو فرضنا أن مقر عمله في عمان، بينما فتح بريده الإلكتروني وهو في إسبانيا، ووجد فيه رسالة إلكترونية تحمل إيجابا فوافقه بقبول أدرجة في رسالة إلكترونية بعثها إلى البريد الإلكتروني للموجب، ففي هذه الحالة لا يكون العقد منعقدا في إسبانيا باعتبارها الحيز المكاني الذي تم فيه القبول وإنما في عمان باعتبارها المكان الذي يوجد في مقر عمل القابل فيه، وهكذا فإن قراءة نص المادة (101) من القانون المدني والتي تعد مكان إنعقاد العقد بين غائبين هو مكان صدور القبول مع المادة (18) لقانون المعاملات الإلكترونية التي تعد الرسالة الإلكترونية أنها قد أرسلت من المكان الذي يوجد فيه من مقر عمل المرسل وإلا فمن مكان إقامته، فإن مؤدى هذه القراءة هي القول بأن الرسالة الإلكترونية التي يرسلها القابل، ويعبر بها عن قبوله تجعل العقد منعقدا في المكان الذي يوجد فيه مقر علمه وفي حالة عدم وجوده فمكان إقامته، وتوضيحا لذلك يمكن القول إن المكان الذي صدر منه القبول بوسيلة الكترونية وفقا لنص المادة (18) من قانون المعاملات الإلكترونية ليس الحيز المكاني المادي الذي يوجد فيه القابل، وإنما المكان الذي يوجد فيه مقر عمله أو مكان إقامته، فنظرا لأن العقد ينعقد في الفضاء الإلكتروني، وهو ما لا يعد مكانا ماديا بالمعنى القانوني، وبالتالي لا يصلح ضابطا لتحديد الاختصاصين القضائي أو التشريعي، ومن ناحية أخرى فإن المكان أو الحيز المادي الذي يوجد في القابل وقت إصداره القبول إلكترونيا ونظرا لعدم وجود أي صلة بينه وبين العقد مثلما هو الحال في مثالنا السابق فإن المشرع الأردني عد حكما أن القبول الإلكتروني صادر في المكان الذي يوجد فيه مقر عمله، فإن لم يوجد له مقر عمل فمكان إقامته.

ولما كانت الرسالة الالكترونية يتم تسلمها عمليا في لحظة إصدارها فان مؤدى ذلك أن لا توجد أهمية عملية أو قانونية للتفرقة بين مسالة إصدار القبول أو تسلمه، وذلك لغايات التعويل على أيهما لتحديد زمان انعقاد العقد الالكتروني ، وعلى أية حال فان ما يهمنا لتحديد الاختصاص التشريعي والقضائي للعقد الالكتروني ليس معرفة زمان الانعقاد وإنما مكان ذلك الانعقاد، إذ إن مكان انعقاد هذا العقد يجب أن يحمل حكما على انه مكان عمل القابل فان لم يوجد فمكان إقامته.

وإذا كان للمرسل أو المرسل إليه أكثر من مقر عمل اعتد بمقر العمل ذي الصلـة
بموضوع العقد وفقا لنص الفقرة (ب) من المادة (18) من قانون المعاملات الإلكترونية.

الفرع الثاني: معيار مكان الإقامة:
تحسبا لعدم وجود مقر عمل، سواء لمرسل الرسالة الإلكترونية أم لمتسلمها، كما هو الحال عندما يكون أي من هؤلاء شخصا عاديا وليس تاجرا له مقر لممارسته أعماله، فقد وضع المشرع معيارا أخر هو مكان الإقامة كضابط احتياطي لا يلجأ إليه إلا في غياب الضابط الأول، حيث تعد عندئذ الرسالة الإلكترونية قد أرسلت من مكان إقامة المرسل الذي ليس له مقر عمل، وأنها استلمت في المكان الذي يقيم فيه المرسل إليه الذي ليس له مقر عمل.
وبالتالي يكون العقد الإلكتروني منعقدا في مكان إقامة القابل الذي بعث بقبوله الإلكتروني إلى الموجب، حتى وإن بعث هذا القبول وقت تواجده العرضي في دولة أخرى غير تلك التي يوجد فيها مكان إقامته.

الفرع الثالث: معيار إرادة الأطراف:
أعطى المشرِّع الأردني أهمية كبرى لإرادة الأطراف للاتفاق على مكان معين باعتباره المكان الذي أرسلت منه الرسالة الإلكترونية أو استلمت فيه، وبالتالي اعتباره مكان انعقاد العقد الإلكتروني، فإذا اتفق الموجب والذي يوجد مقر عمله في تركيا مع القابل والذي يوجد مقر عمله في لبنان على اعتبار الأردن مكانا لانعقاد العقد الإلكتروني، فإن مفاعيل هذا الإتفاق تسري على ذلك العقد بكل آثارها القانونية، ويعد هذا المعيار هو الأولى بالتطبيق في حال وجوده، فإذا لم يتفق المتعاقدان عليه يصار إلى تطبيق معيار مقر العمل، وإلا فمكان الإقامة وفقا لهذا التدرج.

المطلب الثاني: القانون الواجب التطبيق على العقد الإلكتروني:

إذا كان العقد الإلكتروني مشوبا بعنصر أجنبي فإن ذلك يفرض على القاضي الأردني الذي ينظـر الدعوى مباشرة أن يستشير قواعـد الإسناد الخاصة بالعقـود، وذلك لمعرفة القانون الواجب التطبيق على موضوع الدعوى.
وما يهمنا من قواعد الإسناد الأردنية هي القاعدة التي تتعلق بالالتزامات التعاقدية من حيث موضوعها دون شكلها؛ لأنه سبق وأن أشرنا أن العقود الإلكترونية وفقا لقانون المعاملات الإلكترونية لا تنعقد في الحالات التي يتطلب فيها القانون شكلا معينا تجب مراعاته، وبالتالي لن يتم التعرض لقاعدة الإسناد الواردة في المادة (21) من القانون المدني، وهي التي تختص بتحديد القانون الذي يحكم شكل العقد فتجعل من الممكن سريان قانون البلد الذي تم فيه العقد، أو القانون الذي ينطبق على الأحكام الموضوعية للعقد، أو قانون موطن المتعاقدين أو قانون جنسيتهما( ).

وهدفنا من الرجوع إلى قواعد الإسناد الأردنية الخاصة بالعقود هي معرفة مدى إمكان أعمالها في مجال العقود الإلكترونية لا سيما وأن أحد ضوابط الإسناد في تلك القاعدة هو مكان انعقاد العقد، وهو الذي أشرنا سابقا إليه في مجال العقود الإلكترونية فهو مكان وهمي افتراضي، فهو البيئة الإلكترونية التي تتكون من شبكة الاتصالات العالمية (الإنترنت) والتي لا مكان لها محسوس أو مادي، وتنص المادة (20/1) من القانون الأردني على ما يلي: يسري على الالتزامات التعاقدية:

1. يسري على الالتزامات التعاقدية قانون الدولة التي يوجد فيها الموطن المشترك للمتعاقدين إذا اتحدا موطنا، فإن اختلفا سرى قانون الدولة التي تم فيها العقد. هذا ما لم يتفق المتعاقدان على غير ذلك.
2. على أن قانون موقع العقار هو الذي يسري على العقود التي أبرمت في شأن هذا العقار، يلاحظ من هذه المادة أن المشرع قد وضع ثلاثة ضوابط للإسناد( ).
وقد أدرجها في نص المادة المذكورة على سبيل التدرج لا على سبيل التخيير، بمعنى أنه يلزم أعمال ضابط الإسناد الأولى، فإذا لم يوجد فيعمل بالتالي، وهكذا. وسوف نقسم هذا المطلب إلى ثلاثة فروع: ندرس خلالها ضوابط الإسناد المذكورة على سبيل التدرج وفقا لذات المنهج الذي اتبعه المشرِّع الأردني.

الفرع الأول: ضابط إرادة المتعاقدين:
إذا اتفق المتعاقدان، سواء بمقتضى شرط من شروط العقد أو انفاق مستقل عن العقد
الأصلي على تطبيق قانون معين على العقد الإلكتروني، فإن مؤدى هذا الاتفاق هو جعل القانون المتفق عليه هو الواجب التطبيق على ذلك العقد، ويرى جانب من الفقه( ) أنه لا بد لأعمال هذا الضابط من أن يكون حد أدنى من الإرتباط بين القانون المتفق عليه بإرادة الأطراف والعقد الذي يربطهما ويراد تطبيق ذلك القانون عليه.
ولكننا لا نصل إلى هذه النتيجة بمجرد أن نعمل القاعدة القائلة بأن المطلق يجرى على إطلاقه، وبالتالي فإن لطرفي العقد الاتفاق بإرادتيهما على قانون معين لحكمه، ويصبح على القاضي وجوب الأخذ به وتطبيقه، ولا يعفيه من ذلك سوى ثبوت حالة مخالفة ذلك القانون للنظام العام في دولته.

والنظام العام مجموعة المبادئ الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في دولة القاضي، والتي تجب حمايتها ويعد القاضي هو الحارس على النظام العام في دولته( ).

وتطبيقا لذلك، لو وجد القاضي الأردني أن القانون الواجب التطبيق على العقد الإلكتروني يسمح بانعقاد هذا العقد رضائيا ولو كان محله عقارا أو غيره من الأموال التي لا يسمح قانون المعاملات الإلكترونية الأردني بانعقادها على هذا النحو، فإن ذلك القانون يعد مخالفا للنظام العام الأردني لما فيه من اختلاف كبير في الأحكام تؤثر على النظام الاقتصادي الأردني، ويكون له في هذه الحالة استبعاد ذلك القانون من التطبيق سندا لنص المادة (29)( ) من القانون المدني، ويترتب على هذا الاستبعاد نتيجة قانونية منطقية مؤداها تطبيق القانون الأردني على النزاع بدل القانون الأجنبي المستبعد لمخالفته النظام العام( ).

الفرع الثاني: ضابط الموطن المشترك للمتعاقدين:
إذا كان كلا المتعاقدين في العقد الإلكتروني ينتميان إلى موطن واحد فإن قانون هذا الموطن هو الواجب التطبيق على العقد الإلكتروني المشتمل على عنصر أجنبي كأن تكون جنسية أحدهما مختلفة عن جنسية الآخر .
ويلاحظ أن المشرِّع قد أقام وزنا للموطن في هذه الحالة دون الاعتداد بالجنسية، ولعل في ذلك جانباً كبيراً من المنطق، ذلك أن الأشخاص الذين ينتمون إلى موطن واحد إنما يخضعون إلى كل ما يشتمل عليه بما في ذلك البيئة التشريعية التي تسود فيه، وهم على دراية واطلاع بمكونات هذه البيئة وعناصرها، فيصبح من المستساغ أن يخضع العقد الذي أبرماه لقانون موطنهما المشترك شريطة ألا تكون إرادتهما قد اتجهت إلى تطبيق قانون آخر، وعلة ذلك أن ضابط الموطن المشترك لا يمكن إعماله إلا عند غياب ضابط الإرادة.

وما قيل في شأن استبعاد قانون الإرادة يقال في شأن استبعاد قانون الموطن المشترك للمتعاقدين، فلا يصح للقاضي استبعاده من التطبيق ما لم يكن مخالفا للنظام العام، وهناك حالة أخرى يمكن أن تنهض في هذا الفرض ويستبعد بالتالي قانون ذلك الموطن وتتمثل في حالة الغش نحو القانون.

وإن كانت هذه الحالة من الناحية العملية غير ذات جدوى، فهي من الناحية النظرية ممكنة، فلو أن أحد العاقدين في العقد الإلكتروني قد عمد إلى تغيير موطنه ليصبح هو ذاته موطن المتعاقد الآخر تمهيدا إلى تطبيق قانون الموطن المشترك على العقد لتحقق بذلك شرطا الغش نحو القانون، وهما: الشرط المادي المتمثل بالتغيير الإرادي لضابط الإسناد، والشرط المعنوي المتمثل بنية التهرب من أحكام قانون معرفة معين الاستفادة من أحكام قانون آخر.
ونتيجة هذا الغش تتمثل في استبعاد تطبيق القانون الذي تم الغش أو الاحتيال لأجل تطبيقه ومن ثم تطبيق، القانون الذي تم الغش لأجل استعباده.
وقد قلنا بأن هذه الحالة من الناحية العملية غير ذات جدوى ذلك أن المتعاقدين يستطيعان أعمال ضابط الإرادة، واختيار قانون موطن أحدهما إذا كان يحقق المصالح التي يريدان تحقيقها.

الفرع الثالث: ضابط المكان:
وفقا لنص المادة (20) من القانون المدني فإن على القاضي في حال غياب الضابطين سابقي الذكر أن يعمل الضابط الأخير، وهو ضابط مكان إبرام العقد.
وتبدو لنا المشكلة بوضوح بمجرد أن ندرك أن هذا المكان وهمي وافتراضي، فهو الفضاء الإلكتروني الذي لا يحتل حيزا مكانيا معينا، وهو ما دفع المشرِّع الأردني، على نحو ما سبق أن أشرنا، إلى وضع معيار يحدد على أساسه مكان انعقاد ذلك العقد بصورة افتراضية.

ولما كان العقد الإلكتروني ينعقد مثل غيره بتطابق القبول مع الإيجاب، فإن ذلك يعني أن صدور القبول بمقتضى رسالة إلكترونية ممن وجه إليه الإيجاب يجعل العقد منعقدا، أما مكان انعقاده فهو ليس مكان صدور القبول وإنما المكان الذي يوجد فيه مقر عمل القابل، وفي حالة عدم وجود مقر عمل له فمكان إقامته ، وإذا كان له أكثر من مقر عمل فيعتد بمقر العمل الذي يكون أكثر ارتباطا بالعقد الإلكتروني الذي يشتمل على عنصر أجنبي.

ففي حال غياب ضابطي الإرادة والموطن المشترك فإن أعمال ضابط المكان مؤداه تطبيق قانون مقر عمل القابل وإلا فقانون مكان إقامته باعتباره قانون المكان الذي تم فيه العقد وفقا لأحكام قانون المعاملات الإلكترونية الأردني.
وزيادة في التوضيح ولإثبات صحة العلاقة بين المادة 101 من القانون المدني والمادة 18 من قانون المعاملات الالكترونية نضرب مثالا، فلو أن (س) مقيم في عمان ومقر عمله في الكويت، بينما (ص) مقيم في مصر ومقر عمله في أسبانيا، وقام هذا الأخير وهو في الصين بإعداد رسالة الكترونية تتضمن إيجابا، وأعطى أمرا الكترونيا للحاسب الآلي بإرسالها إلى (س) فانه يكون قد أرسلها حكما من مقر عمله وهو اسبانيا، ويكون (س) قد تسلمها حكما في الكويت، وإن تصفحها ورد عليها وهو في الهند بواسطة بريده الالكتروني.

وعليه، يكون مكان انعقاد العقد هو المكان الحكمي للقبول وهو الكويت وليس المكان الذي يوجد فيه (س) حقيقة وهو الهند، وعلة ذلك انه لا يعتد بالحيز المكاني الفعلي في تحديد مكان الانعقاد؛ لأن العقد الالكتروني ينعقد في البيئة الالكترونية (الانترنت) ولا يتجاوزها إلى الارتباط بالمكان الذي يوجد فبه أي من أطرافه، وقد ترتب على ذلك عدم اعتداد المشـرع بالحيز المكاني بجعله ضابطا لتحديـد مكان انعقاد العقـد واعتداده بالمكان الحكمي للانعقاد وهو مقر عمل القابل فإن لم يوجد فمكان أقامته.

الخاتمـة:

لعلَّ أهم ما يمكن قوله في نتيجة هذا البحث هو أن العقود الإلكترونية تتسم بسمة خاصة في طريقة الانعقاد، وليس في محل هذه العقود الذي قد لا يختلف نهائيا عن العقود العادية، أما النتائج الخاصة التي تم التوصل إليها فإنها تتمثل في ما يلي:
أولاً: العقود الإلكترونية لا يمكن إخضاع انعقادها للقواعد العامة في القوانين ذلك أنها وإن كانت تعاقد بين غائبين لعدم وجود المتعاقدين في مجلس واحد، فإن تطبيق قاعدة مكان انعقاد العقد بين غائبين غير ممكنة والتي تقضي باعتبار العقد منعقدا في مكان صدور القبول، فمؤدى ذلك هو عدم وجود قانون يسود ذلك المكان؛ لأنه مكان افتراضي وهو الإنترنت .
ثانياً: لا يعدُّ المكان الذي يتواجد فيه المتعاقد الذي صدر منه القبول الكترونيا هو مكان إبرام العقد، وإنما مقر عمله، فإن لم يوجد فمكان إقامته، وعلة ذلك انعدام الصلة بين ذلك المكان الذي قد يتواجد فيه المتعاقد بصورة عرضية وموضوع العقد الإلكتروني مما جعل المشرِّع يدّ حكما أن القبول الإلكتروني صدر في مقر عمله أو في مكان إقامته نظرا لوجود قدر من التركيز القانوني والصلة الوثقى بين مقر العمل أو مكان الإقامة من ناحية، وموضوع العقد الإلكتروني من ناحية ثانية .
ثالثاً: ينبني على النتيجتين السابقتين أنه إذا كان ضابط المكان هو المتبع لتحديد اختصاص المحكمة أو القانون الواجب التطبيق، فإن ذلك المكان يجب أن يفهم على أنه مكان مقر عمل المتعاقد الذي صدر منه القبول، أو مكان إقامته عند عدم وجود مقر عمل له.
رابعاً: لا تعدُّ المادة 18 من قانون المعاملات الإلكترونية رقم 85 لسنة 2001م لاغية لنص المادة (101) من القانون المدني أو مناقضة لها، وإنما يجب إعمال النصين في آن معا للوصول إلى النتائج السابقة الذكر.