مقال قانوني هام عن الفصل التعسفي بسبب التقدم في السن

الاستاذ عطا المناصير – قانون العمل الأردني الحالي رقم 8 لسنة 1996 وتعديلاته لم يتضمن نصا على تحديد سن التقاعد للعامل أو حد أقصى لمدة وعقد العمل المبرم بين العامل ورب العمل، وعلى اعتبار أن قانون العمل من القوانين العربية المتقدمة في إنصاف العامل وإعطائه حقه كاملا ًفي مواجهة رب العمل بالنظر إلى أن العامل هو العنصر الضعيف في معادلة عقد العمل بين الفريقين ،

ولكن خلو القانون من نص على انتهاء مدة عمل العامل بعد بلوغه سنا معينا يعتبر – بتقديري – نقصا في التشريع لا بد من سده وتحديد سن يتفق عليه طرفي المعادلة العامل ورب العمل بتحديد سن معين للإنهاء وهي سن الستين التي أصبح متعارفا عليها ، وقد أخذت بها كثير من القوانين العالمية عامة والعربية والإسلامية خاصة إذ لا يعقل أن يستمر العامل بالعمل إلي ما لا نهاية يرزح تحت عناء العمل المستمر حتى الموت.

ينص قانون الضمان الاجتماعي الحالي على ” يستحق المؤمن عليه راتب تقاعد الشيخوخة عند إكماله سن الستين والمؤمن عليها عند إكمالها سن الخامسة والخمسين ….” ( مادة 41)

كما جاء النص على اعتبار إنهاء الخدمات لبلوغ الستين في المواد ( 166, 172) من نظام الخدمة المدنية رقم 30 لسنة 2007 وتعديلاته والمطبق على كافة موظفي الحكومة .

استقر الفقه القانوني على الاعتراف لصاحب العمل في تحديد سن التقاعد للعمال تأسيسا على سلطته في إدارة شركته أو مؤسسته وتنظيم العمل بموجب نظام يصدر لهذه الغاية مصدق عليه من قبل وزير العمل كما تشترط المادة 55 من قانون العمل , وينص النظام على تحديد سن لانتهاء الخدمات بستين سنه يخضع بعدها العامل للتقاعد حسب أحكام قانون الضمان الاجتماعي .
بناء على مطالبات قضائية من قبل بعض العمال عند انتهاء خدماتهم من أرباب العمل فقد تم إقامة دعاوى كثيرة للمطالبة ببدل الفصل التعسفي سندا للمادة (25) من قانون العمل على اعتبار أن إنهاء خدمات العامل لبلوغ الستين يعد من قبيل الفصل التعسفي وقد صدر العديد من الأحكام لبعض العمال في حين تم رد العديد من الدعاوى باعتبار أن إنهاء الخدمات لبلوغ الستين لا يعتبر فصلا تعسفيا .

وقد نحت محكمة التميز منحيين في هذا الاتجاه الأول : يرى أحقية العامل الذي تم إنهاء خدماته لبلوغ الستين من العمر بالمطالبة بالتعويض عن الفصل التعسفي بموجب أحكام لأحكام المادة (25) من قانون العمل والحصول على تعويض بدل فصل تعسفي من 3- 6 اشهر حسب راتبه الأخير الذي تقاضاه، وقد جاء في قرار محكمة التمييز (وحيث أن المستفاد من نص المادة (28) من قانون العمل رقم 8 لسنة 1996 أن فصل العامل من عمله يكون مبررا في أي حاله من الحالات التي عددتها المادة المذكورة فإذا ما وقع بغير حالة من هذه الحالات التي نص عليها القانون كان الفصل تعسفيا … وحيث أن المميزة قامت بفصل المميز ضده لبلوغه الستين من عمره وحيث أن هذه الحالة لم ترد ضمن الحالات التي حددها القانون على سبيل الحصر مبررا لفصل العامل فيكون فصل المدعي استنادا لبلوغه الستين من عمره فصلاً تعسفيا وغير مبرر ” قرار الهيئة العامة 3038/2002 تاريخ 15/4/2003 LawJO .

الثاني : والذي يرى أن إنهاء خدمات العامل لبلوغ الستين سنه من العمر لا يعتبر فصلا تعسفيا كما جاء في القـــرار رقم 1158/2004 الذي جاء فيه ” وبالرغم من ذلك فأنه لم يرد فيه أي نص يحظر على الجهة المدعى عليها إنهاء خدمة أي موظف قبل بلوغ سن الستين وعليه فإن مطالبة المدعية ببدل أجورها حتى بلوغها الستين من عمرها تستحق الرد لعدم استنادها إلى أساس من الواقع والقانون .

وبين هذين الرأيين فقد صدر القرار رقم 3282/2008 تاريخ 23/8/2009 وهو آخر اجتهاد لمحكمة التمييز الموقرة يعتبر أن الفصل لبلوغ الستين سنه لا يعتبر فصلا تعسفيا …”

ذلك أن الإنهاء لبلوغ الستين يكون مبرراً وصحيحاً سندا للمادة 41 من قانون الضمان الاجتماعي التي حددت سن التقاعد وإنهاء الخدمات للعامل بستين سنه للذكر و55 سنة للأنثى.

ومن الجدير ذكره أن عقد العمل من العقود الملزمة للجانبين وأن من مقتضى العدالة وحسب أحكام العقد بأن يتم تحديد مدة معينه ينتهي فيها التزام طرفيه : العامل ورب العمل، وقد درج العرف والقانون على اعتبارها (60) سنة فإن ما ينبني على ذلك أن لا يكون للعامل الحق في المطالبة بأي تعويض كان بعد إبراء ذمة رب العمل والحصول على المخالصة بأخذ كافة حقوقه التي حددها القانون، اللهم الا إذا تضمن العقد موافقة الطرفين على زيادة المدة أكثر من ذلك.
كما تجدر الإشارة إلي أن القانون المدني وفي معرض تحديده لعقد العمل محدد المدة وغير محدد المدة نص على أن مدة العقد تكون خمس سنوات فإذا عقد لمدة أطول ردت إلى خمس مما يعنى أن لا تطول مدة العمل إلى ما لا نهاية.المادة 806/2 مدني.

وحيث إن الاجتهاد السديد من محكمة التمييز في قرارها رقم (3282/2008 قد فصل الأمر وأصبح الأمر بموجبه واضحاً للطرفين بعد أن تم وضع النقاط على الحروف خاصة إذا ما نظرنا باستقراء للمادة (25) من القانون التي اشترطت توفر التعسف من جانب رب العمل في استخدام حقه في الإنهاء، وهذا يكون غير متوفر عند الإنهاء لبلوغ السن القانونية 60 سنة.
واخيرا فإذا كانت مسألة التعسف من عدمه في إنهاء خدمة العامل من المسائل الواقعية لا القانونية حسب نص المادة (25 ) من القانون فإنها تستخلص من قبل المحكمة بما لها من صلاحيات في تقدير ووزن البينه وأن من المسائل الواقعية بان العرف والعادة والقوانين والأنظمة الأخرى درجت على أن مدة الخدمة للعامل هي ستين سنه ليس إلا.

منقول