الدعاوى والمسؤولية في المحررات الالكترونية

رغم الحماية التشريعية للمحررات الالكترونية أثناء إنشائها، فإن ذلك لا يكفي للقول بأنها محصنة تحصينا كاملا، لأن مسألة اختراق النظم المعلوماتية التي تحميها واردة بشكل كبير، مما يجعل تزويرها وتحريفها وارد كذلك، وربما بدون أي أثر يذكر، مما يثير مسألة مدى إمكانية الطعن فيها وفي مضمونها وتوقيعها؟.

لذلك كان من الضروري أن يتدخل المشرع ثانية لحماية المتعاملين في الميدان الإلكتروني، خصوصا فيما يتعلق بحالات الزور وحالات تنازع المحررات الورقية والالكترونية، لأنها تمثل تهديدا كبيرا لحجيتها في الإثبات، من هنا نتساءل عن مدى إمكانية تطبيق القواعد العامة المتعلقة بدعاوى الزور، وعن المعالجة التشريعية للإشكال المتعلق بالتنازع القضائي بين المحررات ذات الدعامات المختلفة؟.

وقد يحدث أن يقوم أحد الأطراف المتدخلة في المعاملات الإلكترونية أن يخل بمصداقية المحررات الإلكترونية وبحجيتها، ويحدث بذلك الفعل ضررا سواء بالنسبة للطرف الآخر أو للغير، وبالتالي البحث عن طريقة لتعويض المضرور من هذا الفعل، ولن يتأتى ذلك إلا بإقرار تشريعي لمسؤولية هؤلاء، ومن تم بات التساؤل مشروعا عن مدى صلاحية القواعد التقليدية للمسؤولية المدنية للتطبيق في هذا المجال؟ أم أنه لا بد من إقرار مسؤولية خاصة؟.

من هنا تتضح معالم دراستنا في هذا المبحث، حيث سنقسمه إلى مطلبين، حيث سنبحث في الدعاوى المرتبطة بالمحررات الإلكترونية (المطلب الأول)، ثم نتطرق للمسؤولية المدنية عن المحررات الإلكترونية (المطلب الثاني).

المطلب الأول: الدعاوى المرتبطة بالمحررات الإلكترونية

إن الاعتماد على المحررات الإلكترونية في ميدان المعاملات والتصرفات القانونية الإلكترونية، يثير العديد من الإشكاليات المتعلقة بالتنازع بين المحررات ذات الدعامات المختلفة – إلكترونية و ورقية- والتي يتقدم بها الخصوم أمام القضاء في إثبات تصرف أو حق معين، يكون مضمونهما متعارض، أو أن إحداها رسمية وأخرى عرفية، وغيرها من الحالات.

أضف إلى ذلك الطعون والدعاوى التي يتقدم بها الأطراف ضد المحررات الإلكترونية، وادعاء الزور فيها بغية نقض حجيتها القانونية في الإثبات.
فكيف يمكن للقاضي البت في هذه النزاعات والدعاوى؟ وما هي المقتضيات التي نص عليها المشرع في هذا الإطار؟.

لذلك سوف نقسم هذا المطلب إلى فقرتين، نتناول التعارض بين المحررات الالكترونية والورقية في (الفقرة الأولى)، ثم نبحث في دعاوى الزور المدنية في المحررات الإلكترونية في (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: التعارض بين المحررات الالكترونية والورقية

بعد أن أعطت التشريعات في أغلب دول العالم الحجية للمحررات الإلكترونية، مساواة لها مع المحررات الورقية، وبدون أي هرمية بين هذه الأدلة، حيث أن الكتابة تبقى كتابة ولو تم تخزينها أو إرسالها إلكترونيا، المهم أن تكون ملموسة وقابلة للاطلاع عليها.

إذا كان الأمر كذلك فما الحل عندما يقدم أحد الخصوم أمام القضاء محرر ورقي، ويقدم الآخر محرر إلكتروني وكلاهما متضارب مع الآخر؟ ، أو أن كلا الخصمين يقدمان محررات إلكترونية وتكون متعارضة؟، أي كيف يرجح القاضي بين هذه الحجج المتعارضة؟ وكيف تعامل المشرع مع هذه الإشكالية؟.
سنبحث في هذه الفقرة إذن عن موقف المشرع من مسألة التعارض بين المحررات (أولا)، ثم نتطرق لضوابط الترجيح بين المحررات (ثانيا).

أولا: موقف المشرع من مسألة التعارض بين الأدلة الكتابية:

من خلال الاطلاع على تشريعات بعض الدول التي نظمت المعاملات الإلكترونية، نجد أن منها من لم يتعرض لحل هذه المسألة رغم أهميتها، والبعض الآخر وضع قاعدة قانونية عامة بخصوصها.
فالمشرع الفرنسي في الفصل 2-1316 من ق.م نص على أنه ” عندما لا يكون هناك نص أو اتفاق بين الأطراف يحدد أسسا أخرى، فإن على القاضي الفصل في التعارض القائم بين الأدلة الكتابية، بترجيح السند الأقرب إلى الاحتمال بكل الوسائل المتوفرة لديه مهما كانت الدعامة المستعملة”.

فمن خلال هذا الفصل يتضح أن المشرع منح القاضي سلطة تقديرية واسعة في الترجيح بين المحررات مهما كانت دعامتها، وبكافة الطرق والوسائل المتوفرة لديه ، ليصل في الأخير إلى المحرر الذي يراه أقرب إلى الحقيقة .

وقيد هذه السلطة في حالة وجود اتفاق بين الأطراف يرجح أحد المحررات على الأخرى، بعبارة أخرى إذا اتفق أطراف العلاقة التعاقدية على ترجيح سند معين ليكون دليل إثبات على معاملتهم، فإن القاضي في هذه الحالة سيصرف النظر عن المحررات الأخرى وينظر في المحرر الذي اتفق عليه الأطراف.

فالمشرع الفرنسي اعترف بصلاحية الاتفاقات المعدلة للإثبات من جهة، وحذف أي تسلسل هرمي بين الأدلة الإلكترونية والأدلة الورقية .

ولا يعني هذا الأخذ به كحل وإنما يبحث فيما إذا كان صالحا للإثبات أصلا أم لا، وكذلك الحال عند وجود نص قانوني، كالحالات التي لا يسمح فيها باستخدام المحررات الإلكترونية كما رأينا، فهنا إذا ما قدمت أمام القاضي حجتان الأولى ورقية والثانية إلكترونية فإنه لن يأخذ بالمحرر الإلكتروني وسيعتبره في حكم العدم لأن حجيته القانونية منعدمة في هذه الحالة.

المشرع المغربي لم يكن غائبا عن هذا الجدال، واتبع خطى نظيره الفرنسي، آخذا بالحل الذي أقره في هذه الحالة، تاركا هو الآخر للقاضي السلطة التقديرية عند عدم وجود اتفاق أو نص قانوني يعطي الحجية لنوع معين من المحررات، للبحث عن المحرر الأقرب إلى الحقيقة والصواب لحسم النزاع، ولا يتمتع بأي سلطة تقديرية في التمييز بين هذه المحررات من حيث دعامتها، ولا يرجح بين الحجج المتنازعة اعتمادا على شكلها أو وسيلة حفظها ، وإنما عليه النظر إليها بعين المساواة كمبدأ.

ولا يمكن الاستهانة بهذه المنازعات في الواقع العملي، إلا عند وجود اتفاق أو نص قانوني يحسم في المسألة، وإن كان هذا المقتضى الذي جاء به المشرع ما هو إلا تأكيد على تنصيصه على المساواة في الحجية بين الأدلة الإلكترونية والورقية.

إذ أنه في نظري لم يكن من داع أصلا للتنصيص على هذه المقتضى وما هو إلا تكرار فقط، لأنه مادامت المحررات الإلكترونية تتمتع بنفس الحجية القانونية التي للمحررات الورقية، بل أبعد من ذلك لا تمييز بينها من حيث دعامتها، فكلاهما أدلة كتابية، فالقاضي بطبيعة الحال عندما سنتعرض عليه قضايا من هذا القبيل سيفصل فيها ويبحث عن الدليل الأقرب إلى الصحة مهما كانت دعامته، ويحترم أيضا الاستثناءات المقررة بموجب القانون والتي تمنع الأخذ بالمحررات الإلكترونية.

ثانيا: ضوابط الترجيح بين المحررات:

إن المساواة التشريعية بين المحررات الكتابية بغض النظر عن دعامتها، يستدعي البحث عن المحررات التي تكون في نفس مرتبة الأخرى، فالمحررات الكتابية كأدلة إثبات كاملة من الناحية القانونية، يتوجب أن تكون مستجمعة للشروط القانونية.
فلا يتصور التكافؤ بين الأدلة الكتابية المقدمة أمام القضاء إلا إذا كانت تتوفر على شروط الأدلة المعدة للإثبات ، فانعدام التوقيع مثلا يؤدي إلى استبعاد الدليل والأخذ بالذي يتوفر على توقيع، والمحررات الرسمية يشترط صدورها عن موظف عمومي أو وضع التوقيع الإلكتروني أمام الموظف العمومي المكلف بالتوثيق .

فالمحررات الإلكترونية ينبغي أن تتوفر على الشروط القانونية التي تضفي عليها الحجية، من إتاحة التعرف على الشخص الذي صدرت عنه وأن تكون معدة ومحفوظة وفق شروط تضمن سلامتها ووحدتها ، هذا بخصوص المحرر العرفي الإلكتروني، أما المحرر الإلكتروني الرسمي فيجب إضافة إلى ذلك وضع التوقيع عليه أمام موظف عمومي مكلف بالتوثيق.

وعليه إذا ما قدم أمام القاضي في نازلة معينة محرر ورقي وآخر إلكتروني وفي مرتبة قانونية واحدة – عرفيان أو رسميان-، فإن القاضي بطبيعة الحال سيقوم بمحاولة الجمع بينهما بالنظر لكونهما تدلان على حق معين ، أما إذا تعذر ذلك فهنا لا خيار أمامه إلا اللجوء إلى قواعد الترجيح المعمول بها في الفقه الإسلامي ، وإذا تعذر ترجيح الواحدة على الأخرى بأي طريقة من الطرق، حكم القاضي بسقوط الحجتين معا.

وتطبيقا لذلك فإذا ما عرضت على القاضي في نزاع معين حجتان إلكترونيتان الأولى رسمية والأخرى عرفية غير معترف بها، فإن القاضي سيرجح الأولى بالنظر لقوتها الإثباتية، بطبيعة الحال نحن هنا نتحدث عن الوثيقة الرسمية التي تكون متوفرة على شروطها القانونية.

ونفس الشيء عندما يقدم محرر إلكتروني رسمي ومحرر ورقي عرفي، كذلك فالمحررات غير الموقعة تكون لها نفس قيمة الكتابة الورقية غير الموقعة، وهي مجرد قرينة بسيطة متروكة لتقدير القاضي وقد يعتبرها بداية حجة كتابية .

وهناك من قال بأن القاضي عندما تعرض عليه في نازلة أو قضية معينة وثائق غير متكافئة من حيث الحجية، فإن القاضي سيرجح الورقة الرسمية على الورقة الإلكترونية.

هذا القول في نظري تنقصه الدقة، لأنه يتنافى وما أقره المشرع حيث جعل من المحرر الإلكتروني وثيقة رسمية عندما يوضع التوقيع عليها أمام موثق.

وبالتالي فهذا الفرض الذي وضعه الأستاذ مع احترام رأيه، لا يمكن تصوره إلا في الحالة التي تقدم أمام القضاء وثيقة إلكترونية عرفية ووثيقة ورقية رسمية، أما إذا ما قدم محرر رسمي إلكتروني ومحرر رسمي ورقي فهنا على القاضي أن يبحث في مدى توافر الشروط القانونية في كل منهما، ومدى توفرهما على شروط الرسمية، ولا حق له في استبعاد أي دليل قبل ذلك، وإلا فإن الحل الذي وضعه المشرع لن يكون ذا معنى.

وعلى ذلك فكيفما كانت المحررات ورقية أو إلكترونية، فإن القاضي عليه أن يرجح بينها بناء على قواعد الترجيح الفقهية المعمول بها، والتي تتسم بالدقة المتناهية، والتي لا نظير لها في القانون الوضعي.

الفقرة الثانية: دعاوى الزور في المحررات الإلكترونية

يعتبر التزوير من أهم المخاطر التي قد يتعرض لها المحرر سواء كان إلكترونيا أو ورقيا ، وهو تغيير للحقيقة التي تتضمنها الوثيقة بقصد الغش والإضرار بالغير ، وهذا ما استقرت عليه محكمة النقض المصرية في العديد من قراراتها .

وتعد جريمة التزوير في المحررات الإلكترونية من أخطر أنواع الغش ، وتقع عن طريق التقليد والتوقيع والحذف والإضافة والتعديل أو التغيير.
وأمام الأهمية التي أصبحت تكتسيها هذه المحررات كان لا بد من البحث عن حل يضمن حمايتها من التزوير، مثل المحررات الورقية، الرسمية منها والعرفية .
على ذلك سوف نتعرض لدعاوى الزور المدنية، إذ سوف نتحدث عن دعوى الزور الأصلية (أولا)، ثم عن دعوى الزور الفرعية (ثانيا).

أولا: دعوى الزور الأصلية:

إن الاعتراف التشريعي بالحجية الكاملة للمحررات الالكترونية في الإثبات، لن يكون له معنى إلا إذا عزز بحماية ملائمة أكثر من المحررات الورقية، لجعلها آمنة من التزوير، لأن المساس بها ليس كالمساس بالمحررات الورقية ، حيث أنه إذا كان التزوير في هذه الأخيرة قد يترك أثرا بشكل يقود إلى كشف ذلك بسهولة، فإنه على عكس ذلك بالنسبة للوثيقة الإلكترونية فقد يتم في أي وقت، ومن الصعب كشفه أو إقامة الحجة على وقوعه، رغم أن أحد الأساتذة يرى بأن التزوير في المعاملات الإلكترونية مهما وصل فلن يصل إلى ما وصل إليه التزوير في مجال الكتابة التقليدية.

لذلك سوف نتعرض لدعوى الزور الأصلية المعمول بها في ميدان المحررات الورقية، ومدى إمكانية تطبيقها على المحررات المستجدة، وهذه الدعوى هي التي يتم فيها الادعاء بالزور بصفة أصلية، بدعوى مدنية مستقلة ووحيدة، وتتمثل في أن يقوم أحد أطراف النزاع الذي يخشى أن يحتج ضده بمحرر مزور سواء كان رسمي أو عرفي- تقليدي أو إلكتروني-، ويتقدم بدعوى من خلالها يطعن في صحة ومصداقية هذا المحرر، فهي بالتالي تقوم قبل تمسك الخصم بالمحرر المطعون فيه بالزور ، فمناط الالتجاء إلى هذه الدعوى ألا يكون قد احتج بالورقة المدعى بتزويرها في دعوى ينظرها القضاء .

وتخضع دعوى الزور الأصلية للشروط العادية لإقامة الدعوى ، وبعد القيام بإجراءات التحقيق التي تخضع للسلطة التقديرية القضاء، وتبين أن المحرر قد تعرض للتزوير يمكنها أن تحكم ببطلانه، وبالتالي نزع القوة الإثباتية عنه، ويمكن لها حتى ولو لم تقم بالتحقيق عندما يثبت لها مثلا أن المحرر الإلكتروني لا تتوافر في الشروط القانونية أن تحكم ببطلانه وعدم جواز الاستناد عليه في الإثبات .
أما إذا رأت المحكمة أن المحرر لم يتعرض للتزوير فإنها تقضي بصحته وبطلان دعوى الزور، ويصبح المحرر آنذاك محرر رسميا وتكون له حجة قانونية قوية في الإثبات، أكبر من التي كانت له قبل قيام الدعوى، بالنظر لكون هذا الحكم يمنع من قيام أية دعوى أخرى بصدد نفس المحرر للطعن في صحته من جديد .

ثانيا: دعوى الزور الفرعية:

يقصد بهذه الدعوى، التي تكون أثناء نظر دعوى مدنية رائجة أمام القضاء، وهي تهدف إلى إثبات عدم صحة المحرر المقدم في هذه الدعوى بهدف دحض الدليل المستمد منه ونفيه، وبالتالي رد ودفع دعوى الخصم ، وعلى مدعي الزور أن يكون دقيقا في ذلك، بحيث يحدد وبشكل واضح مضمون الدعوى، وما إذا كان يطعن في المحرر ككل أو في مضمونه أو في التوقيع الإلكتروني .

وتقام دعوى الزور الفرعية بموجب مقال مؤدى عنه ومستجمعا لباقي الشروط الأخرى المطلوبة لإقامة الدعوى، وأن تقدم في مواجهة من حرر المحرر الإثباتي لا ضد غيره ، حتى تكون مقبولة.

فدعوى الزور الفرعي تستوجب التحديد الدقيق لمواطن الزور المدعى به، وهذه مسألة بديهية، وعليه إقامة الدليل على ذلك أمام المحكمة، وقصد الكشف عن مدى صحة هذا الإدعاء، والذي قد يتمثل في توقيع الشخص بتوقيع مزعوم لشخص آخر أو يوقع بتوقيع حقيقي يعود للغير ، يحق للمحكمة أن تلجأ إلى جهات المصادقة الإلكترونية للتأكد من صحة هذا التوقيع .

وتجدر الإشارة إلى أن المحكمة ترجئ البت في الدعوى المدنية الأصلية إلى حيث البت في دعوى الزور في السند المعتمد عليه في هذه الدعوى.
وإذا ما دفع أحد الأطراف بالزور في أحد المستندات أثناء سريان الدعوى، فإن للقاضي صرف النظر عن ذلك إذا رأى أن الفصل في الدعوى لا يتوقف على هذا المستند، وفقا للفصل 92 من ق.م.م، وهذا ما ذهب إليه المجلس الأعلى .

ولا تقبل دعوى الزور الفرعية إذا وقع البت في صحة الوثيقة المطعون فيها، من قبل القضاء بمقتضى قرار استئنافي نهائي حائز لقوة الشيء المقضي به .

وهنا الأمر لا يخرج عن حالتين فإما الحكم بصحة الإدعاء بالزور وبالتالي الإبقاء على حجية المحرر، وهناك مسألة مهمة ينبغي الإشارة إليها أن الخصم بإمكانه التنازل عن التمسك بالمحرر، وبالتالي لا يصلح كحجة أمام القضاء، فتأمر المحكمة بضبط المحرر محل الطعن بالزور أو بحفظه بناء على طلب المدعي، إذا كانت له مصلحة مشروعة في ذلك ، أو الحكم بعدم صحة الإدعاء .

ولا يعتبر التمسك بالمحرر المزور إثبات لعلم صاحبه بالتزوير ، إضافة إلى كل ما سبق يمكن للمحكمة من تلقاء نفسها أن تحكم برد أي محرر كيفما كان إذا تجلى لها أو ثبت لها من حالته أو من ظروف الدعوى أنه مزور، شريطة أن تقوم بتعليل ذلك وبيان الظروف والقرائن التي اعتمدت عليها في الإقرار بالزور .

المطلب الثاني: المسؤولية المدنية عن المحررات الإلكترونية

تلعب المسؤولية دورا هاما في تحقيق الأمن والاستقرار في المعاملات، حيث رتب المشرع جزاءات على الإضرار بالغير سواء كان ذلك ناتجا عن مسؤولية تقصيرية حيث لا تربط أية علاقة عقدية بين الطرفين، فتقوم عندما يرتكب شخص معين خطأ يصيب الآخر بضرر معين .
أو في الحالة التي تكون هناك علاقة عقدية، وهنا نكون أمام مسؤولية تعاقدية ناتجة عن الإخلال بالتزام تعاقدي، وقد تعرض المشرع المغربي للمسؤولية المدنية في ق.ل.ع وخصص لها مجموعة من الفصول .

والمعاملات الإلكترونية لا تخرج عن هذا الإطار، والتي تتشابك فيها مجموعة من الأطراف التي أوقع المشرع عليها مجموعة من الالتزامات، لذلك كان من اللازم البحث عن مدى إمكانية تطبيق قواعد المسؤولية المدنية على هذه المعاملات؟، أم أن الأمر يستدعي إيجاد قواعد جديدة.

وعليه سوف نتطرق لمسؤولية المتدخلين في الميدان الإلكتروني كلا على حدة، فنتعرض لمسؤولية أطراف العلاقة التعاقدية الالكترونية في (الفقرة الأولى)، ثم نتحدث عن مسؤولية جهات المصادقة الإلكترونية في (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: مسؤولية أطراف العلاقة التعاقدية الالكترونية

إن ما يهمنا في هذا الإطار ليس المسؤولية المدنية بكاملها، ولكن الجزء المتعلق بمسؤولية الأطراف عن المحررات الإلكترونية ومضمونها، وما يترتب من آثار عن الإخلال بها، لأن المحرر الإلكتروني إن كان مرتبطا بصاحبه وبمن وقع عليه، والذي يعطي له الحجية القانونية في الإثبات، ففي حالة الإخلال به، يتعرض للطعن من قبل الطرف الآخر أو الغير، ومرتبا للمسؤولية والتعويض.
لكن المرسل إليه كذلك تلقى عليه التزامات من قبيل التأكد من مصداقية المحرر الإلكتروني والتوقيع الوارد فيه، قبل قبوله، وإذا لم يقم بذلك فإن مسؤوليته يجب أن تبقى قائمة.
لذلك سنتعرض لمسؤولية المرسل (أولا)، ثم لمسؤولية المرسل إليه(ثانيا).

أولا: مسؤولية المرسل:

يعتبر المرسل أو الموقع صاحب التوقيع الإلكتروني مسؤولا مسؤولية تعاقدية تجاه متلقي أو مستقبل المحرر الإلكتروني، عما يلحقه من أضرار، لأنه خطأ عقدي يستلزم قيام مسؤوليته.

والمشرع المغربي نص في المادة 25 من ق ت.إ.م.ق على أن صاحب الشهادة الإلكترونية يعتبر مسؤولا مسؤولية تامة عن سرية وتمامية المعطيات المتعلقة بإنشاء توقيعه الإلكتروني بعد إحداثها مباشرة، وكل استعمال لهذه المعطيات يعتبر هو من قام به إلا إذا أثبت عكس ذلك.

وهو نفس التوجه الذي اتخذه مشرع إمارة دبي في المادة 22، حيث أوجب على الموقع أن يمارس عناية معقولة لتفادي استخدام أداة توقيعه استخداما غير مشروع، وأن يقوم بإخبار الأطراف المعنية بتعرض أداة توقيعه للاختراق أو أنه مشتبه في درجة أمانها، وأوقع عليه التزاما ببذل عناية معقولة، بأن يقدم جميع المعلومات التي تهم الشهادة الإلكترونية عندما يستلزم التوقيع استخدام تلك الشهادة، وعند الإخلال بهذا الالتزام يكون الموقع معرضا للمسؤولية.

فالإهمال في حماية البيانات الخاصة بالتوقيع الإلكتروني وتركها عرضة للاختراق، كعدم استعمال برامج للحماية ، أو استعمال برامج غير كافية، أو سهلة الاختراق وغير معترف بها.

ومسألة إعلام الأطراف المعنية بالاشتباه بتعرض توقيعه للاختراق له أهمية كبيرة، لأنها سوف تمكن المتلقي من تفادي الاحتيال الذي قد يتعرض له من قبل الشخص أو الجهة التي حازت على البيانات حيازة غير شرعية .

وتبقى مسألة تزويد جهات التصديق بجميع المعلومات المهمة والضرورية لإصدار شهادة المصادقة الإلكترونية، وتزويدها بأي تعديل قد يلحق هذه البيانات من أهم الالتزامات الملقاة على عاتق الموقع.

نفس الشيء نجده عند المشرع التونسي في المادة 7 من ق.م.ت.إ.، حيث حمل الموقع المسؤولية عن الأضرار التي تلحق الغير جراء الإخلال بالمقتضات السابقة الذكر.

وبالتالي فهذه المسؤولية التي يتحملها تجعل الموقع يتخذ الحيطة والحذر في كل ما يقوم به للحفاظ على منظومة توقيعه آمنة ومحمية، مما يضفي على المعاملات الالكترونية نوعا من الثقة والاطمئنان، ويضفي الحجية على المحررات الالكترونية.

إلا أن التشريعات لم تكن على مستوى واحد من حيث التنصيص على ضرورة المحافظة على بيانات التوقيع الإلكتروني، حيث أن هناك من جعلتها التزاما ببذل عناية فقط ، وبالتالي فالموقع إذا ما بذل من العناية المطلوبة ولو لم تتحقق النتيجة المرجوة وهي الحفاظ على منظومة توقيعه محمية من الاختراق، يكون قد نفذ التزامه ولا مسؤولية عليه، ومقدار هذه العناية هو العناية التي يبذلها الشخص العادي.

لكن المشرع المغربي اعتبر أن كل استعمال لمعطيات التوقيع الإلكتروني يعتبر صادرا عن صاحبها كقاعدة، أي أنه من المفترض ذلك، فالتوقيع الموضوع على المحرر الإلكتروني هو توقيع صادر عن صاحب منظومة إنشائه، ولا يستطيع نفي ذلك إلا بإثبات العكس، وإلا فإن مسؤوليته قائمة أصلا إلا إذا دفعها بإثبات عدم توقيعه، وبالتالي يكون مسؤولا عن الأضرار التي قد تلحق المستقبل أو الغير، إلا أنه لم يوضح هل هذا الالتزام ببذل عناية أم غاية، والراجح أنه التزام ببذل عناية ما دام بالإمكان دفعه من قبل الموقع، لأن في الالتزام بتحقيق غاية لا يستطيع نفي خلاف ذلك إلا بإثبات السبب الأجنبي، وإلا فمسؤوليته العقدية تكون محققة.

ثانيا: مسؤولية المرسل إليه:

إن مسؤولية المتلقي عن الأخطاء التي يرتكبها مسؤولية عقدية، نظرا لارتباطه بالمرسل أو الموقع بعلاقة تعاقدية قانونية، حيث يرى الأستاذ حاتم البيات أن إخفاق المتلقي القيام بعدة إجراءات من شأنها التثبت من مصداقية التوقيع الإلكتروني الذي توصل به مع المحرر الإلكتروني، يعد خطأ عقديا يستوجب مسؤوليته.

وهذه الإجراءات بطبيعة الحال نص عليها القانون، إما باستخدام المفتاح العام لمعرفة مدى صلة الشخص الصادرة عنه الرسالة بالتوقيع عليها، وأيضا باللجوء إلى مقدم خدمات المصادقة الإلكترونية من أجل التأكد من صحة التوقيع الإلكتروني.

وهذا ما أشار إليه مشرع إمارة دبي بصريح العبارة ، كون المرسل إليه لا يحق له أن يعتبر الرسالة أو الوثيقة صادرة عن الموقع، إذا تمكن من معرفة أن الرسالة لم تصدر عنه أو كان يفترض فيه ذلك، إذا بذل العناية المعقولة أو استخدام أي إجراء متفق عليه من أجل هذا التأكد، وهو نفس ما ذهب إليه قانون الأونسترال النموذجي.

وبالتالي فما دام المشرع نص على أنه لاعتبار الرسالة صادرة عن الموقع، عليه القيام بإجراءات تمكنه من معرفة ذلك، وإلا سيكون مخلا بالالتزام الملقى عليه وقد يسبب ضررا للموقع أو للغير الذي لا صلة له بالوثيقة الإلكترونية إن توصل بها المرسل إليه، ومعرضا للمسؤولية.

وإن كان المشرع قد ألقى على صاحب التوقيع عبئ إثبات أن التوقيع لم يصدر عنه.
لكن ما يعاب على المشرع المغربي أنه لم يتطرق لمسؤولية والتزامات متلقي المحرر أو التوقيع الإلكتروني، موازاة مع اعتبار أن التوقيع الإلكتروني صادرا عن صاحبه ما لم يثبت عكس ذلك، فكان عليه أن يلقي بنوع من المسؤولية على المتلقي حتى تلزمه بضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة والقانونية للتوصل حقيقة إلى معرفة أن التوقيع الإلكتروني صادر فعلا عن صاحبه، أو على الأقل اتخاذ العناية اللازمة في ذلك.

أما في الحالة التي يكون فيها من الواضح أن التوقيع لم يصدر عن المرسل، فهنا المرسل إليه يتحمل المسؤولية الكاملة عن الأخذ بها، إذ قد تحدث ضررا للمرسل والغير على حد سواء، كما في الحالة التي يتسلم فيها المرسل إليه رسالة أو إشعار من المرسل تفيد بأنها لم تصدر عنه، إلا أن مسؤولية المرسل تبقى قائمة قبل هذا الإشعار ، أو إذا اشترط المرسل أن يتلقى من المرسل إليه إقرار بتسلم المحرر الإلكتروني، وفي هذه الحالة بإمكان المرسل أن يعتبر هذا المحرر غير صادر عنه وكأن لم يكن، إذا لم يتسلم هذا الإقرار إلا إذا اتفق بين الأطراف على خلاف ذلك.

كما أن المسؤولية قد تقوم في العديد من الحالات على عاتق المرسل إليه، كما في الحالة التي يتم فيها الإضرار بالغير جراء محرر الكتروني، ويكون المرسل إليه مشتركا مع المرسل في الخطأ الذي وقع، وما دام الأمر كذلك فإنه سيكون له تأثير على المسؤولية المدنية لكل منهما.

الفقرة الثانية: مسؤولية جهات المصادقة الإلكترونية

لقد رأينا فيما سبق بأن جهات المصادقة الإلكترونية تقوم بدور هام، عن طريق إصدار الشهادات الإلكترونية التي تهدف إلى التأكد من صحة التوقيعات الإلكترونية والمعلومات التي تتضمنها المحررات الإلكترونية.

هذا الدور الفعال لجهات أو مقدمي خدمات المصادقة الإلكترونية يرسخ الثقة والأمان في المعاملات الإلكترونية، ويشجع التعامل عن طريق الإنترنت بكل طمأنينة، ويؤدي إلى التساؤل عن مسؤولية هذه الجهات عن إحداث أضرار بالغير الذي وثق في هذه الشهادات التي صدرت عنها؟.
على هذا الأساس يتوجب علينا البحث عن مسؤولية جهات المصادقة وفقا للقواعد العامة (أولا) ، ثم عن مسؤولية هذه الجهات وفقا للقواعد الخاصة (ثانيا).

أولا: مسؤولية جهات المصادقة وفقا للقواعد العامة:

من المعلوم أن المسؤولية المدنية تنقسم إلى قسمين عقدية وتقصيرية، وقد ثار الخلاف بين الفقه حول الطبيعة القانونية لمسؤولية جهات المصادقة، هل تعتبر مسؤولية عقدية ناتجة عن إخلال بالتزام تعاقدي أم ناتجة عن مسؤولية تقصيرية ناتجة عن الإخلال بواجب قانوني أو التزام ببذل عناية نتيجة الإهمال والتقصير ، وما يترتب عن ذلك من نتائج وآثار قانونية مهمة على الأطراف، فعبئ الإثبات يختلف باختلاف نوعي المسؤولية، فالمسؤولية العقدية تتميز بتخفيف هذا العبئ على المضرور لأنها تقوم بمجرد عدم تنفيذ ما التزم به المتعاقد، أي هنا جهة المصادقة الإلكترونية إذا ما سلمنا بوجود عقد بينها وبين الغير، على خلاف المسؤولية التقصيرية التي يصعب فيها إثبات الخطأ والضرر والعلاقة السببية، مما يجعل الأنظار تتجه دائما نحو المسؤولية العقدية.

فانطلاقا من ق.ت.إ.م.ق، يتبين أن المشرع المغربي ترك قواعد المسؤولية المدنية لتطبق على جهات المصادقة الإلكترونية، تجاه المتعاقدين مع هذه الجهات أو تجاه الأغيار.

فأي خطأ أو تقصير أو إهمال من طرف هذه الجهة من شأنه أن يثير مسؤوليتها العقدية، وفقا للقواعد المعمول بها في القواعد العامة ، نظرا لوجود عقد بينها وبين طالب الشهادة الإلكترونية، بتوافر عناصر المسؤولية أو أركانها من خطأ عقدي وضرر وعلاقة سببية.

ومن بين الأخطاء التي قد ترتكبها هذه الجهات هو عدم إصدار الشهادة الإلكترونية التي طلبت منها، أو عدم إصدارها في الوقت المناسب، أو أن البيانات التي تحتويها غير صحيحة وكان ذلك نتيجة لإهمالها.

كما أنه يمكننا تصور العلاقة التعاقدية بين الجهة والمرسل إليه في الحالة التي يتلقى فيها المرسل إليه الشهادة الإلكترونية من مقدم خدمات المصادقة مباشرة عبر الإنترنت، لأن هذه الشهادة هي التي يعتمد عليها في اتخاذ قراره، ولكن غالبا ما تنعدم هذه العلاقة التعاقدية بين جهة التوثيق والغير مما تنعدم معه المسؤولية التعاقدية.

وهنا يلجئ إلى المسؤولية التقصيرية القائمة على معيار الخطأ، الذي تجعله الأنظمة اللاتينية مناطا لقيامها، فكل خطأ يسبب ضررا للغير يلتزم مرتكبه بالتعويض ، بطبيعة الحال عند إثبات عناصرها.

وما دامت الالتزامات الملقاة على عاتق هذه الجهات التزامات قانونية، فإن الإخلال بها يؤدي إلى مساءلتها تقصيريا وإلزامها بالتعويض.
وبطبيعة الحال فإن من يريد التمسك بقواعد المسؤولية التقصيرية تجاه جهات المصادقة الإلكترونية، عليه أن يثبت أن الخطأ الذي ارتكبته قد تسبب له في ضرر معين وأن هذا السبب هو الوحيد في حدوث الضرر.

ثانيا: مسؤولية جهات المصادقة وفق القواعد الخاصة:

لاحظنا أن تطبيق قواعد المسؤولية المدنية التقليدية بشقيها العقدي والتقصيري لم يكن كافيا لوضع نظام للمسؤولية يتحكم في ضبط خدمات المصادقة الإلكترونية، وكان من الضروري البحث عن قواعد خاصة تنظم هذه المسؤولية، نظرا للخصوصية التي تمتاز بها المعاملات الإلكترونية.

وقد بدأت هذه المسؤولية تظهر مع التوجيه الأوروبي، والذي أوجد قواعد خاصة لمسؤولية جهات المصادقة الإلكترونية عن إصدار الشهادات الإلكترونية، والتي تحتل مكانة مهمة في منح الحجية للمحررات الإلكترونية في الإثبات.

حيث نصت المادة السادسة منه على أن الدول الأعضاء تضمن مسؤولية مقدمي خدمات المصادقة الإلكترونية، عن الأضرار التي تحدث لأي شخص طبيعي أو قانوني اعتمد على الشهادات المؤهلة، والتي تصدرها فيما يتعلق بالحالات التالية:

– عدم صحة المعلومات والوقائع التي تضمنتها الشهادات المؤهلة -أي المؤمنة- وقت صدورها.
– عدم صحة البيانات المتعلقة بتحديد شخصية الموقع.
– عدم الارتباط بين بيانات إصدار التوقيع وبيانات التحقق منه لتأمين صحته.

يتبين من خلال هذه المادة أن مسؤولية جهات التوثيق أو المصادقة تقوم بمجرد تحقق الحالات السابقة وبصفة مباشرة، وتتحمل الدولة هذه المسؤولية بتعويض الأضرار الناشئة عن الإخلال بالتزاماتها، إلا إذا أثبتت أنها لم ترتكب أي خطأ من جانبها.

وهي بالتالي مسؤولية مفترضة قائمة على خطأ واجب الإثبات من الشخص المضرور، الذي اعتمد على هذه الشهادات، مع اشتراط حسن النية في كونه كان يعتقد صحة هذه الشهادات .

إلا أن نفس القانون أعطى الحق لهذه الجهات بتقييد مسؤوليتها بالاتفاق مع الشخص الذي تعاقدت معه لإصدار الشهادة الإلكترونية، أو تجاه شخص له صلة بالشهادة، سواء كان صاحب الشهادة أو الغير.

ومن بين الدول التي أخذت بنظام مماثل لمسؤولية جهات المصادقة نجد المشرع التونسي ، والذي أقام هذه المسؤولية عند كل ضرر يلحق شخصا وثق في الضمانات التي تحققها الشهادة الإلكترونية، وكذلك عن الأضرار الناتجة لكل شخص نتيجة عدم تعليق أو إلغاء الشهادة في الحالات المنصوص عليها قانونا.

لكن اشترط في ذلك الشخص حسن النية، وبالتالي فإثبات سوء النية يقع على مقدم خدمات المصادقة، لكي يتنصل من المسؤولية، لأن حسن النية مفترض إلى أن يثبت العكس.

وأساس تحمل المسؤولية هو إخلالها بالتزام قانوني ملقى عليها بموجب المواد19 و20 من قانون المبادلات والتجارة الإلكترونية.
فلو وثق الشخص في الإمضاء الإلكتروني إسنادا إلى الشهادة الإلكترونية، ثم بعد ذلك تبين له أي بعد إتمام العقد أن البيانات والتوقيع الإلكتروني الموجودين في المحرر الإلكتروني كانت غير صحيحة، فهنا يمكن متابعة الجهة للتعويض.

نفس التوجه سار فيه مشرع إمارة دبي في القانون المتعلق بالتجارة الإلكترونية، حيث ألزم هذه الجهة باتخاذ عناية معقولة لضمان دقة واكتمال البنيات الجوهرية للشهادة الإلكترونية، وبالتالي فعند الإخلال بهذا الالتزام تقوم مسؤولية الجهة على أساس تقصيرها في القيام بالعناية اللازمة لصحة الشهادة والتي سببت ضررا للغير.

ويمكن لهذه المسؤولية أن تكون مقيدة بمقتضى بيان وارد في الشهادة الإلكترونية، فعند تقييد المسؤولية تجاه أي شخص ذي صلة بالشهادة الإلكترونية سواء فيما يتعلق بمبلغ التعويض الأقصى الذي يدفعه للمضرور أو باستبعاد مسؤوليته، فلا مجال لمساءلته.

أما بخصوص تنصل جهة المصادقة من مسؤوليتها بمجرد إثبات أنها لم تقم بأي خطأ أو إهمال، أو أن الضرر نتج عن سبب أجنبي لا يد لها فيه، فإن هناك من يعتبر أن هذا الإعفاء لا مبرر له، إذ أنه بمجرد إصدارها لشهادة توثيق معيبة بأي عيب وتحدث ضررا بالآخرين يعتبر إخلال بالتزام بضمان صحة وسلامة البيانات الواردة في الشهادة، ومن ثم لا يفترض فيها الإهمال والتقصير لأهمية وخطورة الدور الذي تقوم به، لذلك فهي مسؤولة عن الإهمال والتقصير في التأكد من مصداقية التوقيع الإلكتروني والبيانات الواردة في الشهادة التي تصدرها، لأن جميع الإمكانيات التقنية والفنية متوفرة لديها.

أما المشرع المغربي فقد نص على أهم التزام ملقى على عاتق مقدمي خدمات المصادقة، ألا وهو التأكد من أن المعلومات التي تحتويها الشهادة الإلكترونية صحيحة، وأن صاحب التوقيع الإلكتروني الذي تحدد هويته الشهادة يتوفر على معطيات إنشاء التوقيع الإلكتروني مطابقة لمعطيات التحقق منه والتي ضمنت في الشهادة، وأي إخلال بهذه الالتزامات يعرضها للمساءلة ، رغم أن المشرع المغربي لا يشير صراحة إلى قيام المسؤولية في هذه الحالة.

وكان عليه أن يحذو حذو التشريعات الأخرى، ويقيم هذه المسؤولية عند مخالفة التزاماتها، حتى لا يفتح المجال أمامها للتنصل من مسؤولياتها والتزاماتها، وترك المضرور بدون تعويض أسوة بما فعله بالنسبة لكتمان السر المهني ، وبالنسبة للتهاون أو قلة كفاءة مقدمي خدمات المصادقة، وإن كان يمكن استخلاص هذه المسؤولية من خلال المادة 24، وهو التهاون الذي يحصل في التأكد من أن المعلومات صحيحة وهوية الموقع مؤكدة.