دراسة وبحث قانوني هام حول اكتساب الجنسية الجزائرية عن طريق الزواج

مقدمة

الزواج المختلط هو رابطة زوجية تجمع بين رجل وامرأة من جنسيتين مختلفتين ، وهو بلا شك يثير عدة مشاكل خاصة من الناحية القانونية كتنازع القوانين بالنسبة لانعقاده وما يترتب عليه من أثار بعد قيامه وعند انحلاله وأساس ذلك صفة الأجنبي التي يتمتع بها كل طرف عن الآخر، فحتى لو كان الزوجان يعرفا بعضهما البعض غير أن قوانين دولتيهما قد تكون متنافرة في الأحكام وذلك نظرا لتوجه كل دولة ونظرتها إلى الزواج . فالدول الإسلامية ليست كالدول غير الإسلامية وما هو من النظام العام في الجزائر ليس من النظام العام في فرنسا وعليه فهناك شروط لنفاذ مثل هذه الانكحة .

وما يهمنا في هذا المقام هو أثر الزواج المختلط على الجنسية الجزائرية في ما إذا كان يؤثر في جنسية طرفيه، فيصبح وسيلة لاكتساب أحد الزوجين جنسية الآخر.وعلى ضوء ما تقدم طرحنا الإشكالية التالية : كيف عالج المشرع الجزائري الزواج كطريق من طرق اكتساب الجنسية الجزائرية في قوانين الجنسية الثلاث ؟
للإجابة على هذه الإشكالية تناولنا في المبحث الأول: الزواج المختلط وإجراءات اكتساب الجنسية الجزائرية عن طريق الزواج وخصصنا المبحث الثاني: لشروط اكتساب الجنسية الجزائرية عن طريق الزواج .

المبحث الأول:
الزواج المختلط وإجراءات اكتساب الجنسية الجزائرية عن طريق الزواج

يتناول هذا المبحث مفهوم الزواج المختلط كطريق من طرق اكتساب الجنسية الجزائرية والإجراءات اللازم استيفاءها لطالب التجنس عن طريق الزواج ، وذلك في ظل قانون الجنسية الجزائرية لسنة: 1970 و كذا التعديل الجديد لنفس القانون بموجب المر رقم : 05/01 المؤرخ في : 27/02/2005.

المطلب الأول:
مفهوم الزواج المختلط

الزواج المختلط هو رابطة قانونية بين رجل وامرأة مختلفي الجنسية، كزواج جزائري بروسية أو زواج جزائرية من فرنسي ، وهو بلا شك يعد أهم سبب لاكتساب الجنسية في أغلب دول العالم ولعل اكتساب الجنسية بالزواج أكثر حدوثا من اكتسابها بأسباب أخرى وذلك بعد أن كثر اختلاط الشعوب ببعضها البعض وانتشرت الهجرة بين مختلف الدول وأصبح الزواج المختلط ظاهرة عادية .
فعند انعقاد مثل هذا الزواج فما أثر هذا الاختلاف على جنسية الزوجة أتدخل بزواجها في جنسية زوجها أم أنها تبقى محتفظة بجنسيتها ؟
للإجابة على هذا التساؤل يجب التطرق إلى أسس الجنسية والمتمثل في اعتبارين هما: وحدة الجنسية في الأسرة ، واحترام إرادة المرأة
فالمدافعون عن الاعتبار الأول يقولون باكتساب الزوجة جنسية زوجها كأثر لزواجها به ، والمدافعون عن الاعتبار الثاني يقولون باحتفاظ الزوجة بجنسيتها فلا تأثير لزواجها بأجنبي على جنسيتها ولكل فريق حججه.

أولا: اعتبار وحدة الجنسية في الأسرة: ساد هذا الاعتبار حين كانت تعتبر المرأة ناقصة أهلية تخضع في تصرفاتها لإذن زوجها الذي يعتبر رب الأسرة ودعم هذا الاعتبار بعدة حجج منها:
– مراعاة لمصلحة الأسرة و لأهداف الزواج في تحقيق الانسجام الروحي و العاطفي بين أعضاء الأسرة يجد اعتبار وحدة الجنسية مبررا له ، إلى جانب ذلك يعتبر وسيلة لتأليف مشاعر الولاء السياسي نحو الدولة. و الأسرة باعتبارها الخلية الأساسية للمجتمع فاختلاف جنسية أعضائها يترتب عنه تجزأ الولاء السياسي بين دولتين و لتفادي هذا العيب وجب انضمام الزوجة لجنسية زوجها.
– وحدة الجنسية في الأسرة من شأنه تجنيب الدول مشكل تنازع القوانين في المسائل التي تخضعها الدول لضابط إسناد الجنسية ومن تلك المسائل الأحوال الشخصية، فبدل من توزيعها على قانونين تصبح العلاقة الزوجية منظمة بقانون واحد .
– إن الاعتراف للمرأة بكامل حريتها واستقلالها عن الرجل أمر أكدته مختلف المواثيق الدولية كما يتناقض مع المعطيات القانونية الوطنية والدولية الحديثة.
– من المبادئ الثابتة في مادة الجنسية أن أساس التمتع بالجنسية المكتسبة هو اتجاه إرادة الفرد الصريحة ورغبته فيها، التي تتمثل في طلب اكتساب الجنسية ، حيث يعبر فيه عن رغبته في اكتساب الجنسية وعملا بهذه المبادئ لا يصوغ فرض جنسية الزوج على زوجته.
– ما قيل أن وحدة الجنسية في العائلة وسيلة لتحقيق الانسجام و التوافق فيها غير صحيح ، فالاستقرار العائلي مبناه العواطف الشخصية و العلاقات الأسرية و ليس العوامل الخارجية.

ثانيا: احترام إرادة المرأة: على إثر الحركات النسوية التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية المنادية بالمساواة بين الرجل والمرأة في جميع نواحي الحياة، امتدت مناداتها بالمساواة إلى مجال الجنسية، فالمرأة لا تكتسب ولا تفقد جنسيتها إلا وفقا لذات القواعد المقررة بخصوص الرجال مما يعني احترام إرادتها في مجال الجنسية فلا تسند إليها إرادة لم تعبر عنها كإسناد إرادة ضمنية لها في الدخول في جنسية زوجها والتي هي في حقيقتها إرادة معدومة .
إضافة إلى ما سبق فإن من شأن استقلال جنسية الزوجين إعطاء الدولة فرصة انتقاء واصطفاء الذين تريد إعطاء جنسيتها لهم وذلك أمر مستحيل في نظام التبعية في الجنسية وليس صحيحا ما يقوله أنصار وحدة الجنسية في الأسرة من أنه يؤدي إلى التوافق بين الزوجين، فالتوافق أمر لا علاقة له بالجنسية وهذا ما يؤكده الواقع كما أنه ليس صحيحا وحدة الجنسية في الأسرة يقضي على مشكل تنازع القوانين في بعض مسائل الأسرة، كذلك يصدق بالنسبة للدول التي تتخذ الجنسية ضابطا للإسناد أما تلك التي تتخذ الموطن ضابطا للإسناد فلا يوجد إطلاقا هذا المشكل عندها.

المطلب الثاني:
إجراءات اكتساب الجنسية عن طريق الزواج

إن اكتساب جنسية أي دولة ليس بالأمر السهل ومن غير المعقول أن يفتح مجال اكتساب الجنسية بدون أي قيود أو شروط، كما أن الدول لا يمكنها أن تمنح جنسيتها لعنصر أجنبي لم يقدم أي طلب يعبر فيه صراحة عن رغبته في اكتساب جنسية هذه الدولة .
وهذا ما يظهر جلياً من خلال نص المادة 25 من قانون الجنسية الجزائري المعدل والمتمم والتي جاء في نصها (( ترفع طلبات اكتساب الجنسية الجزائرية، أو التخلي عنها،أو استردادها إلى وزير العدل مصحوبة بالعقود والوثائق والمستندات التي تثبت استيفاء الشروط القانونية)). يتضح من المادة أن القانون أوجب على الراغب في الحصول على الجنسية الجزائرية عن طريق الزواج ، أن يقدم طلب يضمنه رغبته الصريحة في اكتساب الجنسية الجزائرية على أن يرفق بهذا الطلب مجموعة من الوثائق والمتمثلة في :
– نسخة من عقد الميلاد.
– من نسخة من سجل عقد الزواج.
– نسخة من صحيفة السوابق القضائية رقم:03.
– شهادة الجنسية الجزائرية خاصة بالزوج أو الزوجة.
– شهادة الإقــامة رقم: 04 صادرة عن المصالح المختصة.
– ثلاثة (03) صور فوتوغرافية لتحقيق الهوية.
– شهادة عمل أو نسخة من السجل التجاري.
– مستخرج من مصلحة الضرائب (شهادة عدم الخضوع للضريبـة.
كما أضافت المادة 27 الفقرة الأولى من نفس القانون، إمكانية تقديم الأجنبي لطلب صريح يبدي من خلاله رغبته في تغيير اسمه ولقبه.
ومن خلال الوثائق والمستندات التي استلزمها القانون تستطيع الجهات المختصة التأكد من أن طالب الجنسية قد استوفى جميع شروط المادة : 09 مكرر وفي مقدمتها شرط زواج العنصر الأجنبي من طرف آخر جزائري والذي يثبت بنسخة من سجلات عقد الزواج، وكذا شهادة الإقامة التي تثبت شرط الإقامة المعتادة والمنتظمة، بالإضافة إلى حسن السيرة والسلوك الذي يظهر من خلال صحيفة السوابق القضائية رقم:03، وأخيرا شهادة العمل ونسخة من السجل التجاري التي تبرر وسائل ارتزاق العنصر الأجنبي طالب الجنسية.
وبعد استيفاء الملف لجميع الوثائق يوجه بناءا على نص المادة:25 من قانون الجنسية الجزائري المعدل والمتمم إلى وزير العدل باعتباره الجهة المختصة بمادة الجنسية في الجزائر.
بعد التحقق من استيفاء الملف لجميع الوثائق والمستندات التي تثبت استكمال الأجنبي أو الأجنبية لشروط المادة:09 مكرر من قانون الجنسية الجزائري المعدل والمتمم، يفترض أن يصدر قرار من الهيئة المختصة بالقبول أو الرفض، وذلك بناءا على ما تتمتع بها من سلطة تقديرية مطلقة.
وبخصوص المدة التي تترك لوزير العدل للفصل في الطلب فقد كانت المادة:12 من قانون الجنسية الجزائرية لسنة :1963 تنص على أنه وفي غضون ستة (06) أشهر من توجيه الطلب إلى وزير العدل إذا لم يرفض هذا الأخير الطلب، يعتبر هذا قبولا ضمنيا شريطة أن لا يبطل أو يفسخ الزواج في هذه المدة.
غير أن الأمر :05/01 المتضمن تعديل قانون الجنسية الجزائرية ألغى هذا الافتراض ولم يحدد أجلا يلزم وزير العدل للبث في الطلب المرفوع إليه، وإنما ترك المجال مفتوحا ما يفهم منه أنه لا وجود للقبول الضمني، بل يفترض أن يصدر رد صريح على أن هذا الرد يتخذ ثلاثة (03) صور هــي: إما عدم القبول أو الرفض ، أو الموافقة.
فعدم القبول يكون حسب المادة:26 الفقرة الأولى من قانون الجنسية الجزائري المعدل والمتمم: ” إذا لم تتوفر الشروط يعلم وزير العدل عدم قابلية الطلب بموجب مقرر معلل يبلغ إلى المعني ” ، فلوزير العدل إذا رأى أن الشخص غير مستوفي لشرط من شروط المادة:09 مكرر من قانون الجنسية الجزائرية المعدل والمتمم، كأن يكون الزواج غير قانوني أو لم تكتمل مدة الزواج التي هي ثلاثة (03) سنوات.
كما قد تكون الإقامة غير معتادة أو غير منتظمة ، أو لو لم تكتمل المدة المحددة قانونا.
أو أن الشخص لا يتمتع بسيرة حسنة، أو لا يستطيع إثبات الوسائل الكافية لمعيشته وبهذا يصدر وزير العدل قراره بعدم قبول الطلب وهو ملزم قانونا بتعليل قراره وذلك بذكر سبب عدم القبول. على أن هذا القرار يبلغ إلى المعني.
أما الرفض فهو قرار نابع من السلطة التقديرية التي خولها القانون لوزير العدل بحيث رغم استيفاء طالب اكتساب الجنسية الجزائرية للشروط المحددة قانونا، إلا أن لوزير العدل رفض الطلب دون تعليل أو ذكر سبب الرفض وهذا ما يستشف من نص المادة:26 الفقرة الثانية التي تنص على: (( … ويمكن وزير العدل رغم توفر الشروط القانونية أن يرفض الطلب بموجب قرار يبلغ إلى المعني )).
وبما أن قرار الوزير إداري فيجوز الطعن فيه أمام القضاء المختص في المواعيد المقررة قانونا في القرارات الإدارية، وذلك على أساس عيب إساءة استعمال السلطة أو عدم مشروعية على اتخاذه، غير أنه من العسير إثبات ذلك .
أما الصورة الثالثة لقرار وزير العدل فهي قبول الطلب، الذي بموجبه يصدر المرسوم المانح للجنسية، وهذا بعد دراسة الملف والتأكد من استحقاق وجدارة طالب الجنسية الجزائرية للانتماء إلى مجتمع الدولة الجزائرية.
ويكون منح الجنسية الجزائرية عن طريق الزواج حسب المادة: 09 مكرر من قانون الجنسية الجزائري المعدل والمتمم، بموجب مرسوم وإن كان قانون الجنسية الجزائري المعدل والمتمم، لم يوضح طبيعة هذا المرسوم على غرار التجنس الذي يمنح بموجب مرسوم رئاسي حسب المادة:12 من نفس القانون.
وفي الأخير تنص المادة:29 من قانون الجنسية الجزائري المعدل والمتمم، على أن المراسيم المتعلقة باكتساب الجنسية الجزائرية تنشر في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، وتحدث أثرها اتجاه الغير ابتداء من تاريخ هذا النشر.

المبحث الثاني:
شروط اكتساب الجنسية الجزائرية عن طريق الزواج

يتناول هذا المبحث الزواج المختلط كطريق لاكتساب الجنسية الجزائرية وموقف المشرع الجزائري وذلك في ظل قانون الجنسية الجزائرية لسنة: 1970 وكذا التعديل الجديد لنفس القانون بموجب الأمر رقم : 05/01 المؤرخ في : 27/02/2005.

المطلب الأول :
شروط اكتساب الجنسية الجزائرية قبل التعديل

صدر قانون الجنسية الجزائرية لسنة:1970 بموجب الأمر رقم:70/86 المؤرخ في :15/12/1970 وهو ثاني قانون نظم الجنسية الجزائرية بعد قانون :1963 وأهم ما يلاحظ على هذا القانون أنه ألغى فكرة اكتساب الأجنبية المتزوجة بجزائري الجنسية الجزائرية جراء زواجها منه ، مما يفيد أن المشرع الجزائري تبني فكرة عدم تأثير جنسية الزوج على زوجته ، ومنه اعترف هذا القانون باستقلالية الجنسية في الأسرة واحتفاظ كل بجنسيته رغم ما قد يطرأ من مشاكل خاصة في مجال تنازع القوانين وازدواج الجنسية بالنسبة للأولاد القصر وكما سبق الذكر لا يمكن للزوج أو الزوجة الأجنبية في ظل هذا القانون التمتع بالجنسية الجزائرية إلا عن طريق التجنس.
هذا وتجدر الإشارة إلى أن قانون الجنسية الجزائرية لسنة: 1963 في المادة منه 12 كان يشترط ضرورة إعلان الزوجة الأجنبية صراحة عن تخليها عن جنسيتها ، غير أن اكتساب الجنسية عن طريق الزواج لم ينص عليه قانون الجنسية الجزائرية لسنة:1970. فألغي مضمون نـص المـادة:12 لكـن نصت المادة :03 من قانون الجنسية الجزائرية لسنة :1970، على ضرورة تخلي طالب اكتساب الجنسية الجزائرية عن جنسيتها الأصلية، إلا أن هذا القيد رفع بموجب التعديل الجديد لقانون الجنسية الجزائرية الصادر بالأمر : 05/01. وأصبحت الجزائر بموجبه تتبنى فكرة تعدد الجنسيات.
ومما سبق أصبح قانون الجنسية الجزائرية من القوانين الأشد تعقيدا وصرامة في منح الجنسية الجزائرية، وهذا لما فيه من شروط لا تجعل من اكتساب الجنسية بالأمر الهين، وأساس هذه الشدة التي عرفها قانون الجنسية الجزائرية في هذه الفترة هو توجه الدولة آنذاك للحفاظ على كيان وبناء المجتمع الجزائري ، خاصة وأنها دولة حديثة العهد بالاستقلال.

المطلب الثاني :
شروط اكتساب الجنسية الجزائرية بعد التعديل

عرف قانون الجنسية الجزائرية لسنة:1970 تعديلا وذلك بموجب الأمر رقم: 05/01 المؤرخ في:27/02/2005 ، والذي حمل في طياته تعديلات مهمة في مادة الجنسية كما توخى هذا التعديل تحقيق عدة أهداف أساسية منها:
– تحسين التشريع المتعلق بالجنسية تماشيا مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي انضمت إليها الجزائر في مجال حقوق الإنسان.
– تكريس المساواة بين الرجل والمرأة .
– حماية الأطفال في مجال الجنسية .
– إضفاء المرونة على شروط اكتساب الجنسية الجزائرية ووسائل التعليل ولعلى أهم تعديل طرأ على قانون الجنسية الجزائرية هو إلغاء اكتساب الجنسية الجزائرية بقوة القانون التي كان منصوص عليها في المادة 09 من قانون :1970 وإضافة طريق جديد لاكتساب الجنسية الجزائرية ، وهو اكتساب الجنسية عن طريق الزواج من جزائري أو جزائرية، حسب نص المادة 9 مكرر ، وهذا ليس إلا كما قال رئيس الجمهورية تأكيد على كون هذا النص يندرج في إطار الإجراءات التي تسهم في تعزيز وتحديث أدواتنا القانونية من خلال ملاءمتها مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي انضمت إليها الجزائر ، وتكيفها مع التحولات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
فمن خلال هذا التعديل أصبح الزواج المختلط لا يسبب أي إشكال ، فيمكن للأجنبي أو الأجنبية اكتساب الجنسية الجزائرية بمجرد الزواج من جزائرية أو جزائري.
وبهذا يتضح توجه المشرع الجزائري نحو توحيد الجنسية في الأسرة تفاديا لكل ما قد يطرأ من مشاكل نتيجة تعدد الجنسيات في الأسرة الواحدة، ومن ذلك حالة الأطفال التي قد تتضرر بفعل تعدد الجنسيات.لكن هذا المسلك لم يتركه القانون دون قيود ودون تنظيم قانوني بل استلزم مجموعة من الشروط الواجب توافرها في طالب الجنسية الجزائرية حيث تنص الفقرة الأولى من المادة :09 مكرر قانون الجنسية الجزائرية المعدل و المتمم بأن يكون الزواج ، قانونيا و قائما فعليا منذ ثلاثة (03) سنوات على الأقل عند تقديم طلب التجنس. إن مضمون هذه الفقرة هو الأساس الذي يعتمد عليه الشخص في طلب اكتساب الجنسية الجزائرية وهو الزواج، فقبل كل شيء يتطلب أن نكون أمام علاقة زوجية بين أجنبي وجزائرية أو أجنبية وجزائري، وهذه العلاقة يجب أن تكون صحيحة ومشروعة وفق ما تقتضيه قواعد القانون الجزائري، وبمفهوم المخالفة إذا كان الزواج باطلا فلا يمكن أن يكون له أثر قانوني مكسب للجنسية الجزائرية بالنسبة للأجنبي أو الأجنبية المتزوجين من جزائرية أو جزائري.
وبالرجوع إلى قواعد الإسناد الجزائرية، نجد أنه فيما يخص الشروط الموضوعية لعقد الزواج ميز بين الحالة التي يجمع فيها عقد الزواج بين أجنبيين والحالة التي يكون فيها أحد الطرفين جزائري .
وبخصوص الحالة الثانية – أحد أطراف عقد الزواج جزائري – ونطبق في هذه الحالة نص المادة 13 قانون المدني المعدل و المتمم التي توجب تطبيق القانون الجزائري على العلاقة الزوجية إذا كان أحد طرفيها جزائري، و منه فإن عقد الزواج المنصوص عليه في المادة 9 مكرر من قانون الجنسية الجزائرية المعدل و المتمم، يجب أن يتم صحيحا وفقا لما يستلزمه القانون الجزائري، إلا فيما يخص أهلية الأطراف فتخضع للقانون الذي ينتمي إليه الشخص.
كما اشترط القانون أن تكون العلاقة الزوجية لا تزال قائمة ومنذ ثلاثة (03) سنوات على الأقل عند تقديم طلب اكتساب الجنسية الجزائرية، أي أن الزوجين لا زالت تجمعهما الرابطة الزوجية القائمة منذ ثلاثة سنوات على الأقل.
والهدف من هذا الشرط هو التحقق من جدية عقد الزواج واستقرار الرابطة الزوجية ، و حتى لا يتحول الزواج إلى مجرد حيلة قانونية لاكتساب الجنسية الجزائرية.
و هذه المدة تحتسب من يوم انعقاد القران بطريقة قانونية إلى غاية تقديم طلب اكتساب الجزائرية .
و عليه في حال الانفصال قبل تمام مدة ثلاثة (03) سنوات فإن الأجنبي أو الأجنبية لم يستوفي شرط المادة :09 مكرر .

المطلب الثالث :
آثار اكتساب الجنسية الجزائرية عن طريق الزواج

إن اكتساب الشخص لجنسية دولة معينة يعني اعتباره من مواطني هذه الدولة فله ما لهم وعليه ما عليهم ، فيصبح مكتسب الجنسية الجزائرية عن طريق الزواج في مركز المواطن من حيث ممارسة الحقوق وتحمل التكاليف، وهذا ما يتضح من نص المادة:15 من قانون الجنسية الجزائري المعدل والمتمم، التي تضمنت الآثار الفردية المترتبة على اكتساب الجنسية الجزائرية حيث نصت المادة السالفة الذكر على أنه (( يتمتع الشخص الذي يكتسب الجنسية الجزائرية بجميع الحقوق المتعلقة بالصفة الجزائرية ابتداءا من تاريخ اكتسابها))، إلا أن القانون لم يوضح بدقة تاريخ اكتساب الجنسية الجزائرية هل هو تاريخ صدور المرسوم؟ أم تاريخ نشره في الجريدة الرسمية؟
ومن أهم ما يترتب على اكتساب الجنسية الجزائرية هو مبدأ المساواة بين مكتسب الجنسية الجزائرية والمواطن الأصلي، كما يترتب عن اكتساب الجنسية الجزائرية تغيير القانون الشخصي لمكتسب الجنسية وذلك على أساس أن الجزائر تأخذ بضابط الجنسية في مسائل الأحوال الشخصية ، كما لا يجوز إبعاد مكتسب الجنسية من الوطن ما لم تسقط عنه الجنسية، ولا تسليمه لدولة أجنبية إذا اقترف جريمة في الخارج وعاد إلى الجزائر، وتكفل له الدولة الحماية الدبلوماسية في الخارج وترعى شؤونه في الداخل، أي أنه يخضع كغيره من المواطنين لمبدأ المساواة في كل ما يتعلق بالحقوق والواجبات، على أن هناك قيد ورد في المادة:73 الفقرة الأولى من دستور الجزائر لسنة:1989 المعدل سنة:1996، حيث أشارت إلى عدم إمكانية ترشح مكتسب الجنسية الجزائرية لمنصب رئاسة الجمهورية.
أما فيما يخص الآثار الجماعية لاكتساب الجنسية الجزائرية عن طريق الزواج فقد تم النص عليها في قانون الجنسية الجزائرية المعدل والمتمم، حيث أن الأولاد القصر للأجنبي أو الأجنبية الذين اكتسبوا الجنسية الجزائرية يصبحون جزائريين كوالدهم هذا ما نصت عليه المادة 17 .

خاتمة

من خلال هذا العرض الموجز يتضح لنا أن الأمر:05/01 المعدل والمتمم لقانون الجنسية الجزائرية لسنة:1970، قد خفف من حدة القيود التي كانت مفروضة على اكتساب الجنسية الجزائرية، وهو ما يتضح جليا من خلال إضافة طريق جديد لاكتساب الجنسية الجزائرية وهو زواج أجنبي بجزائرية أو زواج أجنبية بجزائري، والذي لم يكن معروفا في قانون الجنسية الجزائري لسنة: 1970، فهذا التعديل الجديد يمكن على أساسه أن تجد الدولة حلولا لعدة مشاكل كانت عالقة في المجتمع الجزائري، كما أن التعديل الجديد سمح للدولة الجزائرية بأن تساير المجتمع الدولي من خلال تطبيقها للاتفاقيات والمواثيق التي وقعت عليها، بالإضافة إلى مواكبته السياسة المنتهجة من طرف الدولة، فاعتناق النظام الحاكم للنهج الليبرالي الرأسمالي المنفتح على السوق العالمية سيجلب لا محالة العديد من الأجانب و من خلال تعاملاتهم الاقتصادية واحتكاكهم بالمجتمع الجزائري الذي من شأنه أن يدفعهم إلى ربط علاقات شخصية كالزواج، مما يتولد عنه تفضيلهم العيش في الجزائر ولا سبيل إلى ذلك إلا من خلال اكتساب الجنسية الجزائرية عن طريق الزواج.
فالمرونة التي أضفاها المشرع الجزائري على قانون الجنسية ضمن التعديل الجديد تهدف إلى تفادي العديد من العوائق وعلى رأسها مشكل تنازع القوانين الذي ينشأ عن تعدد الجنسيات في الأسرة الواحدة، فحفاظا على تماسك العائلة ووحدتها، أدرج المشرع الجزائري الزواج كطريق من طرق اكتساب الجنسية الجزائرية سعيا منه إلى توحيد الجنسية داخل الأسرة الواحدة.
هذا وقد سمح المشرع الجزائري من خلال التعديل الجديد بأن تكون للشخص الواحد أكثر من جنسية، وذلك بإلغائه لشرط التصريح الرسمي للأجنبي بالتخلي عن جنسيته السابقة، مما ينجر عنه حالات تعدد الجنسيات في المجتمع، فهذا بالإضافة إلى مخالفته العديد من المواثيق و الإعلانات الدولية التي تنادي بضرورة القضاء على حالات تعدد الجنسيات من بينها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومعاهدة لاهاي المنعقدة في:12/04/1930، فهو يسبب في نفس الوقت المشاكل التي سعى المشرع إلى الخروج منها، فحتى و إن دخلت الزوجة الأجنبية في جنسية زوجها غير أن تمتعها بأكثر من جنسية واحدة قد يبقي على المشاكل السالف ذكرها.